الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كِتَابُ الْصُّلْحِ
(•)
الصُّلْحُ: لغةً قَطْعُ المُنَازَعَةِ، وشرعًا مُعَاقَدَةٌ تَفْضِي إلَى إِصْلَاحٍ بَيْنَ الخَصْمَيْنِ (113).
والأصل فيه قبل الإجماع، قوله تعالى:{والصُّلْحُ خَيْرٌ} (114) وقول رسول الله عَلَيْهِ
(•) في نسخة (1): بابُ الصلح.
(113)
الصُّلح من الصّلاح وهو المعنى المراد ضدَّ الفَسَاد، والصِّلاحُ بالكسر مَصْدَرُ المُصَالَحَةِ، والاسم (الصُّلْحُ) يُذَكَّرُ ويُؤَنَثُ. والمعنى في دلالة اللفظ للاسم: ما يأتي من دلالة المُصَالَحَةِ والتَّصالح خلاف المخاصمة والتَّخاصم، أي اسم مُختصٌّ بإزالة النَّفَارِ بين الناس وايجاد السِّلْمُ، بإزالة ما أفسد الودّ والرابطة بقصد حصول الوادعة والإلفة، فأصْلَحَهُ ضِدَّ أفسَدَهُ، وأصلح إليه: أحسن. والصُّلْحُ السِّلْمُ؛ فهو لغة بهذا الاعتبار قطع المنازعة والمخاصمة بين الناس بإزالة النفار. والصُّلْحُ في المفهوم الفقهي ودلائل اصطلاح الفقهاء: هو ما يدخلُ في اعتبارات العقود؛ فهو عبارة عن معاقدة يرتفع بها النزاعُ بينَ الخصوم، ويتوصل بها إلى الموافقة بين المختلفين المتخاصمين. ووضع له العلماء تعريفات عديدة وحدود تعبر عن اصطلاحاتهم، ولا تكاد تكون مختلفة، بل هي متوافقة بالمعنى مختلفة في رسم ألفاظها. لأنها كلها تعبر عن ماهية عقد وضع لرفع المنازعة بعد وفوعها على سبيل التراضى بين الأطراف المتنازعة.
وفي تعريف ابن الملقن رحمه الله معنى جامع للدلالة اللغوية والدلالة الفقهية على الواقع؛ لتشمل معنى قطع المنازعة ورفع الخصومة؛ وتشمل معنى الإحسان أو الاتفاق الَّذي ربما يؤدى إلى خصومة؛ وهو ما زاد المالكية على مدلول الفقهاء في مفهوم عقد المصالحة، وهو الصالح الوقائي، فقال ابن عرفة في حدِّ الصلح: إنه انتقال عن حق أو دعوى بعوضٍ لرفع نزاع أو خوف وقوعه. انتهى. بمعنى جواز الصلح لتوقي منازعة غير قائمة، لكنها محتملة الوقوع.
(114)
النساء / 128. قال الله تعالى: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا =
الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: [الصُّلْحُ جَائِزٌ بَيْنَ الْمُسْلِمِيْنَ إِلا صُلْحًا أَحَلُّ حَرَاما أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا] رواه أبو داود وصححه ابن حبان (115).
هُوَ قِسْمَانِ؛ أَحَدُهُمَا: يَجْرِي بَيْنَ الْمَتَدَاعِيَيْنِ، وَهُوَ نَوْعَانِ:
أَحَدُهُمَا: صُلْحٌ عَلَى إِقْرَارٍ، فَإِنْ جَرَى عَلَى عَيْنٍ غَيْرِ الْمُدَّعَاةِ، فَهُوَ بَيْعٌ بِلَفْظِ الصُّلْح تَثْبُتُ فِيهِ أَحْكَامُهُ كَالشُّفْعَةِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَمَنْع تَصَرُّفِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ وَاشْتِرَاطِ التَّقَابُضِ إِنِ اتَّفَقَا في عِلَّةِ الرِّبَا، أي وغير ذلك من أحكامه، لأن حد البيع صادق عليه. وَقَوْلُهُ (علَى عينٍ غَيْرِ المدُّعاةِ) لو حذفَ لفظةَ عَيْنٍ لشملَ ما إذا صالحَ منها على عينٍ وعلى دَيْنٍ؛ فإن الحكمَ سواءٌ وقَدْ حذفها الحاوي الصغير فأصابَ، أَوْ عَلَى مَنْفَعَةٍ، أي كخدمة عبد، فَإِجَارَةٌ تَثْبُتُ أَحْكَامُهَا، لصدقِ حَدِّ الإجارَةِ عليهِ، أَوْ عَلَى بَعْضِ الْعَيْنِ الْمُدَّعَاةِ فَهِبَةٌ لِبَعْضِهَا لِصَاحِبِ الْيَدِ فَتَثْبُتُ أَحْكَامُهَا، أيْ المقررةِ في بابها من اشتراط القَبُول وغيرِهِ لما ذكرناه من صدق الحدِّ وهذا يسمى صلح الحطيطة. واحترَزَ بِالْمُدَّعَاةِ عما إذا ادعى شيئًا وصالح منه على بعض عين، فإنَّ هذا الصُّلْحَ بَيْعٌ إن ادعى عينًا أو دَيْنًا، أو إجارةٌ إن ادعّى منفعةً. وقوله (فَهِبَةٌ) أيْ إذا عقد بلفظ الهبةِ أو التمليكِ وشبهِهِمَا، فإنْ عُقِدَ بِلَفْظٍ البيع أو الصُّلْح فسيأتي.
وَلَا يَصِحُّ بِلَفْظِ الْبَيْعِ، لأن البيع يقتضي تقابل عوضين وهو منتفٍ هنا، وَالأَصَحُّ: صِحَّتُهُ بِلَفظِ الصُّلْحُّ، أي ويكون هبة؛ لأن الخاصية التي يفتقر إليها لفظ
= جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا}.
(115)
الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه. رواه أبو داود في السنن: كتاب الأقضية: باب في الصلح: الحديث (3594). وابن حبان في ترتيب الإحسان: كتاب الصلح: ج 7 ص 275: الحديث (5069). ورواه الإمام أحمد في المسند: ج 2 ص 366. والترمذى في الجامع: كتاب الأحكام: الحديث (1352)، وقال: هذا حديث حسن صحيح؛ وزاد فيه [وَالْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ، إِلَّا شَرْطًا حَرَّمَ حَلَالًا أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا]. وابن ماجه في السنن: كتاب الأحكام: باب في الصلح: الحديث (2353).
الصلح هي سبق الخصومة وقد حصلت، والثاني: لا يصح، لأن الصلح يتضمن المعاوضة، ومحال أن يقابل ملكه ببعضه.
وَلَوْ قَالَ مِنْ غَيْرِ سَبْقِ خُصُومَةٍ: صَالِحْنِي عَنْ دَارِكَ بِكَذَا، فَالأَصَحُّ: بُطْلانهُ، لأن لفظ الصلح لا يطلق إلّا إذا سبقت خصومة، والثاني: يصح نظرًا إلى المعنى ولو استعملاهُ وأرَادَا به البيع كان كنايَةً، قاله الرافعي وخالفه صاحب المطلب، وَلَوْ صَالَحَ مِنْ دَيْنٍ عَلَى عَيْنٍ صَحَّ، لعموم الأدلة الدَّالَّةِ على الصلح. وقوله (عَلَى عَيْنٍ) صوابُهُ على غيره، فإنَّهُ قَسَّمَهُ بعدَ هذا إلى عَيْنٍ وَدَيْنٍ ويشترطُ في الدَّيْنِ أن يجوز الاعتياض عنه. فَإِن تَوَافَقَا، أي الدَّيْنُ المصالَحُ مِنْهُ والعوضُ المصالَحُ عليه، في عِلَّةِ الرِّبَا، كالصُّلْحِ عن الذهبِ والفضةِ ونحوه، اشْتُرِطَ قَبْضُ الْعَوَضِ في الْمَجْلِسِ، أي فمتى تفرقا قبل قبضه بطل الصلح، وَإِلَّا، أي، فَإِنْ كَانَ العِوَضُ عَيْنًا، أي وإن لم يتوافقا في علَّةِ الرِّبا كالذهب بالحنطة، لَمْ يُشْتَرَطْ قَبْضُهُ في المَجْلِسِ في الأَصَحِّ، أَوْ دَيْنًا، أي كصالحتك عن الذهب، أي الَّذي لي عليك بأردب قمح، اشْتُرِطَ تَعْيِينُهُ في الْمَجْلِسِ، وَفِي قَبْضِهِ الْوَجْهَانِ، لما سلف في الكلام على الاستبدال عن الثمن موجهًا بدلائله، وإن كان المالان ربويين في صورة الدَّيْن فلا بد من قبض العوض في المجلس، وَإِنْ صَالَحَ مِنْ دَينٍ عَلَى بَعْضِهِ فَهُوَ إِبْرَاءٌ عَنْ بَاقِيهِ، لأنه معناه وهذا صلحُ حُطَيْطَةٍ؛ وما تقدم صُلْحُ مُعَاوَضَةٍ.
فَرْعٌ: لو ضمن عشرة وصالح منها على خمسة رجع بها فقط وبرأ، وقد ذكره الرافعي في الضمان وتوقف فيه.
وَيصِح بِلَفْظِ الإِبرَاءِ وَالْحَطِّ وَنَحْوِهِمَا، أي كالإسقاط والوضع، لأنه عليه الصلاة والسلام قال لكعب بن مالك:[ضَعْ عَنْ ابْنِ أَبِى حَدْرَدٍ] لَمَّا طَلَبَ مِنْهُ مَالَهُ الشَّطْرَ؛ متفق عليه من حديثه (116)، وَبِلَفْظِ الْصُّلْحِ فِي الأَصَحِّ، لما تقدم في
(116) • عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ كَعْبٍ؛ أَنَّهُ تَقاضَي ابْنَ حَدْردٍ دَيْنًا كَانَ لَهُ =
صلح الحطيطة عن العين مع توجيه مقابله أيضًا.
فَرْعٌ: لا يَصِحُّ هذا الصلح (•) بلفظِ البيع كنظيره مِن العَيْنِ.
وَلَوْ صَالَحَ مِنْ حَالٍّ عَلَى مُؤَجَّلِ مِثْلِهِ أَوْ عَكَسَ، أي صالح من مؤجل على حالٍّ مثلهِ، لَغَا، لأن الأول إلحاقٌ للأجلِ ولا يلحق، والثاني: اسقاط له ولا يسقط، ولو خرج على الخلاف في أن الأجل يسقط بالاسقاط لم يبعد، فَإِنْ عَجَّلَ المُؤَجَّلَ صَحَّ الأَدَاءُ، لصدور الإيفاء والاستيفاء من أهلهما، ولو عجل على ظن صحةِ الصُّلْحِ؛ ففيه اضطراب، وَلَوْ صَالَحَ مِنْ عَشْرَةٍ حَالَّةٍ عَلَى خَمْسَةٍ مُؤَجَّلَةٍ بَرِئَ مِنْ خَمْسَةِ وَبَقيَتْ خَمْسَةٌ حَالَّةٌ، لأنه سامح (•) بحطِّ خمسة وبإلحاق أجل بالباقي، والأول سائغ فيبرأ عن خمسة، والثاني: وعد لا يلزم فله المطالبة بالباقي في الحال، وَلَوْ عَكَسَ، أي صاع من عشرة مؤجلة على خمسة حالَّةٍ، لَغَا، لأن صفة الحلول لا يصح إلحاقُها، والخمسةُ الأُخرى إنما تركها في مقابلته، فإذا لم يحصل الحلول لا يحصل الترك.
النَّوْعُ الثَّانِي: الصُّلْحُ عَلَى الإِنْكَارِ فَيَبْطُلُ إِنْ جَرَى عَلَى نَفْسِ الْمُدَّعَى، لأنه إن كان المدعى كاذبًا فقد استحلَّ مِنَ المدَّعي عليهِ مالَهُ وهوَ حرامٌ، وإن كان صادقًا فقد حَرَّمَ عليهِ مَالَهُ الحلال؛ فدخل في قوله عليه الصلاة والسلام: [إِلَّا صُلْحًا أَحَلَّ
= عَلَيهِ في المَسْجِدِ؛ فَارْتَفَعتْ أصْوَاتُهُمَا حَتى سَمِعَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ في بَيْتِهِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمَا حَتَّى كَشَفَ سِجْفَ حُجْرَتِهِ، فَنَادَى:[يَا كَعْبُ! ]، قَالَ: لَبَيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ! قَالَ: [ضَعْ مِن دَيْنِكَ هَذَا] وَأَوْمَأَ إليهِ؛ أيِ الشَّطرَ. فَالَ: لَقَدْ فَعَلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ! قَالَ: [قُمْ فَاقْضِهِ].
• رواه البخاري في الصحيح: كتاب الصلاة: باب التقاضى والملازمة في المسجد: الحديث (457). ومسلم في الصحيح: كتاب المساقات: باب استحباب الوضع من الدَّين: الحديث (20/ 1558).
(•) في النسخة (2) و (3) بدل الصلح: الصنف. والصحيح ما أثبتناهُ. والله أعلم.
(•) في النسخة (1): صالح. وفي النسخة (3): يتسامح.
حَرَامًا أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا] (117) وقوله (نَفْسِ الْمُدَّعَى) صوابُهُ: (غَيْرِ) لأن الْمُصَالَحَ عليه هو المأخوذ لا المتروك، وَكَذَا إِنْ جَرَى عَلَى بَعْضِهِ في الأَصَحِّ، قياسًا على غيره، والثاني: يصح؛ لاتفاقهما على استحقاق البعض، وَقَوْلُهُ: صَالِحْنِي عَلَى الدَّارِ الَّتِي تَدَّعِيهَا لَيْسَ إِقْرَارًا في الأَصَحِّ، لأَنَّهُ يحتمل أن يريد قطع الخصومة لا غير، والثاني: نعم، كما لو قال: مَلِّكْنِيهَا فَعَلَى الأَوَّلِ: يكون الصلح بعد هذا الالتماس صلح انكار.
الْقِسْمُ الثَّانِي: يَجْرِي بَيْنَ الْمُدَّعِيَ وَأَجْنَبِيِّ، فَإِنْ قَالَ: وَكَّلَنِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي الصُّلْح وَهُوَ مُقِرٌّ لَكَ، أي في الظاهر، وأنا أعلم أنَّه لك، صَحَّ، لأن قول الإنسان في دعوى الوكالة مقبول في جميع المعاملات، ثم إنْ كان صادقًا في الوكالة صار المدعى ملكًا للمدعي عليه وإلا فهو شراءُ فضوليِّ وقد سلف في بابه.
فُرُوعٌ وَارِدَةٌ عَلَى الْمُصَنَّفِ: لَوْ قالَ الْمُنْكِرُ لِلأَجْنَبِىِّ: وَكَّلْتُكَ في الصلحِ لقطعِ الخصومةِ، فالأصح في الحاوي الكبير الصِّحَّةُ. ولو قال: هو منكرٌ ولكنه مبطل في إنكاره فصالحني له على عبدي هذا لِتنقطع الخصومة بينكما، وكان الدعي دَيْنًا؛ فالمذهب: الصحة، ولو قال: صالحني على الألف الَّذي لك على فلان على خمسمائة صح، وإن كان بغير إذنه وهذا وارد على إطلاقه، اعتبار التوكيل وما قبله وارد على إطلاق اعتبار الإقرار.
وَلَوْ صَالَحَ لِنَفْسِهِ، أي فيما إذا كان المدعى عليه عينًا، وَالْحَالَةُ هَذِهِ، أي والحالة أن الأجنبي قائل بأنه مُقِرٌّ لك، صَحَّ، أي ظاهرًا وكذا باطنًا، كما قال الإمام، أما إذا كان دينًا فيجيء فيه الخلاف السابق في مرضعه في بيع الدين لغير من له عليه، وهذه الطريقة التي جزم بها المصنف هي الصحيحة. وقيل: وجهان؛ كما لو قال لغيره من غير سبق خصومة: صالحني عن دارك بكذا؛ لأن الأجنبي لم يخاصم، والمذهب: الصحة؛ لأن الصلح تَرَتَّبَ على دعوى وجواب لها، واحترز بقوله (وَالْحَالَةُ
(117) تقدم في الرقم (113).
هَذِهِ) عما إذا صالح لنفسه مع الإنكار وسيأتي، وَكَأَنَّهُ اشْتَرَاهُ، كذا عبر به في الْمُحَرَّرِ، وعبارةُ الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ: كما لو اشتراه وهو الصواب، لأنه شراء حقيقى فلا معنى للتشبيه.
وَإنْ كَانْ مُنْكِرًا، وَقَالَ الأَجْنَبِيُّ: هُوَ مُبْطِلُ في إِنْكَارِهِ، فَهُوَ شِرَاءُ مَغْصُوبٍ؛ فَيُفَرَّقُ بَيْنَ قُدْرَتهِ عَلَى انْتِزَاعِهِ وَعَدَمِهَا، أي عدم القدرة وقد سبق الخلاف (•) في البيع وهذا إذا كان عينًا أما الدين فقد تقدم.
فَرْعٌ: قوله أنا قادر على الانتزاع كقدرته على الأصح.
وَإِنْ لَمْ يَقُل هُوَ مُبْطِلٌ لَغَا الصُّلْحُ، لأنه اشترى منه ما لم يثبت ملكه لَهُ.
فَضلٌ: الطَّرِيقُ النَّافِدُ لَا يُتَصَرَّفُ فِيهِ بِمَا يَضُرُّ المَارَّةَ، لأن الحق فيه ليس للمتصرف خاصة بل للمسلمين كافة، وَلَا يُشْرَعُ، أي يخرج، فيه جَنَاحٌ، وهو الخارج من الخشب، وَلَا سَابَاطٌ يَضُرُّهُمْ، لما تقدم؛ فإن لم يضر جاز، بَل يُشْتَرَطُ ارْتفَاعُهُ بِحَيْثُ يَمُرُّ تَحْتَهُ مُنْتَصِبًا، يعني الماشي وعلى رأسه الحمولة العالية كما قَيَّدَهُ (•) الماوردي، ويشترط أيضًا أن لا يؤثر في إظلام الموضع على الأصح، وَإِنْ كَان مَمَرَّ الْفُرْسَانِ وَالْقَوَافِلِ فَلْيَرْفَعْهُ بِحَيْثُ يَمُرُّ تَحْتَهُ الْمَحْمِلُ عَلَى البَعِيرِ مَعَ أَخْشَابِ الْمَظَلَّةِ، لأنه قد يتفق ذلك وإن كان نادرًا.
فَرْعٌ: ما ذكرناه خاصٌّ بالمسلم، أما الكافر؛ فليس له إشراع الجناح على الصحيح من زوائد الروضة.
وَيَحْرُمُ الصُّلْحُ عَلَى إِشْرَاعِ الْجَنَاح، لأن الهوى تابع لا يفرد بالعقد كالحمل مع الأُمِّ، وَأَن يَبْنِيَ في الطَّرِيقِ دَكَّةَ، بفتح الدال، أَو يَغْرِسَ شَجَرَةَ، لمنع الطروق في ذلك المحل، وَقِيلَ: إِدْ لَمْ يَضُرُّ جَازَ، كإشراع الجناح، وَغَيْرُ النَّافِذِ يَحْرُمُ الإِشْرَاعُ،
(•) في النسخة (1): سبق الحالان. وفي هامش النسخة (3) رمز إلى (خ): الحالان.
(•) في النسخة (2): قدَّره.
أي إشراع الجناح، إِلَيهِ لِغَير أهْلِهِ، أي وإن لم يضر؛ لأنه ملكهم فأشبه الإشراع إلى الدور، وَكَذَا لِبَعضِ أَهلِهِ فِي الأصَحِّ، كسائر الأملاك المشتركة، والثاني: يجوز إذا لم يضر؛ لأن كل واحد منهم يجوز له الارتفاق بقراره فيجوز بهوائه كالشارع، إِلَّا بِرِضَى الباقِينَ، أي مجانًا فإنه يجوز ضَرَّ أَم لَا، لأنه ملكهم، ويشترط مع إذن أهل الدرب إِذنُ المستاجرِ إنْ تَضَرَّر، وَأهلُهُ، يعني أهل غير النافذ، مَنْ نَفَذَ بَابُ دَارِهِ إِليه، لَا مَنْ لاصَقَهُ جَدَارُهُ، أي بلا باب لأنهم الذين يُسَمَّوْنَ سكانه.
وَهَل الاسْتِحقاق فِي كُلّهَا، أي في الطريق غير النافذة، لِكُلهِمْ أَمْ تَخْتَصُّ شَرِكَةُ كُل وَاحِدٍ بِمَا بَينَ رَأسِ الدَّرْبِ وَبَابِ دَارِهِ؟ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا: الثانِي، لأن هذا القدر محل تردده ومروره. وما عداه فحكمه فيه حكم غير أهل السكة، ووجهُ الأولِ أنهم ربَّمَا احتاجوا إلى التردد والارتفاق بحميعه لطرح الأثقال عند الإدخال والإخراج، وَلَيسَ لِغَيرِهِم فتَحُ بَاب إِلَيهِ لِلاستِطْرَاق، لتضررهم؛ فإن أذنوا جاز لهم الرجوع ولو بعد الفتح، وَلَهُ فَتحُهُ إِذَا سَمَّرَهُ فِي الأصَح، لأن له رفع الجدار فبعضه أولى، والثاني: لا، لأنه قد يستدل به فيما بعد على استحقاق المرور وصححه جماعة، وهو أفْقَهُ.
وَمَنْ لَهُ فِيهِ بَابٌ فَفَتَحَ آخَرَ أبْعَدَ مِنْ رَأسِ الدَّرْبِ، أي من بابه الأصلي، فَلِشُرَكَائِهِ مَنْعُهُ، لتضررهم، وسواءٌ سَدَّ البابَ الأول أمْ أبقاهُ، فَإن كَان أَقرَبُ إِلَى رَأسهِ وَلَم يَسُدَّ البابَ القَدِيمَ فَكَذَلِكَ، لأن انضمام الثاني إلى الأول يورث زحمةً وكثرةَ وقوفِ الدوابِ فيتضررونَ به، وَإِن سدَّهُ فَلَا مَانِعَ، لأنه ترك بعض حقه.
وَمَن لَهُ دَارَانِ تَفْتَحَانِ إِلَى دَربَينِ مَسْدُودَينِ أوْ مَسدُودٍ وَشَارِع فَفَتَحَ بَابًا بَينَهُمَا، أي لقصد الاستطراق، لَم يُمنَع في الأصَح، لأنه يستحق المرور في السكة ورفع الحائل بينَ دَارَيهِ تَصَرُّفٌ فِي مُلْكِهِ، والثاني: يمنع، ونقلَهُ في الروضة عن الجمهور لإحداث ما لم يكن، وسواء سدَّ بابَ أحدهما أمْ لا! فالخلاف جارٍ، أما إذا قصد اتساع ملكه، فلا يمنع قطعًا، وكذا إذا رفع الجدار وخلط الدارين وترك
البابين على حالهما، وقوله (مَسْدُودَينِ أوْ مَسْدُودٍ) لو عبر بمملوكين أو مملوك كان أَولى لأنه لا يلزم من السد الملك بدليل ما لو كان في أقصاه مسجد ونحوه.
وَحَيثُ مُنعَ؛ فَتَحَ البابَ؛ فَصالحَهُ أَهلُ الدَّربِ بِمالٍ صَح، لأنه انتفاع بالأرض، وهذا بخلاف ما سلف في الجناح؛ لأنه هناك بدل مال في مقابلةِ الهواء المجرد، وَيجُوزُ فَتْحُ الكوَّاتِ، أي بفتح الكاف، وهي فتح في الحائط لأجل الضوء غالبًا؛ لأنه تصرف في ملكه فيفعل فيه ما يشاء، وقيَّد صاحب الشافي ذلك بما إذا كانت عاليه لا يقع النظر فيها على دار جاره.
فَصلٌ: والجِدارُ بَينَ المَالِكينِ، قَدْ يَختَصُّ بِهِ أَحَدُهُما؛ وَقَد يَشْتَرِكانِ فِيهِ، فالمُختصُّ لَيسَ لِلآخَرِ وَضْعُ الجُذُوع عَلَيهِ بِغَيرِ إِذْنِ فِي الجَدِيدِ، وَلا يُجبَرُ المَالِكُ، لقوله صلى الله عليه وسلم في خطبة حجة الوداع [لا يَحِل لامْرِئٍ مِنْ مالِ أَخِيهِ إِلا ما أَعطاهُ عَنْ طِيبِ نَفسِهِ] رواه الحاكم بإسناد على شرط الصحيح من حديث ابن عباس (118) وقياسًا على سائر أمواله، ونفله البغوي في شرح السُّنَّة عن أكثر أهل العلم، والقديم، ونصَّ عليه في البويطي أيضًا: أنه يجوز وضعها من غير إذنه وليس له منعه لقوله صلى الله عليه وسلم[لا يَمْنَعَنُّ جارٌ جارَهُ أنْ يَضَعَ خَشَبَةً في جِدارِهِ] متفق عليه من
(118) * رواه الحاكم في المستدرك على الصحيحين: كتاب العلم: الحديث (318/ 31)، وقال: قد احتجّ البخاري بأحاديث عكرمة، واحتج مسلم بأبي أويس، وسائر رواته متفق عليهم. ووافقه الذهبي في التلخيص. والبيهقي في السنن الكبرى: كتاب الغضب: الحديث (11719).
* عَنْ أبي حُمِيد الساعِدِيّ؛ أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَال: [لا يَحِل لامرِئ أن يأخُذَ عَصا أخِيهِ بِغَيرِ طِيبِ نَفْس مِنهُ] قال: ذَلِكَ لِشِدةِ ما حَرَّمَ الله مِنْ مالِ المُسْلِمِ عَلَى المسُلِمِ. رواه ابن حبَّان في ترتيب الإحسان: كتاب الجنايات: الحديث (5946). والبيهقي في السنن الكبرى: كتاب الغصب: باب من غصب لوحًا: الحديث (11737). ورواه البيهقي في معرفة السنن والآثار: كتاب الصلح: باب الغصب: الحديث (3685)، وقال: أصحُّ ما رُويَ في الباب، وذكره.
حديث أبي هريرة (119) وإنما يجبر إذا كانت خفيفة لا تضر، واستغنى المالك عنه وأن تكون الأرض له، وأن لا يمكن الجدار (•) أن يسقف إلا بالوضع، واعلم أنه يجوز على هذا القول إدخال الجذوع في الحائط أيضًا ولا يختص بالوضع، فَلَوْ رَضِيَ بِلا عِوَضٍ فَهُوَ إِعارَةٌ، لصدق حدها عليه، وَلَهُ الرجُوعُ قَبْلَ البناءِ عَلَيهِ، وَكَذا بَعْدَهُ في الأصَح، كسائر العواري، والثاني: لا كما لو أعار للدفن، وفائدَةُ الرُّجُوع؛ تَخْييرُهُ بَينَ أَن يُبْقِيَهُ بأُجْرَةٍ أَوْ يَقْلَعَ وَيغْرَمَ أَرشَ نَقْضِهِ، كما لو أعار أرضًا للبناء، وَقيلَ: فائِدَتُهُ طَلَبُ الأجْرَةَ فَقَطْ، لأن ضرر القلع يصل إلى ما هو خالص ملك المستعير؛ لأن الجذوع إذا رُفعت أطرافها من جدارٍ لم تستمسك على الجدار الباقي.
وَلَو رَضِيَ بِوَضْع الجُذُوع والْبِناءِ عَلَيها بِعِوَضٍ، فَإِن أَجَّرَ رَأسَ الجِدارِ لِلْبِناءِ، فَهُوَ إِجَارَةٌ، أي فيشترط فيه شروطها إلا بيان المدة على الأصح؛ لأن الحاجة تدعو إلى دوامه، وَإِن قَال: بِعْتُهُ لِلْبِناءِ عَلَيهِ، أَوْ بعْتُهُ حَق البنِاءِ عَلَيهِ، فالأصَحُّ: أَنَّ هَذا العَقدَ فِيهِ شَوْبُ بَيعٍ، أي لكونه مؤبد، أَو إِجارَةً، أي لكونه على منفعةٍ؛ والثاني: أنه بيع لوضع الجذوع حتى لو انهدم الجدار ثم أُعيد عاد حقه، والثالث: أنَّه إجارة مؤبدة واغتفر ذلك لما سلف من الحاجة، واحترز بقوله (لِلْبِناءِ عَلَيهِ) عما إذا باعه وشرط ألا يبنى عليه؛ فإنه جائز لا محالة، وينتفع به بما عدا البناء عليه وكذا إذا باعه ولم يتعرض للبناء بالكلية على الأصح ذكره الماوردي، فَإذا بَنَى، أي بعد هذه المعاقدة، فَلَيسَ لِمَالِكِ الْجِدارِ نَقْضُهُ بِحالٍ، أي نقض بناء المشتري لاستحقاقه دوامه؛ ومن الواضح أن البائع لا يُمَكنُ من هدم هذا الجدار.
(119) رواه البخاري في الصحيح: كتاب المظالم: باب لا يمنع جارٌ جارَهُ: الحديث (2463). وعن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: "لا يَمْنَعَن جارٌ جارَهُ أنْ يَغْرِزَ خَشَبَهُ في جدارِهِ] ثُم يَقُولُ أبو هُرَيرَةَ: مَا لِي أراكُمْ عَنها مُعرِضِينَ؟ واللهِ لأَرمِيَنَّ بِها بَينَ أكتافِكُم. ومسلم في الصحيح: كتاب المساقاة: باب غرز الحشب في جدار الجار: الحديث (136/ 1609).
(•) وفي هامش أحد النسختين تعليق: أنه في نسخة أخرى (الجار) بدل الجدار.
وَلَو انهَدَمَ الجِدارُ فأَعَادَهُ مالِكُهُ، فَلِلْمُشتَرِي إِعادَةُ البناءِ، أي بتلك الآلات وبمثلها لاستحقاقه، وَسواءٌ كان الإِذْن، في وضع البناء، بِعِوَضٍ، أَوْ بِغَيرِهِ، يُشْتَرَطُ بَيان قَدرَ المَوضِع الْمَبنِي عَلَيهِ طُولًا وَعَرضًا، وَسَمْكِ الْجُدرانِ، أي بفتح السين وهو ارتفاعه عن الأرض، قاله الرافعي؛ وطوله عبارة عن امتداده من زاوية البيت إلى زاويته الأخرى مثلًا، والعرض هو البعد الثالث، وَكَيفِيتِها، أي هل هي منضدة أو مجوفة من طوب أو غيره، وَكَيفِيةِ السَّقفِ الْمَحمُولِ عَلَيها، أي هل هو من خشب أو أزج وَهُوَ الذِي يُسَمَّى عَقْدًا؛ لأن الغرض يختلف بذلك، ولو كانت الآلات حاضرة أغنت عن كل وصف.
وَلَو أذِن في البناءِ عَلَى أَرضِهِ، كَفَى بَيان قَدرِ مَحَل الْبناءِ، لأنَّ الأرضَ تَحمِلُ كُلَّ شَيءٍ فَلا يَختلِفُ الْغَرَضُ إلَّا بِقَدرِ مَحَل الْبِناءِ.
تَنْبِيهٌ: ينبغي اشتراط قدر ما يحفر؛ لأنَّ الغرض يختلف به.
وأما الجِدارُ الْمُشتَرَكُ فَلَيسَ لأحَدِهِما وَضْعُ جُذوعِهِ عَلَيهِ بغير إِذْن في الجَدِيدِ، لما سبق في الجدار المختص، وَلَيسَ لَهُ أَن يَتِدَ فِيهِ وتدًا أَوْ يَفْتَحَ كُوَّة إِلّا بِإِذْنِهِ، كغيره من المشتركات، وكذا لا يترب الكتابَ بترابهِ بلا إذن، وَلَهُ أَن يَسْتَنِدَ إِلَيهِ وَيسنِدَ مَتاعًا لا يَضرٌّ، وَلَهُ ذَلِكَ في جِدارِ الأجنَبِي، لأنه لا ضرر على المالك، وَلَيسَ لَهُ إِخبارُ شَرِيكِهِ عَلَى الْعِمارَةِ في الْجَدِيدِ، كما لا يجبر على زراعة الأرض المشتركة، والقَدِيمُ إجباره دفعًا للضرر، وصَحَّحَهُ جَماعَةٌ وهو المختارُ، فإِن أرادَ، أي الشريك، إِعادَةَ مُنهَدِمٍ بِآلَةٍ لِنَفْسِهِ لَم يُمنَعْ، ليصل إلى حقه بذلك، نَعَمْ؛ قيل: لَهُ مَنْعُ شَرِيكِهِ من الاستناد إليه والحالة هذه، وقيل: لا؛ قال في البحر: وهو الأصحُّ عندي، وَيكُون الْمُعادُ مِلْكَهُ، يَضَعُ عَلَيهِ ما شاءَ وَينْقُضُهُ إِذا شاءَ، لأنه لا حق لغيره فيه.
وَلَوْ قَال الآخَرُ: لا تنْقُضْهُ وَأَغْرَمُ لَكَ حِصَّتِي لَمْ تلْزَمْهُ إِجابَتُهُ، كما لا تلزمه ابتداءً العمارةُ على هذا القول، وَإِن أَرادَ إِعادَتَهُ بِنَقضِهِ الْمُشْتَرَكِ فَلِلآخَرِ مَنْعُهُ،
لأنه تصرف في ملك غيره بغير إذنه، وقال الغزالي في وسيطه: ليس له منعه، وادَّعى الإمام اتفاق الأصحاب عليه. وقال صاحب المطلب: إنه الأشبهُ.
وَلَو تَعاوَنا عَلَى إعادَتِهِ بِنَقْضِهِ؛ عادَ مُشتَرَكًا كَمَا كان، لأنه ملكهما فلو شرط زيادة لأحدهما لم يصح على الصحيح. وَلَو انفَرَدَ أَحَدُهُما، بإعادة نقضه، وَشَرَطَ لَهُ الآخَرُ زِيادَةَ جازَ، وَكانَتْ في مُقابَلَةِ عَمَلِهِ فِي نَصِيبِ الآخَرِ، كذا أطلقوه، واستدرك الإمام فقال: هذا إذا جعل له الزيادة في الحال لتكون الأجرة حاضرة، فأما إذا شرطها بعد البناء فلا يصح لأن الأعيان لا تؤجل، وتعقبه الرافعي، وَيجُوزُ أن يُصالِحَ عَلَى إِجْراءِ الماءِ وَإِنقاءِ الثلج في مِلْكِهِ عَلَى مالٍ، كحقِّ البناء ولا يجبر على ذلك في الجديد.
فَصْلٌ: وَلَو تَنازَعا جِدارًا بَينَ مِلْكَيهِمَا، فَإن اتصَلَ بِبِناءِ أَحَدِهِما بِحَيثُ يُعْلَمُ إِنهُما بَنَيا مَعًا، فَلَهُ اليَدُ، لأن اتصاله به أمارةٌ ظاهرةٌ على يده وتصرفه، ومن صور ذلك أن يدخل نصف لَبِناتِ الجدارِ المُتَنازَع فيهِ في جداره الخاص ونصف من جداره الخاص في المتنازع فيه ويظهر ذلك في الزوايا، قوله (إِنهُما) وهو بكسر الهمزة، وإلا، أي وإن لم يحصل الاتصال المذكور، بأن كان منفصلًا عنهما أو متصلًا بهما اتصالًا لا يمكن فيه الإحداثُ أو يمكن؛ أو متصلًا بأحدهما فقط ولكن لا يمكن إحداثُهُ، فَلَهُما، لعدم المُرجّح، فَإن أَقامَ أَحَدُهُما بَيِّنَة قُضِيَ لَهُ، لأن البينة مقدمة على اليد، وإلّا، أي وإن لم يقم أحدهما بيِّنة أو أقامها كل منهما، حَلَفا، أي حلف كل لصاحبه؛ لأن كل واحد منهما مدّعى عليه ويده على النصف، فالقول قوله فيه كالعين الكاملة ويحلف كل منهما على النصف الذي في يده على الأصح، فَإِن حَلَفا، أي حَلَفَ كُل مِنْهُما عَلَى نَفْي استِحقاقِ صاحِبِهِ لِلنِّصف الذِي في يَدِهِ، أَوْ نَكَلا جُعِلَ بَينَهُما، لظاهر اليد، وإن حَلَفَ أَحَدُهُما، أي ونكل الآخر، قُضِيَ لَهُ، أي بالكل.
فَرعٌ: لا ترجيح بالدواخل والخوارج وأنصافِ اللَّبِنِ ومعاقد القِمْطِ.
وَلَو كان لأحَدِهِما عَلَيهِ جُذُوعٌ لَم يُرَجَّح، لأنها قد تكون بإجارة أو بيع أو يكون قاضٍ قضى بها فلا يترك المحقق بالمحتمل فينزل على الإعارة لأنها أضعف الأسباب، والسقفُ بَينَ عُلُوِّهِ وَسُفْلِ غَيرِهِ، كَجدارٍ بَينَ مِلكَينِ، فَيُنْظَرُ أيمكِنُ إحداثُهُ بَعدَ العُلُوِّ، أي بأن يكون السقف عاليًا فَينْقَبُ رأس (•) الجدارِ ويوضع رأس الجذوع في النقب فيصير البيت بيتين، فَيَكُون فِي يَدِهِما، لاشتراكهما في الانتفاع به، أوّلًا، أي وإن لم يكن إحداثه كالأزَجِّ الذي لا يمكنُ عقدُهُ على وسط الجدار بعد امتداده في العلوِّ (120)، فَلِصاحِبِ السُّفْلِ، لاتصاله ببنايته على سبيل الترصِيفِ.
(•) في نسخه (1) أشار الناسخ في الهامش ورمز إلى نسخة (ظ) بدل رأس: وسط. وفي تقديري أن الأنسب وضع وسط بدل رأس. ولكني أثبتُ ما وجد في النسخ الثلاثة مع ملاحظة ما وجد في هامش النسخة (1).
(120)
قلتُ: بسبب دقته وطولهِ.