المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كِتَابُ الْعَارِيَّةِ الْعَارِيَّةُ: أصلها من عَارَ الْفَرَسَ إِذَا ذَهَبَ وَجَاءَ، ومنه - عجالة المحتاج إلى توجيه المنهاج - جـ ٢

[ابن الملقن]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الصيام

- ‌بَابُ صَوْمِ التَّطَوُّعِ

- ‌كِتَابُ الاِعْتِكَافِ

- ‌كِتَابُ الْحَجِّ

- ‌بَابُ المَوَاقِيتِ

- ‌بَابُ الإِحْرَامِ

- ‌بَابُ دُخُولِ مَكَّةَ زَادَهَا اللهُ شَرَفًا

- ‌بَابُ مُحَرَّمَاتِ الإِحْرَامِ

- ‌بَابُ الإحِصَارِ وَالفَوَاتِ

- ‌كتاب البيع

- ‌بَابُ الْرِّبَا

- ‌بابُ الْبُيُوع الْمَنْهِيِّ عَنْها

- ‌بَابُ الخيَارِ

- ‌بَابُ الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ

- ‌بَابُ التوْلِيَةِ وَالإِشْرَاكِ وَالْمُرَابَحَةِ

- ‌بَابُ الأصُولِ وَالثمَارِ

- ‌بَابُ اخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ

- ‌بَابُ مُعَامَلَاتِ الْعَبِيدِ

- ‌كِتَابُ السَّلَمِ

- ‌كِتَابُ الرَّهنِ

- ‌كتاب التفليس

- ‌بِابُ الْحَجْرِ

- ‌كِتَابُ الْصُّلْحِ

- ‌كِتَابُ الحوالةِ

- ‌كتاب الضمان

- ‌كِتَابُ الشِّرْكَةِ

- ‌كِتَابُ الْوَكَالةِ

- ‌كتاب الإقرار

- ‌كِتَابُ الْعَارِيَّةِ

- ‌كِتَابُ الْغَصْبِ

- ‌فُرُوعٌ مَنْثُورَةٌ نَخْتِمُ بِهَا الْبَابَ مُهِمَّةٌ

- ‌كِتَابُ الشُّفْعَةِ

- ‌كِتَابُ الْقراضِ

- ‌كتاب المُسَاقَاةِ

- ‌كتاب الإجارة

- ‌كتاب إحياء الموات

- ‌كتاب الوقف

- ‌كتاب الهبة

- ‌كِتَابُ الْلُّقَطَةِ

- ‌كِتَابُ الْلَّقِيطِ

- ‌كتاب الجُعَالةِ

الفصل: ‌ ‌كِتَابُ الْعَارِيَّةِ الْعَارِيَّةُ: أصلها من عَارَ الْفَرَسَ إِذَا ذَهَبَ وَجَاءَ، ومنه

‌كِتَابُ الْعَارِيَّةِ

الْعَارِيَّةُ: أصلها من عَارَ الْفَرَسَ إِذَا ذَهَبَ وَجَاءَ، ومنه قيل للغلامِ الخفيف عَيَّارٌ، ولا يصح قول الجوهري كأنها مشتقة من العَارِ، لأنَّ الشَّارِعَ فَعَلَهَا؛ وهي بتشديد الياء وتخفيفها، وَحَقِيقَتُهَا إِبَاحَةُ الانْتِفَاع بِمَا يَحِلُّ الانتِفَاعُ بِهِ مَعَ بَقَاءِ عَينِهِ لِيَرُدُّهَا عَلَيهِ (144)، والأصلُ في استحبابها قبل الإجماع قوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ

(144) العَارِيَةُ؛ أو الْعَارِيَّةُ: مُخَفَّفَةُ الْيَاء أوْ مُشَدَّدَةٌ عَلَى الْمَشهُورِ، وَجَمْعُهُ عَوَارِيّ وَعَوَارِيّ.

قال أهل اللغة: هي مأخوذةٌ من عَارَ الشَّيءَ يُعِيرُهُ: إِذَا ذَهَبَ وَجَاءَ. ومنهُ قيلَ للغلامِ الخفيف: عَيَّارٌ؛ وهي منسوبةٌ إلى العَارَةِ بمعنى الإِعَارَةِ. أو مُشْتَقَّةٌ مِنَ التَّعَاوُرَ، من قولهم اعْتَوَرُوا الشَّيءَ وَتَعَاوَرُوهُ، وَتَعَوَّرَهُ: إِذَا تَدَاوَلُوهُ بَينَهُمْ بمعنى التَّناوُبِ وَالتَّدَاوُلِ.

أما قول الجوهري كأنَّهَا منسوبةٌ إلى العَارِ، لأن طلبها عارٌ وَعَيبٌ، فهو ربما بما يحصل من الحرج من الطلب. وليس كذلك؛ لأنه لا حرج وقد فعلها الشارع سيدنا الرسول مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم كما سيأتي، ولو كانت عيبًا ما فعلها، ومثل هذا الاعتراض لا يأتي على ناقل اللغة. وربما اعترض عليه أَيضًا بأن أَلْف العارية مُنقَلِبَةٌ عن الواو، فإن أصلها عورية، وأما أَلْف العَارِ فَمُنْقَلِبَةٌ عن الياء بدليل عيَّرتُهُ بِكَذَا، وتلك تقول أعَرْتُهُ كَذَا.

والعارية في الاصطلاح: الإِذنُ بِالانْتِفَاع مِنَ الأشْيَاءِ مَعَ اسْتِيفَاءِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ، وَهُوَ مَا عبَّرَ عَنهُ الْمَاوَرْدِيُّ في الْحَاوي الْكبِيرِ: ج 7 ص 116: قَال: الْعَارِيّةُ هِيَ هِبَةُ الْمَنَافِعِ مَعَ اسْتِيفَاءِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ. وفي تعريف ابن الملقن رحمه الله كثير من الإيفاء بالتعبير، ويمكن أن نحدَّهُ كما يأتي: بِأَنَّ العَارِيَّةَ: هِيَ عَقْدٌ عَلَى مَنْفَعَةِ الشَّيءِ عَلَى سَبِيلِ التدَاوُلِ مَعَ بَقاءِ مِلْكِ الرَّقَبَةِ لِتُرَدُّ مِنْ غيرِ عِوَضٍ.

ص: 869

وَالتَّقْوَى} (145) وَفِعْلُهُ صلى الله عليه وسلم كَمَا سَلَفَ (146). وكانت واجبة في ابتداء الإِسلام ثم نسخت، وأفتى الزُّبيريّ بوجوبها فيما إذا كتب صاحب كتاب الحديث اسم من سمعه ورواه في كتابه، ومثله ما إذا كتب بإذنه ليكتب نسخة السماع.

شَرْطُ الْمُعِيرِ صِحَّةُ تَبَرُّعِهِ، أي فلا يَصُحُّ إِعَارَةُ الصَّبِي وَالسَّفِيهِ وَالْمَجْنُونِ؛ لأنَّهَا إِبَاحَةُ لِلْمَنَافِع فَصَحَّتْ مِنْهُ دُونَ غَيرِهِ كَإِبَاحَةِ الأَعْيَانِ، وقال الماوردي: يجوزُ للسفيهِ إِعَارَةُ بَدَنِهِ إِذَا كَانَ عَمَلُهُ لَيسَ مَقْصُودًا في كَسْبِهِ لِاسْتِغْنَائِهِ عَنْهُ بِمَالِهِ، وَمِلْكُهُ الْمَنْفَعَةَ، أي دون الرقبة؛ لأن الإعارةَ تَرِدُ عليها دونها، نعم إذا نذر هديًا أو أضحيةً له أن يعيره؛ وللإمام إعارة أراضي بيت المال وغيرها من الأعيان؛ لأن له تمليكها، وللأب إعارة ولده الصغير لخدمة لا تقابل بأجرة ولا تضر بالصبيِّ، وإن أطلق صاحب العدّة المنع منه والروياني الجواز، فَيعيِرُ مُسْتَأْجِرٌ، لأنه ملك المنفعة والموصى له بالمنفعة، لا مُسْتَعِيرٌ عَلَى الصَّحِيحِ، لأنَّهُ غَيرُ مَالِكٍ لَهَا؛ ولهذا لا يؤجر؛ فإن أذن جاز، والثاني: يعير كما للمستأجر أن يؤجر وليس بشيء، لأن لِلْمُسْتَأْجِرِ مِلْكُ الْمَنْفَعَةِ، ولو قيل بالفرق بين أن توجد قرينة دالة على الإعارة فتجوز أو مانعة فلا، لم يبعد ولم يذكروه.

وَلَهُ أَن يَسْتَنِيبَ مَنْ يَسْتَوْفِي الْمَنْفَعَةَ لَهُ، أي كما إذا استعار دابة للركوب فله أن يركبها وكيلًا لهُ في حاجة؛ لأن المنفعة تحصل له، وَاعْلَمْ: أن الشيخ لم يذكر حَدَّ المستعيرِ، وقال الماوردي: كُلُّ مَنْ صَح مِنْهُ قُبُولُ الْهِبَةِ صَحَّ مِنْهُ طَلَبَهَا وَمَنْ لا فَلَا، وأورد عليه السفيه. وَالْمُسْتَعَارِ، أي وشرط المستعار، كَوْنُهُ مُنْتَفِعًا بِهِ، أي منفعة

(145) المائدة / 2.

(146)

عن أنس بن مالك رضي الله عنه؛ قَال: (كَانَ فَزَعٌ بالْمَدِينَةِ، فَاسْتَعَارَ النبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَرَسًا لَنَا يُقَالُ لَه مَنْدُبٌ). رواه البخاري في الصحيح: كتاب الجهاد: الحديث (2857). وفي لفظ: كَانَ فَزَعٌ في الْمَدِينَةِ، فَاسْتَعَارَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَرَسًا مِن أبِي طَلْحَةَ، يُقَالُ لَهُ الْمَندُوبُ، فَرَكِبَهُ. فَلَمَّا رَجَعَ؛ قَال:[مَا رَأَينَا مِنْ شَيءٍ، وَإن وَجَدْنَاهُ لبحرًا]. رواه البُخَارِيّ في الصحيح: كتاب الهبة: الحديث (2627).

ص: 870

مباحة ظاهرة، مَعَ بَقَاءِ عَينِهِ، أي فلا يجوز إعارة الأطعمة لأن منفعتها في استهلاكها، فإن خفيت المنفعة كإعارة الدراهم والدنانير للتزيين عند الإطلاق فلا يصح في الأصح، فإن صرح بالتزيين فينبغي الصحة كما قال الرافعي وبه أجاب في التتمة.

وَتَجُوزُ إِعَارَةُ جَارِيَةٍ لِخِدْمَةِ امْرَأَةٍ أَوْ مَحْرَمٍ، لعدم المحذور في ذلك، وكذا إعارتها لزوجها، وَخَرَجَ بِالْمَحْرَمِ غَيرُهُ اللَّهُمَّ إلا إِذَا كَانَتْ لا تُشْتَهَى فَالأصَحُّ في الرَّوْضَةِ الْجَوَازُ، وصحَّحَ الرافعي في الشرح الصغير الْمَنْعَ، وَخَرَجَ بِالْخِدْمَةِ الاسْتِمْتَاعُ فَإنَّهُ حَرَامٌ.

فَرْعٌ: لو كان المستعيرُ أو الْمُسْتَعَارُ خُنْثَى امْتَنَعَ عَلَى الصَّحِيحِ.

وَيُكْرَهُ إِعَارَةُ عبد مُسْلِمٍ لِكَافِرِ، لتحريمِ خِدمتهِ عليه وهي كراهةُ تَنْزِيهٍ على الأصح في الروضة.

تَنْبِيهٌ: لا بد أن يكون المستعير معينًا دون المستعار.

وَالأصَحُّ: اشتِرَاطُ لَفِظِ كَأَعَرْتُكَ أَوْ أَعِرْنِي، وَيكْفِي لَفْظُ أَحَدِهِمَا مَعَ فِعْلِ الآخَرِ، تشبيهًا لها بإباحة الطعام، والثاني: لا يعتبر اللفظُ في واحدٍ منهما؛ حتَّى لو رآه عاريًا فأعطاهُ قَمِيصًا صَحَّتِ العارِيَةُ، والخلافُ مبنيٌّ على أن العارية هبة للمنافع أو إباحة.

فَرْعَانِ وَارِدَانِ عَلَى اشْتِرَاطِ اللفْظِ: إذا انتفع الْمُهْدَى إليه بظرف الهدية؛ وكانت بلا عرضٍ؛ فإنَّه عاريةٌ، وإذا اشترى من إنسان شيئًا وَسَلَّمَهُ في ظرفٍ وتلف الظرفُ في يد المشترى؛ فالأصح في كتاب الإجارة من الرافعي: أنَّه يكون مضمونًا عليه ضمان العارية.

وَلَوْ قَال: أَعَرْتُكَهُ لِتَعْلِفَهُ أَوْ لِتُعِيرَنِي فَرَسَكَ، فَهُوَ إِجَارَةٌ فَاسِدَةٌ تُوجِبُ أُجْرَةَ الْمِثْلِ، لجهالة العلف والمدة، والتعليق في الثَّانية، وصحح في المطَّلب أنَّه عارية فاسدة نظرًا إلى اللفظ فلا أجرة، قال: وفيه بُعْدٌ؛ لأنه لم يَبذُلِ المنفعة مجانًا، وَمُؤْنَةِ الرَّدِّ

ص: 871

عَلَى الْمُسْتَعِيرِ، لقوله عليه الصلاة والسلام [عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تُؤَدِّيَهُ] حسنَهُ التِّرْمِذِيّ وصححه الحاكم (147)، فَإن تَلِفَتْ لا بِاسْتِعْمَالٍ، ضَمِنَهَا وَإن لَمْ يفَرِّطْ، لأنه عليه الصلاة والسلام [اسْتَعَارَ أدْرَاعًا (•) يَوْمَ حُنَينٍ مِنْ صَفْوَانِ بنَ أُمَيَّةَ فَقَال: أغَصْبٌ يَا مُحَمَّد؟ فَقَال: لا، بَلْ عَارِيَة مَضْمُونَةٌ] رواه أبو داود والحاكم وذكر له شاهد على شرط مسلم (148)، وفي كيفية الضمان خلاف ذكره المصنف آخر الباب.

(147) الحديث عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ رواه أبو داود في السنن: كتاب البيوع: باب في تضمين العارية: الحديث (3561). والتِّرمذيّ في الجامع: كتاب البيوع: الحديث (1266)، وقال: حسن صحيح. والحاكم في المستدرك: كتاب البيوع: الحديث (2302/ 173)، وقال: حديث صحيح الإسناد على شرط البُخَارِيّ ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. والبيهقي في السنن الكبرى: كتاب الغصب: باب رد المغصوب: الحديث (11713) واللفظ له.

(•) في نسخة (1): دِرْعًا.

(148)

• رواه أبو داود في السنن: كتاب البيوع: باب لها تضمين العارية: الحديث (3562)، وقال: هذه رواية يزيد ببغداد، وفي روايته بواسط تَغَيرٌ على غير هذا، والدارقطني في السنن: كتاب البيوع: الحديث (161) من الباب: ج 3 ص 39 - 40؛ وفيه قال: فَضَاعَ بَعْضُهَا، فَعَرَضَ عَلَيهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنْ يَضْمَنَهَا، فَقَال:(أنَا الْيَوْمَ في الإسْلَامِ أرْغَبُ).

• وفي لفظ ابن عباس رضي الله عنهما؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم اسْتَعَارَ مِنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ أَدْرُعًا وَسِنَانًا في غزوةِ حُنَين، فَقَال: يَا رَسُولَ اللهِ أَعَارِيَةٌ مؤَدَّاةٌ؟ قَال: [عَارِيَةٌ مُؤَدَّاتٌ]. رواه الحاكم في المستدرك: الحديث (2301/ 172)، وقال: حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. ووافقه الذهب. والبيهقي في السنن الكبرى: كتاب العارية: الحديث (11670).

• عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما؛ أن رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم سَارَ إِلَى حُنينٍ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ: ثُمَّ بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إلَى صَفْوَانَ بْنِ أميةَ فَسَأَلَهُ أَدْرَاعًا عِنْدَهُ مِائَةُ دِرْعٍ وَمَا يُصْلِحُهَا مِنْ عُدَّتِهَا، فَقَال: أَغَصْبًا يَا مُحَمَّدُ، فَقَال:[بَل عَارِيّةً مَضْمُونَةً حَتى نُؤَدِّيَهَا إِلَيكَ] ثُمَّ خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم سَائِرًا. رواه البيهقي في السنن الكبرى: الحديث (11672).

ص: 872

وخرج بعدم الاستعمال ما إذا تلفت به؛ وسيأتي. ولم يذكر المصنف ضمان الأجزاء، والأصح: أنَّه كالعين كما سيأتي.

فَرْعٌ: لو استعار بشرط أن المستعار أمانة فالشرط لاغٍ.

وَالأَصَحُّ: أَنَّهُ لا يَضْمَنُ مَا يَنْمَحِقُ، أي وهو التلف بالكلية كلبس الثوب إلى أن يبلى، أوْ يَنْسَحِقُ، وهو نقصان الأجزاء، بِاسْتِعْمَالٍ، لحدوثه عن سبب مأذون فيه، والثاني: أنَّه يضمن؛ لأن حَقَّ العَارِيَةِ أنْ تُرَدَّ، فإذا تعذَّرَ ضمنه فيضمنه في الانمحاق في آخر حالات التقويم، وَالثَّالِثُ: يَضمَنُ الْمُنمَحِقَ، لأن العارية مؤداة؛ فإذا تلف بعضها فقد فات رده فيضمن بدله أي دون المنسحق لما تقدم؛ وإن تلفت باستعمال غير مأذون فيه ضمنها قطعًا؛ كما لو أعارَهُ قميصًا ليلبسه فاتزر به.

فَرْعٌ: أعاره سيفًا فقاتل به فانكسر؛ قيل: لا يضمن؛ كانسحاق الثوب ذكرهُ الصَّيمَرِيُّ.

وَالْمُسْتَعِيرُ مِن مُسْتَأْجِرٍ، لا يَضْمَنُ فِي الأَصَحِّ، لأن يَدَهُ نَائِبَةٌ عَن يَدٍ غَيرِ مَضْمُونَةٍ، والثاني: يضمن كما لو استعار من المالِكِ، والخلاف جارٍ أَيضًا فيما إذا استعار من الموصى له بالمنفعة أو من الموقوف عليه.

فَرْعٌ: مُؤْنَةُ الرَّدِّ في هذه الاستعارة على المستعير إن رد على المستأجر وعلى المالك إن رد عليه كما لو رد عليه المستأجر فيستثنى ذلك من قوله أولًا: (وَمُؤْنَةِ الرَّدِّ عَلَى المُسْتَعِيرِ).

وَلَوْ تَلِفَتْ دَابَّتُهُ في يَدِ وَكِيلٍ بَعَثَهُ في شُغْلِه أَوْ في يَدِ مَن سَلَّمَهَا إِلَيهِ لِيُرَوِّضَهَا، أَي يعلمها، فَلَا ضَمَانَ، لأنه لم يأخذها لِغَرَضِ نَفسِهِ.

فَصْلٌ: وَلَهُ الانْتِفَاعُ بِحَسَبِ الإِذْنِ، لأَنَّهُ وضعُ العَارِيَةِ، فَإِنْ أعَارَهُ لِزِرَاعَةِ حِنْطَةٍ زَرَعَهَا، لإذنه فيها، وَمِثلَهَا إِنْ لَم يَنْهَهُ، لأنَّ رضاهُ بالحنطة رضي بمثلها، وله زرع الشعير من طريق الأَولى؛ إلا أنْ يَنهَاهُ، ولا يجوزُ أن يزرع أضرَّ منهما قطعًا كالقطن والذرة.

ص: 873

فَرْعٌ: لو عيَّن نوعًا وَنُهِيَّ عَنْ غَيرِهِ امْتَثَلَ؛ صَرَّحَ بهِ فِي الْمُحَرَّرِ وَأَهْمَلَهُ الْمُصَنِّفُ.

أَوْ لِشَعِيرٍ لَمْ يَزْرَعْ مَا فَوْقَهُ كَحِنْطَةٍ، لأن ضررها أكثر من ضرره، وَلَوْ أَطْلَقَ الزِّرَاعَةَ، أي بأنْ قال: أعرتك للزراعة، صَحَّ فِي الأَصَحَّ وَيزْرَعُ مَا شَاءَ، لإطلاق اللفظ، والثاني: لا يصح؛ لتفاوت الضرر، قال الرافعي: ولو قيل: يصح؛ ولا يزرع إلا أقل الأنواع ضررًا لكان مذهبًا.

وَإِذَا اسْتَعَارَ لِبِنَاءٍ أَوْ غِرَاسٍ فَلَهُ الزَّرْعُ، لأنه أخف، وَلَا عَكْسَ، لأن ضررهما أكثرُ ويقصد منهما الدوامُ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَغْرِسُ مُسْتَعِيرٌ لِبِنَاءٍ، وَكَذَا الْعَكْسُ، أي لا يبني مستعيرٌ لغراسٍ؛ لاختلافِ الضررِ، إذ ضرر البناء في الظاهرِ والغِرَاسُ في الباطنِ لانتشار العروق، والثاني: يجوز، لأن كلا منهما للتأبيد.

وَأَنَّهُ لَا تَصِحُّ إِعَارَةُ الأرْضِ مُطْلَقَةً، بَلْ يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ نَوْعِ الْمَنْفَعَةِ، لأنَّ الإِعَارَةَ مَعُونَةٌ شَرْعِيَّةٌ جوزت للحاجة؛ فلتكن على حسبها، ولا حاجة إلى الإعارةِ المرسلةِ، وهذا هو الأظهر عند الإمام والغزالي، والثاني: يصح مطلقهُ ولا يضر ما فيه من الجهالة، لأن العاريةَ يُحْتَمَلُ فِيهَا مَا لَا يُحْتَمَلُ فِي الإِجَارَةِ، وهذا ما أَوْرَدَهُ العراقيونَ والماورديُّ والبغويُّ والرويانيُّ فينبغي ترجيح هذا لأن عليه الأكثرُ، كما قررناه، قال الرافعي: والوجهُ الفطعُ بأنَّ إطلاقَ الاعارةِ لا يُسَلَّطُ على الدَّفْنِ لما فيه من ضرر اللزومِ، هذا كله إذا كان المستعار ينتفعُ بِهِ من جهتين فصاعدًا كالأرض والدابة، أما إذا كان لا ينتفع به إلا بجهةٍ واحدةٍ كالبساطِ بالفَرش؛ فإنه لا يحتاج في إعارته إلى بيان الانتفاعِ ويستعملُهُ فِي ذَلِكَ بِالْمَعْرُوفِ.

فَصْلٌ: لِكُلٍّ مِنْهُمَا رَدُّ الْعَارِيَةِ مَتَى شَاءَ، لأَنَّهَا مَبَرَّةٌ مِنَ الْمُعِيرِ، وَارْتفَاقٌ مِنَ الْمُسْتَعِيرِ، فلا يليقُ بها الإلزامُ وَسَوَاءً الْمُطْلَقَةُ وَالْمُقَيَّدَةُ، إلا إِذَا أَعَارَ لِدَفْنٍ فَلَا يَرْجِعُ حَى يَنْدَرِسَ أَثَرُ الْمَدْفُونِ، محافظةً على حرمة الميت، وله الرجوع قبل الحفر وبعده ما لم يوضع فيه الميت وقوله (حَتَّى يَنْدَرِسَ أَثَرُ الْمَدْفُونِ) هو أول جَوَابَي

ص: 874

القاضي حُسَين وأخِرُها: أَنهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ قَطْ؛ لأَنَّ الدَّفْنَ لِلتَّأْبِيدِ.

تَنْبِيهٌ: العَارِيَةُ قد تلزم من جهة المستعير فقطْ، وَهِيَ مَا إِذَا اسْتَعَارَ الدَّارَ لِسُكْنَى الْمُعْتَدَّةِ، وَلَوْ كَفَّنَ أَجْنَبِيٌّ مَيِّتًا، وقلنا بأنَّ الكَفَنَ بَاقٍ على مِلْكِ الأجْنَبِيِّ وهو الأصحُّ، فإنه يكون من العواري اللازمة، قاله في الوسيط في كتاب السرقة، وإذا قال: أَعِيرُوا دَارِي بَعْدَ مَوْتِي لِفُلانٍ شَهْرًا كَانَتْ عَارِيَةً لازِمَةً، ذكره الرافعي في التَّدْبِيرِ، وكذا إذا نذر المعيرُ ألا يَرْجِعَ أَوْ نَذَرَ أَنْ يَرْجِعَ، قاله المتولي. ولو أعار سترةً للمصلي؛ فَصَلَّى فِيهَا ثُمَّ رَجَعَ فيها فهل يلتحق بالدفن؟ فيه نظر واحتمال، ولو أعاره سفينةً فَطَرَحَ فيها مالًا؛ لم يكن له الرجوع؛ قاله في البحر.

فَرْعٌ: أعاره للدفن لم يجز أن يدفن معه آخر، قال الروياني: إلا أن يتجاوز مكان لَحْدِهِ فيجوز إن كان مقاربًا.

وَإذَا أَعَارَ لِلْبِنَاءِ أَو الْغِرَاسِ، أي لِغَرْسِ الْغِرَاسِ، وَلَمْ يَذْكُرْ مُدَّةً، ثُمَّ رَجَعَ، بعد أن بَنَى وَغَرَسَ، إِن كَان شرَطَ الْقَلْعَ مَجَانًا، أي بلا بدل، لَزِمَهُ، لأنه رضي بالتزام الضرر الذي يدخل عليه بالقلع، فإن امتنع فللمعير القلعُ مجانًا، ولم يذكر الشافعي رحمه الله في الأُمِّ والمختصر لفظة مجانًا وحذفُها أَولى، واحترز بالمدة عن العارية المطلقة وستأتي بعد، وَإِلَّا، أي وإن لم يشترط عليه القلع، فَإِنِ اخْتَارَ الْمُسْتَعِيرُ الْقَلْعَ قَلَعَ، لأنهُ مَلَكَهُ فَلَهُ نَقْلُهُ عَنْهُ، وَلَا يَلْزَمُهُ تَسْويَةُ الأَرْضِ فِي الأَصَحِّ، لأنه مأذون فيه؛ فلم يلزمه ضمان نقصه كاستعمال الثوب المستعار. قُلْتُ: الأَصَحُّ تَلْزَمُهُ، وَالله أَعْلَمُ، لِيَرُدَّ كما أخذ، ومحل الخلاف فيما إذا كانت الْحُفَرُ الْحَاصِلَةُ في الأرض على قَدْرِ الْحَاجَةِ، فإن كانت زائدةً على حاجة القلع لزمه حكم الزائد قطعًا، وَإِنْ لَمْ يَخْتَرْ، يعني القلع، لَمْ يَقْلَعْ مَجَانًا، لأنه محترم، بَلْ لِلْمُعِيرِ الْخِيَارُ بَينَ أَنْ يُبْقِيَهُ بِأُجْرَةٍ، إلى أجرة مثله، أَوْ يَقْلَعَ وَيَضْمَنَ أَرْشَ النَّقْصِ، أي حال البدل، وهو قدر التفاوت ما بين قيمته قائمًا ومقطوعًا؛ لأنه لا يليق بالعاريَةِ مَنْعُ الْمُعِيرِ مِنْ مَالِهِ ولا يضيعُ مال المستعيرِ فجمعنا بذلك بين الْحَقَّينِ، وخيَّرنا المعيرَ؛ لأنه الْمُحْسِنُ؛ فإن لم يحصل بالقلع نقصٌ؛ فليس له إلا القلع.

ص: 875

قِيلَ: أَوْ يَتَمَلَّكَهُ بِقِيمَتِهِ، أي حال التملك فهذه خصلة ثالثة، ووجه مقابله: أن ذلك بيع؛ فلا بد فيه من التراضي. وصحح المصنف في أصل الروضة أنه يتخير بين القلع بضمان الأرش والتملك بالقيمة، وهذه المسألة اضطربَ فيها الترجيحُ كما بينته في الشرح مع نظائرها، ولو كان في الأرض شيء للمستعير لم يكن له إلا التبقية بأجرة، قاله المتولي، ولو كان على الأشجار ثمر بدا صلاحها تأخر التخيير بين الحصاد إلى الجداد، فَإِنْ لَمْ يَخْتَرْ، أي المعير من اختيار شيء مما خير فيه، لَمْ يَقْلَعْ مَجَانًا، إِنْ بَذَلَ الْمُسْتَعِيرُ الأُجْرَةَ، لأنه غير ظالم، وَكَذَا إِنْ لَمْ يَبْدُلُهَا فِي الأَصَحِّ، لأَنَّ الْعَارِيَةَ تَقْتَضِي الانْتِفَاعَ مِنْ غَيرِ عِوَضٍ، والثاني: يَقلَعُ لأَنَّهُ بَعدَ الرُّجُوعِ لَا يَجُوزُ الانْتِفَاعُ بِمَالِهِ مِنْ غَيرِ أُجْرَةٍ. وَعَلَى الأَصَحِّ، ما الذي يفعل؟ فيه وجهان؛ حَكَاهُمَا المُصَنِّفُ حَيثُ قَال: ثُمَّ قِيلَ: يَبِيعُ الْحَاكِمُ الأَرْضَ وَمَا فِيهَا وَتُقْسَمُ بَينَهُمَا، فصلًا للخصومة. وفي كيفية التوزيع الخلاف السالف في الرهن.

وَالأَصَحُّ: أَنَّهُ يُعْرِضُ عَنْهُمَا حَتَّى يَخْتَارَا شَيئًا، لأن المستعيرَ لا تقصير منه فكيف يزال بغير اختياره؟ والبيع ليس هو واجبٌ فليس بيعه كبيعِ مَالِ الْمُمْتَنِعِ، وقوله (حَتَّى يَخْتَارَا) كذا هو بخطه بالألف وحذفها بخطه من الروضة، وصحح على موضع سقوطها وهو أحسن؛ أي يختار المعير وبه تنفصل الخصومة. ثم ذكر المصنف ما يترتب على الوجه الأصح: وهو الإعراض عنهما إلى الاختيار فقال: وَللْمُعِيرِ دُخُولُهَا وَالانْتِفَاعُ بِهَا، لأنها ملكه، وَلَا يَدْخُلُهَا الْمُسْتَعِيرُ بِغَيرِ إِذْنٍ لِلتَّفَرُّجِ، لأنه لا ضرورة به إليه فكان كالأجنبي. وَيَجُوزُ لِلسَّقْيِ وَالإِصْلاحِ فِي الأَصَحِّ، صيانةً لملكه عن الضياع، والثاني: لا، لأنه يشغل ملك غيره إلى أن يصل إلى ملكه، وَلِكُلٍّ، أي من المعير والمستعير، بَيعُ مِلْكِهِ، أي من الآخر، وللمعير أيضًا بيع ملكه لثالث على الأصح، ثم يخير المشترى تخيير المعير، وَقِيلَ: لَيسَ لِلْمُسْتَعِيرِ بَيعُهُ لِثَالِثٍ، لأن ملكه غير مستقرٍ، فإن للمعيرِ تملكه بالقيمةِ، وأجاب الأول عنه: بِأَنَّ هَذَا لَا يَمْنَعُ الْبَيعَ كَمَا فِي بَيعِ الشَّقْصِ الْمِشْفُوعِ، وَالْعَارِيَةُ الْمُؤَقَّتَةُ كَالْمُطلَقَةِ، فيما سلف من الأحكام وبيان المدة، تكون للمنع من إحداث البناء والغراس بعد هذا أو لطلب

ص: 876

الأجرة، وَفِي قَوْلٍ: لَهُ الْقَلْعُ فِيهَا مَجَانًا إِذَا رَجَعَ، أَي بَعْدَ الْمُدَّةِ ذَهَابًا إِلَى أَنَّ فَائِدَةَ بَيَانِ الْمُدَّةِ الْقَلْعُ بَعْدَ مُضِيِّهَا.

وَإِذَا أعَارَهُ لِزِرَاعَةِ وَرَجَعَ قَبْلَ إِدْرَاكِ الزَّرْعِ، فَالصَّحِيحُ أَنَّ عَلَيهِ الإِبْقَاءَ إِلَى الْحَصَادِ، لأنه محترم وله أمدٌ ينتظرُ، والثاني: للمعير أن يقلع ويغرم أرش النقص كما مرَّ في الغِرَاسِ تخريجًا من العَارِيَةِ الْمُؤَقَّتَةِ، والثالث: له تملكه بالقيمة، وَأَنَّ لَهُ الأُجْرَةَ، لأنه إنما أباح له المنفعة إلى وقت الرجوع فأشبهَ مَنْ أَعَارَ دَابَّةً إلى بلدٍ ثُمَّ رجعَ في الطريقِ؛ فَإِنَّ عَلَيهِ نَقْلَ مَتَاعِهِ إِلَى مَأْمَنٍ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ، والثاني: لا أُجرة له؛ لأن منفعة الأرضِ إلى الحصادِ كالمستوفاة، ومحل ما ذكره في الزرع فيما إذا كان مما لا يحصد قصيلًا كالقمح ونحوه، فإن كان مما يحصد قصيلًا كالرطب فله قطعه، فَلَوْ عَيَّنَ مُدَّةً وَلَمْ يُدْرِكْ فِيهَا لِتَقْصِيرِهِ بِتَأْخِيرِ الزِّرَاعَةِ قَلَعَ مَجَانًا، لما أشار إليه من كونه مقصرًا وإلا فهو كما لو أعاره مطلقًا، وَلَوْ حَمَلَ السَّيلُ، أي وكذا الهوى، بَذْرًا إِلَى أَرْضِهِ فَنَبَتَ، فَهُوَ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ، أي ولو كان حبة واحدةً؛ لأنه باقٍ على مِلْكِهِ وهذا فِي حَبَّةٍ وَنَوَاةٍ لم يعرض عنها مَالِكُهَا، أمَّا إِذَا أعْرَضَ عَنْهَا وَأَلْقَاهَا فَيَنْبَغِي الْقَطْعُ بِكَوْنِهَا لِصَاحِبِ الأَرْضِ، وَالأَصَحُّ أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى قَلْعِهِ، لأن المالِكَ لم يَأْذَنْ فيهِ فهو كما لو انتشرت أغصانُ شجرةٍ في هواء دار غيره؛ فإن له قطعها، والثاني: لا يجبر مجانًا، لأنه غير متعدٍ؛ فهو مستعير فينظر في النابت: أهو شَجَرٌ أَمْ زَرْعٌ؟ وَيَكُونُ الحُكْمُ عَلَى مَا سَبَقَ.

فَصْلٌ: وَلَوْ رَكِبَ دَابَّةً وَقَال لِمَالِكِهَا: أَعَرْتَنِيهَا، أي وهي باقية، فَقَال: بَلْ أَجَّرْتُكَهَا، أَو اخْتَلَفَ مَالِكُ الأَرْضِ وَزَارِعُهَا كَذَلِكَ، فَالْمُصَدَّقُ الْمَالِكُ عَلَى الْمَذْهَبِ، لأن المنافع تصح المعارضة عليها كالأعيان، ولو اختلفا لي العين بعد استهلاكها؛ فقال المالك: بعتكها؛ وقال: بل وهبتنيها؛ صُدِّقَ المالكُ فكذا هنا، والثاني: أن القولَ قَوْلُ الرَّاكِبِ وَالزَّارِعِ؛ لأَنَّهُمَا اتَّفَقَا على إباحةِ المنفعةِ؛ والأصلُ براءَةُ الذِّمَّةِ عَنِ الأُجْرَةِ، هذا أصحُّ الطريقين، إن المسألة على قولين نقلًا وتخريجًا،

ص: 877

وقيل: هما منصوصان، والثاني: يصدق مالك الأرض دون مالك الدابة، وهذا هو المنصوص فيهما، واختاره القفال؛ لأن الدواب يكثر فيها الإعارة بخلاف الأرض.

وَكَذَا لَوْ قَال: أَعَرْتَنِي، أي هذه الدَّابة أو الأرض، وَقَال: بَل غَصَبْتَ مِنِّي، فالمصدق المالك على المذهب لأن الأصل عدم إذنه، والثاني: أن القول قول المستعير؛ لأن الظاهر أن تصرفه بحق، والطريق الثاني: القطع بالأول، والثالث: القطع بالثاني، فَإن تَلِفَتِ الْعَينُ فَقَدِ اتَّفَقَا عَلَى الضَّمَانِ، لأن كلًّا من العارية والمغصوب مضمون، لَكنِ الأَصَحُّ أَنَّ الْعَارِيَةَ تُضْمَنُ بِقِيمَةِ يَوْمِ التَّلَفِ، لأن الأصل رد العين، وإنما تجب القيمة بالفوات وهذا إنما يتحقق بالتلف، لَا بِأَقْصَى الْقِيَمِ وَلَا بِيَوْمِ الْقَبْضِ، لأنه لو ضمنها لضمن ما أذن له في إتلافه وهو لا يضمنها كما تقدم، والثاني: يضمنها بأقصى القيم كالمغصوب، والثالث: بقيمة يوم القبض كالقرض، قال المتولي: ومحل الخلاف إذا نقصت القيمة بتغير السوق! فإن نقصت بالاستعمال ولم تذهب العين ثم تلفت لم يضمن الزائد، فَإِنْ كَانَ مَا يَدَّعِيهِ الْمَالِكُ أَكْثَرَ حَلَفَ لِلزِّيَادَةِ، لأن غريمه ينكرها.

ص: 878