المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كتاب الضمان الضَّمَانُ: معناه ضَمُّ ذمةٍ إِلَى ذِمَّةٍ (122). والأصلُ فيه - عجالة المحتاج إلى توجيه المنهاج - جـ ٢

[ابن الملقن]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الصيام

- ‌بَابُ صَوْمِ التَّطَوُّعِ

- ‌كِتَابُ الاِعْتِكَافِ

- ‌كِتَابُ الْحَجِّ

- ‌بَابُ المَوَاقِيتِ

- ‌بَابُ الإِحْرَامِ

- ‌بَابُ دُخُولِ مَكَّةَ زَادَهَا اللهُ شَرَفًا

- ‌بَابُ مُحَرَّمَاتِ الإِحْرَامِ

- ‌بَابُ الإحِصَارِ وَالفَوَاتِ

- ‌كتاب البيع

- ‌بَابُ الْرِّبَا

- ‌بابُ الْبُيُوع الْمَنْهِيِّ عَنْها

- ‌بَابُ الخيَارِ

- ‌بَابُ الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ

- ‌بَابُ التوْلِيَةِ وَالإِشْرَاكِ وَالْمُرَابَحَةِ

- ‌بَابُ الأصُولِ وَالثمَارِ

- ‌بَابُ اخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ

- ‌بَابُ مُعَامَلَاتِ الْعَبِيدِ

- ‌كِتَابُ السَّلَمِ

- ‌كِتَابُ الرَّهنِ

- ‌كتاب التفليس

- ‌بِابُ الْحَجْرِ

- ‌كِتَابُ الْصُّلْحِ

- ‌كِتَابُ الحوالةِ

- ‌كتاب الضمان

- ‌كِتَابُ الشِّرْكَةِ

- ‌كِتَابُ الْوَكَالةِ

- ‌كتاب الإقرار

- ‌كِتَابُ الْعَارِيَّةِ

- ‌كِتَابُ الْغَصْبِ

- ‌فُرُوعٌ مَنْثُورَةٌ نَخْتِمُ بِهَا الْبَابَ مُهِمَّةٌ

- ‌كِتَابُ الشُّفْعَةِ

- ‌كِتَابُ الْقراضِ

- ‌كتاب المُسَاقَاةِ

- ‌كتاب الإجارة

- ‌كتاب إحياء الموات

- ‌كتاب الوقف

- ‌كتاب الهبة

- ‌كِتَابُ الْلُّقَطَةِ

- ‌كِتَابُ الْلَّقِيطِ

- ‌كتاب الجُعَالةِ

الفصل: ‌ ‌كتاب الضمان الضَّمَانُ: معناه ضَمُّ ذمةٍ إِلَى ذِمَّةٍ (122). والأصلُ فيه

‌كتاب الضمان

الضَّمَانُ: معناه ضَمُّ ذمةٍ إِلَى ذِمَّةٍ (122). والأصلُ فيه قوله تعالى: {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} (123) وقوله عليه الصلاة والسلام: [الزَّعِيمُ غَارِمٌ] صححه

(122) الضمَانُ في اللغة الالتِزَامُ. مِن ضَمِنَ الشِّيء ضَمَانًا بمعنى كَفَلَ بِهِ فَهُوَ ضَامِن وَضَمِين. وَكُل شَيءٍ جَعَلتهُ فِي وعَاءٍ فَقَد (ضَمنتهُ) إياهُ. فَالضمَانُ في اللغة جعل الشيء فِي شَيء يَحويهِ. ثُمَّ أطلِقَ عَلَى الالتِزَامِ، بِاعتِبَارِ أن ذِمةَ الضامِنِ تَحوي مَا ضَمِنَ وَتَنشَغِل بِهِ فَيَلتزمَهُ.

وفي الشرع يقال لالتِزَامِ حَق ثَابِتِ فِي ذِمَّةِ الغيرِ أوْ إحضَارُ مَن هُوَ عَليهِ أوْ عَين مَضْمُونَةٍ، ويقال لِلْعَقدِ الْذِي يَحصُل بِهِ ذَلكَ، ويسمَّى المُلتزِمُ ضَامِنًا وَضَمينًا وَحَمِيلا وَزَعِيمًا وَكَافلًا وَكَفيلا وَصَبِيرا وَقَبِيلا. قال الماوردي في الحاوي ج 6 ص 431:(وَمعنَى جميعها واحدٌ غيرَ أن العُرف جار بأن الضمِينَ يستعملُ في الأموال، وَالحَميلُ في الدِيَّاتِ، وَالكَفِيلُ في النفوسِ، والزعِيم في الأمُورِ العِظَامِ، وَالصَّبِيرُ في الجميع).

وأركان الضمان خمسة: ضامن؛ ومضمون لهُ؛ ومضمون عنه؛ ومضمون به؛ وصيغة.

والضمان أنواع؛ منها الخلاص؛ والاستحقاقُ، والدركُ، والسوقُ، والعهدةُ، والعقد، واليَدِ، وقيل: التلف.

(123)

يوسف / 72. ودلالة الآية أصل في معنى الضمان من الكتاب العزيز، وليس أصلا للتشريع؛ لأن شرع من قبلنا ليس شرعًا لنا على الصحيح من الأدلة والصائب في الاستدلال. وإنْ ورد في شرعنا ما يقرره من السنة. هذا في الدلالة المطابقة الصريحة، أما إذا أريد بالاستدلال بها؛ الدلالة الضمنية، فهو صائر لا محالة؛ ومنه قوله تعالى:{سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ (40)} [القلم: 40] وهذا كان كان على سبيل التحدى فهو دالٌّ على جواز الضمان، لأن الله لا يتحداهم إلا بما أذن بفعله لهم. وجاءت السنة وبيَّنت أن الضمان أخذ الوثائق في الأموال، لأن الوثائق ثلاثة: الشهادة؛ والرهن والضمان. =

ص: 815

ابن حبان وأجمع المسلمون عليه في الجملة (124).

شَرطُ الضامِنِ: الرشْدُ، لأنهُ تَصَرُّف في المالِ، فلا يصح ضمانُ الصَّبِي؛ والمجنون؛ والسَّفيهِ في صحيحه (•) وكذا المُبرسَمِ الذِي يَهْذِي؛ وَالنائِمِ، ويردُ عليه المكره والمكاتب وَالْمُبَذِّرُ بعد بلوغه رشيدًا ولم يحجر الحاكم عليه، فإنه لا يصح ضمان الأولين، ويصح ضمان الثالث وهو غير رشيد، والسكران بِمُبَاح لا يصح ضمانه وَبِمُحَرمٍ فيه الخلاف في تصرفاته وقد ذكره المصنف فِي الطلاق. وَضَمَان مَحجُورِ عَلَيهِ بِفَلَسٍ كشرِائهٍ، أي والصحيح صحته كما تقدم في بابه، ويطالب به بعد فك الحجر، وهذا يصح ضمانه وليس من أهل التبرع، وَضَمَان عَبْدٍ بِغَيرِ إِذْنِ سيدِهِ، أي مأذونًا كان أو غيره، بَاطل فِي الأصَح، كنكاحه، والثاني: يصح ويتبع به إذا عتق وأيسر إذ لا ضرر على سيده كما لو أقَر بإتلافِ مال وكذبه السَّيدُ، ويصِح بإذنِهِ، كالنكاح. وهل يشترط معرفةُ السيد قَدرَ الدينِ؟ فيه نظرٌ، فإن عَينَ لِلأدَاءِ كسبهُ، أو غَيرَهُ، قَضَى مِنْهُ، لتَصريحه بذلك، وإلَّا، أي كان أطلق الإذن في الضمان ولم يعين له طريقًا، فالأصح أنهُ إِن كان مَاذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ تَعلقَ بِمَا في يَدِهِ، أي ربحًا ورأس مالٍ، وَمَا يَكسِبُهُ بَعدَ الإذْنِ، كما في نكاحه، والثاني:

= قال أبو عبيد أحمد الهروي: قوله تعالى {وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} أي: كَفِيل وضَامِن. ينظر: الغريبين في القرآن والحديث: ج 3 ص 821. والحَاوي الكبير للماوردي: كتاب الضمان: ح 6 ص 431.

(124)

عَن أبِي أمَامَةَ رضي الله عنه؛ قَال: سَمِعْتُ النبِي صلى الله عليه وسلم يَقُولُ فِي الخُطبةِ، عَامَ حجةِ الوَدَاع:[أن الله عز وجل قد أعطى لِكُل ذِي حَق حَفهُ؛ فَلَا وَصِيةَ لِوَارِثِ؛ وَلَا تنْفِقُ المَرأةُ مِنْ بَيتِها إلا بإذْنِ زَوْجِها] فَقِبلَ: يَا رسُولَ اللهِ وَلَا الطعَامُ؟ قَال: [ذَاكَ أفْضَلُ أموَالِنَا] ثُمَّ قَال: [العَارِيةُ مُؤَدَّاة، وَالمِنْحَةُ مَردودَة، وَالدينُ مَقضيٌّ؛ والزعيمُ غَارِم]. رواه أبو داود في السنن: كتاب البيوع: باب في تضمين العارية: الحديث (3565). والترمذي في الجامع الصحيح: كتاب البيوع: باب ما جاء في العارية مُؤداة: الحديث (1265) وحسّنهُ.

(•) عبارة: (وَالسفيهُ فِي صَحِيحِهِ)، من النسخة (1) فقط.

ص: 816

يتعلق بذمته، لأنه أذن في الالتزام دون الأداء، والثالث: يتعلق بكسبه بعده، والرابع: يتعلق به وبما في يده من الربح الحاصل، وَإلا، أي وإن كان غير مأذون له في التجارة، فَبِمَا يَكْسِبُهُ، أي بعد الأذن كالمهر، والثاني: يتعلق برقبته، والثالث: بذمته يتبع به إذا عتق، وحكى القاضي حسين في كتاب النكاح في بابِ ما عَلَى الأوْلِيَاءِ قَولا قَدِيما أنهُ يتعلق بذمة السيدِ كما قيل به أيضًا في النكاح.

فَرع: إذا قلنا في المأذون له أنه يتعلق بكسبه، فقيل: يتعلق بالمتجدد خاصة كغير المأذون، وقيل: به وبما فِي يده من الربح الحاصل، والأصح: بهما وبرأس المالِ، وهذا إذا لم يكن عليه دَينْ، فإن كان وَحُجِرَ عَلَيهِ بِالفَلَسِ فلا يتعلق الضمان بما في يدهِ، وإلّا فأوجه، أصحها في الروضة أنه يتعلق بما فَضَلَ عَنْ حُقُوقِهِم رِعَايَة لِلْجَانِبَينِ.

وَالأصَحُّ اشتِرَاطُ مَعرِفَةِ الْمَضمُونِ لَهُ، لتفاوت الناس في الاستيفاء، والغرض يختلف فيه فأشبه معرفة قَدرِ الدينِ، والمراد معرفته بالعينِ لا النسب كما دل عليه كلام الماوردي، وصرح به صاحب المعين، فقال: المراد معرفة العين لا معرفة المعاملة، والثاني: لا يشترط، لظاهر الآية وحديث أبي قتادةَ المشهور في صحيح البخاري (125)، فإنه ضمن من لا يعرف، أو لأنه عليه الصلاة والسلام لم يسأله هل عرفه أم لا؟ فكان على عمومه.

وَأنهُ لَا يُشْتَرَطُ قُبولُهُ وَرِضَاهُ، لحديث أبي قَتَادَةَ المذكور، والثاني: يشترط

(125) عن سَلَمَةَ بنِ الأَكْوَع رضي الله عنه؛ قَال: كنا جُلُوسًا عِنْدَ النبِي صلى الله عليه وسلم إذ أتيَ بِجنَازَة؛ فَقَالُوا: صَلِّ عَلَيها؛ فَقَال: [هلْ عَليهِ دَين؟ ] قَالُوا: لَا! قال: [فَهلْ تَرَكَ شَيئًا؟ ] قَالُوا: لَا! فَصَلَّى عَلَيهِ. ثُمَّ أتِيَ بجنازة أخْرَى؛ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ الله صل عليها؟ قال: [هلْ عَليهِ دين؟ ] قيلَ: نَعَم! قال: [فهل تَرَكَ شَيئًا؟ ] قَالُوا: ثَلاثةُ دَنَانِير! فَصَلَّى عَلَيها. ثُمَّ أتِىَ بِالثالِثَةِ، فَقَالُوا: صَل عَلَيها؟ قَال: [هل تَرَكَ شيئًا؟ ] قَالُوا: لَا! قَال: [فهل عَلَيهِ دين؟ ]، قالوا: ثَلاثةُ دَنَانِيرَ! قَال: [صلوا عَلَى صَاحِبِكم] قال أبو قتَادَةَ: صَل عَلَيهِ يَا رسول الله وَعَلَيَّ دينُهُ، فَصَلَّى عَلَيهِ. رواه البخاري في الصحيح: كتاب الحوالة: الحديث (2289).

ص: 817

رضاه دون قبوله لفظًا لأنه لو اشترط لاعتبرت المواجهة فيه، وقد ضمن أبو قَتَادَةَ دَينَ الميتِ مع غيبةِ صاحبهِ، والثالث: يشترط قبوله في الحال كالرَّهْنِ.

وَلَا يُشْتَرَطُ رِضَى الْمَضْمُونِ عَنْهُ قَطْعًا، لضمان أبي قتادة دَين الميت، وما ادعاه من القطع تبع فيه الإمام، لكن حكى القاضي حسين فيه وجهًا وهو بعيد، وَلَا مَعرِفَتهُ فِي الأصَح؛ إذ ليس ثَمَّ معاملة ولهذا لا يشترط رضاه، والثاني: نعم؛ ليعرف حاله وأنه هل يستحق اصطناع المعروف إليه؟

ويشْتَرَطُ فِي الْمَضمُونِ كَوْنُهُ ثَابتًا، أي حال العقد، فلا يصح ضمان ما سيجب (•) بعد بِبَيع أَوْ قرض، لانَّ الضمَانَ وثيقة بالْحَقّ فلا يسبقه كالشهادة.

وَصححَ الْقَدِيمُ ضمَان مَا سَيَجِبُ، لأنه قد تمس الحاجة إلىه، وَالْمَذْهبُ صِحَّةُ ضمَانِ الدَّرَكِ، لأن الحاجة تدعو إلى معاملة الغريب، ولا يوثق بملكه، ويخاف عدم الظفر به لو ظهر الاستحقاق، والثاني: لا يصح، لأنه ضمان ما لم يجب، وضمان مجهولٍ؛ فإنه قد يخرج البعض في النسخة الشِّقْص مستحقًا، والطريق الثاني القطعُ بالأولِ، بَعدَ قَبْضِ الثمَنِ، أي فلا يصح قبله، لأنه إنما يضمن ما دخل في ضمان البائع، ولا يوجد ذلك قبل القبض، وقيل: لا يشترط ذلك، وادعى الإمام: أنه المذهب، وصححه ابن أبي عصرون.

وَهُوَ، يعني ضَمَانُ الدَّرَكِ، أَن يَضْمَنَ لِلْمُشْتَرِي الثَّمَنَ، إن خَرَجَ الْمَبِيعُ مُسْتَحَقًّا؛ أَوْ مَعِيبًا؛ أَوْ نَاقِصا لِنَقْصِ الصَّنْجَةِ، أي وكذا لو حاء المشتري بصنجةٍ وزنَ بها فاتهمه البائع فيها فضمنَ ضامن نقصها إن نقصت، وَكَوْنُهُ لازِمًا، أي حالًا ومآلًا؛ وسواء كان مستقرًا كعوض الخلع أو غير مستقر كثمن المبيع قبل قبضه، لَا كَنُجُومِ كتَابَةٍ، لعدم لزومها كما لا يصح الرهن بها، ويصِحُّ ضمَانُهُ الثمَنَ في مُدَّةِ الْخِيَارِ فِي الأصَحِّ، لأنه آيل إلى اللزوم فَأُلْحِقَ بِهِ، والثاني: لا، لعدم لزومه في

(•) في نسخة (2): فلا يصح ضمان مَا لم يجب.

ص: 818

الحال، ومحل الخلاف إذا كان الخيار للمشتري وحده؛ أَوْ لَهُمَا. فإن كان للبائع وحده صح قطعًا؛ لأن الدَّينَ لازم في حق من هو عليه. وأشار الإمام إلى أنَّ محل الصحة، إذا قلنا إن الملك ينتقل بالعقد وإلّا فهو ضمان ما لم يجب.

وَضَمَان الْجَعلِ كَالرَّهْنِ بِهِ، أي وقد سبق في بابه؛ وأنه يصح بعد تمامه فقط. والفرق بين الجعل والثمن في مدة الخيار أنه لا يصيرُ إلى اللزوم إلّا يعمل بخلافه، وَكَوْنَهُ مَعلُومًا فِي الْجَدِيدِ، أي فإذا قال ضمنت لك ما على فلان وهو لا يعرفه؛ فإنه لا يصح، لأنه إثبات مال في الذمة لآدمي بعقد لازم فلم يصح مع الجهالة كالثمن، والقديم: صحته؛ لأن أسباب معرفته متيسرة، أما إذا قال: ضمنت لك شيئًا مما لك على فلان؛ فباطل قطعًا فمحل الخلاف أن تتأتّى الإحاطة به.

وَالإبْرَاءُ مَنَ المجهُولِ بَاطِلٌ فِي الْجَدِيدِ، لأن البراءَةَ مُتَوَقِّفَة عَلَى الرِّضَى ولا تعقل (•) مع الجهالة، وجائز في القديم، لأنه أولى من الضمان، فإن الضمان التزام، والإبراء إسقاط، وَهُنَا مُهمَّات فِي الشَّرح لَا بُدَّ لَكَ مِنْ مُرَاجَعَتها، قال في البويطي: ولو أن رجل حلَّلَ رجلا من كل شيء وجب له عليه لم يبرأ حتى يبين، فإن لم يعرف قدره حلله من كذا إلى كذا، إلا مِنْ إِبِلِ الْدِيةِ، أي فإنه يصح الإبراء منها على القولين؛ وإن كانت مجهولة الصفة واللون لأنا أثبتناها في ذمة الجاني مع اغتفار هذه الجهالة فكذا هنا، وَيَصِحُّ صمَانُها فِي الأصَحِّ، كالإبراء، والثاني: لا، لجهالته وصفها ولونها.

وَلَوْ قَال: ضَمِنْتُ مَا لَكَ عَلَى زَيدٍ مِنْ دِرهم إِلَى عَشرَةٍ، فالأصَح: صِحتُهُ، لانتفاء الغرر بذكر الغاية، والثاني: لا يصح، لجهالة المقدار، فإنه متردد ما بين الدرهم والعشرة، وَأَنهُ يَكُون ضَامِنًا لِعَشْرَةٍ، أي إن كانت عليه أو كان عليه أكثر منها إدخالًا للطرفين في الالتزام. قُلْتُ: الأصَحُّ لِتِسعة، وَالله أعلَمُ، إدخالًا للطرف

(•) في نسخة (3): بدل لا تعقل: لا تعقد.

ص: 819

الأول؛ لأنه مبدأ الالتزام، وهذا ما صححه في نظيره من الإقرار كما سيأتي، وقيل: يكون ضامنًا لثمانية إخراجًا للطرفين.

فَصْلٌ: المذهب صحةُ كَفَالةِ البَدَنِ، لأن بالناس حاجة إليها كما في كفالة المال، قال في البحر: أجزناها للأخبار وإجماع الناس عليها؛ وقول الشافعي: كفالة البدن ضعيفة؛ أراد من جهة القياس، والثاني: لا، لأنه ضمان ما يدخل تحت اليد ولا يقدر على تسليمه، والطريق الثاني: القطع بالأول، فَكان كَفَلَ بَدَن مَنْ عَلَيهِ مال لَم يُشْتَرَطِ الْعِلْمُ بِقَدرِهِ، لأن الكفالة بالبدن لا بالمال، ويشتَرَطُ كَونُهُ، أي المال المطالب به، مَما يَصِح ضَمَانُهُ، أي فلا يصح بِبَدَنِ المكاتب للنجوم التي عليه كضمانها، وَالْمذهبُ صِحتُها بِبَدَنِ مَنْ عَلَيهِ عُقُوبَة لآدَمي كَقِصَاصٍ وَحَدِّ قَذفِ، لأنه لآدمي كالدين، والثاني: لا، وادعى الروياني: أنه المذهب، لأن العقوبات مبنية على الدَّرءِ، والطريق الثاني: القطع بالأول، والثالث: القطع بالثاني، والخلاف مبني على أنه إذا مات هل يغرم الكفيل ما عليه من الدَّينِ، إن قلنا: نعم؛ لم يصح، وإلّا صحت، وَمَنْعُها فِي حُدُودِ اللهِ تعَالى، أي كحد الخمر والزنا والسرقة؛ لأن بناءها على الإسقاط؛ وتوجيه الصحة القياس على حقوق الآدميين، والأشهر هنا طريقة القطع، وَتصِح بِبَدَنِ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ، لأنه قد يستحق إحضارهما لإقامة الشهادة على تعيين صورتهما في الإتلافات وغيرها، ثم إن تكفل بإذن وليهما فله مطالبة الولي بإحضارهما عند الحاجة وإلّا فكالكفالة ببدن العاقل البالغ بغير إذنه، وَمَحبوسٍ وَغَالِبٍ، أي بإذنه كما سيأتي وإن تعذر تحصيل الغرض في الحال كما يصح أن يضمن المعسر المال، وَميتٍ، أي قبل دفنه، لِيُحضِرَهُ فَيَشهدَ عَلَى صُورَتهِ، لأنه قد تحتاج إلى إحضاره للشهادة على عينه إذا تحملوها كذلك ولم يعرفوا نسبه.

فَرعٌ: يشترط تعيين المكفول ببدنه.

ثُمَّ إِن عَيَّنَ مَكان التسلِيمِ تَعَيَّنَ وإلا، أي كان أطلق، فَمَكانُها، أي مكان الكفالة؛ لأن العرف قاضٍ بذلك.

ص: 820

ويبرَأ الكَفِيلُ بِتَسلِيمِهِ فِي مَكَانِ التسلِيمِ بِلا حَائِلٍ كَمُتغَلّبِ، لأن حقيقة التمكين لم توجد، قال القفال في فتاويه: ولو سلمه له؛ وقال: قد رددته عليك فلم يقبل، فإن كان في موضع لا يمكنه الامتناع منه في الغالب فقد بَرِئَتْ ذِمتُهُ، وإن كان في مفازة فلا، وَبِأَن يحضُرَ المَكْفُولُ بِهِ ويقُولَ: سَلمتُ نَفْسِي عَنْ جِهةِ الكفِيلِ، كما يبرأ الضامن بأداء الأصيل الدين، وَلَا يَكفِي مُجَردُ حُضُورِهِ، أي حتى يقول سَلْمتُ نفسي عن جهة الكفيل، لأنه لم يُسَلِّمهُ إليه ولا أحد من جهتهِ، فإِن غَابَ لَم يَلزَمِ الكَفِيلَ إِحضَارُهُ إِن جَهِلَ مَكَانَهُ، لعدم إمكانه، وإلا، أي وإن عرف مكانه والطريق آمن ولم يذهب إلى قوم يمنعونه منه، فَيَلْزَمُهُ، لإمكانه، والمؤنة في إحضاره عليه، ويمهلُ مُدَّةَ ذَهابٍ وَإيابِ، لأنه الممكن، فَإن مَضتْ، أي مدة الذهاب والإياب، وكذا الإقامة التي لا تؤثر للاستراحة ونحوها فيما يظهر، وَلَم يحضِرهُ حُبِسَ، أي إن لم يوف الدين لتقصيره، وَقِيلَ: إِن غَابَ إِلَى مَسَافَةِ القصرِ لَم يَلْزمه إِحضَارُهُ، إلحاقًا لها بالغيبة المنقطعة والأصح وهو اللزوم كما لو كان المديون غائبًا إلى هذه المسافة يؤمر بإحضاره.

فَرعٌ: لو كان غائبًا حال الكفالة فالحكم في إحضاره حكم ما لو غاب بعدها.

وَالأصَحُّ: أنهُ إِذَا مَاتَ وَدُفِنَ لَا يُطَالبُ الكَفِيلُ بِالمَالِ، لأنه لم يلتزمه، والثاني: نعم، لأنه وثيقة كالرهن، والمختار: أنه يطالب بالدين، كما ذكره في الروضة، لا بأقل الأمرين منه، ودية المكفول به، وظاهر إطلاق المصنف يقتضي أنه لا فرق في جريان الخلاف بين أن يحلفَ المكفولُ وفاءً أم لا، وظاهر كلام غيره اختصاصه بما إذا لم يحلف، وَأنهُ لَوْ شرِطَ فِي الْكفالةِ، أنهُ يَغْرَمُ المال إِن فَاتَ التَّسلِيمُ، أي قوله كقوله كفلت بدنه بشرط الغرم ونحوه، بَطَلَت، لأنه شرط ما ينافيها وهذا بناء على أنه لا يغرم عند الإطلاق، والثاني: يصح بناء على مقابله، فإن قال: كفلت بدنه، فإن مات فعليّ المال صحت الكفالة وبطل الالتزام، قاله الماوردي، وَأنها لَا تَصِحُّ بِغَيرِ رِضَى المَكْفُولِ، به لأنه لا يلزمه الحضور معه، والثاني: يصح

ص: 821

بناءً على أنه يغرم عند العجز، وقيده القاضي والبغوي. مما إذا كان بعد ثبوت الحق قال، وأما قبله فلا يصح من غير رضاه قطعًا.

فَرعٌ: لا يشترط رضى المكفول له ولا تبطل بموت المكفول له على الأصح فيهما، ولو مات الكفيل بطلت وفيه وجه للماوردي.

فَصْلٌ: يشترط في الضمان وَالكَفَالةِ لَفْظٌ يُشْعِرُ بِالْتِزَامٍ، كغيره من العقود، وقوله (لَفْط) مُخْرِجٌ للخطّ، وإشارةُ الأخرس وهو منعقد بهما، كَضَمِنْتُ دينكَ عَلَيهِ، أَو تَحملْتُهُ، أَوْ تقَلدتُهُ، أَو تكَفْلْتُ بِبَدَنِة، أَوْ أَنَا بِالمَالِ، أَوْ بإِحضَارِ الشخْصِ ضَامِن، أوْ كفِيل، أَوْ زَعِيم، أَوْ حَمِيل، لثبوت بعضها بالنص والباقي بالقياس، وقَوله دَين فلان إليّ ليس بصريح على الأقوى في الروضة، ولو قال: خلِّ عن فلان والدَّين الذي عليه عندي فليس بصريح بخلاف عَلَى ما على فلان كما ذكره الرافعي في الإقرار، وَلَوْ قَال: أؤَدِّي الْمَال أَوْ أُحْضِرُ الشخْصَ فَهُوَ وَعد، أي وليس التزامًا، لأن الصيغة لا تشعر به، قال في المطلب: وهذا إذا خلا عن القرينة وإلّا فينبغي الصحة، وَالأصَح أَنهُ لَا يَجُوزُ تَعلِيقُهُمَا، يعني كفالة البدن والمال، بِشَرطٍ، كما لا يصح توقيتهما، وقال ابن سريج: إذا جاز على القديم ضمان المجهول وما لم يجب جاز التعليق، وَلَا تَوقِيتُ الْكَفَالة، كضمان المال، والثاني: يجوز، لأنه قد يكون له غرض في تسليمه في هذه المدة بخلاف المال فإن المقصود منه الاداء، وَلَوْ نَجَّزَها وَشَرَطَ تَأخيِرَ الإحضارِ شهْرًا، أي كقوله ضمنت إحضاره بعد شهر، جَازَ، للحاجة كمثله في الوكالة، وتوقف فيه الإمام، واحترز بذكر الشهر عما إذا ذكر زمانًا مجهولًا؛ فإن الأصح البطلان، وَأنهُ يَصح ضَمَان الحَالِّ مُؤجلا أَجَلًا مَعلُومًا، للحاجة، والثاني: لا، للاختلاف، فعلى الأول يثبت الأجل على الأصح، وعبارة المُحَرر: الْمَالِ الحَالِّ، فحذفه المصنف ليدخل من تكفل كفالة مؤجلة ببدن من تكفل بغيره كفالة حالة، وَأَنهُ يَصِح ضمان الْمُؤَجَّلِ حَالا، لأنه تبرع بالتزام التعجيل فيصح تبرعه به كأصل الضمان، والثاني: لا، للمخالفة، قال الروياني: وهو الأصح

ص: 822

عندي، وَأَنهُ لا يَلْزَمُهُ التعجِيل، كما لو التزم الأصيلُ التعجيلَ، والثاني: يلزمه كأصل الضمان، فعلى الأول هل يثبت الأجل في حقه مقصودًا أو تبعًا؟ فيه وجهان تظهر فائدتهما فيما لو مات الأصيل؛ فإن جعلناهُ في حقِّه تابعًا حَل عليهِ، وإلَّا فلا كما لو مات المضمون على الصحيح.

فَرع: لو ضمن المؤجَّلَ إلى شهرين مؤجلًا إلى شهرٍ؛ فهو كضمان المؤجل حالا.

فصل: وَللْمُسْتَحِقِّ مُطَالبَةُ الضامِنِ، لقوله:[الزَّعِيمُ غَارِم]، وَالأصِيلِ، لأن الضمان معناه ضم ذمة إلى ذمة والغرض به التوثق، وَالأصَح: أنهُ لَا يَصِحُّ، يعني الضمان، بِشرطِ بَرَاءَةِ الأصِيلِ، لمنافاته مقتضاه، والثاني: يصح الضمان والشرط، وفيه حديث صحيح الحاكم إسناده (126)، والثالث: يصح الضمان فقط.

وَلَوْ أبرأَ الأصِيلَ بَرِيء الضامِنُ، لأنه فرعه فيسقط بسقوط أصله، وَلَا عَكْسَ، لأنه إسقاط وثيقة فلا يسقط بها الدين كفك الرهن، وفي معنى الإبراءِ أَدَاءُ الدَّينِ والاعتياضُ عنه والحوالة به وعليه، فلو عبَّر بقوله برئ كان أشمل (127)، وَلَوْ مَاتَ

(126) عن جابر رضي الله عنه؛ قَال: مَاتَ رَجُل؛ فَغَسَلناهُ وَكَفناهُ وَحَنطناهُ وَوَضعنَاهُ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَيثُ تُوْضَعُ الجَنَائِزُ عِنْدَ مَقَامِ جبريلَ؛ ثُمَّ آذنا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالصَّلاةِ عَلَيهِ؛ فَجَاءَ مَعَنَا خَطَى، ثُمَّ قَال:[لَعَلً عَلَى صَاحِبِكُم دَينًا؟ ] قَالُوا: نَعَم؛ دِينَارَانِ. فَتَخَلْفَ؛ فَقَال لَهُ رَجُلٌ يُدعَى أبو قَتَادَةَ: يَا رَسُولَ اللهِ! هُمَا عَلَيَّ! فَجَعَلَ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: [هُمَا عَلَيكَ وَفِي مَالِكَ؛ وَالمَيِّتُ مِنهُمَا بَرِيء]. فَقَال: نَعَم، فَصَلَّى عَلَيهِ. فَجَعَلَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم إِذَا لَقِيَ أبَا قتَادَةَ يَقُولُ:[مَا صَنَعَتْ الدينَارَانِ] حَتى كَانَ آخِرَ ذَلِكَ. قَال: قد قَضَيتُهُمَا يَا رَسُولَ الله! قَال: [الآنَ حِينَ بَرِدتَ عَلَيهِ جِلْدَه]. رواه الحاكم في المستدرك: كتاب البيوع: الحديث (234/ 217)، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي في التلخيص. قال الهيثمي في مجمع الزوائد: ج 3 ص 39: رواه أبو داود باختصار، ورواه أحمد والبزار وإسناده حسن. قلت: ورواه الإمام أحمد في المسند: ج 3 ص 330.

(127)

قال محمد الشربيني الخطيب: وقول ابن الملقن: لَوْ عَبَّرَ بقَولهِ بَرِئَ لَكَانَ أشْمَلَ: لم يصح

=

ص: 823

أَحَدُهُمَا حَلَّ عَلَيهِ، لوجود بسبب الحلول، دُونَ الآخَرِ، لأنه حيٌّ يرتفق بالأجل، وَإذَا طَالبَ الْمُسْتَحِقُّ الضَّامِنَ، فَلَهُ مُطَالبَةُ الأَصِيلِ بتَخْلِيصِهِ بِالأَدَاءِ إِنْ ضَمِنَ بِإِذْنِهِ، كما أنه يغرمه إذا غرم، وَالأَصَحُّ: أَنَّهُ لَا يُطَالِبُهُ قَبْلَ أَنْ يُطَالبَ، قلنا لأنه لم يَغْرَمْ شيئًا ولم يتوجه عليه طلب، والثاني: نعم؛ كما لو استعار المعير عينًا للرهن ورهنها، فإن للمالك مطالبته بفكها، وفرق الأول بأن الرهن محبوس وفيه ضرر والضامن ليس محبوسًا به، ومحل الخلاف إذا كان الدَّين حالًّا، فأما إذا كان مؤجلًا فليس له مطالبته قطعًا، نبَّه عليه صاحب المعين وهو ظاهر.

وَلِلضَّامِنِ الرُّجُوعُ عَلَى الأَصِيلِ، إِنْ وُجِدَ إِذْنُهُ فِي الضَّمَانِ وَالأَدَاءِ، لأنه صرف ماله إلى منفعة الغير بإذنه فأشبه ما لو قال أعلف دابتي فعلفها، وَإِنِ انْتَفَى فِيهِمَا، أي في الضمان والأداء، فَلَا، لأنه متبرع، وَإِنْ أَذِنَ فِي الضَّمَانِ فَقَطْ، أي بأن سكت عن الأداء، رَجَعَ فِي الأَصَحِّ، لأنه أذن في سبب الوجوب، والأداء مترتب عليه، والثاني: لا، لانتفاء الإذن في الأداء.

فَرْعٌ مُسْتَثْنًى: لو ادعى أنَّ له على زيدٍ وعلى غائب ألفًا، وأن كل واحد منهما ضمن ما على الآخر، وأقام بذلك بيّنة فأخذ الألف من زيد نصَّ على أنه يرجع على الغائب بنصف الألف، قال الجمهور: هذا إذا لم يكن وجد من زيد تكذيب للبيِّنة، فإن كان! لم يرجع، لأنه مظلوم بزعمه فلا يطالب غير ظالمه، وَلَا عَكْسَ فِي الأَصَحِّ، أي وهو ما إذا ضمن بغير الإذن وأدى بالإذن، لأن الأصل الالتزام وهو غير مأذون فيه، والثاني: يرجع، لأنه أسقط الدَّينَ عن الأصيل بإذنهِ.

فَرْعٌ: لو أذن في الأداء بشرط الرجوع والحالة هذه رجع على ما صححه في الروضة.

= في قوله وَلَا عَكْسَ؛ فإنه لو برئ الكفيل بالأداء برئ الأصيل، فالإبراء في الثانية متعين. انتهى. ينظر: مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج: للشربيني الخطيب: ج 2 ص 208.

ص: 824

وَلَوْ أَدَّى مُكَسَّرًا عَنْ صَحَاحِ أَوْ صَالحَ عَن مِائَةٍ بِثَوْبٍ قِيمَتُهُ خَمْسُون، فَالأصَحُّ: أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ إِلَّا بِمَا غَرِمَ، لأنه الذي بدله، والثاني: يرجع بالصحاح والمئة لحصول براءة الذمة، والنقصان جرى من ربِّ المالِ مسامحةً.

فَرْعَانِ: الأَوَّلُ: لو باع لرب الدَّين العرض بألف وتقاصَّا، رجع بالألف، لأنه ثبت له في ذمته ألف. الثّانِي: لو قال: بعتك هذا بما ضمنت لك، فالمختار في الروضة من الوجهين صحة البيع، والرجوع بما ضمنه، وَمَنْ أَدَّى دَينَ غَيرِهِ بِلا ضَمَانٍ وَلَا إِذْنٍ فَلَا رُجُوعَ، لتبرعه وبَرِئَ الْمَدِينُ، وَإِنْ أَذِنَ بِشَرْطِ الرُّجُوع رَجَعَ، وفاءً بالشرط، وَكَذَا إِنْ أَذِنَ مُطْلَقًا فِي الأَصَحِّ، للعرف، والثاني: لا يرجع، لأنه ليس من ضرورة الأداء الرجوعُ.

فَرْعٌ: لو قال: أدِّ عَنِّي دَينِي رجع في الأصح، أو أدِّ دَينَ فلان ولم يقل عنّي فلا رجوع في الأصح، ذكره في البحر.

وَالأصَحُّ: أَنَّ مُصَالحَتَهُ عَلَى غَيرِ جِنْسِ الدَّينِ لَا تَمْنَعُ الرُّجُوعَ، لأنه مقصوده أن تبرأ ذمته وقد فعل، والثاني: يمنع، فإنه ما أذن له في المصالحة، ثُمَّ إِنَّمَا يَرْجِعُ الضَّامِنُ وَالْمُؤَدِّي إِذَا أَشْهَدَا بِالأَدَاءِ رَجُلَينِ، لأنه نصاب، أَوْ رَجُلًا وَامْرَأَتَينِ، لثبوت الحق بهما كالرجلين، وَكَذَا رَجُلٌ لِيَحْلِفَ مَعَهُ فِي الأَصَحِّ، لأنه كافٍ في إثبات الاداء، والثاني: لا، لأنهما قد يترافعان إلى حنفي لا يقضي بشاهد ويمين فكان ذلك ضربًا من التقصر، فَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ، أي وأنكر رب المال، فَلَا رُجُوعَ إِنْ أَدَّى فِي غَيبَةِ الأَصِيلِ وَكَذَّبَهُ، أي الأصيل؛ لأن الأصل عدم الأداءِ، وهو مقصر بترك الإشهاد، وَكَذَا إِنْ صَدَّقَهُ فِي الأَصَحِّ، لأن الأصيل لم ينتفع، ولأن الحق مستمر، والثاني: يرجع لاعترافه بتبرئه ذمته بإذنه، فَإِنْ صَدَّقَهُ الْمَضمُون لَهُ، أي وكذبه المضمون عنه، أَوْ أَدَّى بِحَضْرَةِ الأَصِيلِ رَجَعَ عَلَى الْمَذْهَبِ، أما الأُوْلَى: فلسقوط الطلب، فإنه أقوى من البينة، ووجه مقابله أن قولَ المُسْتَحِقِّ لا يكونُ حُجَّةً عليهِ، ويحتمل أن يكون أبرأه، وأما في الثانية: فلأنه في الغيبة مستبد بالأمر، فعليه الاحتياط

ص: 825

والتوثق. وإذا كان الأصيل حاضرًا فهو أجدر بالاحتياط، والتقصير بترك الإشهاد منسوب إليه. ووجه مقابله القياس على ما إذا أداه في غيبته. وتعبيره بالمذهب فيه مخالف لتعبيره في الروضة في الأُولى بالأصح، وفي الثانية بالصحيح وعبارة الرافعي في الثانية أنه ظاهر المذهب، وعبارة المتولي في الثانية أنه المذهب فلعل ذلك يقيم عذرًا للمصنف.

خَاتِمَةٌ: في فتاوى الحناطي ومنها نقلتُ: أنه سئل عن من مات وعليه دَينٌ، هل يتعلق به الدائن في الآخرة أو آخر ورثته؟ فأجاب: يرثه الله في آخر الأمر ثم يرده إليه في القيامة، وإن كان قد أدى إلى بعض ورثته خرج عن المظلمة إلّا بقدر ما سَوَّفَ وماطل فيتعلق به، كذلك قال: وفي وجه لأصحابنا يكون لآخر من مات من الوارثين.

ص: 826