المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

غيرِ زيادةٍ؛ وإن نقصت فليس للبائع غيره، وَإِن زَادَتْ فَالأظهَرُ - عجالة المحتاج إلى توجيه المنهاج - جـ ٢

[ابن الملقن]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الصيام

- ‌بَابُ صَوْمِ التَّطَوُّعِ

- ‌كِتَابُ الاِعْتِكَافِ

- ‌كِتَابُ الْحَجِّ

- ‌بَابُ المَوَاقِيتِ

- ‌بَابُ الإِحْرَامِ

- ‌بَابُ دُخُولِ مَكَّةَ زَادَهَا اللهُ شَرَفًا

- ‌بَابُ مُحَرَّمَاتِ الإِحْرَامِ

- ‌بَابُ الإحِصَارِ وَالفَوَاتِ

- ‌كتاب البيع

- ‌بَابُ الْرِّبَا

- ‌بابُ الْبُيُوع الْمَنْهِيِّ عَنْها

- ‌بَابُ الخيَارِ

- ‌بَابُ الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ

- ‌بَابُ التوْلِيَةِ وَالإِشْرَاكِ وَالْمُرَابَحَةِ

- ‌بَابُ الأصُولِ وَالثمَارِ

- ‌بَابُ اخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ

- ‌بَابُ مُعَامَلَاتِ الْعَبِيدِ

- ‌كِتَابُ السَّلَمِ

- ‌كِتَابُ الرَّهنِ

- ‌كتاب التفليس

- ‌بِابُ الْحَجْرِ

- ‌كِتَابُ الْصُّلْحِ

- ‌كِتَابُ الحوالةِ

- ‌كتاب الضمان

- ‌كِتَابُ الشِّرْكَةِ

- ‌كِتَابُ الْوَكَالةِ

- ‌كتاب الإقرار

- ‌كِتَابُ الْعَارِيَّةِ

- ‌كِتَابُ الْغَصْبِ

- ‌فُرُوعٌ مَنْثُورَةٌ نَخْتِمُ بِهَا الْبَابَ مُهِمَّةٌ

- ‌كِتَابُ الشُّفْعَةِ

- ‌كِتَابُ الْقراضِ

- ‌كتاب المُسَاقَاةِ

- ‌كتاب الإجارة

- ‌كتاب إحياء الموات

- ‌كتاب الوقف

- ‌كتاب الهبة

- ‌كِتَابُ الْلُّقَطَةِ

- ‌كِتَابُ الْلَّقِيطِ

- ‌كتاب الجُعَالةِ

الفصل: غيرِ زيادةٍ؛ وإن نقصت فليس للبائع غيره، وَإِن زَادَتْ فَالأظهَرُ

غيرِ زيادةٍ؛ وإن نقصت فليس للبائع غيره، وَإِن زَادَتْ فَالأظهَرُ أَنَّهُ يُبَاعُ، وَللْمُفْلِسِ مِنْ ثَمَنِهِ بِنِسبَةِ مَا زَادَ، لأنها زيادة حصلت بفعل محترمٍ مُتَقَوَّمٍ فوجبَ أن لا يضيع عليه بخلاف الغاصب، مثاله: فيمة الثوب خمسة وبلغ بالقصارة ستة فللمفلس سدس الثمن؛ والثاني: أن البائع يفوز بالزيادة؛ لأنها أثر، وَلَوْ صَبَغَهُ بِصِبْغَةٍ، أي بصبغ المشتري، فَإن زَادَتِ الْقِيمَةُ قَدْرَ قِيمَةِ الصَّبْغ رَجَعَ، وَالْمُفْلِسُ شَرِيك بِالصَّبْغ، لأن المبيع هو الثوب خاصة، أَوْ أَقَلَّ، أي وسعر الثوب باقٍ بحاله، فَالنَّقْصُ عَلَى الصَّبْغ، لأن أجزاءَهُ تتفرقُ وتنقصُ؛ والثوبُ موجودٌ بحاله، أَوْ أَكْثَرَ؛ فَالأصَحُّ: أَنَّ الزِّيَادَةَ لِلْمُفْلِسِ، بناء على أن الصبغة كالقصارة يسلك بها مسلك الأعيان، والثاني: أنها أثر فالزيادة بينهما بالقسط.

وَلَوِ اشْتَرَى مِنْهُ الصَّبْغَ وَالثوْبَ رَجَعَ فِيهِمَا إِلَّا أَن لَا تَزِيدَ قِيمَتُهُمَا عَلَى قِيمَةِ الثَّوْبِ فَيَكُونُ فاقِدًا لِلصَّبْغ، أي يضارب بثمنه. وَلَوِ اشْتَرَاهُمَا، يعني الصبغ والثوب، مِنَ اثْنَيْنِ؛ فَإنْ لَمْ تَزِدْ قِيمَتُهُ مَصْبُوغًا عَلَى قِيمَةِ الثَّوبِ، فَصَاحِبُ الصَّبْغ فَاقِدٌ، وَإِن زَادَتْ بِقَدْرِ قِيمَةِ الصَّبْغ اشْتَرَكَا، وَإِن زَادَتْ عَلَى قِيمَتِهِمَا فَالأصَحُّ أَن الْمُفْلِسَ شَرِيكٌ لَهُمَا بِالزِّيادَةِ، بناء على أنها عينٌ. ووجهُ مقابلهِ بناء على أنها أثرٌ.

‌بِابُ الْحَجْرِ

اَلْحَجْرُ: أَصْلُهُ الْمَنْعُ، وَهُوَ في الشَّرْع: مَنْعُ التصَرُّفِ فِي الْمَالِ.

مِنْهُ حَجْرُ الْمُفْلِسِ لِحَقِّ الْغُرَمَاءِ، أي في المال الموجود والمتجدد، وَالرَّاهِنِ لِلْمُرْتَهِنِ، أي في العين المرهونة، وَالْمَرِيضِ لِلْوَرَثَة، أي في ثلثي التركة إن لم يكن عليه دَيْنٌ؛ وفي جميعها إن كان عليه دَيْنٌ مستغرقٌ، وَالْعَبْدِ لِسَيِّدِهِ، وَالْمُرْتَدِّ لِلْمُسْلِمِينَ، وَلَهَا أَبْوَابٌ، أي تقدم بعضها وبعضها يأتى، ومما قدمه أيضًا الحجرَ

ص: 786

الغريبَ لحقِّ البائع (•). وقوله (مِنْهُ) كذا فيه إشارة إلى عدم الحصر وهو كذلك، وَعَدَّ صاحبُ الخصالِ مِنَ المحجورِ عليهم أُمُّ الولدِ والفاسقِ (100)؛ وَمَقْصُودُ الْبَابِ حَجْرُ الْمَجْنُونِ، وَالصَّبِيِّ، وَالْمُبَذِّرِ، والأصل فيهم قوله تعالى:{فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا} الآية (101). قال المتولي: والبالغ الذي له أدنى تمييز ولم يكمل عقله كالصبى المميز، فَبِالْجُنُونِ تَنْسَلِبُ الوِلَايَاتُ، لأنه إذا لم يلِ أمر نفسه فغيره أَولى، وَاعْتِبَارُ الأقْوَاُلِ، أي له وعليه لعدم قصده، أما أفعاله فلا شك في اعتبار الاتلاف منها دون غيره كالصدقة، نعم؛ لو أحرم ثم جُنَّ فقتل صيدًا فالأظهر في الروضة في بابه: عدم وجوب الجزاء وفيه نظر، وَيرْتَفِعُ، أي حجر المجنون، بِالإفاقةِ، أي بمجردها من غير فَكِّهِ (•)، وَحَجْرُ الصَّبِيِّ يَرْتَفِعُ ببُلُوغِهِ رَشِيدًا، لقوله تعالى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى

} الآية (102)، وَالْبُلُوغُ بِاسْتِكْمَالِ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، أي قمريةً

(•) في النسخة (1) و (2): (لِحَقِّ الْغُرَمَاء) بدل (لِحَقِّ الْبَائِع)، وأثبتنا الرسم الموجود في النسخة (3). مع ملاحظة أن ناسخ النسخةَ (1) أو مدققها؛ أشار في هامشها: أن في نسختين ينقل منهما أو يدقق عليهما؛ (لِحَقِّ الْبَائِع). ثم السياق يقتضى ما أثبتناه. والله أعلم.

(100)

الْحَجْرُ في اللغة: الْمَنعُ. ثُمَّ استعملَ في الشَّرْع في مَنْعٍ مَخصُوصٍ؛ وهُوَ المنع مِن التصَرُّفِ في المالِ. وواقعُ التعريفِ أو مناطُ مفهومِ الحجرِ نوعان: حَجْرٌ على الإنسَانِ لِمَصلَحَةِ الْمَحجُورِ، أي لِحَقِّ نَفْسِهِ، وَحَجْرٌ لِمَصلَحَةِ الْغَيْرِ؛ أي حَجْرٌ عَلَى الإنسَانِ لِحَقِّ غَيْرِهِ. فمن النوع الأول: الْحَجْرُ على الصَّبِيِّ والمجنون. أما الحجرُ عليه لمصلحةِ غيرهِ، وهو النوع الثاني: فكالحجرِ على المُفْلِسِ لحقِّ الغرماءِ، وعلى الرَّاهِنِ في التصرف بالعين المرهرنة لحقِّ المُرْتَهِنِ وعلى المريضِ في مرض موتِهِ لحقِّ الغرماءِ وحقِّ الورثةِ.

(101)

البقرة / 282: {فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ} .

(•) في النسخة (2) و (3): من غير فكٍّ.

(102)

النساء / 6: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا} .

ص: 787

تحديدًا لحديث ابن عمر (عُرِضْتُ عَلَى النَّبِيِّ- صلى الله عليه وسلم-وَأَنَا ابْنُ أَربعَ عَشْرَةَ سَنَةً فَلَمْ يُجِزْنِي وَلَمْ يَرَنِي بَلَغْتُ وَعُرِضْتُ عَلَيْهِ وَأَنَاْ ابْنُ خمس عَشْرَةَ سَنَةً فَأَجَازَني) رواه ابن حبان كذلك وأصله في الصحيح (103)، أَوْ خُرُوج الْمَنِيِّ، لقوله تعالى:{وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا} (104)، وَوَقْتُ إِمْكَانِهِ استكمَالُ تِسْع سِنِينَ، للاستقراء قال في الدقائق: والمذهب أن الأنثى كالذكر، وقيل: منيُّها كحيضها (105)، وَنَبَاتُ الْعَانَةِ، أي الخشن، يَقتَضِي الْحُكمَ بِبُلُوغ وَلَدِ الكافرِ لَا الْمُسلِمِ فِي الأصَحِّ، لأنه متهم في الانبات فربما تداوى له ليكمل ويشرف. والكفار لا تهمة في حقهم؛ لأن به يجوز قتلهم وتضرب عليهم الجزية (106)، والثاني: نعم؛ لأن الإشكال قد يقع فيه. وقوله

(103) رواه ابن حبان بهذا اللفظ في الإحسان: باب الخروج وكيفية الجهاد: الحديث (4708). في الصحيحين: عن نافع، قال: حَدَّثَنِى ابْنُ عُمَرَ رَضِىَ الله عَنْهُمَا: (أنَّ رَسُولَ الله عَرَضَهُ يومَ أُحُدٍ؛ وَهُوَ ابْنُ أربَعَ عَشرَةَ سَنَةَ فَلَم يُجِزْنِي، ثُمَّ عَرَضَنِي يَوْمَ الخَنْدَقِ وَأنَاْ ابنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةَ فَأَجَازَني) قَالَ نَافِعٌ: فَقَدِمْتُ عَلَى عُمَرَ بنَ عَبْدِ الَعِزِيز وَهُوَ خَلِيفَةٌ فَحَدَّثتُهُ الحَديثَ، فَقَالَ: إِنَّ هَذَا الحَدُّ بَينَ الصَّغِيرِ وَالكبيرِ، وَكَتَبَ إِلَى عُمَّالِهِ أنْ يَفرِضُوا لِمَنْ بَلَغَ خَمْسَ عَشرَةَ. رواه البخاري في الصحيح: كتاب الشهادات: باب بلوغ الصبيان: الحديث (2664). ومسلم في الصحيح: كتاب الإمارة: باب بيان سن البلوغ: الحديث (91/ 1868).

(104)

النور / 59: {وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} .

(105)

قال: قولهما: (وقتُ إمكانِ المنيِّ استِكْمَالُ تِسْع سِنِينَ). يتناولُ مَنَّي الذكَرِ وَالأنْثى؛ وهذَا هُوَ المَذهَبُ؛ وقيل: مَنِيُّهَا كحيضها. ينظر: دقائق المنهاج للنووى: ص 61.

(106)

• عن عَطِيَّةَ القُرَظِيِّ؛ قَالَ: (كُنْتُ يَومَ حَكَمَ سَعْد في بَنِى قُرَيظَةَ غُلَامًا؛ فَشَكُّوا فِىَّ؛ فَلَم يَجِدُوني أنْبَتُّ، فَاسْتُبْقِيْتُ؛ فَهَا أنَا بَيْنَ أظْهُرِكُم). رواه النسائى في السنن: كتاب الطلاق: باب متى يقع طلاق الصبى: ج 6 ص 155. وفي سنن أبي داود: كتاب الحدود: باب في الغلام يصيب الحد: الحديث (4404) بلفظ: (كُنتُ مِنْ سَبي بَنِي قُرَيظَةَ؛ فَكَانُوا يَنْظُرُونَ؛ فَمَنْ أنبَتَ الشَعرَ، قُتِلَ. وَمَنْ لَم يُنْبِتْ، لَمْ يُقتَلْ. فَكُنْتُ فِيْمَنْ لَم يُنْبِت).

• عن عَبْدِ المَلِك بنِ عُمَيْرٍ عَنْ عَطِيَّةَ القُرَظِي- وفي رواية النسائى: حَدَّثَنِى ابنَا =

ص: 788

(يَقْتَضي) فيه إشارة إلى أنه ليس ببلوغ حقيقة بل علامة عليه وهو الأصح، وخرج بالعانةِ شعرُ الأبط والشارب واللحية.

فَرْعٌ: وقت إمكانه إمكان وقت الاحتلام؛ ذكره الرافعي وأسقطَهُ من الروضة.

وَتَزِيدُ الْمَرْأَةُ حَيْضًا، بالإحماع، وَحَبَلًا، لأن العادة أنها لا تحمل إلّا بعده وليس ببلوغ في نفسه كما وهم فيه بعضهم، وقوله (وَتَزِيْدُ) فيه إشارةٌ إلى أن ما تقدَّم في السِّنِّ والمنيِّ والإنباتِ عامٌّ في الذكور والإناث.

فَصْلٌ: وَالرُّشْدُ؛ صَلَاحُ الدِّينِ وَالْمَالِ، كذا فَسَّرَ بِهِ ابنُ عباس وغيره قوله تعالى:{فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا} (107)، فَلَا يَفْعَلُ مُحَرَّمًا يُبْطِلُ الْعَدَالَةَ، وإن لم يتعلق بالمال كالقذف والكذب، واحترز بِالْمُحَرَّمِ عما يمنعُ قبولَ الشهادة، لإخلاله

قُرَيظَةَ-؛ قَالَ: (عُرِضْنَا عَلَى النَّبِىِّ-صلى الله عليه وسلم-يَوم قُرَيظَةَ فَمَنْ كَانَ مُحتَلِمًا أوْ نَبَتَتْ عَانَتُهُ؛ قُتِلَ، وَمَنْ لَم يَكُنْ مُحْتَلِمًا أوْ لَم تَنْبُتْ عَانَتُهُ تُرِكَ). رواه الترمذى في الجامع: باب ما جاء في النزول على الحكم: الحديث (1584). والنسائى في السنن: 6 ص 155.

(107)

النساء / 6؛

مَفْهُومُ الرُّشدِ:

• أما تفسير ابن عباس رضى الله عنهما؛ رواه مسلم في الصحيح: كتاب الجهاد والسير: باب النساء الغازيات: الحديث (137/ 1812) وما بعده.

• الحديث عن يزيدَ بنِ هُرْمُزَ؛ أنَّ نَجْدَةَ بنَ عَامِرٍ الحَرُورِىَّ كَتَبَ إِلَى ابنِ عبَّاس يَسألُهُ: مَتَى يَنْقَضِى يُتمُ اليتيْمِ؟ فَكَتَبَ ابنُ عبَّاس: (وَكَتَبتَ تَسألُنِى مَتَى يَنْقَضِى يُتمُ الْيَتيمِ؟ فَلَعَمرِى إنَّ الرَّجُلَ لَتَنْبُتُ لِحيتُهُ وِإِنَّهُ لَضَعِيْفُ الأخْذ لِنَفْسِهِ ضَعِيْفُ العَطَاءِ مِنهَا، فَإِذَا أخَذَ لِنَفْسِهِ مِنْ صَالِح مَا يَأخُذُ النَّاسُ فَقَدْ ذَهَبَ عَنْهُ اليتْمُ).

• وفي رواية: (وَإِنَّهُ لَا ينْقَطِعُ عَنْهُ اسْمُ اليُتمِ حَتَّى يَبْلُغَ ويؤنَسَ مِنْهُ الرُّشْدُ). الحديث (139/ 1812).

• وفي رواية: (فَإِذَا بَلَغَ الحُلُمَ وَأُوْنِس مِنْهُ رُشدُهُ فَقَدِ انقَضَى يُتْمُهُ، فَادفَعْ إِلَيهِ مَالَهُ). رواه البيهقي في السنن الكبرى: الأثر (11478).

ص: 789

بالمروءة، كالأكْلِ في السُّوقِ، وَلا يُبَذِّرُ بِأَنْ يُضَيِّعَ الْمَالَ بِاحْتِمَالِ غُبْنٍ فَاحِشٍ فِي الْمُعامَلَةِ أَوْ رَمْيِهِ فِي بَحْرٍ، أَوْ إِنْفَاقِهِ فِي مُحَرَّمٍ، أي صغيرة وكبيرة لما في الأوليتين مِنْ قِلَّةِ الْعَقْلِ، والثالث: مِن قِلَّةِ الدِّيْنِ (108). ولو عبَّر بقوله: أو ضياعِهِ بدل إِنْفَاقِهِ كان أَولى، وَالأصَحُّ: أَنَّ صَرْفَهُ فِي الصَّدَقَةِ وُوُجُوهِ الْخَيْرِ وَالْمَطَاعِمِ وَالْمَلَابِسِ التِي تَلِيقُ بِحَالِهِ لَيْسَ بِتَبْذِير، أما في الأولى: فلأنَّ لهُ فيه غرضًا وهو الثوابُ، وأما في الثانية: فلأنَّ المالَ يتخذ لينتفع به ويلتذ، ووجه مقابله في الأولى: أنه يوقع في الاحتياج، وفي الباقى: أن أهل العرف ينفونَ الرُّشْدَ عنه، ولا يبعد التوسط وهو أن

(108) مَفْهُومُ السَّفَهِ:

• في الحديث عن النعمان بن بشير-رضي الله عنه؛ قال: قَالَ رَسُولُ الله-صلى الله عليه وسلم: [خُذُواْ عَلَى أيْدِي سُفَهَائِكُمْ] قال المصنف رحمه الله في التحفة: (رواه الطبراني في أكبر معاجمه بسند جيد) ينظر منه: النص (1265). وحكاه الماوردى في الحاوى الكبير: كتاب الحجر: ج 6 ص 356. والقرطبي في الجامع لأحكام القرآن: ج 6 ص 4. وأخرجه البيهقى في شعب الإيمان: باب في الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر: الحديث (7577) وسكت عنه. وحكاه الديلمى في الفردوس بمأثور الخطاب: النص (2738) وأشار المحقق في إحالته إلى كنز العمال: الرقم (5525).

• قِلَّةُ العَقْلِ سَفَهٌ؛ ومنه قِلَّةُ الدِّينِ بِغَفْلَةٍ، أما بتقصد فهى معصية وفسق. والسَّفَهُ في اللغة الْخِفَّةُ وَالسَّخَافَةُ. ثم اسْتُعْمِلَ في خِفَّةِ النَّفسِ لنقصانِ التْدَبُّرِ العاديِّ، وهو ما يقتضيه العقلُ على السحيةِ والبداهةِ، وفي اصطلاح الفقهاء: هو وضعُ المالِ في غيرِ مواضعهِ أو إتلافُهُ أو تضييعُهُ على خِلاف مُقتضى العقلِ أو الشرع، ولو في الخيرِ، كما لو صَرَفَ شخصٌ جميع مالِهِ في بناءِ مسجدٍ من غير حاجةٍ عامةٍ

، ويلاحظُ أن باعث السفه خفة تعتري الإنسان من الفرح أو الغضبِ، فتحمله على العملِ مِن غيرِ ملاحظةِ النفع الدنيويِّ أو الأخرويِّ. أيْ مِن غير إدراكِ القيمةِ المعينةِ في العملِ مِن قيمةٍ ماديَّةٍ أو روحيَّةٍ. فإذا غابتِ القيمةُ الماديةُ مِن العملِ كانَ المرءُ سفيهًا في العُرفِ الدنيوىِّ لِقِلَّةِ عقلهِ في التَّصَرُّفِ المَالِيِّ أو الاجتماعيِّ أو العرفيِّ العامِّ. وإذا غابتِ القيمةُ الروحيةُ مِن العملِ كانَ سفيهًا لِغَفْلَةٍ عَنِ العبادةِ والطاعةِ حتَّى لَو حضرتهُ القيمةُ الماديةُ، وكانَ حريصًا عليها، وحتَّى لو لم تظهرْ عليهِ المعصيةُ؛ لأنه في غَفْلَةٍ، فَقِلَّةُ العقلِ والغفلةُ عن الدِّينِ سَفَهٌ لا محالة.

ص: 790

صرفه في الأوَّلَيْنِ ليسَ بتبذير بخلاف الآخرين، ويُختَبَرُ رُشْدُ الصَّبِيّ، أي في الدِّيْنِ والمالِ لقوله تعالى:{وَابْتَلُوا الْيَتَامَى} (106) أي اختبروهم، أما في الدِّيْنِ ففى محافظته على أداءِ الواجباتِ واجتنابِ المحرماتِ وتوقِّى الشبهات ومخالطةِ أهل الخير ونحو ذلك. وأما المال: فَيَخْتَلِفُ بِالْمَرَاتِبِ، كما ذكره المصنف، فَيُخْتَبَرُ وَلَدُ التَّاجِرِ بِالْبَيْع وَالشِّرَاءِ، أي كما سيأتي، وَالمُمَاكَسَةِ فِيهِمَا، أي في النقصانِ عَمَّا طلبه البائعُ، وَوَلَدُ الزَّرَّاع بِالزِّرَاعَةِ وَالنَّفَقَةِ عَلَى الْقُوَّامِ بهَا، أي الأُجَرَاءِ بها، وَالْمُحْتَرِفِ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِحِرْفَتِهِ، أي صَنْعَتِهِ، وَالْمَرْأَةُ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِالْغَزْلِ وَالقُطْنِ، أىِ في تَهْيِئَتِهِمَا إن كانت مُخَدَّرَةً؛ فإن كانت بَرْزَةً ففي بيعهما، وَصَوْنِ الأطْعِمَةِ عَنِ الْهِرَّةِ وَنَحْوِهَا، لأن بذلك يتبين الضبطُ؛ وحفظ المال؛ وعدم الانخداع؛ وذلك قوامُ الرُّشْدِ، ثم إن تَصَرُّفَ المرأةِ بعد ذلك صحيح، ولا يحتاج إلى إذن الزوج، وأما رواية أبي داود [لَا تَتَصَرَّفُ الْمَرْأةُ إِلَّا بِإِذْنِ زَوْجِهَا] فأشار الشافعى-رضي الله عنه-إلى ضعفه (109) وعلى تقدير

(109) مَبْحَثٌ: تَفْسِيرُ حَدِيثِ: [لَا تَتَصَرَّفُ المَرْأَةُ إلَّا بإِذنِ زَوْجِهَا]:

• عن عَمْرو بنِ شُعَيبٍ عن أبيهِ عن جَدِّه؛ أنَّ رَسُولَ الله-صلى الله عليه وسلم قَالَ: [لَا يَجُوزُ لاِمْرأةٍ أمْرٌ في مَالِهَا إِذَا مَلَكَ زَوْجُهَا عِصْمَتَهَا] وفي رواية: [لَا يَجُوزُ لاِمرأةٍ عَطِيَّةٌ إِلَّا بِإِذن زَوْجِهَا]. رواهما أبو داود في السنن: كتاب البيوع: باب في عطية المرأة: الحديث (3546 و 3547). والنسائى في السنن: كتاب الزكاة: باب عطية المرأة بغير إذن زوجها: ج 5 ص 65. وفي العمرى: باب عطية المرأة بغير إذن زوجها: ج 6 ص 278 - 279.

• قال الماوردى: (وأمَّا الجوابُ عن حديث عمرو بن شعيب، فهو ضعيفٌ. ولو صَحَّ لكانَ محمولًا على المُبَذَّرَةِ إذا ولي الزوج الْحَجْرَ عليها): الحاوي الكبير: كتاب الحجر: ج 6 ص 354.

• قال ابن النحوي- ابن الملقن- رحمه الله: (رواهُ أبو داود والنسائي بإسنادٍ صحيح. رردَّةُ ابنُ حزمٍ - المحلى: ج 8 ص 317 - بأنْ قال: صَحِيْفَةٌ مُنْقَطِعَةٌ. قُلْتُ: قد صَرَّحَ شعيب بالتحديث عن عبد الله بن عَمْرٍو، ورواهُ جماعةٌ ثِقَاتٌ عن عَمْرٍو. والحاكمُ رواهُ بمعناه، وقالَ: صَحِيْحُ الإسْنَادِ) من تحفة المحتاج: ج 2 ص 261: النص (1266). =

ص: 791

صحته يُحمل على الأولى.

فَرْعٌ: يختبر الخنثى بما يختبر به الذكر والأنثى جميعًا ليحصل العلم بالرشد؛ ولأنه إذا اختبره بما يختبر بهِ أحدُ النوعينِ جَازَ أنْ يكونَ مِنَ الآخرِ صرَّح بهِ ابن الْمُسَلَّم.

ويشْتَرَطُ تَكَرُّرُ الاِخْتِبَارِ مَرَّتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ، لأنه قد يصيب في المرَّةِ الواحدةِ اتفاقًا فلا بد من زيادةٍ تُفِيد غَلَبَةَ الظَّنِّ بِرُشْدهِ.

فَرْعٌ: اختبار ولد الأمير ونحوه، بأن يعطى نفقة في مدة للخبز واللحم ونحوهما، كما ذكره في الكفاية، ثم نقل عن الماورديِّ أنه يدفع إليه نفقة يومٍ ثم أسبوع، ثم شهرٍ لِلظَّنِّ بِرُشْدِهِ، واشترط الماوردي تكرره ثلاثًا؛ وهذا الخلاف كما في تعليم الجارحة الاصطِيَادِ، وَوَقْتُهُ، يعني وقت الاختبار، قَبْلَ الْبُلُوغ، لئلّا يتأخر دفع المال إليه بعد بلوغه رشيدًا، وَقِيلَ: بَعْدَهُ، لأنَّ تصرفَهُ في الصبِّي غيرُ نَافِذٍ، فَعَلَى الأوَّلِ؛ الأصَحُّ: أَنهُ لَا يَصِحُّ عَقدُهُ، بَلْ يُمتَحَنُ فِي الْمُماَ كَسَةِ، فَإِذَا أَرَادَ الْعَقْدَ عَقَدَ

• نقل البيهقى عن الربيع قال: (قالَ الشَّافِعِيُّ- يعني في هذا الحديث-: سَمِعْنَاهُ، وَلَيْسَ بِثَابِتٍ، فَيلْزَمُنَا نَقُولُ بهِ؟ وَالْقُرآنُ يَدُلُّ عَلَى خِلَافِهِ؛ ثُمَّ السُّنَّةُ، ثُمَّ الأَثَرُ، ثُمَّ المعقُولُ. وقال في مُختصَر اَلبوَيطِيِّن وَالرَّبيعِ: قَدْ يُمكِنُ أن يَكُونَ هَذَا في مَوْضِع الاخْتِيَارِ؛ كَمَا قِيْلَ: لَيسَ لهَا أنْ تَصُومَ يومًا وَزوجُهَا حَاضِرٌ إِلَّا بِإذنِهِ، فَإِنْ فَعَلَت فَصَوْمُهَا جَائِزٌ، وَإنْ خَرَجَتْ بغَيْرِ إِذْنٍ فَبَاعَت فَجَائِزٌ، وَقَدْ أعْتَقَتْ مَيمُونَةُ رضي الله عنها قبْلَ أنْ يَعْلَمَ النَّبِىُّ-صلى الله عليه وسلم-فَلَم يَعِب ذَلِكَ عَلَيهَا، فَدَلَّ هَذَا مَعَ غَيرِهِ عَلَى أَنَّ قَوْلَ النَّبِي-صلى الله عليه وسلم-إِنْ كَانَ قَالَهُ؛ أدَبٌ وَاخْتِيَارٌ لَهَا) السنن الكبرى للبيهقي: كتاب الحجر: الأثر (11520).

• قال البيهقى رحمه الله: (الطَّرِيقُ في هَذَا الْحَدِيثِ إِلَى عَمْرِو بن شُعَيْبٍ صَحِيحٌ؛ وَمَنْ أثْبَتَ أحَادِيثَ عَمْرِو بن شُعَيْبٍ لَزِمَهُ إِثباتُ هذَا، إِلّا أنَّ الاحَادِيثَ الَّتِى مَضَتْ في البَابِ قَبلَهُ أصَحُّ إسنَادًا، وَفِيْهَا وَفِى الآياتِ الَّتِى احْتَجَّ بِهَا الشَّافِعِىُّ رحمه الله دَلَالَةٌ عَلَى نُفُوذِ تصَرُّفِهَا فِي مَالِهَا دُونَ الزَّوج، فَيَكُونُ حَدِيثُ عَمْرو بن شُعَيْب مَحمُوْلًا عَلَى الأدَبِ وَالاختِيَارِ، كَمَا أشَارَ إِلَيهِ فِي كِتَابِ البوَيطِىِّ. وَبِاللهِ التوفِيْقُ) السنن الكبرى: الأثر (11520).

ص: 792

الْوَليُّ، لما ذكرناه من بطلان تصرفه. والثاني: يصح للحاجة، فَلَوْ بَلَغَ غَيْرَ رَشِيدٍ، أي لإختلال صلاح الدينِ أو المالِ، دَامَ الْحَجْرُ، لمفهوم الآيةِ ويتصرف له من كان يتصرف قبل البلوغ، وَإِن بَلَغَ رَشِيدًا اِنْفَكَّ بِنَفْسِ الْبُلُوغ وَأُعطِيَ مَالَهُ، لأنه حَجْرٌ ثَبَتَ بغيرِ حاكمٍ فلم يتوقف زواله على إزالةِ الحاكمِ كحَجْرِ الجنونِ يزول بمجرد الإفاقة وهذا أَوْلى، وَقِيلَ: يُشْترَطُ فَكُّ الْقَاضِي، لأن الرشد يحتاج إلى نظر واجتهاد فأشبه حَجْرَ السَّفَهِ الطَّارِئ.

فَرْعٌ: الخلافُ جارٍ أيضًا فيما إذا بلغَ غيرَ رَشِيْدٍ ثُمَّ رَشَدَ.

فَائِدَةٌ: قال ابن الصلاح: الظاهر أن الشاهد بالرشدِ يكتفى بالعدالة الظاهرة؛ ولا يشترط أن يعرف الإتصاف بالباطنةِ.

فَلَوْ بَذَّرَ بَعْدَ ذَلِكَ حُجِرَ عَلَيهِ، أيْ أُعِيْدَ الْحَجْرُ عَلَيهِ لقوله تعالى:{وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} أي أموالهم بدليل {وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا} (110) والذي يعيده هو القاضي فقط، وَقِيلَ: يَعُودُ الْحَجْرُ بِلَا إِعَادَةٍ، كما لو جنّ، وَلَوْ فُسِّقَ لَمْ يُحْجَرْ عَلَيْهِ فِي الأصَحِّ، لأن الأوَّليْنَ لم يحجروا على الفَسَقَةِ بخلافِ الاستدامةِ، فإنَّ الحجر كان ثابتًا فبقى، والثاني: يحجر عليه إذا رأى المصلحة فيه كما لو عاد التبذير، وَمَنْ حُجِرَ عَلَيْهِ لِسَفَهٍ طَرَأَ فَوَلِيُّهُ الْقَاضِي، لأن ولاية الأب وغيره قد زالت فلا تعود، وينظر من له النظر العام، وَقِيلَ: وَليُّهُ فِي الصِّغَرِ، كمن بلغ مجنونًا، وَلَوْ طَرَأَ جُنُونٌ، فَوَليُّهُ وَليُّهُ فِي الصِّغَرِ، وَقيِلَ: الْقَاضِي، لتعليلهما كما سلف فيه، والفرق على الأصح: أن السَّفَهَ وزوالَهُ مُجْتَهَدٌ فيه، فاحتاج إلى نظر الحاكم، بخلاف الجنون.

فَصْلٌ: وَلَا يَصِحُّ مِنَ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ لِسَفَهٍ بَيْعٌ وَلَا شِرَاءٌ، لمكان الحجر، وَلَا إِعْتَاقٌ، أي ولو بكتابة لما قلناه، وَهِبَةٌ، أي وكذا قبولها على ما اقتضاه كلام الرافعى، لكن الأصح من زيادات الروضة الصحةُ، وَنكَاحٌ، أي يقبله، بِغَيْرِ إِذْنِ وَليُّهِ، فأَمَّا

ص: 793

كونه ولِيًّا فيمتنعُ، ولو أذن له الولي؛ أمَّا إذا أذن له الولي في النِّكَاح فيصح كما سيأتي، فَلَوِ اشْتَرَى أَوِ اقْتَرَضَ وَقَبَضَ وَتَلِفَ الْمَأْخُوذُ في يَدِهِ أَوْ أَتْلَفَهُ فَلَا ضَمَانَ في الْحَالِ، لأن الَّذي قبض هو المضيِّعُ، وَلَا بَعْدَ فَكِّ الْحَجْرِ، سَوَاءٌ عَلِمَ حَالَهُ مَنْ عَامَلَهُ أَوْ جَهِلَ، لتقصيره بالبحث عن حاله، وهذا كله إذا أقبضه البائعُ الرشيدُ، فأما إذا أَقْبَضَهُ السَّفِيْهُ بغير إذن البائع أو أقبضه البائع إياه وهو محجورٌ عليهِ فإِنَّهُ يضمنُهُ بالقبضِ قطعًا، وَيَصِحُّ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ نِكْاحُهُ، لما ستعلمه في بابه، لَا التَّصَرُّفُ الْمَالِيُّ في الأَصَحِّ، كما لو أذن لصبي، والثاني: يصح إذا عيَّنَ الوليُّ قَدْرَ الثمَنِ، كما لو أذن له في النِّكَاح، قال الإمام: وهو المذهب، والأول غير معدود منه، وعلى الأول الفرق بينهما أن المقصود بالحجر عليه حفظ المال دون النِّكَاح، وأنه لا يصح منه، أي من بيع السفيه إزالة ملكه في الأموال بإذن ولا بغير إذن بالهبة والعتق؛ ويصح منه إزالة النِّكَاح بالطلاق، وقولُهُ (التْصَرفُ الْمَالِيُّ) يقتضي طرد الخلاف في الهبة والعتق والكتابة، ولا خلاف في بطلانها مع الإذن، وقد يُجَابُ بأنه إذا وَكَّلَ فيها؛ يجري الخلاف. أو يُقال: المفهوم ليس عامًا، بل يقتضى أن منها ما يصح على وجه.

فُرُوعٌ مُسْتَثناةٌ: يصح عفوه عن القِصاص على غير مالٍ؛ على الأصح كما ذكرهُ في بابه، وإذا وجب له قصاص فصالح المستحق على الدِّيَةِ أو أكثر منها لم يكن للولي منعه، وإذا ثبت له دَيْنٌ فقبضه بإذن وليِّه فالأرجح عند الحناطي الاعتداد به.

وَلَا يَصِحُّ إِقْرَارُهُ بِدَيْنٍ قَبْلَ الْحَجْرِ أَوْ بَعْدَهُ، كالصبيِّ، وَكَذَا بِإِتْلَافِ الْمَالِ، أي وكذا جناية توجب المال، فِي الأَظْهَرِ، كَدَيْنِ الْمُعَامَلَةِ، وعلى هذا لا يؤاخذُ بهِ بعد الإطلاق على الصحيح، لأنه لا حكم لهذا الإقرار، والثاني: أنَّه يقبل؛ لأنه لو باشر الإتلاف ضَمَنَ، فإذا أقرَّ به قبل، وَيَصِحُّ بِالْحَدِّ وَالْقِصَاصِ، لأنه لا تعلق لهما بالمال ولبعد التهمة، وَطَلَاقه، لأن الحجرَ لم يتناوله، وَخُلْعُهُ، لأنه إذا صَحَّ مجانًا فبعوضٍ أَوْلى، إلا أنَّه لا يُسَلَّمُ إليهِ المال، وَظَهَارُهُ، لصحة عبارته وكذا إيلائه، وَنَفْيُهُ النَّسَبَ بِلِعَانٍ، لأنه ليس بتصرفٍ ماليٍّ، وَحُكْمُهُ في الْعِبَادَةِ كَالرَّشِيدِ، لاجتماع الشرائط

ص: 794

فيه، لَكِنْ لَا يُفَرِّقُ الزَّكَاةَ بِنفْسِهِ، لأنه تصرفٌ ماليٌّ، وِإذَا أَحْرَمَ بِحَجِّ فَرْضٍ، أي وكذا بعمرةٍ أو أخرهما إلى الميقات، أَعْطَى الْوَلِيُّ كِفَايَتَهُ لِثِقَةٍ يُنْفِق عَلَيْهِ في طَرِيقِهِ، خوفًا من تفريطه فيه، قال القاضي: فإن لم تجد من يفعله إلا بأجرة استأجر عليه، ولو أحرم بتطوع ثم حُجِرَ عليه قبل إتمامه فكالفرض، وِإدْ أَحْرَمَ بِتَطَوُّع وَزَادَتْ مُؤْنَةُ سَفَرِهِ عَنْ نَفَقَتِهِ الْمَعْهُودَةِ فَلِلْوَلِيِّ مَنْعُهُ، صيانةً لِمَالِهِ، وتأوَّلَ صاحِبُ المطلبِ المنعَ على الزائد لا على نفسِ السفو، وَالْمَذْهَبُ أَنهُ كَمُحْصَرٍ فَيَتَحَلَّلُ، لأنه ممنوع، وقيل: وجهان، ثانيهما: أنَّه كمن فقد الزاد والراحلة لا يتحلل إلا بلقاء البيت؛ لاشتراكهما في امتناع الذهاب. قُلْتُ: وَيتَحَلَّلُ بِالصوْمِ إِنْ قُلْنَا لِدَمِ الإِحْصَارِ بَدَلٌ، لأنَّهُ مَمْنُوع مِنَ الْمَالِ، أي وإن قلنا لا بدل له، بل يبقى في ذمةِ المحصَرِ فيظهرُ كما قال في المطلب: وقد استفدنا من هذا الكلام أن الإحرام بغير إذن الولي صحيح؛ وفي الفرقِ بينه وبين الصبي المميز نظر. والفرقُ استقلال السفيه بخلاف أن يبقى في ذمة السفيه أيضًا، وَلَوْ كَان لَهُ في طَرِيقِهِ كَسْبٌ قَدْرَ زِيَادَةِ الْمُؤْنَةِ لَمْ يَجُزْ مَنْعُهُ، وَالله أَعْلَمُ، لأن الإتْمَامَ بدُونِ التَّعَرُّضِ لِلْمَالِ مُمْكِنٌ، قال في المطب: وفيه نظر، إذا كان عمله مقصودًا بالَأجرة بحيث لا يجوز له التبرع به.

فَصْلٌ: وَليُّ الصَّبِيِّ أَبُوهُ، بالإجماع، ثُمَّ جَدُّهُ، أي أَبُ الأَبِ وإن عَلا كولاية النِّكَاح، وينبغي كما قال في الروضة: أن يكون الراجح الاكتفاء فيهما بالعدالة الظاهرة، وقال صاحب المعين: الأصحُّ المنعُ، بل لا بد من ثبوتها عند الحاكم، ونقله عن بعض أصحابنا؛ وهذا التصحيح موجود في المذاكرة أيضًا من غير عزوٍ؛ والظاهر أنَّه أخذه منها، ثُمَّ وَصِيُّهُمَا، أيْ وصيٌّ مَن تأخَّرَ موتُهُ عنهما، لأنه يقوم مقامهما، ثُمَّ الْحَاكِمُ، لأَنَّهُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ، وَلَا تَلِي الأُمُّ فِي الأصَحِّ، كولاية النكاح، والثاني: يقدم على وصيّ الأب والجد؛ لأنها أحد الأبوين فأشبهت الأب.

فَرعٌ: حكم المجنون ومن بلغ سفيهًا حكم الصبيِّ في ترتيب الأولياء.

ويتَصَرَّفُ الْوَلِيُّ بِالْمَصْلَحَةِ، لقوله تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِىَ

ص: 795

أَحْسَنُ} (111) وقد أوضحت ذلك في الأصل فراجعه، ورأيت في فتاوى القفال أن أب الصبيِّ لا يودع ماله إلّا (•) عند الضرورة، وله أن يقارض به وببعضه إذا كان الطريق آمنًا، وَيَبْنِي دُورَهُ بِالطِّينِ وَالآجُرِّ، لأن الآجُرَّ وهو الطوب المشويُّ والطينُ قليل المؤنة يننفع به بعد النَّقْضِ، لَا اللَّبِنِ، وهو الطوب الَّذي لم يحرق، وَالجِصِّ، أي وهو الجبس لقلة بقائهما، ولا يبني باللبن وبالطين أيضًا لقلة بقائه؛ ولا بالآجر والجص؛ لأنه يعلق به فينكسر عند نقضه ونزعه منه، واشترط ابن الصباغ في بناء العقار أن يساوي بعد بنائه قدر ما انصرف عليه، وهذا في زماننا في غاية النُّدْرَةِ فهو في التحقيق منع للبناء، قال بعض فقهاء اليمن: وإنما يَبْنِيْهِ إذا لم يكن الشراء أحظ وهو فِقْهٌ ظَاهِرٌ، وَلَا يَبِيعُ عَقَارَهُ، إذ لا حظَّ فيه، إِلَّا لِحَاجَةٍ، أي كنفقة ونحوها، ومنها ما ذكره الرويانى في البحر: أن يكون اليتيم في بلد وعقاره في آخر، ويحتاج إلى مؤنة في توجيه من يجمع الغلة فيبيعهُ ويشتري ببلد اليتيم أو بلد فيه مثله، أَوْ غِبْطَةٍ ظَاهِرَةٍ، أي بأن يكون ثقيل الخراج ونحوه، قال الإمام: وضابطها أن لا يَسْتَهِيْنَ بها أرباب العقول لشرفها، وسُئِلَ القَفَّالُ عن ضيعةٍ خرابٍ لِيَتِيْمٍ تستأصل في خراجها، فقال: يجوزُ لِوَلِيِّهِ بيعُهَا بثمنٍ تافهٍ ولو بدرهم؛ لأنه المصلحةٌ.

فَرْعٌ: حكم الأواني المعدة للقنية حكم العقار، قاله البندنيحي.

تَنْبِيْهٌ: ينبغي أن يجوّز بيع أموال التجارة من غير تقييدٍ بشيءٍ من ذَلِكَ، بل لو رأى البيعَ بأقلِّ من رَأسِ المالِ ليشتريَ بالثمنِ ما هو مظنة للربح جاز، قاله بعضُ المتأخرين.

وَلَهُ بَيْعُ مَالِهِ بِعَرْضٍ وَنَسِيئَةٍ لِلْمَصْلَحَةِ، أي بأن يكون في الأولِ ربحٌ؛ وفي الثاني خوف من نهب أو إغارة، وَإِذَا بَاعَ، أي غير الأب، نَسِيئَةً أَشْهَدَ، أي على

ص: 796

البيع، وَارْتَهَنَ بِهِ، أي بالثمن رهنًا وافيًا به احتياطًا للمحجور عليه. ويشترط أن يكون المشتري ثقة موسرًا والأجل قصيرٌ بالعرف. أما إذا باعَ الأبُ مالَ وَلَدِهِ مِنْ نَفْسِهِ نَسِيْئَة فَلَا يحتاجُ إلى ارتهانٍ؛ لأنه أمينٌ في حقِّ نفسهِ، وَيَأْخُذُ لَهُ بِالْشُفْعَةِ أَوْ يَتْرُكَ بِحَسَبِ الْمَصْلَحَةِ، طلبًا للأحظّ، فإن استوى الأمران فهل يجب الأخذ أم يجوز أم يمتنع؟ فيه أوجه، والنص يفهم الأول كما قاله صاحب المطلب.

فَرْعٌ: لو قال المحجور كان الأحظُّ في الأخذِ؛ ونازعَ الوَلِيُّ فعلى ما سيأتي في العقار؛ قاله صاحب المهذب وغيرُهُ، ورأيتُ في فتاوى القفال: أنَّه لو أختلف هو والمشتري في ذلك وأن وليه ترك الأحظّ فالقول قول الصبي مع يمينه إلّا أن يقيم المشتري بيِّنةً على أن الولي ترك ذلك لما فيه من الحظ.

وَيُزَكِّي مَالَهُ، وَيُنْفِقُ عَلَيهِ بِالْمَعْرُوفِ، لأنه قائِمٌ مقامَهُ، فَإِذَا ادَّعَى بَعْدَ بُلُوغِهِ عَلَى الأَبِ وَالْجَدِّ بَيْعًا بِلَا مَصْلَحَةٍ صُدِّقَا بِالْيَمِينِ، لوفور شفقتهما، وَإنِ ادَّعَاهُ عَلَى الْوَصِيِّ وَالأَمِينِ صُدِّقَ هُوَ بِيَمِينِهِ، للتهمة، ودعواهُ على المشتري كَهِيَ (112) على الولِيِّ، وكذا دعواهُ على القاضي في زمن قضائهِ فيما يظهر.

(112) أي: كدعواهُ.

ص: 797