الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كِتَابُ الْحَجِّ
اَلْحَجُّ: هُوَ لُغَةً القَصْدُ، وشرعًا قَصْدُ الْكَعْبَةِ لِلنُّسِكِ الآتي بيانُهُ، وَالأَصْلُ فيه قَبْلَ الإِجْمَاعِ وَالسُنَّةِ الشَّهِيْرَةِ الصَّحِيْحَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا
…
} الآية (1023) وقوله: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} (1024) وقال ابن إسحق: ولم يبعث الله نبيًا بعد إبراهيم إلا وقد حجَّ البيت صلوات الله عليهم؛ وحكى بعض من ألَّفَ في المناسك وجهين في أنه هل كان واجبًا على الشرائع قبلنا؟ وادعى أن الصحيح أنه لم يجب إلا على هذه الأمة، وهو غريب. وفي صحيح ابن حبان من حديث ابن عمر مرفوعًا [أَنَّ الْحَاجَّ حِيْنَ يَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهِ أَنَّ رَاحِلَتَهُ لَا تَخْطُو خُطْوَةً إلَّا كَتَبَ اللهُ لَهُ بِهَا حَسَنَةً وَحَطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيْئَةً، فَإِذَا وَقَفَ بِعَرَفَةَ؛ فَإِنَّ الله عز وجل يَنْزِلُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيَقُولُ: أُنْظُرُواْ إِلَى عِبَادِيَ أَتوْنِي شُعْثًا غُبْرًا أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ ذُنُوبَهُمْ وَإِنْ كَانَتْ عَدَدَ قَطْرِ السَّمَاءِ وَرَمْلِ عَالِجَ، وَإِذَا رَمَى الْجِمَارَ لَا يَدْرِي أَحَدٌ مَا لَهُ حَتَّى يَتَوَفَّاهُ الله يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَإِذَا حَلَقَ رَأْسَهُ فَلَهُ بِكُلِّ شَعْرَةٍ سَقَطَتْ مِنْ رَأْسِهِ نُورٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَإِذَا قَضَى آخِرَ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ] رواه الأزرقي في تاريخ مكة من حديث أنس بزيادة وقال: [لَا تَضَعُ نَاقَتُكَ خُفًّا وَلَا تَرْفَعُهُ إلَّا كَتَبَ اللهُ لَكَ بِهِ حَسَنَةً وَمَحَى عَنْكَ سَيِّئَةً، وَأَمَّا رِكْعَتَاكَ بَعْدَ الطوَافِ فَعِتْقُ رَقَبَةٍ مِنْ وِلْدِ إِسْمَاعِيْلَ، وَأَمَّا طَوَافُكَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ فَيَعْدِلُ سَبْعِيْنَ رَقَبَةٌ] وزاد في الوقوف [أَفِيْضُوا عِبَادِيَ مَغْفُورًا لَهُمْ
(1023) آل عمران / 97.
(1024)
البقرة / 196.
وَلِمَنْ شَفَعْتُمْ لَهُ، وَأَمَّا رَمْيُكَ الْجِمَارَ فَيَغْفِرُ لَكَ بِكُلِّ حَصَاةٍ رَمَيْتَهَا كَبِيْرَةً مِنَ الْكَبَائِرِ الْمُوْبِقَاتِ، وَأَمَّا نَحْرُكَ فَمَذْخُورٌ لَكَ عِنْدَ رَبِّكَ] وقال في الطواف [فَيَأْتِي مَلَكٌ فَيَضَعُ كَفَّهُ بَيْنَ كَتِفَيْكَ وَيَقُولُ لَكَ: إِعْمَلْ لِمَا بَقِيَ فَقَدْ غَفَرَ لَكَ مَا مَضَى] وعن ابن مسعود رفعه: [مَنْ جَاءَ حَاجًّا يُرِيْدُ وَجْهَ اللهِ فَقَدْ غَفَرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ وَشُفِّعَ فِيْمَنْ دَعَا لَهُ] ذكره المنذري في جزئه وفيه أيضًا عن جابر رفعه: [مَنْ قَضَى نُسَكَهُ وَسَلِمَ النَّاسُ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ]. وفيه أيضًا عن عائشة رضي الله عنها رفعته: [إِذَا خَرَجَ الْحَاجُّ مِنْ بَيْتِهِ كَانَ فِى حِرْزِ اللهِ؛ فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ نُسَكَهُ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ] وإنفاق الدرهم الواحد في ذلك الوجه يعدل أربعين ألف ألف فيما سواه (•)، قال:
هُوَ فَرْضٌ، أي مفروض بالإجماع، وَفُرِضَ سَنَةَ خَمْسٍ أَوْ سِتٍّ، وَكَذَا الْعُمْرَةُ فِي الأَظْهَرِ، لما روى عن أصحاب السنن الأربعة عن أبي رَزِيْن العُقَيْلِيِّ أَنَّهُ أتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فقالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ أَبِي شَيْخْ كَبِيرٌ لَا يَسْتَطِعُ الْحَجَّ وَلَا الْعُمْرَةَ وَلَا الظَّعْنَ. قَالَ: [حُجَّ عَنْ أَبِيكَ وَاعْتَمِرْ] صححه الترمذي وابن حبان والحاكم (1025)، قال الإِمام أحمد: لا أعلم في إيجاب العمرة حديثًا أجود منه ولا أصح (1026)،
(•) في هامش نسخة (3): بلغ مقابلة.
(1025)
رواه الترمذى في الجامع: كتاب الحج: باب ما جاء في الحج عن الشيخ الكبير: باب 87 منه: الحديث (930). وقال: هذا حديث حسن صحيح؛ وأبو رَزِينٍ العُقَيْلِيُّ اسمه لَقِيط بْنُ عَامِرٍ. وفي الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان: الحديث (3980). والحاكم في المستدرك: الحديث (1768/ 160)، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.
(1026)
قال الزيلعى في نصب الراية: ج 3 ص 148؛ ومنه نقلت: (قال الإِمام أحمد: لا أعلم في إيجاب العمرة حديثًا أصح من هذا. قال: وفيه نظر؛ فإن هذا الحديث لا يدل على وجوب العمرة. إذِ الأمر فيه ليس للوجوب، فإنَّهُ لا يجب عليه أن يَحُجَّ عن أبيه. وإنما يدل الحديث على جواز فعل الحج والعمرة عنه لكونه غير مستطيع) إنتهى كلامه. قُلْتُ - أي الزيلعى قال -: سبقه إلى هذا الشيخ تقى الدين في - الإِمام - فقال: وفي دلالته =
والثانى: أنها سُنَّةٌ لحديث [وَإِنْ تَعْتَمِرُواْ فَهُوَ أَفْضَلُ] ضعفوه، وأُنْكِرَ على الترمذيِّ تصحيحه (1027)، وحكى عن بعض الحنفية أنها فرض كفاية وهو غريب.
وَشَرْطُ صِحَّتِهِ، أي صحة ما ذكرت من الحج والعمرة: الإِسَلَامُ، أي لا غير فلا يصح من كافر كغيره من الفروع ولا يصح له أيضًا لعدم أهليته، فَلِلْوَليِّ أنَ يُحْرِمَ عَنِ الصَّبِيِّ الَّذِي لَا يُمَيِّزُ، لأنه عليه الصلاة والسلام لَقِيَ رَكْبًا بِالرَّوحَاءِ فَقَالَ:[مَنِ الْقَوْمُ؟ ] فَقَالُواْ: مُسْلِمُونَ فَقَالُواْ: مَنْ أَنْتَ؟ فَقَالَ: [رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم] فَرَفَعَتِ امْرَأَةٌ إِلَيْهِ صَبِيًّا فَقَالَتْ: أَلِهَذَا حَجٌّ؟ قَالَ: [نَعَمْ وَلَكِ أَجْرٌ](1028)، وَالَمَجْنُونَ، قياسًا على الصَّبيِّ، والأصح أن الولي الذي يحرم عنهما هو ولي مالهما على الترتيب، ولا يصح من الأُمِّ إلا أن تكون وصية، ولا يشترط كون الولي حلالًا ولا حضور الصبي على الأصح ولا يصير الولي باحرامه عن الصبي محرمًا.
فَرْعٌ: لو أذن الولي لمن يحرم عنه؛ فالأصح من زوائد الروضة الجواز.
فَرْعٌ: إذا أحرم الولي عن الصبي أحضره المواقف وأمره بأن يأتي بما يقدر عليه.
فَرْعٌ: لو أحرم عن الصبي المميز وليُّهُ؛ صحَّ على الأصح أيضًا؛ خلافًا لما وقع في
= على وجوب العمرة نظر. فإنها صيغة أمر للولد؛ بأن يحج عن أبيه ويعتمر، لا أمر له بأن يحج ويعتمر عن نفسه. وحجته عن أبيه ليس بواجب عليه؛ بالاتفاق. فلا يكون صيغة الأمر فيها للوجوب. إنتهى.
(1027)
عن جابر رضي الله عنه؛ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنِ الْعُمْرَةِ أَوَاجِبَةٌ هِيَ؟ قَالَ: [لَا؛ وَأَنْ تَعْتَمِرُواْ هُوَ أَفْضَلُ]. رواه الترمذي في الجامع: باب ما جاء في العمرة أواجبة؟ الحديث (931)، وقال: هذا حديث حسن صحيح. قال البيهقي: هذا هو المحفوظ عن جابر موقوفٌ غيرُ مرفوعٍ. وروي عن جابر مرفوعًا بخلاف ذلك، وكلاهما ضعيف. وقال ابن حزم: أما حديث جابر فالحجاج بن أرطأة ساقط لا يحتج به، والطريق الأخرى أسقط وأهون: المحلى: ج 7 ص 37.
(1028)
رواه مسلم في الصحيح: كتاب الحج: باب صحة حج الصبي وأجر مَن حج به: الحديث (409/ 1336). وأبو داود في السنن: باب في الصبى يحج: الحديث (1736). والنسائي في السنن: كتاب الحج: : باب الحج بالصغير: ج 5 ص 121.
شرح مسلم للمصنف من تصحيح المنع (1029).
فَرْعٌ: المغمى عليه لا يصح الإحرام عنه كما أفهمه تقييدُ المصنف بالصبي والمجنون.
وَإِنَّما تَصِحُّ مُبَاشَرَتُهُ مِنَ الْمُسْلِمِ الْمُمَيِّزِ، كسائر عباداته وينبغى للصبي أن يستأذن وليه (1030)، فإن لم يَسْتَأْذِنْهُ وَاسْتَقَلَّ (•) بِالإِحْرَامِ لم يصح على الأصح؛ لأنه يفتقر إلى المال وهو محجور عليه فيه.
وَإِنَّمَا يَقَعُ عَنْ حَجَّةِ الإِسْلَامِ، أي وعمرته، بِالْمُبَاشَرَةِ إِذَا بَاشَرَ الْمُكَلَّفُ الْحُرُّ، فَيُجْزِىُء حَجُّ الْفَقِيرِ، كما لو تحمل الغني خطر الطريق وحج، ومراده المكلف من حيث الجملة لا المكلف بالحج، دُونَ الصَّبِيَّ وَالْعَبْدِ، بالإجماع ومحله إذا حصل البلوغ والعتق بعد الفراغ من الحج فإن حصل قبل الوقوف أجزاهما، نعم لو سعى بعد القدوم أعاده على الأصح، لوقوعه في حال النقصان، وإن حصل بعده وعاد إليه في وقته أجزاهما وإلّا فلا على الأصح.
وَشَرْطُ وُجُوبِهِ: الإِسْلَامُ، وَالتَّكْلِيفُ، وَالْحُرِّيَّةُ (1031) وَالاِسْتِطَاعَةُ، بالإجماع،
(1029) قال: (فإن كان مميزًا، أذن له الولي فأحرم، فلو أحرم بغير إذن الولي أو أحرم الولي عنه لم تنعقد على الأصح): المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج: كتاب الحج: باب صحة حج الصبي: ج (9 - 10) ص 107.
(1030)
عن السائب بن يزيد رضي الله عنه؛ قال: [حُجَّ بِي مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ]. رواه البخاري في الصحيح: كتاب جزاء الصيد: الحديث (1858). والترمذى في الجامع: كتاب الحج: باب ما جاء في حَجِّ الصبي: الحديث (925)، وقال: هذا حديث حسن صحيح.
(•) في نسخة (1): واشتغل بالإحرام.
(1031)
• أَمَّا أَنَّ التَّكْلِيفَ وَالْحُرِّيَّةَ مِنْ شُرُوطِ وُجُوبِ الْحَجِّ؛ فلحديث ابن عباس رضي الله عنهما؛ قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: [إِذَا حَجَّ الصَّبِيُّ فَهِىَ لَهُ حَجَّةً حَتّى يَعْقِلَ؛ وَإذَا عَقِلَ فَعَلَيْهِ حَجَّةٌ أُخْرَى. وَإِذَا حَجَّ الأَعْرَابِي فَهِىَ لَهُ حَجَّةٌ، فَإِذَا هَاجَرَ فَعَلَيْهِ حَجَّةٌ أُخْرَى]. رواه الحاكم في المستدرك: كتاب المناسك: الحديث (1769/ 161) =
نعم المرتد يجب عليه لالتزامه إياه بإسلامه، وإذا اجتمعت هذه الشروط وجب مرة على التراخى خلافًا للأئمة الثلاثة، وَهِيَ نَوْعَانِ:
• أَحَدُهُمَا: اسْتِطَاعَةُ مُبَاشَرَةٍ وَلَهَا شُرُوطٌ:
أَحَدُهَا: وُجُودُ الزَّادِ وَأَوْعِيَتِهِ، أي حتى السُفْرَةُ كما قاله القاضى، وَمُؤْنَةِ ذِهَابِهِ وَإيَّابِهِ، لأنه عليه الصلاة والسلام لما سُئل عن السبيل في قوله تعالى:{وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} قال: [الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ] رواه الحاكم وصححه على شرط الشيخين (1032)، وَقِيلَ: إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بِبَلَدِهِ أَهْلٌ وَعَشِيرَةٌ لَمْ تُشْتَرَطْ نَفَقَةُ الإِيَابِ، لأن البلاد في حقه سواء، والأصح الاشتراط وهو نصه في الإملاء، لما في الغربة من الوحشة، والخلاف جارٍ في اشتراط الراحلة للرجوع. والأَهْلُ: هو كُلُّ مَن تلزمه نفقته، والعشيرة: الأقارب، ولو قال المصنف أهل أو عشيرة بـ (أو) كما فعل في الروضة كان أَولى، فَلَوْ كَان يَكْتَسِبُ كُلَّ يَوْمٍ مَا يَفِي بِزَادِهِ، وَسَفَرُهُ طَوِيلٌ، لَمْ يُكَلَّفِ الْحَجَّ، لأنه قد ينقطع عن الكسب لعارض، وبتقديرٍ أن لا ينقطع، فالجمع بين الكسب والسفر تعظم فيه المشقة، وَإِنْ قَصَّرَ وَهُوَ يَكْتَسِبُ فِي يَوْمٍ كِفَايَةَ أَيَّامِ كُلِّفَ، لانتفاء المشقة وقدرته على الكسب المذكور في الحضر هل يلحق بالسفر، فيه نظر.
الثَّانِي: وُجُودُ الرَّاحِلَةِ، أي ملكًا أو إجارة، لِمَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ مَرْحَلَتَانِ، للحديث السالف قريبًا، وسواء قدر على المشي أم لا، والراحلة هنا كل ما يركب
= وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.
• وعن ابن عباس رضي الله عنهما؛ قال: اِحْفَظُواْ عَنِّي، وَلَا تَقُولُوا: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ! [أَيَّمَا عَبْدٍ حَجَّ بِهِ أَهْلُهُ ثُمَّ اُعْتِقَ فَعَلَيْهِ حَجٌّ]. رواه ابن أبي شيبة في المصنف: كتاب الحج: باب في الصبي والعبد: الحديث (14872) وإسناده صحيح.
(1032)
آل عمران / 97. والحديث رواه الحاكم في المستدرك: كتاب المناسك: الحديث (1613/ 5)، وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. ورواه بسند آخر: الحديث (1614)، وقال: على شرط مسلم.
من الإبل ذكرًا كان أو أنثي وفي معناها الحمولة من برذون ونحوه، فَإِنْ لَحِقَهُ بِالرَّاحِلَةِ مَشَقّةٌ شَدِيدَةٌ اشْتُرِطَ وُجُودُ مَحْمِلٍ، وَاشْتُرِطَ شَرِيكٌ يَجْلِسُ فِي الشِّقِّ الآخَرِ، دفعًا لمشقة الركوب كما اعتبرت الراحلة دفعًا لمشقة المشي، ويفهم من هذا أنه لو شق عليه ركوب المحمل اعتبر في حقه الكنيسة (1033)، قُلْتُ: وبه صرح ابن الصباغ، وضابط المشقة أن يكون ضررًا موازيًا للضرر الذي بين الركوب والمشى، وإنما اعتبر وجود شريك لتعذر ركوب شق لا يعادله شيء، والظاهر أنما يحتاج إليه في سفره كالزاد وغيره يقوم مقام الشريك وكذا الأمتعة المستأجر على حملها، وذكر المحاملي وغيره من العراقيين أن في حق المرأة يعتبر المحمل، وأطلقوا القول فيه لأنه أستر لها وأليَق بحالها.
وَمَن بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا دُونَ مَرْحَلَتَيْنِ، وَهُوَ قَوِيٌّ عَلَى الْمَشْيِ يَلْزَمُهُ الْحَجُّ، لعدم الضرر، فَإِنْ ضَعُفَ فَكَالْبَعِيدِ، أي فيما سلف لوجود الضرر، وخرج بالمشي الحبو فإنه لا يلزمه وإن أمكن على الأصح.
وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ فَاضِلَيْنِ عَن دَيْنِهِ، أي حالًا ومؤجلًا ولو رضي صاحبه بتأخيره؛ لأن الْمَنِيَّةَ قَدْ تَحْتَرِمَهُ فتبقى ذِمَّتُهُ مشغولة مرهونة، ومقتضى كلامه أنه لا فرق بين دَين الله ودَين الآدمي، وَمُؤْنَةِ مَنْ عَلَيْهِ نَفَفَتُهُمْ مُدَّةَ ذَهَابِهِ وَإِيَابِهِ، كيلا يضيعوا، وَالأَصَحُّ اشْتِرَاطُ كَوْنِهِ فَاضِلًا عَنْ مَسْكَنِهِ، وَعَبْدٍ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ لِخِدْمَتِهِ، أي لزمانته أو لمنصبه كما يبقيان عليه في الكفارة، وعلى هذا لو كان معه نقد يريد صرف إليهما مكن، وظاهر كلامه اعتبارهما، ولو كانت المرأة مُزَوَّجَةً لاحتمال انقطاع الزوجية، أو كان الشخص يسكن بيتًا في مدرسة ونحوها، والثانى: لا يشترط؛ بل يباعان؛ لأن الاستطاعة مُفَسَّرة في الخبر بالزاد والراحلة وهذا وَاجِدٌ لَهُمَا، والفرق بين الحج والكفارة أن العتق في الكفارة له بدل معدول إليه، والحج بخلافه، وهذا ما حكى عن نصه في الأُمِّ، فإن قلنا بالأَوَّل فذلك فيما إذا كانت الدار
(1033) الكنيسةُ: أعواد مرتفعة في جوانب المحمل عليها ستر يدفع الحر والبرد.
مستغرقة لحاجته، وكانت سكنى مثله والعبد عبد مثله، أما إذا أمكن بيع بعض الدار وَوَفى ثَمَنهُ بِمُؤْنَةِ الْحَجِّ أو كانا نفيسين لا يليقان بمثله، ولو أبدلهما لوفى التفاوت بمؤنة الحج فإنه يلزمه ذلك، وَأنَّهُ يَلْزَمُهُ صَرْفُ مَالِ تجَارَيهِ إِلَيهِمَا، أي إلى الزاد والراحلة، وإن بطلت تجارته؛ كما يُكَلِّفُ صرفه في الدَّين، ويخالف السكن والخادم فإنه يحتاج إليهما في الحال وما نحن فيه يتجدد خيره، والثاني: لا؛ لئلا يلتحق بالمساكين؛ وهو ظاهر فيما إذا لم يكن له كسبٌ.
فرعٌ: تَبْقَى لِلْفَقِيهِ كُتُبُهُ.
الثالِثُ: أَمْنُ الطْرِيق، لأن خَوْفَهُ يَنْفِى اسْتِطَاعَةَ السَّبِيلِ، والأمن في كل مكان على حسب ما يليق به، ولا بد من اشتراط رفقة تخرج معه وقت العادة إن احتيج إليها، فَلَوْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ سَبُعًا؛ أَوْ عَدُوًّا؛ أَوْ رَصَدِيًا، أي وهو الذي يرقب الناس مسلمًا كان أو كافرًا، وَلَا طَرِيقَ سِوَاهُ لَم يَجِبِ الحَجُّ، لحصول الضرر ولو كان الرَّصَدِىُّ يرضى بشيء يسير فلا وجوب أيضًا، وَالأظْهَرُ: وُجُوبُ رُكُوبِ الْبَحرِ إِن غَلَبَتِ السَّلَامَةُ، أي فإن غلب الهلاك أو استوى الأمران لم يجب قياسًا على البر في الحالين، والثاني: لا يجب مطلقًا للخطر، والثالث: يجب مطلقًا لعموم الأدلة، هذا كله إذا لم يكن في البر طريق آخر؛ فإن كان فيلزمه قطعًا، نَعَمْ؛ لو امتنع سلوك البر لعارض كجدب أو عطش فجزم الجوري بأنه لا يجب ركوب البحر؛ بل ينتظر زوال العارض.
فَرْعٌ: ليست الأنهار العطمة كجيحون (1034) في حكم البحر على الأصح، لأنَّ الْمُقَامَ فيها لا يطول والخطر فيها لا يعظم.
فَرْعٌ: لو كان البحر مغرقًا أو كان قد اغتلَمَ وهاجَ حُرِّمَ ركوبهُ لكل سفرٍ.
وَأنَّهُ يَلْزَمُهُ أجْرةُ البَذرَقَةِ، لأنها من أهب الطريق مأخوذة بحق فكانت
(1034) من الجوح؛ الواسع من كل شئ، وفيه القدرة على حمل ما فوقه أو يغطس فيه. ويحذر الهلاك منه؛ ويمكن اتخاذ الأسباب المنحية بإذن الله.
كالراحلة، وينبغى أن يتقيد بأجرة المئل، والثاني: لا، لأنه خسران لدفع الظلم فأشبه التسليم إلى الظالم، وهذا هو المنصوص كما نقله ابن الرفعة، قال: وهو ما أورده العراقيون والفاضى، والبذرقة بذال معجمة ومهملة: الْخُفَارَةُ فارسية أُعربت، وقوله (وَالأظْهَرُ) خالف فيه في الروضة فعبر بالأصح وهو أصوب.
ويشتَرَطُ وُجُود الماءِ وَالزادِ في الْمَوَاضع المُعْتَادِ حَمْلُهُ مِنْهَا بِثَمَنِ المِثْلِ وَهُوَ الْقَدر اللائقُ بِهِ فِي ذَلِكَ الزمَانِ وَالمَكَانِ، أي وإلا عظمت المؤنة، وَعَلَفَ الدَّابَّةِ فِي كُلِّ مَرْحَلَةٍ، لأن المؤنة تعظم أيضًا في حمله لكثرته، وفي ذلك نظر، وينبغى اعتبار العادة فيه كالماء.
وَفِي الْمَرأةِ أَن يَخْرُجَ مَعَهَا زَوْجٌ، أَوْ مَحْرَمٌ، أي إما بنسب أو غيره (1035)، أَوْ نِسْوَة ثِقَاتٌ، لأن سفرها وحدها حرام، وإن كانت في قافلة لخوف استمالتها وخديعتها، وفي الصحيح اعتبار الزوج أو الْمَحْرَمِ، وأما النسوة الثقات فلأنهن إذا كثرن انقطع الأطماع عنهن بخلاف غير النسوة الثقات وهذا في حج الفرض، أما النفل فليس لها الخروج إلى سائر الأسفار مع النساء الخلص في الأصح المنصوص، بل رأيتُ في الخصال لأبي بكر الخفاف من قدماء أصحابنا: أنها لا تحج متطوعة إلّا مع ذي مَحْرَمٍ هذا لفظه، وما جزم به الشيخ من اشتراط النسوة هو شرط للوجوب،
(1035) • لحديث أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قالَ النبِىُّ صلى الله عليه وسلم: [لَا يَحِل لاِمرَأة تُوْمِن بِاللهِ وَاليَومِ الآخِرِ أن تُسَافِرَ مَسِرَةَ يوْمٍ وَلَيلَةِ لَيس مَعَهَا حُرمة]. رواه البخارى في الصحيح: كتاب تقصر الصلاة: باب في كم يَقصُرُ الصلاة؟ الحديث (1088).
• وعن ابن عمر رضى الله عنهما؛ أن النبِىَّ صلى الله عليه وسلم قال: [لا تُسَافِرُ المَرْأَةُ ثَلًاثةَ أيامٍ إلّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ]. رواه البخاري في الصحيح: الحديث (1086).
• عن ابن عباس رضي الله عنهما؛ قال: سَمِعتُ النبِي صلى الله عليه وسلم يَخْطِبُ يَقُولُ: [لَا يَخلوَنْ رَجُلٌ بِامْرَأة إلَّا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ، وَلَا تُسَافِرُ المَرْأَةُ إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ] فَقَامَ رَجُل؛ فَقَالَ: يَا رسُولَ اللهِ إِنَّ امْرأتِي خرَحَتْ حَاجَّة وَإنِّي اكتتَبتُ فِى غزْوَةِ كَذَا وَكَذَا؟ قَالَ: [اِنطَلِق فَحُجَّ مَعَ امْرأتِكَ]. رواه مسلم في الصحيح: كتاب الحج: باب سفر المرأة مع محرم: الحديث (424/ 1341).
أما الجواز فيجوز لها أن تخرج لأداء حجة الإسلام مع المرأة الثقةِ كما قاله الماوردي وغيره، وينبغي الاكتفاء بالعبد، لأنهم ألحقوهُ في النظر بالْمَحْرَمِ، وظاهر كلام المصنف يقتضى اشتراط ثلاث نسوة غيرها ويظهر الاكتفاء باحتماع ثلاثة بها، ويقتضي اشتراط بلوغهن؛ لأن الصبية ليست بثقة، وهل ذلك شرط في المحرم وغيره ممن يخرج معها أم لا؟ فيه نظر.
وَالأصَحُّ: أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ وُجُودُ مَحْرَمٍ لأِحدَاهُن، لما تقدم من انقطاع الأطماع عنهن عند كثرتهن، والثاني: يشترط؛ لأنه قد ينوبهن أمر فيستعنَّ به، والزوج عند هذا القائل كالمحرم بخلاف ما يوهمه كلام المصنف والرافعى، وَأَنَّهُ يَلْزَمُهَا أُجْرَةُ المَحْرَمِ إِذَا لَمْ يَخْرُجْ إِلَّا بِهَا، كأجرة المبذرق وأَولى باللزوم، والثاني: المنع؛ وأجرة الزوج يظهر إلحاقها بأجرة المحرم، وهو صريحُ إيراد الحاوي الصغير، وفي أجرة النسوة نظر.
فَرْعٌ: لو امتنع الْمَحْرَمُ من الخروج بالأجرة؛ لا يجبر عليه؛ ذكره الرافعى في حد الزنا.
فَرْعٌ: الخنثى المشكل لا يلزمه الحج إلّا إذا كان له محرم من الرجال أو النساء يخرجون معه ولا أثر لنسوة ثقات؛ فإنه لا يجوز له الخلوة بهن.
الرَّابِعُ: أَنْ يَثْبُتَ عَلَى الرَّاحِلَةِ، أي أو المحمل، بِلَا مَشَقةٍ شَدِيدَةٍ، أي فإن لم يثبت أصلًا أو كان يثبت ولكن بمشقة شديدة فليس له استطاعة المباشرة سواء فرض ذلك لمرض أو غيره (1036)، وَعَلَى الأعْمَى الحَجُّ إِنْ وَجَدَ قَائِدًا، أي مع الزاد والراحلة لاستطاعته حينئذ، وَهُوَ، أي القائد، كَالْمَحْرَمِ فِي حَقِّ الْمَرأَةِ، أي فيأتي فيه ما سلف.
(1036) لحديث ابن عباس رضي الله عنهما؛ عن الفضل؛ أن امرأة من خثعم؛ قالَت: يَا رَسولَ الله؛ إِن أبِى شَيْخ كَبِير عَلَيهِ فَرِيضَةُ الله فِي الحجِّ وَهُوَ لَا يَستَطِيعُ أَن يَسْتَوِيَ عَلَى ظَهرِ بعِيرِهِ؟ فَقَالَ النبِي صلى الله عليه وسلم: [فَحُجِّي عَنهُ]. رواه مسلم في الصحيح: كتاب الحج: باب الحج عن العاجز: الحديث (408/ 1335).
فَرْعٌ: يجب أيضًا على مقطوع اليدين والرجلين إذا وجد مُعينًا وأمكنه الثبوت على الراحلة بلا مشقة.
وَالْمَحْجُورُ عَلَيهِ بِسَفَهٍ كَغَيرِهِ، في وجوب الحج لقيام التكليف به، لَكِنْ لَا يُدْفَعُ الْمَالُ إِلَيْهِ، لئلا يبذره، بَلْ يَخْرُجُ مَعَهُ الْوَليُّ، أي لينفق عليه في الطريق بالمعروف ويكون قوامًا عليه، أَوْ يَنْصِب شَخْصًا لَهُ، لقيامه مقامه، ويظهر أن يلتحق الخارج معه بمحرم المرأة فيما سلف.
تَنْبِيهٌ: أهمل المصنف شرطًا خامسًا وهو سعة الوقت لتمكنه من السير لأدائه، وقد أهمله الغزالي واستدركه الرافعي عليه، وأما ابن الصلاح فأنكر على الرافعي وقال: إنه شرط لاستقرار الوجوب لا للوجوب ورده عليه في الروضة، نعم كلام الماوردي موافق لما قاله ابن الصلاح (1037).
• النؤعُ الثانِي: اسْتِطَاعَةُ تَحصيلِهِ بِغَيْرِهِ، فَمَنْ مَاتَ وَفِي ذِمَّتِهِ حَجٍّ، أي حجة الإسلام وغيرها وكذا العمرة، وَجَبَ الإحْجَاجُ عَنْهُ مِنْ ترِكَتِهِ، لأن امرأة قَالَت: يا رَسُولَ اللهِ إِنَ أمِّي مَاتَتْ وَلَمْ تَحُجَّ قطْ أَفَأحُج عَنْهَا؟ قَالَ: [حُجِي عَنْهَا] رواه مسلم (1038) وفي البخارى مثله في النذر، وقوله من تِركَتِهِ فيه إشارة إلى أنه عند عدمها لا يجب على الوارث ولا على بيت المال، ولو مات بعد الوجوب وقبل التمكن من الأداء لم يقض من تِركَتِهِ على الأصح.
(1037) قلْتُ: سَعَةُ الوقت ليست بشرط؛ لأن الشرط يدخل في الفعل، ويستلزم من عدمه العدم، أما سعة الوقت؛ فإن الفعل يدخل فيه، وهو معروف للمرء بأنه يصل به إلى أداء الحكم حين القيام بفعله.
(1038)
الحديث عن عبد الله بن بريدة عن أبيه رضي الله عنه؛ قال: بَينَا أنَا جَالِس عِنْدَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم؛ إِذ أتَتْهُ امْرَأة؛ فَقَالَت: إِنى تَصَدَّقْتُ عَلَى أمي بِجارِيَة؛ وَإِنهَا مَاتَتْ؟ قالَ: فَقَالَ: [وَجَبَ أجْرُكِ وَردُّهَا عَلَيك المِيرَاث] قالَت: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنهُ كَان عَلَيهَا صَومُ شَهر؛ أفاصُومُ عَنهَا؟ قَالَ: [فَصُومِى عَنْهَا] قالَت: إِنهَا لم تَحُجُّ قطْ، أفَأحُج عَنْهَا؟ قَالَ:[حُجِّي عَنهَا]. رواه مسلم في الصحيح: كناب الصيام: الحديث (157/ 1149).
فرعٌ: لو مات المرتد وقد وجب عليه الحج هل يُخرج من تركته أم لا؟ فيه احتمالان للروياني وجزم به ابن الرفعة بالمنع وهو الظاهر لاستحالة وقوعه عنه.
وَالْمَغضُوبُ العَاجِزُ عَنِ الحَجِّ بِنفْسِهِ، أي حالًا ومالًا، إِن وَجَدَ أجْرَةَ مَنْ يَحُجَّ عَنْهُ بِأجرَةِ الْمِثْلِ لَزِمَهُ، لأنه مستطيع حينئذ بغيره؛ لأن الاستطاعة كما تكون بالنفس تكون ببذل الأموال وطاعة الرجال، ولهذا يقال لمن لا يحسن البناء: فلان يستطع بناءَ داره إذا كان قادرًا على ما يبذله في ذلك، وأنه إذا صدق أنه مستطيع وجب عليه للآية وأيضًا ففي الصحيحين من حديث ابن عباس أَنَّ امْرأةَ مِن خثعم قَالَت: يَا رَسولَ الله إِنَّ فَرِيضَةَ اللهِ عز وجل أَذرَكَتْ أبِي شَيخًا كَبِيْرًا لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَثبتَ عَلَى الراحِلَةِ أفَأحُجُّ عَنْهُ؟ قال: [نَعَمْ] وذلك في حَجَّةِ الوَدَاع، متفق عليه (1039).
فَرْعٌ: يُستثنى المعضوبُ إذا كان بمكةَ أو بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا دُونَ مَسَافَةِ القَصْرِ لا يجوز له الاستنابة؛ لأن المشقة لا تكثر عليه قاله المتولي.
ويشْتَرَطُ كَونُهَا، يعني الأجرة، فَاضِلَةً عَنِ الحَاجَاتِ المَذْكُورَةِ فِيمَنْ حَجَّ بِنَفْسِهِ، لَكِنْ لَا يُشتَرَطُ نَفَقَةُ الْعِيَالِ ذِهَابًا وَإِيَّابًا، لأنه إذا لم يفارق أهله يمكنه تحصيل نفقتهم ونفقته كنفقتهم كما حكاه ابن الرفعة عن البندنيجي، ولا خلاف أنه يشترط أن يكون فاضلًا عن نفقتهم وكسوتهم يوم الاستئجار، ولو عبَّر المصنف بالمؤنة بدل النفقة لكان أشمل، وَلَو بذلَ، أي أعطى، وَلَدُهُ أَؤ أَجنَبِي مَالًا لِلأجْرَةِ لَمْ
(1039) حديث ابن عباس رضى الله عنهما: (كَانَ الفَضلُ ردِيفَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَجَاءَتِ امرأة مِنْ خَثعَمَ؛ فَجَعَلَ الفَضلُ يَنظُرُ إِلَيهَا وَتَنْظُرُ إِلَيهِ؛ وَجَعَلَ النبِىُّ صلى الله عليه وسلم يَصرِفُ وَجهَ الفَضلِ إِلَى الشق الآخَرِ؛ فَقَالَت: يَا رَسُولَ اللهِ؛ إِن فرِيضَةَ الله عَلَى عِبَادِهِ فِى الحَج أدرَكَت أبِي شَيخًا كَبِيرًا لَا يَثبُتُ عَلَى الرَّاحِلَةِ؛ أفَأحُجُّ عَنْهُ؟ قَالَ: [نَعَمْ] وَذَلِكَ فِي حَجَّةِ الوَدَاع). رواه البخاري في الصحيح: كتاب الحج: باب الحج وفضله: الحديث (1513). ومسلم في الصحيح: الحديث (407/ 1334).
يَجِب قبولُهُ فِي الأصَحِّ، للمنة، والثاني: يجب لحصول الاستطاعة، والخلافُ في غير الوَلَدِ مرتبٌ على وجوب الحجِّ بطاعتهِ وَأَوْلَى بأنْ لَا يجب قاله في البيان.
فَرْعٌ: بذلُ الأبِ المَالَ لِلاِبنِ كَعَكْسِهِ عَلَى الأصَحِّ من احتمال الإمام.
فرعٌ: لو استأجرَ المطيعُ إنسانًا للحج عن المطاع المعضوب وكان للمطيع ولدٌ ألزمَهُ المطاعُ الحجَّ لتمكنه منه كما صححه المتولي وأقرَّهُ عليه في شرح المهذب.
وَلَو بَذَلَ الوَلَدُ الطْاعَةَ وَجَبَ قُبُولُهُ، أي وهو إذنه له في الحج لحصول الاستطاعة، وهذا إذا كان الولدُ راكبًا، فإنْ كانَ ماشيًا فلا يجب على الأصح مِن زوائدِ الروضة، لأن مشيَ ولده يشق عليه، وحكم التعويل على الكسب أو السؤال حكم المشي كما أجاب به صاحب الحاوى الصغير، وَكَذَا الأجنَبِي فِي الأصَحِّ، لحصول الاستطاعة كالولد، والثاني: لا يجب؛ لأن الولد بضعة منه فنفسه كنفسه بخلاف غيره.
فَرْعٌ: الأخ كالأجبى؛ وكذا الأب فِى الأصح.
فرعٌ: يشترطُ في المطيع أنْ لا يكون صَرُورَةً (1040) وهو الذي لم يحج ولا معضوبًا، وأن يكون موثوقًا بصدقه، زاد القفال: وبقاء المطيع على الطاعة مدة إمكان الحج؛ فلو رجع قبله فلا وجوب.
فرعٌ: إِذَا تَوَسَّمَ الأبُ أَثَرَ الطاعَةِ لَزِمَهُ الالْتِمَاسُ عَلَى الأصَحِّ إذا وثق بالإجابةِ لحصولِ الاستطاعةِ (•).
(1040) رَجلٌ صَرُورٌ، وَصَرَارَة؛ وَصَارُورةٌ، وَصَارُورٌ؛ وَصرُورِىُّ؛ وَصَارورَاءُ: لَم يَحُجَّ. ينظر: القاموس المحيط للفيروزآبادى: مادة (صرر).) أما المَغضُوبُ؛ فَهُوَ الضعِيفُ، وَالزمنُ، أوْ أنهُ لَا نَاصِرَ لَهُ فَلَا يَقْوى عَلَى أمْرِ نَفسِهِ.
(•) في هامش نسخة (3): بلغ مقابلة على نسخة قريت على المصنف وخطها عليه.