المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب دخول مكة زادها الله شرفا - عجالة المحتاج إلى توجيه المنهاج - جـ ٢

[ابن الملقن]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الصيام

- ‌بَابُ صَوْمِ التَّطَوُّعِ

- ‌كِتَابُ الاِعْتِكَافِ

- ‌كِتَابُ الْحَجِّ

- ‌بَابُ المَوَاقِيتِ

- ‌بَابُ الإِحْرَامِ

- ‌بَابُ دُخُولِ مَكَّةَ زَادَهَا اللهُ شَرَفًا

- ‌بَابُ مُحَرَّمَاتِ الإِحْرَامِ

- ‌بَابُ الإحِصَارِ وَالفَوَاتِ

- ‌كتاب البيع

- ‌بَابُ الْرِّبَا

- ‌بابُ الْبُيُوع الْمَنْهِيِّ عَنْها

- ‌بَابُ الخيَارِ

- ‌بَابُ الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ

- ‌بَابُ التوْلِيَةِ وَالإِشْرَاكِ وَالْمُرَابَحَةِ

- ‌بَابُ الأصُولِ وَالثمَارِ

- ‌بَابُ اخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ

- ‌بَابُ مُعَامَلَاتِ الْعَبِيدِ

- ‌كِتَابُ السَّلَمِ

- ‌كِتَابُ الرَّهنِ

- ‌كتاب التفليس

- ‌بِابُ الْحَجْرِ

- ‌كِتَابُ الْصُّلْحِ

- ‌كِتَابُ الحوالةِ

- ‌كتاب الضمان

- ‌كِتَابُ الشِّرْكَةِ

- ‌كِتَابُ الْوَكَالةِ

- ‌كتاب الإقرار

- ‌كِتَابُ الْعَارِيَّةِ

- ‌كِتَابُ الْغَصْبِ

- ‌فُرُوعٌ مَنْثُورَةٌ نَخْتِمُ بِهَا الْبَابَ مُهِمَّةٌ

- ‌كِتَابُ الشُّفْعَةِ

- ‌كِتَابُ الْقراضِ

- ‌كتاب المُسَاقَاةِ

- ‌كتاب الإجارة

- ‌كتاب إحياء الموات

- ‌كتاب الوقف

- ‌كتاب الهبة

- ‌كِتَابُ الْلُّقَطَةِ

- ‌كِتَابُ الْلَّقِيطِ

- ‌كتاب الجُعَالةِ

الفصل: ‌باب دخول مكة زادها الله شرفا

فَرَغَ مِنْ تَلْبِيَتِهِ صَلَّى عَلَى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، لقوله تعالى:{وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} أَيْ لَا أُذْكَرُ إِلَّا وَتُذْكَرُ مَعِى (1078)، وَسَأَلَ الله تَعَالَى الْجَنَّةَ وَرِضْوَانَهُ وَاسْتَعَاذَ بِهِ مِنَ النَّارِ، للاتباع (1079).

فَرْعٌ: من لا يحسنُ التلبيةَ بالعربية لبَّى بلسانه، قاله في الروضة. وزاد المتولي أنه يؤمر بالتعلم ويلبِّي بلسانه إلى أن يحسن، قال: وهل مجوز بلغة أخرى مع القدرة على التلبية؟ حكمه حكم التسبيحات في الصلاة؛ لأنه ذِكْرٌ مَسْنُونٌ.

‌بَابُ دُخُولِ مَكَّةَ زَادَهَا اللهُ شَرَفًا

مَكةُ: هِيَ أَفْضَلُ الأرْضِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِمَالِكٍ حَاشَا مَوْضِعَ قَبْرِهِ صلى الله عليه وسلم فَإِنَّهُ أَفْضَلُ الأَرْضِ. وَلَهَا اثنانِ وَعُشْرُونَ اسْمًا فَرَاجِعْهَا مِنَ اللُّغَاتِ وَالشَّرْحِ الْكَبِيْرِ، وقالَ الْمُحِبُّ الطبَرِيُّ: إنَّ بَيْتَ خَدِيْجَةَ الَّذِي بِمَكَّةَ أَفْضَلُ مَوْضِعٍ مِنْهَا بَعْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ (1080).

(1078) الشرح / 4. ولحديث أبي سعيد الخدرى رضي الله عنه؛ أنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: [أَتَانِي جِبْرِيلُ؛ فَقَالَ: إِنَّ رَبِّي وَرَبَّكَ يَقُولُ: كَيفَ رَفَعْتُ لَكَ ذِكْرَكَ؟ قَالَ: الله أَعْلَمُ! قالَ: إِذَا ذُكِرتُ ذُكْرِتَ مَعِي]. رواه الطبري في جامع البيان: النص (29068). وابن حبان في الإحسان بترتيب الصحيح: الحديث (3373).

(1079)

لحديث عمارة بن خزيمة بن ثابت عن أبيه؛ (أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا فَرَغَ مِنْ تَلْبيَتِهِ سَأَلَ الله مَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ وَاسْتَعَاذَ بِرَحْمَتِهِ مِنَ النَّارِ). رواه الشافعي رضي الله عنه في الأُم: باب كيفية التلبية؟ ج 2 ص 156: وإسناده ضعيف.

(1080)

لحديث عَبدِ اللهِ بْنِ عَدِيِّ الزُّهْرِيِّ قالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ وَاقِفًا عَلَى الْحَزوْرَةِ؛ فَقَالَ: [وَاللهِ إِنِّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللهِ؛ وَأَحَبُّ أَرْضِ اللهِ إِلَى اللهِ، وَلَوْلَا أنِّى أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ]. رواه الترمذى في الجامع: كتاب المناقب: في فَضلِ مكَّة: الحديث (3925)، وقال: حديث حسن صحيح. والنسائي في السنن الكبرى: كتاب الحج: فضل مكة: الحديث (4254/ 3).

ص: 597

الأَفْضَلُ دُخُولُهَا قَبْلَ الْوقُوفِ، وَأَنْ يَغْتَسِلَ دَاخِلُهَا مِنْ طَرِيقِ الْمَدِينَةِ بِذِي طَوَى، وَيْدْخُلُهَا مِنْ ثَنِيَّةِ كَدَاءٍ، أي بالمد والفتح؛ للاتباع. أما الداخل من غير طريق المدينة فيغتسل في نحو مسافته (1081)، ولا فرق بين أن تكون كَدَآءٍ على طريقه أو لَمْ تَكُنْ كما صححه في الروضة وغيرها، وإن كان كلامه في الكتاب تبعًا للرافعى يقتضي اختصاص الاستحباب بالداخل من طريق المدينة (وطوى مثلث الطاء يصرف ولا يصرف).

فَائِدَةٌ: رُوِيَ عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول عند دخول مكة: [اللَّهُمَّ الْبَلَدُ بَلَدُكَ وَالْبَيْتُ بَيْتُكَ جِئْتُكَ أَطْلُبُ رَحْمَتَكَ وَأَلْزَمُ طَاعَتَكَ مُتبِعًا لأمْرِكَ رَاضِيًا بِقَدَرِكَ مُسْلِمًا لأَمْرِكَ أَسْأَلُكَ مَسْألَةَ المُضْطَر إِلَيْكَ الْمُشْفِقِ مِنْ عَذَابِكَ أَنْ تَسْتَقْبِلَنِى بِعَفْوِكَ وَأَنْ تَتَجَاوَزَ عَنِّى بِرَحْمَتِكَ وَأَنْ تُدْخِلَنِى جَنَّتَكَ].

وَيَقُولُ إِذَا أَبْصَرَ الْبَيْتَ: [اللَّهُمَّ زِدْ هَذَا الْبَيْتَ تَشْرِيفًا وَتَعْظِيمًا وَتَكْرِيمًا وَمَهَابَةً وَزِدْ مَنْ شَرَّفَهُ وَعَطمَهُ مِمَّنْ حَجَّهُ أَوِ اعْتَمَرَهُ تَشْرِيفًا وَتَكْرِيمًا وَتَعْظِيمًا

(1081) • لحديث ابن عمر رضى الله عنهما؛ (أنَّهُ كَانَ لَا يَقْدَمُ مَكَّةَ إِلَّا يَأْتِ بِذِي طُوَى حَتَّى يُصْبِحَ وَيَغْتَسِلَ ثُمَّ يَدْخُلُ مَكَّةَ نَهَارًا وَيَذْكُرُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّهُ فَعَلَهُ) الحديث متفق عليه وقد تقدم في الإحرام فى الرقم (1062).

• ولحديث عائشة رضى الله عنها؛ قالت: (أنَّ النَّبِيِّ دَخَلَ عَامَ الْفَتْحِ مِنْ كَدَاءٍ الَّتِي بِأَعْلَى مَكَّةَ). رواه البخاري في الصحيح: كتاب المغازى: باب دخول النبي صلى الله عليه وسلم من أعلى مكة: الحديث (4290). وفي رواية: (أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَامَ الْفَتْحِ مِن كَدَاءٍ وَخَرَجَ مِنْ كُدَاءٍ مِنْ أَعْلَى مَكَّةَ). رواه البخاري في كتاب الحج: الحديث (1578). وفي الباب عن ابن عمر رضى الله عنهما: الحديث (1576). و (كُدَاء) بالضم أي أسفل مكة وهي الثنية السفلى. قال ابن حجر في الفتح: قال عياض والقرطبي وغيرهما: اختلف في ضبط كداء وكداء؛ فالأكثر على أن العليا بالفتح والمد؛ والسفلى بالضم والقصد؛ وقيل: بالعكس. ومسلم في الصحيح: كتاب الحج: باب دخول مكة: الحديث (224/ 1258)، وحديث ابن عمر (223/ 1257).

ص: 598

وَبِرًّا، اللَّهُمً أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْكَ السَّلَامُ فَحَيِّنَا رَبَّنَا بِالسَّلَامِ]، للاتباع إلى قوله [وَبِرًّا] وبدل وَعَظَّمَهُ بقوله [وَكَرَّمَهُ] والباقي اقتداءً بعمر رضي الله عنه. والظاهر أن مراد المصنف بالإبصار العلم حتَّى يستحب الدعاء المذكور للأعمى والداخل في ظلمة، وما أحسن قولَ الحاوي ودعا للقاء البيت [اللَّهُمَّ زِدْ هَذَا الْبَيْتَ

إلى أخره] (1082).

فَرْعٌ: يستحب رفع اليد عند رؤية البيت دون التكبير، ثُمَّ يَدْخُل الْمَسْجِدَ مِنْ بَابِ بَنِي شَيْبَةَ، لأنه عليه الصلاة والسلام في عهد قريش دخل منه كما رواه البيهقي (1083) ولعل السبب في أنَّه في جهة الكعبة والركن الأسود. وجهة باب الكعبة أشرف الجهات الأربع كما قاله ابن عبد السلام في قواعده، وَيبْتَدِىُ بِطَوَافِ الْقُدُومِ، للاتباع (1084) ولا يؤخره إلا لِمَكْتُوبَةٍ أقِيْمَتْ حين دخوله أو قَرُبَتْ إقامتها كما نص عليه في الأم أو فريضة أو سنة مؤكدة خاف فوتها. ولِتُؤَخره المرأة الجميلة والشريفة التى لا تبرز للرجال إلى الليل لأنه أستر لها والخنثى كالمرأة.

فَائِدَةٌ: الطواف تحية البيت لا للمسجد، نعم تسقط بسُنَّة الطواف كما نبَّه عليه الرويانى ويؤخذ منه أنَّه لو أخر سُنة الطواف لوقت آخر ففد فوَّت سُنَّة التحية، وفي الأُمِّ: أنَّه لو دخل وقد منع الناس من الطواف صلى تحية المسجد.

وَيَخْتَصُّ طَوَافُ الْقُدُومِ بِحَاجِّ دَخَلَ مَكَّةَ قَبْلَ الْوُقُوفِ، لأنه تحية البيت فكانت قبل فعل الفرض، فإن وقف أولًا فليس في حقه طراف قدوم لدخول وقت

(1082) رواه الشافعي في الأُم: باب القول عند رؤية البيت: ج 2 ص 169. والبيهقى في السنن الكبرى: باب القول عند رؤية البيت: الحديث (9294)، وقال: هذا منقطع. وله شاهدٌ مُرسَلٌ عن سفيان الثوري وحكاه.

(1083)

رواه البيهقي في السنن الكبرى: باب دخول المسجد من باب بني شيبة: الحديث (9289). وفيه قصة إعادة بناء البيت قبل الإسلام.

(1084)

لحديث سالم عن أبيه رضي الله عنه؛ قال: (رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم حِيْنَ يَقدَمُ مَكَّةَ إِذَا اسْتَلَمَ الرُّكْنَ الأَسْوَدَ أوَّلَ مَا يَطُوفُ يَخُبُّ ثَلَاثَةَ أَطْوَافٍ مِنَ السَّبْعِ). رواه البخاري في الصحيح: كتاب الحج: الحديث (1603). ومسلم في الصحيح: الحديث (232/ 1261).

ص: 599

الطواف المفروض؛ ولا يختص طواف القدوم بالحاج، بل هو مستحب في حق كل من دخل مكة ولو تاجرًا، نَعَمْ: طواف العمرة يُجْزِئُ عنه وكذا المنذور.

وَمَنْ قَصَدَ مَكَّةَ لَا لِنُسُكٍ اسْتَحِبَّ لَهُ أَنْ يُحْرِمَ بحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، قياسًا على التحية؛ ولا يجب لحديث المواقيت السالف في بابه لَهُنَّ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ مِمَّنْ أرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ؛ فلو وجب لمجرد الدخول لما علقه على الإرادة، وَفِي قَوْلٍ: يَجِبُ، لإطباق الناس عليه، والسنن يندر فيها الاتفاق على العمل بها وصححه البغوي والمصنف في نكته، إِلَّا أَن يَتَكَرَّرَ دُخُولُهُ كَحَطَّابٍ وَصَيَّادٍ، أي فإنه لا يجب عليهما قطعًا للمشقة وقيل: على القولين، والْبَرِيْدِيُّ منهم من جعله كالحطاب، ومنهم من قال إذا قلنا لا يجب عليهم ففيه وجهان.

تَنْبِيْهَانِ: الأوَّلُ: يستثنى أيضًا من الوجوب العبدُ وَإِنْ أَمَرَهُ مَوْلَاهُ؛ وَالْحَرَمِيُّ؛ وَالْخَائِفُ؛ فإنه لا إحرامَ عليهم، الثَّانِى: يكون حكم دخول الحرم كحكم دخول مكة بالاتفاق.

فَضلٌ: لِلطَّوَافِ بِأَنْوَاعِهِ، من كونه طواف قدوم أو إفاضة أو وداع أو تطوع، وَاجِبَاتٌ وَسُنَنٌ: أَمَّا الْوَاجِبَاتُ؛ فَيُشْتَرَط سَتْرُ الْعَوْرَةِ؛ وَطَهَارَةُ الْحَدَثِ وَالنَّجَسِ، أي في الثوب والبدن والمكان؛ لأنه صلى الله عليه وسلم سَمَّاه صلاة وفي الصحيحين [لَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عَرْيَانٌ](1085)، والمختارُ أنَّهُ يُعْفَى عمَّا يشُقُّ الاحتراز منه في النجاسة الغالبة في موضع الطواف، فَلَوْ أَحْدَثَ فِيهِ تَوَضَّأَ وَبَنَى، وَفِي قَوْلٍ: يَسْتَأْنِفُ، وجه هذا

(1085) • أما الوضوءُ؛ فلحديث عائشة رضى الله عنها؛ قالت: (إِنَّ أَوَّلَ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ حِيْنَ قَدِمَ؛ أَنَّهُ تَوَضَّأ ثُمَّ طَافَ بِالْبَيْتِ). رواه البخاري في الصحيح: باب الطَّواف على وضوء: الحديث (1641) والحديث (1614).

• أما أنَّه لا يطوف بالبيت عريان؛ فلحديث أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: (إِنَّ أبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه بَعَثَهُ فِي الْحَجَّةِ الَّتِي أَمَّرَهُ عَلَيْهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ حَجَّةِ الْوَدَاع يَوْمَ النَّحْرِ فِي رَهَطٍ يُؤَذِّنُ فِي النَّاسِ: أَلَّا يَحُجُّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ، وَلَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ). رواه البخاري في الصحيح: كتاب الحج: الحديث (1622).

ص: 600

القياس على الصلاة. ووجه الأوَّل أن الطواف يحتمل فيه ما لا يحتمل فيها كالفعل الكثير والكلام، ولو عبر بقوله تطهر لكان أَولى لشموله الأصغر والأكبر.

وَأَنْ يَجْعَلَ الْبَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ، وَمُبْتَدِئًا بِالْحَجَرِ الأَسْوَدِ مُحَاذِيًا لَهُ فِي مُرُورِهِ بِجَمِيع بَدَنِهِ، للاتباع كما أخرجه مسلم (1086) وشبهه القاضي أبو الطب بتكبيرة الإِحرام في الصلاة، فَلَوْ بَدَأَ بِغَيْرِ الْحَجرِ، أي لو بدأ بالباب مثلًا، لَمْ يُحْسَبْ، فَإِذَا انْتَهَى إِلَيهِ، أي إلى الحجر، ابْتَدَأَ مِنْهُ، كما لو قدم المتوضئ على غسل الوجه غسل عضو آخر؛ فإنه يجعل غسل الوجه ابتداء وضوئه.

فَرْعٌ: لو نُحِّيَ الحجر والعياذ بالله من مكانه وجب في أدائه محاذاة الرُّكْنِ قاله القاضي أبو الطيب.

وَلَوْ مَشَى عَلَى الشَّاذَرْوَانِ أَوْ مَسَّ الْجِدَارَ في مُوَازَاتِهِ، أي في موازاة الشاذروان، أَوْ دَخَلَ مِنْ إِحْدَى فَتْحَتَي الْحِجْرِ وَخَرَجَ مِنَ الأُخْرَى لَمْ يَصِحَّ طَوَافُهُ، لأن الطائف والحالة هذه طائف في البيت لا بالبيت. وقد قال تعالى:{وَلْيَطوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} (1087) واحترز بِقَيْدِ الموازاة عما مسَّ الجدار الَّذي في جهة الباب، وَفِي مَسْأَلَةِ الْمَسِّ وَجْهٌ، أي أن طوافه يصح؛ لأن معظم بدنه خارج، ويصدق أن يقال: إنه طائف بالبيت ولأن العبرة بالقدمين لا باليد والرأس، ولهذا نفوا التحريم عن الجنب ووجوب الكفارة على الحالف بفعله.

فَائِدَةٌ: للبيت أربعة أركان: رُكنانِ يَمَانِيَّانِ أحدهما فيه الحَجَر بفتح الحاء، واثنان شاميان والحِجر بكسر الحاء عندهما، وسبب إِخراج الشاذروان والحجر عن بناء البيت أنَّ قُرَيْشًا لَمَّا أعادت بناءها قصرت بهم النفقة عن ذلك فتركوها كذلك،

(1086) لحديث ابن عمر رضي الله عنهما؛ قال: (رَأيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم حِيْنَ يَقْدَمُ مَكَّةَ إِذَا اسْتَلَمَ الرُّكْنَ الأَسْوَدَ أَوَّلَ مَا يَطُوفُ حِيْنَ يَقْدَمُ يخبُّ ثَلَاثَةَ أطْوَافٍ مِنَ السَّبْع). رواه مسلم في الصحيح: الحديث (232/ 1261).

(1087)

الحج / 29.

ص: 601

لكن صحَّ أن ابن الزبير لَمَّا بلغه حديث عائشة رضي الله عنه في إعادتها على ما كانت عليه لولا قرب عهدهم بجاهلية قال: أَنَا الْيَوْمَ أَجِدُ مَا أُنْفِقُ؛ وَلَسْتُ أَخَافُ النَّاسَ فَهَدَمَهَا وَبَنَاهَا عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيْمَ عليه الصلاة والسلام وَأَدْخَلَ فِيْهَا الْحَجَرَ وَجَعَلَ لَهَا بَابَيْنِ، ثم هدم الحجَّاجُ الشق الَّذي من ناحية الحجر فقط كما قال الأزرقى وغيره، وأعاده على ما كان عليه في زمن قريش، والشق الآخر بناءُ ابنُ الزبير وهو يظهر للرائى عند رفع الأستار فحينئذ يَنبغى الصحة في الطواف على الشاذروان لا كما قاله الأصحاب.

وَأَنْ يَطُوفَ سَبْعًا دَاخِلَ الْمَسْجِدِ، للاتباع (1088).

وَأَمَّا السُّنَنُ؛ فَأَنَّ يَطُوفَ مَاشِيًا، أي إن كان يطيقه حماية للمسجد والناس عن أذى الدابة؛ فإن طاف راكبًا جاز وإن لم يكن عذر ولا كراهة كما نقله الرافعى عن الأصحاب، لكن في الكفاية عن الماوردي وغيره الجزم بها، وَيَسْتَلِمَ الْحَجَرَ، أي يلمسه باليد، أَوَّلَ طَوَافِهِ، للاتباع، ولو نُحِّى الحجر استلم الركن الَّذي كان فيه وقبَّلهُ وسجدَ عليهِ قاله الدارمي؛ وَيُقَبِّلُهُ، للاتباع (1089)، ولا يستحب ذلك أعني الاستلام والتقبيل للنساء إلا عند خُلُوِّ المطاف ذكره في الروضة، وعبارة صاحب الخصال ليس على النساء استلام الحجر.

فَرْعٌ: قال القاضي أبو الطيب: يستلم ويُقبِّل الرُّكْنَ الَّذي فيه الْحَجَرُ أيضًا، وظاهرُ كلام الجمهور كما قاله في شرح المهذب: الاقتصار على فعل ذلك في الْحِجْرِ.

(1088) لحديث ابن عمر رضي الله عنهما؛ قال: (قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَطَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا وَصَلَّى خَلْفَ الْمَقَامِ رَكْعَتَئنِ فَطَافَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ سَبْعًا). رواه البخاري في الصحيح: باب ما جاء في السعي بين الصفا والمروة: الحديث (1645). ومسلم في الصحيح: الحديث (232/ 126).

(1089)

لحديث نافع قال: رَأيْتُ ابْنَ عُمَرَ يَسْتَلِمُ الحَجَرَ بِيَدِهِ، ثُمَّ قَبَلَ يَدَهُ. وَقَالَ:(مَا تَرَكْتُهُ مُنْذُ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَفْعَلُهُ). رواه مسلم في الصحيح: الحديث (246/ 1268).

ص: 602

وَيضَعَ جَبْهَتَهُ عَلَيْهِ، للاتباع (1090).

فَرْعٌ: قال الشافعي في الأُمِّ: لا أحب الزحام إلا في بَدْءِ الطَّوافِ وآخره؛ بل صريحهُ أنَّهُ لا تكرهُ المزاحمةُ على تقبيل الحَجَرِ؛ وهو ردٌّ على مَن كَرَّهَهُ، نَعَمْ يحمل على زحام غير مؤذٍ.

فَإن عَجَزَ، أي عِن تقبيل الحجر، اسْتَلَمَ، أي استلمه بيده أو بِعَصًا ثمْ قَبَّلَ ما استلم به للاتباع، فَإِنْ عَجَزَ، عن الاستلام، أَشَارَ، إليه، بيَدِهِ، لأنه قدر استطاعته، وفي البخاري عن ابن عباس رضي الله عنه قال:(طَافَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِالْبَيْتِ عَلَى بَعِيْرٍ كُلَّمَا أَتَى الرُّكْنَ أَشَارَ إِلَيْهِ بِشَيْءٍ عِنْدَهُ وَكَبَّرَ)(1091)، ولا يشير إلى القُبلة بالفم لأنه لم يُنقل، وعن ذلك احترز بقوله بيده؛ لكن التقييد بذلك قد يوهم أنَّه لا يشير بما في يده مع أنَّه يشير به كما صرح به في شرح المهذب ثم نبَّه على أنَّه يقبِّل ما أشار به، ويرَاعِي ذَلِكَ في كُلِّ طَوْفَةٍ، لحديث ابن عباس المذكور.

تَنْبِيْهٌ: في صحيح مسلم أن [ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنه اسْتَلَمَ بِيَدِهِ ثُمَّ قَبَّلَ يَدَهُ وَقَالَ: مَا تَرَكْتُهُ مُنْذُ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَفْعَلُهُ] قال المصنف في شرحه لمسلم: (هَذَا الْحَدِيْثُ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ عَجَزَ عَن تَقْبِيْلِ الْحَجَرِ؛ وِإِلَّا فَالْقَادِرُ يُقبلُ الْحَجَرَ وَلَا يَقتصِرُ فِي الْيَدِ عَلَى الاِسْتِلَامِ بها)(1092)، هذا كلامه ولا حاجة إلى هذا الحمل فظاهر نص الشافعي رضي الله عنه في الأُم؛ بل صريحه يدل على طبق ما في الحديث من كونه يستلم اليَدَ

(1090) لحديث جعفر بن عبد الله وهو ابن الحكم؛ قال: رَأَيْتُ مُحَمَّدَ بن عباد بن جَعْفَر؛ قَبَّلَ الْحَجَرَ وَسَجَدَ عَلَيْهِ؛ ثُمَّ قالَ: رَأَيْتُ خَالَكَ ابْنَ عَبَّاسٍ يُقَبِّلُهُ وَيَسْجُدُ عَلَيْهِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: رَأَيْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطْابِ يُقَبِّلُهُ وَيَسْجُدُ عَلَيْهِ، ثُمَّ قالَ:(رَأيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَعَلَ هَكَذَا؛ فَفَعَلْتُ). رواه الحاكم في المستدرك: كتاب المناسك: الحديث (1672/ 64)، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي قال: هذا صحيح.

(1091)

رواه البخاري في الصحيح: كتاب الحج: باب التكبير عند الرُّكْنِ: الحديث (1613).

(1092)

الحديث رواه مسلم كما سلف في الصحيح: الحديث (245/ 1268)، وقول النووي في الشرح: ج (9 - 10) ص 19.

ص: 603

أولًا ثم يقبِّلها، وصرح به ابن الصلاح في مناسكه وأهمل ذلك المصنف في كتبه خلا المناسك تبعًا للرافعي، وكذا ابن الرفعة فَتَنَبَّهْ لهُ.

وَلَا يُقَبِّلُ الرُّكْنَيْنِ الشَّامِيَيْنِ وَلَا يَسْتَلِمُهُمَا، لأنهما ليسا على قواعد إبراهيم، وَنَقَلَ بَعْضُ مَنْ ألَّفَ عن الشافعي رحمه الله أنَّه قال: تكفيه الإشارة إليهما بيده، وهو نص غريب، نعم في الأُم: وَلَا آمُرُهُ باستلامهما ولو استلمهما أومأ بين الأركان كان البيت لم يكن عليه إعادة ولا فدية إلا أني أحب أن نقتدي بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم، وقال في مرضع آخر منها: إنه إن مسحهما رَجُلٌ كما مسح سائر البيت فحسن وإلا فالقادرُ يُقَبِّلُ الحجر، وَيَسْتَلِمُ الْيَمَانِي، للاتباع، وَلَا يُقَبِّلُهُ، لعدم صحة النقل به وعلى تقدير صحته فيحمل على إرادة الركن الَّذي فيه الحجر.

فَرْعٌ: يُستحب تقبيل اليد بعد استلامه للاتباع أيضًا.

فَرْعٌ: إذا لم يمكنه استلام اليماني فقال ابن أبي الصيف اليمني: لا يشير إليه، وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام: يشير إليه، قال المحبُّ الطبري: وهُوَ أَوْجَهُ لأنها تدل عنه لِتَرَتُّبِهَا عليه عند العجز في الحجر الأسود فكذا هنا.

وَأَنْ فيَقُولَ أَوَّلَ طَوَافِهِ: [بِسْمِ اللهِ وَاللهُ أَكبَرُ، اللَّهُمً إِيْمَانًا بِكَ وَتَصْدِيقًا بِكِتَابِكَ وَوَفَاءً بِعَهْدِكَ، وَاتِّبَاعًا لِسْنَّةِ نَبِيكِّ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم]، للاتباع (1093) كما أورده الرافعي؛ وبعضُهُ مَرْوِيٌّ؛ وهذا الدعاء يستحبُّ أيضًا في كل طوفة. نعم هو في الأُولى آكد كما صرح به في شرح المهذب، وَلْيَقُلْ قُبَالَةَ الْبَابِ، أي جهته:[اللَّهُمَّ إنَّ إلْبَيتَ بَيْتُكَ، وَالْحَرَمُ حَرَمُكَ، وَالأَمْنُ أَمْنُكَ، وَهَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِنَ النَّارِ]، وهذا الدعاء ذكره الجويني وزاد هذا بعد (اللَّهُمَّ)، وكذا هو في الْمُحَرَّرِ، قال: ويُشير بلفظه هذا إلى مقام إبراهيم، وقال غيره: يشير إلى نفسه أي

(1093) رواه الشافعي في الأُم: باب ما يقال عند استلام الركن: ج 2 ص 170؛ وسنده ضعيف. ولفظه قال: أُخبِرتُ أنَّ بَعْضَ أصْحَابِ رَسُول اللهِ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ كَيفَ نَقُولُ إِذَا اسْتَلَمْنَاهُ؟ قالَ: [قُولُواْ بِسْمِ اللهِ، وَاللهُ أَكْبَرُ

].

ص: 604

هذا مقام الملتجئ المستعيذ بك من النار، وَبَيْنَ الْيَمَانِيَّينِ:[الَّلهُمَّ آتِنَا في الدُّنيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وِقِنَا عَذَابَ النَّارِ] للاتباع (1094) لكن بلفظ (رَبَّنَا) بدل (الَّلهُمَّ) وكذا هو لفظ الْمُحَرَّر، فلا أدري لِمَ غيَّره، نعم روى أبو داود من حديث ابن عباس رضي الله عنه رفعه [مَا مَرَرْتُ بِالرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ إِلَّا وَعِنْدَهُ مَلَكٌ يُنَادِي آمِيْنَ آمِيْن، فَإِذَا مَرَرْتُمْ بِهِ فَقُولُواْ: اللَّهُمَّ آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَة وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً

إلى آخره] (1095)، وَلْيَدْعُ بِمَا شَاءَ، رجاء الإجابة، وَمَأْثُورُ الدُّعَاءِ، أي منقوله، أَفْضَلُ مِنَ الْقِرَاءَةِ، للتأسي، وَهِيَ أَفْضَلُ مِن غَيْرِ مَأثُورِهِ، لأن الموضع موضع ذكر والقرآن أفضل الذكر كما نقله الشيخ أبو حامد عن النص، وَأَن يَرْمُلَ فِي الأشْوَاطِ الثَّلَاثةِ الأُوْلَى، أي مستوعبًا لها: بِأَنَّ يُسْرِعَ مَشْيَهُ مُقَارِبًا خُطَاهُ وَيَمْشِي في الْبَاقِي، أي على هيئته كما صرح به في الْمُحَرَّرِ للاتباع (1096)؛ فإن تركَهُ كُرِهَ؛ نص عليه؛ كما نقله صاحب التقريب.

فَرْعٌ: لا فرق في استحباب الرَّمْلِ بَيْنَ الرَّاكِبِ والمحمولِ وغيرهما على الأظهر، فيرمل به الحامل ويحرك هو الدابة.

(1094) لحديث عبد الله بن السائب قال: سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ مَا بَيْنَ الرُّكْنينِ: [رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً؛ وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ]. رواه أبو داود في السنن: باب الدعاء في الطواف: الحديث (1892). والنسائي في السنن الكبرى: كتاب الحج: باب القول بين الركنين: الحديث (3934/ 1). وابن حبان في الإحسان بترتيب الصحيح: الحديث (3815).

(1095)

لم أجدهُ في السنن لأبي داود؛ ووجد الحديث من رواية ابى هريرة في السنن لابن ماجه. ولفظه: عن عطاء حدثني أبو هريرة؛ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ: [وُكّلَ بِهِ سَبْعُونَ مَلَكًا. فَمَنْ قَالَ: الَّلهُمَّ إِنِّى أسْأَلُكَ الْعَفوَ وَالْعَافِيَةَ في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِى الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، قَالُوا: آمِيْنَ]. رواه ابن ماجة في السنن: الحديث (2957)، وقال السندى: وذكر الدميري ما يدلُّ على أنَّه حديث غير محفوظ.

(1096)

لحديث ابن عباس رضي الله عنهما؛ (أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابَهُ اعْتَمَرُواْ مِنَ االجُعْرَانَةِ فَرَمَلُواْ بالْبَيْتِ، وَجَعَلُواْ أرْدِيَتَهُمْ تَحْتَ ابَاطِهِمْ قَدْ قَذَفُوهَا عَلَى عَوَاتِقِهِمُ الْيُسْرَى)، رواه أَبو داود في السنن: الحديث (1884)، وإسناده صحيح.

ص: 605

فَائِدَةٌ: المختارُ عند المصنف في شرح المهذب: أنَّه لا يُكره تسمية الطواف شوطًا؛ كما نطق به هنا تبعًا لِلمُحَرَّرِ، وكذا نطق به ابن عباس رضي الله عنه في الصحيح؛ وإن نقل عن الشافعي رحمه الله والأصحاب الكراهة؛ لأن الشوطَ هو الهلاكُ.

وَيَخْتَصَّ الرَّمْلُ بِطَوَافٍ يَعْقُبُهُ سَعْيٌ، لانتهائه إلى تواصل الحركات بين الجبلين، وَفِي قَوْلٍ بِطَوَافِ الْقُدُومِ، لأنه أول العهد بالبيت؛ فيليق به النشاط والاهتزاز؛ ولا رَمْلَ في طواف الوداع لانتفاء المعنيين، ويرمل من قدم مكة معتمرًا لوجودهما، وأما الحاج فإن كان مكيًا فيرمل على الأول دون الثانى، وإن كان أفاقيا فيرمل إن دخل مكة بعد الوقوف، وإن دخلها قبله فينظر إن أراد السعى بعده رمل قطعًا، وإن أراد تأخيره رمل على الثانى دون الأول بل يؤخره إلى طواف الإفاضة، وإذا طاف للقدوم وسعى بعده ولم يرمل فلا يقتضيه في طواف الإفاضة على الأصح، وَليَقُلْ فِيهِ، أي في رمله:[الَّلهُمَّ اجْعَلْهُ حَجًّا مَبْرُورًا، وَذَنْبًا مَغْفُورًا، وَسَعْيًا مَشْكُورًا] للاتباع كما ادعاه الرافعي ولم يذكره البيهقي في سننه مع كثرة اطلاعه إلا من كلام الشافعي رحمه الله وهذا في الحاج، وذكرَ الخفافُ في خصاله هذا الدعاء في السعى بين الصفا والمروة؛ وزاد [وَعَمَلًا مَقْبُوْلًا]، أما المعتمر فالذي يناسبه أن يقول:[الَّلهُمَّ اجْعَلْهَا حَجَّةً مَبْرُورَةً]، ويغتفر التعبير بالحج إرادة لأصله وهو القصد، وسكت المصنف عما يقول في الأربعة الأخيرة تبعًا للرافعى؛ وَنَصَّ الشَّافِعِيُّ رحمه الله والأصحابُ على أنَّه يستحب أن يقول فيها:[رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَتَجَاوَزْ عَمَّا تَعْلَمْ إِنَّكَ أَنْتَ الأعَزُّ الأَكْرَمْ اللَّهُمَّ رَبنَا آتِنَا بِالدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِى الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ].

وَأَنْ يَضْطَبِعَ فِي جَمِيع كُلِّ طَوَافٍ يَرْمُلُ فِيهِ، للاتباع (1097) وقوله جميع أشار

(1097) لحديث يعلى بن أمية؛ رضي الله عنه؛ قال: (طَافَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مُضْطَبِعًا بِبُردٍ أَخْضَرَ). رواه أبو داود في السنن: باب الاضطباع: الحديث (1883). والترمذي في الجامع: كتاب الحج: باب ما جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف مضطبعًا: الحديث (859)، وقال: هذا حديث حسن صحيح ولفظه: (وَعَلَيْهِ بُردٌ). وابن ماجه في السنن: باب الاضطباع: الحديث (2954).

ص: 606

به إلى أن الرمل والاضطباع وإن كانا متلازمين لكن الرمل يختص بالطوفات الثلاثة الأُول والاضطباع مستحب في السبعة (1098)، وَكَذَا فِي السَّعْي عَلَى الصَّحِيح، لأنه أحد الطوافين فأشبه الطواف بالبيت، والثانى: لا، لعدم وُروده.

فَرْعٌ: لا يُسَنُّ (1099) في ركعتي الطواف على الأصح لكراهة الاضطباع في الصلاة، وَهُوَ، أي الاضطباع، جَعْلُ وَسَطِ رِدَائِهِ تَحْتَ مَنكِبِهِ الأيْمَنِ وَطَرَفَيْهِ عَلَى الأَيْسَرِ، ويبقى منكبه الأيمن مكشوفًا كدأب أهل الشطارة، وسمِّى بذلك؛ لأنه افتعال من الضّبع بإسكان الموحدة وهو العضد.

وَلَا تَرْمُلُ المَرْأَةُ وَلَا تَضطَبِعُ، لأنهما يقدحان في الستر وليست المرأة من أهل الجَلَد؛ والخنثى كالمرأة، وَأَنَّ يَقْرُبَ مِنَ الْبَيتِ، لشرفه، ونقل بعض من ألَّف في المناسك عن أصحابنا أنَّه يجعل بينه وبين البيت قَدْرَ ثلاث خطوات ليكون خارجًا عن الشاذروان وهو نقل غريب عنهم، نعم إن تأذى بالزحمة أو آذى غيره فالبُعْدُ أَولى، ونقل البندنيجي عن نصه في الأُم: أنَّه يستحب الاستلام في أول الطواف وآخره وإن تأذى في الزحام أو أوذي، وهذا كله خاص بالرجل، أما المرأة فالبُعْدُ لها أنضل إلا في خلوة المطاف، فَلَوْ فَاتَ الرَّمَلُ بِالْقُرْبِ لِزَحْمَةٍ فَالرَّمَلُ مَعَ بُعْدٍ أَوْلَى، لأن القربَ فضيلةٌ متعلقةٌ بمكانِ العبادةِ، والرَّمْلُ فضيلةٌ متعلقة بنفس العبادة والمتعلق بنفس العبادة أَولى بالمحافظة، ألا ترى أن الصلاة بالجماعة في البيت أفضل من الانفراد في المسجد وهذا كله إذا كان لا يرجو فرجة، فإن رجاها وقف ليرمل فيها؛ كذا قيده في الروضة تبعًا للرافعي، إِلَّا أنْ يَخَافَ صَدْمَ النِّسَاءِ، أي بأن كُنَّ في حاشية المطاف، فَالْقُرْبُ بِلَا رَمَلٍ أَوْلَى، تحرزًا من مصادمتهنَّ وملامستهنَّ، وَأَنْ يِوَالِيَ

(1098) لحديث ابن عمر رضي الله عنهما؛ (أَنَّ رَسُولَ اللهِ كَانَ إِذَا طَافَ في الْحَجِّ أَوِ الْعُمْرَةِ؛ أوَّلَ مَا يَقْدَمُ سَعَى ثَلَاثَةَ أَطْوَافٍ وَمَشَى أَرْبَعَةً؛ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَينِ). رواه البخاري في الصحيح: الحديث (1616) وفي رواية: (يَخُبُّ ثَلَاثَةَ أطْوَافٍ وَيَمْشِي أَرْبَعَةً): الحديث (1617).

(1099)

أيْ: الاضْطِبَاعُ.

ص: 607

طَوَافَهُ، خروجًا من الخلاف الآتى في وجوبه، وَأَنْ يُصَلِّيَ بَعْدَة رَكْعَتَيْنِ خَلْفَ الْمَقَامِ، للاتباع (1100) فإن لم يفعلهما خلفه ففي الحجر تحت الميزاب وإلا ففي المسجد وإلا فحيث شاء من الحرم وغيره، ولو صلى فريضة أجزأته عنهما كتحية المسجد الحرام، وكلام المصنف يشعر بأن فعلهما خلف المقام أفضل من فعلهما في الكعبة وفيه وقفة لكن يساعده الاتباع.

فَائِدَة: قال الشيخ عز الدين: الصلاة عند البيت إلى وجهه أفضل من سائر الجهات.

يَقْرَأُ في الأُوْلَى {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} وَفِي الثَّانِيَةِ الإِخلَاصَ، للاتباع (1101) ، وَيَجْهَرُ لَيلًا، كغيرها وهذا إذا خلا بنفسه وإلا فالتوسط بين الجهر والإسرار أَولى فيما يظهر لئلا يشوِّش على غيره، ومن طلوع الفجر إلى طلوع الشمس نهارًا لا ليلًا ويجهر فيهما أيضًا في الجهريات كما نبه عليه في الروضة في بابه، وَفِي قَوْلٍ: تَجِبُ الْمُوَالَاةُ وَالصَّلَاةُ، لأنه عليه الصلاة والسلام أتى بهما وقال:[خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ](1102) والأصح استحبابهما وقد قال عَلَيْهِ أَفضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ لذلك

(1100) لحديث ابن عمر رضى الله عنهما؛ وقد تقدم في الرقم (1098).

(1101)

عن جابر بن عبد الله رضى الله عنهما؛ فِي حَجِّ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ:(حَتَّى إِذَا أَتَيْنَا الْبَيْتَ مَعَهُ؛ اسْتَلَمَ الرُّكْنَ فَرَمَلَ ثَلَاثًا؛ وَمَشَى أَرْبَعًا؛ ثُمَّ تَقَدَّمَ إِلَى مَقَامِ إِبْرَاهِيْمَ عليه السلام؛ فَقَرأ: {وَاتَّخِذُواْ مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلَّى} فَجَعَلَ المَقَامَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ؛ قَالَ: - أي جعفر بن محمد عن أبيه - وَلَا أَعْلَمُهُ ذَكَرَهُ إِلَّا عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ بِـ: {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ} و {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْبَيْتِ فَاسْتَلَمَ الرُّكْنَ). رواه البيهقي في السنن الكبرى: باب ركعتي الطواف: الحديث (9406)، وقال: رواه مسلم في الصحيح؛ وهو كما قال في كتاب الحج: باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم: الحديث (147/ 1218).

(1102)

الحديث عن جابر رضي الله عنه؛ قالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَرمِي عَلَى رَاحِلَتِهِ يَوْمَ النَّحْرِ؛ وَيَقُولُ: [لِتَأْخُذُواْ مَنَاسِكَكُمْ؛ فَإنِّي لَا أَدْرِى لَعَلِّي لَا أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتِى هَذِهِ]. رواه مسلم في الصحيح: باب استحباب رمي جمرة العقبة: الحديث (310/ 1297). وأبو داود في =

ص: 608

السائل: هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا؟ قَالَ: [لَا؛ إِلَّا أَنْ تَطَوَّعَ](1103) والخلاف هنا في الموالاة كالخلاف في الموالاة في الوضوء؛ لأن كل واحد منهما عبادة يجوز أن يتخللها ما ليس منها بخلاف الصلاة والتفريق اليسير بعذر لا يضر.

فَرْعٌ: الخلاف في وجوب ركعتي الطواف محله إذا كان فرضًا؛ فإن كان سُنَّة فطريقان أحدهما: طرد القولين وصححه صاحب البيان، والثاني: القطع بأن الصلاةَ سُنَّةٌ؛ وصححه الإمام وغيره.

وَلَوْ حَمَلَ الْحَلَالُ مُحْرِمًا وَطَافَ بِهِ حُسِبَ لِلْمَحْمُولِ، أي بشرطه كما لو ركب دابة، وقولي بشرطه ليتناول دخول وقته واجتماع شرائطه. وما ذكره ظاهر فيما إذا لم ينو الحامل شيئًا، أو نوى الطواف عن المحمول له، أما إذا نواه لنفسه فينبغي أن يقع عن الحامل، وَكَذا لَوْ حَمَلَهُ مُحْرِمٌ قَد طَافَ عَنْ نَفْسِهِ، أي بشرطه لأنه لا طواف عليه إذًا (•)، وَإِلَّا، أي وإن لم يطف، فَالأَصَحُّ أَنَّهُ إِن قَصَدَهُ لِلْمَحْمُولِ فَلَهُ، أي خاصة تنزيلًا للحامل منزلة الدابة، والثاني: أنَّه للحامل خاصة؛ كما إذا أحرم عن غيره وعليه فرضه، والثالث: أنَّه يحسب لهما جميعًا، لأن أحدهما قد دار والآخر قد دِيْرَ به، وَإنْ قَصَدَهُ لِنَفْسِهِ أَوْلَهُمَا فَلِلْحَامِلِ فَقَطْ، لأن الفعل صدر منه ولم يصرفه عن نفسه؛ وقيل: للمحمول؛ لأنه دار به.

فَرْعٌ: لو لم يقصد واحدًا من الأقسام الثلاثة فهو كما لو قصد نفسه أو كليهما.

فَرْعٌ: لو نَوَى كُلُّ واحدٍ الطَّوَافَ لِنَفْسِهِ فَالأَصَحُّ وُقُوعُهُ لِلْحَامِلِ، وثانيها: للمحمول، وثالثها: لهما، ذكره في شرح المهذب وأهمله الرافعى وهو في التنبيه.

خَاتِمَةٌ: رُوي أنَّه صلى الله عليه وسلم قال: [مَنْ طَافَ بِهَذَا الْبَيْتِ فَأَحْصَاهُ كَانَ كَعَتْقِ رَقَبَةٍ]

السنن: باب في رمى الجمار: الحديث (1970). والنسائي في السنن: كتاب المناسك: باب الركوب إلى الجمار: ج 5 ص 270.

(1103)

تقدم في الرقم (729).

(•) في نسخة (3) العبارة على النحو الآتى: أي بشرطهِ لأنه طوافٌ عليهِ أداؤُهُ.

ص: 609

وعنه أنَّه صلى الله عليه وسلم قال: [إِنَّ الطَّائِف لَا يَرْفَعُ قَدَمًا وَلَا يَضَعُ قَدَمًا إِلَّا حَطَّ الله تَعَالَى عَنْهُ بِهَا خَطِيْئَةً وَكَتَبَ لَهُ بِهَا حَسَنَةً وَرَفَعَ لَهُ بِهَا دَرَجَةً](1104) وعنه صلى الله عليه وسلم: [أَنَّهُ جُعِلَ فِي رَكْعَتَي الطَّوَافِ ثَوَابَ عَتْقِ رَقَبَةٍ].

فَصْلٌ: يَسْتَلِمُ الْحَجَرَ بَعْدَ الطَّوَافِ وَصَلَاتِهِ، ثُمَّ يَخْرُجُ مِنْ بَابِ الصَّفَا لِلسَّعْي، وَشَرْطُهُ أَنْ يَبْدَأَ بالصَّفَا، وَأَنْ يَسْعَى سَبْعًا: ذِهَابُهُ مِنَ الصَّفَا إِلَى الْمَرْوَةِ مَرَّةٌ، وَعَوْدُهُ مِنْهَا إِلَيْهِ أُخْرَى، للاتباع.

فَائِدَةٌ: كان ابن عمر رضي الله عنهما لا يخرج من المسجد الحرام حتَّى يستلمَ الرُّكْنَ في طواف كان أو غير طواف؛ ونقل مثل ذلك عن جماعة من علماء التابعين.

وَأَن يَسْعَى بَعْدَ طَوَافِ رُكْنٍ أَو قُدُومٍ بِحَيْثُ لَا يَتَخَلَّلُ بَيْنَهُمَا، أي بين السعي وطواف القدوم، الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ، بالإجماع، ونقل صاحب البيان عن الشيخ أبي نصر: أنَّه يجوز لمن أحرم بالحج من مكة إذا طاف للوداع لخروحه إلى منى أن يقدم السعي بعد هذا الطواف، قال الصنف في شرح المهذب: ولم أرَ لغيره ما يوافقه. قُلْتُ: ظاهر إطلاق صاحب الخصال من قدماء أصحابنا يوافقه؛ فإنه قال: إذَا وَقعَ السَّعْىُ بَعْدَ طَوافٍ بإحرامٍ أجزأَهُ سواء كان الطواف فرضًا أو نفلًا قبل عرفة أو بعدها، هذا لفظهُ ومنه نقلتهُ، ثم رأيت في المجاملي في آخر المناسك من تحريره نقل عن نص الشافعي رضي الله عنه في البويطي أنَّه قال: وإذا أراد الخروج من مكة إلى الحج فأُحب أن يودع البيت فيطوف ويسعى ويصلي ركعتين. وهذا شاهد لما حكاه صاحب البيان لكن راجعت البويطي فلم أرَ فيه ذلك وهذا لفظه؛ ومن نسختين منه نَقَلْتُ. فإذا أراد التوجه إلى عرفة توجه يوم التروية قبل الظهر وطاف بالبيت سبعًا للوداع ثم أهلَّ بالحجِّ متوجهًا من المسجد.

(1104) عن ابن عمر رضى الله عنهما؛ قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: [مَن طَافَ بِالْبَيْتِ أُسْبوْعًا لَا يَضَعُ قَدَمًا، وَلَا يَرْفَعُ أُخْرَى إِلَّا حَطَّ اللَّهُ عَنْهُ بِهَا خَطِيْئَةَ وَكَتَبَ لَهُ بِهَا حَسَنَةً وَرَفَعَ لَهُ بِهَا دَرَجَةً]. رواه ابن حبان في الإحسان: الحديث (3689).

ص: 610

وَمَنْ سَعَى بَعْدَ قُدُومٍ لَمْ يُعِدْهُ، أي بعد طواف الإفاضة لأن السعى ليس قربة في نفسه كالوقوف بخلاف الطواف فإنه عبادة يتقرب بها وحدها، فإن أعاده فخلاف الأَولى، وقيل: مكروه، ورأيتُ في فتاوى القفال: أنَّه يستحب إعادته ثم ذكر بعده أن الشرع لم يرد بفعله ثانيًا وهذا تناقض.

وُيُسْتَحَبُّ، أي للرجل، أَنْ يَرْقَى عَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ قَدْرَ قَامَةٍ، للاتباع (1105) أما المرأة فلا ترقى طلبًا للستر؛ قاله صاحب التنبيه؛ وهو من زوائده على الرافعي والروضة، والظاهرُ أن الخنثى مِثْلُهَا، فَإِذَا رَقِيَ قَالَ: {الله أَكبَرُ الله أَكْبَرُ الله أَكْبَرُ وَللَّهِ الْحَمْدُ، الله أَكْبَرُ عَلَى مَا هَدَانَا وَالْحَمْدُ للهِ عَلَى مَا أَوْلانَا، لَا إلَهَ إِلَّا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحِيِي وُيُمِيتُ بِيَدِهِ الْخَيْرُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ]، للاتباع (1106) بنحوه ولم أرَ فيه قوله بيده الخير، ثُمَّ يَدْعُو بِمَا شَاءَ دِيْنًا ودُنْيَا. قُلْتُ: وَيُعِيدُ الذِّكْرَ وَالدُّعَاءَ ثَانِيًا وَثَالِثًا، للاتباع، وَاللهُ أَعْلَمُ، وقيل: لا يعيدُ الدعاءَ في المرة الثالثَّة وبه جزم الرافعي، وَأنْ يَمْشِيَ أَوَّلَ السَّعْىِ وَآخِرَهُ، أي على هيئته، وَيَعْدُوْ في الْوَسَطِ، أي يسعى سعيًا شديدًا فوق الرمل كما ذكره في شرح المهذب للاتباع، وَمَوْضِعُ النَّوْعَيْنِ مَعْرُوفٌ، أي موضع المشي

(1105) وعن جابر رضي الله عنه في حديثه الطويل في الباب، (لَمَّا بَدَأَ بِالصَّفَا وَرَقَى عَلَيْهِ حَتَّى رَأى الْبَيْتَ اسْتَقبَلَ الْقِبْلَةَ، فَوَحَّدَ الله وَكَبَّرَهُ

الحديث). رواه مسلم في الصحيح: باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم، وقد تقدم.

(1106)

للحديث السالف، وفي رواية لأبي داود في السنن: باب صفة حجة النبي صلى الله عليه وسلم: الحديث (1905). والنسائي في السنن: كتاب المناسك: باب الذكر والدعاء على الصفا: ج 5 ص 241 بعد قوله: [لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الْحَمدُ يُحِيي وَيُمِيْتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيْرٌ]. وكذلك لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لَا إِلَهَ إِلَّا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمَّدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيْرُ] رواه الترمذي في الجامع: كتاب الدعوات: باب دعاء يوم عرفة: الحديث (3585)، وقال: حسن غريب. وإسناده ليس بالقوى عند أهل الحديث.

ص: 611

والعَدْوِ؛ فإن العَدْوَ يكون قبل وصوله إلى الميل الأخضر وهو العمود المبني في ركن السجد بقدر ستة أذرع إلى أَنَّ يتوسط بين العمودين المعروفين وما عدا ذلك فهو محل السعى.

فَرْعٌ: المرأة تمشى ولا تسعى وكذا الخنثى.

فَرْعٌ: لَم يتعرض المصنف هنا لاشتراط الستر والطهارة كما تعرض له في الطواف؛ والأمر كذلك فإنهما مستحبان لا واجبان.

فَرْعٌ: تستحب الموالاة فيه وكذا بينه وبين الطواف.

فَرْعٌ: يستحب أن يكون ماشيًا، فإن ركب كره إلَّا لعذر؛ نصَّ عليه كما نقله الترمذي؛ ووقع في شرح المهذب نقل الاتفاق على عدم الكراهة.

فَائِدَةٌ: روى سعيد بن منصور عن أنس أنَّه قال: (إِنَّ الطَّوَافَ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةَ يَعْدِلُ عِتْقَ سَبْعِيْنَ رَقَبَةً).

فَصْلٌ: يَسْتَحَبُّ لِلإِمَامِ أَوْ مَنْصُوبِهِ أَن يَخْطُبَ بِمَكَّةَ في سَابِعِ ذِي الْحِجَّةِ بَعْدَ صَلَاةِ الظُّهْرِ خُطْبَةً فَرْدَةً، يَأْمُرُهُمْ فِيهَا بِالْغُدُوِّ إِلَى مِنًى، وَيُعَلِّمُهُمْ مَا أَمَامَهُمْ مِنَ الْمَنَاسِكِ، للاتباع (1107)، ويأمر المتمتعين أن يطوفوا للوداع قبل الخروج، قال في الروضة تبعًا للرافعي؛ قال في شرح المهذب: وهذا الطواف مستحب لهم ليس بواجب، قُلْتُ: والمكيُّ؛ كالمتمتع كما نقله بعد ذلك في شرح المهذب عن الشافعي رحمه الله والأصحاب.

فَرْعٌ: لو توجهوا إلى الموقف قبل دخول مكة استحب لإمامهم أن يفعل كما

(1107) عن نافع عن ابن عمر رضى الله عنهما؛ قال: (كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم؛ إِذَا كَانَ قَبْلَ التَّروِيَةِ بِيَوْمٍ؛ خَطَبَ النَّاسَ، فَأَخْبَرَهُمْ بِمَنَاسِكِهِمْ). رواه الحاكم في المستدرك: كتاب المناسك: الحديث (1693/ 85)، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي قال: صحيح.

ص: 612

يفعل بمكة لو دخلها قالهُ الْمُحِبُّ الطبَرِيُّ رحمه الله.

وَيَخْرُجُ بِهِمْ مِنَ الْغَدِ إِلَى مِنًى، أي بعد صلاة الصبح وقبل الظهر، وَيَبِيتُونَ بِهَا، فَإِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ، أي على ثبير (•)، قَصَدُوا عَرَفَاتٍ. قُلْتُ: وَلَا يَدْخُلُونَهَا بَلْ يُقِيمُون بِنَمِرَةَ بِقُرْبِ عَرَفَاتٍ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ، وَالله أَعْلَمْ، للاتباع، ثُمَّ يَخْطُبُ الإِمَامْ، أي بمسجد إبراهيم وصدره من عُرَنَةَ (•) وآخره من عرفات، بَعْدَ الزَّوَالِ خُطْبَتَيْنِ، للاتباع، ثُمَّ يُصَلِّي بِالنَّاسِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمْعًا، للاتباع وهذا الجمع بسبب السفر لا بسبب النسك فلا يجوز للمقيم، وَيَقِفُواْ، أي الإمام والناس، بِعَرَفَةَ إِلَى الْغُرُوبِ، للاتباع، وَيَذْكُرُونَ اللهَ تَعَالَى ويدْعُوهُ، وَيُكْثِرُواْ التَّهْلِيلِ، لقوله عليه الصلاة والسلام:[خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيِونَ مِنْ قَبْلِى: لَا إِلَهَ إِلَّا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيْرُ] رواه الترمذي وحسنه مع الغرابة (1108)، وفي كتاب الدعوات للمستغفري من حديث ابن عباس رضي الله عنه مرفوعًا:[مَنْ قَرَأَ {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ} أَلْفَ مَرَّةٍ يَوْمَ عَرَفَةَ أُعْطِىَ مَا سَأَلَ]، وفي كتاب فضائل الأوقات للبيهقي من حديث حسين بن عبد الله عن عكرمة عن ابن عباس قال:[رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَدْعُو بعَرَفَةَ يَدَاهُ إِلَى صَدْرِهِ كَاسْتِطْعَامِ الْمِسْكِينِ](1109).

فَرْعٌ: يستحب العتق والصدقة بعرفة؛ كما رأيته في الخصال لأبي بكر الخفاف.

فَائِدَةٌ: ليحسن الواقفُ الظنَّ بالله سبحانه وتعالى؛ فقد نظر الفضيل بن عياض

(•) ثبيرٌ: جبل بمكة.

(•) عَرَنَةَ: وهو وادٍ بقرب عرفات.

(1108)

رواه الترمذي في الجامع: كتاب الدعوات: الحديث (3585) وتقدم آنفًا؛ وقال: حسن غريب، وإسناده ليس بالقوي عند أهل الحديث.

(1109)

في مجمع الزوائد ومنبع الفوائد: كتاب الأدعية: باب ما جاء في الإشارة في الدعاء: ج 10 ص 168: قال ابن حجر الهيثمي: رواه الطبرانى في الأوسط وفيه الحسين بن عبد الله بن عبيد الله وهو ضعيف.

ص: 613

إلى بكاء الناس بعرفة فقال: أرأيتم لو أن هؤلاء صاروا إلى رجل واحد فسألوه دانقًا أكان يردهم؟ فقالوا: لا والله فقال: واللهِ للمغفرة عند الله أهون من إجابة رجل بدانق. وينبغى ألا يشتغل في ذلك اليوم بغير الله تعالى، ورأى سالم بن عمر رضي الله عنه سائلًا يسأل الناس فقال: يَا عَاجِزُ أَيُسْأَلُ فِي هَذَا الْيَوْمِ غَيْرُ اللهِ تَعَالَى. وصحَّ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ: [مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يَعْتِقَ الله فِيْهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ مِن يَوْمِ عَرَفَةَ وَإِنَّهُ يُبَاهِي بِهِمُ الْمَلًائِكَةَ](1110).

فَإِذَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ قَصَدُوأ مُزْدَلِفَةَ؛ وَأَخرُوا الْمَغْرِبَ لِيُصَلُّوهَا مَعَ الْعِشَاءِ بِمُزْدَلِفَةَ جَمْعًا، للاتباع (1111) ويكون قبلَ حَطِّ الرِّحَالِ بها إنْ تَيَسَّرَ، ونصَّ الشافعى رحمه الله في الأُم والإملاءِ على أنه لو خاف فوت وقت الاختيار جمع في الطريق وتابعه جماعات، قال في شرح المهذب: ولعل إطلاق الأكثرين يحمل عليه، وهذا الجمع بسبب السفر لا النسك كما تقدم في عرفة.

فَائِدَةٌ: قال صاحب الخصال: يقول عند منصرفه من عرفة: [اللَّهُمَّ إِلَيْكَ أَقْبَلْتُ وَمِنْ عَذَابِكَ أَشْفَقْتُ، اللَّهُمَّ اقْبَلْ نُسُكِي وَأَعْظِمْ أَجْرِي] وقال الإمام أحمد رضي الله عنه: إذا أفضت من عرفة فهلِّلْ وَكَبِّرْ وَلَبِّ وَقُلْ: [اللَّهُمَّ إِلَيْكَ أَفَضْتُ وَإِلَيْكَ رَغِبْتُ وَمِنْكَ

(1110) رواه النسائى في السنن: كتاب المناسك: باب ما ذكر في يوم عرفة: ج 5 ص 251 - 252. ومسلم في الصحيح: باب فضل الحج والعمرة: الحديث (436/ 1348). وإسناده عن عائشة رضى الله عنها.

(1111)

• لحديث أبى أيوب الأنصاري رضي الله عنه؛ (أنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم جَمَعَ فِى حَجَّةِ الْوَدَاعِ الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بالْمُزْدلِفَةِ). رواه البخاري في الصحيح: باب من جمع بينهما: الحديث (1674)، ومن رواية ابن عمر رضي الله عنهما؛ قال:(جَمَعَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِجَمْعٍ. كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنهُمَا بِإِقَامَةٍ وَلَمْ يُسَبِّحْ بَيْنَهُمَا، ولا عَلَى إِثْرِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنهُمَا). رواه البخارى: الحديث (1673).

• أما دليل التأخير؛ فلحديث ابن مسعود رضي الله عنه؛ قال: (مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم صَلَّى صَلًاةً إلَّا لِمِيْقَاتِهَا إِلَّا صَلَاتَيْنِ صَلاةَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِجَمْعٍ وَصَلَّى الْفَجْرَ يَوْمَئِذٍ قَبْلَ مِيْقَاتِهَا) رواه مسلم في الصحيح: الحديث (292/ 1289).

ص: 614

رَهِبْتُ فَاقْبَلْ نُسُكِي وَأَعْظِمْ أَجرِي وَتَقَبَّلْ تَوْبْتِى وَارْحَمْ تَضَرُّعِى وَاسْتَجِبْ دُعَائِى وَأَعْطِنِى سُؤْلِي].

وَوَاجبُ الْوُقُوفِ حُضُورُهُ بِجُزءٍ مِنْ أَرْضِ عَرَفَاتٍ، لقوله صلى الله عليه وسلم:[وَقَفْتُ هَا هُنَا وَعَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ] رواه مسلم (1112)، وأما الدليل على وجوب الوقوف فسيأتى، وَإِن كَان مَارًا فِي طَلَبِ آبِقٍ وَنَحْوِهِ، أي ولا يشترط المكث وكذا لو حضرها وهو لا يعلم أنَّهَا عرفة، وأشار بقوله (فِي طلَبِ آبِقٍ وَنَحْوِهِ) إلى أن صرفَهُ إلى جهةٍ أخرى لا يقدح، قال الإمام: ولم يذكروا فيه الخلاف في صرف الطواف إلى جهة أخرى، قال: ولعل الفرق أن الطواف قربة مستقلة بخلاف الوقوف، قال: ولا يمنع طرد الخلاف فيه إذا صُرِفَ قصدًا عن جهةِ النُّسُكِ، قال: ولكن الظاهر أنه لا يجزي.

يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ أَهْلًا لِلْعِبَادَةِ لا مُغْمَى عَلَيْهِ، لعدم أهليته لها؛ ولهذا لا يجزيه الصوم إذا كان مغمى عليه طول نهاره، وقيل: يجزيه اكتفاءً بالحضور، ووقع في الروضة وشرح المهذب أن الرافعي صحح هذا؛ ثم اعترض عليه؛ وتبعه ابن الرفعة والقمولي وهو سهوٌ؛ فالذي في الرافعي: أنه جزم أولًا بعدم الإجزاء؛ ثم حكى الوجه الآخر بأنه يجزيه؛ وكذا هو في الشرح الصغير أيضًا.

فَرْعٌ: المجنون أَولى بعدم الإجزاء من المغمى عليه؛ ولذلك حذفه المصنف وإن صرح به في الْمُحَرَّرِ قال في التتمة: لكن يقع نفلًا كحجِّ الصبيِّ الذي لا يميز.

فرْعٌ: السكران كالمغمى عليه.

ولا بَأْسَ بِالنْوْمِ، أي المستغرق لحضوره، وَوَقْتُ الْوُقُوفِ مِنَ الزَّوَالِ يَوْمُ عَرَفَةَ، لأنه عليه الصلاة والسلام وقف بعده وقال:[خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ](1113) لكن لم

(1112) عن جابر رضي الله عنه؛ قال: أنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: [نَحَرْتُ هَهُنَا وَمِنَى كُلُّهَا مَنْحَرٌ؛ فَانْحَرُوا فِي رِحَالِكُمْ. وَوَقَفْتُ هَهُنَا وَعَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ. وَوَقَفْتُ هَهُنَا وَجَمْعٌ كُلُّهَا مَوْقِفٌ]. رواه مسلم في الصحيح: باب ما جاء أن عرفة كلها موقف: الحديث (149/ 1218). وأبو داود في السنن: الحديث (1935 - 1937).

(1113)

تقدم في الرقم (1102).

ص: 615

يقف إلّا بعد أن خطب خطبتين وصلى الظهر والعصر، فينبغى اعتبار قَدْرَ مُضِيِّهِمَا كما قال الأصحاب بمثله في دخول وقت الأضحية، وَالصَّحِيحُ بَقَاؤُهُ إِلَى الْفَجْرِ يَوْمَ النَّحْرِ، لقوله عليه أفضل الصلاة والسلام:[مَنْ أَدْرَكَ مَعَنَا هَذِهَ الصَّلاةَ وَأَتَى عَرَفَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ وَقَضَى تَفَثَهُ] وصحَّحَهُ الأئمةُ الترمذي وابن حبان والحاكم (1114) وهو من قواعد الإسلام، وقوله عليه الصلاة والسلام:[الْحَجُّ عَرَفَةٌ؛ مَنْ جَاءَ لَيْلَة جَمْعٍ قَبْلَ صلاة الصُّبْحِ فَقَدْ أَدْرَكَ حَجَّهُ] صححه ابن حبان والحاكم (1115)، وهو أُمُّ المناسك، والثاني: يخرج بالغروب لعمله عليه الصلاة والسلام، والثالث: إن أحرم نهارًا جاز الوقوف ليلًا وإلّا فلا، وَلَوْ وَقَفَ نَهَارًا ثُمَّ فَارَقَ عَرَفَةَ قَبْلَ الْغُرُوبِ وَلَمْ يَعُدْ أَرَاقَ دَمًا اسْتِحْبَابًا، للحديث السالف فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ، وَفِي قَوْلٍ: يَجبُ، لأنه نُسُكٌ؛ وقد صحَّ عن ابن عباس:[مَنْ تَرَكَ نُسُكًا فَعَلَيْهِ دَمٌ](1116). وأصَل هذا الخلاف أنه هل يجب الجمع بين الليل والنهار على من

(1114) عن عُروةَ بْنِ مُضَرِّسٍ الطَّائِيِّ؛ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالْمَوْقِفِ- يعني بِجُمَعٍ- قُلْتُ: جِئْتُ يَا رَسُولَ اللهِ مِنْ جَبَلِ طَيْءٍ؛ أَكْلَلْتُ قَطِيَّتِي، وَأَتْعَبْتُ نَفْسِى، وَاللهِ مَا تَرَكْتُ مِنْ حبلٍ - ما ارتفع من الرمال - إلَّا وَقَفْتُ عَلَيْهِ؛ فَهَل لِي حَجٌّ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:[مَنْ أَدْرَكَ مَعَنَا هَذِهِ الصلاة وَأَتَى عَرَفَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ وَقَضَى تَفَثَهُ]. رواه أبو داود في السنن: باب من لم يدرك عرفات: الحديث (1950). والترمذي في الجامع مع الصحيح: باب فيمن أدرك الإمام بجمع: الحديث (891)، وقال: هذا حديث حسن صحيح. والنسائى في السنن: كتاب المناسك: باب من لم يدرك صلاة الصبح مع الإمام بالمزدلفة: ج 5 ص 263. وابن حبان في الإحسان بترتيب الصحيح: باب الوقوف بعرفة: الحديث (3839). والحاكم في المستدرك: الحديث (1701/ 93)، وقال: هذا حديث صحيح على شرط كافة الأئمة، وهى قاعدة من قواعد الإسلام، وقد أمسك عن إخراجه الشيخان. ووافقه الذهبي قال: صحيح.

(1115)

رواه ابن حبان في الإحسان بترتيب الصحيح: باب رمى الجمار: ذكر الأخبار عن وصف أيام منى: الحديث (3881). والحاكم في المستدرك: الحديث (1703/ 95)، وقال في التلخيص: صحيح.

(1116)

رواه مالك في الموطأ: باب ما يفعل من نَسِيَ من نسكه شيئًا: الحديث (240): ج 1 =

ص: 616

تمكن منه أم لا، فيه خلاف؛ وصحح ابن الصلاح الوجوب وتبعه النووي في مناسكه، وعند المالكية: أنَّ من خرج من عرفة قبل الغروب ولم يعد إليها حتى طلع الفجر من ليلة النحر فاته الحجُّ، وَإِنْ عَادَ فَكَانَ بِهَا عِنْدَ الْغُرُوبِ فَلا دَمَ، لأنه جمع بين الليل والنهار، وَكَذَا إِنْ عَادَ لَيْلًا فِي الأَصَحِّ، لما قلناه وصحح في شرح المهذب القطع به، والثانى: يجب؛ لأن الوارد هو الجمع بين آخر النهار وأول الليل، وَلَوْ وَقَفُواْ الْيَوْمَ الْعَاشِرَ غَلَطًا، أي بأن غُمُّ هلالُ ذي الحجة فأكملوا عدة ذي القعدة ثم قامت بيّنة على رؤيته ليلة الثلاثين، أَجْزَأَهُمْ، بالاتفاق، ولأَنه لا يُؤْمَنُ وقوع مثله في القضاء، إِلَّا أَن يَقِلُّواْ عَلى خِلَافِ الْعَادَةِ فَيَقْضُون فِي الأَصَحِّ، لانتفاء المشقة العامة، والثاني: لا قضاء؛ لأنهم لم يأمنوا مثله في القضاء، وَإِنْ وَقَفُواْ فِي الثَّامِنِ وَعَلِمُواْ قَبْلَ الْوُقُوفِ، فوت الوقت، وَجَبَ الوُقُوفُ فِي الْوَقْتِ، تداركًا له، وَإِنْ عَلِمُواْ بَعْدَهُ وَجَبَ الْقَضَاءُ فِي الأَصَحِّ، أي بخلاف الغلط في التأخير، لأن تأخير العبادة عن الوقت أقرب إلى الاحتساب من تقديمها عليه.

فَصْلٌ: وَيَبِيتُونَ بِمُزْدَلِفَةَ، للاتباع (1117) والمرادُ المكث بها وإن لم ينم، ويستحب الإكثار في هذه الليلة من التلاوة والذكر والدعاء والصلاة، وَمَنْ دَفَعَ مِنْهَا بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ، أي بعذر وغيره، أَوْ قَبْلَهُ وَعَادَ قَبْلَ الْفَجْرِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، أما في الأُولى: فلأَنَّ سودة وأُم سلمة أفاضتا في النصف الأخير بإذنه صلى الله عليه وسلم ولم يأمرهما بالدم؛

= ص 419. وقال: مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ هَدْيًا؛ فَلَا يَكُونُ إِلَّا بِمَكَّةَ. وَمَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ نُسُكًا، فَهُوَ يَكُونُ حَيْثُ أَحَبَّ صَاحِبُ النُّسُكِ. والبيهقى في السنن الكبرى: باب من ترك شيئًا من الرمى: الحديث (9786).

(1117)

لحديث جابر في الحج وغيره، ثم لحديث عبد الرحمن بن يعمر الديلى رضي الله عنه السالف، قال: شَهِدْتُ النَّبِيَّ بِعَرَفَةَ وَأَتَاهُ نَاسٌ مِنْ نَجْدٍ، فَأَمَرُوا رَجُلًا فَسَأَلَهُ عَنِ الحَجِّ؛ فَقَالَ:[الْحَجُّ عَرَفَةُ؛ مَنْ جَاءَ لَيْلَةَ جُمْعٍ قَبْلَ صلاة الْفَجْرِ فَقَدْ أَدْرَكَ. أَيَّامُ مِنَى ثَلَاثُ أَيَّامٍ؛ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِى يَوْمَيْنِ فلا إِثْمَ عَليْهِ، وَمَنْ تَأَخَّرَ فلا إِثمَ عَلَيْهِ]. ثُمَّ أَرْدَفَ رَجُلًا فَجَعَلَ يُنَادِي بِهَا فِى النَّاسِ. وقد تقدم في الرقم (1190).

ص: 617

ولا النَّفَر الَّذِينَ كانوا معهما (1118)، وأما في الثانية: فكما لو دُفع من عرفة قبل الغروب ثم عاد إليها قبل الفجر، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ بِهَا فِي النِّصْفِ الثَّانِي، أي ساعة منه سواء كان بها فِي النصف الأول أو لم يكن، أَرَاقَ دَمًا، وَفِي وُجُوبِهِ الْقَوْلانِ، أي المتقدمان في الفصل الذي قبله فيما إذا فارق عرفة قبل الغروب ولم يعد، ومقتضى هذا ترجيح استحبابه كالمبيت بمنى ليلة عرفة، لكن الصحيح عند المصنف في الروضة وغيرها وجوبه بل القوِيُّ رُكْنِيَّتُهُ مِنْ حَيْثُ الدَّلِيْلِ، وعبارة الخفاف من أصحابنا في خصاله المبيت بمزدلفة سُنَّة ليس من الأركان والدَّمُ ينوب عنه قال: وكذا المبيت بمنى هذا لفظه، وشرط وجوب الدَّمِ أن يكون الترك لغير عذر، وأما أصحاب الأعذار فلا دَمَ عليهم، ومنهم من انتهى إلى عرفة ليلة النحر واشتغل بالوقوف عن مزدلفة، وكذا من أفاض من عرفة إلى مكة وطاف للافاضة بعد نصف الليل ففات المبيت لذلك على ما قاله القفال وصاحب التقريب وفيه احتمال للإمام لعدم الضرورة إلى ذلك، وفي معناهم المرأة تخاف أن تحيض.

ويُسَنُّ تَقْدِيمُ النِّسَاءِ وَالضَّعَفَةِ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ إِلَى مِنًى، وَيَبْقَى غَيْرُهُمْ حَتَّى يُصَلُّواْ الصُّبْحَ مُغَلِّسِينَ ثُمَّ يُدْفَعُون إِلَى مِنًى، للاتباع (1119)، وَيَأخُذُون مِنْ مُزْدَلِفَةَ

(1118) • عن عائشة رضي الله عنها؛ قالت: (اِسْتَأْذَنَتْ سَوْدَةُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَيلَةَ جَمْعٍ- وَكَانَتْ ثَقِيْلَة ثَبِطَة- فَأَذِنَ لَهَا). رواه البخاري في الصحيح: باب من قدَّم ضَعَفةَ أهله بليل: الحديث (1680). ومسلم في الصحيح: الحديث (295/ 1290).

• وعن ابن عباس رضي الله عنهما؛ قال: (أَنَا مِمَّنْ قَدَّمَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةَ الْمُزْدَلِفَةِ فِى ضَعَفَةِ أَهْلِهِ). رواه البخاري في الصحيح: الحديث (1678). ومسلم في الصحيح: الحديث (300/ 1293).

(1119)

لما تقدم ولحديث ابن عمر رضىِ الله عنهما؛ أَنَّهُ كَانَ يُقَدِّمُ ضَعَفَةَ أَهْلِهِ فَيَقِفُونَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ بِالْمُزْدَلِفَةِ بِلَيْلٍ، فَيَذكُرُونَ الله مَا بَدَا لَهُمْ، ثُمَّ يَرْجِعُونَ قَبْلَ أَنْ يَقَفَ الإِمَامُ وَقَبْلَ أَنْ يَدْفَعَ، فَمِنْهُنم مَنْ يَقْدَمُ مِنَى لِصَلاةِ الْفَجْرِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقْدَمُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَإِذَا قَدِمُوا رَمَوُا الْجَمْرَةَ. وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ:(أَرْخَصَ فِى أوْلَئِكَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم). رواه البخارى في الصحيح: الحديث (1676) ومسلم في الصحيح: الحديث (304/ 1295).

ص: 618

حَصَى الرَّمْيِ، لأن بها جبلًا في أحجاره رخاوة، قلت: والمنقول أنه صلى الله عليه وسلم لما دخل مُحَسِّرًا وهو من مِنى قال: [عَلَيْكُمْ بِحَصَى الْحَذْفِ الَّذِي تُرْمَي بِهِ الْجَمْرَةُ] أخرجه مسلم (1120) وهو يدل على الأخذ من وادي مُحَسَّرٍ وهو أول منى، وفي سنن النسائي وابن ماجه وصحيحي ابن حبان والحاكم من حديث ابن عباس أنه عليه الصلاة والسلام قال له غداة العقبة وهو على راحلته:[هَاتِ القُطْ لِى حَصًى] فلقطت له حصيات هن حصيات الحذف، وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين فلا ينبغى أن يعدل عن ذلك (1121).

فَرْعٌ: يأخذ سبعًا ليوم النحر، وقيل: الكل؛ وهو ظاهر إيراد المصنف.

فَرْعٌ: يأخذها ليلًا قبل صلاة الصبح، وقيل: بعد الصلاة؛ وهو المنصوص، وصريح الحديث السالف قال صاحب الخصال من أصحابنا: ويشدها في ردائه.

فَإِذَا بَلَغُواْ الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ، وَقَفُواْ وَدَعَوْا إِلَى الإِسْفَارِ، للاتباع، ويجتهد في الدعاء ويكثر من الدعاء والعتق والتقرب إلى الله تعالى؛ ذكره صاحب الخصال قال ويقول:[هَذَا جَمْعٌ وَاسْأَلُكَ أَنْ تَرْزُقَنِي جَوَامِعَ الْخَيْرِ كُلِّهِ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيْرٌ وَأَسْأَلُكَ الْخَيْرَ كُلَّهُ عَاجِلَهُ وَآجِلَهُ اللَّهُمَّ إِنَّ هَذَا الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ فَاعْتِقْنِي وَأَوْسِعْ عَلَيَّ مِنْ رِزْقِكَ الْحَلَالِ].

(1120) رواه مسلم في الصحيح: باب استحباب إدامة الحاج للتلبية: الحديث (268/ 1282).

(1121)

الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما؛ قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم غَدَاةَ الْعَقَبَةِ وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ: [هَاتِ القُطْ لِي] فَلَقطْتُ لَهُ حَصَيَاتٍ هُنَّ حَصَى الْحَذْفِ. فَلَمَّا وَضَعْتُهُنَّ فِى يَدِهَ، قَالَ:[بِأمْثَالِ هَؤُلاءِ؛ وَإِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ؛ فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ الْغُلُوُّ فِى الدِّينِ]. رواه النسائي في السنن: باب التقاط الحصَى: ج 5 ص 268. وابن ماجه في السنن: باب قدر حصى الرمي: الحديث (3029). وابن حبان في الإحسان بترتيب الصحيح: الحديث (3860). والحاكم في المستدرك: الحديث (1711/ 103)، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين. ووافقه الذهبي قال: على شرط البخاري ومسلم.

ص: 619

فَرْعٌ: هذا الوقوف سُنَّة ويكتفى فيه بالمرور كما فِى عرفة قاله القاضي؛ ويتأدى بكل موضع من المزدلفة؛ وقيل: يختص بالمشعر الحرام.

ثُمَّ يَسِيرُونَ، أي بسكينةٍ ووقارٍ، فإذا وجدوا فرجة أسرعوا فإذا بلغوا محسرًا وهو مسيلُ ماءٍ فاصلٌ بين مزدلفةَ ومِنَى أسرعوا قَدْرَ رَمْيَةِ حَجَرٍ مخالفة للنصارى فإنه كان موقفهم ويسمى وادي النار أيضًا؛ لأنه يقال: إن رجلًا صاد فيه صيدًا فنزلت عليه نار فأحرقته (1122)، فَيَصِلُونَ مِنًى بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فَيَرْمِي كُلُّ شَخْصٍ حِينَئِذٍ سَبْعَ حَصَيَاتٍ إِلَى جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ، للاتباع (1123)، وَيُحْسَنُ إذا وصل إلى منى أن يقول ما روي عن بعض السلف:[اللَّهُمَ هَذِهِ مِنَى قَدْ أَتَيْتُهَا وَأَنَا عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ أَسْأَلُكَ أَنْ تَمُنَّ عَليَّ بِمَا مَنَنْتَ بِهِ عَلَى أَوْلِيَائِكَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْحِرْمَانِ وَالْمُصِيْبَةِ فِي دِيْنِي يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ].

فَائِدَةٌ: روى عن ابن مسعود وابن عمر رضى الله عنهما أنهما لَمَّا رَمَيَا جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ قالا: [اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ حَجًّا مَبْرُوْرًا وَذَنْبًا مَغْفُوْرًا].

فَرْعٌ: الأصحُّ عند المصنف في كيفية الرميِّ أن يجعل مكة عنْ يسارهِ ومِنَى عن يمينهِ ويستقبل الجمرة، وجزم الرافعي بأنه يستقبل الجمرة ويستدبر الكعبة.

وَيَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ عِنْدَ ابْتِدَاءِ الرَّمْي، لأنه عليه الصلاة والسلام [لَمْ يَزَلْ يُلَبِّى حَتَّى رَمَاهَا] متفق عليه (1124) من حديث الفضل بن عباس والمعنى: أنها شعارُ الإحرامِ، والرَّمْىُ أَخْذٌ في التحلُّلِ والانصراف، ثم لا يختص قطع التلبية بابتداء الرمى،

(1122) قُلْتُ: ما ينبغى لمثله، مثل هذا الاستدلال، لأن الدين رواية، ومثل هذا الفعل من الحج عبادة، والأصل فيه التوقيف على الرواية. والله أعلم.

(1123)

لما تقدم في الرقم (1121) من حديث ابن عباس رضى الله عنهما.

(1124)

عن ابن عباس رضى الله عنهما (أَنَّ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ رضى الله عنهما كَانَ رِدْفَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِن عَرَفَةَ إِلَى الْمُزْدَلِفَةِ، ثُمَّ أَرْدَفَ الفَضْلَ مِنَ الْمُزْدَلِفَةِ إِلَى مِنَى؛ قَالَ: فَكِلاهُمَا قَالا: لَمْ يَزَلِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُلَبِّى حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ). رواه البخاري في الصحيح: باب التلبية: الحديث (1686 و 1687). ومسلم في الصحيح: الحديث (267/ 1281).

ص: 620

بل متى شرع في باقى أسباب التحلل، وهو الحلق والطواف قطعها إذا قدمه على الرمي لما قلناه، وكذا يقطعها المعتمر إذا افتتح الطواف؛ لأنه من أسباب تحللها.

وَيُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ؛ ثُمَّ يَذْبَحُ مَنْ مَعَهُ هَدْيٌ؛ ثُمَّ يَحْلِقُ، للاتباع (1125) والمراد فعل الحلق بنفسه وبغيره، أَوْ يُقَصِّرُ، لقيامه مقامه كما سيأتى، وَالْحَلْقُ أَفْضَلُ، بالإجماع (1126)، قال الخفاف من قدماء أصحابنا في كتاب الخصال: وسُنَنُهُ ثمانِ خِصَالٍ: حلقُ الجميع في حق الرجال دون النساء؛ وأن يكون بعد كمال الرمي؛ وأن لا يشارط عليه؛ وأن يجلس مستقبل القبلة؛ وأن يبدأ بشقه الأيمن؛ وأن يبلغ إلى العظمين مِن الأصداغ؛ وأن يُكبِّرَ بعد فراغه من ذلك؛ وأن يأخذ شيئًا من ظفره بعد فراغه؛ وأن يقول عند فراغه [اللَّهُمَّ آتِنِي بِكُلِّ شَعْرَةٍ حَسَنَةً وَارْفَعْ لِي بِهَا دَرَجَةً وَاغْفِرْ لِي وَلِلْمُحَلِّقِيْنَ وَالْمُقَصِّرِيْنَ وِلِجَمِيْعِ الْمُسْلِمِيْنَ] قال: ويستحب أن يتناول شيئًا من الطيب.

وَتُقَصِّرُ الْمَرْأَةُ، لأنَّ حَلْقَ رَأْسِهَا مُثْلَةً (1127) واستثنى اللَّخمى من المالكية من

(1125) لحديث أنس بن مالك رضي الله عنه؛ (أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَتَى مِنَى، فَأَتَى الْجَمْرَةَ فَرَمَاهَا؛ ثُمَّ أَتَى مَنْزِلَهُ بِمِنَى وَنَحَرَ، ثُمَّ قَالَ لِلْحَلَّاقِ: [خُذْ] وَأَشَارَ إِلَى جَانِبِهِ الأَيْمَنِ ثُمَّ الأَيْسَرِ، ثُمَّ جَعَلَ يُعْطِيْهِ النَّاسَ). رراه مسلم في الصحيح: الحديث (323/ 1305). ورواه البخاري مختصرًا في الصحيح: كتاب الوضوء: الحديث (170 و 171).

(1126)

• لحديث ابن عمر رضى الله عنهما قال: (حَلَقَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِى حَجَّتِهِ) أي في حجة الوداع. رواه البخاري في الصحيح: باب الحلق والتقصير: الحديث (1726).

• وعنه أيضًا؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: [اللَّهُمَّ ارْحَمِ المُحَلِّقِيْنَ] قَالُواْ: وَالْمُقَصِّرِيْنَ يَا رَسُولَ اللهِ. قال: [اللَّهُمَّ ارْحَمِ المُحَلِّقِيْنَ]. قَالُوا: وَالْمُقَصِّرِيْنَ يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: [وَالْمُقَصِّرِيْنَ]. رواه البخاري في الصحيح: الحديث (1727 و 1728).

(1127)

لحديث ابن عباس رضى الله عنهما؛ قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: [لَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ الْحَلْقُ، إِنَّمَا عَلَى النِّسَاءِ التَّقْصِيْرُ]. رراه أبو داود في السنن: كتاب المناسك: باب الحلق والتقصير: الحديث (1984) و (1985)، قال ابن الملقن في التحفة: رواه أبو داود ولم يضعفه؛ وهو حديث ضعيف منقطع. قلت: قال ابن حجر العسقلانى: رواه =

ص: 621

ذلك الصغيرة وهو ظاهر.

فَرْعٌ: الخنثى كالمرأة.

وَالْحَلْقُ، أي والتقصير، نُسُكٌ عَلَى الْمَشْهُورِ، أي فيثاب عليه؛ لأنه أفضل من التقصير ولا تفضيل في المباحات وروي عنه صلى الله عليه وسلم قال:[إِنَّ لِمَنْ حَلَقَ رَأْسَهُ بِكُلِّ شَعْرَةٍ سَقَطَتْ مِنْ رَأْسِهِ نُوْرًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ] رواه ابن حبان في صحيحه (1128)، كما سلف أول الباب وعلى هذا هو ركن، وقيل: واجب، والثانى: أنه استباحة محظور لا يثاب عليه كالطيب واللباس، وَأَقَلُّهُ ثَلاثُ شَعْرَاتٍ، لأنها أقل مسمّى الجمع؛ وقد قام الإجماع على عدم وجوب الاستيعاب وسواء المسترسل وغيره على الأصح ولو كان له شعرة أو ثنتان وجب إزالتهما ذكره في البيان ولا يرد على المصنف لندرته.

فَرْعٌ: لَوْ حَلَقَ ثَلاثَ شَعَرَاتٍ في دفعات فمتقضى ما في أصل الروضة عَدَمُ الإِجْزَاءِ وخالف في شرح المهذب فقال: المذهب الإجزاء مع فوات الفضيلة وهو مقتضى إطلاقه هنا.

حَلْقًا أَوْ تَقْصِيرًا أَوْ نَتْفًا أَوْ إِحْرَاقًا أَوْ قَصًّا، لأن المقصود الإزالة، اللَّهُمَّ إِلَّا إِذَا نَذَرَ الْحَلْقَ فَإِنَّهُ يَتَعَيَّنُ ولا يجزيه غيره، وَمَنْ لا شَعْرَ بِرَأسِهِ، أي بأن حلق ولا شَعْرَ عليهِ أو كان قد حلق واعتمر من ساعته، يُسْتَحَبُّ إِمْرَارُ الْمُوسَى عَلَيْهِ، لما روى الدارقطني والحاكم وصححه على شرط الشيخين من حديث ابن عمر رضى الله عنهما [أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَلَقَ رَأْسَهُ فِى حَجَّةِ الْوَدَاعِ، قَالَ: فَكَانَ النَّاسُ يَحْلُقُونَ

= أبو داود؛ والدارقطني؛ والطبرانى من حديث ابن عباس وإسناده حسن؛ وقواه أبو حاتم في العلل والبخاري في التاريخ وأعله ابن القطان؛ ورد عليه ابن المواق فأصاب. إنتهى من تلخيص الحبير: ج 2 ص 280: الحديث (53) من باب دخول مكة وبقية أعمال الحج. والحديث رواه الدارمى في السنن: باب من قال: ليس على النساء حلق: الحديث (1905).

(1128)

بحثت ما وسعني ولم أجده في صحيح ابن حبان؛ قُلْتُ: ولعله موجود إن شاء الله.

ص: 622

فِى الْحَجِّ ثُمَّ يَعْتَمِرُونَ عِنْدَ النَّفْرِ فَيَقُولُ أَمْرِرْ الْمُوسى عَلَى رَأْسِكَ] (1129) وبالإجماع أيضًا وتشبيهًا بالحالقين كعرض العود على الإناء، وخالف المسح حيث يجب مسح الرأس والحالة هذه لأن الوجوب ثَمَّ تعلق بها وهنا بالشعر، والظاهر أنه إذا كان على بعض رأسه شعر يستحب إمرار الموسى على الباقى وفاءً بالتشبيه، فَإِذَا حَلَقَ أَوْ قَصَّرَ دَخَلَ مَكَّةَ وَطَافَ طَوَافَ الرُّكْنِ، لقوله تعالى:{ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ} (1130) أي وهو الرمى {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} (1054) أي ذبح الهدايا {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} (1054) والإجماع قائم على أن المراد بهذا الطواف هو طواف الإفاضة، واستحب بعضهم أن يشرب بعد ذلك من سقاية العبَّاس؛ لأنه صح أنه صلى الله عليه وسلم[جَاءَ بَعْدَ الإِفَاضَةِ وَهُمْ يَسْتَقُونَ عَلَى زَمْزَمَ فَنَاوَلُوهُ دَلْوًا فَشَرِبَ مِنْهُ](1131).

فَرْعٌ: إذا كان عليه طواف الإفاضة فنوى غيره عن غيره أو عن نفسه تطوعًا أو

(1129) رواه الحاكم في المستدرك: كتاب المناسك: الحديث (1765/ 157)، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. قال الذهبي في التلخيص: على شرط البخارى ومسلم.

(1130)

الحج / 29.

(1131)

• لما جاء في قصة إسلام أبى ذر؛ قال: قُلْتُ: مَا كَانَ لِي طَعَامٌ إِلَّا مَاءُ زَمْزَمَ؛ فَسَمِنْتُ حَتَّى تَكَسَّرَتْ عُكَنُ بَطْنِي، وَمَا أَجِدُ عَلَى كَبِدِي سَخْفَةَ جُوعٍ. قالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:[إِنَّهَا مُبَارَكَةٌ؛ إِنَّهَا طَعَامُ مَنْ طَعِمَ]. رواه مسلم في الصحيح: كتاب فضائل الصحابة: الحديث (132/ 2473).

• ولحديث جابر رضي الله عنه؛ قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: [مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ]. رواه ابن ماجه في السنن: كتاب المناسك: الحديث (3062)، وقال: قال السيوطى في حاشية الكتاب: هذا الحديث مشهور على الألسنة كثيرًا، واختلف الحفاظ فيه، فمنهم من صححه، ومنهم من حسَّنهُ ومنهم من ضعَّفه والمعتمد الأول.

• أما حديث الشرح كما أورده ابن الملقن رحمه الله؛ فرواه الحاكم عن ابن عباس في المستدرك: الحديث (1739/ 131)، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد إن سلم من الجارودي، ووافقه الذهبي. وفي السنن للدارقطني: الحديث (238) من باب المواقيت. والحديث صحيح أو حسن على الخلاف بين القولين.

ص: 623

قدومًا أو وداعًا وقع عن طواف الإفاضة كما في واجب الحج والعمرة، جزم به المصنف في الروضة من زوائده وهو أحد المواضع الذي يتأدى فيه الفرض بنية النفل، ومنها إذا جلس فِي التشهد الأخير يظنه الأول ثم تَذَكَّرَ أَجْزَأَهُ عن الأخير ومنها ما ذكره المصنف في بابه فيما إذا ترك سجدة وكان جلس بنية الاستراحة.

وَسَعَى إِن لَمْ يَكُنْ سَعَى، لأنه أحد أركانه كما سيأتي، ثُمَّ يَعُودُ إِلَى مِنى، للاتباع، وَهَذَا الرَّمْيُ؛ وَالذَّبْحُ؛ وَالْحَلْق؛ وَالطَّوَافُ يُسَنُّ تَرْتِيبُهَا كَمَا ذَكَرْنَا، اقتداءً به صلى الله عليه وسلم فإن غيَّر هذا الترتيب جاز للنص الصحيح فيه، وَيَدْخُلُ وَقْتُهَا، أي وقت الأعمال الأربعة المذكورة، بِنِصْفِ لَيْلَةِ النَّحْرِ، أما الرمى فلحديث عائشَة [أَرْسَلَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم؛ بِأُمِّ سَلَمَةَ لَيْلَةَ النَّحْرِ فَرَمَتِ الْجَمْرَةَ قَبْلَ الْفَجْرِ؛ ثُمَّ مَضَتْ فَأَفَاضَتْ؛ وَكَانَ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي يَكُونُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم (تعني) عِنْدَهَا] رواه أبو داود وصححه الحاكم على شرط مسلم (1132)، وحكى الترمذي عن الشافعي رضي الله عنه: أنه لا يدخل وقته إلا بطلوع الشمس. وهو غريب وفيه حديث صحيح (1133). وأما الطواف والحلق إذا جعلناه نسكًا فبالقياس على الرمي لاشتراك الثلاثة في كونها من أسباب التحلل، نعم جواز هذه الأشياء في هذا الوقت مشروط بتقدم الوقوف عليها، أما الذبح

(1132) رواه أبو داود في السنن: كتاب المناسك: باب التعجيل في جمع: الحديث (1942). ورواه الحاكم في المستدرك: الحديث (1723/ 115)، وقال: صحيح على شرطهما ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي بقوله: على شرط البخاري ومسلم.

(1133)

قال الترمذي في حديث ابن عباس؛ أَنَّ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَدَّمَ ضَعَفَةَ أَهْلِهِ؛ وَفَالَ: [لا تَرْمُوا الْجَمْرَةَ حَتْى تَطْلُعَ الشَّمْسُ] قال: حديث ابن عباس حديث حسن صحيح. وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ. لَمْ يَرَوْا بَأْسًا أَنْ يَتَقَدَّمَ الضَّعَفَةُ مِنَ الْمُزْدَلِفَةِ بِلَيْلٍ، يَصِيرُونَ إِلَى مِنَى. قَالَ أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ بحَدِيثِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم، أَنَّهُمْ لا يَرْمُونَ حَتى تَطْلُعَ الشَّمْسُ. وَرَخَّصَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِى أَن يَرْمُرا بِلَيْلٍ. وَالْعَمَلُ عَلَى حَدِيثِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُمْ لا يَرْمُونَ. وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَالشَّافِعِيِّ

قاله الترمذي في الجامع: باب ما جاء في تقديم الضعفة من جمع بليل: الحديث (893). قُلْتُ: كُلُّ هذا يدخل في قول الرسول محمد صلى الله عليه وسلم: [لا حَرَجَ] كما سيأتى في الحديث اللاحق.

ص: 624

فسيأتي في بابه. وعبارة الخفاف في خصاله في وقت الرمى أن وقته بعد نصف ليلة النحر بقدر ما يأتي من مزدلفة إلى منى، وَيَبْقَى وَقْتُ الرَّمْي إِلَى آخِرِ يَوْمِ النَّحْرِ، لما روى البخاري عن ابن عباس [أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ النَّحْرِ قَالَ: رَمَيْتُ بَعْدَمَا أَمْسَيْتُ، فَقَالَ: لا حَرَجَ] (1134) والمساء يُطلقُ على ما بعد الزوال. وهل يمتد الرمي تلك الليلة؟ فيه وجهان؛ أصحهما في الرافعي والروضة: لا؛ لعدم وروده، والثاني: نعم تشبيهًا بالوقوف، وصححه المصنف في مناسكه الكبرى في الكلام على رمي أيام التشريق، ووقع في موضع من الرافعى: أن وقته من انتصاف ليلة النحر إلى الزوال، وينبغي أن يحمل على وقت الفضيلة وبه صرح الماوردي.

ولا يَخْتَصُّ الذَّبْحُ، أي ذبح الهدايا، بِزَمَنٍ، ولكن يختص بالحرم؛ بخلاف الضحايا فإنها تختص بالعيد وأيام التشريق دون الحرم. قُلْتُ: الصَّحِيحُ اخْتِصَاصُهُ بِوَقْتِ الأُضْحِيَةِ، وَسَيَأْتِي فِي آخِرِ بَابِ مُحَرَّمَاتِ الإِحْرَامِ عَلَى الصَّوَابِ، وَالله أَعْلَمُ، كذا ذكر المصنفُ مثلَ هذا الاعتراض على الرافعى في الروضة وشرح المهذب وهو وارد عليه من جهة أنه أطلق ذكر الهدي هنا ولم يخصه بواجب ولا غيره. ولا شك أن الهدي يطلق على دماء الجبرانات والمحظُورات؛ وهذا لا يختص بزمان قياسًا على الديون وغيرها، ويطلق على ما يسوقه المحرم تقربًا إلى فقراء الحرم وهذا محل الخلاف، والصحيح الاختصاص قياسًا على الأضحية، والثانى: لا قياس على دماء الجبرانات، والقسم الأول هو مُراد الْمُحَرَّرِ هنا، والثاني: هو مراده في آخر باب محرمات الإحرام، فَلَيْسَتَا مَسْأَلَةً وَاحِدَةً ولا تَنَاقُضَ فِى كَلامِهِ وَللهِ الْحَمْدُ، وقد أوضح ذلك الرافعى نَفْسَهُ في كلامهِ على لفظ الوجيز وقد ذكرته بلفظه في الأصل فاستفده.

(1134) الحديث عن ابن عباس رضى الله عنهما؛ قال: (كَانَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم يُسْأَلُ يَوْمَ النَّحْرِ بِمِنَى؛ فَيَقُولُ: [لا حَرَجَ]. فَسَأَلَهُ رَجُلٌ؛ فَقَالَ: حَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَذْبَحَ؟ قَالَ: [اِذْبَحْ ولا حَرَجَ] وَقَالَ: رَمَيْتُ بَعْدَمَا أَمْسَيْتُ؟ فَقَالَ: [لا حَرَجَ]. رواه البخارى في الصحيح: باب إذا رمى بعدما أمسى: الحديث (1735).

ص: 625

والْحَلْقُ وَالطَّوَافُ وَالسَّعْيُ لا آخِرَ لِوَقْتِهَا، لأن الأصل عدم التأقيت لكن ينبغي أن لا يخرج من مكة حتى يطوف، فإن طاف للوداع وخرج وقع عن الزيارة، وإن خرج ولم يطف أصلًا لم تحل له النساء، وإن طال الزمان، قال الرافعى: وقضية قولهم لا يَتَأَقَّتُ آخِرُ الطَّوافِ أنه لا يصيرُ قضاءً، لكن في التتمة: أنه إذا تأخر عن آخر أيام التشريق صار قضاءً.

وَإِذَا قُلْنَا: الْحَلْقَ نُسُكٌ، أي وهو الصحيح كما سلف، فَفَعَلَ اثْنَيْنِ مِنَ الرَّمْي وَالْحَلْقِ وَالطَّوَاف حَصَلَ التَّحَلُّلُ الأوَّلُ، أي وليس للنحر أثر في التحلل؛ لأنه سُنّة، فإن جعلناه استباحة محظور فللتحلل سببان الرمي والطواف، فإذا أتى بأحدهما حصل التحلل الأول، وإن أتى بالثانى حصل الثانى، قال الرافعى: لا بد من السعي بعد الطواف إن لَمْ يَسْعَ قبل، لكنهم لم يفردوه وعدّوه مع الطواف سببًا واحدًا، وَحَلَّ بِهِ، أي بالتحلل الأول، اللُّبْسُ وَالْحَلْقُ وَالْقَلْمُ، أي وكذا سترُ الرَّأْسِ كما ذكره في الْمُحَرَّر يَعْنِى لِلرَّجُلِ؛ وَالْوَجْهُ لِلْمَرْأَةِ وَالطِّيبُ. أما الطِّيْبُ فلأن عائشة [كَانَتْ تُطَيِّبُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لإحْرَامِهِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ وَمَحَلُّهُ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ] أخرجه الشيخان عنها (1135) والباقي قياسًا بجامع ما اشتركا فيه من الاستمتاع، وَكَذَا الصَّيْدُ وَعَقْدُ النِّكَاحِ، أي وكذا المباشرة فيما دون الفرج بشهوة كالقبلة والملامسة، فِي الأَظْهَرِ، لأنها من المحرمات التى لا توجب تعاطيها إفسادًا فاشبهت الحلق، والثانى: التحريم أما في المباشرة وعقد النكاح فلتعلقهما بالنساء. قُلْتُ: الأَظْهَرُ لا يَحِلُّ عَقْدُ النِّكَاحِ، وَالله أَعْلَمُ، هو كما قال.

فَرْعٌ: في التطييب طريقان أشهرهما كما قال الرافعي أنه على القولين، والمذهب الحل؛ بل يستحب بين التحللين لحديث عائشة السالف، والثانية: القطع بالحل ورجحها في شرح المهذب فقال: هى الصحيحة وبها قطع الجمهور وإن كانت الأُولَى باطلةً مُنَابِذَةً لِلسُّنَّة.

(1135) ينظر الرقم (1064).

ص: 626

وَإِذَا فَعَلَ الثَّالِثَ حَصَلَ التَّحَلُّلُ الثَّانِي، وَحَلَّ بِهِ بَاقِي الْمُحَرَّمَاتِ، بالإجماع؛ ويجب عليه الإتيان بما بقى من أعمال الحج وهو الرمى والمبيت مع أنه غير محرم، كما يسلم التسليمة الثانية وإن كان قد خرج من الصلاة بالأُولى.

فَائِدَةٌ: ليس للعمرة إلا تحلل واحد وخالفت الحج، لأن زمنه يطول وأعماله تكثر، فأُبيح بعض محرماته في وقت، وبعضها في آخر بخلافها.

فَصْلٌ: إِذَا عَادَ إِلَى مِنَى بَاتَ بِهَا لَيْلَتَيِ التَّشْرِيقِ، وَرَمَى كُلَّ يَوْمٍ إِلَى الْجَمَرَاتِ الثَّلاثِ كُلَّ جَمْرَةٍ سَبْعَ حَصَيَاتٍ، للاتباع؛ ومال الرافعي إلى ترجيح سُنِّية هذا المبيت ويرد عليه للاتباع، ويُسَنُّ استقبال القبلة في رمي هذه الأيام (1136).

فَرْعٌ: لا يحصل المبيت إلا بمعظم اللَّيل؛ وفِى قول: إن الاعتبار بوقت طلوع الفجر.

فَائِدَتَانِ: الأُوْلَى: أيام التشريق ثلاثة بعد يوم النحر، سميت بذلك لإشراق نهارها بالشمس، ولياليها بالقمر، وقيل: غير ذلك. الثَّانِيَةُ: الجَمرات الثلاث بفتح الجيم وهى معروفة؛ الأُولى: تلي مسجد الخيف وهى أولهن من جهة عرفات؛ وثانيها:

(1136) • لأن العباس استأذن النبي صلى الله عليه وسلم للمبيت بمكة؛ فرخص له؛ عن ابن عمر رضي الله عنهما؛ (أنَّ الْعَبَّاسَ رضي الله عنه؛ اسْتَأْذَنَ النَّبِيِّ لِيَبِيْتَ بِمَكَّةَ لِيَالِيَ مِنى مِنْ أَجْلِ سِقَايَتِهِ، فَأَذِنَ لَهُ). رواه البخاري في الصحيح: باب هلَ يبيت أصحاب السقاية أو غيرهم بمكة ليالي منى؟ الحديث (1743 - 1745).

• أما طريقة الرمى؛ فلحديث ابن مسعود رضي الله عنه؛ أَنَّهُ رَمَى مِنْ بَطْنٍ الْوَادِي. فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنَ يَزِيْدٍ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، إِنَّ نَاسًا يَرمْونَهَا مِنْ فَوْقِهَا، فَقَالَ:(وَالَّذِي لا إِلَهَ غَيْرُهُ، هُنَا مَقَامُ الَّذِى أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ صلى الله عليه وسلم). فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: فَاسْتَبْطَنَ الْوَادِيَ [حَتَّى] انْتَهَى إِلَى الْجَمْرَةِ الْكُبْرَى، جَعَلَ الْبَيْتَ عَنْ يَسَارِهِ وَمِنَى عَنْ يَمِيْنِهِ، حَتَّى حَاذَى بِالشَّجَرَةِ اعْتَرَضَهَا فَرَمَى بِسَبْعٍ حَصَيَاتٍ؛ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ، ثُمَّ قَالَ:(مِنْ هَا هُنَا- وَالَّذِي لا إِلَهَ غَيْرُهُ - قَامَ الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ صلى الله عليه وسلم) أَوْ (هَكَذَا رَمَى الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ صلى الله عليه وسلم). جمعناها من نصوص روايات البخاري في الصحيح: الحديث (1747 - 1750).

ص: 627

الوسطى وهى معروفة بمنى؛ وثالثها: جمرة العقبة وليست من منى، كذا قال أصحابنا وهو غريب في الثالثة، ووقع في المحكم لابن سِيَدَه: أن الجمرات والجمار الحصيات التي يرمى بها في مكة. ويُحمل كلامه على أن مراده بمكة الحرم كما نقله في موضع آخر عن يعقوب.

فَائِدَةٌ ثَالِثَةٌ: روى من حديث أنس أنه عليه الصلاة والسلام قال: [يَغْفِرُ اللهُ بِكُلِّ حَصَاةٍ رَمَاهَا كَبِيْرَةً مِنَ الْكَبَائِرِ الْمُوْبِقَاتِ الْمُوْجِبَاتِ] ومن حديث ابن عمر أَنَّ رجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ رَمْيِ الْجِمَارِ مَا لَنَا فِيْهِ؟ فَقَالَ: [تَجِدُ ذَلِكَ عِنْدَ رَبِّكَ أَحْوَجُ مَا يَكُونُ إِلَيْهِ](1137).

فَائِدَةٌ رَابِعَةٌ: يستحب التبرك بالصلاة في مسجد الخيف بمنى فقد روى أنه صلى في مكانه سبعون نبيًا منهم موسى وأن فيه قبر سبعين نبيًا صلوات الله عليهم، ويقال: إِنَّ مُصَلَّى نبينا عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصلاة وَالسَّلامِ عند الأحجار أَمَامَ الْمَنَارَةِ.

فَإِذَا رَمَى الْيَوْمَ الثَّانِيَ وَأَرَادَ النَّفْرَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ جَازَ، وَسَقَطَ مَبِيتُ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ وَرَمْىُ يَوْمِهَا، أي ولا دم عليه لقوله تعالى {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} (1138)، نعم: الأفضلُ عدم النفر للاتباع إلا لعذر كغلا ونحوه.

فَرْعٌ: قال الروياني: من لا عذر له؛ إذا لم يَبِت ليلتي اليومين الأولين من التشريق ورمى في اليوم الثانى؛ وأراد النفر مع الناس، قال أصحابنا: ليس له ذلك؛ لأنه لا عذر له وإنما جوز ذلك للدعاء، وأهل السقاية للعذر، وجوز لعامة الناس أن ينفروا؛ لأنهم أتوا بمعظم الرمي والمبيت، ومن لا عذر له لم يأت بالمعظم فلم يجز له النفر.

فَإِنْ لَمْ يَنْفُرْ حَتَّى غَرَبَتْ وَجَبَ مَبِيتُهَا وَرَمْيُ الْغَدِ، لما روى مالك فِى الموطأ

(1137) قال الهيثمى في مجمع الزوائد ومنبع الفوائد: باب رمى الجمار: ج 3 ص 260: رواه الطبرانى في الأوسط والكبير وفيه الحجاج بن أرطأة وفيه كلام.

(1138)

البقرة / 203.

ص: 628

عن نافع أن ابن عمر كان يقول: [مَنْ غَرَبَتْ بِهِ الشَّمْسُ مِنْ أَوْسَطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَهُوَ بِمِنى، فلا يَنْفِرَ، حَتَّى يَرْمِيَ الْجِمَارَ مِنَ الْغَدِ](1139) ولا يصح رفعه.

فَرْعٌ: لو ارتحل فغربت قبل انفصاله من منى جاز له النفر، وكذا لو غربت وهو في شغل الارتحال أو نفر قبل الغروب ثم عاد لشغل في الأصح، فلو تبرع فِي هذه الحالة بالمبيت لم يلزمه الرمى في الغد نص عليه.

فَرْعٌ: إذا أوجبنا المبيت فتركه فإن كان مبيت مزدلفة وحدها أراق دمًا، وإن كان مبيت الليالي الثلاث فكذلك على الأظهر، فإن ترك ليلة فالأظهر وجوب مُدٍّ، وقيل: درهم، وقيل: ثُلُثُ دم وإن ترك ليلتين فعلى هذا القياس، وإن ترك الليالي الأربع؛ فالأظهر: وجوب دمين؛ دمٌ للمزدلفة ودمٌ لليالي منى.

فَرْعٌ: التَّارِكُ نَاسِيًا كالعامدِ في وجوبِ الدَّمِ قَالَهُ الدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُ.

تَنْبِيْهٌ: هذا كله فيمن لا عذر له أما من ترك مبيت مزدلفة أو منى لِعُذْرٍ، فلا دم عليه، كما إذا كان له مال يخاف ضياعه أو أمر يخاف فوته أو مريض يحتاج إلى أن يتعهده، وكالمشتغل بعرفة أو الطواف عن مزدلفة كما تقدم وكرعاء الإبل، وأهل سقاية العبّاس فلهم إذا رموا جمرة العقبة يوم النحر أن ينفروا ويَدَعُوا المبيت بمنى ليالي التشريق، وللصنفين جميعًا أن يَدَعُوا رمى يوم ويقضوه في اليوم الذي يليه قبل رمى ذلك اليوم وليس لهم أن يَدَعُوا رمي يومين متواليين.

فَائِدَةٌ: ينبغى لمن نفر من منى أن ينزل بِالْمُحَصَّبِ (•) ويصلي به الظهر والعصر والمغرب والعشاء، ويرقد رقدة ثم يذهب إلى البيت لطواف الوداع للاتباع (1140).

(1139) رواه الإمام مالك في الموطأ: كتاب الحج: باب رمى الجمار: الرقم (214): ج 1 ص 407. بلفظ (مَنْ غَرَبَتْ لَهُ الشَّمْسُ) (فلا يَنْفِرَنَّ). لاحظ.

(•) حُدِّدَ المُحَصَّبُ ما بين الجبلين إلى المقبرة.

(1140)

عن أنس بن مالك رضي الله عنه؛ (أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم صَلى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغرِبَ وَالْعِشَاءَ وَرَقَدَ رَقْدَةً بالْمُحَصَّبِ، ثُمَّ رَكِبَ إلَى الْبَيْتِ فَطَافَ بِهِ). رواه البخاري في الصحيح: =

ص: 629

وَيَدْخُلُ رَمْيُ التَّشْرِيقِ بِزَوَالِ الشَّمْسِ، للاتباع (1141)، ويستحبُّ فعله قبل فعل الظهر كما قدمته في كتاب الصلاة، وجوَّزَ أبو حنيفة وحده الرمى في اليوم الثالث من طلوع الفجر مع الكراهة وخالفاه صاحباه.

وَيَخْرُجُ، أي رمي اليومين الأولين، بِغُرُوبِهَا، لعدم وروده في الليل، وَقِيلَ: يَبْقَى إِلَى الْفَجْرِ، قياسًا على الوقوف بعرفة، أما رمى اليوم الثالث فينقضي بانقضاء يومه قطعًا؛ لانقضاء أيام المناسك، كذا قاله الرافعى، واعلم أنه ذكر أيضًا في كلامه على الرمى أن الأظهر بقاء الوقت إلى آخر أيام التشريق، وظاهره مخالفة ما قاله هنا، وجمع ابن الرفعة بينهما بأن يحمل ذلك على وقت الجواز وهذا على وقت الاختيار، قال: وحينئذ يكون للرمي ثلاثة أوقات فضيلةٌ واختيارٌ وجوازٌ.

وَيُشْتَرَطُ رَمْيُ السَّبْعِ، وَاحِدَةً وَاحِدَةً، للاتباع (1142)، نعم لو رمى بحصاة ثم أخذها ورمى بها وهكذا سبعًا فالأصح الجواز، والثانى: لا؛ وهو ظاهر كلام المصنف، قال الإمام: وهو الأظهر، وقال ابن الصلاح: إنه أقوى. ولو رمى بحصاتين دفعة واحدة أحدهما باليمين والأخرى باليسرى لم تحسب إلا واحدة قطعًا قاله

= كتاب الحج: باب مَنْ صَلَّى العصرَ يوم النَّفْرِ: الحديث (1764).

(1141)

لحديث عائشة رضى الله عنها؛ قالت: (أَفَاضَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ آخِرِ يَوْمِهِ حِيْنَ صَلَّى الظُّهْرَ؛ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مِنًى فَمَكَثَ بِهَا لِيَالِي أَيَّامِ التَّشْرِيْقِ؛ وَرْمِى الْجَمْرَةَ إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ؛ كُلَّ جَمْرَةٍ بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ، يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ، وَيَقِفُ عِندَ الأُوْلَى وَالثَّانِيَةِ؛ فَيُطِيْلُ الْقِيَامَ وَيَتَضَرَّعُ وَيَرْمِي الثَّالِثَةَ ولا يَقِفُ) رواه أبو داود في السنن: باب في رمي الجمار: الحديث (1973). والحاكم في المستدرك: الحديث (1756/ 48)، وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. ووافقه الذهبى في التلخيص قال: على شرط مسلم. وابن حبان في الإحسان: باب رمى جمرة العقبة: الحديث (3857).

(1142)

لحديث جابر وعبد الله بن مسعود وغيرهما من الصحابة رضوان الله عليهم جميعًا، أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم رَمَى بِسَبْع حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ مِنْهَا. وقد تقدم حديث ابن مسعود، أما حديث جابر فرواه مسلم في الصحيح: باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم، وقد تقدم أيضًا في الرقم (1072).

ص: 630

الدارمى، وَتَرْتِيبُ الْجَمَرَاتِ، أي فيرمى الجمرة الأُولى التى تلى مسجد الخيف ثم الوسطى ثم جمرة العقبة للاتباع، فلو عكس اعْتُدَّ له بالأُولى، أعني التي تلى مسجد الخيف، وَكَوْنُ الْمَرْمِيِّ حَجَرًا، للاتباع؛ أيضًا فلا يجزي اللؤلؤ وما ليس بحجر من طبقات الأرض كالنورة والجواهر المنطبعة كالنقدين، وَأَنْ يُسَمَّى رَمْيًا فلا يَكْفِي الْوَضْعُ، لأن المأمور به هو الرمى فلا بد من صدق الاسم، واشتراط الرمى قد علم من قوله قبله، ويشترط رمى السبع فهو تكرار.

فَرْعٌ: يشترط أيضًا قصد الرمى فلو رمى في الهوى فوقع في المرميَّ لا يعتد به.

فَرْعٌ: لا يجزئ الرمى عن القوس ولا الدَّفْعُ بِالرِّجْلِ، لأنَّهُ لا يطلق عليه اسم الرمي.

وَالسُّنَّة أَن يَرْمِيَ بِقَدْرِ حَصَى الْخَذَفِ، اقتداء به عليه الصلاة والسلام قولًا وفعلًا وهو دون الأنملة طولًا وعرضًا في قدر الباقلاء.

فَرْعٌ: جزم الرافعي أنه يرمى على هيئة الحذف والأصح لا.

ولا يُشْتَرَطُ بَقَاءُ الْحَجَرِ فِي الْمَرْمَى، أي حتى لو تدحرج وخرج بعد الوقوع لم يضر، لأن اسم الرمى قد حصل، لكن لا بد أن يقع فيه، فإن شك في وقوعه فالجديد عدم الإجزاء، ولا كَوْنُ الرَّامِي خَارِجًا عَنِ الْجَمْرَةِ، أي حتى لو وقف في طرفها ورمى إلى الطرف الآخر جاز لحصول اسم الرمى، وَمَنْ عَجَزَ عَنِ الرَّمْيِ، أي لمرض أو حبس، اسْتَنَابَ، خشية فواته لضيق وقته ويشترط كون النائب رمى عَنْ نَفْسِهِ وإلّا فيرميه عنه دون المنيب كأصل الحج وأن لا يرجى زوال السبب إلى آخر الوقت فإن رُجِيَ وَوَقْتُ الرَّمْي باقٍ لم يَجُزْ، وَإِذَا تَرَكَ رَمْيَ يَوْمٍ، أي عمدًا أو سهوًا، تَدَارَكَهُ فِي بَاقِي الأَيَّامِ فِي الأَظْهَرِ، كالرعاء أهل السقاية، والثاني: لا، كما لا يتداركه بعد أيام التشريق، والخلاف جار في تدارك رمى جمرة العقبة فيها أيضًا، ولا دَمَ، أي عند التدارك لحصول الجبر بالمأتيِّ به، وإلَّا، أي وإن لم يتداركه، فَعَلَيْهِ دَمٌ، لأنه ترك نسكًا، وقد قال ابن عباس: [مَنْ تَرَكَ نُسُكًا فَعَلَيْهِ

ص: 631

دَمٌ] (1143)، وَالْمَذْهَبُ تَكْمِيلُ الدَّمِ فِي ثَلَاثِ حَصَيَاتٍ، لوقوع اسم الجمع على ذلك، ولا يلزمه زيادة عليه، لو زاد في الترك على الثلاث حتى لو ترك رمى النحر وأيام التشريق يلزمه دم واحد على أصح الأقوال، لاتحاد جنس الرمى فأشبه حلق الرأس، والطريق الثانى: أن الجمرات الثلاث كالشعرات الثلاث فلا تكمل الفدية في بعضها. بل إن ترك جمرة ففيها الأقوال الثلاثة في الشعرة، وإن ترك جمرتين فعلى هذا القياس، وإن ترك حصاة من جمرة فعن صاحب التقريب إن قلنا: في الجمرة ثلث دم، ففي الحصاة جزء من إحدى وعشرين جزءًا من دَمٍ رعايةً للتبعيضِ، وإن قلنا: في الجمرة مُدًّا ودرهم فيحتمل أن يوجب سُبْعَ مُدّ أو سُبْعَ درهم، ويحتمل أن لا يبعضها، والطريق الثالث: أن الدم يكمل بجمرة واحدة، كما يكمل بجمرة العقبة في يوم النحر ولا يكمل بأقل منها، وَاعْلَمْ أنَّ الطريقة الأُوْلى ليست في الشرح الكبير وأسقطها نسيانًا؛ ، لأنه قال: إن الإمام جمع في المسألة طرقًا فذكر ثنتين منها، ولما لم يجد المصنف فِى الروضة إلّا طريقين قال: فيه طريقان.

فَصْلٌ: وَإِذَا أَرَادَ الْخُرُوجَ مِنْ مَكَّةَ، أي بعد قضاء النسك وجميع أشغاله، طَافَ لِلْوَدَاعِ، أي طوافًا كاملًا بركعتيه للاتباع قولًا وفعلًا (1144)، والأقرب في الرافعي أنه ليس من المناسك، وإنما يؤمر به من أراد مفارقة مكة إلى مسافة القصر كما اقتصر عليها الرافعي والمصنف في الروضة، والمناسك وكذا دونها على الأصح في شرح المهذب، مكيًا كان أو أفاقيًا تعظيمًا للحرم، ونصَّ الشافعى رحمه الله في الأُمِّ على أنه من المناسك وبه قطع المحاملي والقاضي، ونصَّ في الإملاء على أنه من الحج والعمرة، قُلْتُ: ويستثنى من ذلك الفرع الآتى عن صاحب البيان، والفرع الآتي بعده أيضًا، فإن الطواف في حقهما مستحب؛ فَتَنَبَّهْ لَهُ. أو يحمل الوجوب هنا على من

(1143) تقدم في الرقم (1116).

(1144)

لحديث ابن عباس رضى الله عنهما؛ قال: كَانَ النَّاسُ يَنْصَرِفُونَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: [لا يَنفِرَنَّ أَحَدٌ حَتَّى يَكُونَ آخِرَ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ]. رواه مسلم في الصحيح: الحديث (379/ 1327).

ص: 632

أراد المفارقة إلى وطنه.

فَرْعٌ: إذا أراد الانصراف إلى بلده من منى لزمه دخول مكة لطواف الوداع أيضًا، إن قلنا بوجوبه؛ ولا يكفيه طواف الوداع يوم النحر بعد طوافه للافاضة على الصحيح في شرح المهذب؛ ومقابله ليس ببعيد لمن اضطر إليه؛ كمن نفر من منى مع الغروب؛ فإنه يشق عليه الوداع بعد ذلك.

فَرْعٌ: قال صاحب البيان: قال الشيخ أبو نصر في المعتمد: ليس على المعتمر الخارج إلى التنعيم وداع ولا دَمَ في تركهِ عندنا، وقال سفيان الثوري: يلزمه، دليلنا أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عبد الرحمن أن يعتمر بعائشة من التنعيم ولم يأمرهما عند ذهابهما إلى التنعيم بوداع.

فَرْعٌ: سبق في فضل الخروج إلى منى أن الإمام يأمر المتمتعين أن يطوفوا للوداع، وإن ذلك على وجه الاستحباب، ونقل المصنف في شرح المهذب عن نصه في البويطي واتفاق الأصحاب على أنه: يستحب لمن أحرم وأراد الخروج إلى عرفات أن يطوف بالبيت ويصلى ركعتين ثم يخرج، قال الشيخ أبو حامد: وهذا يتصور في صورتين وهما المتمتع والمكّي إدا أحرما بالحج من مكة.

ولا يَمْكُثُ بَعْدَهُ، أي لقضاء شغل أو زيارة صديق ونحوهما فإن أقام لنحو ما ذكرناه لم يعتد بطوافه عن الوداع، لأنه حينئذ غير مودع، فلو تشاغل بأسباب الخروج كشراء زاد ونحوه لم يحتج إلى إعادته في الأصح؛ قال في الروضة من زوائده: ولو أُقيمت الصلاة فصلّاها لم يعده، وَهُوَ وَاجِبٌ، لقوله صلى الله عليه وسلم:[لا يَنْفِرَنَّ أَحَدٌ حَتَّى يَكُونَ آخِرَ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ] رواه مسلم من حديث ابن عباس (1145) وفي رواية له وللبخاري أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت؛ إلّا أنه خفف عن المرأة الحائض (1146).

(1145) تقدم في الرقم (1144).

(1146)

• عن ابن عباس رضى الله عنهما؛ قال: (أُمِرَ النَّاسُ أَنْ يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِمْ بِالْبَيْتِ؛ =

ص: 633

يُجْبَرُ تَرْكُهُ بِدَمٍ، طردًا للقاعدة في أن الواجب يُجبر بدم، وَفِي قَوْلٍ: سُنةٌ لا يُجْبَرُ، أي وجوبًا كطواف القدوم، والأوَّل فَرَّق بأن طواف القدوم تحية البقعة وليس مقصودًا في نفسه بخلافه، فَإن أَوْجَبْنَاهُ فَخَرَجَ بِلا وَدَاع وَعَادَ قَبْلَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ سَقَطَ الدَّمُ، كما لو جاوز الميقات غير محرم ثم عاد إليه، أَوْ بَعْدَهَا فلا عَلَى الصَّحِيحِ، قَال في شرح المهذب: وبه قطع الجمهور لاستقراره بالسفر الطويل، ووقوع الطواف بعد العودة حقًا للخروج الثاني كذا علّله الرافعيُّ وهو ماشٍ على ما في الرافعي والروضة من اختصاص الأمر بالوداع بالمسافر سفرًا طويلًا، أما على ما قَدَّمْنَاهُ عن تصحيح شرح المهذب من عدم اختصاصه بذلك فلا، والثاني: يسقط كما لو عاد قبل الانتهاء إليها فلا بد من طوافين على الصحيح؛ ولا يجب العود في الحالة الثانية للمشقة، ويجب من الأُولى على المنصوص، ثم إن أوجبنا العود فعاد سقط الدم، وإن لم يعد؛ لم يسقط، وإن لم نوجبه فلم يعد فعليه دم، وَللْحَائِضِ النَّفْرُ بِلا وَدَاعٍ، للحديث السالف.

فَرْعٌ: لو طَهُرَتْ قبل مفارقة خطة مكة؛ لزمها العودُ والطوافُ، وإن طهرت بعد بلوغها مسافة القصر فلا، وإن لم تبلغ مسافة القصر فالنص أنه لا يلزمها العود، والنص أن المقصر بالترك يلزمه العود والمذهب الفرق كما نص عليه، لأنها مأذونة في الانصراف بخلافه، وقيل: فيهما قولان، فإن قلنا: لا يلزم العود؛ فالنظر إلى نفس مكة أو إلى الحرم وجهان؛ أصحهما مكة.

= إِلَّا أنَّهُ خُفِّفَ عَنِ الحَائِضِ). رواه البخاري في الصحيح؛ باب طواف الوداع: الحديث (1755). ومسلم في الصحيح: باب وجوب طواف الوداع: الحديث (380/ 1328).

• ولحديث عائشة رضى الله عنها؛ قالت: (أنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ حَيِيٍّ زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حَاضَتْ؛ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَ: [أَحَابِسَتُنَا هِيَ؟ ] قَالُوا: إِنَّهَا قَدْ أَفَاضَتْ! قَالَ: [فلا إِذًا]. رواه البخارى في الصحيح: الحديث (1757). وفي رواية مسلم: [فَلْتَنْفِرْ]: الحديث (382/ 1211). ورواه البخارى في كتاب المغازي: باب حجة الوداع: الحديث (4401).

ص: 634

فَرْعٌ: النُّفَسَاءُ في هذا كالحائض، والظاهر أن المعذور كالخائف من ظالم أو خوف لفوت رفقة أو معسر ونحو ذلك كهما.

ويسَنُّ شُرْبُ مِاءِ زَمْزَمَ، لأنها مباركةٌ؛ ولأنها طعام طعم كما أخرجه مسلم وشفاء سقم كما أخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده (1147)، وصحَّ [مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ] كما أوضحته في الأصل، ويروى أن مياه الأرض ترفع قبل يوم القيامة غير زمزم (1148)، وَزِيَارَةُ قَبْرِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ فرَاغ الْحَجِّ، أي يتأكد تأكدًا شديدًا وإلا فزيارته صلى الله عليه وسلم مستحبة في كل وقت قال صلى الله عليه وسلم:[مَنْ زَارَ قَبْرِي وَجَبَتْ لَهُ شَفَاعَتِي] رواه ابن خزيمة (1149).

(1147) • رواه مسلم في الصحيح: كتاب فضائل الصحابة: من فضائل أبى ذر: الحديث (132/ 2473). قال الهيثمي في مجمع الزوائد: ج 3 ص 286: عن أبي ذر قال: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: [زَمْزَمُ طَعَامُ طَعِمٍ؛ وَشِفَاءُ سَقَمٍ]؛ قال: قُلْتُ: في الصحيح منه طعام طعم - رواه البزار والطبراني في الصغير ورجال البزار رجال الصحيح.

• وقال الهيثمي أيضًا: وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [خَيْرُ مَا عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ مَاءُ زَمْزَمَ، فِيْهِ طَعَامُ الطْعِمِ وَشِفَاءُ السَّقِمِ]، وقال: رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات وصححه ابن حبان.

(1148)

حديث [مَاءُ زَمْزَمَ لِمَا شُرِبَ لَهُ] رواه الإمام أحمد في المسند: ج 3 ص 357. وابن ماجه في السنن: كتاب المناسك: الحديث (3062). وقد تقدم في الرقم (1131).

(1149)

• قال السخاوى في المقاصد الحسنة: الحديث (1125): رواه أبو الشيخ وابن أبي الدُّنيا وغيرهما عن ابن عمر؛ وهو في صحيح ابن خزيمة وأشار إلى تضعيفه، وهو عند أبي الشيخ والطبراني وابن عدي والدارقطني والبيهقي ولفظهم: كان كمن زارني في حياتي؛ وضعفه البيهقي، وكذا قال الذهبي: طرقه كلها لينة (أي ضعف ليس بالشديد) لكن يتقوى بعضها ببعض، لأن ما في روايتها متهم بالكذب، قال: ومن أجودها إسنادًا حديث حاطب قال: من زارني بعد موتى فكأنما زارني في حياتي. وأخرحه ابن عساكر وغيره، وللطيالسى عن عمر مرفوعًا: من زار قبري كنت له شفيعًا أو شهيدًا، وقد صنّف السبكي (شفاء السقام في زيارة خير الأنام). إنتهى.=

ص: 635

فَائِدَةٌ: رُوِيَ عَنْ إِبراهِيْمَ النَّخْعِيِّ أَنهُ قَالَ: كَانُواْ إِذَا قَضَواْ حَجَّهُم تَصَدَّقُواْ بِشَىْءٍ؛ وَيَقُولُونَ: اللَّهُمَّ هَذَا عَمَّا لا نَعْلَمُ (•).

فَصْلٌ: أَرْكَانُ الحَجِّ خَمْسَةٌ: الإِحْرَامُ، بالإجماع؛ كما نقله ابن الرفعة لكن قيل: إنه شرط حكاه ابن يونس في التَّنبِيْهِ، وَالْوُقُوفُ، بالإجماع، وَالطَّوَافُ، أي طواف الإفاضة بالإجماع أيضًا، وَالسَّعْيُ، لقوله عليه الصلاة والسلام:[اسْعَوا فَإِنَّ الله كَتَبَ عَلَيْكُمُ السَّعْيَ] أورده الحاكم في مستدركه وابن السكن في سننه الصحاح المأثورة وأجاب ابن عبد البر عمن طعنَ فيه (1150)، وَالحَلْقُ، أي أو التقصير، إِذَا

• رواه الطبراني في المعجم الكبير: الحديث (13497 و 13496) ولفظه [كَمَنْ زَارَنِى فِى حَيَاتِي]. قال الهيثمى في مجمع الزوائد: باب زيارة قبر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: ج 4 ص 2: عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [مَنْ جَاءَنى زَائِرًا لا يَعْلَمُ حَاجَة إِلَّا زِيَارَتِي كَانَ حَقًّا عَلَىَّ أَنْ أَكُونَ لَهُ شَفِيعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ] وقال: رواه الطبرانى في الأوسط والكبير وفيه مسلمة بن سالم وهو ضعيف.

• رواه الدارقطني في السنن: باب المواقيت: الحديث (194) من الباب: وفيه موسى بن هلال العبدي؛ هو شيخ بصري، قال أبو حاتم: مجهول. وقال العقيلى: لا يتابع على حديثه. قال ابن عدى: أرجو أنه لا بأس به. قال الذهبي: هو صالح الحديث وأنكر ما عنده حديثه عن ابن عمر مرفوعًا: [مَن زَارَ قَبْرِي رُجِيَتْ لَهُ شَفَاعَتِي]. والحديث على الغالب ضعيف.

(•) في هامش نسخة (3): بلغ مقابلة حسب الطاقة على نسخة قريت على المصنف وعليها خطه.

(1150)

• عن حبيبة بنت أبى نجراة قالت: كانت لنا صفة في الجاهلية قالت: فاطلعت من كوة بين الصفا والروة فأشرفت على رسول الله وإذ هو يسعى ويقول لأصحابه: [اسْعَوا فَإِنَّ الله كَتَبَ عَلَيْكُمُ السَّعْيَ] قالت: رأيته في شدة السعى يدور الإزار حول بطنه حتى رأيت بياض إبطيه وفخذيه. رواه الحاكم في المستدرك: الحديث (6943/ 2541) والحديث (6944/ 2542) وسكت عنه. قال الذهبي في التلخيص: لم يصح.

• قال الهيثمى في مجمع الزوائد: باب ما جاء في السعي: ج 3 ص 247 - 248: =

ص: 636

جَعَلْنَاهُ نُسُكًا، لما سبق في الباب، فإن جعلناهُ استباحةَ محظورٍ فلا شك في كونه ليس ركنًا، قَال الرافعي: وينبغى أن يعد الترتيب الواجب هنا ركنًا كما عدوه في الوضوء والصلاة، ولا تُجْبَرُ، أي هذه الخمسة، بِدَمٍ، لأن الماهية لا تحصل إلَّا بجميع أركانها، وَمَا سوَى الْوُقُوفِ أَرْكَانٌ فِي الْعُمْرَةِ أَيْضًا، لأنه عليه الصلاة والسلام أتى بها، ولم يرد ما يقتضي الاعتداد بدونها. فكانت أركانًا ويأتى في الحلق ما سلف فِي الحج.

وَيُؤَدَّى النُّسُكَانِ عَلَى أَوْجُهٍ، أي ثلاثة آتية وهو إجماع، ووجه الحصر أنه إنْ قَدَّمَ الْحَجَّ فهو الإِفْرَادُ، أو العُمرةَ فالتمتعُ، أو أتى بهما فهو القِرَانُ على تفصيل، وشروطٍ لبعضها ستأتي، وَيُؤَدَّى النُّسُكُ مِنْ حَيْثُ هُوَ بِالْحَجِّ وحده أو بالعُمرة وحدها على أوجهٍ:

أَحَدُهَا: الإِفْرَادُ، بِأَن يَحُجَّ ثُمَّ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ؛ كَإِحْرَامِ الْمَكِّيِّ وَيَأْتِي بِعَمَلِهَا، أي وكذا إذا أحرم بالعمرة قبل أشهر الحج ثم حج من الميقات، وكذا من لم يحرم إلا بالحج من الميقات في سنته كما صرح بهما القاضي والإمام. وقطعًا يبقى الخلاف

= رواه أحمد والطبرانى في الكبير من رواية عبد الله بن المؤمل؛ وثقه ابن حبان؛ وقال: يخطئ وضعفه جماعة. وقال عن رواية عند أحمد، فيها موسى بن عبيدة وهو ضعيف. وقال عن رواية في المعجم الكبير للطبرانى فيها المثنى بن الصباح قال وثقه ابن معين في رواية وضعفه جماعة.

• رواه الدارقطني في السنن: ج 2 ص 255 - 256: الحديث (84 - 87) وينظر: نصب الراية للزيلعي: ج 3 ص 56 - 57.

• عن جابر رضي الله عنه في حديثه الطويل السالف في الباب: أنه عليه الصلاة والسلام سعى بين الصفا والمروة.

• أما جواب ابن عبد البر؛ فهو في التمهيد لما في الموطأ من المعانى والمسانيد: ج 1 ص 416 - 418: (حديث رابع لجعفر بن محمد): الرقم (35/ 4). وقال: فإن قال قائل: إن عبد الله بن المؤمل ليس ممن يحتج بحديثه لضعفه، وقد انفرد بهذا الحديث، قيل له: هو سيء الحفظ، فلذلك اضطربت روايته عنه؛ وما علمنا له خربة تسقط عدالته

ثم رفع من شأنه وذكر له شواهد.

ص: 637

فيه، وظاهر كلام المصنف بخلاف ذلك، والمراد بإحرام المكي وهو: أن يخرج إلى أدنى الحل كما سلف (1151).

الثانِي: القِرَانُ؛ بِأَن يُحْرِمَ بِهِمَا مِنَ الْمِيقَاتِ وَيَعْمَلَ عَمَلَ الْحَجِّ، لأن أعماله أكثر، فَيَحْصُلانِ، أي يدخل عمل العمرة في الحج ويكفيه طواف واحد، وسعى واحد، لقوله صلى الله عليه وسلم[مَنْ أحْرَمَ بِالحَجِّ وَالْعُمْرَةِ أَجْزَاهُ طَوَافٌ وَاحِدٌ وَسَعْيٌ وَاحِدٌ عَنْهُمَا حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُمَا جَمِيْعًا] صححه الترمذي (1152)، والظاهر أن هذا الطواف للحج فقط والعمرة مُنْغَمِرَةٌ، وقوله (مِنَ الْمِيْقَاتِ) ليس احترازًا من شيء، لأنه لو أحرم بهما من دونه كان قارنًا، بل المراد أنه يحرم بهما معًا. فيتحد ميقاتهما، وقد قدمنا في باب المواقيت أن الأصح أن المكى يحرم بهما من مكة تغليبًا للحج.

وَلَوْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ يَحُجُّ قَبْلَ الطَّوَافِ كَان قَارِنًا، بالإجماع، ولو أحرم بالعمرة قبل أشهر الحج ففى صحة إدخاله عليها وجهان أحدهما: لا،

(1151) • لحديث جابر رضي الله عنه وعائشة رضي الله عنها؛ (أنَّ النبِي صلى الله عليه وسلم أحْرَمَ مُفْرَدًا). حديث جابر رواه مسلم في الصحيح: كتاب الحج: باب بيان وجوه الإحرام: الحديث (143/ 142). وأبو داود في المناسك: الحديث (1785). والنسائى في السنن: باب في المهلة بالعمرة: ج 5 ص 164 ولفظه: [أقْبَلنا مُهِلِّينَ مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم بِحَجٍّ مُفْرَدٍ وَأقْبَلَت عَائِشَةُ مُهِلَّةً بِعُمرَةٍ]. أما حديث عائشة رضي الله عنها؛ رواه مسلم في الصحيح: كتاب الحج: الحديث (122/ 1211).

• ولحديث عائشة رضي الله عنها؛ (خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاع، فَمِنْا مَنْ أَهَلَّ بعُمْرَةٍ، وَمِنَّا مَنْ أهَلَّ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ، وَمِنَّا مَنْ أهَل بِالحَجِّ. وَأهَلَّ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بِالحَجِّ. فَأمَّا مَنْ أهَل بِالحَجِّ أوْ جَمَعَ الْحَجِّ وَالعُمْرَةَ لَمْ يَحِلُّوا حَتَّى كَانَ يَوْمُ النْحْرِ). رواه البخارى في الصحيح: باب التمتع والقران والإفراد: الحديث (1562). ومسلم في الصحيح: الحديث (121/ 1211).

(1152)

رواه الترمذي في الجامع: كتاب الحج: باب ما جَاءَ أنَّ القَارِنَ يَطُوفُ طَوَافًا واحِدًا: الحديث (948) عن ابن عمر. وقال الترمذى: هذا حديث حسن صحيح غريب. وقد رواه غير واحد عن عبيد الله بن عُمَرَ ولم يَرْفَعُوهُ. وهو أصحُّ.

ص: 638

وهو اختيار الشيخ أبى علي وحكاه عن عامة الأصحاب وهو ظاهر كلام المصنف؛ لأنه يؤدي إلى صحة الإحرام بالحج قبل أشهره، لأن القارن في حكم الملابس لإحرام واحد، وأصحهما من زوائد الروضة: نعم؛ لأنه إنما يصير محرمًا بالحج وقت إدخاله، وهو وقت صالح للحج، واحترز بقوله (ثُمَّ يَحُجُّ قَبْلَ الطوَافِ) عما إذا طاف ثم أحرم بالحج؛ فإنه لا يصح؛ لأنه أخذ في أسباب التحلل على أصح المعانى فيه وحكم الشروع في الطواف حكم إكماله.

فَرْعٌ: لو كانت عمرته فاسدة ثم أدخل عليها الحج، فالأصح إنه يصير محرمًا به كما هو ظاهر إطلاق المصنف، وقيل: ينعقد صحيحًا مُجْزِيًا؛ والأصح: لا، بل ينعقد فاسدًا؛ وقيل: صحيحًا ثم يفسد.

ولا يَجُوزُ عَكْسُهُ، أي وهو إدخال العمرة على الحج، فِي الجَدِيدِ، لأنه لا يستفيد به شيئًا آخر، بخلاف إدخال العمرة عليه، فإنه يستفيد به أشياء أُخر كالوقوف؛ والرمي؛ والمبيت، والقديم جوازه، وصححه الإمام كعكسه فيجوز ما لم يشرع في أسباب تحلله.

الثَّالِثُ: التَّمَتعُ؛ بِأَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ مِنْ مِيقَاتِ بَلَدِهِ وَيَفْرُغَ مِنْهَا ثُمَّ يُنْشِئُ حَجًّا مِنْ مَكةِ، لقيام الإجماع على أن الأفاقى إذا فعل ذلك سمّي متمتعًا، وقوله (مِنْ مِيْقَاتِ بَلَدِهِ) أراد به التصور دون الاحتراز، فإن الإحرام من الميقات ليس شرطًا في كونه متمتعًا؛ ولا في وجوب الدم عند الأكثرين. وقوله (يُنْشِئُ حَجًّا مِنْ مَكةِ) ذكره للتصور أيضًا لا للاحتراز، فإنه لو أحرم بالحج من الميقات، فالمشهور أنه متمتع؛ غير أنه لا يلزمه الدم.

وَأَفْضَلُهَا الإِفْرَادُ، أي إذا أحرم بالعمرة في عام الحج؛ لأنَّ رواته أكثر ومجمع على عدم كراهته بخلاف التمتع والقِران، ولعدم وجوب الدم فيه بخلافهما، فإن أخَّر العمرة عن عام الحج؛ فالتمتع والقران أفضل منه، لأن تأخير العمرة عن سنة الحج مكروه، وَبَعْدَهُ التمَتَّعُ ثُمَّ الْقِرَان، لأن المتمتع يأتي بعملين كاملين، غير أنه لا

ص: 639

ينشئ للحج ميقاتًا، بل يحرم به من مكة، ولهذا أفضله الإفراد، فإنه ينشئ لهما ميقاتين. وأما القارنُ فإنه يأتى بعمل واحد من ميقات واحد.

وَفِي قَوْلٍ: التَّمَتُّعُ أَفْضَلُ مِنَ الإفْرَادِ، لأنه أَحَدُ مَا قيل في إحرامه عليه الصلاة والسلام. ولأن فيه مبادرة إلى العمرة؛ فإن فيه تأخيرًا لفعلها فربما مات قبل الفعل، وفي قول ثالث: أن القِران أفضل واختاره المزني وابن المنذر وأبو إسحاق المروزي.

وَعَلَى التمتَّعِ دَمٌ، بالإجماع وهو شاة بصفة الأضحية، ويقوم مقامها سُبْعُ بَدَنَةٍ أو سُبْعُ بَقَرَةٍ، بِشَرْطِ أَن لا يَكُون مِنْ حَاضِري الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، لقوله تعالى {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} (1153)، وَحَاضِرُوهُ مِنْ دُونِ مَرْحَلَتَيْنِ، لأن من قرب من الشيء ودنا منه كان حاضرًا إياه، مِنْ مَكةَ، لأن المسجد الحرام المذكور في الآية الكريمة ليس المراد به حقيقته بالاتفاق، بل الحرم عند بعضهم ومكة عند آخرين، فلا بد من حمله على المجاز، وحمله على مكة أقل تجوزًا من حمله على جميع الحرم.

قُلْتُ: الأَصَحُّ مِنَ الْحَرَمِ، وَالله أَعْلَمُ، لأن كل موضع ذكر الله فيه المسجد الحرام فالمراد به الحرم؛ إلا قوله تعالى {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} (1154) فإن المراد به الكعبة. وخالف طواف الوداع؛ حيث اعتبرت المسافة فيه من مكة على الصحيح، لأن الوداعَ لِلْبَيْتِ فَنَاسَبَ اعتبار مكة، وهنا الآية نَاصَّةٌ على المسجد الحرام والمراد منه الحرم كما سلف فكان الابتداء منه.

وَأَن تَقَعَ عُمْرَتُهُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، لأن العرب كانوا لا يزاحمون الحج بالعمرة في مظنته، ووقت إمكانه؛ ويستنكرون ذلك ويقولون: هو من أفجر الفجور. فورد التمتع رخصة وتخفيفًا، إذ الغريب قد يردُ قبل عرفة بأيام ويشق عليه استدامة الإحرام ولا سبيل إلى مجاوزته بغير إحرام، فجوز له أن يعتمر ويتحلل مع الدم، ولو أحرم

(1153) البقرة / 196.

(1154)

البقرة / 149 و 150.

ص: 640

بها قبل أشهره. وأتى بجميع أعمالها في أشهره فالأظهر لا دَم؛ لأن العمرةَ لم تقع في أشهرِ الحجِّ، وإنما وقع بعضها، إذ النية من جملتها. ولو سبق الإحرام بها وبعض أعمالها أشهره فالخلاف مرتب، والظاهر أنه لا يجب أيضًا، ولو أحرم بها وفرغ منها قبل أشهره لم يلزمه دم لانتفاء ما ذكرناه من المزاحمة، وإن كان متمتعًا على المشهور كما قاله الرافعي في آخر الشروط، مِنْ سَنَتِهِ، أي من سَنَةِ الحجِّ، فلو اعتمر ثم حج في السَّنَةِ القابلة فلا دم عليه، سواء أقام بمكة إلى أن حج أو رجع وعاد لعدم المزاحمة، وَأَنْ لا يَعُودَ لإِحْرَامِ الْحَجِّ إِلَى الْمِيقَاتِ، أي بأن أحرم من نفس مكة واستمر، فلو عاد إلى الميقات الذي أحرم بالعمرة منه، وأحرم بالحج فلا دم؛ لأنه لم يربح ميقاتًا، ولو رجع إلى مثل مسافة ذلك الميقات وأحرم منه فكذلك لا دم عليه، لأن المقصود قطع تلك المسافة محرمًا كما نقله الرافعى عن الجويني وغيره وهو وارد على إطلاق المصنف، ولو عاد إلى ميقات أقرب إلى مكة من ذلك الميقات وأحرم منه، بأن كان ميقات عمرته الجحفة فعاد إلى ذات عرق، فهل هو كالعود إلى ميقات عمرته؟ وجهان أصحهما: نعم. لأنه أحرم من موضع ليس ساكنه من حاضري المسجد الحرام. وَاعْلَمْ: أن هذه الشروط المذكورة معتبرة لوجوب الدم، وهل تعتبر في تسميته تمتعًا؟ وجهان أحدهما: نعم. فلو فات شرط كان مُفْرِدًا، وأشهرهما: لا. ولهذا قال الأصحاب: يصح التمتع والقِران من المكيِّ خلافًا لأبى حنيفة.

وَوَقْتُ وُجُوبِ الدَّمِ إِحْرَامُهُ بِالْحَجِّ، لأنه حينئذ يصير متمتعًا بالعمرة إلى الحج، وَالأَفضَلُ ذبحُهُ يَوْمَ النحْرِ، خروجًا من خلاف الأئمة الثلاثة، فإنهم قالوا: لا يجوز في غيره.

فَرْعٌ: لم يذكر المصنف وقت الجواز، ولا شك أنه لا يجوز قبل الشروع في العمرة قطعًا، ويجوز بعد التحلل منها وقبل الإحرام بالحج على الأظهر، وقيل: يجوز قبل التحلل من العمرة أيضًا.

فإِن عَجَزَ عَنْهُ فِي مَوْضِعِهِ، أي سواء قدر عليه في بلده أم لا، بخلاف كفارة اليمين، لأن الهَديَ يختص ذبحه بالحرم والكفارة لا تختص، والعجز الشرعى كما إذا

ص: 641

وجده بزيادة على ثمن المثل أو كان محتاجًا إليه أو إلى ثمنه أو نحو ذلك كالحسّى، صَامَ عَشْرَةَ أيَّامٍ؛ ثَلاثةً فِي الْحَجِّ، لقوله تعالى:{فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ} (1155) أي بعد الإحرام بالحج، فلا يجوز تقديمها على الإحرام، بخلاف الدم، فإنه يجوز تقديمه كما سبق. لأن الصوم عبادة بدنية فلا يجوز تقديمها على وقتها كالصلاة بخلاف الدم فإنه عبادة مالية فجاز تقديمه كالزكاة، ووقع في شرح مسلم للمصنف: أن الأفضل أن لا يصوم حتى يُحرمَ بالحج (1156) وهو غريب مخالف لما ذكره في باقي كتبه.

تُسْتَحَب قَبْلَ يَوْمِ عَرَفَةَ، لأن يوم عرفة الأحب للحاج فطره كما سلف في بابه. ويستحب أن يحرم بالحج قبل السادس من ذي الحجة، ولا يجوز صومها في يوم النحر وكذا أيام التشريق في الجديد، كما ذكره المصنف في بابه أيضًا، ولا يجب عليه تقديم الإحرام بزمن يمكنه صوم الثلاثة فيه قبل يوم العيد على الأصح، وإذا فات صوم الثلاثة في الحج لزمه قضاؤها ولا دم عليه، ولو تأخر التحلل عن أيام التشريق فصامها بعد ذلك قبل أن يتحلل أثم فصارت قضاءً، وإن صدق عليه أنه في الحج؛ لأن تأخيره نادر فلا يكون مرادًا من الآية، قال الإمام: وإنما يلزمه صوم الثلاثة في الحج إذا لم يكن مسافرًا. فإن كان فلا؛ كصوم رمضان، قال الرافعى: وهذا غير متضح؛ لأن النص دال على الوجوب عليه. وقال المصنف في شرح المهذب: إنه ضعيف.

(1155) البقرة / 196.

(1156)

نص عبارة الإمام النووي في شرحه المنهاج على صحيح مسلم: ج (7 - 8) ص 460: (قوله صلى الله عليه وسلم: [فَمَنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا فَلْيَصُمْ ثَلاثةَ أيَّامٍ في الْحَجِّ وَسَبْعَةِ إِذَا رَجَعَ] فهو موافق لنصِّ كتاب الله تعالى، ويجب صوم هذه الثلاثة قَبْلَ يوم النَّحْرِ، ويجوز صوم يوم عرفة منها لكن الأولى أن يصوم الثلاثة قَبْلَهُ، والأفضلُ أن لا يصومها حَتى يُحْرِمَ بالحجِّ بعد فراغهِ من العمرة، فإن صامها بعد فراغه من العمرة وقَبْلَ الإحرام بالحج أجزأَهُ على المذهب الصحيح عندنا).

ص: 642

وَسَبْعَةً إِذَا رَجَعَ، للآية السالفة، إِلَى أَهْلِهِ فِي الأَظْهَرِ، لقوله صلى الله عليه وسلم:[فَمَنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا فَصِيَامُ ثَلَاثةِ أَيَّامٍ في الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعَ إِلَى أهْلِهِ] متفق عليه من حديث ابن عمر (1157)؛ وللبخارى تعليقًا بصيغة الجزم من حديث ابن عباس [وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَى أَمْصَارِكُمْ](1158)، فلو أراد الإقامة بمكة صامها، قاله في البحر، والثانى: أن المراد بالرجوع الفراغ من الحج، لأنه بالفراغ عنه رجع عما كان مقبلًا عليه، وهو قول الأئمة الثلاثة.

وينْدَبُ تتَابُعُ الثَّلاثةِ وَكَذَا السَّبْعَةِ، مبادرة إلى أداء الواجب، وَلَوْ فَاتَتْهُ الثَّلَاثَةُ فِي الْحَجِّ فَالأَظْهَرُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ أن يُفَرِّقَ فِي قَضَائِهَا بَينَهَا وَبَينَ السَّبْعَةِ، كما في الأداء، ويفارق تفريق الصلوات. فإن ذلك التفريق يتعلق بالوقت، وهذا بالفعل؛ وهو الحج والرجوع، والثاني: لا يلزمه؛ لأن التفريق في الأداء يتعلق بالوقت فلا يبقى حكمه في القضاء كالتفريق في الصلوات المؤداة وقد سلف الفرق.

فَرْعٌ: هل يكفي مطلق التفريق أم لا بد من التفريق، كما في الأداء؟ وهو التفريق بأربعة أيام ومدة إمكان السير إلى الموطن فيه قولان أصحهما الثانى.

فَرْعٌ: حيث صارت الثلاثة قضاء ففى السبعة قولان في التحرير للجرجانى.

وَعَلَى الْقَارِنِ دَمٌ، كالمتمتع، وأَولى؛ لأن أفعال المتمتع أكثر من أفعال القارن، كَدَمِ التمَتُّع، أي في أحكامه السالفة جنسًا وسببًا وبدلًا عند العجز. قُلْتُ: بِشَرْطِ أَنْ لا يَكُون مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَالله أَعْلَمُ، قياسًا على المتمتع.

فَرْعٌ: لو دخل القارن الغريب مكة قبل يوم عرفة، ثم عاد إلى الميقات للحج،

(1157) رواه البخاري في الصحيح: كتاب الحج: باب من ساق البُدْنَ معه: الحديث (1691). ورواه مسلم في الصحيح: كتاب الحج: باب وجوب الدم على المتمتع: الحديث (174/ 1227).

(1158)

رواه البخارى في الصحيح: باب قوله تعالى {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ} : الحديث (1572).

ص: 643