المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كتاب المُسَاقَاةِ المُسَاقَاةُ: أصلُها مِنَ السَّقْي، لأنهُ أَنفَعُ الأعمَالِ، وَهِيَ عَقْدٌ - عجالة المحتاج إلى توجيه المنهاج - جـ ٢

[ابن الملقن]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الصيام

- ‌بَابُ صَوْمِ التَّطَوُّعِ

- ‌كِتَابُ الاِعْتِكَافِ

- ‌كِتَابُ الْحَجِّ

- ‌بَابُ المَوَاقِيتِ

- ‌بَابُ الإِحْرَامِ

- ‌بَابُ دُخُولِ مَكَّةَ زَادَهَا اللهُ شَرَفًا

- ‌بَابُ مُحَرَّمَاتِ الإِحْرَامِ

- ‌بَابُ الإحِصَارِ وَالفَوَاتِ

- ‌كتاب البيع

- ‌بَابُ الْرِّبَا

- ‌بابُ الْبُيُوع الْمَنْهِيِّ عَنْها

- ‌بَابُ الخيَارِ

- ‌بَابُ الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ

- ‌بَابُ التوْلِيَةِ وَالإِشْرَاكِ وَالْمُرَابَحَةِ

- ‌بَابُ الأصُولِ وَالثمَارِ

- ‌بَابُ اخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ

- ‌بَابُ مُعَامَلَاتِ الْعَبِيدِ

- ‌كِتَابُ السَّلَمِ

- ‌كِتَابُ الرَّهنِ

- ‌كتاب التفليس

- ‌بِابُ الْحَجْرِ

- ‌كِتَابُ الْصُّلْحِ

- ‌كِتَابُ الحوالةِ

- ‌كتاب الضمان

- ‌كِتَابُ الشِّرْكَةِ

- ‌كِتَابُ الْوَكَالةِ

- ‌كتاب الإقرار

- ‌كِتَابُ الْعَارِيَّةِ

- ‌كِتَابُ الْغَصْبِ

- ‌فُرُوعٌ مَنْثُورَةٌ نَخْتِمُ بِهَا الْبَابَ مُهِمَّةٌ

- ‌كِتَابُ الشُّفْعَةِ

- ‌كِتَابُ الْقراضِ

- ‌كتاب المُسَاقَاةِ

- ‌كتاب الإجارة

- ‌كتاب إحياء الموات

- ‌كتاب الوقف

- ‌كتاب الهبة

- ‌كِتَابُ الْلُّقَطَةِ

- ‌كِتَابُ الْلَّقِيطِ

- ‌كتاب الجُعَالةِ

الفصل: ‌ ‌كتاب المُسَاقَاةِ المُسَاقَاةُ: أصلُها مِنَ السَّقْي، لأنهُ أَنفَعُ الأعمَالِ، وَهِيَ عَقْدٌ

‌كتاب المُسَاقَاةِ

المُسَاقَاةُ: أصلُها مِنَ السَّقْي، لأنهُ أَنفَعُ الأعمَالِ، وَهِيَ عَقْدٌ يعقِدُهُ مَالِكُ الشَّجَرِ مَعَ عَامِل لِيَتَعَهدَها بِالسَّقْي وَالتربيَةِ عَلَى أَن الثمَرَةَ تَكُونُ بَينَهُمَا، وَالأصلُ فِيها قَبْلَ اتِّفَاقِ الصحَابَةِ وَالتابِعِينَ أَنهُ عليه الصلاة والسلام [عَامَلَ أهْلَ خَيبَرَ بِشَطْرِ مَا يَخْرُجُ مِنْها مِنْ ثَمَرٍ أَوْ زَرع] متفق عليه (163).

تَصِح مِنْ جَائِزِ التصَرفِ، لأنهُ تصرف في المالِ كالقِرَاضِ، وَلصَبِيّ وَمَجْنُون بِالْولايَةِ، للاحتياج إلى ذلك، وَمَوْرِدُها النخْلُ وَالْعِنَبُ، أمَّا النخْلُ فللحديث السالف، وأمَّا الْعِنَبُ فَبِالقِيَاسِ، وَقِيلَ: بِالنصّ، وَجَوزَها الْقَدِيمُ فِي سَائِرِ الأشجَارِ الْمُثْمِرَةِ، أي كالتين والزيتون والتفاح لعمومِ الحاجةِ كالنخْلِ وَالعِنَبِ، وهُو الْمُختارُ. والجديدُ: المنعُ، إذ لا زكاةَ في ثمرها فأشبهتْ غيرَ الْمُثْمِرَةِ، وَالْفرقُ أَنَّ ثِمَارَ النخِيلِ وَالْعِنَبِ لَا تَنمُو إلا بِالْعَمَلِ، وَغَيرها يَنْمُو مِنْ غَيرِ تَعَهدٍ، وهذَا كُلهُ إذَا أفْرِدَتْ هذه الأشجارُ بالمساقاةِ، أما لو سَاقَى عَلَيها تَبَعا لِلنخْلِ وَالْعِنَبِ إذا كانتْ بَينَهُمَا فَيَجُوزُ على الصحيح مِن زوائدِ الرَّوْضَةِ في آخر بابِ الزراعةِ كما تجوزُ المزارعةُ تبعًا

(163) عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما؛ (أَن رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم عَامَلَ أهْلَ خَيبرَ بِشَطْرِ مَا يَخرُجُ مِنْها مِنْ ثَمَر أوْ زَرع). رواه البخاري في الصحيح: كتاب الحرث والمزارعة: باب إذا لم يشترط السنين في المزارعة: الحديث (2329). ومسلم في الصحيح: كتاب المساقاة: باب المساقاة والمعاملة بجزء من الثمر: الحديث (1/ 1551). والبيهقي في السنن الكبرى: كتاب المساقاة: الحديث (11825) بلفظ (تَمرٍ) بدل (ثَمَر).

ص: 920

للمساقاةِ، وبه جزم الماوردي، لكن قيّدَهُ بما إذا كانَتْ قليلة تابعة لِلنَّخْلِ وَالعِنَبِ، فقولُ المصنفِ أولًا (وَمَورِدُها النخْلُ وَالْعِنَبُ) مرادُهُ أَصَالةً لا تَبَعًا، واحترَزَ المصنفُ بالمثمرة عما لا تثمر كالصُنُوبَرِ فلا تجوز المساقاةُ عليهِ قطعًا، وقيل: في الخلاف وجهان لأغصانه فإنها مُنزَّلة مَنْزِلَة الثمارِ، وخرج بذكر الأشجارِ ما لا سَاقَ لَهُ كالبطيخ وَقَضبِ السُّكرِ فلا تجوزُ المُسَاقَاةُ عَلَيها.

قَاعِدَة: يُشْتَرَط أنْ تَكُونَ الأشْجارُ مُعَينَةً مُرَتبَةً.

وَلَا تصِحُّ المُخابَرَةُ، وَهِيَ: عَمَلُ الأرضِ بِبعضِ مَا يَخْرُجُ مِنْها، وَالْبَذْرُ مِنَ العَامِلِ، وَلَا المُزَارَعَةُ، وهي: هذهِ المُعَامَلَةِ، وَالْبذْرُ مِنَ المالِكِ، لثبوت النهي عنهما في الصحيح (164)، والمعنى فيه أن تَحصيلَ مَنْفَعَةِ الأرضِ مُمكِنَه بِالإجَارَةِ، فَلَم يَجُزِ الْعَمَلُ عَلَيها ببعضِ مَا يَخْرُجُ مِنها كَالْمَوَاشِي بِخِلافِ الشجَرِ، والمختارُ جوازُهُما وتأويلُ النَّهي على مَا إِذَا شُرِطَ لواحدٍ زَرعَ قِطْعَة مِنْ أرض مُعينَةٍ وَالآخَرَ أخْرَى، فَلَو كان بَينَ النخلِ بَيَاض، صَحتِ المُزَارَعَةُ عَلَيهِ مَعَ المُسَاقَاةِ عَلَى النخْلِ، لِعُسْرِ الإفْرَادِ وَمُدَاخَلَةِ الْبُستَانِ، وعليهِ حُمِلَ مُعَامَلَةُ أَهلِ خَيبَرَ السَّالِفَةِ، بِشَرطِ اتحَادِ العامِلِ، أي فلا يجوزُ أنْ يُسَاقِيَ وَاحِدًا وَيُزَارِعَ آخَرَ؛ لأنَّ غَرَضَ الاسْتِقْلالِ لَا يحصُلُ، وَعُسْرِ إِفْرَادِ النخْلِ بِالسقْي؛ وَالبياضِ بِالعِمَارَةِ، لانتفاع النخْلِ بِسَقْي الأرضِ وَتَقْلِيبها، فإنْ أمكنَ الإفرادُ فلا؛ لانتِفَاءِ الحاجَةِ المُجَوِّزَةِ لَها، وَالأصَحُّ: أنهُ يُشْتَرَطُ أَن لَا يُفْصَلَ بَينَهُمَا، أي بين المساقاةِ والمزارعةِ، بل يأتي بهما على الاتصالِ، لأنَّ المُزَارَعَةَ تَبَعٌ، فَلَا تُفْرَدُ كَمَا لَوْ زَارَعَ مَعَ غَيرِ عَامِلِ

(164) * عن جابر بن عبد الله؛ (أنَّ النبِي صلى الله عليه وسلم نَهى عَنِ المُخَابرَةِ). رواه البخاري في الصحيح: كتاب المساقاة: باب الرجل يكون له يكون أو شرب في حائط أو في نخل: الحديث (2381). ومسلم في الصحيح: كتاب البيوع: الحديث (81/ 1536).

* عن ثابت بنِ الضَّحَّاكِ: (أنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَهى عَنِ المُزَارَعَةِ، وَأمَرَ بِالمُؤَاجَرَةِ، وَقال: لَا بأسَ بِها). رواه مسلم في الصحيح: كتاب البيوع: باب في المزارعة والمؤاجرة: الحديث (118 - 119/ 1549).

ص: 921

الْمُسَاقَاةِ، والثاني: تَصِحُّ المزارعةُ لحُصُولهِمَا لشخصٍ واحدٍ، وَأَن لَا يُقَدّمَ الْمُزَارَعَةَ، أي على المساقاة؛ لأنها تَابِعَة وَالتابِعُ لَا يَتَقَدَّمُ عَلَى المَتْبُوع، كما لو باعَ شرطَ الرَّهْنِ لا يجوزُ تقديمُ لفظِ الرَّهْنِ على البيع، والثاني: ينعقدُ موقوفُهُ. فَإِنْ سَاقَاهُ بَعدَها بَانَتْ صِحَّتها وَإِلا فَلَا، وَأن كثيرَ الْبَيَاضِ كَقَلِيلِهِ، للحاجة، والثاني: لا، لأنَّ الأكثرَ متبوع لا تابع، ثُمَّ النظَرُ فِي الْكَثْرَةِ إِلَى مَسَاحَةِ الْبَيَاضِ وَمَغَارِسِ الشَّجَرِ عَلَى الأصَح من زوائدِ الروضةِ، وَأَنهُ لَا يُشْتَرَطُ تَسَاوي الْجُزْءِ الْمَشْرُوطِ مِنَ الثمَرِ وَالزرع، أي بَلْ لَوْ شَرَطَ لِلْعَامِلِ نِصفَ الثمَرِ وَرِبْعَ الزّرع جَازَ، وإنَّ الْمُزَارَعَةَ وَإِنْ جُوّزَتْ تَبَعًا؛ فَكُل مِنْهُمَا عَقْدٌ بِرأسِهِ، والثاني: يُشْتَرَطُ التسَاوي لأنَّ التفْضِيلَ يَزِيلُ التبَعِيَّةَ، وَأنهُ لَا يَجُوزُ أَن يُخَابِرَ تَبَعًا لِلْمُسَاقَاةِ، لأنَّ الحديثَ وَرَدَ فِي الْمُزَراعَةِ تَبَعًا فِي قِصَّةِ خَيبرَ دُونَ الْمُخَابَرَةِ، والثاني: يَجُوزُ تَبَعًا لِلْمُسَاقَاةِ كَالْمُزَرَاعَةِ.

فَرعٌ: لو شرطَ كونَ البذرِ من المالِك والبقرِ من العاملِ أو عَكْسَهُ؛ فَالأصَحُّ الْجَوَازُ إِنْ كَانَ الْبَذْرُ مَشْرُوطًا مِنَ الْمَالِكِ لأنهُ الأصلُ، فَكَأَنهُ اكترَى الْعَامِلَ وَبَقَرَهُ.

فإن أُفْرِدَتْ أَرضٌ بِالْمُزَارَعَةِ فَالْمُغَلُّ لِلْمَالِكِ، وَعَلَيهِ لِلْعَامِلِ أجْرَةُ عَمَلِهِ وَدَوَابهِ وآلاته، أي إنْ كَانَتْ لَهُ، لأَنَّ الْعَقْدَ بَاطِل وَالْحَالةُ هذِهِ وَعَمَلَهُ لَا يحبطُ مَجَانًا، وَكَذَا إِذَا أَفْرَدَ الأرضَ بِالْمُخَابَرَةِ فَإن الْعَقْدَ بَاطِل وَالْمُغَلُّ لِلْمَالِكِ، وَلِمَالِكِ الأرضِ عَلَيهِ أُجْرَةُ مِثْلها، وَطَرِيقُ جَعلِ الْغلةِ لَهُمَا، وَلَا أجْرَةَ أَن يَسْتَأجِرَهُ بِنصفِ الْبَذْرِ ليِزْرَعَ لَهُ النِّصفَ الاخَرَ ويعِيرُهُ نِصفَ الأرضِ أَوْ يَسْتأجِرَهُ بنِصفِ الْبَذْرِ وَنصفِ مَنْفَعَةِ الأرضِ لِيَزْرَعَ النصفَ الآخَرَ فِي النّصفِ الآخَرِ مِنَ الأرضَ.

فَصلٌ: يُشْتَرَطُ تَخْصِيصُ الثمَرِ بِهِمَا، وَاشْتِرَاكهُمَا فِيهِ، وَالْعِلْمُ بِالنصيبَينِ بِالْجُزْئيةِ كَالْقِرَاضِ، أَي فَلَوْ شَرَطَ بعضَ الثّمَارِ لِثَالث أَوْ كُلها لأحَدِهِمَا فَسَدَتِ الْمُسَاقَاةُ، وَفِي اسْتحقَاقِ الأجرَةِ عِنْدَ شرطِ الْكُلِّ لِلْمَاكِ وَجْهانِ كَالْقِرَاضِ أَصَحُّهُمَا: الْمَنْعُ، وَلَوْ قَال: سَاقَيتُكَ عَلَى أَنَّ لَكَ جُزْءًا مِنَ الثمَرَةِ فَسَدَتْ، أَوْ عَلَى أَنها بَينَنَا أَوْ عَلَى أَنَّ نصفَها لِي أَوْ نِصفَها لَكَ فَحُكْمُهُ كَمَا فِي الْقِرَاضِ، وَالأظْهرُ:

ص: 922

صِحَّةُ الْمُسَاقَاةِ بَعْدَ ظُهُورِ الثمَرِ، لأنهُ أَبعَدُ عَنِ الْغَرَرِ بِالوُثُوقِ بِالثمَارِ فَهُوَ أوْلَى بِالْجَوَازِ، والثانِي: لَا يَصِح؛ لِفَوَاتِ بعضِ الأعمَالِ، وَصحَّحَهُ الْمَحَامِلِي وَقَال الْمَاوَردِيُّ: إنهُ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهبِ الشافِعِيِّ وَالأصَحُّ عَلَى أَصلِهِ، لَكِن قَبلَ بُدُوِّ الصلاح، أَي أمَّا بَعدَهُ، فَالأَصَحُّ الْقَطْعُ بِالْمَنْع، لأنهُ قَد فَاتَ مُعظَمَ الأعمَالِ وَالْمُسَاقَاةُ عَقْدُ عَمَلٍ.

وَلَوْ سَاقَاهُ عَلَى وَدِيِّ لِيَغْرِسَهُ ويكُون الشجَرُ لَهُمَا لَمْ يَجُز، لأنهُ تَعلِيق لِلْمُسَاقَاةِ عَلَى صِفَةٍ؛ وَالْوديُ: صِغَارُ النخْلِ، وَلَوْ كَان، يَعنِي الوديَ، مَغرُوسًا وَشَرَطَ لَهُ جُزْء مِنَ الثمَرِ عَلَى الْعَمَلِ، فإن قَدرَ لَهُ مدَّةً يُثْمِرُ فِيها غَالِبًا صَحَّ، أي وَلَا يَضُرُّ كَوْنُ أَكثرِ الْمدَّةِ لَا ثَمَرَ فِيها كَمَا لَوْ سَاقَاهُ عَشْرًا وَالثمَرَةُ يَغْلِبُ وُجُودُها فِي الْعَاشِرَةِ خَاصَّة، وَإِلا فَلَا، أي وَإِنْ قَدَّرَ مُدَّة لَا يُثْمِرُ فِيها غَالِبًا لَمْ يَصُحُّ لِخُلُوها عَنِ الْعِوَضِ كَالْمُسَاقَاةِ عَلَى الأشْجَارِ التِي لَا تُثمِرُ، وَقِيلَ: إِن تَعَارَضَ الاحتِمَالان، أَي احتِمَالُ الأثْمَارِ وَعَدَمِهِ، صَح، لأن الثمَرَةَ مَوْجُودَة، فَإِنْ أثْمَرَتِ اسْتَحَق، وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَهُ؛ وَالأصَحُّ المَنْعُ، لأنهُ عَقْدٌ عَلَى عِوَضٍ غَيرِ مَوْجُودٍ، وَلَا الظاهِرُ وُجُودُهُ فَأَشبه السلَمَ فِيمَا لَا يُوْجَدُ غَالِبًا، وَلَهُ مُسَاقَاةُ شَرِيكِهِ فِي الشجَرِ، إِذَا شَرَطَ لَهُ زَيادَةَ عَلَى حصتِهِ، أي كَمَا إِذَا كَانَ بَينَهُمَا نصفَينِ وَشَرَطَ لَهُ ثُلُثَي الثمَرِ؛ فَكانْ شَرَطَ لَهُ نِصفَ الثّمَارِ أوْ ثُلُثُها لَمْ يَصحَ، وإنهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ عِوَضًا بِالمُسَاقَاةِ فَإِنهُ يَستَحِقُّ النّصفَ بِالْمِلْكِ.

فَرعٌ: لَوْ شَرَطَ أَنْ يَتَعَاوَنَا فِي الْعَمَلِ فَسَدَتْ؛ فَمَحِلُّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنّفُ إِذَا اسْتَبدَّ بِالْعَمَلِ.

فَصلٌ: ويشتَرَطُ أَن لَا يَشْتَرِطَ عَلَى الْعَامِلِ مَا لَيسَ مِنْ جِنس أعمَالِها، أي التي جَرَتْ عَادَةُ الْعَامِلِ بِعَمَلِها، كَمَا لَوْ شَرَطَ أَنْ يَبْنِيَ لَهُ جدرَانَ الحَدِيقَةِ؛ فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ لَمْ يَصُح، لأنهُ اسْتِئْجَار بِعِوَضِ مَجْهُولٍ وَاشْتِرَاطُ عَقْدٍ فِي عَقْدٍ، وَأَن يَنْفَرِدَ بِالعَمَلِ، أَي فَلَو شَرَطَا مُشَارَكَةَ الْمَالك بِالعَمَلِ فَسَدَ الْعَقدُ، وَإِن شَرَطَا أنْ يَعمَلَ مَعَهُ غُلامُ

ص: 923

الْمالِكِ جازَ عَلَى المَذْهَبِ، والْمَنْصُوصُ كَما قَدَّمْتُهُ في القِراضِ بِشَرطِهِ، وَبِالْيَدِ في الحَدِيقَةِ، لِيَتَمَكنَ مِنَ العَمَلِ مَتَى شاءَ، فَلَوْ شَرَطَ كَوْنَها في يَدِ الْمالِكِ أوْ مُشارَكَتَهُ في اليَدِ لَمْ يَجُزْ، وَمَعْرِفَةُ الْعَمَلِ، أيُّ جُمْلَة لا تَفْصِيلًا، بِتَقْدِيرِ الْمُدَّةِ كَسَنَةٍ أَوْ أَكْثَرَ، لأنها عَقْد لازِمٌ فأشبهَتِ الإِجارَةَ، وَلا يَجُوزُ التوقِيتُ بِإدراكِ الثمَرِ في الأصَح، لِلْجَهْلِ بِهِ؛ لأنهُ يَتَقَدَّمُ تارَةً وَيَتأَخرُ أُخرَى، والثانِي: يَجُوزُ لأنهُ الْمَقْصُودُ، وَصِيغَتُها: ساقَيتُكَ عَلَى هَذا النخْلِ، أَي أَو الْعِنَبِ، بِكَذا، لأنهُ مَوْضُوعٌ لَهُ، أَوْ سَلمْتُهُ إِلَيكَ لِتَتَعَهدَهُ، لِوَفائِهِ بِالْمَقْصُودِ وَيَنْعَقِدُ بِكُلِّ لَفْط يُؤَدِّي مَعْناها كَإِعْمَلْ عَلَى هَذا النخْلِ وَنَحوهِ، ويشْتَرَطُ الْقُبُولُ، لِلُزُومِها، دُون تَفْصِيلِ الأعْمالِ، أي فَإِنهُ لَا يُشْتَرَطُ، ويحمَلُ الْمُطْلَقُ في كُلِّ ناحِيَةٍ عَلَى الْعُرفِ الْغالِبِ.

فَصل: وَعَلَى الْعامِلِ ما يُحتاجُ إِلَيهِ لِصَلاح الثمَرِ، واسْتِزادَتِهِ، مِمّا يَتَكَررُ كُل سَنَةٍ، أي عِندَ الإطْلاقِ؛ كَسَقْي، وَإِنْ لَمْ يَشْرَبْ بِعُرُوقِهِ، وَتَنقِيَةِ نَهْرٍ وَإصلاح الأجاجِينَ التِي يَثْبُتُ فِيها الْماءُ، أي شُبِّهَ بِالإجَانَةِ الذِي يُغْسَلُ فِيها، وَتَلْقِيحٍ، وَتَنْحِيَةِ حَشِيشٍ وَقُضْبان مُضِرةٍ، لاقْتِضاءِ الْعُرفِ ذَلِكَ، وَتَعْرِيشٍ جَرَتْ بِهِ عادَة، عَمَلًا بِها، وَإنما اعْتَبَرنا التِّكْرارَ لأنهُ ما لا يَتَكَرَّرُ يَبْقَى أَثَرُهُ بَعْدَ فَراغ الْمُساقاةِ، وَتَكْلِيفِ الْعامِلِ مِثْلَ هَذا إِجْحافٌ بِهِ، والتلْقِيحُ: وَضعُ شَيء مِنْ طَلْع الذُّكُورِ في طَلعِ الإِناثِ، وَكَذا حِفْظُ الثمَرِ وَجَذاذِهِ وَتَجْفِيفِهِ في الأصَح، أَمّا في الأوْلَى: فَكَحِفْظِ مالِ القِراضِ، فَإِنْ لَمْ يَنْحَفِظْ بِنَفْسِهِ فَعَلَيهِ مُؤْنَةُ مَنْ يَحفَظُهُ وَوَجْهُ مُقابِلِهِ؛ وَهُوَ الْوُجُوبُ عَلَيهِما عَلَى قَدَرِ مِلْكَيهِما وَهُوَ الأقْيَسُ؛ كَما قَال الرّافِعِيُّ: إِنَّ الذِي يَجِبُ عَلَى الْعامِلِ ما يَتَعَلقُ بِزِيادَةِ الثمَنِ وَتَنْمِيَتهِ، وأمَّا في الثانِيَةِ: فَهِىَ جذاذُهُ، فَلأَنُّ الصَّلاحَ يَحصُلُ بِهِ؛ وَوَجْهُ مُقابِلِهِ وَوُقُوعُهُ بَعْدَ كَمالِ الثّمارِ، وَأَمّا في الثالِثَةِ: فَلِما قُلناهُ، وَقيدَهُ في الرَّوْضَةِ تَبَعًا لِلرّافِعِي بِما إِذا أُطْرِدَتِ العادَةُ أَوْ شَرَطاهُ، وَوَجْهُ مُقابِلِهِ وُقُوعُهُ بَعْدَ الْفَراغ، وَما قُصِدَ بِهِ حِفْظُ الأصْلِ، وَلا يَتَكَرَّرُ كُل سَنةٍ كَبِناءِ الْحِيطانِ وَحَفْرِ نَهْرٍ جَدِيدٍ فَعَلَى الْمالِكِ، لاقْتِضاءِ الْعُرفِ ذَلِكَ.

فَرعٌ: الأصَح في سدِّ ثُلْمِ الْجُدرانِ وَوَضْع الشَّوْكِ عَلَيها اتِّباعُ العُرْفِ، وَنَصَّ

ص: 924

الشّافِعِيُّ في الأمِّ في الأوْلَى: عَلَى أَنهُ عَلَى المالِكِ، وَشَبهَ الرافِعِيُّ سَدَّ الثُلْمِ بِتَنْقِيَةِ الأنهارِ، وَلَيسَ كَما قَال؛ فَإنها عَلَى المالِكِ كَما سَلَفَ.

فصلٌ: والْمُسَاقاةُ لازِمَة، كالإِجارَةِ، فَلَوْ هَرَبَ العامِلُ قَبلَ الفَراغ، وَأَتَمَّهُ المالِكُ مُتَبَرَعًا بَقِيَ استِحقاقُ الْعَامِلِ، وإلا، أي وَإِنْ لَمْ يتِمْهُ، استأجَرَ الْحاكِمُ عَلَيهِ مَنْ يُتمهُ، أَي منْ مالِهِ؛ وإلا اقترَضَ عَلَيهِ، أَي إِنْ لَم يَجِدْ مَنْ يَستأجِرَهُ بأجْرَةٍ مُؤَجلَةٍ؛ لأنَّ العَقْدَ لا يَنْفَسِخُ بِهُرُوبِهِ كَما لا يَنْفَسِخُ بِصَرِيحِ فَسْخِهِ فَتَعَينَ هَذا طَرِيقًا إِلَى اسْتِيفاءِ العَمَلِ الْمُتَوَجَّهِ عَلَيهِ، وَلا يَخْفَى أنَّهُ لا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِ الْمُساقاةِ عِنْدَ الْحاكِمِ، وَأَن العامِلَ هَرَبَ والاقْتِراضُ يَكُونُ مِنْ بَيتِ الْمالِ وَإِلا فَمِنْ آحادِ الْمُسلِمِينَ أَو المالِكِ، فَإن لَمْ يَقدِرْ عَلَى الحاكِمِ، فَليُشهِدْ عَلَى الإِنفاقِ إِن أَرادَ الرُّجُوعَ، أي فَإنْ لَم يُشْهِدْ فَلا رُجُوعَ، لأنَّ عَدَمَ الإِشْهادِ مَعَ الْقُدرَةِ دَلِيلٌ عَلَى تَبَرعهِ، وَلَو لَم يُمْكِنْهُ الإِشْهادُ فالأصَحُّ: أَنهُ لا يَرجِعُ أيضًا؛ لأنهُ عُذر نادِرٌ. والمُعْتَبَرُ أنْ يَشْهَدَ عَلَى العَمَلِ أو الاستِئْجارِ وَبَذْلِ الأجْرَةِ بِشَرطِ الرُّجُوع، فَإن لَم يَتَعَرَّضْ لِلرُّجُوع فَكأنهُ لَمْ يَشْهَد، وَلَوْ ماتَ، أَيِ العامِلُ، وَخَلفَ تَرِكَةً، أتَم الوارِثُ العَمَلَ مِنْها، لأنهُ حَقُّ واجبٌ عَلَى مُوَرثهِمْ، نَعَمْ لَو كانَتِ المُساقاةُ وارِدَةً عَلَى العَينِ انفَسَخَت كالأجِيرِ المُعينِ، وَلهُ أن يُتم العَمَلَ بنَفْسِهِ أَو بِمالهِ، أَي وَلا يُجبَرُ عَليهِ لأنَّ مَنافِعَهُ لِنَفْسِهِ وَإِنما يُجبرُ عَلَى أداءِ ما عَلَى المُوَرثِ مِنْ تِركَتِهِ، وَلَوْ ثبَتَتْ خِيانَةُ عامِلِ ضُم إِليهِ مُشْرِفٌ، لأنهُ مُسْتَحِق للعمل، ويمكِنُ اسْتِيفاؤُهُ مِنْهُ بِهَذِهِ الطرِيقِ، فَتَعيَنَ كَما إِذا تَعَدى (•) الْمُرتَهِنُ في الرَّهْنِ، فَإنهُ يُوْضَعُ عِنْدَ عَدل، وَلا يُبطِلُ حَقهُ، فَإن لَمْ يَتَحَفَّظْ به، أيِ العامِلِ بِهِ، استُؤجِرَ مِن مالِ العَامِلِ، لِتَعَذرِ استِيفاء العَمَلِ الواجِبِ عَلَيهِ مِنْهُ والْقُدرَةُ عَلَيهِ بهَذا الطرِيقِ، وَلَو خَرَجَ الثمَرُ مُستحَقًا، أَي لِغَيرِ المُساقِي، فَلِلعامِلِ عَلَى المُساقِي أجرَةُ المِثلِ، كَما لَو استأجَرَ الغاصِبُ مَنْ عَمَلَ في المَغصُوبِ.

(•) في نسخة (1): تَعيَّنَ.

ص: 925

فَرعٌ نَخْتِمُ بِهِ الْبابَ: بَيعُ الْحَدِيقَةِ التِي ساقَى عَلَيها في الْمُدّةِ يُشْبِهُ بَيعَ العَينِ الْمُسْتَأجَرَةِ. قَال الرافِعِيُّ: وَلَمْ أَرَ لَهُ ذِكْرًا، نَعَم في فَتاوي البَغَوي: أَن الْمالِكَ إِنْ باعَها قَبْلَ خُرُوج الثمَرَةِ لَم يَصِحَّ، لأنَّ لِلْعامِلِ حَقًّا في ثِمارِها، فَكَأنهُ اسْتَثنى بَعْضَ الثمَرَةِ، وَإِنْ كانَ بَعْدَ خُرُوج الثِّمارِ صَح في الأشْجارِ، وَنَصِيبُ الْمالِكِ في الثِّمارِ. وَإِنْ باعَ نَصيبهُ مِنَ الثمَرَةِ وَحدَها لَمْ يَصحَّ لِلْحاجَةِ إِلَى شَرطِ القَطْع، وَتَعَذُّرِهِ في الشّائِع. واسْتَحسَنَ النوَويُّ ما قالهُ الْبَغَوي واقتصَرَ عَلَيهِ ابنُ الرفْعَةِ هُنا، وَقال في كِتابِ الْبَيع: إِنها مُلْحَقَة بِبَيع الثوْبِ عِنْدَ الْقَصّارِ الأجِيرِ عَلَى قُصارَتهِ قَبْلَ الْعَمَلِ، وأن تَخْرِيجَها عَلَى بَيع الْعَينِ الْمُسْتاجَرَةِ غَفْلَة عَنْ هَذا الأصلِ وَأفتى صاحِبُ البَيانِ بِالصحةِ، وَلَم يُفَرق بَينَ خُرُوج الثمَرَةِ وَعَدَمِها. وَأَن لِلْمُشْتَرِى الخِيارُ إِذا لَمْ يَعْلَمْ بِالْمُساقاةِ. وَما أَفتى بِهِ هُوَ ما نَصَّ عَلَيهِ الشَّافِعِي في الْبُوَيطِى فاسْتَفِدْهُ وَبِاللهِ التوْفِيقُ (•).

(•) في هامش نسخة (3): بلغ مقابلة على أصل صحح وقريت على المصنف وعليها خطهُ.

ص: 926