المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كِتَابُ الْوَكَالةِ الْوَكَالةُ: هي بفتح الواو وكسرها: التَّفْويضُ، وهي في الشَّرْعِ: - عجالة المحتاج إلى توجيه المنهاج - جـ ٢

[ابن الملقن]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الصيام

- ‌بَابُ صَوْمِ التَّطَوُّعِ

- ‌كِتَابُ الاِعْتِكَافِ

- ‌كِتَابُ الْحَجِّ

- ‌بَابُ المَوَاقِيتِ

- ‌بَابُ الإِحْرَامِ

- ‌بَابُ دُخُولِ مَكَّةَ زَادَهَا اللهُ شَرَفًا

- ‌بَابُ مُحَرَّمَاتِ الإِحْرَامِ

- ‌بَابُ الإحِصَارِ وَالفَوَاتِ

- ‌كتاب البيع

- ‌بَابُ الْرِّبَا

- ‌بابُ الْبُيُوع الْمَنْهِيِّ عَنْها

- ‌بَابُ الخيَارِ

- ‌بَابُ الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ

- ‌بَابُ التوْلِيَةِ وَالإِشْرَاكِ وَالْمُرَابَحَةِ

- ‌بَابُ الأصُولِ وَالثمَارِ

- ‌بَابُ اخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ

- ‌بَابُ مُعَامَلَاتِ الْعَبِيدِ

- ‌كِتَابُ السَّلَمِ

- ‌كِتَابُ الرَّهنِ

- ‌كتاب التفليس

- ‌بِابُ الْحَجْرِ

- ‌كِتَابُ الْصُّلْحِ

- ‌كِتَابُ الحوالةِ

- ‌كتاب الضمان

- ‌كِتَابُ الشِّرْكَةِ

- ‌كِتَابُ الْوَكَالةِ

- ‌كتاب الإقرار

- ‌كِتَابُ الْعَارِيَّةِ

- ‌كِتَابُ الْغَصْبِ

- ‌فُرُوعٌ مَنْثُورَةٌ نَخْتِمُ بِهَا الْبَابَ مُهِمَّةٌ

- ‌كِتَابُ الشُّفْعَةِ

- ‌كِتَابُ الْقراضِ

- ‌كتاب المُسَاقَاةِ

- ‌كتاب الإجارة

- ‌كتاب إحياء الموات

- ‌كتاب الوقف

- ‌كتاب الهبة

- ‌كِتَابُ الْلُّقَطَةِ

- ‌كِتَابُ الْلَّقِيطِ

- ‌كتاب الجُعَالةِ

الفصل: ‌ ‌كِتَابُ الْوَكَالةِ الْوَكَالةُ: هي بفتح الواو وكسرها: التَّفْويضُ، وهي في الشَّرْعِ:

‌كِتَابُ الْوَكَالةِ

الْوَكَالةُ: هي بفتح الواو وكسرها: التَّفْويضُ، وهي في الشَّرْعِ: إِقَامَةُ الْوَكِيلِ مَقَامَ الْمُوكِلِ فِي الْعَمَلِ الْمَأْذُون فِيهِ، والأصلُ فيها إجماع الأمة والسُّنَّة الصحيحة الشهيرة كقصة عُرْوَةَ الْبَارِقِيِّ (130) وغيرِهِ (131)، وفي القرآن الكريم ما يدل لها أيضًا

(130) قصة عُروةَ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ البَارِقِيِّ قَال: (أَعْطَاهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم دِينَارًا لِيَشْتَرِيَ بِهِ أُضْحِيَةً؛ فَاشْتَرَى شَاتَينِ؛ وَبَاعَ إِحْدَاهُمَا بِدِينَارٍ، وَأَتَاهُ بِشَاةٍ وَدِينَارٍ، فَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ في بَيعِهِ، فَكَانَ لَو اشْتَرى تُرابًا لَرَبِحَ فِيهِ). تقدم في البيع الرقم (10).

(131)

وغيره؛ منها قصةُ حكيمِ بن حزامٍ وجابر حين خرجَ إلى المدينة وتوكيلُ الرسولِ صلى الله عليه وسلم لرافعٍ.

° عن حكيم بن حزام (أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ مَعَهُ بدِينَارٍ لِيَشْتَرِيَ لَهُ أُضْحِيَةً؛ فَاشْتَرَاهَا بِدِينَارٍ وَبَاعَهَا بِدِينَارَينِ، فَرَجَعَ فَاشْتَرَى أُضْحِيَة بِدِينَارٍ وَجَاءَ بِدِينَارٍ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَتَصَدَّقَ بِهِ وَدَعَا لَهُ أَنْ يُبَارِكَ لَهُ فِي تِجَارَتِهِ). رواه أبو داود في السنن: كتاب البيوع: الحديث (3386) وإسناده صحيح.

° عن جابر قال: أَرَدْتُ الْخُرُوجَ إِلَى خَيبَرَ، فَأَتَيتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَقُلْتُ: إِنِّي أُرِيدُ الْخُرُوجَ إِلَى خَيبَرَ؛ فَقَاك: [إِذَا أَتَيتَ وَكِيلِي فَخُذْ مِنْهُ خَمْسَةَ عَشرَ وَسْقًا؛ فَإِنِ ابْتَغَى مِنْكَ آيَةً فَضَعْ يَدَكَ عَلَى تُرْقُوَتِهِ]. رواه أبو داود في السنن: كتاب الأقضية: باب في الوكالة: الحديث (3632). قال ابن الملقن في التحفة: رواه أبو داود بعنعنة ابن إسحاق ولم يضعفه.

° عن أبي رافع قال: (تَزَوَّجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَيمُوْنَةَ وَهُوَ حَلالٌ. وَبَنَى بِهَا وَهُوَ حَلالٌ. وَكُنْتُ أَنَا الرَّسُولَ فِيمَا بَينَهُمَا). رواه الترمذي في الجامع: كتاب الحج: باب ما جاء في كراهية تزويج المحرم: الحديث (841)، وقال: حديث حسن. =

ص: 831

كقوله تعالى: {فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ

} الآية (132) وهي مندوبةٌ أيضًا.

شَرْطُ الْمُوَكِّلِ صِحَّةُ مُبَاشَرَتِهِ مَا وَكَّلَ فِيهِ بِمِلْكٍ أَوْ ولايَةٍ، فَلَا يَصِحُّ تَوْكِيلُ صَبِيٍّ وَلَا مَجْنُونٍ، لأن التصرف الخاص بالإنسان أقوى من تصرفه بغيره، فإذا يقدر على الأقوى فعلي الأضعف أَوْلى، والمغمى عليه كالمجنون وكذا النائم، واحترز بالمِلْكِ والولاية عن التوكيل؛ فإنه لا يوكل عند الإطلاق كما سيأتي؛ لأنه ليس بمالك ولا ولي، وعن العبد المأذون لأنه إنما يتصرف بالإذن فقط، ويرد على الضابط المذكور الوكيل، فإنه قد يوكل عنه لا عن الموكل كما سيأتي، وحينئذ فلا يصح اشتراط كون الموكل مالكًا للتصرف بملك أو ولاية، وقوله (وَكَّلَ فِيهِ) هو بفتح الواو، وَلَا الْمَرْأَةِ وَالْمُحْرِمِ فِي النِّكَاحِ، أمَّا المرأة فلأنها لا تباشره (133)، والمرادُ أنها لا توكل أجنبيًّا في تزويجها، فأما إذا أذنت للولي بصيغة الوكالة فإنه يصح. وأما الْمُحْرِمُ فللنهي عنه في صحيح مسلم (134)؛ وهذا محمول على ما إذا وكل ليعقد عنه

= ° وَوَكَّلَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَمْرو بن أُمَيَّةَ الضمري في تزويج أمِّ حبيبة بنت أبي سفيان. قال ابن الملقن في خلاصة البدر المنير: كتاب الوكالة: الحديث (1604): ج 2 ص 94: ذكره البيهقي كذلك في خلافياته. ينظر التفصيل من تلخيص ابن حجر: كتاب الوكالة: ج 2 ص 57: النص (2) من الباب.

(132)

الكهف / 19 {وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَينَهُمْ قَال قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا} .

(133)

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال: [لَا تُزَوِّجُ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةُ؛ وَلَا تُزَوِّجُ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا] وكُنَّا نَقُولُ: الَّتِي تُزَوِّجُ نَفْسَهَا هِيَ الزَّانِيَةُ. رواه الدارقطني في السنن: كتاب النكاح: الحدث (26) منه: ج 3 ص 227 - 228 بإسناد صحيح على شرط الصحيح.

(134)

عن عثمان رضي الله عنه؛ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَال: [لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلَا يُنْكَحُ وَلَا يَخْطُبُ]. رواه مسلم في الصحيح: كتاب النكاح: باب تحريم نكاح المحرم وكراهة خطبته: الحديث (41/ 1409).

ص: 832

في حال الإحرام، فإن وكله ليعقده إذا حَلَّ أو أطلق صح، وكذا لو وكله حلال ليُوكل حلالًا بالتزويج على الأصح لأنه سَفِيرٌ محضٌ.

وَيَصِحُّ تَوْكِيلُ الْوَلِيِّ، أي وهو الأب والجد والوصي والقَيِّمُ، فِي حَقِّ الطِّفْلِ، لولايته عليه، والمجنون والسفيه كالطفل، وَيُسْتَثْنَى، أي عما ذكرناه، تَوْكِيلُ الأَعْمَى فِي الْبَيعِ وَالشِّرَاءِ فَيَصِحُّ، وإن لم يقدر على مباشرته للضرورة، وكذا في القبض على الأصح، وكذا لو علق الطلاق بسبق الثلاث، فقال: إذا طلقتك فأنت طالق قبله ثلاثًا، وقلنا بامتناع التطليق فإنه يُوكِّلُ فيه وفي سائر العقود المتوقفة على الرؤية كالإجارة، يصح توكيله فيها أيضًا، ويستثنى من القاعدة المذكورة طردًا أو عكسًا مسائل فراجعها من الشرح تركتها خشية التطويل.

وَشَرْطُ الْوَكِيلِ صِحَّةُ مُبَاشَرَتهِ التَّصَرُّفَ لِنَفْسِهِ، كما في الموكل، ويستثنى توكيل الولي فاسقًا في بيع مال الطفل فإنه لا يجوزه، لَا صَبيٍّ وَمَجْنُونٍ، لسلب عبارتهما؛ والمغمى عليه كالمجنون وكذا النائم، وَكَذَا الْمَرْأَةُ وَالْمُحْرِمُ فِي النِّكَاحِ، لسلب عبارتهما فيه إيجابًا وقبولًا، والمحرم بضم الميم كما هو كذلك فيما سلف أيضًا، والْمَحْرَمُ بفتحها يصح أن يكون وكيلًا في القبول، وإن كان لا يصح تعاطيه لنفسه، والخنثى ينبغي إلحاقه بالمرأة للشك في أهليته، لَكِنِ الصَّحِيحُ اعْتِمَادُ قَوْلَ صَبِيٍّ، أي ثقة، فِي الإِذْنِ فِي دُخُولِ دَارٍ وَإِيصَالِ هَدِيَّةٍ، لتسامح السلف في مثل ذلك، وهو توكيل من جهة الإذن والمهدي، والثاني: المنع لما سلف؛ وصحح في أصل الروضة القطع بالأول، ومحل الخلاف إذا لم لِكن قرينة وإلّا فيعتمد قطعًا.

فَرْعٌ: الكافر والفاسق كالصبي فِي ذلك.

فَرعٌ: قال القفال في فتاويه: إذا اشترى طعامًا وبعثَ صبيًّا ليستوفيه، فكال البائع عليه؛ حلَّ له التصرف فيه، إن كان الصبي يعقل عقل مثله، وكذا في بابِ السَّلَمِ إذا بعث صبيًّا؛ قال: وكذا في باب الهِبَةِ.

فَرْعٌ: يجوز توكيل الصبي في دفع الزكاة على الأصح كما سلف في بابه.

ص: 833

وَالأصَحُّ: صِحَّةُ تَوْكِيل عَبْدٍ فِي قبولِ نِكَاح، لأنه لا ضرر على السيد فيه، والثاني: لا، لأنه لا يستقل فيه بنفسه، ومحل الخلاف إذا لم يأذن؛ فإن أذن صح قطعًا. كذا ذكره في الروضة في النكاح، وقال هنا بعد أن حكى الخلاف مع الإذن: المختار الجواز مطلقا، وَمَنْعُهُ فِي الإِيجَابِ، لأنه إذا لم يزوج بنت نفسه فبنت غيره أَوْلى، والثاني: الصحة، لصحة عبارته في الجملة، والمبعَّضُ أَوْلى بالصحة منهُ فيما يصح توكيله فيه فيما يظهر.

وَشَرطُ المُوَكلِ فِيهِ أَن يَمْلِكَهُ المُوَكّلُ، فَلَوْ وَكلَ بِبَيع عَبْدٍ سَيَمْلِكُهُ، وَطَلاقِ مَنْ سَيَنْكِحُهَا بَطَلَ فِي الأصَحِّ، لأنه لا يتمكن من مباشرته بنفسه، فلا يتمكن من استنابة غيره فيه، والثاني: يصح، ويكفي حصول الملك عند التصرف، فإنه المقصودُ عند التوكيل، ويستثنى القِرَاضُ؟ فإنه يصح إذن المالك للعامل في بيع ما سيملكه من العروض، إذ لا تتم مصالحُ العقد إلا بذلك، ولو قال: وكلتك في بيع كذا وأن تشتري بثمنه كذا فأشهر القولين صحة التوكيل بالشراء كما ذكره صاحب المطلب.

وأن يَكُون قَابِلًا لِلنيابَةِ، لأن التوكيل تفويض وإنابة، فَلَا يَصِحُّ فِي عِبَادَة، لأن المقصود منها ابتلاء الشخص واختباره بإتعابِ نفسه، إِلَّا الْحَج، أي عند العجز لما ذكرناه في موضعه. ويندرج فيه ركعتا الطواف ويقعان عن المستأجر في الأصح، والعمرة ملحقة بالحج، وَتفْرِقَةَ زَكَاةٍ، وَذَبْحَ أضْحِيَة، لما تقدم في الزكاة، ويأتي في الأضحية. وفي صوم الولي عن الميت خلاف كما سلف في موضعه، ويلحق بالزكاة الكفارات والصدقات، وبذبح الأضحية الهدي ونحوه، وقد سلف في باب الوضوء الاستعانة فيه؟ وفِي باب التيمم الاستنابة فيه. والتوكيل في إزالة النجاسة جائز، وعنه احترز المصنف بقوله (عِبَادَة)، لأنه من باب التروك. ولذلك لا يشترط فيها النية على الأصح، وَلَا في شهَادَةٍ، وإيلاءٍ، وَلعانٍ، وَسَائِرِ الأيمَانِ، أي باقيها إلحاقًا بالعبادات.

فَرْعٌ: الشهادة على الشهادة ليست بتوكيل.

ص: 834

وَلَا فِي الظِّهَارِ فِي الأصَحِّ، لأنه منكرٌ وزورٌ؛ وفي ذلك إعانة عليه. والثاني: يصح بناء على أن المغلب فيه شائبة الطلاق على شائبة اليمين، والأول غلب فيه شائبة اليمين. فيقول على الثاني؛ موكلي يقول: أَنْتِ عَلَيهِ كَظَهرِ أُمِّهِ.

فَرْعٌ: في معنى الأيمان النذور؛ وتعليق الطلاق؛ والعتق.

ويصِحُّ فِي طَرَفَي بَيع؛ وَهِبَةٍ؛ وَسَلَمٍ؛ وَرَهْنٍ؛ وَنكَاح، أما النكاح فبالنص وأما الباقي فبالقياس؛ وَطَلاق، أي منجزًا لأنه إذا جاز في العقد ففي حِلِّهِ أوْلى، أمَّا المعلق فلا على الأصح؛ وَسَائِرِ الْعُقُودِ، أي كالضمان ونحوه، وَالْفُسُوخ، أي المتراخية، أما التي على الفور فلا للتقصير، وَقَبضِ الديونِ وَإقْباضُهَا؛ وَالدَّعْوَى؛ وَالْجَوَابِ، قياسًا على ما سلف ولعموم الحاجة، ويستثنى من جواز التوكيل في القبض قبض العرض في الصرف في غيبة الموكل؛ لأن بغيبته فسد العقد، وَكَذَا فِي تَمَلكِ المُبَاحَاتِ؛ كَالإحْيَاءِ؛ وَالاصْطِيَادِ؛ وَالاحْتِطَابِ فِي الأظْهَرِ، لأنه أحد أسباب الملك فأشبه الشراء فيحصل الملك للموكل إذا قصده الوكيل له، والثاني: لا، كالاغتنام إذ الملك بالحيازة، ولو استأجره ليحتطب أو يَسْتَقى؛ فالأصح في الروضة: الجواز، لَا فِي الإقْرَارِ، أي بأن يقول: وكلتك لِتُقِرَّ عني لفلان بكذا، فِي الأصَحَّ، لأنه إخبار فأشبه الشهادة، والثاني: يصح، لأنه قول يلزم بالحق كالشراء، فعلى هذا لا يلزمه شيء قبل إقرار الوكيل على الصحيح في الروضة، وعلى الأول يجعل مقرًا بنفس التوكيل على ما صححه الأكثرون على ما ذكره في الروضة من زوائده أيضًا. وجزم في الحاوي الصغير بخلافه.

ويصِحُّ فِي اسْتِيفَاءِ عُقُوبَةِ آدَمِيٍّ كَقَصَاصٍ؛ وَحَدِّ قَذْفٍ، كسائر الحقوق بل يتعين ذلك في حدِّ القذف، وكذا في قطع الطرف على الأصح كما ذكره في موضعه، أما حقوق الله تعالى فلا يجوز التوكيل في إثباتها؛ لأنها مبنية على الدرءِ، وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ إِلَّا بِحَضرةِ الْمُوَكلِ، لاحتمال العفو في الغيبة قال الروياني: وبه أُفتى، وقوله (وَقِيلَ) صَوَابُهُ وَفِي قَوْلٍ، قال صاحب العين: ومحل الخلاف في تمكين الحاكم

ص: 835

الوكيل من الاستيفاء، أما استيفاء الوكيل فصحيح قطعًا.

فَرْعٌ: يجوز التوكيل في استيفاء حدود الله تعالى من الإمام والسَّيِّدِ، نعم؛ يُمْتَنَعُ التوكيلُ في إثباته إلا في دعوى القاذف على المقذوف أنه زِنا.

وَلْيَكُنِ الْمُوَكِّلُ فِيهِ مَعلُومًا مِنْ بَعْضِ الوُجُوهِ، لئلا يعظم الغرر، وَلَا يُشْتَرَطُ عِلْمُهُ مِنْ كُل وَجْه، لأنها شرعت تسهيلًا ورفقًا فَسُومح فيها، فَلَو قال: وَكْلتكَ فِي كُلِّ قَلِيلٍ وَكَثِيرِ، أَو فِي كُل أُمُورِي، أَوْ فَوَّضْتُ إِلَيكَ كُل شَيءٍ لَم يَصح، لأنه غَرَرٌ عظيمٌ لا ضرورة إلى احتماله.

فَرْعٌ: في تهذيب الشيخ نصر المقدسي: أنه لو وكله في شراء ما شاء لم يصح، لأنه قد يعجز عنه لكثرته.

وإن قَال: في بَيع أَموَالِي وَعِتْقِ أَرقائِي صَحَّ، لأن ذلك محصور وغررهُ قليلٌ، وَإِنْ وَكلَهُ فِي شِرَاءِ عَبْدٍ وَجَبَ بَيَان نوعِهِ، أي كتركي وهندي وغيرهما تقليلًا للغرر، فإن الأغراض مختلفة، ولا يشترط استقصاء الأوصاف التي في السَّلَمِ ولا ما يقرب منها اتفاقًا قاله الإمام، لكن اعتبر القاضي ذكر الصفات التي يختلف الثمَنُ باختلافها، وقال الجويني: إذا اختلفت الأصناف الداخلة تحت النوع الواحد اختلافًا ظاهرًا اشترط ذكر أوصاف تميزه، قال الإمام: ولم يتعرضوا له، قُلْتُ: ذكره صاحبُ التنْبِيهِ فيه؛ لكنه عبَّر عن المصنف بالوصف، وقال: إنه الأشبه، وذكره الجرجاني في تحريره أيضًا.

فَرْعٌ: لو كان القصد المَجارة؛ فلا يشترط النوع ولا الجنس.

أَوْ دَارٍ وَجَبَ بَيَان المَحِلَّةِ، أي وهي الحارة، وَالسِّكَّةِ، أي بكسر السين وهو الزقاق، لاختلاف الغرض بذلك اختلافًا ظاهرًا، ويعين في الحانوت السوق، لَا قَدْرَ الثمَنِ فِي الأصَحِّ، أي في هذه والتي قَبلها، لأنه قد يتعلق الغرض بعبد من ذلك النوع أو دارًا نفيسًا كان أو خسيسًا، والثاني: يشترط بيان قدره أو غايته، بأن يقول من مائة إلى ألف لظهور التفاوت.

ص: 836

ويشتَرَطُ مِنَ الْمُوَكِّلِ لفْظ يَقتَضِي رضَاهُ؛ كَوَكلتكَ فِي كَذَا، أَوْ فَوضته إِلَيكَ، أَوْ أنْتَ وَكِيلِي فِيِه، أي ونحوها كأنَبْتُكَ كما يشترط الإيجاب في سائر العقود، ويؤخذ من كلام المصنف: أنه لا بد من تعيين الوكيل، وبه صرَّح الغزالي وَإِمَامُهُ، فَلَوْ قَال: بِع أَو أَعْتِق حَصَلَ الإذْن، لأنه أبلغ مما سبق، وَلَا يُشتَرَطُ القَبُولُ لَفْظًا، لأن التوكيل إباحة ورفع حَجْرِ؛ فأشبه إباحة الطعام، وَقِيلَ: يُشْتَرَطُ، لأنه تمليك حق كسائر التصرفات، وَقِيلَ: يُشتَرَط فِي صيَغ العُقُودِ كَوَكلتكَ، دُون صِيَغ الأمْرِ كَبِعْ وَأَعْتِقْ، نظرًا إلى الصيغة، واحترز بقوله لفظًا عن القبول معنى، فإنه لا بد منه في دوام الوكالة قطعًا حتى لو رُدَّ بطُلَت.

فَرْعٌ: إذا قلنا بالأصح فوكله؛ والوكيل لا يعلم ثبتت وكالته في الأصح، فلو تصرف صح على الأظهر.

وَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهَا بِشَرطٍ، أي من صفة أو وقت، فِي الأصَح، كسائر العقود، والثاني: يصح كالوصية والإمارة، والأول فرق بأن الوصية تقبل الجهالة فيقبل التعليق، فإِن نجَّزَهَا، وشرطَ لِلتصَرُّفِ شرطا جَازَ، لأنه إنما علق التصرف فقط وفيه نظر.

فَرْعٌ: يجوز توقيتها.

وَلَو قَال: وَكلتكَ؛ وَمَتَى عَزَلتكَ فَأنتَ وَكِيلِي؛ صَحَّت فِي الحالِ؛ فِي الأصَح، لأنه نجزها، والثاني: لا، لأنه أبَّدَهَا، ومحل الخلاف ما إذا قال ذلك متصلًا بالتوكيل بصيغة الشرط وَبِكُلّمَا وعمَّ نفسه وغيره، وَفي عَوْدِهِ وَكِيلًا بَعْدَ العَزلِ الْوَجهَانِ فِي تعلِيقِهَا، لأنه علَّق الوكالة ثانيًا على العزل؛ والأصح: عدم العود؛ لأن الأصح فساد التعليق، والثاني: يعود بناء على صحته، ويجرِيَانِ فِي تعلِيقِ العَزلِ، أي وأولى بالقبول؛ لأنه لا يشترط فيه قبول قطعًا؛ واشتراطه في الوكالة مختلف فيه.

فصلٌ: الوَكِيلُ بِالبَيع مُطْلَقًا لَيسَ لَهُ البَيعُ بِغَيرِ نَقدِ البَلَدِ، لدلالة القرينة العُرفِيَّةِ عليه، وَلَا بِنَسِيئةٍ، أي وإن كان قدر ثمن المثل؛ لأن الإطلاق يقتضي الحلول لأنه

ص: 837

المعتاد غالبًا، وَلَا بِغَبْنٍ فَاحِش وَهُوَ مَا لَا يُحتَمَلُ غالبًا، كالوصي والوكيل بالشراء، أما اليسير فيغتفر، واحترز بقوله (مُطْلَقًا) عما إذا نصَّ عليه الموكل، فإنه مجوز؛ لأن المنع كان لحقه فزال بإذنه، وقوله (ليسَ لَهُ) هو صريح في المنع، فلو فعل فالمذهب بطلان تصرفه، وفي قول: أنه موقوف على إجازة الموكل، فَلَوْ بَاعَ عَلَى أحَدِ هَذِهِ الأنوَاع وَسلمَ المَبِيعَ ضَمِنَ، لتعديه، أمَّا قبل التسليم فلا.

فَرْعٌ: لو باع بثمن المثل وطلب في المجلس بزيادة، فالحكم المنع كما سبق في عدل الرهن.

فَإن وَكلَهُ لِيَبِيعَ مُؤَجَّلًا؛ وَقَدَّرَ الأجَلَ فَذَاكَ، أي فيجرز أن يبيعه إلى ذلك الأجل الذي قدره، من غير زيادة عليه، فإن باع بانقص، فإن كان في وقت لا يؤمن النهب والسرقة، أو كان لحفظه مؤنة في الحال لم يصح وإلا صَحَّ في الأصح، وإنْ أَطْلَقَ صَحَّ فِي الأصَحَّ، لصحة اللفظ، والثاني: لا، لأنه مجهول، والغرض يختلف باختلاف الآجال، وَحُمِلُ عَلَى الْمُتَعَارَفِ فِي مِثْلِهِ، لأن مطلق الوكالة يحمل على ذلك، وعرف الناس يختلف باختلاف الأجناس، فإن لم يكن عَرَفَ رَاعَى الأنْفَعَ، والثاني: له التأجيل إلى ما شاء لإطلاق اللفظ، والثالث: لا يريد على سنة كتقدير الديون المؤجَّلَةِ بِها شرعًا كالجزية، وَلَا يَبِيعُ لِنَفْسِهِ، أي ولو أذن لتضاد الغرضين وهما الاسترخاصُ لنفسهِ والاستقصاء للموكل، نعم؛ لو أذن له في البيع من نفسه وقدَّر الثمن ونهاه عن الزيادة فينبغي الجواز، كما قاله صاحب المطلب، وَوَلَدِهِ الصغيرِ، لما قلناه.

فَرْعٌ: الشراء في ذلك كالبيع.

وَالأصَح: أنهُ يَبِيع لأبِيهِ وَابنِهِ البالغ، أي وكذا سائر أصوله وفروعه المستقلين، لأنه باع بالثمن الذي لو باع به من أجنبي صح، والثاني: لا، لأنه متهم بالميل إليهم، أما غير الأصول والفروع فيبيع منهم ويشتري قطعًا.

فَرْعٌ: لو عين الموكلُ الثمن! ففي جواز بيعه منهم وجهان مرتبان؛ وأوْلى بالصحة لانتفاءِ التهمة ذكره القاضي حسين.

ص: 838

فَرْعٌ: لو أذن له في البيع منهم جاز قطعًا.

وَأَنَّ الْوَكِيلَ بِالْبَيع لَهُ قَبْض الثَّمَنِ، لأنه من توابع البيع ومقتضاه، والثاني: لا، لأنه قد يرضاه للبيع دون القبض، ومحل الخلاف إذا لم يكن القبض شرطًا، فإن كان كالصرف ونحوه فله القبض والإقباض قطعًا وكذا رأس مال السَّلَمِ، وإذا باع بثمن مؤجل فإنه لا يملك قبض الثمن قطعًا، وكذا إذا نهاه عن قبض الثمن، قال صاحب المعين: وإذا كان الموكل غائبًا أو لم يعين المشتري فله قبض الثمن قطعًا، وليس محل الخلاف لئلا يضيع، وَتسْلِيمُ المبيع، أي إذا كان مسَلَّمًا إليه؛ لأنه من مقتضياته، وقيل: فيه الخلاف في قبض الثمن، وَلَا يُسَلِّمُة حَتى يَقْبِضَ الثمَنَ، لأن في تسليمه قبل قبضه خطر ظاهر، فَإن خَالفَ ضَمِنَ، لتعديه.

وَإذَا وَكَّلَهُ فِي شرَاءٍ لَا يَشْتَرِي مَعِيبًا، أي لا ينبغي له ذلك؛ لأن الإطلاق يقتضي السلامة، فَإنِ اشترَاه فِي الذِّمَّةِ وَهُوَ يُسَاوي مَعَ الْعَيبِ مَا اشترَاهُ بِهِ؛ وَقَعَ عَنِ المُوَكلِ إِذ جَهِلَ الْعَيبَ بِهِ، لأنه يمكن استدراكه بالرد فلا ضرر فيه، ولا ينسب الوكيل إلى مخالفة لجهله، وقوله (فِي الذِّمَّةِ) قد يُوهِم أنه إذا اشترى بعين مال الموكل لا يقع له، وليس كذلك بل يقع له أيضًا، إذا أوقعناه له هناك لكن ليس للوكيل الردُّ في الأصح، فأتى بهذا القيد ليحترز به عما يقتضيه كلامه بَعْدُ مِنَ الرَّدِّ، وَإِن عَلِمَهُ فَلَا فِي الأصَحِّ، أي سواء ساوى ما اشتراه به أم زاد؛ لأن الإطلاق يقتضي سليمًا، والثاني: يقع له، لأن الصيغة مطلقة ولا نقص في المالية، والثالث: إن كان يشتريه للتجارة وقع له، أو لِلْقِنْيَةِ فلا وهو حسن، وإن لَم يُسَاوهِ، أي لم يساو ما اشتراه به، لَم يَقَعْ عَنهُ، أي عن الموكل، إِن عَلِمَهُ، للمخالفةِ المُوَرِّطَةِ في الغرامةِ، وَإن جَهِلَه وَقَعَ فِي الأصَحِّ، كما لو اشتراه لنفسه جاهلًا، والثاني: لا، لأن الغبن يمنع الوقوع عنه مع السلامة فعند العيب أولى.

وإذَا وَقعَ لِلْموَكِّلِ؛ فَلِكُلّ مِنَ الوَكِيلِ وَالمُوَكلِ الرَّدُّ، أما الموكل فلأن الملك له، وأما الوكيل فلأنه أقامَهُ مقام نفسه في العقدِ وَلَوَاحِقِهِ، ويُستثنى من ذلك ما إذا

ص: 839

رضي الموكل بالعيب، وكذا إذا رضي الوكيل.

وَلَيسَ لِلْوَكِيلِ أَن يوكِّلَ بِلا إِذْن إِن تأتى مِنْهُ مَا وَكّلَ فِيهِ، كما ليس للوصي أن يوصي، نعم؛ قال الجُوْرِيُّ: لو وكَّله في قبض دين فقبضه وأرسله مع بعض عياله إلى الموكل لم يضمن أو مع غيره ضمن، وإن لَمْ يَتَأَتَّ لِكَونِهِ لَا يُحْسِنُهُ أَوْ لَا يَليقُ بِهِ فَلَهُ التوْكِيلُ، عملًا بالعرف فإن المقصود من مثله الاستنابة.

وَلَو كَثُرَ؛ وَعَجَزَ عَنِ الإتيَانِ بِكُلّهِ؛ فَالمَذْهَبُ: أَنهُ يُوَكِّلُ فِيمَا زَادَ عَلَى الْمُمكِنِ، أي عن موكله لا عن نفسه على الأصح دون الممكن لعدم الضرورة إليه، وقيل: يوكل في الممكن، لأنه ملك التوكيل في البعض فيوكل في الكل كما لو أذن صريحًا، والطريق الثاني: إطلاق وجهين في الكل، وعبارة المُحَرَّرِ بدل العجز عدم الإمكان.

وَلَوْ أذِن فِي التَّوْكِيلِ وقال: وَكِّل عَن نَفْسِكَ، فَفَعَلَ، فَالثانِي وَكِيلُ الوَكِيلِ، لأنه مقتضى الإذن، وَالأصَحُّ: أَنْهُ يَنْعَزِلُ بِعَزْلِهِ وَانْعِزَالِهِ، أي ينعزل الثاني بعزل الأول وبانعزاله أيضًا أي بموته وجنونه وهذا بناء على أن الثاني وكيل الوكيل، ووجه مقابله مبني على أنه وكيل الموكل ولم يذكر في المُحَرَّرِ مسألة الانعزال، وَإِن قَال: وَكِّل عَنِّي، الثانِي وَكِيلُ المُوَكلِ، لأن التوكيل في التوكيل جائز اتفاقًا، وَكَذَا لَو أَطْلَقَ، أي بأن قال: وكلتك في كذا وإذنت لك في أن توكل فيه ولم يقل عنك ولا عني، فِي الأصَح، لأن التوكيل تصرف بولاية الوكيل بإذن الموكل فيقع عنه، والثاني: أنه وكيل الوكيل، وكأنه قصد تسهيل الأمر عليه، وهذا هو الأصح في نظره في القاضي إذا قال لنائبه استنب ولم يَقُل عَنِّي.

قُلتُ: وَفي هَاتَينِ الصُّورَتَينِ لَا يَعْزِلُ أَحَدُهُمَا الآخَرَ وَلَا يَنْعَزِلُ بِانْعِزَالِهِ، لأنه ليس وكيلًا له؛ ولو سكت المصنف عن هذا لَعُلِمَ من التفريع، ولكنه أراد زيادة إيضاح. وَحَيثُ جَوَّزنَا لِلوَكِيلِ التوكِيلُ؛ يُشتَرَطُ أن يُوَكِّلَ أَمِينًا، رعاية لمصلحة الموكل، فإن وكل خائنًا لم يصح، لأنه خلاف المصلحة وظاهر إطلاق المصنف أنه

ص: 840

لا يجوز توكيل الخائن وإن كان الموكل عين الثمن والمبيع منه، لأنها استنابة عن الغير وهو أحد احتمالي صاحب المطلب، إِلَّا أَن يُعَيِّنَ المُوَكلُ غَيرَهُ، أي غير الأمين فيتبع تعيينَهُ لإذنه فيه، وَلَوْ وَكَّلَ أَمِينًا فَفُسِّقَ! لَم يَملِكِ الوَكِيلُ عَزْلَهُ فِي الأصَح، وَالله أعلَمُ، لأنه أذن له بالتوكيل دون العزل، والثاني: نعم، لأن الإذن في التوكيل يقتضي توكيل الأمناء، فإذا فُسِّقَ لم يجز استعماله فيملك عزله، وخصَّ الغزالي الجواز بما إذا قال: وكل عني، وَاستَشكلَ بَعْضُهُمْ جَوَازَ العَزْلِ، كما قال ابن الرفعة: لأنه ليس وكيلًا عنه فكيف يقدر على عزله، وقال بعض المتأخرين: ينبغي أن يفرع على أنه وكيل عن نفسه فيملك عزله أو عن الموكل فلا يملك.

فَصْلٌ: قَال بِعْ لِشَخْصٍ مُعَيَّن أو في زَمَنٍ أَو مَكانٍ مُعَينٍ تَعَيَّنَ، تبعًا لتخصيصه، وَفِي المَكانِ وَجهٌ إِذَا لَمْ يتَعَلَّقْ به غَرَضٌ، أي أنه لا يتعين لاتفاق الغرض فيها، وهذا ما أوردَهُ جماعة وهو المنصوص، وهذا إذا لم يُقَدِّر الثمن، فإن قَدَّرهُ جاز البيع في غيرِهِ، أما إذا تعلق به غرض بأن كان الراغبون فيه أكثر والنقدُ أجود، فإنه لا يجوز البيع في غيره جزمًا إذا لم يُقدِّر الثمن، ولو نهاه صريحًا عن البيع في غيره امتنع قطعًا.

وَإِن قَال: بِعْ بِمِائَة، لَمْ يَبِعْ بِأقَل، أي ولو بقيراط، وَلَهُ أنْ يَزِيدَ، لأن ذلك زيادة خير، إِلَّا أن يُصَرِّحَ بِالنهْي، لأن النطق أبطل حكم العرف، وقوله (وَلَهُ) يفهم أنه لا يجب عليه البيع بالزيادة إذا كان هناك راغب؛ والأصح في الروضة خلافه، وهذا كله إذا لم يعين المشتري، فإن عيَّنَهُ لم يزدْ قطعًا لأنه ربما قصد إرفَاقه، قال الغزالي: إلا إذا عَلِمَ خلافهُ بالقرينة ولو قال: اشتر عبد فلان بمائة فاشترى بأقل منها صح، وفرق الماوردي بأنه في البيع ممنوع من قبض ما زاد على المائة، وفي الشراء مأمور بدفع مائة ودفع الوكيل بعض المأمور به جائز.

وَلَوْ قَال: اشتَرِ بِهَذَا الدِّينَارٍ شَاةً وَوَصَفَهَا فَاشترَى بِهِ شَاتينِ بِالصِّفَةِ، فَإن لَم تُسَاو وَاحِدَة دِينارًا لَم يَصِح الشرَاءُ لِلْمُوَكِّلِ، أي وإن زادت قيمتها على الدينار

ص: 841

لفوات ما وكل فيه، واحترز بقوله (وَوَصَفَهَا) عَمَّا إِذَا لَمْ يَصِفْهَا فَإِنَّ التوْكِيلَ لَا يَصحُّ، وَإِن سَاوَتْهُ كُلُّ وَاحِدَةٍ؛ فَالأظْهَرُ: الصِّحَّةُ، وَحُصُولُ الْمِلْكِ فِيهِمَا لِلْمُوَكِّلِ، لأنه حصل المقصود وزاد خيرًا فأشبه ما لو قال بِع بخمسة فباع بعشرة، والثاني: لا تقع الشاتان معًا للموكل؛ لأنه لم يأذن إلا في واحدة، بل إن اشترى في الذِّمَّةِ فللموكِّلِ واحدة بنصف دينار والأخرى للوكيل، وللموكِّل تقريرُ العقدِ فيهما على الأصح إذا عقد له. أو بالعين فالوكيل فضولي، وقوله (وَإِنْ سَاوَتْهُ كُلُّ وَاحِدَةٍ) هو طريقة، والأصح في الروضة: إنَّ الشرط أن يكون أحداهما فقط مساوية للدينار.

وَلَوْ أَمَرَهُ بِالشِّراءِ بِمُعَين فَاشْتَرَى في الذِّمَّةِ لَم يَقَعْ لِلْمُوَكلِ، لمخالفته، فإنه ألزم ذمة الموكل ما لم يأذن فيه ويقع العقد له وإن صرح بالسفارة، وَكَذَا عَكسُهُ فِي الأصَحِّ، للمخالفة؛ فإنه أمرَهُ بِعَقْدٍ يلزم مع بقاء المدفوع وتلفِه فَعَقَدَ عقدًا يلزمُ مع بقائه دُونَ تلَفِهِ، وقد يكون غرض الموكل تحصيل المبيع على كل حال، والثاني: يصح، لأنه أقلُّ غررًا فقد زاد خَيرًا.

وَمَتَى خَالفَ الْمُوَكّلُ فِي بَيع مَالِهِ، أي بأن قال: بِعْ هذا العبد فباع غيره، أَو الشرَاءِ بِعَينهِ، فاشترى في الذمة، فَتَصَرُّفُهُ بَاطِل، أما في الأوْلى: فلأن المالك لم يرضَ بإزالة ملكه عنه، وأما في الثانية: فكالبيع.

وَلَو اشْتَرَى في الذِّمَّةِ وَلَمْ يُسَمِ الْمُوَكِّلُ؛ وَقَعَ لِلْوَكِيلِ، لأن الخطاب جرى معه وإنما ينصرف بالنية إلى الموكل إذا كان موافقًا لإذنه، فإذا خالف لغت نيَّته وصار كأجنبي يشتري لغيره في ذمته، وَإِن سَمَّاهُ فَقَال الْبَائِعُ: بِعْتُكَ، فَقَال: اشْتَرَيتُ لِفُلانٍ؛ فَكَذَا فِي الأصَحِّ، أي وتلغوا التسمية لأنها غير معتبرة في الشراء، فإذا سمّاه ولم يمكن صرفه إليه صار كأنه لم يسمِّه، والثاني: أن العقد باطل من أصله لامتناع إيقاعه عنه بالإضافة إلى الغير وهذا من فوائد القاعدة الأصولية أَنَّ الْخُصُوصَ إِذَا بَطَلَ هَلْ يُبطِلُ الْعُمُومَ؟

وَإن قَال: بِعْتُ مُوَكِّلَكَ زيدًا، فَقَال: اشْتَرَيتُ لَهُ فَالمَذهَب بطْلانُهُ، لأن البيع

ص: 842

عقد لا يمكن تعليقه بغير العاقد ولم تَجْرِ بينهما مخاطبة؛ بخلاف النكاح؛ فإنه لا يصح إلا كذلك فإنه سفارة محضة، وكذلك لو وكله في قبول نكاح زينب له فقبل نكاح حفصة لم يصح العقد للموكل ولا للوكيل، وقوله (فَالْمَذْهَبُ) كذا عبر به في الروضة وكذا هو في الْمُحَرَّرِ. وعبارة الرافعي في شرحيه أنه ظاهر المذهب؛ وهي لا تشعر بحكاية خلاف البتة؛ ولم يذكر في الروضة تبعًا للشرح ما يقابل ذلك، نعم؛ أفاد ابن الرفعة حكاية وجهين في ذلك عن الجويني فوجب إبدال المذهب بالأصح.

فَصلٌ: ويَدُ الوَكِيلِ يَدُ أَمَانَةٍ، وَإِن كان بِجُعْلٍ، لأنها عقدُ إرفاق ومعُونةٍ؛ والضمانُ مُنَافٍ لذلك ومنفر عنه، فَإن تعَدَّى ضَمِنَ، كغيره من الأمناء، وَلَا يَنْعَزِلُ فِي الأصَحِّ، لأنها أمانة وإذن في التصرف فلا يلزم من ارتفاع حكم العقد وهو الأمانة بطلانه كالرهن بخلاف الإيداع فإنه مَحْضُ ائْتِمَانٍ، والثاني: ينعزل كالوديعة وهذا إذا تعدى بالفعل؛ فإن تعدى بالقولِ كما لو باع بغبن فاحش ولم يسلم لا ينعزل جزمًا، لأنه لم يتعدَّ فيما وُكلَ فيه، ذكره في الكفاية عن البحر.

وَأَحْكَامُ الْعَقْدِ تَتَعَلَّقُ بِالْوَكِيلِ دُون الْمُوَكّلِ؛ فيعتَبَرُ فِي الرؤيةِ وَلُزُومِ العَقْدِ، بِمُفَارَقَةِ الْمَجْلِسِ، وَالتَّقَابُضُ فِي الْمَجْلِسِ، حَيثُ يُشْتَرَطُ، أي كالصرف، الْوَكِيلُ دُون الْمُوَكِّلِ، لأن الوكيل هو العاقد حقيقة، وإذَا اشتَرَى الْوَكيلُ طَالبَهُ الْبَائعُ بِالثمَنِ إِن كَان دَفَعَهُ إلَيهِ الْمُوَكّلُ، عملًا بالعرف، إلَّا إِن كان الثمَنُ مُعَينًا، لأنه ليس في يده وحق البائع مقصور عليه، وَإِن كان فِي الذّمّةِ طَالبَهُ إِن أَنْكَرَ وَكَالتَهُ، أوْ قَال: لَا أعْلَمُهَا، لأن الظاهر أنه يشتري لنفسه والعقد معه، وَإِنِ اعْتَرَفَ بِهَا طَالبَهُ أَيضًا فِي الأصَح، كَمَا يُطَالِبُ الْمُوَكّلَ، وَيَكُون الْوَكِيلُ كَضامِنٍ وَالْمُوَكلُ كَأصِيلٍ، لأن العقد للموكل والوكيل قابل فألزمناهما، وَخيَّرْنَا البائعَ في مطالبَةِ مَنْ شَاءَ منهما، فعلى هذا يرجع الوكيل إذا غرم، والثاني: أن المطالب الموكل لا غير؛ لأن العقد وقع له والوكيل معينٌ، والثالث: مقابله ورجحه الرافعي في مسألة خلع الأجنبي، والرابع: إن صرح بالسفارة طالب الموكل وإلا فلا، وَإذَا قَبَضَ الْوَكِيلُ

ص: 843

بِالبَيع الثمَنَ، وَتلِفَ فِي يَدِه، وَخَرَجَ الْمَبِيعُ مُستَحَقًا، رَجَعَ عَلَيهِ المُشترِي، وَإِنِ اعتَرَفَ بِوَكَالتِهِ فِي الأصَحِّ، لحصول التلف عنده، والثاني: يرجع به على الموكل، لأنه سفيره وَيَدُهُ كَيَدِهِ، ونَسَبَهُ القاضي حسين إلى عامة الأصحاب، والثالث: يرجع على من شاء منهما للمعنيين، ثُمَّ يَرجِعُ الوَكِيلُ عَلَى المُوَكلِ، لأنه غرَّه. قُلْتُ: وَللمشتَرِي الرجُوعُ عَلَى الْمُوَكلِ ابْتِدَاء فِي الأصَح، وَالله أعلَمُ، لأن الوكيل مأمور من جهته، والثاني: لا، لتلفه تحت يد الوكيل، وجزم المصنف في نظيره من الرهن بتخيير المشتري بين رجوعه على العدل وبين رحوعه على الراهن والقرار عليه.

فَصل: الْوَكَالةُ جَائِزَةٌ مِنَ الجَانِبَينِ، أي ولو كانت بِجُعل لضررِ الإلزام؛ فإنَّه قد يَبْدُو لِلْمُوَكلِ في الإنابةِ أو في إنابةِ غيرِ ذلك الشخص وقد لا يتفرغ الوكيل.

فَرعٌ: لو عقداها بلفظِ الإجارةِ فهي إجارة لازمةٌ من الجانبين.

فإذَا عَزَلَهُ المُوَكّلُ فِي حُضورِهِ، أَوْ قَال، أي في حضوره: رَفَعتُ الْوَكالةَ أَوْ أَبطَلتها أوْ أخْرَجتُكَ مِنْها، انعَزَلَ، لأنها إما عقد حائز كما قررناه فينفسخ بالفسخ، وإما إذنٌ فيبطل برجوع مَن منه الإذن، فَكان عَزَلَهُ وَهُوَ غَائِب العَزَلَ فِي الحَالِ، كالطلاق ويخالف القاضي لتعلق المصالح الكلية به، كذا فرق الرافعي، ومقتضاه أن الحاكم في واقعة خاصة حكمه حكم الوكيل، وَفي قَولٍ: لَا، حَتى يَبلُغَهُ الخَبَرُ، كالقاضي، وبناهما بعضهم على الخلاف فِي أن الحكم هل يكون منسوخًا عن المكلفين قبل بلوغ الفسخ إليهم إذا بلغ الشارع، وهذا البناء يأباه اختلاف الصحيح في المسألتين.

وَلَوْ قَال: عَزَلتُ نَفْسِي أو رَدَدتُ الوَكالةَ انعَزَلَ، أي سواء كان الموكل حاضرًا أو غائبًا، لأنه قطع للعقد فلا يفتقر إلى حضور من لا يعتبر رضاه كالطلاق، وقيل: إن كانت بصيغة الأمر فلا، لأنها إذنٌ وإباحة كإباحةِ الطامِ، وينعَزِلُ بِخُرُوج أَحَدِهِمَا عَنْ أهلِيةِ التَّصَرُّفِ بِمَوْتٍ أَوْ جُنُونٍ، لأنه لو قارن مُنِعَ الانعقادُ فإذا طرأ قطعهُ، والصوابُ أن الموتَ ليس بعزل كما قاله صاحب المطلب؛ بل

ص: 844

الوكالة تنتهي به كما قلنا في النكاح، وفي الجنون الزائل عن قرب وجه بعيدٌ، ومن الواضح أنه لا ينعزل بالنوم كان خرج به عن أهلية التصرف، وَكَذَا إِغْمَاء فِي الأصَح، كالجنون، والثاني: لا، لأنه لا يلتحق بمن تولى عليه، وصححه الإمام، وقال القاضي: إنه ظاهر المذهب، وقال أبو علي الفارقي: المؤثر منه ما أثر في الصوم، وفي البحر وجهٌ أن الخلافَ إذا لم تَطُل مُدَتُهُ بحيث يولى عليه فإن طالت انعزل.

فَرع مستثنى: الأصحُّ عدم انعزال الوكيل في رمي الجمار بإغماء الموكل.

وَبِخُرُوج مَحَل التَّصَرُّفِ عَنْ مِلكِ المُوَكلِ، أي بأن باع الموكلُ ما وَكلَهُ في بيعه أو أعتقه لاستحالة بقاء الوكالة (•) والحالة هذه وكذا إيجارُ الموَكلِ في بيعه، وَإنكَارُ الوكيلِ الْوَكالةَ لِنسيانِ أوْ لِغَرَضٍ فِي الإخفَاءِ لَيسَ بِعَزْلٍ، أي لعذره، فإن تعمَّدَ وَلَا غَرَضَ انعَزَلَ، لانتفائه، وقيل: لا ينعزل مطلقًا كما صححوه في الموكل إذا أنكرها، ولو أنكر الخصومة وقد ادَّعى عليه بحقّ على موكله فقامت البينة بقبوله؛ فإنه لا ينعزل ولا تندفع عنه الخصومة إلا أن يعزل نفسه ذكره الجُورِيُّ، وَإذا اخْتَلَفَا في أَصلِها أَوْ صِفَتها بِأن قَال: وَكلتني فِي البَيع نَسِيئَةَ أو الشرَاءِ بِعِشْرِينَ، فَقَال: بِل نَقدًا أو بِعشرَةٍ، صُدِّقَ المُوَكِّلُ بِيَمِينهِ، أما فِي الأولى: فلأنَّ الأصلَ عدم الإذن، وأما في الثانية: لأن الأصل عدم الإذن فيما يَدَّعِيهِ الوكيل؛ والموكل أعرف بحال الإذن المصادر منه.

وَلَو اشتَرَى جَارَيةً بِعِشرِينَ وَزَعَمَ أن المُوَكِّل أمَرَهُ، فَقَال: بَل بِعَشْرَةٍ، أي أذنت في عشرة، وَحَلَفَ، فَإنِ اشْتَرَى بِعَينِ مَالِ المُوَكّلِ وسماهُ فِي العَقدِ، وَقَال بَعدَهُ، أي بعد العقد: اشترَيتُهُ لِفُلان وَالمَالُ لَهُ، وَصَدقَهُ البائِعُ، أي في كونه وكيلًا وفي كون المال لغيره، فالبَيعُ بَاطل، لأنه ثبت بتسميته في الأولى، وبتصديق البائع في الثانية أن المال والشراء للغير وثبت بيمين من له المال أنهُ لم يأذن في الشراء

(•) في نسخة (1) و (3) بدل الوكالة: الولاية.

ص: 845

الذي باشره الوكيل فيلغو، إذا بطل فالجارية للبائع وعليه ردّ ما أخذ، وَإِن كَذْبَهُ، يعني البائع بأن قال: إنما اشتريت لنفسك والمال لك، حَلَفَ عَلَى نَفْي الْعِلْمِ بِالْوَكَالةِ، أي إن ادعى الوكيل علمه بها، وَوَقَعَ الشِّرَاءُ لِلْوَكِيلِ، أي ظاهرًا وسلم الثمن المعين إلى البائع وعزم الوكيل بدله للموكل، وَكَذَا إِنِ اشْتَرَى فِي الذّمِّةِ وَلم يُسَم الْمُوَكلَ، أي ولكن نواه فالجارية للوكيل والشراء له ظاهرًا، وظاهر كلام المصنف وغيره أنه لا فرق في وقوع العقد للوكيل بين أن يصرح بالسفارة أم لا، ولا بين أن يُصَدِّقَ البَائِعُ الْمُوَكَّلَ أو يكذبه، وَكَذَا إِن سماه، وَكَذَّبَه الْبَائِعُ، أي بأن قال: أنت مبطل في تسميته، فِي الأصَحِّ، كما لو اقتصر على النيّة، والثاني: أن الشراء يبطل من أصله، وَإِن صَدَّقَهُ بَطَلَ الشّرَاءُ، لاتفاقهما على وقوع العقد للموكل وثبوت كونه بغير إذنه بيمينه.

وَحَيثُ حُكِمَ بِالشِّرَاءِ لِلوَكِيلِ، يستحب لِلْقَاضِي أَن يَرفُقَ بِالْمُوَكِّلِ، أي يتلطف به، لِيَقُولَ لِلْوَكِيلِ: إِن كُنْتُ أَمَرتُكَ بِعِشْرِينَ فَقَد بِعتُكَها بِها، ويقُول هوَ: اشْتَرَيتُ لِتَحِلَّ لَهُ، أي باطنًا ولا يضر التعليق المذكور للضرورة إليه.

وَلَوْ قَال: أَتَيت بِالتصَرفِ الْمأذُونِ فِيهِ، وَأَنْكَرَ الْموَكِّلُ صُدقَ الْمُوَكلُ، لأن الوكيل أقر عليه بما يبطل عليه ملكه مع أن الأصل فيما ادعاه العلم، وَفِي قَوْلِ: الْوَكِيلُ، لأن الموكل أقامه مقام نفسه فَنَفَذَ قوله عليه فيما هو إليه وصححه جماعة، ومحل الخلاف ما إذا وقع قبل العزل؛ فإن وقع بعده فلا يقبل قوله إلّا ببينة قطعًا كما جزم به الرافعي، لأنه غير مالك للتصرف حينئذ، على أن كلام الماوردي يفهم جريان الخلاف مطلقًا، وَقَوْلُ الْوَكِيلِ فِي تَلَفِ المالِ مَقْبُولٌ بِيَمِينهِ، أي من غير ضمان كالْمُودَع، فإن أسنده إلى سبب ظاهر أقام البيّنة وحلف على التلف به كالمودع، وَكَذَا فِي الردّ، لأنه قبض العين لحق المالك كالودع، قال في المطلب: وهذا قبل العزل، وظاهر إطلاقَ المصنف تبعًا للرافعي عدم الفرق، وَقِيلَ: إن كَان بِجُعْلٍ فَلَا، لأنه قبض العين لمنفعة نفسه فأشبه المرتهن، والأصح: الأول؛ لأنه مؤتمن

ص: 846

من جهةٍ لا يضمن العين عند التلف فكان القول قوله في الرد كالمودع.

وَلَو ادَّعَى الرّدَّ عَلَى رَسُولِ الْمُوكلِ وَأَنْكَرَ الرسُولُ صُدِّقَ الرسولُ، لأنه لم يأتمنه فلا يقبل قوله عليه، وَلَا يَلْزَمُ الْمُوكّلَ تَصدِيقُ الوَكِيلِ عَلَى الصحِيح، لأنه يدعي الرد على من لم يأتمنه فليقم البيّنة عليه، والثاني: يلزمه، لأن يَدَهُ كَيَدِهِ وبه أفتى ابن الصلاح وقال: إذا ادعى أنه أشهد وضاعت الحجة فلا ضمان.

وَلَوْ قَال: قبضتُ الثمَنَ، وَتلف، وَأَنْكَرَ الْموَكّلُ، صدقَ الْمُوَكّلُ إِن كَان قَبْلَ تسْلِيمِ بالْمَبِيع، لأن الأصل لقاء حقه، وَإلا فَالْوكِيل عَلَى المَذْهبِ، لأن الموكل يدعي تقصيره وخيانته بالتسليم بلا قبض والأصل عدمه، وقيل: القول قول الموكل، لأن الأصل بقاء حقه، وقوله (عَلَى الْمَذهبِ) ينبغي عوده إليهما كما صرح به الرافعي.

وَلَوْ وَكَّلَهُ بِقَضَاءِ دَينٍ، فَقَال: قَضيتُهُ وَأَنْكرَ الْمُسْتَحِق، صُدِّقَ الْمُستَحِق بِيَمِينهِ، لأن الأصلَ عَدَمُ الْقَضَاءِ، وَالأظهرُ أنهُ لَا يُصدَّقُ الوَكِيلُ عَلَى الْمُوَكّلِ إلا بِبَيِّنَةِ، لأنه أمره بالدفع إلى من لم يأتمنه فكان من حقه الإشهاد عليه، والثاني: يصدق؛ لأنه أئْتمنهُ فأشبه ما لو ادعى الرد عليه، فعلى الأظهر ينظران ترك الإشهاد على الدفع، فإن دفع بحضرة الأصيل فلا رجوع للموكل عليه في الأصح؛ وإن دفع في غيبته رجع سواء صدقه الموكل بالدفع أم لا على الصحيح لتقصره. فلو قال: دفعت بحضرتك صدق الموكل بيمينه، حزم به الرافعي؛ لأن الأصل عدم الحضور عند الدفع، وقال ابن الصباغ: عندي أن القولَ قولُ الوكيلِ بيمينه كما لو ادَّعى الردَّ عليهِ وأنكرَ. وفرق بينه وبين دعوى القبض على أحد القولين؛ فإنه في القبض يثبت على الموكل حقًّا لغيره وهنا يسقط عن نفسه الضمان كذا ذكره المتولى.

وَقَيِّمُ الْيَتيمِ إِذَا ادَّعَى دَفْعَ الْمالِ إِلَيهِ بعدَ الْبُلُوغ؛ يَحتَاجُ إلَى بَينَةٍ عَلَى الصحِيح، لقوله تعالى:{فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيهِمْ أَمْوَالهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيهِمْ} (135) فدل على

(135) النساء / 6.

ص: 847

أنهم لو جحدوا لا بد من بينة، ويخالف الإنفاق فإنه يعسر إقامة البينة عليه. والثاني: يقبل قوله مع يمينه لأنه أمين، وتُحمل الآية على الإرشاد، ومراده بقيم اليتيم من يقوم بأمره أبًا كان أو جدًّا أو وصيًا أو حاكمًا، وقد فرضها الغزالي في الولي، والمصنف في الوصايا في الوصي وهنا في القيم.

وَليس لِوَكِيلٍ، وَلَا مُوَدَّعٍ، أَن يَقُولَ بَعدَ طَلَبِ الْمالِكِ: لَا أَرُدُّ المال إلا بإِشْهاد فِي الأصَحِّ، لأن قوله في الرد مقبول فلا حاجة إليه، والثاني: له ذلك تحرزًا من الاختلاف، والثالث: إن اقتضى الإشهاد تأخير التسليم فليس له وإلّا فلا، والرابع: إن كان قبضها بالإشهاد فله وإلا فلا، وَللْغَاصِبِ وَمَنْ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي الرّدّ ذلِكَ، أي إن كان عليه بيّنة بالأخذ قطعًا؛ لأنه يحتاج إلى بيّنة الأداء، وكذا إن لم تكن على ما صححه البغوي وأورده أكثر المراوزة والماوردي فإن قوله في الرد غير مقبول، والذي أورده العراقيون أنه ليس له ذلك، لأنه يمكنه أن يقول ليس له عندى شيء؛ ويحلف؛ ولا يبعد أن يقال؛ ليس للغاصب التأخير إلى الإشهاد؛ لأن التوبة والرد واجبان في الحال.

فَرعٌ: المديون في هذا الحكم كمن لا يقبل قوله في رد الأعيان إليه.

وَلَوْ قَال رَجُل: وَكْلَنِي المُستَحِق بِقَبضِ مَا لَهُ عِنْدَكَ مِن دَينٍ أَوْ عَينٍ وَصَدَّقَهُ، أي الذي عنده المال، فَلَهُ دَفْعُهُ إِلَيهِ، لأنه محق بزعمه، وَالْمَذْهبُ: أنه لَا يَلْزَمُهُ، يعني الدفع، إلا بِبينَةِ عَلَى وَكَالتِهِ، لاحتمال إنكار الموكل، وقال المزني: يلزمه لاعترافه وأخذه من نَصِّهِ فيما إذا ادَّعى وارثه، والصحيح تقرير النصين، والفرق أن في اعترافه بالإرث صار الحق للوارث وحصل اليأس عن التكذيب بخلاف تلك، واحترز بقوله (وَصَدَّقَهُ) عما إذا كَذبَهُ؛ فإنه لا يكلف الدفع إليه قطعًا.

وَلَوْ قَال: أَحَالنِي عَلَيكَ، وَصَدَّقَهُ وَجَبَ الدفْعُ فِي الأصَحِّ، كالوارث فإنه اعترف بانتقال الحق إليه، والثاني: لا يجب، لخوف إنكار المستحق، واحترز بقوله (وَصَدَّقَهُ) عمَّا إذا كَذَّبَهُ ولم تكن بينة، فله تحليفُهُ إنْ ألزمناه الدفعَ وإلا فكما سبق

ص: 848

في الوكيل. قُلْتُ: وإن قَال أَنَا وَارِثُهُ، أي ولا رارث له غيري، وَصَدقَهُ وَجَبَ الدفْعُ عَلَى الْمَذْهبِ، وَالله أعلَمُ، لاعترافه بانتقال الحق ويأسه عن الإنكار؛ وفيها قول مخرج من دعوى الوكالة كما تقدم قربيًا، وقد سبق الفرق، وأن المذهب تقرير النصين، وقيل: قولان فيهما.

فُرُوعٌ مَنثورَة نَخْتِمُ بِها البَابَ: لو وكله فِي التزويج من زيد فزوج من وكيل زيد صح بخلاف البيع؛ فإنه يَقْبَلُ نقلَ الملك بخلافه قاله في البيان. ولو ادّعى الوكيل الوكالة فصدقهُ الخصم؛ فمذهب الشافعي كما قال الروياني: إن الحاكمَ لا يسمع مخاصمتها لما فبه من إثبات الحجة على صاحبها خلافًا لابن سُريح، ولو وكلَ في طلاق واحدةٍ من نسائه لم يجز حتى يُعَيِّنَ وفيه احتمال للروياني. ولو وكله بمطالبة زيد بحق، قال الروياني: ظاهر المذهب أن له قبضه. ووجه مقابله: أنه قد يرتضيه للطلب لا للقبض.

ص: 849