الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَيُوَزعُ الْمُسَمَّى عَلَى قِيمَتهمَا، قياسًا على ما إذا باع ثوبًا وشقصًا من دار، فإنه يجوز وإن اختلفا في حكم الشفعة، واحتجنا إلى التقويم بسببها، والثاني: البطلان، لأن اختلاف الأحكام يغلب على الظن وقوع الانفساخ في أحدهما وذلك يجر جهلًا إلى العوض، ومحل الخلاف أن يكون العقدان لازمين، فلو جمع بين بيع وجعالة لم يصح قطعًا، ذكره الرافعي في المسابقة، ويرد على تعبير المصنف إذا باع شقصًا وثوبًا من دار فإنه صحيح قطعًا مع اختلافهما في الحكم كما سلف وغيره مما هو موضح في الأصل، أَوْ بَيْعٍ وَنكَاحٍ صَحَّ النِّكَاحُ، لأنه لا يفسد بفساد الصداق، وَفي الْبَيْعِ وَالصدَاقِ القَوْلانِ، تقدما بتعليلهما.
وَتَتَعددُ الصفْقَةُ بِتَفْصِيلِ الثمَنِ كَبِعتُكَ ذَا بِكَذَا وَذَا بِكَذَا، وَبِتَعَدُّدِ الْبَائِع، أي كبعناك هذا بكذا، وَكَذَا بِتَعَدُّدِ الْمُشترَى، أي كبعتكما هذا بكذا، في الأظْهرِ، قياسًا على البايع، والثاني: لا، لأن المشتري يبني على الايجاب السابق، وَلَوْ وَكلَاهُ أَوْ وَكلَهُمَا فَالأصَحُّ اعتِبَارُ الْوَكِيلِ، لأن أحكام العقد تتعلق به، والثاني: اعتبار الموكل؛ لأن الْمِلْكَ لَهُ.
بَابُ الخيَارِ
يَثْبُتُ خِيَارُ الْمَجْلِسِ فِي أَنْوَاع الْبَيْع، كَالصرفِ؛ وَالطعَامِ بِطَعَامٍ؛ وَالسلَمِ؛ وَالتوْلِيَةِ؛ وَالتشريكِ؛ وَصُلْح الْمُعَاوَضَةِ، لقوله صلى الله عليه وسلم:[الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا أَوْ يَقُولَ أَحَدُهُمَا لِلآخَرِ اختر] متفق عليه (46)، وفي رواية البيهقى [حَتى يَتَفَرَّقَا مِنْ مَكَانِهِمَا](47)،
(46) رواه البخاري في الصحيح: كتاب البيوع: باب إذا لم يُوَقتِ الخيار؟ الحديث (2109). ومسلم في الصحيح: كتاب البيوع: الحديث (43/ 1531). ولفظ البخاري: [أَوْ يَقُولَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِه].
(47)
الحديث عن عبدا لله بن عمرو يقول: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: [إيمَا رَجُلٍ ابْتَاعَ =
واحترَز بالمعاوضة عن صلح الْحَطِيْطَةِ (48) فإنه لا خيار فيه، لأنه إن ورد على دين فإبراء، أو على عين فهبة، والصلح على المنفعة ودم العبد لا خيار فيهما قاله القاضي، ولا خيار في القسمة والحوالة على الأصح وإن جعلناهما بيعًا، ولا في بيع العبد من نفسه على الأصح.
وَلَوِ اشْتَرَى مَنْ يَعتِقُ عَلَيْهِ، فإن قُلْنَا: الْمِلْكُ فِي زَمَنِ الْخِيَارِ لِلْبَائِع؛ أَوْ مَوْقُوفٌ، فذَلَهُمَا الْخِيَارُ، لوجود المقتضى له بلا مانع، وَإِن قُلْنَا: لِلْمُشْتَرِي؛ تَخيرَ الْبَائِعُ، لما سبق، دُونَهُ، لأن مقتضى ملكه له أن لا يتمكن من إزالته وأن يترتب عليه العتق فلما تعذر الثاني بقى الأول، ولا خِيَارَ فِي الإبرَاءِ وَالنكَاح وَالْهِبَةِ بِلا ثَوَابٍ، أي وهى التي صرح بنفيه عنها لانتفاء اسم البيع عنها، وَكَذَا ذَاتُ الثوَابِ، أي بعد قبض الموهوب، لأنها لا تسمى بيعًا، والنص ورد في المتبايعين، وَالشفْعَةُ، لأن المأخوذ منه لا خيار له وتخصيص خيار المجلس بأحد الجانبين بعيد، وَالإجَارَةُ، لأنها عقد غرر إذ هو عقد على معدوم، والخيار غرر ولا يضمُّ غررٌ إلى غرر، وَالْمُسَاقَاةُ، كالإجارَةِ، وَالصَّدَاقُ، لأن المال تبع في النكاح لا مقصود، فِي الأصَحِّ، أي في المسائل الخمس، والثانى: أن الخيار ثابت في الجميع، أما في الهبة: فلأن الأصح أنها بيع اعتبارًا بالعنى، وأما في الشفعة: فلأن الأخذ بها ملحق بالمعاوضات بدليل الردِّ بالعيب، وهو ما صححه الرافعي في بابها، وأما الإجارة: فلأنها معاوضة لازمة
= مِنْ رَجُلٍ بَيعًا، فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالخِيَارِ حَتى يَتَفَرقَا مِنْ مَكَانِهِمَا، إِلَّا أنْ يَكُونَ صفَقَة خِيَارٍ، ولا يَحِل لأحَدٍ أنْ يُفَارِقَ صَاحِبَهُ مَخَافَةَ أن يُقِيْلَهُ]. رواه البيهقي في السنن الكبرى: كتاب البيوع: باب المتبايعان بالخيار: الحديث (10586).
(48)
الْحَطيطَةُ في اللغة من (حَط) أىْ نَزَلَ، و (المحط) الْمَنْزِلُ. وَالحُطُطُ- بِضَمَتَيْنِ- الأبْدَانُ الناعِمَةُ. وَالْحَطيطَةُ: مَا نَزَلَ مِنَ الثمَنِ وَمَا يُحَطُّ مِنْهُ. قال أهل التفسير: الْحَط: إِنزَالُ الشيء مِنْ عُلُو. وَفِى الأَثمَانِ هُوَ مَا أسْقَطَ مِنَ الثمَنِ. واسمُ المَحطُوطِ: الْحَطِيْطَةُ. وَالحَطيطَةُ في اصطِلاح الفُقَهاءِ هُوَ نَوْعٌ مِنَ الْبَيْع، وَفِي عرفِهم يَرجعُ البَائِعُ إِلَى الاِعتِبَارِ بِمِثْلِ الثمَنِ الذي اشْتَرَى بِهِ، مَعَ إِسْقَاطِ قَدر مَعلُومٍ مِنهُ. فَيَضع البَائعُ شَيْئًا مِنٍ الثمَنِ بمَا يَصطَلِحُ عَلَيهِ مِعَ الْمشتَرِي مِنْ غيْرِ خِيَارٍ، وَلهذَا هُوَ صلح وَليسَ مُعَاوَضَة؛ ويسَمَّى وَضيْعَة وَنَقِيْصَة أيضًا.
فأشبهت البيع، وصحح المصنف في تصحيحه ثبوت الخيار في الإجارة المتعلقة بالزمان، وأما الْمُسَاقَاةُ: فكذلك أيضًا، وأما الصَّدَاقُ: فلأنه عقد مستقل.
وينْقَطِعُ، أي الخيار، بِالتخَايُرِ بِأَن يَخْتَارَا لُزُومَهُ، أي وكذا لو قال أبطلنا الخيار أو أفسدناه على الأصح في شرح المهذب، فَلَوِ اخْتَارَ أَحَدُهُمَا، أي لزومه، سَقَطَ حَقُّهُ وَبَقِيَ للآخَرِ، كخيار الشرطِ، وَبِالتفَرُّقِ بِبَدَنِهِمَا، للحديث السالف، وخرج بالبدن التفرق بالسروح، فإنه لا يبطل، نعم؛ لو حمل أحدهما مكرهًا لم يبطل خياره على الأصح، فَلَوْ طَالَ مُكثُهُما أَوْ قَامَا وَتَمَاشَيًا مَنَازِلَ دَامَ خِيَارُهُمَا، لعدم التفرقِ، وَيُعتَبَرُ فِي التفَرُّقِ الْعُرفُ، أي فما عده الناس تفرقًا لُزِمَ به وإلّا فلا، لأن ما ليس له حد في الشرع ولا في اللغة يرجع فيه إلى العرف والعادة.
وَلَوْ مَاتَ فِي الْمَجْلِسِ أَوْ جُنَّ فَالأصَحُّ انْتِقَالُهُ إِلَى الْوَارِثِ وَالْوَليِّ، كخيار الشرط والعيب، والثانى: لا؛ بل يسقط، أما في الموت: فلأنه أبلغ من مفارقة البدن، وأما في الجنون: فلأنه في معناه، وقوله: الأصَحُّ صوابه الأظهر في الأُولى كما في الروضة، والصحيح في الثانية كما في شرح المهذب.
فَرعٌ: الإغماء كالجنون.
وَلَوْ تَنَازَعَا فِي التفَرُّقِ، أي بأن جاءا معًا وقال أحدُهما: تفرقنا، وأنكر الآخر، وأرادا الفسخ، أَوِ الفَسخ قَبْلَهُ، أي بأن اتفقا على التفرق وقال أحدُهما: فسخت قبله، وأنكر الآخر، صُدِّق النافِي، أي بيمينه عملًا بالأصل.
فَصْلٌ: لَهما وَلأحَدِهِمَا شَرطُ الْخِيَارِ، بالإجماع، في أَنْوَاع الْبَيْع، كبيع الحيوان والعقار وغيرهما، أما غير البيع كالفسوخ والنكاح والطلاق والعتق والابراء والإجارة فلا.
فَرع؛ يجوز شرطه أيضًا كالاجنبى على الأظهر.
إِلَّا أَن يَشْتَرِطَا الْقَبْضَ فِي الْمَجْلِسِ كَرَبَوِيٍّ وَسَلَم، أي فإنه لا يجوز شرطه
فيه لأنه إذا امتنع الأجل امتنع الخيار بطريق أَولى، قُلْتُ (•): ولا خيار أيضًا في الحوالة وإن جعلناها بيعًا، ولا فيما إذا اشترى من يعتق عليه أن ينفرد به، ولا خيار في المصراة أيضًا للبائع، لأنه يمنع من الحلب وترك الحلب يَضُرُّ بِالبَهِيْمَةِ، وَإنمَا يَجُوزُ فِي مُدَّةٍ مَغلُومَةٍ، نفيًا للغرر، لا تَزِيدُ عَلَى ثَلاثةِ أيامٍ (49)، لاندفاع الحاجة بها غالبًا، فلو زاد عليها بطل العقد، ولا يخرج على تفريق الصفقة لوجود الشرط الفاسد وهو مبطل للعقد، قُلْتُ: ويشترط أيضًا أن تكون المدة متصلة بالعقد، وأن يكون المبيع لا يفسد فيها.
وَتُحسَبُ، أي ابتداء المدة، مِنَ الْعَقْدِ، أي إذا أطلقا، لأنه ثبت بالشرط الموجود في العقد، وَقِيلَ: مِنَ التفَرُّقِ، لأن الجمع بين خيارين متماثلين في وقت واحد لا معنى له، ونسبه الماوردي إلى الجمهور وقال الإمام: ميل النص إليه أكثر، وَالأظْهرُ، أن في خيار المجلس والشرط، أَنهُ إِن كَان الْخِيَارُ لِلْبَائِع، فَمِلْكُ الْمَبِيع لَهُ، وَإن كَان لِلْمُشتَرِي فَلَهُ، لأنه إذا كان الخيار لأحدهما كان هو وحده متصرفًا في المبيع ونفوذ التصرف دليل على الملك، وَإن كَان لَهُمَا فَمَوْقُوفٌ، لأنهما قد تساويا، فَإن تَم الْبَيْعُ بَان أنهُ لِلْمشترِي مِنْ حِينِ الْعَقْدِ وَإلَّا فَلِلْبَائِع، والثاني: أن المِلْكَ للمشتري مطلقًا لتمام البيع بالصيغة، والثالث: أنه للبائع مطلقًا استصحابًا لما كان، وتظهر فائدة الخلاف في الاكساب وما في معناها.
وَيَحصُلُ الْفَسْخُ وَالإجَارَةُ بِلَفظٍ يَدُل عَلَيْهِمَا: كَفَسَخْتُ الْبَيْعَ؛ وَرَفَعتُهُ؛
(•) في نسخة (3): فَرعٌ.
(49)
لحديث ابن عُمَرَ قال: كَانَ حبانُ بنُ مُنقِذٍ رَجُلًا ضَعِيفًا، وَكَانَ قَدْ سُفِعَ في رَأسِهِ مَأمُومَةَ؛ فَحَعَلَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم لَهُ الخيارَ فِيْمَا اشتَرَى ثَلاثًا، وَكَانَ قد ثَقُلَ لِسَانُهُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:[بع وَقُل: لا خَلابَةَ] فَكنْتُ أَسْمَعُهُ يَقُولُ: لا خَذَابَةَ. رواه البيهقي في السنن الكبرى: كتاب البيوع: باب الدليل على أن لا يجوز شرط الخيار: الحديث (10595) وأصله في الصحيحين. والسفْعُ: العَلامَةُ وَالأثَرُ؛ وَالمَأمُومَةُ: هِىَ الشجةُ التى بَلَغَت أمَّ الرأسِ وَهِىَ الجِلْدَةُ التى تَجمَعُ الدمَاغَ.
وَاسْترجعتُ الْمَبِيعَ، وَفِي الإجَارَةِ: أَجَزْتُهُ؛ وَأَمضَيْتُهُ، أي وكذا رددت الثمن ونحو ذلك، وَوَطء الْبائِع وَإِعتَاقُهُ فَسْخٌ، لإشعار الأول باختيار الإمساك وتضمن الثاني الفسخ، وهذا إذا كان الخيار له، وخرج بالوطء مقدماته، ويستثنى وطء البائع أو المشتري الخنثى المشكل فإنه ليس فسخًا ولا إجازة فإن اختار الأنوثة بعده تعلق الوطء السابق بالحكم، وفي كتاب الخصال لأبي بكر الخفاف: أنه إذا اعتق أحدهما في المجلس ارتفع الخيار، وكذا إذا أوقفها فيه، وكذا إذا أتلف السلعة بأيِّ جنايةٍ كانت؛ هذا لفظُهُ ومنهُ نقلتُهُ.
وَكَذَا بَيْعُهُ وَإِجَارَتُهُ وَتَزْوِيجُهُ فِي الأصَح، لدلالتها على ظهور الندم، والثاني: لا، لأن الأصل بقاء العقد فيستصحب إلى أن يوجد الفسخ صريحًا، وَالأصَحُّ: أَن هذِهِ التصَرفَاتِ، أي الوطء وما ذكر بعده، مِنَ المشتَرِي إِجَازَةٌ، لأن وطء البائع اختيار للمبيع فكذا وطئ المشتري، والثاني: لا، لأن الفسخ بالعيب لا يمنعه الوطء فكذا هنا، ومحل الخلاف إذا لم يأذن له البائع فيه، فإن أذن ووطئ كان إجازة منهما قطعًا، وكذلك الإذن في البيع والعتق وغرهما، وَأن العَرضَ عَلَى الْبَيْع وَالتوْكِيلَ فِيهِ لَيْسَ فَسْخًا مِنَ الْبَائِع ولا إِجَازَةً مِنَ الْمُشْتَرِي، لأنها لا تقتضى إزالة ملك وليست بعقود لازمة، والثاني: نعم قياسًا على الرجوع عن الوصية.
فَضلٌ: لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ بِظُهُورِ عَيْبٍ قَدِيمٍ، بالإجماع، كَخَصَاءِ رَقِيقٍ، لأن الفعل يصلح لما لا يصلح له الخصي والجب كالخصي، والخصاء في البهيمة عيبٌ، قاله الجرجاني في شافيه وهو وارد على المصنف، وَزِنَاهُ وَسَرِقَتِهِ وَإبَاقِهِ، أي ذكرًا كان أو أنثى أقيم عليه الحد أو لا، تكررت منه أم لا، صغيرًا كان أو كبيرًا، واستثنى الهروي الصغر، وَبَوْلهِ بِالْفِرَاشِ، أي إن كان كبيرًا وهو ابن سبع كما في التهْذيبِ، أو يكون مثله يحترز عنه كما قاله القاضي أبو الطيب وغيره، ذكرًا كان أو أنثى والأصح اعتبار مصيره عادة، وَبَخَرِهِ، أي الناشئ من تغير العدة دون ما يكون من قلح الأسنان، فإن ذلك يزول بتنظيف الفم، وَصِنَانِهِ، أي المستحكم دون ما يكون لعارض عرق ونحوه، وَجِمَاحِ الدابةِ، أي وهو امتناع ركوبها، وَعَضِّها،
وَكُل مَا يَنْقُصُ الْعَيْنَ أَوِ الْقيمَةَ نَقْصًا يَفُوُتُ بِهِ غَرضٌ فصَحِيحٌ إِذَا غَلَبَ فِي جِنْسِ الْمَبِيع عَدَمُهُ، هذا ضابط يكتفى به عن تفصيل العُيوبِ، فإنه لا مطمع في استيفائها وهو للإمام رحمه الله فيدخل في نقصان العين الخصاءُ وقطعُ الأنملةِ، واحترز بقوله (غَرَضٌ صَحِيْحٌ) عما لو قطع من فخذه أو ساقه قطعة يسيرة لا يفوت بها غرض، وهذا قيد في نقصان العين فقط، وخرج بقوله (إِذَا غَلَبَ في جِنْسِ الْمَبِيع عَدَمُهُ) الثيوبة في الأمَةِ الكبُيرةِ ويمكن أن يرد هذا القيد إلى العين، ويحترز به عن قلع الأسنان في الكبير؛ فإنه لا يُردُّ به بلا شك، قال في المطلب: وكذا لا رَدّ ببياض الشعر في الكببر، قال في الاستقصاء: وكذا بقطع الأنف؛ لأنه لا يخفى ولا يَخْلُو ما ذكره عن احتمال لجواز أن يخفى تَأمُّلُهُ لِدَهْشِهِ، سواءٌ قَارَن الْعَقْدَ، هذا هو المجمع عليه كما سلف، أَم حَدَثَ قَبْلَ الْقَبْضِ، لأن المبيع والحالة هذه من ضمان البائع فكذا جزؤه وصفته؛ [هذا إذا كان التعيب بصفة سماوية](•).
وَلَوْ حَدَثَ بعدَهُ، أي بعد القبض، فلا خِيَارَ، لأنه بالقبض صار من ضمانه فكذا جزؤه وصفته، إلّا أَن يَسْتَنِدَ إِلَى سَبَبِ متقدِّمٍ، أيْ على القبض أو العقد، كقَطْعِهِ بِجِنَايةٍ سابقَةٍ، أي كسرقة، وكذا زوال بكارة بزواج متقدم واستيفاء الحد بسياط، فَيَثْبُتُ الرَّدُّ في الأصَح، أيْ إذا كان جاهلًا بالسبب ويكون من ضمان البائع إحالة للهلاك على السبب، والثانى: لا يثبت؛ لأنه قد يتسلط على التصرف بالقبض فيدخل المبيع في ضمانه أيضًا، لكن يرجع على البائع بالارش وهو ما بين [قيمته](•) مستحق القطع وعير مستحقه وهذا ما نصَّ عليه فى الإِملاء، والأولُ هو منصوصُ في الأُمِّ فوجب التعبير بالأظهر، أما إذا كان عالمًا فليس له الرد ولا أرش لدخوله في العقد على بصيرة، بِخِلًافِ مَوْتِهِ بِمَرَضٍ سابق فِي الأصَحِّ، لأن المرض يتزايد فيحصل الموت بالزائد فلا يتحقق إضافته إلى السابق، وقيل: فيه الخلاف في الصورة التي قبلها. وكان ينبغي له التعبير بالمذهب، والأصح القطع بما قدمته، ثم
(•) ما تحته خط موجود في النسخة (1) فقط.
قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: وضعناه في هذه النسخة الإلكترونية بين معكوفتين
كلامه يوهم أن الخلاف في هذه الصورة في الرد، وليس كذلك فإنه قد تعذر بموته، وإنما الخلاف في أن المبيع من ضمان البائع حتى ينفسخ أم لا.
وَلَوْ قُتِلَ بِرِدَّةٍ سَابِقَةٍ ضَمِنَهُ الْبَائِعُ فِي الأَصَحِّ، لأن التلف حصل بسبب كان في يده فأشبه ما لو باع عبدًا مغصوبًا فأخذه المستحق منه، والثاني: يضمنه المشتري؛ لأن القبض سلطه على التصرف، ولا يخفى أن الكلام بعد القبض، فإن كان قبله انفسخ قطعًا، وأن محلَّ الخلاف حالة جهل المشتري بحاله، فإن كان عالمًا فلا يرجع بشيء.
وَلَوْ بَاعَ بِشَرْطِ بَرَاءَتِهِ مِنَ الْعُيُوبِ، فَالأظْهَرُ: أَنهُ يَبْرَأُ عَنْ كُلِّ عَيْبٍ بَاطِنٍ بِالْحَيْوَانِ لَمْ يَعْلَمْهُ دُونَ غَيْرِهِ، أي غير الحيوان كالعقار فلا يَبْرَأ في شيء منه، وغير الباطن من الحيوان، فلا يَبْرأ من شيءٍ ظاهرٍ بالحيوان، وغير الذي لم يعلمه من باطن الحيوان فلا يَبْرأ مما علمه وإن كان باطنًا، لأن الحيوان يتغذى بالصحة والسقم فَقَلَّ ما ينفكُّ من عيب خفي فيحتاج البائعُ إلى الشرطِ ليثقَ باستقرار العقد، وبخلاف المعلوم للبائع فإنه بإخفائه مدلس، وَالظَّاهِرُ غَيْرُ الْمَعْلُومِ في حُكمِ الْمَعْلُومِ لسهولة الاطلاع عليه، والقول الثاني: يبرأُ مطلقًا عملًا بالشرط، والثالث: لا مطلقًا، لأنه خيارٌ ثَابِتْ بِالشَّرْعِ فلا ينتفى بالشرط كسائر مقتضيات العقد، وَلَهُ مَعَ هَذَا الشَّرْطِ الرَّدُّ بِعَيْبٍ حَدَثَ قَبْلَ الْقَبْضِ، أي عند إطلاق الشرط، لانصرافه إلى الموجود عند العقد، وَلَوْ شَرَطَ الْبَرَاءَةَ عَمَّا يَحْدُثُ لَمْ يَصِحَّ فِي الأَصَحِّ، لأنه إسقاط للشيء قبل ثبوته فلم يسقط كما لو أبرأهُ عن ثمن ما يبيعه له، . والثاني: يصح بطريق التبع، والثالث: إن أفرد ما لم يحدث لم يصح أو ضم إليه القديم فيصح تبعًا، وَلَوْ هَلَكَ الْمَبِيعُ عِنْدَ الْمُشْتَرِى، أي بآفة سماوية وغيرها، أَوْ أَعْتَقَهُ ثُمَّ عَلِمَ الْعَيْبَ رَجَعَ بِالأرْشِ، لِتَعَذُّر الرَّدِّ إذ لا مردودَ، ولا يمكن إسقاطُ حق المشتري، فرجعنا إلى الأرش، وينبغي أن يكون مرادهُ العبد المسلم، أما الكافر فلا، لأنه لم ييأَس من الردِّ، فإنه قَدْ يلتحقُ بدار الحرب فَيُسْتَرَقُّ ثم يعود إلى ملكهِ واليَأْسُ هو العِلَّةُ الصحيحة كما ستعلمه.
فَرْعٌ: الاستيلادُ والوقفُ كالعِتْقِ.
فَرْعٌ: لو اشترى عبدًا بشرطِ العتقِ ثُمَّ وَجَدَ بهِ عيبًا بَعْدَمَا أعتقَهُ فَلَهُ الارشُ على ما رآه ابن كج، وكذا إذا اشترى من يعتق عليه ثم وجد به عيبًا.
فَرْعٌ: لو كان المبيعُ التالفُ ربويًا قَدْ بِيْعَ بمثله من جنسه ففي إثباتِ الرجوعِ وجهان، ومقتضى إطلاق المصنف ثبوتُهُ.
وَهُوَ، أي الأرش، جُزْءٌ مِنْ ثَمَنِهِ، أي من ثمن المبيع، نِسْبَتُهُ إِلَيْهِ، أي نِسْبَةُ ذلك الجزء إلى الثمن نسبة، مَا نَقَصَ الْعَيْبُ، أي مثل نسبة الذي نقصَهُ الْعَيْبُ، مِنَ الْقِيمَةِ لَوْ كَان سَلِيمًا، أي المبيع إلى تمام قيمة السليم كما ذكره في الْمُحَرَّرِ، مثاله: كانت القيمة مائة دون العيب وتسعين معه فالتفاوت العشر فيكون الرجوع بِعُشْرِ الثَّمَنِ؛ فإذا كان بمائتين فبِعُشْرَيْنِ أو بخمسين فبخمسه. وَالأَصَحُّ اعْتِبَارُ أَقَلِّ قِيَمِهِ، أي المبيع، مِنْ يَوْمِ الْبَيْعِ إِلَى الْقَبْضِ، لأن القيمة إن كانت يوم البيع أقل فالزيادة حدثت في ملك المشتري وإن كانت يوم القبض أقل فما نقص من ضمان البائع، وكان ينبغي للمصنف أن يعبر بالمذهب كما عبر به في الروضة. فإن هذا المذكور هو أصح الطريقين على القطع بهذا، وقيل: في المسألة ثلاثة أقوال؛ أحدهما: هذا، وثانيها: يوم القبض، وثالثها: يوم البيع، ثم كلامه أيضًا يقتضى اعتبار النقصان الحاصل بين العقد والقبض، وقد صرح به في الدَّقَائِقِ (50) وبأنه غيَّر عبارةَ الْمُحَرَّرِ لأجل ذلك، وفيه نظر: لأن النقصان الحادث قبل القبض إذا زال قبل القبض لا يثبت للمشتري الخيار فكيف يكون مضمونًا على البائع؟ ! وَلَوْ تَلِفَ الثَّمَنُ دُونَ الْمَبِيعِ، أيْ واطلع على عيب بالمبيع، رَدَّه وَأَخَذَ مِثْلَ الثَّمَنِ، أي إذا كان مثليًا، أَوْ قِيمَتَهُ، أي إن كان متقومًا كغيره.
(50) عبارة الإمام النووي في الدقائق: ص 60: (وقولهُ في أَرْشِ الْعَيْبِ: الأصحُّ اعتبارُ أقلِّ قِيَمِهِ مِن يومِ البيع إلى القَبْضِ: وَهُوَ أصوبُ مِن قولِ الْمُحَرَّرِ: الاعتبارُ بأقلِّ القيمتينِ مِن يومِ البيع والقبضِ: فإنّه يقتضي أن لا يعتبرَ الوسط، ولفظ المنهاج صريحٌ في اعتبارهِ، وهو الصوابُ). إنتهى من الدقائق.
فَرْعٌ: خروجه عن مِلْكِهِ بالبيع ونحوه كتلفه.
وَلَوْ عَلِمَ الْعَيْبَ بَعْدَ زَوَالِ مِلْكِهِ إِلَى غَيْرِهِ فَلَا أَرْشَ فِي الأَصَحِّ، لأنه لم ييأس من الرد فربما عاد إليه فرده، وقيل: لأنه استدرك الظُّلَامَةَ وروَّج كما روَّج عليه، وهذه العلَّة نقلها في البيان عند الأكثرين، لكنه مخالف لما في المهذب وغيره من كون الأكثرين على أن العلَّة الأُولى، والثاني: له الأرش كما لو مات، وقوله الأصح صَوَابُهُ المشهور كما عبَّر به في الروضة، فَإِنْ عَادَ الْمِلْكُ فَلَهُ الرَّدُّ، لزوال التعذر وتبين أنه لم يستدرك الظُّلَامَةَ. وَقِيلَ: إِنْ عَادَ بِغَيْرِ الرَّدِّ بَعَيْبٍ، أي بأن عاد بإرثٍ أو هبة ونحوهما، فَلَا رَدَّ، لزوال الاستدراك حينئذ، وَالرَّدُّ عَلَى الْفَوْرِ، لأن الأصل في البيع اللزوم، فإذا أمكنه الرد وقصَّر لزمه حكمه، وهذا في الأعيان، أما الموصوف إذا قبض وظهر به عيبٌ فلا يعتبرُ الفورُ إن قلنا لا يملك إلا بالرضى إذ الملك موقوف عليه، وكذا إذا قلنا يملك بالقبض على الأوجه كما قاله الإمام ونقله الرافعي في الكتابة وأقرَّةُ، لأنه ليس معقودًا عليه وإنما يثبت الفور فيما يؤدي رده إلى دفع العقد ابقاءًا للعقد، ويستثنى من كلام المصنف أيضًا قريبُ العهد بالإسلام إذا ادَّعى الجهل بأن له الردّ، ومن ادعى أنه لا يعرفه على الفور لخفائه على العوام، قال في الروضة: إنما يقبل ممن يخفى على مثله، فَلْيُبَادِرْ عَلَى الْعَادَةِ أي فلا يؤمر بالعَدْوِ والركض لِيَرُدَّهُ، فَلَوْ عَلِمَهُ وَهُوَ يُصَلِّي، أي فرضًا أو نفلًا، أَوْ يَأْكُلُ، أي أو يقضي حاجته، فَلَهُ تَأْخِيرُهُ حَتَّى يَفْرُغَ، لأنه لا يُعَدُّ مقصرًا، أَوْ لَيْلًا فَحَتَّى يُصْبِحَ، لما قَرَّرْنَاهُ من عدم التقصير.
فَرْعٌ: لو وجد عيبًا بعد الحول فبادر إلى إخراج الزكاة من غيرها عند ظهور العَيْبِ حتى يتخلص من حق الغير ولم يتطاول الزمان هل له الرد؟ فيه وجهان؛ أحدهما: نعم لقرب الزمان، والثاني: لا، لأن إخراج الزكاة اشتغال بغير الرد قاله الرويانى.
فَإِنْ كان الْبَائِعُ بِالْبَلَدِ رَدَّهُ عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ أَوْ وَكِيْلُهُ، أي عليه إذا لم يحصل
بالتوكيل تأخير، أَوْ عَلَى وَكِيلِهِ، لأنه قائم مقامه، وَلَوْ تَرَكَهُ وَرَفَعَ الأَمْرَ إِلَى الْحَاكِمِ فِهُوَ آكَدُ، لأن المالك ربما أحوجه في آخر الأمر إلى المرافعة إليه، فيكون الإِتيان إليه أولًا فاصلًا للأمر قطعًا، قال الرافعي: والتخيير المذكور هو الذي فهمته من كلام الأصحاب، وقال الإمام: المذهب إن العدول إلى الحاكم مع وجود المردود عليه تقصير، قال صاحب المطلب: وإذا علم المشتري بحضرة أحدهم كان التأخير للآخر تقصيرًا، وَإِنْ كَانَ غَائِبًا، أي عن البلد، رَفَعَ إِلَى الْحَاكِمِ، أي لا يؤخر لقدومه ولا للمسافرة به، وظاهر إطلاق المصنف يشمل الغيبة القريبة أيضًا لما فيه من الحرج. وَالأصَحُّ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الاِشْهَادُ عَلَى الْفَسْخِ، أي على طلبه، إِنْ أَمْكَنَهُ حَتَّى يُنْهِيَهُ إِلَى الْبَائِعِ أَوِ الْحَاكِمِ، لأنه المقدور عليه، والثاني: لا، لأنه إذا كان طالبًا للبائع أو الحاكم لا يعد مقصرًا، وصرح الغزالي بإشهاد اثنين وهو احتياط كما في المطلب لأن الواحد مع اليمين كافٍ، وقوله: حتى ينهيه، يقتضى وجوب الذهاب، لكن إذا أشهد على الفسخ نفدَ (51) لأنه لا يتوقف عندنا على خصم ولا على قاضٍ.
فَإِنْ عَجَزَ عَنِ الاِشْهَادِ لَمْ يَلْزَمْهُ التَّلَفُّظُ بِالْفَسْخِ فِي الأصَحِّ، لأن الكلام الذي يقصد به إعلام الغير ما في النفس يبعد إيجابه من غير سامع، والثاني: يلزمه، ونقله في التتمة عن عامة الأصحاب ليبادر بحسب الإمكان. وَيُشْتَرَطُ تَرْكُ الاِسْتِعْمَالِ فَلَوِ اسْتَخْدَمَ الْعَبْدَ أَوْ تَرَكَ عَلَى الدَّابَّةِ سَرْجَهَا أَوْ إِكَافَهَا، أي البرذعة في سيره للرد أو في المدة حتى التي يُغتفر التأخير إليها، بَطَلَ حَقُّهُ، أي إذا لم يحصل بنزعه ضرر للدابة لإشعاره بالرضى، ولو خدمه وهو ساكت فظاهر كلام المصنف أنه لا يؤثر، لكن ظاهر كلامه أن مجرد الاستخدام يؤثر وإن لم يوجد؛ وفيه نظر.
وَيُعْذَرُ فِي رُكُوبِ جَمُوحٍ يَعْسُرُ سَوْقُهَا وَقَوْدُهَا، للحاجة فلو لم تكن جموحًا فلا يعذر كما لو لبس الثوب للرد. وَإِذَا سَقَطَ رَدَّهُ بِتَقْصِيرٍ فَلَا أَرْشَ، لأنه هو
(51) نَفَدَ: المعنى هنا استفرغ جهده بما حصل من الاشهاد.
المفوت بتقصيره. وَلَوْ حَدَثَ عِنْدَهُ عَيْبٌ، أي بجناية أو آفة، سَقَطَ الرَّدُّ قَهْرًا، لما فيه من الإضرار بالبائع، لأنه أخذه بعيب فلا يرده بعيبين، نعم لو علم العيب القديم بعد زوال الحادث رده عليه على الصحيح، ونسيان القُرْآنِ والحِرْفَةِ بِمَثَابَةِ الْعَيْبِ لنقصان القيمة، ثُمَّ إِنْ رَضِيَ بِهِ الْبَائِعُ، أي بلا أرش عن الحادث، رَدَّهُ، على الصحيح، الْمُشْتَرِي أَوْ قَنِعَ بِهِ، أي بلا أرش عن القديم كما لو لم يحدث عيب، وَإِلَّا، أي وإن لم يرضَ البائع به، فَلْيَضُمَّ الْمُشْتَرِي أَرْشَ الْحَادِثِ إِلَى الْمَبِيعِ وَيَرُدَّ أَوْ يَغْرَمْ الْبَائِعُ أَرْشَ الْقَدِيمِ، وَلَا يَرُدُّ، لأن كلًا من المسلكين فيه جمع بين المصلحتين، فَإِنِ اتَّفَقَا عَلَى أَحَدِهِمَا، أي على أحد هذين المسلكين، فَذَاكَ، لأن الحق لهما، وَإِلَّا أي وإن تنازعا فدعا أحدهما إلى الرد مع أرش الحادث والآخر إلى الإمساك وغرامة الأرش القديم، فَالأصَحُّ إِجَابَةُ مَنْ طَلَبَ الإِمْسَاكَ، أي والرجوع بأرش العيب، سواء كان هو البائع أم المشتري، لما فيه من تقرير العقد، والثاني: يجاب البائع، لأنه إما غارم أو آخذ ما لم يرد العقد عليه، والثالث: يجاب المشتري، لأن البائع قد لبَّسَ عليه.
فَرْعٌ: لو اطلع على عيب الثوب بعد صبغه فأراد البائع إعطاء الأرش وأراد المشتري رد الثوب وأخذ قيمة الصبغ أو عكسه فالمجاب البائع على الأصح.
وَيَجِبُ أَنْ يُعْلِمَ الْمُشْتَرِيُ الْبَائِعَ عَلَى الْفَوْرِ بِالْحَادِثِ لِيَخْتَارَ، أي هل يقبله بالأرش أم لا، فَإِنْ أَخَّرَ إِعْلَامَهُ بِلَا عُذْرٍ فَلَا رَدَّ وَلَا أَرْشَ، كما في الرد بالعيب حيث جوزناه. نعم لو كان الحادث قريب الزوال غالبًا كالرمد والحمى فلا يعتبر الفور على أحد القولين بل له انتظار زواله ليرده سليمًا عن العيب الحادث.
وَلَوْ حَدَثَ عَيْبٌ لَا يُعْرَفُ الْقَدِيمُ إلَّا بِهِ كَكَسْرِ بَيْضٍ، أو وهو بيض النعام، وَرَانِجٍ، بكسر النون وهو الجوز الهندي، وَتَقْوِيرِ بَطِّيخٍ مُدَوَّدٍ رُدَّ، كالمصرات، وَلَا أَرْشَ عَلَيْهِ فِي الأَظْهَرِ، لأن البائع سلطه على كسره إذ لا يعلم عيبه إلا به فهو معذور في تعاطيه. والثاني: يردُّ ويردُّ معه الأرش رعايةً للجانبين، والثالث: لا يرد
أصلًا كسائر العيوب الحادثة، أما بيضُ الدجاج المذرة والبطيخ المدود كله أو المعفن؛ فإنه يرجع بجميع الثمن ويلزم البائع بتنظيف المكانِ، وتبين فساد البيع لوروده على غير متقوم، فَإِن أَمْكَنَ مَعْرِفَةُ الْقَدِيمِ بِأَقَلِّ مِمَّا أَحْدَثَهُ فَكَسَائِرِ الْعُيُوبِ الْحَادِثَةِ، لعدم الحاجة إليه، وذلك كما إذا قوّر البطيخ الحامض وقد أمكن الوقوف على حاله بغرز شيء فيه.
فَرْعٌ: اشْتَرَى عَبْدَيْنِ مَعِيبَيْنِ صَفْقَةً رَدَّهُمَا، كالعين الواحدة، فلو أراد افراد أحدهما بالرد ففيه القولان الآتيان في المسألة أثرها، وَلَوْ ظَهَرَ عَيْبُ أَحَدِهِمَا رَدَّهُمَا، لما فيه من تفريق الصفقة عليه. لَا الْمَعِيبُ وَحْدَهُ فِي الأظْهَرِ، لما فيه من تفريق الصفقة على البائع من غير ضرورة، والثاني: له ذلك لاختصاصه بالعيب، والخلاف جارٍ في كل شيئين لا تتصل منفعة أحدهما بالآخر.
فَرْعٌ: لو رضي البائع بالافراد جاز على الأصح.
وَلَوِ اشْتَرَى عَبْدَ رَجُلَيْنِ مَعِيبًا، فَلَهُ رَدُّ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا، تعدد البائع يوجب تعدد العقد وفيه وجه في البحر، وَلَوِ اشْتَرَيَاهُ فَلأحَدِهِمَا الرَّدُّ فِي الأَظْهَرِ، لأنه رد جميع ما ملك، والخلاف مبني على تعدد الصفقة بتعدده، وَلَوِ اخْتَلَفَا فِي قِدَمِ الْعَيْبِ صُدِّقَ الْبَائِعُ، أي إذا ادعى الحدوث وأمكن، لأن الأصل لزوم العقد، وعدم العيب في يده. واستثنى في الوسيط ما إذا اختلفا بعد التحالف وانفساخ البيع، وقال: إن القول قول المشتري، ولو ادعى المشتري وجود عيبين في يد البائع فاعترف بأحدهما؛ وادعى حدوث الأخر في يد المشتري فإن القول قول المشتري؛ لأن الرد يثبت بإقرار البائع بأحدهما فلا يبطل بالشك، قاله ابن القطان في مطارحاته، بِيَمِينِهِ، لاحتمال صدق المشتري، عَلَى حَسَبِ جوَابِهِ، أي على مثل جوابه فإن قال في جوابه: ليس له الرد علَيّ بالعيب الذي يذكره أو لا يلزمني قبوله حلف على ذلك، وإن قال: ما بعته إلا سليمًا أو ما أقبضته إلا سليمًا حلف كذلك، وَالزِّيَادَةُ الْمُتَّصِلَةُ كَالسَّمْنِ تَتْبَعُ الأَصْلَ، لعدم أمكان إفرادها، وَالْمُنْفَصِلَةُ كَالْوَلَدِ وَالأُجْرَةِ
لَا تَمْنَعُ الرَّدَّ، عملًا بمقتضي العيب، وَهِيَ لِلْمُشْتَرِي إِنْ رَدَّ بَعْدَ الْقَبْضِ، لقوله صلى الله عليه وسلم[الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ] رواه أبو داود، وقال الحاكم: صحيح الإسناد (52). ومعناه أن ما يخرج من المبيع من غَلَّةٍ وفَائِدَةٍ فهو للمشتري في مقابله أنه لو تلف لكان من ضمانه، وَكَذَا قَبْلَهُ فِي الأصَحِّ. الخلاف مبني على أن الفسخ يرفع العقد من حينه أو من أصله؛ والأصح الأول. وَلَوْ بَاعَهَا حَامِلًا فَانْفَصَلَ رَدَّهُ مَعَهَا في الأَظْهَرِ، بناء على أن الحمل يعلم ويقابل بقسط من الثمن، والثاني: لا؛ بناء على مقابله. وهذا إذا لم تنقص بالولادة، فإن نقصت امتنع الرد، قاله الرافعي، واحترز بقوله (فَانْفَصَلَ) عما إذا كانت بَعْدُ حاملًا فإنه يردها لذلك جزمًا.
فَرْعٌ: باع دجاجة فيها بيضة فباضت ثم وجد بالدجاجة عيبًا هل يلزمه ردُّ البيضة مع الدجاجة؟ وجهان؛ بناءً على القولين في الحمل ذكره الروياني.
وَلَا يَمْنَعُ الرَّدُّ اسْتِخْدَامَ، بالإجماع، وَوَطْءَ الثَّيِّبِ، أي في حق المشتري قياسًا على الاستخدام، أما غيره إذا كانت زانية فإنه عيب حادث، ووطئ الأجنبي والبائع بشبهة كوطءِ المشتري.
(52) • الحديث عن عائشة رضي الله عنها؛ رواه أبو داود في السنن: كتاب البيوع: باب فيمن اشترى عبدًا فاستعمله: الحديث (3508). والحاكم في المستدرك: كتاب- البيوع: الحديث (2180/ 51). وأخرجه بلفظ: [قَضَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم أَنَّ الْخَرَاجَ بالضَّمَانِ]: الحديث (2178)، ولم يتكلم الحاكم عن الحديث، وسكت الذهبي عنه أيضًا.
• أما حديث عائشة رضي الله عنها؛ أَنَّ رَجُلًا ابْتَاعَ غُلَامًا، فَأَقَامَ عِنْدَهُ مَا شَاءَ الله أَنْ يُقِيْمَ؛ ثُمَّ وَجَدَ بهِ عَيْبًا، فَخَاصَمَهُ إِلى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فرَدَّهُ عَلَيْهِ؛ فَقَالَ الرَّجُلُ: يَا رَسُولَ الله! قدِ اسْتَغَلَّ غُلَامِي؟ فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: [الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ]. رواه أبو داود في السنن: الحديث (3510)، وقال: هذا إسناد ليس بذاك. وأخرجه الحاكم في المستدرك: الحديث (2176/ 47 و 48) بلفظ: [الْغَلَّةُ بِالضَّمَانِ]، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
• رواه الترمذي في الجامع: كتاب البيوع: باب ما جاء فيمن يشتري العَبْدَ: الحديث (1285)، وقال: هذا حديث حسن صحيح.
وَافْتِضَاضُ الْبِكْرِ، وهو إزالة بكارتها، بَعْدَ الْقَبْضِ نَقْصٌ حَدَثَ، أي فيمنع الردّ كسائر العيوب الحادثة، وَقَبْلَهُ جِنَايَةٌ عَلَى الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ، أي فيفرق بين الأجنبي والبائع والمشتري والآفة السماوية وقد أوضحته في الشرح.
فَصْلٌ: التَّصْرِيَةُ حَرَامٌ، لأنها غش وتدليس (53)، تُثْبِتُ الْخِيَارَ، لقوله صلى الله عليه وسلم[مَنِ اشْتَرَى شَاةً مُصَرَّاةً فَهُوَ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِنْ رَدَّهَا رَدَّ مَعَهَا صَاعًا مِنْ طَعَامٍ] رواه مسلم (54)، عَلَى الْفَوْرِ، كالرد بالعيب، وَقِيلَ: يَمْتَدُّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، للحديث الصحيح المذكور وهذا الوجه هو الحق. وقد نصَّ عليه إمامنا في الإِمْلَاءِ وغيره، ولو عرَفها قبل ثلاثة أيام فخياره على الفور على الأول، وعلى الثاني يمتد إلى آخر الثلاثة، ولو عرَفها في آخر الثلاث أو بعدها فعلى الثاني لا خيار لامتناع مجازوة الثلاث، وعلى الأول يثبت على الفور قطعًا، فَإِنْ رَدَّ بَعْدَ تَلَفٍ اللَّبَنِ رَدَّ مَعَهَا، أيْ مع البهيمة، صَاعَ تَمْرٍ، للحديث الصحيح فيه، وَقِيلَ: يَكْفِي صَاعُ قُوتٍ، لأنه ورد التمر والطعام والقمح كما أخرجه أبو داود (55) فدل على اعتبار القوت مطلقًا كصدقة الفطر. أما
(53) • لحديث أبى هريرة رضي الله عنه؛ قَالَ: (نَهَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم عَنِ الَّنجْشِ وَعَنِ التَّصْرِيَةِ). رواه البخاري في الصحيح: كتاب الشروط: باب الشروط في الطلاق: الحديث (2727). ومسلم في الصحيح: كتاب البيوع: الحديث (12/ 1515).
• وَالتَّصْرِيَةُ في اللغة: أَنْ يُترَكَ حَلْبُ الأَنْعَامِ، فَيَجْتَمِعُ اللَّبَنُ في ضَرْعِهَا. وفي الاصطلاح الفقهى: تَرْكُ الْبَائِعِ حَلْبَ النَّاقَةِ أوِ الشَّاةِ أوْ غَيْرِهَا عَمْدًا مُدَّةَ قَبْلَ بَيْعِهَا، لِيَجْتَمِعَ اللَّبَنُ فِي ضَرْعِهَا، فيَغْتَرَّ بِهَا المُشْتَرِي فَيَزِيْدُ ثَمَنُهَا.
(54)
• رواه مسلم في الصحيح: كتاب البيوع: باب حكم بيع المصراة: الحديث (24/ 1524) ولفظه: [مَنِ ابْتَاعَ شَاةً مُصَرَّاةً فَهُوَ فِيْهَا بِالْخِيَارِ ثَلَاثةَ أَيَّامٍ، إِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا، وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا، وَرَدَّ مَعَهَا صَاعًا مِن تَمْر].
• عن أبى هريرة رضي الله عنه قال: عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: [لَا تُصَرُّواْ الإِبِلَ وَالْغَنَمَ، فَمَنِ ابْتَاعَهَا بَعْدُ؛ فَإِنَّهُ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ بَعْدَ أَنْ يَحْتَلِبَهَا: إِنْ شَاءَ أَمْسَكَ وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا وَصَاعَ تَمرٍ]. رواه البخاري في الصحيح: كتاب البيوع: الحديث (2148). ومسلم في الصحيح: الحديث (26/ 1524).
(55)
لحديث ابن عمر رضي الله عنهما؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [مَنِ ابْتَاعَ مُحَفَّلَة فَهُوَ =
إذا كانَ اللبنُ باقيًا؛ فإن طلب البائع رده لم يجبر المشتري، لأن ما حدث بعد البيع هو ملك له، وإن طلب المشتري فإن حَمِضَ لم يكلف البائع قبوله، وكذا إن لم يتغير في الأصح لذهاب طراوته، ورأيتُ في كتاب الخصال لأبي بكر الخفاف: أن المصراة يردها مع صاع تمر إلا في حالتين: أن يكون اللبن موجودًا لم يتغير، وأن يكون اشتراها بأقل من صاع مع اللبن فلا يردَّها مع صاعٍ؛ قال: وفيه نظر.
فَرْعٌ: تَرَاضَيَا عَلى غَيْرِ التَّمْرِ مِنْ قوتٍ وغيرهِ جَازَ قَطْعًا قالهُ البغويُّ.
فَرْعٌ: يتعدد الصاع بتعدد المصراة كما نقله ابن قدامة الحنبلى عن الشافعى، ولم أرهُ في كلام أصحابنا (56).
فَرْعٌ: رَضِيَ بإمساكِ الْمُصَرَّاةِ وَوَجَدَ بِهَا عَيْبًا قديمًا فالنصُّ والمذهبُ أنه يَرُدُّهَا ويردُّ اللَّبنَ، وقيل: يتعين الأرش.
وَالأَصَحُّ: أَنَّ الصَّاعَ لَا يَخْتَلِفُ بِكَثْرَةِ اللَّبَنِ، وَقِلَّتِهِ لإطلاقِ الخبرِ وقطعًا للنزاع، والثاني: يَتَقَدَّرُ بقدره لِوُرُودِهِ كذلك في رواية أبي داود السالفة؛ فإن فيها رد مثل أو مثلي لبنها قمحًا، وَأَنَّ خِيَارَهَا لَا يَخْتَصُّ بِالنَّعَمِ، وهى أي الإبل والبقر
= بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنْ رَدَّهَا رَد مَعَهَا مِثْلَ أوْ مِثلَيْ لَبَنِهَا قَمْحًا]. رواه أبو داود في السنن: كتاب البيوع: باب من اشترى مُصَرَّاة فكرهها: الحديث (3445) والحديث إسناده ضعيف. وليس التمر بقيد؛ والله أعلم.
(56)
قال ابن قدامة رحمه الله: فَصْلٌ: إذا اشترى مُصْرَاتَيْنِ أو أكثر في عقدٍ واحدٍ فَرَدَّهُنَّ ردَّ مَعَ كُلِّ مُصَرَّاةٍ صَاعًا؛ وبهذا قال الشافعى وبعضُ أصحاب مالك. وقال بعضهم في الجميع صاعٌ واحدٌ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [مَنِ اشْتَرَى غَنَمًا مُصَرَّاةً فَاحْتَلَبَهَا فَإِنْ رَضِيَهَا أمْسَكَهَا وَإِنْ سَخِطَهَا فَفِي حَلْبَتِهَا صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ] ولنا عموم قوله [مَنِ اشْتَرَى شَاةَ مُصَرَّاةً- و- مَنِ اشْتَرَى مُحَفَّلَة] وهذا يتناول الواحدة، ولأن ما جعل عوضًا عن الشيء في صفقتين وجب إذا كان في صفقةٍ واحدةٍ كأرشِ العيب. أما الحديث فإن الضمير يعود إلى الواحدةِ. إنتهى من المغني لابن قدامة المقدسي: كتاب البيوع: باب المصراة وغير ذلك: مسألة؛ وقال: سواء كان المشترى ناقة أم بقرة أم شاة: ج 4 ص 236.