الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فالنص في الإملاء أنه لا دم عليه قياسًا على التمتع، وقيل: يجب؛ لأن اسم القِران لا يزول بالعود إلى الميقات بخلاف التمتع.
بَابُ مُحَرَّمَاتِ الإِحْرَامِ
أَحَدُهَا: سَتْرُ بَعْض رَأسِ الرَّجُلِ بمَا يُعَدُّ سَاترًا، لقوله صلى الله عليه وسلم في المُحْرِمِ الذِي خَرَّ عَنْ بَعِيْرِهِ (•):[لا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ القِيَامَةِ مُلَبِّيًا] متفق عليه (1159)، وذكر الوجه في هذا الحديث في مسلم غريب؛ وهو وهمٌ من بعض الرواة قاله البيهقى (1160)، واحترز بالرجل عن المرأة والخنثى وسيأتى حكمهما؛ وبما يعد ساترًا عن الماء ونحوه، إِلَّا لِحَاجَةٍ، كَمُدَاوَاةٍ أو حَرٍّ أو بَردٍ لقوله تعالى:{وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} (1161) لكن مع لزوم الفدية قياسًا على الحلق بسبب الأذى، وَلُبْسُ المَخِيطِ أَوِ الْمَنْسُوجِ أوِ الْمَعْقُودِ فِي سَائِرِ بَدَنِهِ، لقوله صلى الله عليه وسلم:[لَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ الْقَمِيصَ وَلَا الْعِمَامَةَ وَلَا الْبُرْنُسَ وَلَا السَّرَاوِيلَ وَلَا الخِفَافَ إِلَّا أَحدٌ لَا يَجِدَ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسِ الْخُفَّيْنِ وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ] متفق عليه (1162)، والمعتبر
(•) في نسخة (3): خَرَّ عَنْ بَعِيرِهِ مَيْتًا.
(1159)
رواه البخارى في الصحيح: كتاب الجنائز: باب الكَفَنْ في الثوبين: الحديث (1265). ومسلم في الصحيح: كتاب الحج: باب ما يفعل بالمحرم إذا مات: الحديث (98/ 1906).
(1160)
ذكر الوجه في الحديث في صحيح مسلم في الرقم (98/ 1906). أخرجها الطبراني بسند آخر في المعجم الكبير: ج 12 ص 63: الحديث (12538)، وقال البيهقي في السنن الكبرى: كتاب الجنائز: باب المحرم يموت: الحديث (6745): رواه مسلم في الصحيح عن عبد بن حُمَيْدِ عن عبيد الله بن موسى هكذا، وَهُوَ وَهْمٌ مِن بعضِ رواتِهِ في الإسناد والمتن جميعًا. انتهى.
(1161)
الحج / 78.
(1162)
رواه البخارى في الصحيح: كتاب العلم: الحديث (134) وفي كتاب الصلاة: الحديث (366) وفي كتاب الحج: الحديث (1542). ومسلم في الصحيح: باب ما يباح للمحرم بحج أو عمرة: الحديث (1/ 1177). ونص الحديث كما في صحيح البخارى=
في اللبس العادة في كل ملبوس فلو ارتدى بالقميص أو اِتَّزَرَ بالسراويل فلا فدية كما لو اتَّزَرَ بِإِزَارٍ لَفَّقَهُ مِنْ رقاعٍ، إِلَّا إِذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ، أي غير المخيط؛ فإنه يجوز له لبسه من غير فدية وكذا يجوز له لبسه للحاجة كالحر والبرد والمداواة (•)، وَوَجْهُ المَرْأَةِ كَرَأسِهِ، أي كرأس الرجل في الأحكام السالفة لرواية البخارى، ولا تَنتقِبُ الْمَرأَةُ، نعم لها أن تستر من وجهها ما لا يَتَأتَّى سترُ الرأس إلَّا بهِ، وَلَها لُبْسُ الْمَخِيطِ، للنص فيه كما أخرجه أبو داود وصححه الحاكم على شرط مسلم (1163)، إِلَّا الْقُفَّازَ فِي الأظْهَرِ، لرواية البخارى [ولا تَلْبَسُ القُفَّازَيْنِ](1164)، والثانى: يجوز لأثر فيه، ففي الأم: لا فدية (1165). وفي الإملاء: عليها الفدية أي على وجه الاستحباب، وفي شرح السُّنَّة للبغوي: أن أكثر أهل العلم على الثانى، وأنه لا فدية. وزاد: أنه أظهر قولَي الشافعي، وأنهم جعلوا ذكر القُفازَيْنِ في الحديث من قول ابن
= من كتاب الحج: عن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما؛ أنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ الله؛ مَا تَلْبَسُ المُحْرِمُ مِنَ الثيَابِ؟ قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: [لَا تَلْبَسُ الْقُمصَ ولا العَمَائِمَ ولا السَّرَاوِيلَ ولا البَرَانِسَ ولا الخِفَافَ؛ إِلَّا أَحَدٌ لا يَجِدُ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ خُفَّيْنِ وَلْيَقْطَعْهُمَا أَسْفَلَ مِنَ الكَعْبَيْنِ. ولا تَلْبَسُوا مِنَ الثِّيَابِ شَيْئًا مَسَّهُ زَعْفَرَانٌ أَوْ وَرْسٌ].
(•) حاشية نسخة (2): أي مع الفدية.
(1163)
الحديث عن ابن عمر؛ أنهُ يسَمِعَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم [نَهَى النِّسَاءَ فِي إِحْرَامِهِنَّ عَنِ القُفَّازَيْنِ وَالنِّقَابِ وَمَا مَسَّ الْوَرْسُ وَالزَّعْفَرَانُ مِنَ الثِّيَابِ؛ وَتَلْبَسْ بَعْدَ ذَلِكَ مَا أَحَبَّتْ مِنْ أَلْوَانِ الثِّيَابِ مُعَصْفَرًا أَوْ خَزًّا أَوْ حُلِيًّا أَوْ سَرَاوِيلَ أَوْ قَمِيصًا أَوْ خُفًّا]. رواه أبو داود في السنن: كتاب الحج: باب ما يلبس المحرم: الحديث (1827). والحاكم لي المستدرك: الحديث (1788/ 180)، وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم. ووافقه الذهبي.
(1164)
رواه البخاري في الصحيح: كتاب جزاء الصيد: باب ما يُنهى مِن الطيب للمحرم: الحديث (1838) وفيه: [ولا تَنْتَقِبِ المَرْأَةُ المُحْرِمَةُ؛ ولا تَلْبَسِ القُفَّازَيْنِ].
(1165)
في الأُم: كتاب الحج: باب اللبس للإحرام: ج 2 ص 203: قال الإمام الشافعي رضي الله عنه: (وَلَمْ يَأْمُر النبِي صلى الله عليه وسلم بِكَفْارَةٍ؛ ولا بَأْسَ أن تَلْبَسَ المَرْأَةُ المُحْرِمَةُ القَفازَيْنِ؛ وَكَانَ سَعْدُ بْنُ أبِى وَقَّاصٍ يَأْمُرُ بَنَاتَهُ أَنْ يلبَسْنَ الْقَفَّازَيْنِ فِي الإِحْرَامِ؛ ولا تَتَبَرْقعُ الْمُحْرِمَةُ) إ. هـ.
عمر، والْقُفَّازُ: شَىْءٌ يُعْمَلُ لِلْيدَيْنِ لِيَقِيَهُمَا مِنَ الْبَرْدِ، يُحْشَى بِفُطْنٍ وَيَكُونُ لَهُ أَزْرَارٌ عَلَى السَّاعِدَيْنِ.
فَرْعٌ: الخنثى إذا ستر وجهه ورأسَهُ؛ وجبت الفديةُ؛ أو أحدهما؛ فلا؛ للاحتمال.
فَائِدَةٌ: قال بعض العلماء: الحكمة في تحريم لبس المخيط وغيره مما منع منه المحرم أن يخرج الإنسان عن عادته فيكون ذلك مذكرًا له ما هو فيه من عبادة ربه فيشتغل بها.
الثَّانِي: استِعْمَالُ الطّيبِ فِي ثَوْبِهِ، لقوله صلى الله عليه وسلم:[لا يَلْبَسُ مِنَ الثِّيَابِ شَيْئًا مَسَّهُ زَعْفَرَان أَوْ وَرَسٌ] متفق عليه (1166)، أَوْ بَدَنِهِ، قياسًا عليه من باب أَولى وهو إجماع أيضًا كما نقله ابن المنذر. وسواء في ذلك الأخشم وغيره، وبعض البدن كَكُلّهِ، وَالطّيْبُ: هو ما ظهرَ فيه غرضُ التَّطَيُّبِ كالورد ونحوه، والاستعمال: هو أن يلصق الطيب ببدنه أو ثيابه على الوجه المعتاد في ذلك كالاحتواء على المبخرة ونحو ذلك، ولا بد فيه من القصد، وَدَهْنُ شَعْرِ الرَّأسِ أوِ اللِّحْيَةِ، لما فيه من التزيين المنافي لحال المحرم؛ فإن الحاجَّ أشعثُ أغبر كما ورد في الحديث (1167)، وقوله دَهْنٌ: هُوَ بفتح الدال لأنه مصدر، واحترز بقوله (شَعْرِ الرَّأْسِ أَوِ اللِّحْيَةِ) عن الأصلع والأقرع والأمرد؛ فإن الأدهان لا تحرم عليهم لفقد المعنى السالف، نعم: لو كان محلوق الرأس
(1166) تقدم في الرقم (1086).
(1167)
• الخبر عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما؛ قال: أَنَّ النبِي صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ: [إِنَّ اللَّهَ عز وجل يُبَاهِي مَلَائِكَتَهُ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ بِأَهْلِ عَرَفَةَ؛ يَقُولُ: انْظُرُوا إِلَى عِبَادِي أَتَوْنِي شُعْثًا غُبْرًا]. رواه الإمام أحمد في المسند: ج 2 ص 224. والطبراني في المعجم الصغير: الحديث (575). قال الهيثمي في مجمع الزوائد: ج 3 ص 251: باب الخروج إلى منى وعرفة: قال: رواه أحمد والطبرانى في الصغير والكبير ورجال أحمد موثوقون.
• رواه الإمام أحمد في المسند: ج 2 ص 305. قال الهيثمي في مجمع الزوائد: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح.
فالأصح بقاء التحريم، لأنه يحسِّن الشعر إذا نبت، واحترز أيضًا بالرأس واللحية عن دهن باقى البدن؛ فإنه يجوز شعرًا كان أو بشرًا لأنه لا يقصد تحسينه، وفي الإقناع للماوردي: الجزمُ بالتحريم في شعر الجسد أيضًا (1168) ولا شك أن المحرم له فعل ذلك بالحلال كما ذكر الرافعي مِثلَهُ في الحلق، إنما الممتنع أن يفعل ذلك بنفسه أو بمحرم آخر، ولا يُكْرَهُ غَسْلُ بَدَنِهِ وَرَاسِهِ بِخِطْمِيّ، أي وكذا ما في معناه كالسدر، لأن ذلك لإزالة الأوساخ بخلاف الدهن فإنه للتنمية، نعم الأوْلى أنْ لا يفعل ذلك بل حكى كراهته عن القديم، وإذا غسل رأسه فينبغي أن يرفق بالدلك حتى لا ينتتف شعره. وَاعْلَمْ: أن المصنف في الروضة تبعًا للرافعى جعل استعمال الطيب نوعًا والدهن نوعًا وجعلهما في الكتاب نوعًا واحدًا تبعًا لِلْمُحَرَّرِ، وكان سبب ذلك تقاربهما في المعنى، وأن كلًا منهما تَرَفةٌ وليس فيه إزالة عين.
الثَّالِثُ: إِزَالَةُ الشَّعْرِ أَوِ الظُّفْرِ، أما الأول فلقوله تعالى:{وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ} (1169) أي شعر رؤوسكم وشعر سائر الجسد ملحق به بجامع الترفُّهِ، وأما الثاني: فبالقياس المذكور، وقوله (إِزَالَةُ) يتناول الحَلْقَ والقَلْمَ وغيرهما، ومراده إزالةُ ذلك من نفسهِ أو من مُحْرِمٍ، أما من حَلالٍ فلا، كما تقدمت الإشارة إليه، وإزالة الشعرة الواحدة حرام أيضًا لما ستعلمه بعد.
(1168) قال الماوردي: (والسادس: الدُّهْنُ إن كان مُطَيِّبًا حَرُمَ استعماله في الشعر والبدن؛ فإن كان غير مُطيب حَرمُ تَرْجِيْلُ الشعر به في الرأس والجسد؛ ولا يحرم استعماله فيما لا شعر فيه من الجسد، ويفتدي ما حَرُمَ منه بِدَمِ إِنْ عَمِدَهُ): الإقناع في الفقه الشافعي للماوردي: باب ما يَحْرُم في الإحرام: ص 89 - 90.
(1169)
فَرْعٌ مُسْتَثْنَى: لَوْ نَبَتَتْ شَعْرَةْ أَوْ شَعَرَاتٍ داخلَ جَفْنِهِ وَتَأذَّى بِهَا، قَلَعَهَا ولا فدية على الراجح.
وَتُكَمَّلُ الْفِدْيَةُ فِي ثَلَاثِ شَعْرَاتٍ أَوْ ثَلَاثَةِ أَظْفَارٍ، أما في الأُولى: فلقوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ} التقدير: فَحَلَقَ شَعْرَ رَأْسِهِ فَفِديةٌ، والشعرُ جمعٌ وأقله ثلاث، والاستيعاب قام الإجماع على عدم اعتباره، وأما في الثانية: فقياسًا؛ وهذا إذا أزالها دفعة من مكان، فإن فرق زمانًا أو مكانًا فيجب مُدٌّ على الراجح.
فَرْعٌ: لو حلق جميع الرأس دفعةً مِن مكانٍ واحدٍ ففديةٌ واحدةٌ؛ ولو حلق شعر رأسه وبدنه متواصلًا ففدية؛ وقيل: فديتان؛ وكذا لو قَلَّمَ أظفار يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ.
وَالأْظْهَرُ: أَنَّ فِي الشَّعْرَةِ مُدَّ طَعامٍ، وَفِي الشَّعْرَتَينِ مُدَّيْنِ، لأن الشرع قد عَدَّلَ الحيوان (•) بالإطعام في جَزَاءِ الصيد وغيره، والشعرة الواحدة هى النهاية في القلة، والْمُدُّ أقلُّ ما وجب في الكفارات فقوبلت به، والثاني: أنه يجب في الشعرة الواحدة ثلث دم؛ وفي شعرتين ثلثا دم عملًا بالتقسيط، والثالث: يجب في شعرة درهم؛ وفي شعرتين درهمان، والرابع: دم كامل، ومحل الخلاف إذا اختار الدم، أما إذا اختار الصيام؛ فإنه يصوم يومًا واحدًا قطعًا، أو الطعام أطعم صاعًا واحدًا قطعًا، وقد نبَّه على ذلك صاحب البيان في مشكلاته على المهذب ولا بد منه.
فَرْعٌ: الظفر كالشعرة والظفران كالشعرتين.
فَرْعٌ: لو قَصَّرَ الشعرة أو قَلّمَ من الظفر دون القدر المعتاد كان الحكم على ما تقدم، وقيل: يوزع المد على الشعرة ويجب بالقسط، حكاه الماوردي وصححهُ وطرده في شرح المهذب في الظفر.
(•) في نسخة (1): لأن الشرع قد عدله الجبران بالإطعام في جزاء الصيد. قلت: ويبدو أن المعنى لا يستقيم. وأثبتنا ما في النسختين (2) و (3).
فَرعٌ: لو أخذ من بعض جوانب الظفر ولم يستوعب جوانبه، فإن قلنا: في الظفر الواحد ثلث دم أو درهم وجب بقسطه، وإن قلنا: مُدٌّ لم يُبَعَّضْ.
وَللْمَعْذُورِ، أي بمرض وكثرة قمل في رأسه أو تأذٍّ بِحَرٍّ لكثرة شعره، قال في شرح المهذب: وكذا وسخ رأسه، أَن يَحْلِقَ وَيَفْدِيَ، لقوله تعالى:{فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا} الآية، وفي الصحيحين عن كعب بن عُجْرَةَ قال: فِيَّ أُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيةُ الْمَذْكُورَةُ؛ فَأتيتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: [اُذنُهْ] فَدَنَوْتُ؛ فَقَالَ: [اُدْنُهْ] فَدَنَوْتُ؛ فَقَالَ: [أيؤْذِيْكَ هَوَامُّكَ] قال ابن عوف: أَظُنهُ قَالَ: نَعَمْ؛ قَالَ: فَأمَرَنِي بفِديةٍ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أوْ نُسُكٍ مَا تَيَسَّرَ (1170). وفي لفظ [فَاحْلُقْ وَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أوْ أطْعِمْ سِتةَ مَسَاكِينَ أَو انْسُكْ نُسَيْكَة](1171) في رواية لمسلم: [احْلُقْ ثُمَّ اذبَحْ شَاةً نُسُكًا أَوْ أَطْعِمْ ثَلَاثَةَ آصُعٍ مِنْ تَمْرٍ عَلَى سِتةِ مَسَاكِيْنَ](1172).
الرَّابِعُ: الْجِمَاعُ، بالإجماع يحرم على المرأة الحلال تمكينه على الأصح، لأن فيه إعانة على المعصية، وكذا يحرم على الحلال المباشرة أيضًا في حال إحرام المرأة، وَتَفْسُدُ بِهِ الْعُمْرَةُ، قياسًا على الحج، وَكَذَا الحَجُّ قَبْلَ التَّحَلُّلِ الأوَّلِ، أما إفساده قبل الوقوف فإجماع، وبعده فبالقياس عليه. أما إذا وقع الجماع فيه بعد التحلل الأول، فإن الحج لا يفسد به على الأصح، نعم يجب شاة على الأظهر، وكما لا يفسد الحج لا تفسد العمرة أيضًا، إذا كان قارنًا وإن لم يأت بشئ من أعمالها، لأنها تبع
(1170) رواه البخاري في مواضع عديدة من الصحيح: منها في كتاب المحصر: الحديث (1814 و 1815 و 1816 و 1817 و 1818) وغيرها. ومسلم في الصحيح: كتاب الحج: باب جواز حلق الرأس للمحرم إذا كان به أذى: الحديث (81/ 1201).
(1171)
الحديث في صحيح البخاري (1814) بلفظ: [اِحْلِق رَأسَكَ؛ وَصُمْ ثَلَاثَةَ أيامٍ أوْ أطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ أو انْسُكْ بِشَاةٍ". واللفظ من المتن في صحيح مسلم: الحديث (80/ 1201).
(1172)
رواه مسلم في الصحيح: الحديث (84/ 1201) ولفظه: [احْلِقْ رَأْسَكَ ثُمَّ اذْبَحْ شَاةً نُسُكًا أَوْ صُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ أَطْعِمْ ثَلَاثَةَ آصُعٍ مِنْ تَمْرٍ عَلَى سِتَّةِ مَسَاكِينَ].
له. وقيل: تفسد وكلام المصنف يوهمه، وَيَجِبُ بِهِ، أي بالجماع الْمُفْسِد، بَدَنَةٌ، المفسد لقضاء الصحابة بذلك (1173).
فَرْعٌ: لو أفسد حجَّهُ بالجماع؛ ثم جامع ثانيًا، فالأظهر يجب بالثاني شاة، لأن الإفساد حَصَلَ بالأول.
فَائِدَةٌ: البَدَنَةُ تطلق في اللغة على الذَّكَرِ وَالأنْثَى، وعلى الإِبِلِ وَالْبَقَرِ لا عَلَى الْغَنَمِ، وإن وهم المصنف فيه في تحريره وتهذيبه على الأزهري فَاجْتَنِبْهُ.
وَالمُضِيُّ فِي فَاسِدِهِ، لإطلاق قوله تعالى:{وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} (1174) ولأن جماعة من الصحابة أفتوا بذلك ولا يعرف لهم مخالف، والمراد بالمضي فيه أن يأتي بما كان يأتي به قبل الجماع، ويجتنب ما كان يتجنبه قبله، فإن ارتكب محظورًا لَزِمَهُ الفديةُ في الأصح، وَالْقَضَاءُ، لفتوى الصحابة به، وَإِنْ كَان نُسُكَهُ تَطَوُّعًا، لأنه بالشروع فيه صار فرضًا أيضًا بخلاف باقي العبادات، وَالأصَح أنَّهُ، يعني القضاء، عَلَى الْفَوْرِ، لفتوى الصحابة به، والثاني: لا، لأن الأداء على التراخى فالقضاء أَولى (1175).
تَنْبِيْهٌ: جميع ما ذكره المصنف في جماع العامد العالم بالتحريم، فأما إذا جامع
(1173) عن سعيد بن جبير قال: جاءَ ابْنَ عَبَّاسٍ رَجُلٌ؛ فَقَالَ: وَقَعْتُ عَلَى امْرَأتِى قَبْلَ أنْ أزُورَ؟ فَقَالَ: (إِنْ كَانَتْ أعَانَتكَ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنكُمَا نَاقَةٌ حَسْنَاءُ جَمْلاءُ. وَإِن كَانَتْ لَمْ تُعِنْكَ، فَعَلَيْكَ نَاقَةٌ حَسنَاءُ جَمْلاءُ). رواه البيهقى في السنن الكبرى: باب ما يفسد الحج: الأثر (9886).
(1174)
البقرة / 196.
(1175)
لخبر الإمام مالك؛ أَنَّهُ بَلَغَهُ؛ أنَّ عُمَرَ بن الخطاب وَعَلِىَّ بنَ أبى طالب وأبا هريرةَ رضي الله تعالى عنهم؛ سُئِلُوا عَن رَجُلٍ أصَابَ أَهْلَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ بِالحَجِّ، فَقَالُوا:(يَنْفُذَانِ لِوَجْهِهِمَا حَتَّى يَقْضِيَا حَجَّهُمَا، ثُمَّ عَلَيْهِمَا حَجُّ قَابِلٍ وَالْهَدْيُ)، قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه:(فَإِذَا أَهَلَّا بِالْحَجِّ مِنْ عَامٍ قَابِلٍ تَفَرَّقَا حَتَّى يَقْضِيَا حَجَّهُمَا). رواه البيهقى في السنن: الأثر (9877) والآثار في الباب كثيرة.
ناسيًا أو جاهلًا بالتحريم فالجديد أنه لا يفسد، وكذا المكره على الأصح؛ لأن الأصح تصور الكراهة.
فَرْعٌ: يحرم على الْمُحْرِمِ أيضًا الاستمناءُ ويلزمه به الفدية على الأصح، والمباشرة بشهوة كالمفاخذة وإن كان لا يَفْسَدُ بها النُّسُكُ.
الْخَامِسُ: اصْطِيَادُ كُل مَأكولٍ بَرِّيٍّ، أي طيرًا كان أو وحشيًا بالإجماع، واحترز بالمأكول عن غيره، وبالبري عن البحري للآية (1176)، قال الققال: والحكمة في الفرق بينهما أن البري إنما يفعل عادة للتنزه والتفرج، والإحرام ينافي ذلك بخلاف البحري؛ فإنه يصاد غالبًا للاضطرار والمسكنة فأُحِلَّ مطلقًا، ولو كان البحر في الحرم؛ كما نصَّ عليه الشافعى في الأم، واشترط الغزالي في وسيطه مع ذلك أن يكون متوحشًا؛ واستغنى المصنف عنه بلفظ الاصطياد؛ وكما يحرم الاصطياد تحرم الإعانة عليه أيضًا، ووضع اليد عليه؛ وعلى جزئه؛ وبيضهِ؛ ولَبَنِهِ؛ وَرِيْشِهِ، قُلْتُ: وَكَذَا الْمُتَوَلِّدُ مِنْهُ، أي ما ذكرناه، وَمِنْ غَيْرِهِ، وَالله أَعْلَمُ، تغليبًا للتحريم، وخالف الزكاة حيث لم تجب فيه؛ لأنها باب مواساة.
وقد دخل في كلام المصنف ستة أقسام:
أحدها: ما تولد بين وحشين أحدهما مأكول كالسَّبُع التولد بين الذئب والضبع.
ثانيها: التولد بين المأكولين أحدهما وحشي كالتولد بين الظبي والشاة.
ثالثها: المتولد بين وحشيٍّ مأكول وأهليٍّ غير مأكول كحمار الوحشي وحمار الأهلي؛ وكُلُّ هذه حرامٌ.
رابعها: أن يكون متولدًا بين وحشي غير مأكول وأنسي مأكول كالمتولد بين الذئب والشاة.
(1176) قال الله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [المائدة: 96].
خامسها: المتولد بين حيوانين لا يؤكلان أحدهما وحشي كالمتولد بين الحمار والزرافة.
سادسها: المتولد بين أهليين أحدهما غير مأكول كالبغل.
وهذه الثلاثة مباحة، لأن كلَّ واحدٍ منها لا يحرم التعرض لأصله، ووقع في الرافعي والحاوي ما يوهم تحريم القسم الرابع وليس كذلك.
وَيحْرُمُ ذَلِكَ، أي اصطاد المأكول البري، فِي الْحَرَمِ عَلَى الْحَلالِ، بالإجماع؛ ويروى أن في زمن الطوفان لم تأكل كبار الحيتان صغارها في الحرم تعظيمًا له (1177). وقوله (في الحَرَمِ) هو حال من الاصطياد لكن يرد عليه ما لو كان المصطاد في الحل؛ والصائد في الحرم فإنه يحرم؛ فإن أُعرب أنه حال من الصائد؛ وَرَد عليه عكسه، فَاِن أَتْلَفَ، أي من ذكرناه، صَيْدًا ضَمِنَهُ، لقوله تعالى:{وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا} الآية (1178)، وجهات ضمان الصيد إما بالمباشرة أو بالتسبب أو باليد، فَفِي النَّعَّامَةِ بَدَنَةٌ، وَفِي بَقَرِ الوَحْشِ وَحِمَارِهِ بَقَرَةٌ، وَالغَزَالِ عَنْزٌ، وَالأرْنَبِ عَنَاقٌ، وَاليَربُوعِ جَفْرَةٌ، لأن جماعة من الصحابة حكموا بذلك كله وفي الضبع أيضًا كبش لحديث صحيح فيه (1179)، وقوله (وَفِي الغَزَالِ عَنْزٌ) هو وهمٌ كما قال في
(1177) قُلْتُ: أعْجَبُ من إيراد مثل هذه الأقاويل، وكان الأنسب لمقامه أن لا ينقلها. والله أعلم.
(1178)
(1179)
• أمَّا أن في النَّعَامَةِ بَدنةٌ؛ فلأثر ابن مسعود قال: (وَفِى النَّعَامَةِ بَدَنَةٌ). رواه البيهقى في السنن الكبرى: الأثر (9978)، ولأثر ابن عباس قال:(إِنْ قَتَلَ نَعَامَة فَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ مِنَ الإِبِلِ): الأثر (9974)، والأثر أيضًا عن عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِى وَزَيْدِ بْنِ ثابِتِ رضي الله عنهم. قال الشافعي: هَذَا غَيرُ ثَابتٍ عِنْدَ أهْلِ العِلْمِ بالْحَدِيْثِ؛ وهو قولُ =
الروضة؛ لأن الغزال ولدُ الظَّبي ذكرًا كان أو أنثى فإن كان ذكرًا فواجبه ذكر من صغار المعز كالجدى أو أُنثى كَالعَنَاقِ أو الجَفْرَةِ، فالعنز في الحقيقة واجب الظبية والتيس واجب الظبي.
فَائِدَةٌ: العنز الأنثى من المعز التي تَمتْ لَهَا سَنَة، والعَنَاقُ الأُنثى من ولد المعز إذا قَوِيَتْ مَا لَمْ تَبْلُغ سَنَةً، قاله المصنف في دقائقه وتحريره وتهذيبه (1180)، وقبله الأزهري، وفي الرافعي عن أهل اللغة إنها الأُنثى من أولاد المعز من حين تولد إلى حين تفطم وترعى وذلك بأربعة أشهر، وتبعه في الروضة، والجَفْرَةُ بفتح الجيم وإسكان الفاء هى التي بلغت أربعةَ أشهرٍ من أولاد المعز وَفُصلَتْ عَنْ أمِّهَا، والذكر جَفرٌ؛ لأنه جَفَرَ جَنْبَاهُ التي عَظُمَا، قال الرافعي: هذا معنى الجَفْرَةِ في اللغة؛ لكن يجب أن يكون المراد بالجَفْرَةِ هنا ما دون العَنَاقِ؛ فإن الأرْنَبَ خَيْرٌ مِنَ اليَربوعِ (•).
وَمَا لا نَقلَ فِيهِ يَحْكُمُ بِمِثلِهِ عَدْلانِ، لقوله تعالى: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ
= الأكثرِ مِمَّنْ لَقِيتُ، فبقولهم: إِنَّ في النَّعَامَةِ بَدَنَة، وبالقياسِ، قُلنا: في النَّعَامَةِ بَدَنَةٌ، لا بِهَذَا. ينظر: الأثر (9977) من السنن الكبرى للبيهقي.
• أمَّا بَقَرُ الوَحْشِ وَحِمارِهِ بقرة؛ فلأثر ابن عباس، قال:(وَفِي الْبَقَرَةِ بَقَرَة؛ وَفِي الْحِمَارِ بَقَرَةٌ) وروى الشافعي بسنده عنه قال: (فى بَقَرَةِ الوَحْشِ بَقَرَةٌ؛ وَفى الأيَّلِ بَقَرَةٌ): الأثر (9975) من السنن الكبرى للبيهقى.
• أمَّا الغزال والأرنب واليربوع؛ فلأثر جابر (أنَّ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ رضي الله عنه قَضَى في الضَّبْعِ بِكَشٍ، وَفِى الْغَزَالِ بِعَنْزٍ، وَفى الأرْنَبِ بِعَنَاقٍ، وَفِي اليَربُوع بِحَفْرَةٍ): الأثر (9987) من السنن الكبرى للبيهقي.
• أمَّا الحديث الصحيح؛ فهو حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما؛ قال: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: [الضَّبْعُ حَدِيدٌ فَكلْهَا؛ وَفِيهَا كَبْشٌ سَمينٌ إِذَا أصَابَهَا المُحْرِمُ]. رواه البيهقي في السنن الكبرى: باب فدية الضبع: الحديث (9983).
(1180)
دقائق المنهاج: ص 58. طبعة المكتبة المكية ودار ابن حزم.
(•) في نسخة (2) فقط. قال: واحترز بقوله. قُلْتُ: وهى زيادة؛ وعلى ما يبدو لي أنها خطأ من الناسخ، لأنها ستأتي قريبًا في محلها الصحيح بعد ثلاثة أسطر، وقد شكلتها لتتميز، فلاحظ.
مِنْكُمْ} الآية (1055)، وليكن العدلانِ فقيهين كَيِّسَيْنِ أي فَطِنَيْنِ، والعبرة في المماثلة بالخلقة والصورة تقريبًا لا تحقيقًا، فأين النعامة من البدنة؟ ! وليست المماثلة معتبرة في القيمة بل في الصورة، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلهِ (وَمَا لا نَقْلَ فِيْهِ) عن حيوان فيه نقل عن الشارع بالمماثلة أو التقويم أو حَكَمَ بهِ عدلان من الصحابة والتابعين أو غيرهم فإنه يتعين الرجوع إليه في كل عصر، وجزم ابن الرفعة: بأنه إذا حكم به واحد من الصحابة وسكت الباقون يكفى أيضًا.
وَفِي مَالا مِثْلَ لَهُ الْقِيمَةُ، أي لأن الجراد لا مثل له، وقد حكمت الصحابة فيه بالقيمة، والعبرة في هذه القيمة بموضع الإتلاف، لا بمكة على المذهب، لكن بسعر مكة على أظهر احتمالي الإمام، وهو ما جزم به الفورانى في العُمَدِ؛ ويستثنى مما لا مثل له الحمام؛ فإنه يجب فيه شاة لقضاء الصحابة بذلك (1181).
فَرْعٌ: يرجع في معرفة القيمة إلى عدلين.
وَيَحْرُمُ قَطْعُ نَبَاتِ الْحَرَمِ الَّذِي لا يُسْتَنبَتُ، بالإجماع ويؤخذ من القطع القلع؛ فإنه أَولى بالتحريم، وأطلق النبات ليعم الشجر وغيره، وأخرجَ به اليابس؛ فإنه يجوزُ قطعه، وأما قلعهُ فإن كان شجرًا جَازَ أو حشيشًا فلا، ونباتُ الحرم هو ما نَبَتَ فيه،
(1181) • في الحمام شاةٌ؛ لأثر ابن عباسٍ رضي الله عنهما؛ قال: (في حَمَامِ الْحَرَمِ شَاةٌ). رواه البيهقى في السنن: الأثر (9975)؛ و (أَنَّهُ جَعَلَ فى حَمَامِ الْحَرمِ عَلَى المُحْرِمِ وَالْحَلًالِ، في كُلِّ حَمَامَةِ شَاةٌ): الأثر (10135) من السنن الكبرى للبيهقى.
• ما في معنى الحمام؛ عن عطاء عن ابن عباس رضى الله عنهما؛ (في الخُضْرِيِّ وَالدُّبسِيِّ وَالقَمَرِيِّ وَالقَطَاةِ وَالحَجَلِ، شَاةٌ شَاةٌ): الأثر (10138) من السنن الكبرى للبيهقي.
• ما دون الحمام؛ فقيمته؛ لأثر عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما؛ قال: (مَا كَانَ سِوَى حَمَامِ الحَرَمِ؛ فَفِيْهِ ثَمَنُهُ إِذَا أصَابَهُ المُحْرِمُ): الأثر (10144) من السنن الكبرى. وفي رواية عكرمة: (كُلُّ طَيْرٍ دُوْنَ الحَمَامِ، فَفِيْهِ قِيْمَتُهُ): الأثر (10143) من السنن الكبرى للبيهقى.
وكذا لو كان بعض أصل الشجر فيه، وكذا لو نقل شجرة من الحرم إلى الحل لا العكس. وَالأظْهَرُ تَعَلُّقُ الضَّمَانِ بِهِ، أي بالنبات، وَبِقَطْع أَشْجَارِهِ، لأنه ممنوع من إتلافه لحرمة الحرم، فيجب به الضمان كالصيد، والثاني: لا، لأن الإحرام لا يوجب ضمان الشجر فكذا الحرم وقوله؛ وَبِقَطْع أَشْجَارِهِ، لا حاجة إليه بعد ذكره النبات، لأنه داخل فيه كما أسلفناه لكنه تبع الْمُحَرَّرَ، فَفِي الشَّجَرَةِ الكَبِيرَةِ بَقَرَةٌ، وَالصَّغِيرَةِ شَاةٌ، للاتباع (1182)، قال الإمام: وأقرب قول في ضبط الشجرة المضمونة بشاة أن تقع قريبة من سُبْع الكبيرة، فإنَّ الشاةَ سُبْعُ البقرةِ؛ فإن صغرت جدًا فالواجب القيمة.
فَائِدَةٌ: لا يشترط أن تكون البقرة مجزية في الأضحية، بل يكفي أن يكون لها سنة بخلاف الشاة قاله صاحب الاستقصاء.
قُلْتُ: وَالْمُسْتَنْبَتُ، أي من الشجرة، كَغَيْرِهِ عَلَى المَذْهَبِ، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم:[لا يُعْضَدُ شَوكُهُ] متفق عليه (1183)، والقول الثاني: لا؛ تشبيهًا له بالحيوانات الأنسية وبالزرع. والطريق الثانى: القطع بالأول، أما غير الشجر كالحنطة والشعير والقطنية والخضروات فلمالكه قطعه ولا جزاء عليه، وإن قطعه غيره فعليه قيمته لمالكه، ولا شيء عليه للمساكين، وعبارة الخفاف في خصاله: لا يجوز قطع شجر الحرم إلّا عند خصلتين: أن يكون ما غرسه الناس؛ أو ما قطع منه مساويك، قال: والورق منه يجري مجرى الثمرة؛ والغصن يجري مجرى الأصل.
وَيحِلُّ الإِذْخِرُ، أي بكسر الهمزة والدال المعجمة: نباتٌ معروفٌ لاستثناء الشارع له، وَكذَا الشَّوْكُ كَالعَوْسَجِ وَغَيْرِهِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، لِكَوْنِهِ مِنَ الْمُؤْذِيَاتِ،
(1182) قال الشافعى رضي الله عنه في كتاب الأُمِّ: باب قطع شجر الحرم: ج 2 ص 208؛ قال: (وَمَنْ قَطَعَ مِنْ شَجَرِ الحَرَمِ شَيْئًا جَزَاهُ؛ حَلَالًا كَانَ أوْ حَرَامًا؛ وَفِى الشَّجَرِ الصَّغِيْرِ شَاةً؛ وَفِي الكَبِيْرَةِ بَقَرَةٌ، ويروَى هَذَا عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَعَطَاء).
(1183)
رواه البخارى في الصحيح: كتاب الحج: باب فضل الحرم: الحديث (1587) ولفظه: [إِنَّ هَذَا البَلَدَ حَرَّمَهُ الله؛ لا يُعْضَدُ شَوكُهُ؛ ولا يُنَفَّرُ صَيْدُهُ، وَلَا يَلتقِطُ لُقْطَتَهُ إِلَّا مَنْ عَرَّفَهَا]. ورواه مسلم في الصحيح: الحديث (445/ 1353).
فإنه ذو شوك فأشبه ما يؤذي من الصيود، وقيل: يحرم لعموم الحديث السالف [لا يُعْضَدُ شَوكُهُ] ولأن غالب شجر الحرم كذلك، والفرق بينه وبين الصيود المؤذية أنها تقصد الأذى بخلاف الشجر.
وَالأصَحُّ حِلٌّ أَخْذِ نَبَاتِهِ لِعَلْفِ البَهَائِمِ، كما يجوز تسريحها فيه، والثانى: المنع لقوله عليه الصلاة والسلام: [ولا يُختلَى خَلاهَا] متفق عليه (1184)، قال الإمام: والقائل الأول، يقول: إنما يحرم الاختلاءَ والاحتشاشَ للبيع وغيرهِ من الأغراض، قُلْتُ: اللَّهُمَّ إلَّا أن يقطع الفروع لسواك أو دواء فيحوز بيعها حينئذ؛ قاله القفال في شرحه للتلخيص، وتعقبه في الروضة قبل باب الربا فقال: فيه نظر، وينبغي ألّا يجوز كالطعام الذى أبيح له أكله، لا يجوز له بيعه. قال صاحب التلخيص: وحكم شَجَرِ النَّقِيْع بالنون الذي هو الحمى حكم أشجار الحرم فلا يجوز بيعه.
فَائِدَة: العلْف هنا بسكون اللام كما رأيته بخط مؤلفه مضبوطًا؛ لأن المراد به المصدر وهو الإطعام وهو بفتح اللام ما تعتلفه البهائم.
وَللدَّوَاءِ، وَالله أَعْلَمُ، لأن هذه الحاجة أعم من الحاجة إلى الإِذخِرِ، والثاني: المنع؛ لأنه ليس في الخبر إلّا استثناء الإِذْخرِ ومنهم من قَطعَ بالأول.
فَرْعٌ: في معنى الدواء ما يُتَغَذَّى به كَالبَقلةِ وَالرِّجْلَةِ ونحوهما وهما في معنى الزرع.
(1184) الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما؛ قال: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ افْتَتَحَ مَكَّةَ: [لا هِجْرَةَ، وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ؛ وَإِذَا اسْتُنْفِرْتُمْ فَانْفِرُوا؛ فَإِنَّ هَذَا بَلَدٌ حَرَّمَ اللَّهُ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ؛ وَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، وَإِنَّهُ لَمْ يَحِلَّ القِتَالُ فِيهِ لِأَحَدٍ قَبْلِي، وَلَمْ يَحِلَّ لِي إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ؛ فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، لا يُعْضَدُ شَوْكُهُ، ولا يُنَفَّرُ صَيْدُهُ، ولا يَلْتَقِطُ لُقَطَتَهُ إِلَّا مَنْ عَرَّفَهَا، ولا يُخْتَلَى خَلاهَا]. قَالَ العَبَّاسُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلَّا الإِذْخِرَ؛ فَإِنَّهُ لِقَيْنِهِمْ وَلِبُيُوتِهِمْ؟ قَالَ: [إِلَّا الإِذْخِرَ]. رواه البخارى في الصحيح: كتاب جزاء الصيد: باب لا يحل القتال بمكة: الحديث (1834). ومسلم في الصحيح: الحديث (445/ 1353).
فَرْعٌ: لو قطع للحاجة التي يقطع لها الإذخر كتسقيف البيوت ونحوه ففيه الخلاف، وفي قطعه للدواء لا جرم جوَّز الحاوي الصغير للحاجة مطلقًا ولم يخصه بالدواء.
وَصَيْدُ الْمَدِينَةِ حَرَامٌ، أي وكذا حرمها لقوله صلى الله عليه وسلم:[وَإِنِّي حَرَّمْتُ الْمَدِينَةَ كَمَا حَرَّمَ إِبْرَاهِيْمُ مَكةَ] متفق عليه (1185)، وفي قول بعيد: لا يحرم بل يكره.
فَرْعٌ: حُكْمُ نَبَاتِهِ حُكْمُ صَيْدِهِ.
ولا يُضْمَنُ فِي الجَدِيدِ، لأنه موضع يجوز دخوله بغير إحرام فلم يضمن كصيد وَجْ بفتح الواو وإسكان الجيم واد بصحراء الطائف، والقديم أنه يسلب القاتل لصيدها والقاطع لشجرها لثبوت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أخرجه مسلم في الشجر وأبو داود في الصيد (1186) وهو المختار، والأكثرون على أنه يسلب منه ما
(1185) • رواه البخاري في الصحيح: كتاب البيوع: باب بركة صاع النبي صلى الله عليه وسلم: الحديث (2129). ومسلم في الصحيح: كتاب الحج: باب فضل المدينة: الحديث (454/ 1360).
• ولحديث جابر بن عبد الله رضى الله عنهما؛ قال: قَالَ النبِيُّ صلى الله عليه وسلم: [إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ؛ وَإِنِّي حَرَّمْتُ الْمَدِينَةَ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا لَا يُقْطَعُ عِضَاهُهَا وَلَا يُصَادُ صَيْدُهَا]. رواه مسلم في الصحيح: الحديث (458/ 1362). والعضاه بالقصر والكسر العين وتخفيف الضاد: كل شجر فيه شوك واحدها عضاهه.
(1186)
هو حديث عامر بن سعد؛ (أَنَّ سَعْدًا رَكِبَ إِلَى قَصْرِهِ بِالْعَقِيقِ فَوَجَدَ عَبْدًا يَقْطَعُ شَجَرًا أَوْ يَخْبِطُهُ؛ فَسَلَبَهُ، فَلَمَّا رَجَعَ سَعْدٌ؛ جَاءَهُ أَهْلُ الْعَبْدِ فَكَلَّمُوهُ أَنْ يَرُدَّ عَلَى غُلَامِهِمْ أَوْ عَلَيْهِمْ مَا أَخَذَ مِنْ غُلَامِهِمْ. فَقَالَ: مَعَاذَ اللهِ أَنْ أَرُدَّ شَيْئًا نَفَّلَنِيهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبَى أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ). رواه مسلم في الصحيح: باب فضل المدينة ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم فيها بالبركة وبيان تحريمها وتحريم صيدها وشجرها وبيان حدود حرمها: الحديث (461/ 1364). وفي رواية أبى داود: فقال (إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَرَّمَ هَذَا الْحَرَمَ وَقَالَ: [مَنْ أَخَذَ أَحَدًا يَصِيدُ فِيهِ فَلْيَسْلُبْهُ ثِيَابَهُ] فَلَا أَرُدُّ عَلَيْكُمْ طُعْمَةً أَطْعَمَنِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَلَكِنْ إِنْ شِئْتُمْ دَفَعْتُ إِلَيْكُمْ ثَمَنَهُ). رواه أبو داود في السنن: كتاب المناسك: باب في تحريم المدينة: الحديث (2037).
يسلبه القاتل من قتيل الكفار، والأصوب في الروضة: أنه يُترَكُ له ما يستر عورته، وقال في شرح المهذب: إنه الأصح، وخالف في المناسك فصحح الأول والأصح أن السلب للسالب.
فَائِدَةٌ: نظم بعضُ الشعراء حرم مكة في بيتين فقال:
وَللْحَرَمِ التحْدِيْدُ مِنْ أرْضِ طَيْبَة
…
ثَلَالَةُ أَميالٍ إِذَا رُمْتَ إِتقَانَهْ
وَسَبْعَةُ أَمْيَالٍ عِرَاقٌ وَطَائِفٌ
…
وَجِدَّةُ عَشْرٌ ثُمَّ تِسْعٌ جِعْرانَهْ (•)
وأما حرمُ المدينة شرفها الله تعالى، ففي الصحيح [أَنَّهُ مَا بَيْنَ عَيْرٍ إِلَى ثَوْرٍ] وفي رواية الطبراني في أكبر معاجمه [مَا بَيْنَ عَيْرٍ إِلَى أُحُدٍ] واستشكلت الرواية الأُولى ولا إشكال، فثور موجود فيها وهو وراء أُحد (1187).
(•) في هامش نسخة (3): قال: وزاد بعضهم:
وَمِنْ يَمَنٍ سَبْعٌ بِتَقْدِيْمِ سِيْنِهِ
…
وَقَدْ كمَلْتَ فَاشْكُر لِرَبِّكَ إِحْسَانَهْ
(1187)
• في صحيح البخاري: كتاب فضائل المدينة: باب حرم المدينة: الحديث (1870) عن علي بن أبى طالب رضي الله عنه؛ قال: (مَا عِندَنَا شَئ إِلَّا كِتَابَ اللهِ وَهَذِهِ الصَّحِيفَةِ عَنِ النبِيِّ صلى الله عليه وسلم: الْمَدِيْنَةُ حَرَمٌ مَا بَيْنَ عَائِرٍ إِلَى كَذَا). وأبهم الثاني. وفي كتاب الجزية: باب ذمة المسلمين: الحديث (3172) بلفظ [وَالمَدِيْنة حَرَمٌ مَا بَيْنَ عَيرٍ إِلَى كَذَا]. قال ابن حجر في فتح الباري شرح صحيح البخارى: شرح الحديث (1867): ج 4 ص 101: قال: واتفقت روايات البخاري كلها على إبهام الثانى. ووقع عند مسلم: [إِلَى ثَوْرٍ].
• نقل ابن حجر العسقلاني؛ قول من أنكر تسمية الجبل الثانى فقال: قال أبو عبيد: قوله [مَا بَيْنَ عَيرٍ إِلَى ثَوْرٍ] هذه رواية أهل العراق؛ وأما أهل المدينة فلا يعرفون جبلًا عندهم يقاله له ثور، وإنما ثور بمكة. وترى أن أصل الحديث [مَا بَيْنَ عَيرٍ إِلَى أُحُدٍ]. قلت - أي ابن حجر -: وقد وقع في حديث عبد الله بن سلام عند أحمد والطبرانى.
• نقل ابن حجر العسقلاني قول المحبّ الطبري في الأحكام بَعْدَ حكاية كلام أبي عبيد ومن تبعه: (قد أخبرني الثقة العالم أبو محمد بن عبد السلام البصري أن حذاء أحد عن يساره جَانِحًا إلى ورائهِ جَبَلٌ صغيرٌ يقالُ لهُ ثَوْرٌ
…
).
فَصْلٌ: وَيتَخَيَّرُ فَي الصَّيْدِ الْمِثْلِيِّ بَيْنَ ذَبْحِ مِثْلِهِ وَالصَّدَقَةِ بِهِ عَلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ وَبَينَ أَن يُقَوَّمَ الْمِثْلُ دَرَاهِمَ وَيشْتَرِى بِهِ طَعَامًا لَهُمْ، أي لأجلهم، أوْ يَصُومَ عنْ كُلِّ مُدٌّ يَوْمًا، لقوله تعالى:{فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} إلى قوله {صِيَامًا} (1188) وهذه الكفارة تسمى مخيرة معدلة؛ لأن الله تعالى قال: {أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا} ولا يجوز إخراج المثل حيا كما أخرجه بقوله (ذبْحِ مِثْلِهِ) ولا أكل شئ منه ولا يقوّم الصيد كما قاله مالك، ولا إخراج الدراهم كما قاله أبو حنيفة، وقوله (دَرَاهِمَ) ذكره على الغالب وإلّا فالمعتبر النقد الغالب والشراء ليس مُتَعَيِّنًا وإنما المراد التصدق بما يساوي النقد من الطعام كما أشار إليه الإمام وغيره، والمجزي في الطعام هو ما يجزي في الفطرة قاله الإمام، وَغَيْرُ الْمِثْلِيِّ يَتَصَدَّقُ بِقِيمَتِهِ طَعَامًا أَوْ يَصُومُ، أي ولا يخرج الدراهم، لأنه لا مدخل لها في الكفارات أصلًا، وقد تقدم أن العبرة في هذه القيمة بموضع الإتلاف لا بمكة على المذهب، وَيَتَخَيَّرُ فِي فِديَةِ الْحَلْقِ بَيْنَ ذَبْحِ شَاةٍ، وَالتَّصَدُّقِ بِثَلَاثةِ آصُع لِسِتَّةِ مَسَاكِينَ، وَصَوْمِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، لقوله تعالى:{فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} (1189) التقدير فحلق شعر رأَسه ففدية كما سلف، ثم أن هذه الآية مجملة بيَّنها حديث كعب بن عجرة السالف في الباب قبل النوع الرابع؛ فدلَّت الآية على تخيير المعذور بين هذه الأمور التي بَيَّنَتْهَا السُّنةُ فكذلك غير المعذور، لأن كل كفارة ثبت فيها التخيير إذا كان سببها مباحًا ثبت فيها التخيير، وإن كان سببها محرمًا ككفارة اليمين وقتل الصيد وغيرهما، وأغرب الخطابي فحكى عن الشافعى أن غير المعذور عليه الدم فقط وهذا مشهور عن أبى حنيفة. ثم شرطَ الشاة أن تجزي في
الأضحية؛ قال الرافعي: وكذا حيث لزمت هي أو البدنة إلا في جزاء الصيد فيجب المثل، وكل من لزمه شاة جاز أن يذبح بدنة أو بقرة مكانها؛ إلّا في جزاء الصيد. واقتصر المصنف على الصرف للمساكين؛ لأن الفقر يؤخذ منه من باب أَولى.
فَرْعٌ: الْقَلْمُ كَالحَلْقِ فيما قلناهُ؛ وكذا الدم الواجب في الاستمتاعات كالطيب ونحوه على الأصح، وهذا النوع يسمى دم تخيير وتقدير.
وَالأصَحُّ أَن الدَّمَ فِي تَرْكِ الْمَأْمُورِ كالإِحْرَامِ مِنَ الْمِيقَاتِ، أي والرمي والمبيت بمزدلفة ليلة النحر، وبمنى ليالي التشريق والدفع من عرفة قبل الغروب وطواف الوداع، دَمُ تَرْتِيبٍ، إلحاقًا له بدم التمتع لما في التمتع من ترك الإحرام من الميقات؛ ويسمى أيضًا دم تعديل جريًا على القياس، فَإِذَا عَجَزَ اشْتَرَى بِقِيمَةِ الشَّاةِ طَعَامًا وَتَصَدَّقَ بِهِ، فَإن عَجَزَ صَامَ عَنْ كُلِّ مُدٍّ يَوْمًا، والوجه الثانى: أنه كدم التمتع في التقدير والترتيب، فإن عجز عن الدم صام عشرة أيام ثلاثة في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله، وهذا ما صححه الرافعي في شرحيه وتذنيبه، والمصنف في شرح المهذب والمناسك.
وَدَمُ الْفَوَاتِ كَدَمِ التمَتُّعِ، أي في الترتيب والتقدير وسائر الأحكام، لأن دم التمتع إنما وجب لترك الإحرام من الميقات، والنسك المتروك في صورة الفوات أعظم، وفيه أثر صحيح عن عمر رضي الله عنه أيضًا في الموطأ (1190)، وَيذْبَحُهُ فِي حَجَّةِ القَضَاءِ فِي الأَصَحِّ، لفتوى عمر رضي الله عنه بذلك (1211)، والثانى: يجوز ذبحه في سنة
(1190) عَنْ نَافِعٍ؛ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ؛ أَنَّ هَبَّارَ بْنَ الْأَسْوَدِ؛ جَاءَ يَوْمَ النَّحْرِ، وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ يَنْحَرُ هَدْيَهُ. فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! أَخْطَأْنَا الْعِدَّةَ! كُنَّا نُرَى أَنَّ هذَا الْيَوْمَ يَوْمُ عَرَفَةَ. فَقَالَ عُمَرُ: (اذْهَبْ إِلَى مَكَّةَ، فَطُفْ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ. وَانْحَرُوا هَدْيًا إِنْ كَانَ مَعَكُمْ. ثُمَّ احْلِقُوا أَوْ قَصِّرُوا وَارْجِعُوا. فَإِذَا كَانَ عَامٌ قَابِلٌ فَحُجُّوا وَاَهْدُوا. فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعَ). رواه الإمام مالك رضي الله عنه في الموطأ: كتاب الحج: باب هدي من فاته الحجُّ: النص (154) من الكتاب: ج 1 ص 383.
الفوات قياسًا على دم الإفساد. وقوله (الأصَحِّ) صوابه الأظهر كما جزم به في الروضة تبعًا للرافعي ورجحه في شرح المهذب.
فَرْعٌ: إذا قلنا بذبحه في حجة القضاء ففي وقت وجوبه وجهان؛ أصحُّهما: وقته إذا أحرم بالقضاء. كما يَجِبُ دَمَ التمتع بالإِحْرَامِ بِالحَجِّ، فعلى هذا إذا كفَّر بالصومِ، لا يقدم صوم الثلاثة على القضاء، لأَن العبادات البدنية لا تقدم على وقتها ويصوم السبعة إذا رجع.
تَنْبِيْهٌ: تفاصيلُ الدماءِ سبعةُ أنواعٍ؛ ذكر المصنف هنا منها أربعة: جزاءُ الصيد؛ ودمُ الحلق؛ وَالمَنُوط بتركِ المأمورِ؛ ودمُ الفواتِ؛ وبقي عليه دمُ الاستمتاع؛ وقد ذكرتهُ؛ ودمُ الجماع؛ وقد ذكرَهُ في الكلام على تحريمه كما سلف؛ وَدَمُ الإِحْصَارِ، وسيأتى في الباب الآتى.
وَالدَّمُ الوَاجِبُ بِفِعْلِ حَرَامٍ أَوْ تَرْكِ وَاجِبٍ لا يَختَصُّ بِزَمَانٍ، أي بل يفعل في يوم النحر وغيره؛ لأن الأصل عدم التخصيص، ولم يرد ما يخالفه، وكذا أطلق الرافعي وغيره عدم الاختصاص، وهو في الإجزاء ظاهر، وأما الجواز فينبغي لمن يقول الكفارات التي سببها معصية على الفور أن يقول هنا بذلك.
وَيَختَصُّ ذَبْحُهُ بِالحَرَمِ فِي الأظْهَرِ، لأن الذبح حق متعلق بالهدى فيختص بالحرم كالتصدق، والثانى: لا يختص؛ لأن المقصود هو اللحم، فإذا وقعت تفرقته في الحرم على مساكينه حصل الفرض، والخلاف جار في دم التمتع والقِران أيضًا.
وَيَجِبُ صَرْفُ لَحْمِهِ إِلَى مَسَاكِينِهِ، أي إلى مساكين الحرم؛ لأن المقصود من الذبح هو إعطاء اللحم؛ وإلَّا فنفس الذبح مجردُ تلويثٍ للحرم وهو مكروهٌ، كما قاله ابن الرفعة، ويؤخذ من كلام المصنف: أنه لا يجوز أن يأكل شيئًا منه، وهو كذلك. والجلد كاللحم في وجوب صرفه وهو بالخيار إن شاء فرق المذبوح عليهم وإن شاء دفعه بجملته لهم.