الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كِتَابُ السَّلَمِ
السَّلَمُ: أَصلهُ التَّقْدِيمُ، والأصلُ فيه قوله تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ
…
الآية} (79)، قال ابن عباس: المرادُ بها السَّلَمُ (80)، وقوله عليه الصلاة والسلام:[مَنْ أَسْلَفَ فِي شَيْءٍ فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومِ، وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ](81) والإجماع أيضًا.
وهُوَ بَيْعُ مَوْصُوفٍ فِي الذِّمَّةِ، أي ببدل عاجل بلفظ السَّلَم؛ لا بلفظ البيع؛ وخرج بالوصف القرضُ.
يُشْتَرَطُ لَهُ مَعَ شُرُوطِ الْبَيْعِ أُمُورٌ، لما تَقَرَّرَ (•) من كونه بيعًا، نعم يستثنى سَلَمُ الأعْمَى كما ذكره الشيخ في البيع.
(79) البقرة / 282.
(80)
قال الطبري رحمه الله: وكان ابن عباس يقول: نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِي السَّلَمِ خَاصَّة. ذكر الرواية عنه بذلك:
• عن أبى نجيح؛ قال: قال ابن عباس في {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} قال: السَّلَمُ فِي الْحِنطَةِ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ إِلَى أجَلٍ مَعْلُومٍ.
• قال: نزَلَتْ في السَّلَمِ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ إِلَى أجَلٍ مَعْلُومٍ.
• قال: في السَّلَفِ في الْحِنْطَةِ في كَيْلٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ.
في جامع البيان عن تأويل آى القرآن: سورة البقرة: تفسير الآية 282: النص (4946).
(81)
رواه البخاري في الصحيح: كتاب السَّلَمِ: بابُ السَّلَمِ في وزنٍ معلومٍ: الحديث (2240). ومسلم في الصحيح: كتاب المساقاة: باب السَّلَمِ: الحديث (127/ 1604).
(•) في نسخة (1)؛ بدل تَقَرَّر: تقَدَّمَ.
أَحَدُهَا: تَسْلِيمُ رَأْسِ الْمَالِ فِي الْمَجْلِسِ، لدلالة اسم السَّلَم عليه، فَلَوْ أَطْلَقَ، أي بِأَنْ قَالَ: أسْلَمْتُ إليكَ دينارًا في ذمتى بكذا، ثُمَّ عَيَّنَ وَسَلَّمَ فِي الْمَجْلِسِ؛ جَازَ، لأن المجلس حريم العقد فله حكمه، وَلَوْ أَحَالَ بِهِ، أي برأس المال، وَقَبَضَهُ الْمُحَالُ فِي الْمَجْلِسِ فَلَا، لأنها ليست بقبض حقيقى، وَلَوْ قَبَضَهُ، يعنى رأس المال، وَأَوْدَعَهُ الْمُسْلِمُ، أي قبل التفرق، جَازَ، لأن الوديعة لا تستدعى لزوم الملك، وَيَجُوزُ كَوْنُهُ، أي كون رأس المال، مَنْفَعَةً، كما يجوز جعلها ثمنًا وغيره، وَتُقْبَضُ بِقَبْضِ الْعَيْنِ، لأنه لما تعذر القبض الحقيقي اكتفينا بهذا لأنه الممكن، وِإذَا فُسِخَ السَّلَمُ، أي بسبب يقتضيه، وَرَأْسُ الْمَالِ بَاقٍ اسْتَرَدَّهُ بِعَيْنِهِ، وليس له إبداله؛ لأن المعين كالمبيع، وَقِيلَ: لِلْمُسْلَمِ إِلَيهِ رَدُّ بَدَلِهِ إِنْ عَيَّنَ فِي الْمَجْلِسِ دُونَ الْعَقْدِ، لأن العقد لم يتناوله، واحترز بقوله (بَاقٍ) عما إذا تلف؛ فإنه يرد مثله في المثلى وقيمته في المتقوَّم، وَرُؤْيَةُ رَأْسِ الْمَالِ تَكْفِي عَنْ مَعْرِفَةِ قَدْرِهِ فِي الأَظْهَرِ، كثمن المبيع، والثاني: لا؛ بل يجب ذكر قدره وصفته، لأنه ربما ينقطع ويكون رأس المال تالفًا فلا يدري بم يرجع، ومحل الخلاف ما إذا تفرقا قبل العلم بالقدر والقيمة؛ فإنْ عَلِمَاهُ قبله صحَّ قطعًا.
فَرْعٌ: لو كان متقومًا مشاهدًا؛ فلا يشترط معرفته على المذهب؛ وقيل: القولان.
الثَّانِي: كَوْنُ الْمُسَلَّمِ فِيهِ دَيْنًا، لأن لَفْظَ السَّلَمِ موضوعٌ لهُ؛ ومراده بالشرط: ما لا بد منه؛ فإن الدَيْنِيَّةَ داخلةٌ في حقيقة السَّلَمِ، فَلَوْ قَالَ: أَسْلَمْتُ إِلَيكَ هَذَا الثَّوْبَ فِي هَدَا الْعَبْدِ فَلَيْسَ بِسَلَمٍ، أي قطعًا لانتفاء الدَيْنيَّةِ، وَلَا ينْعَقِدُ بَيْعًا فِي الأَظْهَرِ، نظرًا إلى اللفظ، والثانى: نعم؛ نظرًا إلى المعنى، وَلَوْ قَالَ: اشْتَرَيتُ مِنْكَ ثَوْبًا صِفَتُهُ كَذَا بِهَذِهِ الدَّرَاهِمَ، أي وكذا بدراهم في الذمة، فَقَالَ: بِعْتُكَ انْعَقَدَ بَيْعًا، اعتبارًا باللفظ، وَقِيلَ: سَلَمًا، اعتبارًا بالمعنى، وكلُّ سَلَمٍ بَيْعٌ؛ بخلاف لفظ السَّلَمِ لا ينعقد به بيع، فإن قال بَعْدَهُ: اشتريتُ سَلَمًا كان سَلَمًا جزمًا ويجب التعيين في صورة الدَّيْنِ إذا جعلناه بيعًا، وإلَّا أدَّى إلى بيعِ الدَّيْنِ بِالديْنِ قاله المحامليُّ وَغَيْرُهُ.
الثالِثُ: الْمَذهَبُ أَنَّهُ إِذَا أَسْلَمَ بِمَوْضعٍ لَا يَصْلُحُ لِلتَّسْلِيمِ أَوْ يَصْلُحُ، وَلِحَمْلِهِ
مَؤُنَة اشْتُرِطَ بَيَان مَحَل التسْلِيمِ، أي بفتح الحاء إذا كان مؤجلًا، وِإلا فَلَا، لأنه إذا كان الموضع صالحًا وليس للحمل مَوُنَةٌ اقتضى العرف التسليم فيه، وإذا لم يكن كذلك تفاوتت الأغراض باختلاف الأمكنة فاشترط التعيين، وهذا هو المفتى به من سبع طرق موضحة في الأصل. أما السَّلَمُ الحالُّ فلا يشترط فيه التعين كالبيع، ويتعين موضع العقد للتسليم، لكن لو عَيَّنًا غَيْرَهُ جازَ بخلافِ البيع، والمراد بمكان العقد الْمَحَلَّةُ، وَيصِحُّ حَالًا، إذا كان المُسَلمُ فيه موجودًا، وَمُؤَجَّلًا، أما المؤجل فلما سلف أول الباب، وأما الحالُّ فلأنه إذا جاز مؤجلًا فهو في الحال أجوز، وعن الغرر أبْعَدُ، وفائدة العدول عن البيع إلى السَّلَمِ رُخْصُ السِّعْرِ، وجوازُ العَقْدِ مع غيبهِ المبيع، والأمْنُ مِنَ الانْفِسَاخ إذ هو متعلق بالذمة، فَإِنْ أَطْلَقَ، أي فلم يشترط تأجيلًا ولا حلولًا، انعَقَدَ حَالًا، كالثمن في البيع، وَقِيلَ: لَا يَنْعَقدُ، لأن العرف فيه التأجيلُ، فالسكوتُ فيه كأجلٍ مجهولٍ، وأجاز ابن خزيمة التوقيت بالميسرة وهو قويٌّ، ويُشْتَرَطَ الْعِلمَ بِالأجَلِ، للآية والحديث السالفين، فَاِن عَينَ شُهُورَ الْعَرَبِ أَوِ الْفُرسِ أَوِ الرُّومِ جَازَ، لأنها معلومة مضبوطة، وِإن أطْلَقَ، أي الشهر، حُمِلَ عَلَى الْهِلَالِيِّ، لأنهُ عُرفُ الشَّرْع، فإنِ انْكسَرَ شهرٌ حُسِبَ الباقِي بالأهلةِ وَتمِّمَ الأوَّلُ ثلاثينَ، لأنه لما تعذر اعتبار الهلال في المنكسر رجعنا إلى العدد، وَالأصَحُّ صِحَّةُ تأجِيلِهِ بِالعِيدِ وَجُمَادَى، ويحمَلُ عَلَى الأولِ، لتحقق الاسم به، والثاني: يفسد لتردده، والظاهر أن محل الخلاف في العيدين إذا كان العقد قبلهما، أما إذا كان بينهما فينصرف بحسب الواقع إلى الأخير منهما، لأنه الذي يلي العقد قاله ابن الرفعة.
فَرعٌ: لو قال: إلى طلوع الشمس غدًا لم يصح، وعلله في البحر في آخر خيار المتابعين: بأن طلوعَ الشَّمسِ قَدْ لا يكون بأن تغيم السماء؛ بخلاف قوله إلى وقت طلوع الشمس فإنه يصح، وفي الأول نظر؛ لأن المفهوم من طُلُوعِهَا وجودُهَا في نفس الأمرِ.
فصل: يُشترَطُ كَون المُسلَم فِيهِ مَقدُورًا عَلَى تَسلِيمِهِ عِنْدَ وُجُوبِ التسلِيمِ، لأن المعجوز عن تسليمه يمتنع بيعه فيمتنع السَّلَم فيه، فَإِن كَان يُوجَدُ بِبَلَدٍ آخَرَ
صَح إِنِ اعْتِيْدَ نَقْلُهُ لِلْبَيْع، وإلا فَلَا، أي سواء كان لا ينقل منها للبيع أصلًا أو ينقل لَهُ، ولكن على ندور أو جرت العادة بنقله، لكن لغير البيع كالهدية، وَلَوْ أَسْلَمَ فِيمَا يَعُمُّ فانقَطَعَ في مَحِلهِ، أي بكسر الحاء، لَم يَنْفَسِخْ في الأظْهَرِ، كما إذا أفلس المشتري بالثمن، فَيَتَخَيرُ المُسْلِمُ بَيْنَ فَسخِهِ، وَالصبرِ حَتى يُوجَدَ، والخيارُ على الفور في وجه، والأصح أنه على التراخي، وبه جزم الرافعي، والثانى: ينفسخ؛ كما لو تلف المبيعُ قبل القبضِ، وَلَوْ عَلِمَ قبلَ المَحِلِّ، أي بكسر الحاء أيضًا، انْقِطَاعَهُ عِندَهُ فَلا خِيَارَ قَبْلَهُ في الأصَحِّ، لأنه لم يجئْ وقت وجوب التسليم، والثانى: نعم لتحقق العحز في الحال، فيجرى القولان في الانفساخ، وَكَوْنُهُ مَعلُومَ القَدرِ كَيْلًا أَوْ وَزْنًا، للحديث السالف أول الباب، أو عَدًّا أَوْ ذَرْعًا، بالقياس، وَيصِحُّ المَكيلُ وَزْناَ وَعَكسُهُ، لأن المقصودَ معرفةُ المقدار بخلاف الربويات للتعبد، وحمل الإمام إطلاق الأصحاب جواز كيل الموزون على ما يُعَدٌ الكيلُ في مثلهِ ضابطًا حتى لو أسلَمَ في فُتَاتِ المِسك والعنبر ونحوهما كَيْلًا لم يصح، وقال الرافعي بعد ذلك: يجوزُ السَّلَمُ في اللآلئ الصغار إذا عمَّ وجودها كيلًا، وَلَو أسلَمَ في مِائَةِ صَاعٍ حِنْطَةً عَلَى أَنه وَزْنَهَا كَذَا لَم يَصحَّ، لأنه يورث عِزَّة الوجودِ.
ويشتَرَطُ الْوَزن في البِطِّيخ؛ وَالبَاذَنجَان؛ وَالقثاءِ؛ وَالسفَرجَلِ؛ وَالرُّمانِ، أي ولا يكفي الكيل للتجافي في المكيال، ولا العدُّ لكثرة التفاوت، ومثل ما ذكر الرانج والبيض، وَيصِح في الجَوزِ؛ وَاللَّوزِ بِالوَزْنِ، أي لا بالعدَدِ، في نَوْعٍ يَقِلُّ اخْتلَافُهُ، أي فإن اختلفت قشوره بالغلظ والرقة امتنع السَّلَم فيه لاختلاف الأغراض، وَكَذَا كَيْلًا في الأصحِّ، قياسًا على الحبوب، والثاني: لا، لتجافيها في المكيال، والأول منصوص المختصر، والثانى: منصوص البويطي، ويجْمَعُ في اللْبَنِ بَيْنَ العَد وَالوَزْنِ، أي يقول مثلًا: ألف لبنة ووزن كل واحدة كذا، لأنها تضرب على اختيار فلا يؤدي إلى عزة الوجود، ثم الأمر في وزنها على التقريب، وَلَوْ عَيِّنَ مِكيالًا فَسَدَ، بالإجماع، إِن لَمْ يَكن مُعْتَادًا، أي ولم يعرف مقداره كالكوز والقصعة لأنه مجهول، ولأن فيه غررًا؛ لأنه قد يتلف قبل المحل، وِإلا، أي وإن كان معتادًا، فَلَا في
الأصَح، أي بل يلغوا تعيينُهُ كسائر الشروط التي لا عرض فيها، والثانى: يفسد لتعرضه للتلف، والمراد بالتعيين هنا تعيين الفرد من نوع المكاييل، أما تعيين نوع المكاليل بالغلبة أو بالتنصيص عليه فلا بد من اشتراطه.
وَلَوْ أَسلَمَ في ثمَرِ قَريةٍ صَغيرة أي في مقدار من ثمرها، لَمْ يَصِح، بالإجماع خشية التعذر، أَوْ عظِيمَةٍ صَح في الأصَح، لأنه لا ينقطع غالبًا، والثانى: أنه كتعيين المكيال لعدم الفائدة، ومحل الخلاف إذا لم تُفِدْ تنويعًا، فإن أفاده كمعقلي البصرة جاز؛ لأنه مع معقلى بغداد صنف، لكن يختلفان في الأوصاف فلَهُ غرض في ذلك، وَمَعْرِفَةُ الأوْصَافِ، أي ويشترط معرفة الأوصاف، الْتِي يَخْتَلِفُ بِهَا الغَرَضُ اخْتلافًا ظاهِرًا، لِيُقَربهُ من المعاينةِ؛ ولأن القيمة تختلف بسببها، واحترز بذلك عما يتسامح الناس بإهمال ذكره، وَذِكْرُهَا في العَقْدِ، ليتميز العقود عليه فلا يكفي ذكرها بعده وإن كان في مجلس العقد، عَلَى وَجْهِ لَا يُؤَدِّي إِلَى عِزةِ الوُجُودِ، لأن السَّلَمَ غررٌ فلا يجوز إلّا فيما يوثق بتسليمه.
فَلَا يَصِحُّ فِيمَا لَا يَنْضَبِطُ مَقْصُودُهُ كاَلمُخْتَلِطِ الْمَقْصُودِ الأرْكانِ كَهَرِيسَةِ؛ وَمَعْجُونٍ، وَغَالِيَة؛ وَخُفٍّ؛ وَترياقٍ مَخْلُوطٍ؛ لأن الغالية مركبة من مسك وعنبر وعود وكافور كما قاله الرافعي، والخف مركب من ظهارة وبطانة، واحترز بالترياق المختلط عما إذا كان نباتًا أو حجرًا فإنه يجوز السَّلَمُ فيهِ، وَالأصَحُّ: صِحتُهُ في المُختَلِطِ الْمُنْضبِطِ كَعَتابِيٍّ وَخَزّ، أي لسهولة ضبط كل جزء من الأجزاء، والثانى: المنع قياسًا على المعجونات، وَجُبْنٍ؛ وَأَقْطٍ؛ وَشَهْدٍ، وَخَلِّ تَمْرٍ أَوْ زَبِيبٍ، لأن الملح والأنفحة في الجبن والاقط والماء في خل التمر أو الزبيب من مصالحه، والثانى: لا؛ كاللبن المخلوط بالماء، وأما الشهد فكالتمر، والثاني: المنع؛ لأن الشمع فيه يقل ويكثر، لَا الْخُبْزِ في الأصَحِّ عِنْدَ الأكْثَرِينِ، لتأثير النار فيه تاثيرًا غير منضبط وهو مانع كما سيأتى، والثانى: الصحة؛ لأن الملح مستهلك فيه.
وَلَا يَصحُّ فِيمَا يَنْدُرُ وُجُودُهُ كَلَحْمِ الصيْدِ بِمَوْضِع العِزةِ، لما سبق من كونه
عقد غرر فلا يحتمل إلّا فيما يوثق بتسليمه، وَلَا فِيمَا لَوِ اسْتُقْصِيَ وَصفُهُ، أي الذي يجب ذكره في السَّلمِ، عَزَّ وُجُودُهُ، لأنه إن استقصى الأوصاف أي استوعبها كالحجم والشكل واللون والصفاء امتنع لِلْعِزَّةِ، وإن لم يستقصى امتنع لفقدان الشرط، كَاللؤْلُؤِ الْكِبَارِ وَالْيَوَاقِيتِ، واحترز بالكبار عن الصغار؛ فإنه يجوز السَّلَم فيها كيلًا أو وزنًا، وَجَارِيَةٍ وَأخْتِهَا أَوْ وَلَدِهَا، لأن اجتماع وصف كل منهما مع الأخوة أو البنوة يُفْضي إلى عِزَّةِ الوجودِ، وهو مشكل بما لو شرط كون العبد كاتبًا، أو الجارية ماشطة، فإنه يندر اجتماع ذلك مع الصفات المشروطة.
فَرْعٌ: يَصِحُّ في الحَيَوَانِ، لأنه يثبت في الذمة ثمنًا وصداقًا وفي إبل الدِّيةِ، وأجازهُ ابْنُ عَمْرٍو (82) ولأنه صح أنه عَلَيْهِ الصَّلَاهُ وَالسَّلَامُ استسلف بَكَرًا (83)، وأما كراهة عمر وحذيفة له فلم يثبت (84)، قاله البيهقي وكراهة ابن مسعود له منقطعة
(82) عن عبد الله بن عمرو؛ (أنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أمَرَهُ أنْ يُجهزَ جَيْشًا، فَنَفَدتِ الإبِلُ؛ فَأمَرَهُ أنْ يَأخذَ في قلاص الصدقَةِ، فَكَانَ يَأخُذُ البَعِيرَ بِالبَعِيرَينِ إِلَى إِبِلِ الصدقَةِ). رواه أبو داود في السنن: كتاب البيوع: باب في الرخصة في ذلك: الحديث (3357). والحاكم في المستدرك: الحديث (2340/ 211)، وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم. ووافقه الذهبي قال: على شرط مسلم.
(83)
عن أبي رافع؛ أنّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم استَسلَفَ بَكَرًا، فَقَدِمَتْ إبل مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ، فَأمَرَ أبَا رَافِع أنْ يَقضِيَ الرجُلَ بَكَرَهُ. فَرَجَعَ إِلَيهِ أبو رَافِع؛ فَقَالَ: لَمَ أجِد فِيْهَا إلا خِيَارًا رَبَاعِيا. فَقَالَ: [أعطِهِ إِياهُ؛ إِن خِيَارَ الناسِ أحْسَنُهُم قَضَاءً]. رواه مسلم في الصحيح: كتاب المساقاة: الحديث (118/ 1600).
(84)
• أما كراهة عمر رضي الله عنه؛ (نقل البيهقي قال: وَرُوِىَ غنْ عُمَرٍ أَنهُ ذَكَرَ في أبوَابِ الرِّبَا أنْ يُسْلِمَ في سنٍ. من رواية المسعودي عن القاسم بن عبد الرحمن. ثم قال: وَهَذَا مُنْقَطِعٌ): في السنن الكبرى باب من أجاز السلم في الحيوان: الأثر (11282).
• أما كراهة ابن مسعود وحذيفة؛ فلرواية أبي معشر عن إبراهيم؛ (أنَّ ابنَ مَسْعُودِ كَانَ لَا يَرَى بَأسا بالسلَمِ في كُلِّ شَيءٍ إِلَى أجَلٍ مُسَمى، مَا خَلَا الحَيوَان). رواه البيهقي في السنن الكبرى: الأثر (11279)، وقال: قال الشافعيُّ: وهو منقطع عنه. ثم قال: يريد الشافعي برواية من رواهُ عن ابن مسعود منقطعًا في الكراهة رواية =
بل روي عنه السَّلَمُ في الوُصَفَاءِ (85)، فَيُشْتَرَطُ في الرقِيقِ ذِكْرُ نَوعِهِ كَتُرْكيّ، لاختلاف الغرض؛ فإن اختلف صنف النوع وجب ذكره على الراجح لما قلناه، وَلَونهِ كَأبْيَضَ وَيصِفُ بَيَاضه بِسُمْرَةٍ أَوْ شُقْرَةٍ، أي وسواده بصفاء أو كدرهَ؛ هذا إذا اختلف لون النوع أو الصنف، فإن لم يختلف كالزنجى فلا يشترط التعَرُّضُ لَهُ، وَذُكُورَتهِ وَأنُوثَتِهِ، وسِنّهِ، وَقَدهِ طُوْلًا وَقِصَرًا، لاختلاف الغرض بكل ذلك، وَكلهُ عَلَى التقْرِيبِ، أي حتى لو شرط كونه ابن سبع بلا زيادة ولا نقص لم يجز لندوره، ولم يذكر الرافعى التقريب إلا بالنسبة إلى السنن خاصة والمصنف عمم، وَلَا يُشتَرَطُ ذِكْرُ الكحَلِ، وهو أن يعلو جفون العينين سواد كالكحل من غير اكتحال، وَالسمَنِ وَنَحْوِهِمَا، أي كدعج وتكلثم، في الأصَح، لتسامح الناس بإهماله، والثاني: يشترط وهو قويٌّ، لأنه مقصود لا يؤدى ذكره إلى عِزَّةِ الوجودِ.
فَرْعٌ: يشترط ذِكْرُ الثيابة والبكارة في الأصح.
وَفِي الإِبِلِ، وَالخَيلِ، وَالبِغَالِ، وَالْحَمِيرِ الذكُورَةُ وَالأنُوثَةُ، لاختلاف الغرض بهما، وَالسن، وَاللْون، وَالنوعُ، أي وكذا الصنف كأرحبيَّةِ مثلًا لما قلناه، وَفِي
= إبراهيم النخعي. أما رواية سعيد بن حبير عن ابن مسعود فهي أيضًا منقطعة. وقد قيل: عنه عن حُذيفة.
(85)
قال البيهقي: قال الشافعي: (عَن أبي البَخترِي؛ أن بني عَم لِعُثْمَانَ ثني عَفان أتَوْا وَادِيًا فَصَنَعوا شيئًا في إِبِلِ رَجُل قَطَعُوا بهِ لَبَنَ إِبِلِهِ؛ وَقَتَلُوا فِصَالَهَا، فَأتِيَ عُثمَانُ بن عَفانَ وَعِنْدَهُ ابن مسَعُودٍ؛ فَرَضِيَ بِحُكْمِ ابن مَسعود، فَحَكَمَ أَنْ يُعْطَى بوَادِيهِ إِبلًا مِثلَ إِبِلِهِ وَفِصَالا مِثلَ فِصَالِهِ، فَأنفَذَ ذَلكَ عُثْمَانُ. فَيُرْوَى عَنِ ابن مَسْعُودِ أَنهُ قَضَى في حَيوَان بِحَيْوَان مِثلَهُ دَينًا، لأنهُ إِذَا قَضَى بِهِ بالمَدِينَةِ وَأعطَاهُ بِوَادِيه كَانَ دَينًا، وَتَزِيدُ أن تَرْوِىَ عَنْ عُثْمَانَ أنْهُ يَقُولُ بِقَوْله، وَأنتمْ تَروُونَ عَنِ المَسعُودِي عَنِ القَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: أسلِمَ لِعَبد اللهِ بْنِ مَسْعودٍ في وُصَفَاءَ أحَدُهُمْ أبو زِيَادَةَ أوْ أبو زَائِدَةَ مَولَانَا، وَتَرْوُون عَنِ ابن عباسٍ أنهُ أجَازَ السلَمَ في الحَيوَانَ). رواه البيهقي في السنن الكبرى: الأثر (11281). وهذه الرواية تتعارض ورواية كراهته السلم في الحيوان؛ وتلك منقطعة كما تقدم.
الطْيرِ النوْعُ، وَالصِّغَرُ، وَكبَرُ الجُثْةِ، أي واللون كما ذكره الغزالي في وسيطه وأهمله الرافعي، وَفِي اللحْمِ لَحْمُ بَقَرِ، أو ضأنٍ، أو مَعزٍ، ذَكَرِ خَصِيّ رَضِيع مَعْلُوفٍ، لاختلاف الغرض بذلك، فلحم الراعية أطيب والمعلوفة أدسم، أَوْ ضِدُّهَا، أي ضد ما ذكر فضد الخصي الفحل، وضد الرضيع الفطيم ونحوه، والمعلوفة الراعية، قال الماوردي: ولو كان في بلد لا يختلف الراعي فيها والمعلوف لم يلزم ذكره، مِنْ فَخِذٍ أَوْ كتفٍ أَوْ جَنبٍ، لاختلاف الغرض، فكلما قرب من المرعى والماء فهو أطيب، ولحمُ الفخذِ أدوَنُ لِبُعْدِهِ من الماء، ويقْبَلُ عَظْمُهُ عَلَى الْعَادَةِ، لأنه بمنزلة النوى من التمر بل هو أشدُّ اتصالًا، وهذا إذا أطلق، فإن شرط نزعه جاز، ولم يجب قبوله.
وَفِي الثّيَابِ الجِنْسُ، أي فيبين أنه من قطن مثلًا، وكذا النوع ككتان ربيعى أو صيفى؛ وكذا البلد الذي ينسج فيه إن اختلف به الغرض، وَالطولُ؛ وَالعَرْضُ؛ وَالْغِلَظُ؛ وَالدِّقةُ؛ وَالصفاقَةُ؛ وَالرِّقْةُ وَالنعُومَةُ؛ وَالخُشُونَةُ، لاختلاف الأغراض في ذلك؛ والدقيق خلاف الغليظ؛ والصَّفَاقَةُ: انضمَامُ بَعْض الخيوطِ إِلَى بَعْض، والرِّقةُ: تَبَاعُدُهَا، وَمُطلَقَهُ يُحمَلُ عَلَى الخامِ، لأن القصر صفة زائدة، وَيجُوزُ في المَقصُورِ، كالخام، وَمَا صُبِغَ غَزْلُهُ قَبْلَ النْسج كَالبرُودِ، أي إذا بين الصبغ ولونه وكونه في الشتاء أو الصيف كما قاله الماوردي، وَالأقيسُ صِحتُهُ في المَصبوغ بَعْدَهُ، أي بعد النسج كما في الغزل المصبوغ. قُلتُ: الأصَحُّ مَنْعُهُ، وَبِهِ قَطَعَ الْجُمهُورُ، وَالله أَعلَمُ، لأنه يمنع معرفة النعومة والخشونة وغيرهما من صفات الثوب؛ وفرقوا بينه وبين القصارة بأنها أثر وهو عين، قال الرافعي في شرحيه: وهذا هو المشهور؛ ونصَّ عليه في البويطى أيضًا.
وَفِي التْمرِ لَونُهُ وَنَوْعُهُ، أي كمعقلى أو برني، وَبَلَدُهُ، أبي كبغدادي أو بصري، وَصِغَرُ الْحَباتِ وَكِبَرُهَا، أي فإن الصغير أقوى من الكبير وأشد، وَعِتْقُهُ وَحَدَاثتهُ، أي وتوسطه بينهما، وَالحِنطَةُ وَسَائِرُ الحُبُوبِ كالتْمرِ، أي في الشروط السالفة،
فيبين لونه ونوعه وبلده وصغر الحبات وكبرها وتوسطها.
وَفِي الْعَسَلِ جَبَلِيٌّ أَوْ بَلَدِيٌّ، لأن الجبلي أطيب، صَيْفِيٌّ أَوْ خَرِيفِيٌّ، لأن الخريفي أجود، أَبْيَضُ أَوْ أَصْفَرُ، لتفاوت الغرض بذلك قال الماوردي: ويبين المرعى أيضًا، وَلَا يُشْتَرَطُ الْعِتقُ وَالْحَدَاثَةُ، لأنه لا يختلف الغرض به، قُلْتُ: والمنصوص عليه في الأمِّ اشتراطُهُ.
وَلَا يَصِح في المَطْبوخ وَالْمَشْوِيِّ، لتأثير النار فيهما تأثيرًا لا ينضبط، قُلْتُ: اللهم إلا أن يكون للتمييز كالسكر مثلًا، وَلَا يَضُر تَأثِيرُ الشمسِ، أي في العسل وغيره لعدم اختلافه، وَالأظْهَرُ: مَنْعُهُ في رُؤُوسِ الحَيَوَانِ، لأن معظمها العظم وهو غير مقصود، والثاني: الجواز كاللحم، ومحل الخلاف ما إذا كانت منقاة من الصوف والشعر وهي نية وإلا فلا يجوز قطعًا.
وَلَا يَصِحُّ في مُخْتَلِفٍ كَبُرْمَةٍ مَعْمُولَةٍ وَجِلْدٍ، إلا في القطع منه وزنًا كما ذكره الرافعي وأغفله في الروضة، وَكُوزٍ؛ وَطَسٍّ؛ وَقُمْقُمٍ؛ وَمَنَارَةٍ؛ وَطِنْجِيرٍ، بكسر الطاء، وَنَحْوِهَا، أي كالأباريق والحباب لتعذر الضبط ولندرة اجتماع الوزن مع الصفات المشروطة، وَيصِح في الأسْطَالِ الْمُربعَةِ، لعدم اختلافها بخلاف الضيقة الرؤوس، وَفِيمَا صُبَّ منهَا في قَالَبٍ، لانضباطه.
فَرْعٌ: السَّلَمُ في سفينةٍ أو مركبٍ، أكثر الأصحاب على المنع فيه؛ لأنه لا يقوم إلا بآلات لا يمكن استيفاء (•) وصفها، وقال بعضهم: يجوز؛ لأنه معروف ذكره العجليّ.
وَلَا يُشْتَرَطُ ذِكْرُ الْجَوْدَةِ وَالردَاءَةِ في الأصَحِّ ويحْمَلُ مُطْلَقُهُ عَلَى الْجَيِّدِ، للعرف، والثاني: يشترط، لاختلاف الغرض والقيمة بها وهو المنصوص في عدة مواضع من الأم، ويشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ الْعَاقِدَيْنِ الصِّفَاتِ، أي فلو جهلاها أو أحدهما
(•) في نسخة (1) بدل استيفاء: استقصاء.
لم يصح كالبيع، وَكَذَا غَيْرُهمَا في الأصَحِّ، ليرجع إليه عند تنازعهما وهو المنصوص أيضًا، والثاني: لا يشترط والنص محمول على الاحتياط.
فَصْلٌ: لَا يَصحُّ أَن يَسْتَبْدِلَ عَنِ الْمُسْلَمِ فِيهِ غَيْرَ جِنْسِهِ وَنَوْعِهِ، لأنه بيع للمبيع قبل قبضه وقد تقدم مَنْعُهُ، وَقِيلَ: يَجُوزُ في نوْعِهِ، كما لو اتحد النوع واختلفت الصفة، وَلَا يَجبُ قَبولُهُ، لأن الأغراض تختلف باختلاف الأنواع، وَيَجُوزُ أَرْدَأ مِنَ الْمَشرُوطِ، لأنهُ جنسُ حقهِ والفائت صفةٌ، وَلَا يَجِبُ، لأنه دون حقه، وَيجُوزُ أَجْوَدَ أَوْ يَجِبُ قَبولُهُ في الأصَحِّ، لأنها زيادة صفةٍ لا تتميَّز، والثاني: لا؛ للمنة، وَلَوْ أَحْضَرَهُ قَبْلَ مَحِلِّهِ، بكسر الحاء، فامْتَنَعَ الْمُسْلِمُ مِنْ قَبولهِ لِغَرَضٍ صَحِيح بِأَن كَان حَيْوَانًا أَوْ وَقْتَ غَارَةٍ لَمْ يُجبَرْ، لمؤنة العلف في الحيوان وخوف النهب في الإغارة، وقوله (غَارَة) الأفصح إغارة، وإلا، أي وإن يكن له غرض صحيح في الامتناع، فَإن كَمان لِلْمُؤَدِّي غَرَضٌ صَحِيحٌ كفَكِّ رَهْنٍ أجبِرَ، لأن امتناعهُ تَعَنت، وَكَذَا لِمُجَردِ غَرَضِ الْبَرَاءَةِ في الأظْهَرِ، لما ذكرناه، والثاني: لا يجبر، لما فيه من المنة، وَلَوْ وَجَدَ الْمُسْلِمُ الْمُسْلَمَ إِلَيهِ بَعْدَ المحِلِّ، بكسر الحاء، في غَيْرِ مَحَلِّ التسْلِيمِ، أي بفتحها وهو مكانه، لَمْ يَلْزَمْهُ الأدَاءُ إِن كَان لِنَقْلِهِ مُؤْنَةٌ، لعدم التزامه لها، وَلَا يُطَالِبهُ بِقِيمَتِهِ لِلْحَيلُولَه عَلَى الصحِيح، لأنَّ أَخْذَ العوضِ عَنِ الْمسلَمِ فيهِ غَيْرُ جَائِز، فَيَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ الفسخُ واستردادُ رأسِ المالِ كما لو انقطع المُسْلَمِ فيه، والثاني: يطالبه بها، لأنه ليس بعوض حقيقي لأنهما لو اجتمعا في مكان التسليم تعين رد القيمة وأخذ المسلم فيه، وَإِنِ امْتَنَعَ مِنْ قَبولهِ هُنَاكَ، أي في غير محل التسليم، لَم يُجْبَرْ إِن كَان لِنَقْلِهِ مؤْنَةٌ، أَوْ كَان المَوْضِعُ مُخَوِّفًا، لما فيه من الضرر، وِإلا فالأصَحُّ إِجْبَارُهُ، الخلاف مبني على القولين في التعجيل قبل المحل وقد سلفا بتعليلهما.
فَصْلٌ: الإقْرَاضُ مَنْدُوبٌ، أي إليه؛ لأن فيه كَشْفَ كُربةٍ عنِ المقترضِ، وَصِيغَتُهُ أَقْرَضْتُكَ أَوْ أَسْلَفتكَ أَوْ خُذهُ بِمِثْلِهِ، [في البيع، جَعَلُوا (خُذْ) كناية؛ وَهُنَا صريحًا
يجوزُ أنْ يكون بناءً على أنهُ نهيٌ يُضْمَنُ بمِثْلِهِ] (•) لدلالتها على المقصود، أَوْ مَلكتكَهُ عَلَى أَن تَرُد بَدَلَهُ، أي فإن اقتصر على مَلكتكَهُ كان هِبَة، ويشتَرَطُ قَبولُهُ في الأصَح، كما في سائر التمليكات، والثاني: لا، لأن القرض إتلاف بعوض فلا يستدعى قبولًا، وَفِي المُقْرِضِ، أي ويشترط في المقرض، أَهلِيَّةُ التْبَرُّع، لأنه تبرع أو فيه شائبة ولذلك لا يجوز إقراض مال الطفل إلا للضرورة، نَعَم: يستثنى القاضي في حق اليتيم على الأصح لكثرة اشغاله، وفي حق مال المفلس إذا رضي الغرماء بتأخير القسمة إلى أن يجمع المال كله نصَّ عليه.
وَيجُوزُ إِقراضُ مَا يُسْلَمُ فِيهِ؛ لأنه يصح ثبوته في الذمة سواء العين أو المنفعة، إِلَّا الجارَيةَ الْتي تحِل لِلْمُقترِضِ في الأظْهَرِ، لأنه قد يطؤها ويردها فتصير في معنى إباحة الجواري للوطء وهو ممتنع، كما نقله مالك عن إجماع المدينة، والثاني: يجوز قياسًا على العبد، واحترز بقوله (يحل) عن المحرم بنسب أو رضاع أو مصاهرة فإنه يجوز إقراضها، والخنثى كالمرأة في استقراض الجارية، وَمَا لَا يُسلَمُ فِيهِ، أي في نوعه، لَا يَجُوزُ إِقْرَاضه في الأصحِّ، لتعذر ضبطه حتى يرد مثله، والثاني: يجوز كالبيع، قُلْتُ: ويستثنى الخبز فإنه يجوز إقراضه على المختار، قال الدارمي في استذكاره في باب النهي عن بيع وسلف قرضه جائز، فإن ردَّ قيمته جاز أو خبزًا جاز، وإن تمانعا قال ابن المرزبان فالأولى القيمة، قال: وإن أقرضه خبزًا على شرط رد خبز فوجهان قالهما ابن القطان، ويستثنى أيضًا شقص من داره وفي المغشوش تَرَدُّدٌ.
ويرَدُّ المثلُ في الْمِثْلِي؛ لأنه أقرب إلى حقه، وَفِي الْمُتَقَوَّمِ المِثْلُ صورَة، لأنه لو وجبت القيَمة لافتقر إلى الإعلام بها، وَقِيلَ: القِيمَةُ، كما لو أتلف متقومًا وهو الأقيس، وَلَوْ ظَفَرَ بِهِ في غَيْرِ مَحَلِّ الإقْرَاضِ وَللنقلِ مُؤنَةٌ طَالَبَهُ بِقِيمَةِ بَلَدِ الإقْرَاضِ، أي لا بالمثل لما فيه من الكُلفَةِ! وَلَا يَجُوزُ بِشَرْطِ رَدِّ صَحِيح عَن مُكَسَّرٍ أَوْ زِيَادةٍ، أي على القدر المقترض؛ لأن كُلَّ قَرضٍ جَرَّ مَنْفَعَةً فَهُوَ رِبا كما قاله جماعة
(•) ما تحته خط يوجد في النسخة (3) فقط.
قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: وضعناه في هذه النسخة الإلكترونية بين معكوفتين
مِن الصحابة، فَلَوْ رَدَّ هَكَذا بِلَا شَرْطٍ فَحَسَنٌ، لأنه عليه الصلاة والسلام استسلف بَكَرًا وَرَدَّ رَبَاعِيًّا وقال:[إِنَّ خِيَارَ الناسِ أحْسَنُهُمْ قَضَاءً] رواه مسلم (86)، والبَكَرُ: هو الصغير من الإبل، والرَّباعِيُّ: ما دخل في السابعة.
فَرْعٌ: لو قال: أقرضني شيئًا على أن أرُدَّ أقلَّ منه، ففيه وجهان حكاهما الدارمي في استذكاره عن ابن القطان.
وَلَوْ شَرَطَ مُكَسرًا عَنْ صَحِيح أَوْ أَنْ يُقْرِضَهُ غَيْرَهُ لَغا الشرطُ، لأنه وعدٌ وعَدَهُ به، وَالأصَحُّ أنهُ لَا يُفسِدُ العَقْدَ، لأن المنهى عنه جرَّ المقرض النفع إلى نفسه؛ وهنا النفع للمستقرض؛ لأنه زاد في المسامحة ووعده وعدًا حسنًا، والثاني: يفسد، لأنه ينافي مقتضى العقد كشرط العكس وهو المصحح في نظيره من الرهن فتأمل الفرق.
وَلَوْ شَرَطَ أجَلًا فَهُوَ كشَرطِ مُكَسَّرٍ عَن صَحِيحٍ إِن لَمْ يَكُن لِلمُقرِضِ غَرَضٌ، لأنه رفق فيصح العقد، ولا يلزم الأجل؛ لأنه عقد يمتنع فيه التفاضل فامتنع الأجل قياسًا على الصرف، وإن كَان كزمَنِ نَهْبٍ، أي والمستقرض مَلِيءٌ كما قيده في الروضة تبعًا للرافعي، فَكَشرطِ صَحِيحٍ عَنْ مُكَسَّرٍ فِي الأصَح، لأن فيه من جر المنفعة، والثاني: أنه كالتأجيل بغير عوض فيلغوا الشرط ويصح العقد، وَلَهُ شَرْطُ رَهْنٍ وَكَفِيلٍ، لأن توثقه في العقد لا زيادة فيه، وكذا شرطُ الإقرارِ به عند الحاكم والإشهادُ عليه.
وَيمْلِكُ القَرْضَ بِالقَبْضِ، كالهبة وأولى، اللَّهُمَّ إلا إذا قال: أقرضتك ألفًا وقَبِلَ؛ وتفرقا؛ ثم دفع إليه ألفًا، وطال الفصل، فإنه لا يجوز، لأنه لا يمكن البناء مع الطول بخلاف ما إذا قصر، نقله في الروضة عن المهذب وأقره، وقال يعقوب بن أبي عصرون: إنه إذا فعل ذلك في الهبة يجوز، يعني مع طول الفصل، وهو غريبٌ، وَفي
(86) ينظر الرقم (83).
قَوْلٍ: بِالتَّصَرُّفِ، لأنه ليس تبرعًا محضًا إذ يجب فيه الْبَدَلُ، ولا معاوضةً محضةً، إذ له الرجوع فيه ما دام باقيًا كما سيأتى فوجب أن يملِّكه بعد استقرار بدله، والأصحُّ أَنَّهُ كُلُّ تَصَرُّفٍ يُزِيْل الملكَ، وَلَهُ الرُّجُوعُ فِي عَيْنِهِ مَا دَامَ بَاقِيًا، أي في ملك المقترض، بِحَالِهِ في الأصَحِّ، وَاللهُ أَعْلَمُ، لأن له تغريم بدله عند الفوات، فالمطالبة بعينه أولى، لأنه أقرب من بدله، والثاني: لا بل للمقترض أن يؤدي حقه من موضع آخر صيانة لملكِه كسائر الديون؛ ومحل الخلاف إذا قلنا يملك بالقبض، فإن قلنا بالتصرف فله الرجوع جزمًا، واحترز بقوله (بِحَالِهِ) عما إذا رهنه أو كاتبه أو جنى متعلق الأرش برقبته، فإنه لا رجوع لكن لو زاد زيادةً منفصلةً أخذَهُ بدونها أو مُتَّصِلَة كالسمنِ أخذه معها وإن نقص، قال الماوردي: فإن شاءَ أخذَهُ مع الأرشِ وإنْ شاءَ أخَذَ مثله سَلِيْمًا.