المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كِتَابُ الشُّفْعَةِ الشُّفعَةُ: هِيَ بإسْكَانِ الْفَاءِ، وَاشْتِقَاقُهَا من الشَّفْعِ؛ وَهُوَ الضَّمُّ - عجالة المحتاج إلى توجيه المنهاج - جـ ٢

[ابن الملقن]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الصيام

- ‌بَابُ صَوْمِ التَّطَوُّعِ

- ‌كِتَابُ الاِعْتِكَافِ

- ‌كِتَابُ الْحَجِّ

- ‌بَابُ المَوَاقِيتِ

- ‌بَابُ الإِحْرَامِ

- ‌بَابُ دُخُولِ مَكَّةَ زَادَهَا اللهُ شَرَفًا

- ‌بَابُ مُحَرَّمَاتِ الإِحْرَامِ

- ‌بَابُ الإحِصَارِ وَالفَوَاتِ

- ‌كتاب البيع

- ‌بَابُ الْرِّبَا

- ‌بابُ الْبُيُوع الْمَنْهِيِّ عَنْها

- ‌بَابُ الخيَارِ

- ‌بَابُ الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ

- ‌بَابُ التوْلِيَةِ وَالإِشْرَاكِ وَالْمُرَابَحَةِ

- ‌بَابُ الأصُولِ وَالثمَارِ

- ‌بَابُ اخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ

- ‌بَابُ مُعَامَلَاتِ الْعَبِيدِ

- ‌كِتَابُ السَّلَمِ

- ‌كِتَابُ الرَّهنِ

- ‌كتاب التفليس

- ‌بِابُ الْحَجْرِ

- ‌كِتَابُ الْصُّلْحِ

- ‌كِتَابُ الحوالةِ

- ‌كتاب الضمان

- ‌كِتَابُ الشِّرْكَةِ

- ‌كِتَابُ الْوَكَالةِ

- ‌كتاب الإقرار

- ‌كِتَابُ الْعَارِيَّةِ

- ‌كِتَابُ الْغَصْبِ

- ‌فُرُوعٌ مَنْثُورَةٌ نَخْتِمُ بِهَا الْبَابَ مُهِمَّةٌ

- ‌كِتَابُ الشُّفْعَةِ

- ‌كِتَابُ الْقراضِ

- ‌كتاب المُسَاقَاةِ

- ‌كتاب الإجارة

- ‌كتاب إحياء الموات

- ‌كتاب الوقف

- ‌كتاب الهبة

- ‌كِتَابُ الْلُّقَطَةِ

- ‌كِتَابُ الْلَّقِيطِ

- ‌كتاب الجُعَالةِ

الفصل: ‌ ‌كِتَابُ الشُّفْعَةِ الشُّفعَةُ: هِيَ بإسْكَانِ الْفَاءِ، وَاشْتِقَاقُهَا من الشَّفْعِ؛ وَهُوَ الضَّمُّ

‌كِتَابُ الشُّفْعَةِ

الشُّفعَةُ: هِيَ بإسْكَانِ الْفَاءِ، وَاشْتِقَاقُهَا من الشَّفْعِ؛ وَهُوَ الضَّمُّ أَو الزِّيَادَةُ؛ أوْ مِنْ التَّقْويَةِ وَالإِعَانَةِ؛ أَوْ مِنَ الشَّفَاعَةِ؛ أَقْوَالٌ. وَهِيَ في الشَّرْعِ: حَقُّ تَمَلُّكٍ قَهْرِيٍّ يَثْبُتُ لِلشَّرِيكِ الْقَدِيمِ عَلَى الْحَادِثِ بِسَبَبِ الشَّرِكَةِ بِالْعِوَضِ الَّذِى تَمَلَّكَ بِهِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ، وَهُوَ ضَرَرُ مَؤُنَةِ الْقِسْمَةِ وَاسْتِحْدَاثُ الْمَرَافِقِ وَغَيرِهَا، وَقِيلَ: ضَرَرُ سُوءِ الْمُشَارَكَةِ، وَالأَصْلُ فِيهَا الإجْمَاعُ كَمَا حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ؛ وَإِنْ كَانَ فِيهِ خِلافٌ شَاذٌّ. وَمِنَ السُّنَّةِ أَحَادِيثٌ مِنْهَا حَدِيثُ جَابِرٍ [قَضَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بِالشُّفْعَةِ في كُلِّ مَا لَمْ يُقْسَمْ، فَإذَا وَقَعَتِ الْحُدُودُ وَصُرِفَتِ الطُّرُقُ فَلَا شُفْعَةَ] رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (155) وَادَّعَى الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّ الأَخْبَارَ الْوَارِدَةَ فِي الشُّفْعَةِ مُتَوَاتِرَةٌ (156).

لَا تَثْبُتُ في مَنْقُولٍ، أي كالثيابِ والحيوانِ وَغَيرِهِمَا؛ لأَنَّ المَنْقُولَ لَا يَدُومُ وَالْعَقَارُ يَدُومُ فَيَدُومُ ضَرَرُ الْمُشَارَكَةِ فِيهِ، بَلْ فِي أَرْضٍ وَمَا فِيهَا مِنْ بِنَاءٍ وَشَجَرٍ

(155) رواه البخاري في الصحيح: باب بيع الأرضِ والدور والعروض: الحديث (2214). وفي رواية: [كُلُّ مَالٍ لَمْ يُقسَمْ]. وأبو داود في السنن: كتاب البيوع: باب في الشُّفْعَةِ: الحديث (3514).

(156)

قال الماوردي في الحاوي الكبير: كتاب الشفعة: ج 7 ص 227: وَالْحُكْمُ بِالشُّفْعَةِ وَاجِبٌ بِالنَّصِّ وَالإجْمَاع إلّا مَنْ شَذَّ عَنِ الْكَافَّةِ مِنَ الأَصَمِّ وَابْنِ عَلِيَّة؛ فَإنَّهُمَا أَبْطَلاهَا رَدًّا لِلإِجْمَاع، وَمَنْعًا مِنْ خَبَرِ الْوَاحِدِ؛ وَتَمَسُّكًا بِظَاهِرِ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم:[لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسُلِمٍ إِلّا بطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ]. وَهَذَا خَطَأ لفحش من قائله، لأَنَّ مَا رُويَ فِي الشُّفْعَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَوَاتِرًا فَالْعَمَلُ بِهِ مُسْتَفِيضٌ يَصِيرُ بِهِ الْخَبَرُ كَالْمُتَوَاتِرِ. إ. هـ.

ص: 898

تَبَعًا، لِحَدِيثِ جَابِرٍ [قَضَى رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بِالشُّفْعَةِ في كُلِّ شَرِكَةٍ لَمْ يُقْسَمْ رَبْعَةٍ أَوْ حَائِطٍ، وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَبِيعَ حَتَّى يُؤْذِنَ شَرِيكَهُ؛ فَإنْ شَاءَ أَخَذَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ، فَإِذَا بَاعَ وَلَمْ يُؤْذِنْهُ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ] رواه مسلم (157)، وَالرَّبْعَةُ: الْمَنْزِلُ الَّذِي يَرْبَعُ بِهِ الإنْسَانُ وَيَتَوَطَّنهُ؛ وَالْحَائِطُ: هُوَ الْبُسْتَانُ بِغِرَاسِهِ، واحترز بقوله (تَبَعًا) عمَّا إذا بِيعَ البناءُ والغراسُ منفردين فإنه لا شفعة فيهما على الأصح؛ لكونهما منقولين كالعبد، ويحترز به أيضًا عما إذا باع أرضًا وفيها شجرة جافة فشرطا دخولها في البيع؛ فإنها لا تؤخذ بالشفعة؛ لأنها إنما دخلت بالشرط لا بالبيع، وَكَذَا ثَمَرٌ لمْ يُؤَبَّرْ فِي الأَصَحِّ، لأنه يتبعه في البيع فكذا في الأخذ، والثاني: أنها كالمؤبرة، لأنها منقولة. فعلى الأول: لو تأخر الأخذ لغيبة الشفيع حتى أُبِّرَتْ؛ فالأصح: أنه يأخذها لتقدم حقه وزيادتها كزيادة الشجرة، واحترز بقوله (لَمْ يُؤبَّرْ) عما إذا كان على الشجر ثمرة مُؤَبَّرَةٌ وَأُدْخِلَتْ في البيع بالشَّرطِ، فإنه لا شُفْعَةَ فيها، لأنها لا تدومُ في الأرضِ فيأخذُ الشَّفِيعُ الأرضَ والنَّخلَ بِحِصَّتِهَا.

فَرْعٌ: لو بيعت الأشجار ومغارسها فقط أو بيع الجدار مع الأرض الأُسِّ فلا شفعة على الأصح، لأن الأرضَ تابعةٌ هنا والمتبوعُ منقولٌ.

وَلَا شُفْعَةَ فِي حِجْرَةٍ بُنِيَتْ عَلَى سَقْفٍ غَيرِ مُشْتَرَكٍ، أي بأن بنيا على سقفٍ لثالثٍ أو لأحَدِهِمَا ثم يبيع أحدُهما نصيبَهُ منها؛ إذ لا قرار لها فهي كالمنقولات، وَكَذَا مُشْتَرَكٌ في الأَصَحِّ، لما قلناه، والثاني: نعم، لحصول الشركة في أرض الحجرة وجدرانها، وهذا الفرع لا يوجد لغير الغزالي في وجيزهِ ووسيطهِ ولم يذكره في بسيطهِ، وَكُلُّ مَا لَوْ قُسِمَ بَطَلَتْ مَنْفَعَتُهُ الْمَقْصُودَةُ كَحَمَّامٍ وَرَحَى، أي صغيرين كما ذكره في القسمة، لَا شُفْعَةَ فِيهِ فِي الأَصَحِّ، الخلاف مبني على علَّة ثبوتها في

(157) رواه مسلم في الصحيح: كتاب المساقاة: باب الشفعة: الحديث (134/ 1608). وأبو داود في السنن: كتاب البيوع: الحديث (3513). والنسائي في السنن: كتاب البيوع: باب الشركة في الرباع: ج 7 ص 320.

ص: 899

المنقسم، هل هو لدفع ضرر مؤنة القِسْمَةِ أو لِسُوءِ المشاركةِ؟ فعلى الأول: لا شُفْعَةَ فيما لا يقبل القِسْمَةَ، وعلى الثاني: نعم، وما ذكره المصنف في الضابط المذكور وهو ما صححه في بابِ القسمةِ كما سيأتي إن شاء الله تعالى، وعبارة الْمُحَرَّرِ بدل الرَّحى الطَّاحُونَةُ، وهي هِيَ كما قال الجوهري. والمراد هنا المكان دون الْحَجَر فإنه منقولٌ، وإنما تَثْبُتُ فيه الشُّفْعَةُ تبعًا للمكان، وَلَا شُفْعَةَ إِلّا لِشَرِيكٍ، أي فلا تثبت للجار ملاصقًا كان أو غيره لما سلف من الأحاديثِ، والأحاديثُ الواردةُ بذلك محمولة على الشَّرِيكِ جَمْعًا بين الأَخْبَارِ.

فَرْعٌ: لا شُفْعَةَ لمالك المنفعة فقط، وهو يخرج بقوله (لِشَرِيكٍ).

وَلَوْ بَاعَ دَارًا، أي في درب غير نافذ، وَلَهُ شَرِيكٌ فِي مَمَرِّهَا فَلَا شُفْعَةَ لَهُ فِيهَا، لانتفاء الشركة، وقيل: نعم، لأنه شريك في الممر. فإن كان نافذًا فلا شفعة فيها ولا في ممرها قطعًا، لأن هذا الدرب غير مملوك، وَالصَّحِيحُ: ثُبُوتُهَا فِي المَمَرِّ إنْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي طَرِيقٌ آخَرَ إِلَى الدَّارِ أَوْ أَمْكَنَ فَتْحُ بَابٍ إِلَى شَارِعٍ، لإمكان الوصول إليها من غير ضرر، وهذا إذا كان قابلًا للقسمة؛ وإلا فعلى الخلاف في غير المنقسم، وَإلَّا، أي وإن لم يكن للمشتري طريق آخر ولا أمكن اتخاذه، فَلَا، لما فيه من الإضرار بالمشتري، والثاني: لهم الشفعة والمشتري هو المضر بنفسه لشراء هذه الدار، والثالث: إن مَكَّنُوا المشتريَ من المرور فلهم الشُّفْعَةُ وإلا فلا جمعًا بين الْحَقَّينِ، وَإنْمَا تَثْبُتُ فِيمَا مُلِكَ بِمُعَاوَضَةٍ، أي محضةٍ كالبيعِ وغيرِها كالمهر، مِلْكًا لازِمًا، مُتَأَخِّرًا عَنْ مِلْكِ الشَّفِيعِ كَمَبِيعٍ؛ وَمَهْرٍ؛ وَعِوَضِ خُلْعٍ؛ وَصُلْحِ دَمٍ؛ وَنُجُومِ كِتَابَةٍ؛ وَأُجْرَةٍ؛ وَرَأْسِ مَالِ سَلَمٍ، أي ونحو ذلك كالمتعة والجعالة بعد الفراغ، أما في البيع فلحديث جابر السالف أول الباب، وفيما عداه بالقياس عليه بجامع الاشتراك في المعاوضة مع لحوقِ الضَّرَرِ الْمُتَقَدِّمِ، واحترز بالمعاوضة عما مُلِكَ بِالإرْثِ؛ فإنه لا شُفْعَةَ فيه، لأنه مقهورٌ فلم يضر بالشريك. وعمَّا مُلِكَ بِالْهِبَةِ بِلا ثَوَابٍ؛ وَالْوَصِيَّةِ. وبقوله (مِلْكًا لازِمًا) عمَّا إذا جرَى البيعُ بشرطِ الخيارِ، وسنذكره بعد وستعلم هناك

ص: 900

أنَّ هذا القيد لا نحتاج إليه على الصحيح. وبقوله (مُتَأَخِّرًا عَنْ مِلْكِ الشَّفِيعِ) عما إذا اشترى اثنان دارًا؛ فإنه لا شفعة لأحدهما على الآخر، كما سيأتي. وقوله (كَمَبِيعٍ وَمَهْرٍ وَعِوَضِ خُلْعٍ) إلى آخره هو أمثلة لما دخل في قسم المعاوضة وقوله (وَصُلْحِ دَمٍ) أي عن دم، وذلك حيث كانت الجناية عمدًا؛ فإن كانت خطأ؛ فالواجب فيها إنما هو الإبل، والمصالحة عنها باطلة على الصحيح لجهالة صفاتها. وقوله (وَنُجُومٍ وَأُجْرَةٍ وَرَأْسِ مَالٍ سَلَمٍ) أي والعوض الذي صالح عن النجوم عليه. وهذا بناءً على صحة الاعتياض؛ وهو وجه نص عليه في الأُمِّ. والصحيح: المنع. وَيَرِدُ على الضابطِ المذكورِ فَرْعَانِ فراجعهما من الأصل.

وَلَوْ شُرِطَ في الْبَيع الْخِيَارُ لَهُمَا أَوْ لِلْبَائِعِ؛ لَمْ يُؤخَذْ بِالشُّفعَةِ حَتَّى يَنْقَطِعَ الْخِيَارُ، لأن الشريك لا يتمكن من إبطال حق البائع وإن انتقل الْمِلْكُ بناءً على القولِ الضَّعِيفِ، وَإنْ شُرِطَ لِلْمُشْتَرِي وَحْدَهُ فَالأَظْهَرُ أَنَّهُ يُؤخَذُ إِنْ قُلْنَا الْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي، لأنه لا حق فيه لغيرهِ، والشفيع متسلط عليه بعد لُزُومِ الْمِلْكِ وَاسْتِقْرَارِهِ فقبله أوْلى، وفي هذا استدراكٌ على قَيدِ اللُّزُومِ، والثاني: لا يؤخذ؛ لأن المشتري لم يَرْضَ بلزوم العقدِ. وفي الأخذِ إلزامٌ وإثباتٌ للعهدة عليه، وَإلّا، أي وإن قلنا إن الملك للبائع أو موقوف، فَلَا، يُؤْخَذُ على الأصح كما ذكره في أصل الروضة لا على الأظهر كما هو ظاهر كلامه هنا لعدم تحقق زوال مِلكهِ، ووجه مقابله انقطاعُ سلطنة البائعِ.

وَلَوْ وَجَدَ الْمُشْتَرِي بِالشِّقْصِ عَيبًا وَأَرَادَ رَدَّهُ بِالْعَيبِ، وَأرَادَ الْشَفِيعُ أَخْذَهُ، وَيَرْضَى بِالْعَيبِ؛ فَالأظْهَرُ: إِجَابَةُ الْشَفِيعِ، لأنَّ حَقَّهُ سَابِقٌ فإنه يثبتُ بالبيعِ، والثاني: إجابة المشتري؛ لأنَّ الشفيعَ إنَّمَا يأخذهُ إِذَا استقرَّ العقدُ.

وَلَو اشْتَرَى اثْنَانِ دَارًا أوْ بَعْضَهَا فَلَا شُفْعَةَ لأَحَدِهِمَا عَلَى الآخَرِ، لاستوائهما في حصول الملك؛ وهذا ما احترز عنه بقوله (مُتَأَخِّرًا عَنْ مِلْكِ الشَّفِيعِ) لما أسلفتهُ.

وَلَوْ كَانَ لِلْمُشْتَرِي شِرْكٌ فِي الأَرْضِ، أي نصيب بأن كانت بين ثلاثة أثلاثًا؛ فباع أحدهم نصيبه لأحد صاحبيه، فَالأَصَحُّ: أَنَّ الشَرِيكَ لَا يَأَخُذُ كُلَّ الْمَبِيعِ بَلْ

ص: 901

حِصَّتَهُ، أي وَهُوَ السُّدُسُ، وفي مثالنا كما لو كان المشتري أجنبيًّا لاستوائهما في الشركة، والثاني: أن الشريك الثالث يختص بالشفعة، ولا حق فيه للمشتري، لأنه يؤدي إلى أن يأخذ الشفعة من نفسه وهو محال، والأول أجاب بأن لا نقول يأخذها من نفسه وإنما يدفع الشريك عن الأخذ عن نفسه.

فَصْلٌ: وَلَا يُشْتَرَطُ في التَّمَلُّك بِالشُفْعةِ حُكْمُ حَاكِمٍ، لثبوته بالنصِّ، وَلَا إِحْضَارُ الثَّمَنِ، كالبيع، وَلَا حُضُورُ الْمُشْتَرِي، كالردِّ بالعيبِ، ولا يتوقفُ أيضًا على رِضَي المُشْتَرِي، نعم يتوقفُ على رضي الشَّفِيع، لأنهُ حَق لَهُ لَا عَلَيهِ، واستشكلَ صاحبُ المطلبِ عدم اشتراطِ الأمورِ الثلاثةِ التي ذكرها المصنف لما ستعلمه عقبه أنه لا بد من أخذها أو مما يلزم منه أخذها، ثم قال: وأقربُ ما يمكنُ أنْ يحمل عليه أنَّ مجموع الثلاثة لايشترط، ويُشتَرَطُ لَفْظٌ مِنَ الشَّفِيع كَتَمَلَّكْتُ أوْ أَخَذْتُ بِالشُفْعَةِ، أي وما أشبههما مما يدل على ذلك كاخترت الأخذ بالشفعة وكاخترت التملك وإلا فهو من باب المعاطاة، ولو قال: أنا مطالبه بالشفعة لم يحصل به التملك على الأصح، [ولهذا قال الماوردي: تثبتُ الشُّفْعَةُ بالبيع، وتُستحق بالمطالبة، وتُملك بالأخذ، ولا يكفي أن يقول: لي حَقُّ الشُّفْعَةِ أو أنا طالب بها، لأن المطالبة] (•)؛ لأنه رغبة في التملك والملك لا يحصل بالرغبة، ويشتَرَطُ مَعَ ذَلِكَ، أي مع اللفظ، إِمَّا تسلِيمُ العِوَضِ إِلَى المُشتَرِي، فَإذَا تسَلَّمَهُ، أَوْ أَلْزَمَهُ القَاضِي التَّسَلُّمَ، أي أو يقبض عنه القاضي، مَلِكَ الشَّفِيعُ الشقصَ، وَأَمَّا رِضى المُشتَرِي بِكَوْنِ العِوَضِ في ذِمَّتِهِ، وَأمَّا قَضَاءُ الْقَاضِي لَهُ بِالشفعَةِ إِذَا حَضَرَ مَجْلِسَهُ وَأَثبَتَ حَقَّهُ فَيَمْلِكُ بِهِ في الأصَحِّ، لأن اختيار التملك تأكَّد بحكم الحاكم، والثاني: لا يحصل الملك في الأخيرة حتى يقبض عوضه أو يرضى بتأخيره، والمراد بالقضاء إنما هو القضاء بثبوت حق الشفعة لا بالملك كما صرح به صاحب المطلب، ولو باع شقصًا من دار عليها صفائح من ذهبٍ بِالفِضَّةِ أو عكسه فيحب التقابضُ في المجلسِ، وأهمل المصنفُ من

(•) ما تحته خط يوجد في النسخة (1) فقط.

قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: وضعناه في هذه النسخة الإلكترونية بين معكوفتين

ص: 902

الأمور هنا وذكره في الروضة تبعًا للرافعي، وإشهاد عدلين على الطلب واختيار الشفعة؛ فإن لم يثبت الملك بحكم القاضي فهنا أَولى؛ وإلا فوجهان لقوة قضاء القاضي له أي بِالشُّفْعَةِ، والأظهر في الوجيز المنع ولم يفرقوا بين أن يقدر على الحاكم أم لا وفيه بحث لصاحب المطلب، وَلَا يَتَمَلَّكُ شِقْصًا لَمْ يَرَهُ الشفِيعُ عَلَى المَذْهَبِ، بناء على منع بيع الغائب وليس للمشترى منعه من الرؤية وهذا أظهر الطريقتين، والثانِيَةُ: القطعُ بالمنع وإن صححنا بيع الغائب؛ لأن البيع جرى بالتراضي فأثبتنا الخيار فيه وهنا أخذ الشفيع من غير رضي المشترى فلا يمكن إثبات الخيار فيه؛ فلو رضي المشترى بأن يَأخُذُهُ الشفيع ويكون بالخيار كان على قولي الغائب.

فصْلٌ: إِنِ اشْتَرَى بِمِثْلِيّ أَخَذهُ الشَّفِيعُ بِمِثْلِهِ، لأنه الأعدلُ والأقرب إلى حقِّهِ، أَوْ بِمُتَقَوِّمِ فَبِقِيمَتِهِ، لأنه مثل في المعنى، يَوْمَ الْبَيع، أي تعتبر قيمة المتقوم يوم البيع؛ لأنه يوم إثبات العوض واستحقاق الشفعة، وَقِيلَ: يَوْمَ استِقْرَارِهِ بِانقِطاع الْخِيَارِ، لأنه وقت استقرار السبب، أَوْ بِمُؤَجَّلِ، أي وإن اشتراه بمؤجل، فالأظهَرُ أنهُ مُخَيَّرٌ بَينَ أن يُعَجِّلَ ويأخُذَ في الحَالِ أَوْ يَصْبِرَ إِلَى المَحِلِّ، أي بكسر الحاء، ويأخُذ، لأن مطالبته بالمال في الحال إجحاف به، لأنه أزيدُ مما لَزِمَ المشترى فإنَّ الأجل يقابله قسط من الثمن وأخذه بثمن مؤجل إجحافٌ بالمشترى لاختلاف الذمم فتعين ما ذكرناه، والثاني: أنه يأخذُه بالموجل تنزيلًا للشفيع منزلة المشترى، والثالث: أنه يأخذه بِعَرْضٍ (•) يساوي الثمن مؤجلًا لتعذر أخذه بحال أو موجل فيعين هذا لأنه أقرب إلى العدل.

وَلَوْ بِيعَ شِقْصٌ وَغَيرُهُ، أي كسيف وثوب، أَخَذَهُ، يعني الشقص لوجود سبب الأخذ فيه دون غيره، ولا خيار للمشتري وإن تفرقت صفقته عليه لدخوله فيها عالمًا بالحال، بِحِصَّتِهِ مِنَ القِيمَةِ، أي باعتبار قيمة يوم العقد؛ لأنه وقت المقابلة، وقوله (مِنَ الْقِيمَةِ) صوابُهُ مِنَ الثمَنِ، كما عبَّر به في الروضة تبعًا للرافعي وعبارة الْمُحَرَّرِ:

(•) في نسخة (3): بعِوَضٍ.

ص: 903

أخذ الشقص بحصته، والمراد من الثمن فإذا اشترى شقصًا قيمته مائتان وسيفًا قيمته مائة بألف أخذ الشقص بثلثي الألف ويبقى السيف للمشري بالثلث الباقي.

وَيُؤْخَذُ الْمَمْهُورُ بِمَهْرِ مِثْلِهَا، لأنَّ الْبُضْعَ متقوِّمٌ وقيمتُهُ مَهْرُ الْمِثْلِ، وَكَذَا عِوَضُ الْخُلْعِ، أي كما إذا خالعها على شقص، والاعتبار بمهر مثلها يوم النكاح ويوم الخلع.

وَلَو اشْتَرَى بِجُزَافٍ وَتَلِفَ امْتَنَعَ الأَخْذُ، لتعذر الوقوف على الثمن، وهذا من الحيل المسقط للشفعة، فَإِنْ عَيَّنَ الشَّفِيعُ قَدْرًا، أي بأن قال: اشتريته بكذا، وَقَال الْمُشْتَرِي: لَمْ يَكُنْ مَعْلُومَ الْقَدْرِ، حَلَفَ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ، أي بذلك المقدار لأنه محتمل، وَإِنِ ادَّعَى عِلْمَهُ، أي علم المشتري وطالبه بالبيان، وَلَمْ يُعَيِّنْ قَدْرًا لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ فِي الأَصَحِّ، أي حتى يعين قدرًا فيحلف عليه المشتري حينئذ أنه لا يَعْرِفُ لأنَّهُ يَدَّعِ حَقًّا لَهُ، وهذا ما نَصَّ عليهِ في الأُمِّ أيضًا، والثاني: يسمع، ونقله المتولي عن عامة الأصحاب؛ والرافعي نقل الأول عن تصحيح البغوي خاصة، ويحلف المشتري على منع ما يقوله، فإن نكل حلف الشفيع على علم المشتري وحبس المشتري حتى يتبيَّنَ قدرُهُ، وَإِذَا ظَهَرَ الثَّمَنُ، أي ثمن المبيع، مُسْتَحَقًّا فَإِنْ كَانَ مُعَيَّنًا بَطَلَ الْبَيعُ، أي سواء كان الثمن عرضًا أو نقدًا؛ إلا أن النقد عندنا يتعين بالعقد كالعَرْضِ، وَالشُّفْعَةُ، لَتَرَتُّبهَا على البيعِ، وعلى الشَّفِيعِ رَدُّ الشقص إن كان قبضه، وإن خرج بعضه مستحقًا بطل البيع في ذلك القدر، وفي الباقي قولٌ تفريق الصفقة، وَإِلَّا، أي وإن كان في الذمة، أُبْدِلَ؛ وَبَقِيَا، أي البيع والشفعة بحالها لأن إعطاءه عما في الذمة لم يقع الموقع؛ فكان وجوده كَعَدَمِهِ.

وَإِنْ دَفَعَ الشَّفِيعُ مُسْتَحَقًّا لَمْ تَبْطُلْ شُفْعَتُهُ إِنْ جَهِلَ، لأنه معذورٌ والقولُ قولُهُ في ذلكَ لأنَّهُ أمرٌ باطلٌ، وَكَذَا إِنْ عَلِمَ فِي الأَصَحِّ، لأنه لم يُقَصِّرْ في الطلبِ، والشفعة لا تستحق بمال معين، والثاني: البطلان؛ لأنه أخذ بما لا يملك فصار كأنه ترك الأخذ مع القدرة، والصحيح في الروضة: أن الخلاف فيما إذا كان الثمن معيبًا

ص: 904

بأن قال: تملكتُ الشقصَ بهذهِ الدراهمِ، أما إذا كان غير معين؛ كقوله تملكته بعشرة دنانير؛ ثم نَقَدَ الْمُسْتَحِقُّ؛ فلا تبطل قطعًا.

فَصْلٌ: وَتَصَرُّفُ الْمُشتَرِي فِي الشِّقْصِ كَبَيعٍ وَوَقْفٍ وإِجَارَةٍ صَحِيحٌ، لأنها في ملكه، وَلِلشَّفِيعِ نَقْضُ مَا لَا شُفْعَةَ فِيهِ كَالْوَقْفِ، أي والهبة والإجارة، وَأَخْذُهُ، ويتَخَيَّرُ؛ فِيمَا فِيهِ شُفْعَةٌ كَبَيعٍ؛ بَينَ أَنْ يَأْخُذَ بِالْبَيعِ الثَّانِي أَوْ يَنْقُضَهُ أَوْ يَأَخُذَ بِالأَوَّلِ، لأن حقه سابق، والمراد بالنقض الأخذ كما استنبطه صاحب المطلب من كلامهم، والتعبير بالإبطال أَوْلى منه، لأن النقضَ رَفْعُ الشَّيءِ مِنْ أصْلِهِ؛ وحكم جعله مسجدًا كالوقف صرح به ابن الصباغ.

وَلَو اخْتَلَفَ الْمُشْتَرِي وَالشَّفِيعُ فِي قَدْرِ الثَّمَنِ صُدِّقَ الْمُشْتَرِي، أي بيمينه لأنه أعلم، وَكَذَا لَوْ أَنْكَرَ الشِّرَاءَ، أي بأن قال: لم أشتره بل وَرِثْتُهُ أَوْ وُهِبْتُهُ، أَوْ كَوْنَ الطَّالِبِ شَرِيكًا، أي فالقول قوله بيمينه، لأن الأصلَ عَدَمُهَا، فَإِنِ اعْتَرَفَ الشَّرِيكُ، أي القديم، بِالْبَيعِ فَالأَصَحُّ ثُبُوتُ الشُّفْعَةِ، لأن اعترافه يتضمن الْحَقَّينِ فلا يبطل حق الشفيع بإنكار المشترى، والثاني: لا، فإن الشفيع فرع المشتري وهو منكر، والثالث: إن لم يعترف البائع بقبض الثمن؛ يثبت. وإن اعترف بقبضه؛ فلا.

فَرْعٌ: لو كان المشتري غائبًا فالحكم كما لو كان منكرًا حاضرًا؛ قاله القاضي حسين.

وَيُسَلَّمُ الثَّمَنُ إِلَى الْبَائِعِ إِنْ لَمْ يَعْتَرِفْ بِقَبْضِهِ، لأنه يتلقى الملك منه، وَإِنِ اعْتَرَفَ، أي بقبضه، فَهَلْ يُتْرَكُ فِي يَدِ الشَّفِيعِ أَمْ يَأْخُذُهُ الْقَاضِي وَيَحْفَظُهُ؟ فِيهِ خِلافٌ سَبَقَ فِي الإِقْرَارِ نَظِيرُهُ، وقد تقدم واضحًا، وأنَّ الأصحَّ أنهُ يتركُ في يدهِ، قال في المطلب: وهذا يقتضي حصول الملك للشفيع والقدرة على التصرف في الشقص، قال: وهو يخالف ما سلف من توقف التصرف على تسليم الثمن لأجل حق الحبس؛ قال: والذي يظهر هو الوجه الثاني، وقوله (أَمْ يَأْخُذُهُ) صوابه أَوْ يَأْخُذُهُ؛ لأَنَّ أَمْ تَكُونُ بَعْدَ الْهَمْزَةِ لَا بَعْدَ هَلْ.

ص: 905

فَصْلٌ: وَلَو اسْتَحَقَّ الشُّفْعَةَ جَمْعٌ أَخَذُوا عَلَى قَدْرِ الْحِصَصِ، لأنه حق مستحقٌّ بالملك فَقُسِّطَ على قدره كالأجرة والثمرة، وَفِي قَوْلٍ عَلَى الرُّؤُوسِ، لأن سَبَبَ الشُّفْعَةِ أَصْلُ الشَّرِكَةِ؛ بدليل أن الشريك الواحد يأخذ الجميع وإنْ قَلَّ نصيبُهُ، وهما في أصل الشركة سواء والخلاف حكاه الشافعي في الأم، ولما حكى الثاني قال: وبه أقولُ كما نبَّه عليه صاحب المطلب.

وَلَوْ بَاعَ أَحَدُ الشَّرِيكَينِ نِصْفَ حِصَّتِهِ لِرَجُلٍ، ثُمَّ بَاقِيهَا لآخَرَ، أي بأن كانت الدار بينهما مناصفة، فباع نصف نصيبه أو ثلثه أو أقلَّ لرجلٍ ثم باع الباقي لآخر، فَالشُّفْعَةُ فِي النّصْفِ الأَوَّلِ للشَّرِيكِ الْقَدِيمِ، لأنه ليس معه في حال بيعه شريك إلا البائع، والبائع لا يأخذ ما باعه بالشفعة، وقوله (ثُمَّ بَاقِيهَا) أشار بذلك إلى تَرَتُّبِ البيعينِ؛ فإنْ وقعا معًا فالشفعة فيهما للأول خاصَّة.

وَالأَصَحُّ: أَنّهُ إِنْ عَفَى، أي الشريك القديم، عَنِ النّصْفِ الأَوَّلِ؛ شَارَكَهُ الْمُشْترِي الأَوَّلُ فِي النِّصْفِ الثَّانِي لأَنَّ مِلْكَهُ قَدْ سَبَقَ الصَّفْقةَ الثَّانِيَةَ وَاسْتَقَرَّ بِعَفْو، الشَّرِيكِ الْقَدِيمِ، وَإِلَّا فَلَا، أي وإن لم يعفُ الشريك القديم عن النصف الذي اشتراه بل أخذه منه فلا يشارك الأول القديم لزوال ملكه، والثاني: يشاركه مطلقًا، لأنَّ شريك حال الشراء، والثالث: المنع مطلقًا، لأنَّ الشريكَ القديمَ مُتَسَلِّطٌ على مِلْكِهِ فكيف يزاحمه؟ وقال القاضي حسين: إنه ظاهر المذهب، ثم محل الخلاف ما إذا لم يكن الشريك القديم عفى عنها قبل البيع الثاني، فإن عفى اشتركا فيها قطعًا، وَالأَصَحُّ أَنَّهُ لَوْ عَفَى أَحَدُ شَفِيعَينِ سَقَطَ حَقُّهُ، كسائر الحقوق المالية، وَتَخَيَّرَ الآخَرُ بَينَ أَخْذِ الْجَمِيعِ وَتَرْكِهِ، أي كالمنفرد، وَلَيسَ لَهُ الاقْتِصَارُ عَلَى حِصَّتِهِ، لئلا تتبعض الصفقة على المشتري، والثاني: أنه يسقط حق العافي وغيره كالقصاص، والثالث: لا يسقط حق واحد منهما تغليبًا للثبوت، وَأَنَّ الْوَاحِدَ إِذَا أَسْقَطَ بَعْضَ حَقِّهِ سَقَطَ كُلُّهُ، كالقصاص، والثاني: لا يسقط شيء؛ كعفوه عن بعض حد القذف، والثالث: يسقط ما عفى عنه ويبقى الباقي؛ لأنه حقٌّ ماليٌّ يقبلُ الانقسامَ،

ص: 906

والأشبه في المطلب جريان الخلاف سواء قلنا أن الشفعة على الفور أم لا.

وَلَوْ حَضَرَ أَحَدُ شَفِيعَينِ، فَلَهُ أَخْذُ الْجَمِيعِ فِي الْحَالِ، أي لا البعض، لأنه ربما لا يأخذ الغائب فتتفرق الصفقة على المشتري فيحصل الضرر، فَإذَا حَضَرَ الْغَائِبُ شَارَكَهُ، لأنَّ حَقَّهُ ثَابِتٌ وحضورَهُ بَعْدَ أَخْذِ الأَوَّلِ كَحُضُورِهِ قَبْلَهُ.

فَرْعٌ: لو قال: لا آخذ إلّا قَدْرَ حِصَّتِي؛ فَإِنَّ حَقَّهُ يبطلُ إذا قَدِمَ الغائبُ، لأن الشفعة إذا أمكن أخذها! فالتأخير تقصير مفوت بخلاف نظيره من القسامة كما ذكره الرافعي في بابها.

وَالأَصَحُّ: أَنَّ لَهُ تَأْخِيرُ الأَخْذِ إِلَى قُدُومِ الْغَائِبِ، لأنَّ لهُ غرضًا ألّا يَأْخُذَ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ، والثاني: لا، لِتَمَكُّنِهِ من الأخذ.

فَرْعٌ: ما أخذَ الحاضرُ من الفوائد واستوفاهُ من المنافعِ لا يزاحِمُهُ فيهِ الغَائِبُ عَلَى الأَصَحِّ.

وَلَو اشْتَرَيَا شِقْصًا فَلِلشَّفِيع أَخْذُ نَصِيبِهِمَا وَنَصِيبِ أَحَدِهِمَا، إذ لا تفريق عليه، وَلَو اشْتَرَى وَاحِدٌ مِنِ اثْنَينِ فَلَهُ أَخْذُ حِصَّةِ أَحَدِ الْبَائِعَينِ فِي الأَصَحِّ، لأن الصفقة متعددة، والثاني: لا، لأن الشتري مَلَكَ الْكُلَّ صفقةً واحدةً فلا يفرقُ مِلْكَهُ عَلَيهِ.

فَصْلٌ: وَالأَظْهَرُ: أَنَّ الشُّفْعَةَ عَلَى الْفَوْرِ، لأنه خيارٌ ثَبَتَ لدفعِ الضَّرَرِ فيكونُ على الفورِ كَخِيَارِ الرَّدِّ بِالْعَيبِ، والمرادُ بكونها على الفور هو طلبها لا تملكها كما نبَّهَ عليه صاحب المطلب، والثاني: يمتد ثلاثة أيام فقد يحتاج فيها إلى نظر وتأمل، والثالث: يمتد مُدَّةً تَسَعُ التأَمُّلَ في مثل ذلك، والرابع: يمتد إلى التصريح بإسقاطها كحق القصاص وهو قويٌّ، فَإِذَا عَلِمَ الشَّفِيعُ بِالْبَيع فَلْيُبَادِرْ عَلَى الْعَادَةِ، أي ولا يكلف البدار على خلافها بِالْعَدْو ونحوه؛ بل يرجع فيه إلى العرف فما يُعَدُّ تقصيرًا في الطلب أسقط حقه وما لا فلا، واحترز بالعلم عما إذا لم يعلم فإنه على شفعته ولو

ص: 907

مضى عليه سُنُون، فَإِنْ كَانَ مَريضًا أَوْ غَائِبًا عَنْ بَلَدِ الْمُشْتَرِي أَوْ خَائِفًا مِنْ عَدُوِّ فَلْيُوَكلْ إِنْ قَدَرَ وَإِلَّا فَلْيُشْهِدْ عَلَى الطَّلَبِ، حسب طاقته؛ قال الروياني: ولا يكفي شاهد ليحلف معه! قال في المطلب: ولا يبعد الاكتفاء به، فَإِنْ تَرَكَ الْمَقْدُورَ عَلَيهِ مِنْهُمَا، أي من التوكيل والإشهاد، بَطَلَ حَقُّهُ فِي الأَظْهَرِ، لتقصيرهِ في الأُوْلى، ولإشعار السكوت مع التمكن من الإشهاد بالرضا في الثانية، ووجهُ مقابلهِ في الأُولى أنه قد يلحقه مِنَّةٌ أو مؤنةُ، وفي الثانية أنَّ الإشهاد إنما هو لإثبات الطلب عند الحاجة، وقوله (فِي الأَظْهَرِ) هو صحيح في الثانية، وأما في الأُولى؛ فالصواب التعبير فيها بالأصح كما عبَّر به في الروضة.

فَرْعٌ: لو بلغه الخبر وهو غائب فسار في طلبه على العادة من غير إرهاق وأشهد، فهو على شفعته وإلّا فالأصح بطلانها.

فَلَوْ كَانَ فِي صَلاةٍ أَوْ حَمَّامٍ أَوْ طَعَامٍ فَلَهُ الإِتْمَامُ، أي ولا يكلف قَطْعَهَا على خلاف المعهود على الصحيح، بل لو دخل وقت الأكل والصلاة أو قضاء الحاجة جازَ لهُ أنْ يُقَدِّمَهَا، وإنْ كانَ ليلًا حتى يصبح. وهنا فروع مهمة ذكرتها في الأصل فراجعها منه.

وَلَوْ أَخَّرَ، أي الطلب، وَقَال: لَمْ أُصَدِّقِ الْمُخْبِرَ، لَمْ يُعْذَرْ إِنْ أَخْبَرَهُ عَدْلانِ، لأنه كان من حقه أن يعتمد عليهما، وكذا لو أخبرهُ عدلٌ وامرأتانِ عدلٍ ولو كانا مستورين فينبغي أن يعذر، وَكَذَا ثِقَةٌ، أي ولو عبد أو امرأة، لِي الأَصَحِّ، لأنه حُجَّةٌ مع اليمينِ فأشبهَ ما لو أخبرهُ نِصَابٌ، والثاني: يعذر؛ فإن الحقَّ لا يقوم بالواحد، والثالث: يعذر فِي العبد فقط، وَيُعْذَرُ إِن أَخْبَرَهُ مَنْ لَا يُقْبَلُ خَبَرُهُ، لأنه معذور، وهذا إذا لم يبلغ عدد المخبرين حدًّا لا يمكن التواطؤ على الكذب، فإنْ بلغه بطل حقه وإنْ كانوا فساقًا، وهذا كله أيضًا بالنسبة إلى الظاهر، أما بالنسبة إلى الباطن، فالاعتبار بما وقع في نفسه من الصدق سواء فيه الكافر وغيره صرح به الماوردي.

ص: 908

وَلَو أُخْبِرَ بِالْبَيعِ بِأَلْفٍ فَتَرَكَ فَبَانَ بِخَمْسِمِائَةٍ! بَقِيَ حَقُّهُ، لأنه لم يتركه زُهدًا بل للكثرةِ وَالْغَلاءِ فَلَيسَ مُقَصِّرًا. وَإِنْ بَانَ بِأَكْثَرَ بَطَلَ حَقُّهُ، للكثرة، لأنه إذا لم يرغب فيه بالأول فبالثاني أَولى، وَلَوْ لَقِيَ الْمُشْتَرِي فَسَلَّمَ عَلَيهِ أَوْ قَال: بَارَكَ الله فِي صَفْقَتِكَ لَمْ يَبْطُلْ، أما في الأُولى: فلأنَّهُ سُنَّةٌ قبل الكلام (158)، وأما في الثانية: فلأنه قد يدعو له بالبركة ليأخذ صفقة مباركة، وَفِي الدُّعَاءِ وَجْهٌ، أي أنه يبطل به حق الشفعة؛ لأنه يشعر بتقرير الشقص في يده، فلا ينتظم الطلب عقبه.

فَرْعٌ: لو جمع بين السَّلامِ والدعاءِ لم يبطل أيضًا على ما اقتضاه كلام المحاملي في تجريده.

وَلَوْ بَاعَ الشَّفِيعُ حِصَّتَهُ جَاهِلًا بِالشُّفْعَةِ فَالأَصَحُّ بُطْلانُهَا، لزوال سببها، والثاني: لا، لأنه كان شريكًا يوم البيع ولم يرض بسقوطِ حَقِّهِ، واحترز بالجهل عن العِلمِ وهو ظاهرٌ، وهذا كله إذا باع جميع حصته، فإن باع بعضها عالمًا؛ فالأظهر: البطلان؛ أو جاهلًا؛ فالأصح من زوائد الروضة: عَدَمُهُ.

فَرْعٌ: الهِبَةُ فيما ذكره كالبيع.

فَرْعَانِ: لو عرضَ الشَّفِيعُ شِقْصَهُ لِلْبَيعِ لَمْ تَبْطُلْ شُفْعَتُهُ في الأصح؛ قاله الجرجاني، ويصح عفو المريض عن الشُّفْعَةِ، وإن كان الخط في أخذها، وإذا مات لا يكون لورثته أخذها قاله الروياني.

(158) حديث السلام قبل الكلام أخرجه الترمذي في الجامع الصحيح: باب ما جاء في السلام قبل الكلام: الحديث (2699) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [السَّلامُ قَبْلَ الْكَلامِ]. قال أبو عيسى الترمذي: هذا الحديث مُنْكَرٌ؛ لا نَعْرِفُهُ إلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. وسمعت محمدًا -البخاري- يقول: عَنْبَسَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ضعيفٌ في الحديث ذاهبٌ، ومحمد بن زاذان مُنْكَرُ الْحَدِيثِ.

ص: 909