الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الجُعَالةِ
الجُعَالةُ: مثلثة الجيم كما أفاده ابنُ مالك في مثلثه. واقتصر المصنِّفُ في تحريره وتهذيبه على الكسر؛ وَهِيَ مَا يُجْعَلُ لِلإِنْسَانِ عَلَى شَيءٍ يَفْعَلُهُ. والأصلُ فيه من الكتاب قوله تعالى: {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ} أي بالصواع {حِملُ بَعِيرٍ وَأَنا بِهِ زَعِيم} (228) وكان حِملُ البعيرِ معلومًا عندهم كالوُسْقِ، وقد وَرَدَ في شرعِنا ما قرَّرَ هذا؛ وهو حديث اللدِيغ الذي رقاهُ الصحابيُّ على قطع من الغنم، متفق عليه (229)، والحاجَةُ
(228) يوسف / 72.
(229)
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه؛ قال: انْطَلَقَ نَفَرٌ مِنْ أصحَابِ النبي صلى الله عليه وسلم فِي سَفْرَةٍ سَافَرُوْها، حَتى نَزَلُوا عَلَى حَيٍّ مِنْ أحياءِ الْعَرَبِ فَاسْتَضَافُوهم، فأبَوْا أنْ يُضَيِّفُوْهُم، فَلُدِغَ سَيدُ ذَلِكَ الحَي، فَسَعَوْا لَهُ بكُل شَيء؛ لَا يَنْفَعُهُ شَيء. فَقَال بَعضُهُم: لَوْ أتَيتم هؤُلاءِ الرَّهطِ الْذِينَ نَزَلُوا لَعَلْهُ أنْ يكُونَ عِنْدَ بَعضِهِم شَيءٌ. فَأتَوْهم، فَقَالُوا: يَا أيها الرَّهْطُ إِن سَيِّدَنَا لُدِغَ، وَسَعَينَا لَهُ بِكُل شَيء لَا يَنفَعُهُ، فَهل عِنْد أحد مِنْكم مِنْ شَيء؛ فَقَال بَعضُهُم: نَعَم واللهِ، إِني لأرقِي، وَلَكِن واللهِ لَقَدِ اسْتَضَفناكُم فَلَم تُضَيِّفُونا، فَمَا أنَا برَاق لَكُم حَتى تَجْعَلُوا لَنَا جُعلا. فَصالحوهم عَلَى قَطِيع مِنَ الغَنَمِ. فَانطَلَقَ يَتفِلْ عَلَيهِ وَيَقْرأ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالمِينَ} فَكَأنمَا نشِطَ مِنْ عِقَال، فَانطَلَقَ يمشِي وَمَا بِهِ قَلَبَةٌ. قَال: فَأوفَوهم جُعلَهُم الذِي صَالحُوهم عَلَيهِ. فَقَال بَعضُهُم: اقْسِمُوا. فَقَال الذِى رَقَى: لَا تَفْعلوا حَتى نَأتِيَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَنَذكُرَ لَهُ الذِي كَانَ فَنَنْظُرَ مَا يأمُرُنَا. فَقَدِمُوا عَلَى رَسُوْلِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرُوا لَهُ، فَقَال:[وَمَا يدرِيكَ أنها رُقْيَة؟ ] ثُم قَال: [قَد أصَبْتم، اقْسمُوا وَاضْرِبُوا لِي مَعَكُم سَهْمًا]، فَضَحِكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم. رواه البخاري في الصحيح: كتاب الإجارة: باب ما يعطى في الرقية: الحديث (2276). ومسلم في الصحيح: كتاب السلام: باب جواز أخذ الأجرة على الرقية: الحديث (65/ 2201).
داعيةٌ لها فجازَتْ كالمضاربةِ.
هيَ كَقَولهِ، أي من مطلق التصرف: مَنْ رَدَّ آبِقي فَلَهُ كَذَا، أي وكذا من رَدَّ ابْنَتِي الضَّالةِ فَلَهُ كذا، أو رُدَّهُ وَلَكَ كَذَا، ويشترط في المجعولة له أهلية العمل فقط كما جزم به الرافعي، ويشْتَرَطُ صِيغَة تدُلُّ عَلَى العَمَلِ بِعِوضٍ مُلتَزَم، فَلَوْ عَمِلَ بِلا إِذْن، أَوْ أَذِن لِشخص فَعَمِلَ غَيرُهُ، فَلَا شيءَ لَهُ، أما في الأولى؛ فلأنه عمل لم يلتزم له المالك عوضًا فيقع تبرعًا وسواء كان معروفًا بِرَدِّ الضوَالِّ أم لم يكنْ! وأما في الثانية؛ فلأنه لم يشترط لغير ذلك المعين، نعم؛ ردُّ عبده كرده؛ لأن يَدَهُ كَيَدِهِ.
وَلَوْ قَال أَجنَبِي: مَنْ رَدَّ عَندَ زَيدٍ فَلَهُ كذَا، استَحَقَّهُ الرادُّ عَلَى الأجْنَبِيِّ، لأنه التزمهُ. واستشكل صاحبُ الوافي لزوم الجعلِ من حيث أنه لم يلتزمه، وَإِن قَال: قَال زَيدٌ: مَنْ رَدَّ عَبْدِي فَلَهُ كَذَا، وَكان كاذِبًا، لَم يَسْتَحِق عَلَيهِ، أي على هذا الفضولي؛ لأنه لم يلتزم، وَلَا عَلَى زَيدٍ، أي إن كذبه لما قلناه. فإنْ صدقهُ؛ قال البغوي: يستحق عليه، قال الرافعي: وكان هذا فيما إذا كان المخبر ممن يعتمد قوله؛ وإلا فهو كما لو رد غير عالم بإذنه والتزامه، وَلَا يُشتَرَطُ قَبولُ الْعَامِلِ وَإن عَيَّنَهُ، لما فيه من التضييق ويكفي الإتيان بالعمل، وقيل: إنه كالوكيل، وَيصِحُّ عَلَى عَمَلٍ مَجْهُولٍ، أي إذا لم يكن ضبطه لرد الآبق؛ لأن الجهالة إذا احتملت في القراض توصلا إلى الرِّبْح من غير اضطرار فهنا أولى، أما العملُ الذي يسهلُ ضبطهُ كالبناء فلا بدَّ من ضبطهِ، قالهُ ابن الرفعة والرافعي؛ وغيرُه أطلق ذلك، وَكَذَا مَعلُوم، أي كالخياطة والبناء ونحوهما، فِي الأصَحِّ، من باب أوْلى، والثاني: المنعُ، للاستغناء بالإجارة وصحَّحَهُ الإمامُ.
فَرع: قال: من ردَّ ضالتي فله كذا؛ فردَّها من هي في يده، فإن كان في ردهِ كلفةً كَرَد العبدِ الآبِقِ استحق الْجُعلَةَ؛ وإلا فلا كَرَدّ النقدين.
فرع: قال: من أخبرني بضالتي فله كذا؛ فأخبره بها مُخْبِر؛ لا يستحق شيئًا؛ إذ لا مشقةَ فيه، قالهُ القاضي والبغويُّ.
فرع: لا يجوز توقيت العمل؛ لأنه يخل بالمقصودِ.
ويشترَطُ كَون الجُعلِ مَعلُومًا، لأنه جُوِّزَ للحاحة؛ ولا حاجَة إلى جهالةِ العوضِ بخلافِ العملِ، فَلَو قَال: مَنْ ردهُ فلَهُ ثوب أوْ أُرضِيهِ فَسَدَ العَقدُ، بجهالة العوض، وَللرادِّ أجْرَةُ مِثْلِهِ، كما في الإجارة الفاسدة.
فَرعَانِ مُسْتثنيَان مِنْ ذَلِكَ:
الأوّلُ: إذا جعل الامامُ لمن لله على قلعة الكفار جُعلا، فإنه يجوزُ أن يكون مجهولًا كجارية كما سيأتي في آخر السيرِ.
والثانِي: تصح الجعالة على الحج بالنففة مع جهالتها كما أطلقه في الروضة في بابه؛ وجزم به، وكذا الرافعي في الشرح الصغير ونقلَهُ عن الكبير عن صاحب العمدة فقط.
فَرعٌ: لو جَعَلَ الجُعلَ ما لا يتقوَّم كخمر وخنزير؛ أو ما لا يصح تصرفه فيه؛ فالعقدُ فاسد. وفيه احتمال للإمامِ.
وَلَوْ قَال: مِن بَلَد كَذَا، فَرَدَّهُ مِنْ أَقرَبَ مِنْهُ، فَلَهُ قِسطُهُ مِنَ الجُعلِ، أي إذا صححناها في العمل المعلوم وهو الأصحُّ؛ لأنه قدر المسافة. أما إذا ردّه من أبعد منه، فإنه لا يستحق زيادة لعدم الالتزام، وَلَو اشتَرَكَ اثنَان في رَدِّهِ اشتَرَكَا فِي الجُعلِ، لاشتراكهما في السبب؛ ويقسمُ بِالسويةِ، كان تفاوتتَ أجَرُهم.
فَرع: لو قال: أي رَجُل رَد عبدي؛ فله درهم. فَرَدةُ رجلان فالظاهرُ الاشتراكُ.
فَرع: لو رَدَّهُ بعضُ النفر الذينَ قال لهم: إن رَدَدتُمُوهُ فلكُم كذا؛ فالظاهر أنه لا يستحق شيئًا، لأنه لم يجعل إلا لمجموعهم وعلقَهُ بردهم.
وَلَو الْتَزَمَ جُعْلًا لِمُعَيَّن، أي كما إذا قال: إن رَدَدتَهُ فَلَكَ دِينَار، فَشَارَكَهُ غَيرُهُ فِي العَمَلِ إِن قَصَدَ إِعَانَتَهُ، أي بعوضٍ أو مجانًا، فَلَهُ كُل الجعلِ، أي لذلك المعين، لأنه قد يحتاجُ إلى الاستعانة بغيره، ومقصود المالك رد العبد بأي وجه أمكن، فلا
يُحمَلُ لفظُهُ على قصر العمل على المخاطَبِ، ولا شيء لذلك الغيرِ على الْمُعيَّنِ، إلا أنْ يلتزمَ لَهُ أُجرة ويستعين به، قُلْتُ: وقد يقالُ بِمِثلِ هذا في إمامِ المسجد ونحوه من وُلاةِ الوظائف إذا استناب، كان كان المصنِّفُ أفتى بعدم استحقاقهما، وكذا الشيخُ عز الدين، وَإن قَصَدَ الْعَمَلَ لِلْمَالِكِ، فَلِلأوَّلِ قِسْطُهُ وَلَا شَيءَ لِلمُشَارِكِ بِحَال، لأن المالك لم يلتزم له شيئًا.
فصل: وَلكُلّ مِنْهُمَا، أي من المالك والعامل، الْفَسْخُ قَبْلَ تمَامِ الْعَمَلِ، لأنها كالوصية من حيث أنها تعليق استحقاق بشرط، والرجوع عن الوصية جائز، وإنما يتصور ذلك ابتداءً في العامل المعين؛ لأنه الذي يتصور منه الفسخ ويتصور بعد الشروع فيه وفي غيره، واحترز بقوله قبل تمام العمل عما بعده، فإنه لا أثَرَ للفسخ، لأن الْجُعلَ قد لزم واستقرَّ، فَإن فُسِخَ قَبْلَ الشرُوع، أَوْ فَسَخَ الْعامِلُ بَعدَ الشُّرُوع، فَلَا شَيء له، أمَّا في الأولى: فلأنه لم يفعل شيئًا وسواء فيه فسخُهُ وفسخُ المالكِ. وأمَّا في الثانية: فلأنه امتنع باختياره ولم يحصل غرض المالك، وَإِن فَسَخَ الْمالِكُ بَعدَ الشرُوع، في العمل، فَعَلَيهِ أجْرَةُ الْمِثْلِ فِي الأصَحّ، كَيلا يُحبطَ سَعيهُ بِفَسْخ غَيرِهِ، والثاني: لا، كما لو فسخ العاملُ بنفسه، وَللْمَالِكِ أَن يَزِيدَ وينقصَ فِي الْجُعلِ قَبْلَ الْفَرَاغ، لأن ذلك يجوزُ في البيع في زمن الخيار، فجوازه فيما العقد فيه جائز أبدًا أَوْلى، وكذا يجوزُ تغييرُ جنسه قبل الفراغ أيضًا، وَفَائِدَتُهُ بَعدَ الشُّرُوع وُجُوبُ أجْرَةِ الْمِثْلِ، لأن النداء الأخير فسخ الأول؛ والفسخ في أثناء العمل يقتضي أجرة المثل، أما قبله ففائدته استقرار الأمر على الأخير.
وَلَوْ مَاتَ الآبِقُ فِي بعضِ الطرِيقِ أَوْ هرَبَ فَلَا شَيءَ لِلْعَامِلِ، لأنه لم يرده، والاستحقاق يتعلق بالردِّ وهو المقصود، ويخالف ما لو مات الأجير قبل الحج؛ فإنه يستحق البعض، وفرَّقوا بفروق ضعيفة منها: أنَّ الحج عقدٌ لازمٌ بخلاف الْجُعَالةِ، وَإِذَا ردَّهُ فَلَيسَ لَهُ حَبْسُهُ لِقَبْضِ الْجُعلِ، لأن الاستحقاق بالتسليم ولا حبس قبل الاستحقاق، وَيُصَدّقُ الْمَالِكُ إِذَا أَنْكَرَ شرطَ الْجُعلِ أَوْ سَعيَهُ فِي رَدِّهِ، لأنَّ الأصل
عدم الشرط والرد، فإِنِ اخْتَلَفَا فِي قدرِ الْجُعلِ تَحَالفا، أي وللعامل أجرة المثل كنظيره من الإجارة والقراض. (•).
قلتُ: تمَّ بفضْلِ الله ومَنِّهِ ضَبْط الجزء الثانِي علَى أصولِهِ توثيقًا مِنْ عجالةِ المحتاج إلَى توجِيهِ المنهاجِ لِلشيخ الإِمَام الفَقِيهِ الْمُحدِّثِ ابْن النحوي وفي المشْهور بابنِ الملقنِ رحمه الله وتخريج أحاديثِهِ وَعزوها إلَى مَظَانِّها، والتعليقُ علَيهِ. والحمد للهِ وَحده وَلَهُ الْمِنَّة.
وَاتَّفَقَ إنْجَازه لَيلة الْجمُعَةِ الخامسِ عَشَرَ مِن شهرِ رَمضانَ 1421 مِنَ الهجرَةِ الموافق لِليَوم الرَابعِ مِن شَهر كانونَ الأولِ 2000 مِيلادية، والحَمدُ للهِ وصلَّى اللهُ علَى سَيدِيا محمَّد النبِيِّ الرَّسُولِ وعلَى آلِهِ وَصحبِهِ وسلم. ويَليهِ إنّ شَاء الله الْجزء الثالِثُ وَأولُهُ كتاب الْفَرَائضِ.
(•) وفي النسخة (1):
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم، وحسبنا الله ونعم الوكيل ونعم المولى ونعم النصير، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم، وكان الفراغ من تكميل نقص هذا الكتاب يوم الأحد في أواخر رمضان، وذلك في 28 منه سنة 1150 في سنة خمسين ومائة وألف.
تم تحرير نقص هذا الكتاب بعون الله تعالى
على يد:
يونس بن ملا حسن الموصليِّ