المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كتاب التفليس التفْلِيسُ: أصلُهُ الْفُلُوسُ، وهو في الشرع: حَجْرُ الْحَاكِمِ عَلَى - عجالة المحتاج إلى توجيه المنهاج - جـ ٢

[ابن الملقن]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الصيام

- ‌بَابُ صَوْمِ التَّطَوُّعِ

- ‌كِتَابُ الاِعْتِكَافِ

- ‌كِتَابُ الْحَجِّ

- ‌بَابُ المَوَاقِيتِ

- ‌بَابُ الإِحْرَامِ

- ‌بَابُ دُخُولِ مَكَّةَ زَادَهَا اللهُ شَرَفًا

- ‌بَابُ مُحَرَّمَاتِ الإِحْرَامِ

- ‌بَابُ الإحِصَارِ وَالفَوَاتِ

- ‌كتاب البيع

- ‌بَابُ الْرِّبَا

- ‌بابُ الْبُيُوع الْمَنْهِيِّ عَنْها

- ‌بَابُ الخيَارِ

- ‌بَابُ الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ

- ‌بَابُ التوْلِيَةِ وَالإِشْرَاكِ وَالْمُرَابَحَةِ

- ‌بَابُ الأصُولِ وَالثمَارِ

- ‌بَابُ اخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ

- ‌بَابُ مُعَامَلَاتِ الْعَبِيدِ

- ‌كِتَابُ السَّلَمِ

- ‌كِتَابُ الرَّهنِ

- ‌كتاب التفليس

- ‌بِابُ الْحَجْرِ

- ‌كِتَابُ الْصُّلْحِ

- ‌كِتَابُ الحوالةِ

- ‌كتاب الضمان

- ‌كِتَابُ الشِّرْكَةِ

- ‌كِتَابُ الْوَكَالةِ

- ‌كتاب الإقرار

- ‌كِتَابُ الْعَارِيَّةِ

- ‌كِتَابُ الْغَصْبِ

- ‌فُرُوعٌ مَنْثُورَةٌ نَخْتِمُ بِهَا الْبَابَ مُهِمَّةٌ

- ‌كِتَابُ الشُّفْعَةِ

- ‌كِتَابُ الْقراضِ

- ‌كتاب المُسَاقَاةِ

- ‌كتاب الإجارة

- ‌كتاب إحياء الموات

- ‌كتاب الوقف

- ‌كتاب الهبة

- ‌كِتَابُ الْلُّقَطَةِ

- ‌كِتَابُ الْلَّقِيطِ

- ‌كتاب الجُعَالةِ

الفصل: ‌ ‌كتاب التفليس التفْلِيسُ: أصلُهُ الْفُلُوسُ، وهو في الشرع: حَجْرُ الْحَاكِمِ عَلَى

‌كتاب التفليس

التفْلِيسُ: أصلُهُ الْفُلُوسُ، وهو في الشرع: حَجْرُ الْحَاكِمِ عَلَى الْمَديونِ، والأصلُ فيه حَجْرُهُ عليه الصلاة والسلام عَلَى مُعَاذٍ كما صححه الحاكم (93)، وقوله عليه الصلاة والسلام:[إِذَا أَفْلَسَ الرَّجُلُ فَوَجَدَ الرَّجلُ مَتَاعَهُ بِعينِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ] وفي لفظ: [مِنَ الْغُرَمَاءِ] متَّفقٌ عليه (94).

(93) • عن كعب بن مالك؛ (أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَجَرَ عَلَى مُعَاذٍ مَالَهُ؛ وَبَاعَهُ في دَينٍ عَلَيهِ). رواه الحاكم في المستدرك: الحديث (2348/ 219)، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي قال: على شرط البُخاريّ ومسلم. والبيهقيّ في السنن الكبرى: كتاب التفليس: باب الحجر على المفلس وبيع ماله في ديونه: الحديث (1141).

• عن كعب بن مالك قال: (كَانَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ رضي الله عنه شَابًّا جَمِيْلًا سَمْحًا مِنْ خَيْرِ شَبَابِ قوْمِهِ؛ لَا يُسألُ شَيئًا إِلَّا أعطَاهُ، حتَّى رَانَ عَلَيهِ دَينْ أغْلَقَ مَالَهُ، فَكَلْمَ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم فِي أنْ يُكَلمَ لَهُ غُرَمَاءَهُ فَفَعَلَ، فَلَم يَضَعُوا لَهُ شَيْئًا، فَلَو ترِكَ لأحَدٍ بكَلَامِ أحَدٍ؛ لَتُرِكَ لِمُعَاذٍ بِكَلَامِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. قالَ: فَدَعَاهُ النبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَلَم يبرح مِنْ أَنْ بَاعَ مَالَهُ وَقَسمَهُ بَينَ غرَمَائِهِ؛ قالَ: فَقَامَ مُعَاذٌ رضي الله عنه وَلَا مَالَ لَهُ). رواه البيهقي في السنن الكبرى: الحديث (1143). ومعنى رَانَ عليهِ دَينُهُ أي وَقعَ فِيْمَا لَا يَستَطِيعُ سَدَادَهُ وَالخُرُوجَ مِن طَالِبِهِ، فَأحَاطَ الدينُ بِمَالِهِ.

(94)

• عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ رواه البُخاريّ في الصَّحيح: كتاب الاستقراض: باب إذا وجد ماله عند مفلس: الحديث (2402). ومسلم في الصَّحيح: كتاب المساقاة: باب من أدرك ما باعه عند المشتري: الحديث (24/ 1559).

• أما لفظ: [مِنَ الغُرَمَاءِ] من رواية مسلم في الصَّحيح: في متابعة الحديث (24/ 1559). =

ص: 774

مَنْ عَلَيْهِ دُيُون حَالةْ زائِدَة عَلَى مَالِهِ؛ يُحْجَرُ عَلَيْهِ، أي وجوبًا، بِسُؤَالِ الْغُرَمَاءِ، أيْ أو من يقوم مقامهم كأولياء المحجور عليهم لما تقدم، ولا يخفى أن لفظ الديون لا مفهوم له، والدَّيْنُ الواحدُ كافٍ، وَلَا حَجْرَ بِالْمُؤَجَّلِ، لأنَّه لا مطالبة به في الحال، وَإِذَا حُجِرَ بِحَالّ لَمْ يَحِل الْمُؤَجلُ فِي الأظْهَرِ، لأنَّ الأجل حقٌّ مقصودٌ فلا يفوت، والثاني: يحل كالموت، وأجاب الأول: بأن ذمة الميت خربت بخلافه، وإذا قلنا بالثانى؛ فلو أطلق الحجر عنه وقد بقى بعض الأجل عاد الحق مؤجلًا قاله القفال في فتاويه.

وَلَوْ كَانَتِ الديون بِقَدْرِ الْمَالِ، فإن كَان كَسُوبًا يُنْفِقُ مِنْ كَسْبِهِ؛ فَلَا حَجْرَ، لأنَّه لا حاجة إليه، بل يأمرُهُ بقضاءِ الدين، فإن امتنع باعَ مالَهُ أو أَكْرَهَهُ عَلَيْهِ، نَعَمْ: لو التمسَ الغرماءُ الحجرَ عليهِ، حُجِرَ على الأصحِّ كيلا يتلف ماله، وَإِن لَمْ يَكُن كَسُوبًا وكَانَتْ نَفَقَتُهُ مِنْ مَالِهِ فكَذَا فِي الأصَحِّ، لتمكنهم من المطالبة في الحال، والثاني: يحجر عليه؛ لئلا يذهب ماله فيها وهو المختار، وَلَا يُحْجَرُ بِغَيْرِ طَلَبٍ، لأنَّ الحق لهم وهم ناظرون لأنفسهم، اللَّهُمَّ إلَّا أن يكون الدَّيْنُ لِمَحْجُور عليه، فإنَّه يحجرُ بلا التماسٍ، لأنَّه ناظر في مصلحتهم، وليس له الحجرُ لدَيْنِ الغائبِ، لأنَّه ليس له استيفاء مالهم من الذمم، وإنَّما له حفظ أعيان أموالهم، فَلَوْ طَلَبَ بَعْضُهُمْ، أي بعض الغرماء، وَدَينُهُ قَدْر يُحْجَرُ بِهِ؛ حُجِرَ، لوجود شرط الحجر، ثم لا يختص أثره بالطالب بل يَعُمُّهُمْ، وِإلا فَلَا، لأنَّ دَيْنَهُ (•) يُمْكِنُ وَفَاؤُهُ بكمالهِ فلا ضرورة به إلى طلب الحجر وأطلق جماعة الحجر من غير تقييد بذلك، وهو قويٌّ كما قاله في الروضة.

وُيحجَرُ بِطَلَبِ المُفْلِسِ فِي الأصَحِّ، لأنَّ له غرضًا ظاهرًا فيه، والثاني: لا

= قال ابن حجر في الفتح: ج 5 ص 82: واحتج الشَّافعي بما رواه من طريق عمر بن خلدة قاضى المدينة عن أبي هريرة قال: (قَضَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أيمَا رَجُلٍ مَاتَ أَوْ أفلَسَ؛ فَصَاحِبُ المَتَاع أحَق بِمَتَاعِهِ إِذَا وُجِدَ بِعَينهِ) وهو حديث حسن يُحْتَجُّ بمثلهِ.

(•) في النسخة (1): دَينهمْ.

ص: 775

لمنافاته الْحُريةَ والرشدَ، وإنما قلنا به عندَ طلبِ الغرماءِ للضرورةِ، فإذَا حُجرَ تَعَلقَ حَقُّ الْغُرَمَاءِ بِمَالِهِ، أي دَيْنًا وعينًا ومنفعةً كالرَّهْنِ، وخرج بحق الغرماء حق الزكاةِ والكفارةِ والنذرِ، وَأشْهِدَ عَلَى حَجْرِهِ؛ لِيُحْذَرَ، أي استحبابًا.

وَلَوْ بَاعَ أَوْ وَهَبَ أَوْ أعتَقَ فَفِي قَوْل: يُوْقَفُ تَصرفُهُ، فَإن فَضَلَ ذَلِكَ عَنِ الديْنِ، أي لارتفاع القيمة أو لإبراء بعض الغرماء، نَفَذَ وَإلا لَغا، إلحاقًا له بالمريض، وَالأظْهَرُ: بُطْلَانُهُ، لتعلق حقهم به كالمرهون، فَلَوْ بَاعَ مَالَهُ، أي جميعه وكذا بَعْضَهُ، لِغُرَمَائِهِ بِدَيْنهِمْ، أي وكذا من الغريم الواحد بدينه، بطَلَ فِي الأصَحِّ، لاحتمال أن يكون له غريم آخر، فلا يصح من غير مراجعة القاضي، والثاني: يصح؛ لأنَّ الحجر لهم، والأصلُ عدمُ غيرهم، فعلى هذا لا يجوز للمفلس بيع ماله إلَّا في هذه المسألة، ولو باعَهُ لغريمهِ أو ببعض دَينهِ فهو كما لو باعَهُ لأجنبىِّ، لأنَّ ذلك لا يتضمن ارتفاعُ الحجرِ عَنْهُ، بخلافِ ما إذا بَاعَ بِكُلّ الديْنِ فإنَّه يسقط ويرتفع الحجرُ عنه، وعن هذا احترز بقوله (بِدَينهم)، ولو باع لأجنبيّ بإذنِ الغرماءِ لم يصح على الأصح، فَلَوْ بَاعَ سَلَمًا أَوِ اشترَى فِي الذِّمةِ فَالصحِيحُ صِحتُهُ ويثْبُتُ فِي ذِمتِهِ، إذ لا ضرر على الغرماء فيه، والثاني: لا يصح كالسفيه، وقوله (الأصحُّ) صَوَابُهُ الْمَشْهُورُ كما في الروضة.

ويصِحُّ نِكَاحُهُ؛ وَطَلَاقُهُ؛ وَخُلْعُهُ، إذ لا تعلق لذلك بالمال، وينفق على زوجته من كسبهِ، وَاقْتِصَاصُهُ؛ وَاسْقَاطُهُ، أي ولو مجانًا لما ذكرناه، ويصح أيضًا استلحاقُهُ النسبَ ونفيُهُ بِلِعَانٍ، وَلَوْ أَقَرَّ بِعَيْن أَوْ دَيْنٍ؛ وَجَبَ قَبْلَ الحَجرِ؛ فَالأظْهَرُ: قبولُهُ فِي حَقِّ الغُرَمَاءِ، كما لو ثَبَتَ بالبَيِّنَةِ، والثاني: المنع لما فيه من الإضرار، وبناهما الماوردى على أن هذا الحجرَ حجرُ مرضٍ أو سفهٍ، واحترز بقوله (فِي حَقِّ الْغُرَمَاءِ) عن حقِّ نفسهِ فإنهُ يقبلُ ويطالبُ، وَإِن أَسندَ وُجُوبَهُ إِلَى مَا بَعْدَ الحَجرِ بِمُعَامَلَةٍ أَوْ مُطلَقًا، أي إسنادًا معللًا بمعاملةٍ، أو إسنادًا مطلقًا، لم يُقْبَل فِي حَقهِم، أما في الأولى: فلتقصير مَنْ عَامَلَهُ (•)، وأمَّا في الثَّانية: فلأن قياسَ المذهبِ تنزيلُ الإقرارِ

(•) في نسخة (2): مِنْ مُعَامِلِهِ.

ص: 776

على أقل المراتبِ، وأقلهَا هو دَيْنُ المعاملةِ، قال في الروضة: وهذا ظاهر إن تعذرت مراجعة المقر، فإن أمكنت فينبغي أن يراجع لأنَّه يقبل إقرارُهُ، وَإِن قَالَ: عَنْ جنايَةٍ قُبِلَ فِي الأصَحِّ، كذا عبَّر بالأصح وصوابُهُ على المَذْهَبِ كما عبَّر به في الروضة، فإنَّ أَصَحَّ الطرِيْقَيْنِ أنهُ كما لو أسند لزومه إلى ما قبل الحجر؛ أي حتَّى يقبل في الأظهر كما تقدم، والثاني: أنه كما لو قال عَن معاملةٍ.

وَلَهُ أَن يَرُد بالعَيبِ مَا كان اشتَرَاهُ إِن كَانَتِ الغِبطَةُ فِي الرَّدِّ، لأنَّ الفسخ ليس تصرفًا مبتدأ وإنَّما هو من أحكام البيع السابق، والحجرُ لا ينعطف على ماضٍ، وَالأصَح: تعدِّي الحَجرِ إِلَى مَا حَدَثَ بَعْدَهُ بِالاصطِيَادِ؛ وَالْوَصيةِ؛ وَالشِّرَاءِ إِن صَححْنَاهُ، لأنَّ مقصودَ الحجرِ وصول الحق إلى المستحقينَ؛ وهذا لا يَختصُّ بالموجودِ عِنْدَ الحَجرِ، والثاني: لا يتعدى كما أن حجر الراهن على نفسه في العين المرهونة لا يتعدى إلى غيرها، وَأنهُ لَيسَ لِبَائِعِهِ أن يَفْسَخَ، ويتَعَلقَ بِعَيْنِ مَتَاعِهِ إِن عَلِمَ الحَالَ، وَإِن جَهِلَ فَلَهُ ذَلِكَ، لأنَّ الإفلاس كالعيب؛ فيثبت الخيارُ بِسَبَبِهِ مع الجهلِ دونَ العلمِ لِدخولهِ في الأمرِ على بصيرةٍ، والثاني: له ذلك مطلقًا؛ لتعذر الوصول إلى الثمَنِ كما لو كان قبل الحجر، والثالث: لا مطلقًا؛ لتقصيره بترك البحث مع سهولة الإطلاع، فإن الحاكم يشهر أمر المحجور عليه، وَأنهُ إِذَا لَمْ يَكنِ (•) التَعَلُّقُ بِهَا لَا يُزَاحِمُ الْغُرَمَاءَ، أي لا يضايقهم، بِالثمَنِ، لأنَّه دَيْن حادث بعد الحجرِ برضى مستحقه، والديون التي هذا شأنها لا يزاحم مستحقها الغرماءَ الأوَّلِينَ، فإن فضل شيء عن دَينهِمْ أخذَهُ وإلَّا انتظرَ إلى وجدانِ شيءٍ آخرٍ، والثاني: يزاحمهم؛ لأنَّه وإن كان دَيْنًا جديدًا فهو في مقابله ملك جديد، وقيل: لا يزاحم إلَّا بثمن المبيع خاصَّة (•).

فَصل: يُبَادِرُ القاضِي بَعْدَ الْحَجرِ بِبَيع مَالِهِ وَقَسْمِهِ بَيْنَ الْغُرَماءِ، أي على

(•) في هامش نسخة (3): كَذَا بخطِّ المصنفِ وفي كثيرٍ مِنَ النسَخ (يُمكِنُ)؛ والصوابُ الأولُ. إنتهى.

(•) في هامش نسخة (3): بلغ مقابلة.

ص: 777

نسبة ديونهم؛ لأنَّ المفلسَ يتضرَّرُ بطولِ الحجزِ؛ والغريم بِتَأخِيْرِ الحقِّ؛ لكن لا يفرط في الاستعجال؛ كيلا يطمع فيه بثمنٍ بخسٍ وهذه المبادرةُ مُسْتَحَبَّة، وَيُقَدَّمُ مَا يَخَافُ فَسَادُهُ، أي كالفواكه والبقول صيانةً لَهُ، ثُمَّ الْحَيَوَان، لأنَّه معرضٌ للتلفِ ولهُ مؤنةٌ، ثُمُّ الْمَنْقُول، لأنَّه يخشى ضياعُهُ، نعم كُتُبُ العِلْمِ لِلْعَالِمِ لا تُباعُ كما ذكره العبادي، ثُمَّ الْعَقارَ، لأنَّه لا يخشى هلاكه وتؤمن سرقته، ويقدمُ البناءُ على الأراضي، والمال الذي تعلق به حقُّ عامل القراض، ويقدَّمُ بالربح المشروطِ، وكذا بيع المرهونِ والجانى لتعجيلِ حقِّ مستحقهما إن لم يخف تلف ما يُسْرَعُ فَسَادُهُ؛ فَإنْ خِيْفَ قُدِّمَ بَيْعُهُ عليهما، وَلْيَبِعْ بِحَضْرَةِ الْمُفْلِسِ وَغُرَمَائِهِ، أي استحبابًا لأنَّه أنفى للتهمة، وأيضًا هو أعرف بِمَالِهِ، والأولى أن يتولى الْمُفْلِسُ أو وكيلُهُ البيعَ بإذن الحاكم ليقع الإشهاد وتطيب نفس المشتري، كُل شَيءٍ فِي سوقِهِ، أي استحبابًا أيضًا لأن طَالِبَهُ ثم أكثر، نعم لو كان لِنَقْلِهِ مؤنة كثيرة، ورأى الحاكم المصلحةَ أنْ يستدعى أهلَ سوقهِ إليه فَعَلَ قاله الماورديُّ، ولو باعَ في غير سوقهِ بثمنهِ جاز قاله الأصحابُ، بِثَمَنِ مِثْلِهِ حَالًا مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ، أي وجوبًا كما صرح به في الْمُحَرر؛ لأنَّ التصرف لغيره فوجب فيه رعاية المصلحة والحظ، نعم إن رضي المفلس والغرماءُ بالبيع مؤجلًا أو بغيرِ نقدِ البلدِ جازَ قاله المتولي، ولو رأى الحاكم المصلحة في البيع بمثل حقوق الغرماء جاز، ثُمَّ إِن كَان الدَّيْنُ غَيرَ جِنْسِ النقْدِ، وَلَمْ يَرْضَ الْغَرِيمُ إِلَّا بِجِنْس حَقّهِ؛ اشْتَرَى، لأنهُ واجبهُ، وِإن رَضِيَ جَازَ صَرْف النقدِ إِلَيْهِ، إِلَّا فِي السَّلمِ، لأنَّه اعتياضٌ وهو ممتنعٌ فيه لما تقدم في بابهِ.

تَنْبيْه: إذا حُجر على المكاتَبِ؛ فلا يجوزُ أن يعتاضَ السيدُ عن نجومها على الأصحِّ، وكذا المنفعةُ الواجبةُ في إجارةِ الذِّمَّةِ، الأصح منع الاعتياض عنها؛ لأنَّ الأصح فيها تغليب المعنى وهو السَّلَمُ.

وَلَا يسلم مَبِيعًا قَبْل قَبْضِ ثَمَنِهِ، لأنَّه يتصرف لغيره فيحتاط، وَمَا قَبَضَهُ قَسَمَهُ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ، أي استحبابًا لتبرئ الذمة ويصل الحق إلى مستحقهِ، إِلَّا أَن يَعْسُرَ لِقِلتهِ

ص: 778

فَيُؤَخِّرُهُ لِيَجْتَمِعَ، أي استحبابًا، وَلَا يُكَلفُون بَيِّنَة بِأن لَا غَرِيمَ غَيْرُهُمْ، لأنَّ الحجر يشتهر فلو كان له غريم لظهر، فَلَوْ قَسَمَ؛ فَظَهَرَ غَرِيمٌ، شَارَكَ بِالْحِصةِ، لأنَّ المقصودَ يحصلُ بذلكَ، وَقِيلَ: تُنْقَضُ الْقِسْمَةُ، لأنها وقعت على غير الوجه السائغ شرعًا، واحترز بظهور الغريم عن ظهور المال؛ فإنَّه يصرف منه إلى الغريم الذي ظهر بقسط ما أخذه الغرماءُ الآخذون بالقسمة الأولى؛ فإن بقي شيء قُسِّمَ على الجميع.

وَلَوْ خَرَجَ شَيْءٌ بَاعَهُ قَبْلَ الْحَجْرِ مُسْتَحَقًّا وَالثمَنُ تَالِف فَكَدَيْنِ ظَهَرَ، أي وحكمه ما سبق لثبوته قبل الحجر، أما إذا كان باقيًا فإنَّه يسترده، واحترز بقوله (قَبْلَ الْحَجْرِ) عما إذا وقع فيه فإنَّه لا أَثَرَ لَهُ لأنَّه دَيْنٌ حادِثٌ لم يتقدم له سبب، وَإِنِ اسْتُحِق شَيْءٌ بَاعَهُ الْحَاكِمُ؛ قُدّمَ الْمُشْتَرِي بالثمَنِ، لئلا يرغب النَّاس عن شراء مال المفلس؛ فكان التقديم من مصالح الحجر كَأجرة الكَيَّالِ ونحوها من المؤن، وَفي قَوْلٍ: يُحَاصُّ الْغُرَمَاءَ، كَسَائِرِ الديون، لأنَّه دَيْنٌ في ذِمَّةِ المفلسِ.

وينْفِقُ عَلَى مَنْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ حَتَّى يُقَسِّمَ مَالَهُ، لأنَّه موسر ما لم يزل ملكه، قُلْتُ: ويكسوهم أيضًا؛ ولا ينفق على الزوجة المتجددة بخلاف الولد، إِلا أَن يَسْتَغنِىَ بِكسْبٍ، أي فإنَّه ينفق عليه منه، فإن فضل شيء رُدَّ إلى المالِ وإن نقص شيء كُمّلَ منه.

ويبَاعُ مَسْكَنُهُ وَخَادِمُهُ فِي الأصَحِّ، وَإِنِ احْتَاجَ إِلَى خَادِم لِزَمَانَتِهِ وَمَنْصِبِهِ، لأنَّ تحصيلهما بالكراء سهل، فإن تعذر فعلى المسلمين، والثاني: لا؛ إذا كانا لائقين، وهو مُخَرَّج من نصه في الكفارات، والفرق على الأوَّلِ أنَّ حقوقَ الآدميينَ أضيقُ وَلَا بَدَلَ لها أيضًا، ويتْرَكُ لَهُ دَسْتُ ثَوْب يَلِيقُ بِهِ، أي في حال إفلاسه كما قاله الإمام، وَهُوَ، أي في حق الرجل، قَمِيصٌ؛ وَسَرَاوِيلُ؛ وَعِمَامَةٌ؛ وَمِكْعَبٌ، أي وهو الْمَدَاسُ، ويزَادُ فِي الشتاءِ جُبة، لأنَّه محتاج إلى ذلك، ولا تؤخر عنه غالبًا، أما المرأةُ فيتركُ لها المقنعة والإزار وغيرهما ممَّا يليق بحالها، ويترك أيضًا المنديل كما ذكره الرافعي في الْمُحَرَّرِ والخف والطيلسان إن كان تركها يزري به والدُّرَّاعَةُ إن كانت تليق به.

ص: 779

فَرْعٌ: إذا لم يكن المذكورُ في مالهِ اشْتُرِيَ لَهُ.

ويتْرَكُ لَهُ قُوتُ يَوْمِ الْقِسْمَةِ لِمَنْ عَلَيهِ نَفَقَتُهُ، لأنَّه موسر في أوله، قال في الوجيز: وَسُكناهُ أيضًا، وجميع ما تقدم فيما إذا كان بعضُ مالهِ خاليًا عن تعلق حقّ لِمُعَيَّنٍ، فإن تعلق بجميع مالهِ حَقٌّ لِمُعَينٍ كالمرهونِ فلا ينفقُ عليهِ ولا على عيالهِ منهُ قالَهُ الإمَامُ.

وَلَيْسَ عَلَيْهِ بَعْدَ القسمَةِ أَن يَكْتَسِبَ أوْ يُؤَجِّرَ نَفْسَهُ لِبَقِيةِ الديْنِ، لقوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ

الآية} (95) اللَّهم إلَّا أن يكون الدَّيْنُ وَجَبَ بسببٍ هو عاصٍ به، فإن عليه الاكتساب، لأنَّ عليه التوبة ممَّا فعل وأداؤه من جملة شروطها، قاله أبو عبد الله الغُراوي من أصحابنا؛ كما أفَادَهُ ابنُ الصلاح في فوائد رحلتهِ، وَاعْلَم: أنهم جزموا هنا بأنه ليس عليه أن يكتسب، وصححوا في نفقة القريب الوجوب مع أنَّ الدَّيْنَ أقوى من نفقة القريب فإنها تسقط بمضى المدة على ما ستعلمهُ هناكَ، وَالأصَح: وُجُوبُ إِجَارَةِ أمّ وَلَدِهِ وَالأرْضِ الْمَوْقُوفةِ عَلَيْهِ، لأنَّ منافعهما كالأعيان فيصرف بدلها إلى الدَّيْنِ، والثاني: لا؛ لأنها لا تعدُّ أموالًا حاضرة، ولهذا لا يجب إجارة نفسه، وعبارة الحاوي الصَّغير: ويؤجر موقوفهُ؛ وهي أَعَمُّ مِن عبارة المصنف.

وَإِذَا ادعَى أنهُ مُعْسِر أَوْ قَسمَ مَالَهُ بَيْنَ غُرَمَائِهِ وَزَعَمَ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ وَأَنْكَرُوا، فإن لَزِمَهُ الدينُ فِي مُعَامَلَةِ مَالٍ كَشِرَاءٍ أَوْ قرضٍ فَعَلَيْهِ الْبَيّنَةُ، لأنَّ الأصلَ بقاءُ ما وقعت عليه المعاملةُ، وإلا، وإن لزمه لا بمعاملة كالصَّدَاقِ، فَيُصَدقُ بِيَمِينهِ فِي الأصَحِّ، لأنَّ الأصلَ العدمُ، والثاني: لا بد من البينة؛ لأنَّه خلاف الظاهر من أحوال الْحُرِّ، وَتُقْبَلُ بَيِّنَةُ الإعْسَارِ، أي وإن تعلقت بالنفي لمكان الحاجة كالبينة على أن لا وراث سوى هؤلاء، فِي الْحَالِ، كغيرها، وَشَرْطُ شاهِدِهِ خِبرَةُ بَاطِنِهِ،

(95) البقرة / 280.

ص: 780

أي بطول الجوار وكثرة المخالطة لأنَّ الأموال تخفى، وَلْيَقُلْ هُوَ مُعْسِرٌ، وَلَا يُمَحِّض النَّفْيَ، لفظًا ومعنًى، كَقَوْلِهِ: لَا يَمْلِكُ شَيْئًا.

فَرْعٌ: إذا شهدوا على المفلس بالغِنَى فلا بُدَّ من بيان سببه؛ قاله القفال في فتاويه معلِّلًا: بأن الإعدام لما لم يثبُت إلَّا من أهل الخبرة كذلك الغنى.

وَإِذَا ثَبَتَ إِعْسَارُهُ لَم يَجُزْ حَبْسُهُ وَلَا مُلَازَمَتُهُ بِلْ يُمْهَلُ حَتَّى يُوسِرَ، للآية السالفة قريبًا؛ ورأيتُ في أعيان الموالي في جند أهلِ مِصْرَ تأليف أبي بكر الكندي: أن فتيانَ المالكي ناظر الشَّافعي في بيع الحُرِّ في الدَّيْنِ فكان الشَّافعي يقول: يباع؛ ويقول فتيان: لا يباع، ثم شنع (•) القول على الشَّافعي وهذا نقل غريب عندنا (96).

(•) في النسخة (2) و (3): بُشِّعَ.

(96)

قلتُ: إن السبب الموجب في تقريب هذا النقل هو ما يأتي:

أ. لا يصح حديث في حجية هذا النقل:

• عن أبيِ سعيدٍ الخدريّ؛ أنَّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم (بَاعَ حُرًّا أفلَسَ فِي دَينهِ). رواه الدارقطني في السنن: كتاب البيوع: الحديث (234 - 236) منه: ج 3 ص 61 - 62. والبيهقي في السنن الكبرى: الحديث (11453 و 11454) وفي سنده حجاجُ بن أرطأة وهو ضعيفٌ. له ترجمة في تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني: الرقم (1171).

• عن قتادةَ عن عمرو بن الحارث أن يزيد بن أبي حبيب حدَّثهُ: (أنَّ رَجُلًا قَدِمَ المدينة، فَذَكَرَ أنَّهُ يُقْدَمُ لَهُ بِمَالٍ؛ فَأَخَذَ مَالًا كَثِيرًا فَاستَهلَكَهُ، فَأُخِذَ الرَّجلُ؛ فَوُجِدَ لَا مَالَ لَهُ، فَأمَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أن يُبَاعَ). ورواه البيهقي في السنن الكبرى: الحديث (11455)، وقال: هذا منقطع.

• وجاء بألفاظ وروايات أخرى؛ فيها مسلم بن خالد الزنجي وفيه مقال، وابن البَيلَمَانِيِّ وهو ضعيف.

ب. وقيل: إن الرجلَ اسمهُ (سُرَّق)، قال البيهقي: ومدارُ حديث سُرَّق على هؤلاء، وَكُلُّهُم لَيسُوا بِأقْوِيَاءَ

وفي إجماع العلماءِ على خلافِهِ. وهُمْ لَا يجمعون على تركِ روايةِ ثابتةٍ. دليلٌ على ضَعْفِهِ أو نَسْخِهِ إِنْ كَان ثَابِتًا. وبالله التوفيق. وقال: وفيما ذكر أبو داود في المراسيل -كتاب البيوع: باب المفلس: ص 75 - عن الزُّهرِيِّ قال: (كَانَ يَكُونُ عَلَى عَهدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم دُيونٌ عَلَى رِجَالٍ، مَا عَلِمنَا حُرًّا بيعَ فِي دَينٍ).

ص: 781

واحترز بقوله (ثَبَتَ) عما إذا لم يثبت فإنَّه يجوز حَبْسُهُ وللغريمِ ملازمته لأنها أخف، اللهم إلَّا أن يقول المديون للقاضي أنَّه يشق علَىَّ الطهارة والصلاة بسبب ملازمته فاحبسني فإنَّه يجاب، وَالْغَرِيبُ الْعَاجِزُ عَنْ بَيِّنَةِ الإعْسَارِ يُوَكِّلُ الْقَاضِي بِهِ مَنْ يَبْحَثُ عَنْ حَالِهِ فَإذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ إِعْسَارُهُ شهِدَ بِهِ، لئلا يُفْضي إلى تخليدِ الْحَبْسِ عليه.

فَصْلٌ: مَنْ بَاعَ وَلَمْ يَقْبِضِ الثَّمنِ حَتَّى حَجَرَ عَلَى الْمُشْتَرِي بِالْفَلَسِ، فَلَهُ فَسْخُ الْبيْعِ وَاسْتِرْدَادُ الْمَبِيع، لقوله عليه الصلاة والسلام [إِذَا أَفْلَسَ الرَّجُلُ وَوَجَدَ الْبَائعُ سِلعتهُ بِعَيْنهَا فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا مِنَ الْغُرَمَاءِ] متَّفقٌ عليه (97)، وكون الثمن غيرَ مقبوضٍ يحتاجُ إلى إضمارهِ في الحديثِ وبهذا الرجوع ثابت أيضًا، إذا مات الغريم مفلسًا ولا يثبت الرجوع بمجرد الإفلاس ويحصل: بِفَسَخْتُ الْبَيْعَ وَنَقَضْتُهُ ونحوهما، وَالأصَحُّ: أَنَّ خِيَارَهُ عَلَى الْفَوْرِ، كخيار العيب بجامع دفع الضرر، والثاني: أنَّه على التراخي كخيار الهبة للولد، وَأَنَّهُ لَا يَحصُلُ الْفَسْخُ بِالْوَطء وَالإعْتَاقِ وَالْبَيْع، كالهبة، والثاني: يحصل كما في زمن الخيار، ومحل الخلاف إذا نوى بالوطئ الفسخ وإلا فلا، قاله صاحب المعين، قال: وهذا على قولنا لا يفتقر هذا الفسخ إلى حاكم وإلا فلا يحصل به قطعًا.

وَلَه الرُّجُوعُ فِي سائِرِ الْمُعَاوَضَاتِ كَالْبَيْع، لعموم قوله عليه الصلاة والسلام [مَنْ أَدْرَكَ مَالَهُ بِعَيْنِهِ عِنْدَ رَجُلٍ قَدْ أَفْلَسَ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ غَيْرِهِ] متَّفقٌ عليه (97). فدخل في ذلك المسلم والإجارة والقرض؛ وخرج الخلع والمصالحة عن دم العمد فإنهما ليسا كالبيع في كونه معاوضة محضة.

• وَلَه شُرُوطٌ: مِنْهَا كَوْن الثَّمَنِ حَالًا، لأنَّ المؤجلَ لا يطالب بهِ فتباعُ السلعة وتصرف إلى ديون الغرماء، وصرَّح الرافعي في الشَّرح الصَّغير بثبوته فيما إذا حل بعد الحجر.

• وَأَن يَتَعَذَّرَ حُصُولُهُ بِالإفْلَاسِ، فَلَوِ امْتَنَعَ مِنْ دَفْع الثمَنِ مَعَ يَسَارِهِ أَوْ هَرَبَ

(97) تقدم في الرقم (94).

ص: 782

فَلَا فَسْخَ فِي الأصَحِّ، لعدم عيب الإفلاس وإمكان الاستيفاء بالسلطان؛ فإن فرض عجزٌ فنادرٌ لا عبرةَ بهِ. والثاني: يثبت لتعذر الوصول إليه حالًا مع توقعه مآلًا فأشبه المفلس، واحترز بالإفلاس عما إذا تعذر حصوله بانقطاع جنس الثمن، فإنا إن جوزنا الاعتياض عنه؛ فلا تعذر في استيفاء عوضٍ عنه، فلا فسخ، وإلا فَنَعَمٌ على الأظهرِ. وَلَوْ قَالَ الْغُرَمَاءُ: لَا تَفْسَخْ وَنُقَدِّمُكَ بِالثَّمَنِ فَلَهُ الْفَسخُ، للمنة، وقيل: لا. وجزم به في الروضة في موضع وهو معكوس.

• وَكَوْن الْمَبِيع بَاقِيًا فِي مِلْكِ الْمُشترِي، للحديث السالف ووجد سلعته، نَعَمْ؛ لو زال ثم عاد؛ فالأصح في الشَّرح الصَّغير: أنَّه يجوز الرجوع، وصحح في الروضة مقابله، فَلَوْ فَاتَ، أي بجناية وغيرها، أَوْ كاتبَ الْعَبْدَ فَلَا رُجُوعَ، لأنَّه كالخارج عن ملكه، وليس له فسخ هذه التصرفات بخلاف الشفيع لسبق حقه عليها، وَلَا يَمْنَعُ التَّزْوِيجَ، لأنَّه لا يمنع البيع.

تَنْبِيْهٌ: للرجوع شرطان آخران، الأوَّلُ: أن لا يتعلق بالمبيع حقٌّ ثالثٌ كالجنايةِ فإن زال رجع، الثَّاني: أن لا يقوم بالبائع مانع من التملك كما لو أحرم وكان المبيع صيدًا.

وَلَوْ تَعَيَّبَ بِآفَةٍ أخَذَهُ نَاقِصًا، أَوْ ضَارَبَ بِالثَّمَنِ، كما لو تعيَّب المبيع في يد البائع، أَوْ بِجِنَايَةِ أَجْنَبِيّ أَوْ الْبَائِع فَلَهُ أَخْذُهُ، ويضَارِبُ مِنْ ثَمَنِهِ بِنِسْبَةِ نَقْصِ الْقِيمَةِ، لأنَّ المشتري أخذ بدلًا للنقصان فلا يحسنُ تضييعُهُ عليه، مثاله: قيمته سليمًا مائة ومعيبًا تسعون فيرجع بعشر الثمن، وَجِنَايَةُ الْمُشْتَرِي كَآفَةٍ فِي الأَصَحِّ، لأنَّ فعله وقع في ملكه قبل تعلق حق الغرماء، والثاني: أنها كجناية الأجنبي، وقوله (الأصَحِّ) صوابُهُ المذهبِ كما عبَّر به في الروضة.

وَلَوْ تَلَفَ أَحَدُ الْعَبْدَيْنِ ثُمَّ أَفْلَسَ أَخَذَ الْبَاقِي وَضَارَبَ بِحِصَّةِ التَّالِفِ، لأنَّه ثبت له الرجوع في كل منهما، فَلَوْ كَان قَبضَ بَعْضَ الثَّمَنِ رَجَعَ فِي الْجَدِيدِ، لأنَّ الإفلاس سبب تعود به كُلُّ عَيْنٍ إليهِ فجازَ أن يعودَ بعضُهُ كالفرقة في النكاح قبل

ص: 783

الدخول، والقديم: لا يرجع، بل يضارب بباقي الثمن لحديث فيه في الدارقطني وهو مرسل ولا يصح مسندًا (98)، فَإِن تَسَاوَتْ قِيمَتَهُمَا وَقَبَضَ نِصْفَ الثَّمَنِ أَخَذَ الباقِيَ بِبَاقِي الثَّمَنِ، أي يكون ما قبض في مقابلة التالف، وَفِي قَوْلِ، أي مُخَرَّجٍ: يَأخُذُ نِصْفَهُ بِنِصْف بَاقِي الثَّمَنِ ويُضَارِبُ بِنِصْفِهِ، أي بنصف الباقي وهو الربع، لأن الثمن يتوزع على المبيع وحينئذ فيوزع كل واحد من المقبوض والباقى على العبدين.

وَلَو زَادَ الْمَبِع زِيَادَةَ مُتَّصِلَةً كَسِمْنٍ وَصَنْعَةٍ فَازَ الْبَائِعُ بِهَا، جريًا على القاعدة إلا في الصداق فإن الزوج إذا طلق قبل الدخول لا يرجع في النصف الزائد إلا برضاها لما سيأتي في بابه، وَالْمُنفَصِلَةُ كاَلثَّمَرَةِ وَالْوَلَدِ لِلْمُشْتَرِي، وَيرْجِعُ البائِعُ فِي الأصْلِ، لأن الشارع إنما أثبت له الرجوع في المبيع فيقتصر عليه، فَإنْ كَان الْوَلَدُ صَغِيرًا وَبَذَلَ الْبائعُ قِيمَتَهُ أَخَذَهُ مَعَ أمِّهِ، لانتفاء المحذور وهو التفريق، وَإلَّا، أي وإن لم يبذل قيمته، فَيُبَاعَانِ لوجود المحذور، وَتُصْرَفُ إِلَيْهِ حِصَّةُ الأُمِّ، أيْ وهو ما قابل الولد إلى الغرماء، وَقِيلَ: لَا رُجُوعَ، أي بل يضارب لما فيه من التفريق، قال الرافعى: ولم يذكروا هنا جواز التفريق، قال في الروضة: بل ذكرهُ الماورديُّ وغيرُهُ وعلَّلُوهُ بالضرورةِ كمسألة الرهن، قالوا: وليس بصحيح إذ لا ضرورة.

وَلَو كَانَتْ حَامِلًا عِنْدَ الرُّجُوع دُون الْبَيْع أَو عَكْسَهُ فَالأصَحُّ تَعَدِّي الرُّجُوع إِلَى الْوَلَدِ، أما في الأُولى: فلأن اْلحملَ لما تبع في البيع تبع في الرجوع، وأما في الثانية: فلأن الحمل يُعْلَمُ؛ فكأنه باعه عينين، والثاني: لا رجوع فيهما، أما في الأولى: فلأن البائعَ إنما يرجع إلى ما كان عند البيع، والحمل ليس كذلك وهذا هو الأصح في

(98) الحديث عن أبى هريرة-رضي الله عنه؛ عن النبي قال: [أيّمَا رَجُلٍ بَاعَ سِلْعَةً، فَأدْرَكَ سِلْعَتَهُ بِعَيْنهَا عِنْدَ رَجُلٍ قَدْ أفْلَسَ، وَلَم يَقتضِ مِنْ ثَمَنِهَا شَيْئًا فَهِىَ لَهُ. وَإِنْ كَانَ قَضَى مِنْ ثَمَنِهَا شَيْئًا، فَمَا بَقِيَ فَهُوَ أُسْوَةُ الْغُرَمَاء]. رواه الدارقطني في السنن: كتاب الأقضية والأحكام: الحديث (93) منه. ورواه أبو داود بنحوه في السنن: الحديث (3520 و 3521) متصلًا من رواية أبى بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام مرسلًا، وقال: هَذَا أصَحُّ. أيْ كما قال ابن الملقن رحمه الله: لَا يَصحُّ مُسْنَدًا.

ص: 784

نظيره من الرد بالعيب والرهن، ورجوع الوالد في الهبة، وأما في الثانية: فبناءً على أن الحملَ لا يعلم، وقوله (عَلَى الأصَحِّ) صوابُهُ على الأظهرِ كما عبَّر به في الروضةِ، ولا يخفى أنها لو كانت حاملًا عندهما أنه يرجع فيها حاملًا أو حدث بينهما وانفصل قبل الرجوع انه للمشتري وبذلك يكمل للمسألة أربع صور.

وَاستِتَارُ الثَّمَرِ بكِمَامِهِ، وَظُهُورُه بِالتَّأْثيرِ قَرِيبٌ مِن اِستِتَارِ الْجَنِينِ وَانفِصَالِهِ، أي وقد عرفت حكمه، وَأوْلَى بِتَعَدِّي الرُّجُوع، تبع في هذه العبارة الْمُحَرَّرَ، وفيها إطلاق؛ لأنها إذا كانت غير مؤبرة عند الرجوع فأَولى بعدم تعدي الرجوع، فما ذكره هو فيما إذا كانت موبرة عند الرجوع فقط.

وَلَوْ غَرَس الأرْضَ اَوْ بَنَى، فإنِ اتَّفَقَ الْغُرَمَاءُ وَالْمُفْلِسُ عَلَى تَفرِيغِهَا فَعَلُوْا، لأن الحقَّ لا يعدوهم، وَأَخَذَهَا، يعني البائع إذا اختار الرجوع في الأرض؛ لأنها عين ماله لم يتعلق بها حق لغيره، وَإِنِ امْتَنَعُوا لَمْ يُجْبَرُواْ (99)، لأنه حين البناء والغراس لم يكن متعديًا بل وضعه بحق فيحترم، بَلْ لَهُ أَن يَرْجِعَ وَيتَمَلَّكَ الْغِرَاسَ وَالْبِنَاءَ بِقِيمَتِهِ، وَلَهُ أَنْ يَقلَعَ وَيضمَنَ أَرْشَ النَّقْصِ، أي وليس لهم الامتناع؛ لأنه به يندفع الضرر. وَالأظْهَرُ: أَنَّهُ لَيسَ لَهُ أنْ يَرْجِعَ فِيهَا، وَيبْقَى الْغِرَاس وَالبِنَاءُ لِلْمُفْلِسِ، لأنه ينقص قيمتها ويضرهم، وَالضَّرَرُ لَا يُزَالُ بِالضَّرَرِ، والثاني: له ذلك كما لو صبغ الثوب يرجع فيه دون الصبغ ويكون شريكًا، والفرق على الأول أنه كالصفة التابعة للثوب.

وَلَوِ كَان الْمَبِيعُ حِنْطَة فَخَلَطَهَا بِمِثْلِهَا أوْ دُونهَا فَلَهُ أَخذُ قَدْرِ الْمَبِيع مِنَ الْمَخْلُوطِ، أي بعد الفسخ لأنه في المثل واحد حكمًا، وفي الخلط بالدون مسامح بعيب حدث بالخلط، أوْ بِأَجْوَدَ، فَلا رُجُوعَ فِي الْمَخْلُوطِ فِي الأظْهَرِ، أيْ بل يضارب بالثمن فقط للاضرار بالقسمة. والثاني: يرجع كالخلط بالمثل، وَلَوْ طَحَنهَا أَوْ قَصَّرَ الثَّوبَ، فَإن لَمْ تَزِدِ الْقِيمَةُ رَجَعَ وَلَا شَيْءَ لِلْمُفْلِسِ، لأن المبيعَ موجودٌ من

(99) قُلْتُ: أَيْ عَلَى القَلْع.

ص: 785