الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كِتَابُ الْقراضِ
القِرَاضُ: هُوَ مُشْتَقٌّ من الْقَرضِ وَهُوَ الْقَطْعُ، لأَنَّهُ قَطَعَ لِلْعَامِلِ قِطْعَةً مِنْ مَالِهِ يَتَصَرَّفُ فِيهَا؛ أَوْ قِطْعَةً مِنَ الرِّبْحِ أَوْ مِنَ الْمُقَارَضَةِ وَهِىَ الْمُسَاوَاةُ لِتَسَاويهِمَا فِي الرِّبْحِ، وَأَهْلُ الْعِرَاقِ يُسَمُّونَهُ مُضَارَبَةً، لأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَضْرِبُ بِسَهْمٍ فِي الرِّبْحِ، وَقِيلَ: مَأْخُوذٌ مِنَ الضَّرْبِ فِي الأَرْضِ وَهُوَ السَّفَرُ وَقَدْ جَمَعَ الْمُصَنِّفُ بَينَ اللَّفْظَينِ فَقَال:
الْقِرَاضُ وَالْمُضَارَبَةُ: أَنْ يَدْفَعَ إِلَيهِ مَالًا لِيَتَّجِرَ فِيهِ وَالرِّبْحُ مُشْتَرَكٌ، وهذا حدّه شرعًا، واحترزَ بقوله (وَالرِّبْحُ مُشْتَرَكٌ) عن الوكيل والعبد المأذون، وخرج بلفظ (الدَّفْعِ) ما إذا قارضَهُ على دَينٍ؛ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ سواءً كان على العاملِ أم على غيرهِ.
والأصلُ في البابِ الكتابُ والسُّنَّةُ وَإِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ وَنَقَلَ ابْنُ حَزْمٍ (159) وَغَيرُهُ الإِجْمَاعَ مُطْلَقًا. قال تعالى: {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللهِ} (160) وَضَارَبَ عليه الصلاة والسلام لِخَدِيجَةَ بِمَالِهَا إِلَى الشَّامِ وَأَنْفَذَتْ مَعَهُ عَبْدَها مَيسَرَةَ (161).
(159) في الْمُحَلَّى لابن حزم: كتاب المضاربة: المسألة (1367): ج 5 ص 247.
(160)
المزمل / 20.
(161)
قال الماورديُّ في الحاوي الكبير: كتاب القِراضِ: ج 7 ص 305: وَرُويَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (أَنَّهُ ضَارَبَ لِخَدِيجَةَ بِأَمْوَالِهَا إِلَى الشَّامِ، وَأَنْفَذَتْ مَعَهُ خَدِيجَةُ عَبْدًا لَهَا يُقَالُ لَهُ مَيسَرَة). وقصة هذه المضاربة لخديجة بأموالها كانت قبل البعثة، وأخرجها ابن هشام =
وَيَشْتَرَطُ لِصِحَّتِهِ كَوْنُ الْمَالِ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ خَالِصَةً، بالإجماع كما اعتمده الجويني؛ فلا يكون من غيرهما، ويجوز أن يكون دراهم ودنانير معًا، فَلا يَجُوزُ عَلَى تِبْرٍ وَحِلِيٍّ، لاختلاف قيمتهما كالعروض، وَمَغْشُوشٍ، أي وإن راجت وعُلِمَ ما فيها من الخالص، وجوَّزنا التعامل بها؛ لأنها نقدٌ وعرضٌ وهي مُتَقَوِّمَةٌ. قال الجرجاني: وهذا إذا كان الغِشُّ ظاهرًا، فَإِنْ كَانَ مُسْتَهْلَكًا، فيجوز؛ لأنه كالمعدومِ، وفي وجهٍ: يجوز اعتبارًا برواجهِ وعليه عَمَلُ الناسِ والحاجةُ دَاعِيَةٌ إِلَيهِ، وَعُرُوْضٍ، أي مثليًّا كان أو متقوِّمًا لاختلاف قيمته.
فَرْعٌ: لا يجوزُ جَعْلُ المنافعَ رَأْسُ مَالِ قِرَاضٍ كَسُكْنَى الدَّارِ وَهُوَ أَوْلَى مِنَ الْعَرْضِ.
وَمَعْلُومًا، أي قدرًا وصفةً، فلا يجوز على دراهم مجهولةِ القدرِ أو الصفةِ للجهل بالربح بخلاف رأس مالِ السَّلَمِ؛ لأنه لم يوضع على الفسخِ بخلافهِ، مُعَيَّنًا، أي فلو قال: على ألف درهم ولم يُعَيِّنْهُ لم يَصح إذا لم يُعَيِّنْهُ في المجلسِ، فإنْ عَيَّنَهُ فيه، فمقتضى كلام الشرح الصغير ترجيحُ الجوازِ، ولا يجوز أن يعارضَهُ على دَينٍ أيضًا كما سلف، وَقِيلَ: يَجُوزُ عَلَى إِحْدَى الصُّرَّتَينِ، أي بأن أحضرهما وفي كل منهما ألف مثلًا، وقال: قَارَضْتُكَ عَلَى أحَدِهِمَا لِتَسَاويهِمَا، والأصحُّ: المنعُ؛ لعدم التعيين كما في البيع، وَضَبَطَ المُصَنِّفُ بِخَطِّهِ الصُّرَّتَينِ بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ بَعْدَ الصَّادِ فَإِيَّاكَ أنْ تُصَحِفَهُ، وَمُسَلَّمًا إِلَى الْعَامِلِ، أي بحيث يستقلُّ باليدِ عليه والتصرفُ فيهِ.
فَلَا يَجُوزُ شَرْطُ كَوْنِ الْمَالِ فِي يَدِ الْمَالِكِ، أن يُوَفى الثمن إذا اشترى العاملُ شيئًا، لأنه قد لا يجده عند الحاجة، وَلَا عَمَلِهِ، أي عَمَلَ الْمَالِكِ، مَعَهُ، لأن وضع القراض؛ مالٌ من المالك وعملٌ من العاملِ، فالجمع بينهما على ربِّ المال ينافي مقتضاه، لأن بعض الربح يكون له بعمله وبماله.
= في السيرة النبوية: حديث تزويج رسول الله صلى الله عليه وسلم خديجة رضي الله عنها: باب خروجه صلى الله عليه وسلم إلى الشام في تجارة خديجة وما كان من بحيرى: ج 1 ص 199. والبيهقي في دلائل النبوة: باب ما كان يشتغل رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يتزوج خديجة: ج 2 ص 66.
وَيَجُوزُ شَرْطُ عَمَلِ غُلامِ الْمَالِكِ مَعَهُ، أي وهو معروف بشخصهِ أو صفتهِ، عَلَى الصَّحِيحِ، لأن غلامَهُ مالُهُ فجازَ أنْ يُجْعَلَ تَابِعًا لِمَالِهِ؛ وخالف عمل المالك إذ لا وجه لجعله تابعًا، والثاني: لا يجوز، لأنَّ عملَهُ كَعَمَلِ سَيِّدِهِ وَهُوَ الْقِيَاسُ. ومحل الخلاف إذا لم يشترط مراجعة الغلام في التصرف، فإنْ شَرَطَ فَسَدَ الْعَقْدُ قطعًا، وكذا لو شَرَطَ كَوْنَ الْمَالِ فِي يَدِهِ.
وَوَظِيفَةُ الْعَامِلِ التِّجَارَةُ وَتَوَابِعُهَا كَنَشْرِ الثِّيَابِ وَطَيِّهَا، أي وذرعها وإدراجها في السِّفْطِ وإخراجها وما سيأتي في أثناء الباب، لأنَّ الإطلاقَ يُحْمَلُ عَلَى الْعُرفِ وهو قاضٍ بذلكَ، فَلَوْ قَارَضَهُ لِيَشْتَرِيَ حِنْطَةً فَيَطْحَنُ ويخْبِزُ، أَوْ غَزْلًا يَنْسُجُهُ وَيَبِيعُهُ فَسَدَ الْقِرَاضُ، لأنَّ الْخَبْزَ وَالطَّحْنَ وَنَحْوهِمَا أَعْمَالٌ مضبوطةٌ يمكن الاستئجارُ عَلَيهَا فلا ضرورة إلى ارْتِكَابِ جَهَالةٍ مُسْتَغْنىً عَنْهَا، فلو شرط أن يستأجرَ العاملُ من يفعلَ ذلك من مالِ القراضِ وحَظٌّ العاملِ التَّصَرُّفُ فقطْ فَالْعِلَّةُ مفقودةٌ: فيظهر في هذه الحالة الجواز كما قاله في المطلب.
وَلَا يَجُوزُ أنْ يَشْرِطَ عَلَيهِ شِرَاءَ مَتَاعٍ مُعيَّنٍ، أي كَهَذِهِ السِّلْعَةِ، أَوْ نَوْعٍ يَنْدُرُ وُجُودُهُ، كَالْخَيلِ الْبُلْقِ وَالْيَاقُوتِ الأَحْمَرِ، أَوْ مُعَامَلَةَ شَخْصٍ، لإخلاله بالمقصودِ، لأَنَّ المُعَيَّنَ قَدْ لَا يَرْبَحُ وَقَدْ لَا يَجِدُ النَّادِرَ؛ وَالشَّخْصُ الْمُعَيَّنُ قَدْ لَا يُعَامِلُهُ، وقد لا يجدُ عندهُ مَا يُتَوَهَّمُ حُصُولُ الرِّبْحِ فِيهِ أو لا يبيع إلا نثمن غال، أما إذا لم يَنْدُرْ ودام شتاءً وصيفًا كالحبوبِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ جزمًا، وكذا إذا لم يَدُمْ كالثمارِ الرَّطِبَةِ على الأصحِّ.
فَرْعٌ: لا يشترطُ تعيينُ نوعٍ يتصرفُ فيه على الظاهرِ بخلافِ الوكالةِ، وقال المتولي: إن مقابلَهُ ظاهرُ المذهَبِ.
وَلَا يُشرَطُ بَيَان مُدَّةِ الْقِرَاضِ، أي بخِلافِ الْمُسَاقَاةِ كما سيأتي بم لأَنَّ مَقْصُودَهَا زَهْوُ الثَّمَرَةِ وتنضبطُ بِالْمُدَّةِ بِخِلافِهِ، فإنَّ الربحَ المقصودَ من القِراضِ لا ينضبطُ وقتُهُ فَالتَّأقِيتُ يُفْسِدُهُ، فَلَوْ ذَكَرَ مُدَّةً وَمَنَعَهُ التَّصَرُفَ بَعْدَهَا، أي مطلقًا أو من البيع،
فَسَدَ، لإِخْلالِهِ بِالْمَقْصُودِ؛ فَإِنَّهُ قَدْ لَا يَجِدُ رَاغِبًا فِي الْمُدَّةِ فَلَا تَحْصُلُ التِّجَارَةُ وَالرِّبْحُ، وخرج بقوله (بَعْدَهَا) ما إذا ذكر مُدَّةً وَمَنَعَهُ التَّصَرُّفَ قَبْلَهَا، كما إذا قارضه في الحالِّ وعلَّقَ التَّصَرُّفَ عَلَى مُضِيِّ شَهْرٍ مَثَلًا، لكن الأصح فيه البطلانُ، كما لو قال: بِعْتُكَ وَلَا تَمْلِكُ إِلَّا بَعْدَ مُضِيِّ شَهْر؛ وقيل: يصح كالو كالة، وَإنْ مَنَعَهُ الشِّرَاءَ بَعْدَهَما، أي دون البيع، فَلَا فِي الأَصَحِّ، لأنَّ الْمَالِكَ يَتَمَكَّنُ مِنْ مَنْعِهِ مِنَ الشِّرَاءِ مَتَى شَاءَ بِخِلافِ الْبَيعِ، والثاني: نعم. لأنَّ ما وَضَعَهُ على الإطلاقِ من العقود لا يجوزُ فيهِ التوقيت، وصَحَّحَهُ الغَزاليُّ، وإذا قلنا بالأولِ فالشرطُ كما قال الإمام: أَنْ يَذْكُرَ وَقْتًا يَتَأَتَّى فِيهِ الانْبِسَاطُ فِي الشِّرَاءِ عَلَى مُوَافَقَةِ غَرَضِ الاسْتِرباحِ، حَتَّى لَوْ قَال: قَارَضْتُكَ عَلَى أَنْ تَشْتَرِىَ فِي سَاعَةٍ مِنَ النَّهَارِ لَا يَصِحُّ، وَلَوْ مَنَعَهُ مِنَ الشِّرَاءِ بَعْدَهَا وَسَكَتَ عَنِ الْبَيعِ فَمُقْتَضَى إِطْلاقِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ لَا يَفسَدُ، ومقتضى ما في الشرحين والروضة الْفَسَادُ، لأَنَّهُمَا قَيَّدَاهُ بِمَا إِذَا مَنَعَهُ مِنَ الشِّرَاءِ وَصَرَّحَ بِجَوَازِ الْبَيعِ كَمَا قَيَّدْتُ بِهِ كَلامَ الْمُصَنِّفِ، قَال صَاحِبُ الْمَطْلَبِ: وَالْخِلافُ يَظْهَرُ جَرَيَانُهُ مُطْلَقًا وَإِن سَكَتَ عَنِ الْبَيعِ.
فَرْعٌ: لَو اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ قَارَضْتُكَ سَنَةً فَسَدَ فِي الأَصَحِّ، لأَنَّ ظَاهِرَهُ انْتِهَاءُ الْقِرَاضِ.
قَاعِدَةٌ: لَا يَجُوزُ تَعْلِيقُ القِرَاضِ كَغَيرِهِ مِنَ الْعُقُودِ.
وَيُشْتَرَطُ اخْتِصَاصُهُمَا بِالرِّبْحِ، أي فلا يجوزُ شرط شيءٍ منه لثالثٍ؛ لأنه ليس بعاملٍ ولا مالكٍ للمالِ؛ إلَّا أنْ يشترطَ عليهِ الْعَمَلَ مَعَهُ؛ فيكونُ قِراضًا مع رجلينِ، قال الماوردي: إلَّا أنْ يتصادقَا على أنَّ ما سُمِّيَ لغيرهِمَا هُوَ لِرَبِّ الْمَالِ وذكرَ اسْمَهُ اسْتِعَارَةً، وَاشْتِرَاكُهُمَا فِيهِ، أي ليأخذ المالكُ بِمِلْكِهِ وَالْعَامِلُ بِعَمَلِهِ، وَلَوْ قَال: قَارَضْتُكَ عَلَى أَن كُلَّ الرِّبْحِ لَكَ فَقِرَاضٌ فَاسِدٌ، نظرًا إلى اللفظِ، وَقِيلَ: قِرَاضٌ صَحِيحٌ، نظرًا إلى المعنى، وَإِنْ قَال: كُلَّهُ لِي فَقِرَاضٌ فَاسِدٌ، وَقِيلَ: إِبْضَاعٌ، لما ذكرناه من النظر إلى صِيَغِ العقودِ أو مَعَانِيهَا، وقوله (إِبْضَاعٌ) مَعْنَاهُ بِضَاعَةٌ جَمِيعُ
ربحِها لِرَبِّ المَالِ، والعاملُ وَكِيل مَتَبَرع، وعلى الأولِ لا يستحقُّ أُجرةَ مِثلَ تَصَرُّفِهِ على الأصح، لأنهُ عملَ مجانا كَمَا ذَكَرَهُ المصنفُ فِي الفصلِ الآتي، وكونُهُ معلُوما، أي ويشترط كون الاشتراك معلومًا فلا يجوز كرنه مجهولًا كما سيأتي، بِالْجُزئيةِ، أي كالنصف والثلثِ مثلًا، ويشترطُ كونُ العلم به من حيثُ الجُزْئيَّةِ لا من حيثُ التقديرِ فلو قال: لكَ من الربح أولى مِنْهُ درهم أو مائةٌ والباقي بيننا نصفين فَسَدَ الْقِرَاضُ، لأنه ربما لا يربحُ إلّا ذلك القدر فيختص أحدُكما بهِ، فلَوْ قَال: عَلَى أن لَكَ فيهِ شِركَة أَوْ نَصِيبا فَسَدَ، للجهل بالعوض، أوْ بَينَنَا فَالأصَحُّ الصّحةُ، ويكُون نِصفَينِ، كما لو قال: هذه الدارُ بَيني وَبَينَ فُلان، فإنها تجعل بينهما نصفين، والثاني: الفسادُ، لأنه يحتملُ أنه بينهما مناصفةً أو مثالثةً فكان مجهولًا فبطل، وَلَوْ قَال: لِيَ النِّضفُ، أي وسكت عن جانب العامل، فَسَدَ فِي الأصَحِّ، لأنه ذكر لنفسهِ بَعضَ الربْح الذِي هُوَ مَالِك لِجَمِيعِهِ، فلم يكن فيه بيان ما للعامل، والثاني: يَصِحُّ حملًا على موجب القراض من اشتراكهما في الربح، فَبَيَانُ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا يُظْهِرُ الآخَرَ، كقوله تعالى {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأمهِ الثلُثُ} (162) فإنَّ فيه دلالة على أن الباقي للأبِ، وَإِن قَال: لَكَ النِّصفُ، أي وسكت عن جانبه، صَح عَلَى الصحِيح، لأنَّ الربْحَ نَمَاءُ المَالِ فمقتضاهُ أَنَّ جميعَهُ لِرَبِّ الْمَالِ، فإذا شَرَطَ لِلْعَامِلِ مِنْهُ شَيْء معلوم بَقِيَ الباقي لمالك الأصلِ، والثاني: لا يصح، لأنه لم يُبَيِّنْ مَا لَهُ مِن المالِ. وَلَوْ شَرَطَ لأحَدِهِمَا عَشْرَةً أَوْ رِبحَ صِنفٍ فَسَدَ، لأنُّ الربحَ قد ينحصرُ في العشرةِ أو في ذلك المصنف فَيُؤَدِّي إلى أَنْ يفوزَ أحدُهُما بربح الجميع وهو خلاف وضع القراض.
فَصل: يُشْتَرَطُ إيجَاب وَقبول، كما في سائر العقود وَتَسَمَّحَ المصنفُ بقوله (يُشْتَرَطُ) فإنهما رُكنانِ وما أحسنَ قولَ الْمُحَرَّرِ: لَا بُدَّ فِي الْقِرَاضِ مِنْهُمَا لدلالة (فِي) على الدخُولِ فِي الْمَاهِيَّةِ، وَقِيلَ: يَكْفِي الْقَبُولُ بِالْفعلِ، أي فيما إذا قال: خُذْ هذِهِ الدَّرَاهِمَ واتجر فِيها عَلَى أَنَّ الرِّبْحَ بَينَنَا كَذَا، فَأخَذَ كالوكالةِ والْجُعَالةِ والأصَحُّ
(162) النساء / 11.
المنعُ بخلافِهِمَا. لأنَّ الْقِرَاضَ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ مُختصٌّ بِمُعيَنٍ. أمَّا لفظُ القِرَاضِ وَالْمُضَارَبَةِ وَالْمُعَامَلَةِ فلا بُدَّ من اشتراطِ القبول اللفظيِّ فيها كما اقتضاهُ كلامُ الشرحَينِ وَالْمُحَرَّرِ وَالروْضَةِ لأنَّ هذِهِ الصِّيغَةَ تَقتضي الْمُفَاعَلَةَ، وَشَرطُهُمَا، يعني المالك والعامل، كَوَكِيلٍ وَمُوَكِّلٍ، لأن القراض توكيل وتوكلٌ فَاعتُبِرَ فِيهِمَا مَا اعتُبِرَ فِي الْوَكِيلِ وَالْمُوَكِّلِ فلا يصح أنْ يُقَارِضَ سفيهٌ وَلَا صَبِي ولا أن يُقَارَضَ، وأمَّا الْمَحجُورُ عَلَيهِ بِالْفلس فلا يصح أن يُقَارَضَ ويصح أنْ يَكُونَ عَامِلًا.
فَرعٌ: يجوز لولي الطفلِ وَالْمَجْنُونِ أَنْ يُقَارَضَ بِمَالِهِمَا أَبًا كَانَ أَوْ غَيرَهُ.
فرعٌ: لا يصح أنْ يُقَارَضَ الْعَبْدُ الْمأذُونِ بِغَيرِ إِذْنِ سَيِّدِهِ وَلَا يُقَارِضَ.
وَلَوْ قَارَضَ الْعَامِلُ آخَرَ بإِذْنِ الْمَالِكِ لِيُشَارِكَهُ فِي الْعَمَلِ وَالربْح لَمْ يَجُزْ في الأصَح، لأنه خلافُ موضوعِهِ، والثاني: يجوز كما لو قَارَضَ المالكُ شَخْصَينِ في الابتداء وهو قويٌّ. واحترز بالمشاركة عما إذا أَذِنَ لَهُ في ذلكَ على أن يَنْسَلِخَ هُو من القرَاضِ ويكونَ وكيلًا فيهِ عن الالكِ، والعاملُ هو الثاني؛ فإنه يصح جزمًا كما لو قَارَضَهُ المالكُ بِنَفْسِهِ، وَبِغَيرِ إِذْنِهِ فَاسِدٌ، لأنَّ الالكَ لم يأذن فيهِ ولم يَأتمِنْ على المالِ غيرَهُ، فَكان تَصرفَ الثانِي فَتَصَرُّفُ غَاصِبٍ، لما قلناه، فَإنِ اشْتَرَى فِي الذِّمةِ، أي وَسَلمَ الْمَغْصُوبَ فيما الْتَزَمَهُ وَرَبِحَ، وَقُلْنَا بِالْجَدِيدِ، أَي وَهُوَ أنَّ الرِّبْحَ كلَّهُ لِلْغَاصِبِ، لأَنَّ التصَرُّفَ صَحِيحٌ وَالتسْلِيمَ فَاسِدٌ، فيضمن المال الذِي سَلمَهُ وَيَسْلَمُ لَهُ الربْحُ وهذا الجديد لَمْ يُقَدّم المصنفُ لَهُ ذِكْرًا حتى يُفَرِّعَ عَلَيهِ، وأما الرَّافِعِيُّ فِي الْمُحَرَّرِ فَوَضَّحَ ذَلِكَ، فَالرِّبْحُ الْعَامِلِ الأؤلِ فِي الأصَح، لأن الثاني تَصَرَّفَ بِإِذْنِهِ كالوكيل، وَعَلَيهِ لِلثانِي أجْرَتهُ، لأنه لم يعمل مجانًا. وَقِيلَ: هُوَ لِلثانِي، لأنهُ المتصرفُ كالغاصِبِ، ومقابل الجديد قولٌ قديمٌ أنَّ الربحَ للمالكِ. وَإن اشْتَرَى بِعَينِ مَالِ الْقِرَاضِ لَباطِلٌ، لأنهُ فُضُولي.
ويجُوزُ أَن يُقَارِضَ الْوَاحِدُ اثْنَينِ مُتَفَاضِلًا وَمُتَسَاويًا، لأن ذلك كَعَقْدَينِ، وَالاثنانِ وَاحِدًا، لأن ذلك أيضًا كَعَقْدَينِ، وَالربحُ بَعدَ نَصِيبِ الْعَامِلِ بَينَهُمَا
بِحَسَبِ الْمالِ، أي كما إذا كان المالُ بينهما نِصفَينِ وَشَرَطَا للعاملِ نصف الربح وباقيه لهما بالسوية، ولو شرطاه لا على نسبةِ الْمَالينِ لَم يَصح، وَإِذَا فَسَدَ القِرَاضُ نَفَذَ تَصَرُّفُ الْعَامِلِ، لوجود الإذن كما في الوكالة الفاسدة، وَالربحُ لِلمَالِكِ، أي بكماله لأنه نماءُ مِلْكِهِ، وَعَلَيهِ لِلعَامِلِ أجْرَةُ مِثلِ عَمَلِهِ، لأنه عملَ طَامِعًا في الْمُسمَّى، فإذا فات وحب ردُّ عمله وهو متعذرٌ فتجب قيمتُهُ، إلا إِذَا قال: قارَضْتُكَ وَجَمِيعُ الربح لِي، فَلا شَيءَ لَهُ فِي الأصَحِّ، لأنه عمل راضيًا بأنه لا شيءَ لَهُ، والثاني: يرجع بأجرة المثل كسائر صُوَرِ الفَسَادِ وَصَححَهُ ابنُ الرّفْعَةِ.
فَصل: وَيَتَصَرَّف العَامِلُ مُختَاطًا لَا بِغبنٍ، أي فاحش كما ذكره في الوكالة كالوكيل، وَلَا نَسِيئَةٍ، كما قلناهُ، بِلا إِذْن، لأن المنعَ لَحِقَهُ وَقَد زَال بِإِذْنِهِ، وَلَهُ الْبَيعُ بِعرضٍ، وَلَهُ الرَّدُّ بِعَيبٍ تَقْتَضِيهِ مَصلَحَة، أي بخلاف الوكيل. ومنع ابن الصباغ والروياني وغيرُهما من البيع بغيرِ نقدِ البلدِ، وفيه نظر، فإن الغرضَ حُصُولُ الرئع ولهذا يشتري المعيب، اللهُمَ إلا أنْ يُقَال لَا رَوَاجَ بغَيرِ نَقْدِ البَلَدِ فَيَتَعَطلُ الربحُ بِخِلافِ الْعرضِ، فَإنِ اقْتضت الإِمسَاكَ فَلَا فِي الأَصَحّ، لإخلالهِ بِالمَقْصُودِ، والثاني: نعم؛ كالوكيل، وهُو ظَاهِرُ نَصِّهِ في المُختصَرِ وَهُوَ مُتجِهٌ، وَللمَالِكِ الرد، أي حيثُ يجوز للعامل بطريق أَوْلى، فَإِنِ اختَلَفَا، أي هُو والمالكُ في الرَّد بالعيبِ، عُمِلَ بِالْمَصلَحَةِ، لتعلق حَق الآخَرِ بِها، وَلَا يُعَامِلُ المَالِكَ، لأن المال ملكَهُ كالعبدِ المَأذُونِ، وَلَا يَشرِي لِلْقِرَاضِ بِأكثَرَ مِنْ رَأسِ المَالِ، لأن المالِكَ لم يرضَ بأن يشغل العامل ذمَّتَهُ إلا بِهِ، فَإنْ فَعَلَ لَم يَقع مَا زَادَ عَنْ جِهةِ الْقِرَاضِ، وَلَا مَنْ يَعتِقُ عَلَى المَالِكِ بِغَيرِ إِذْنِهِ، أي كأصوله وفي وعه، لأَنهُ خُسْرَان كُلُّهُ فَكان أذِنَ صَح، وَكَذَا زَوجُهُ فِي الأصَحّ، للضَّرَرِ بِرَبّ الْمَالِ بِسَبَبِ انْفِسَاخ نكاحهُ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الإملاءِ، والثاني: يجوز لأنه قد يكون مريحًا، وقوله (زَوْجُهُ) يشمل الذكر والأنثى، وَلَوْ فَعَلَ، أي مَا مُنِعَ مِنْهُ وَهُوَ شِرَاءُ الْقَرِيبِ وَالزوج، لَمْ يَقع لِلْمَالِكِ، ويقَعُ لِلْعامِلِ إِنِ اشترَى فِي الذَّمةِ، أي إذا لم يصرح بالسفارةِ، فإنْ صَرحَ بها فوجهان في الكفاية، واحترز بِالذمَّةِ عَنِ العَينِ فإنه باطل من أصله كما تقدم أيضًا.
وَلَا يُسَافِرُ بِالمَالِ بِلا إِذْنِ، أي وَإِنْ كَانَ السَفَرُ قَرِيبًا وَالطرِيقُ آمِنًا وَلَا مُؤنَةَ فِيهِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْخَطَرِ وَالتعَرض لِلْهلاكِ، ولا يجوز لهُ رُكُوبُ البحرِ إلا أَنْ ينصَّ عليه قالهُ في الروضة، وَلَا يُنفِقُ مِنْهُ عَلَى نَفْسِهِ حَضَرًا، لاقتضاء العرف ذلكَ. وَكَذَا سَفَرًا فِي الأظْهرِ، كالحَضَرِ، والثاني: يُنْفِقُ ما يزيدُ بِسَبَبِ السَّفَرِ، لأنهُ حَبَسَهُ عنِ التَّكَسُّبِ بِالسَفَرِ لأجْلِ القِرَاضِ فأشبه حَبْسَ الزَّوْحَةِ بِخِلافِ الحَضَرِ.
وَعَلَيهِ فعلُ مَا يُعتَادُ كَطَيِّ الثوبِ؛ وَوَزْنِ الْخَفِيف كَذَهب وَمِسك، لأن العُرفَ قاض بِهِ كما تقدم أيضًا في أوائل الباب، لَا الأمتِعَةِ الثقِيلَةِ وَنَحوُهُ، أي كنقل المتاع من الخانِ إلى الحانوتِ لجَرَيَان العرفِ بالاستئجارِ لذلكَ، وَمَا لَا يَلْزَمه لَهُ الاسْتِئْجَارُ عَلَيهِ، أَي مِنْ مَالِ القِرَاضِ؛ لأنهُ مِنْ تَتمَةِ التجَارَةِ وَمَصَالِحِها فَلَو تَوَلاهُ بِنَفْسِهِ فَلَا أجْرَةَ لَهُ، أَمَّا مَا يَلْزَمُهُ فَلَهُ الاسْتئْجَارُ عَلَيه أَيضًا، كَمَا صَرَّحَ بِهِ الإِمَامُ فِي آخِرِ الْوَصِيَّةِ لكن الأجرةُ عَلَيهِ.
فَصل: وَالأظهر أن الْعَامِلَ يَملِكُ حِصتَهُ مِنَ الربْح بِالقِسمَةِ لَا بِالظُّهُورِ، لأنه لَوْ مَلَكَها قَبْلَ القِسمَةِ لَصَارَ شَريكًا لِلمَالِك حَتى لَوْ هلَكَ شَيء مِنْهُ هلَكَ مِنَ المَالينِ، وَلَيسَ كَذَلِكَ؛ بَلِ الربحُ وقَايَة لِرَأسِ المَالِ، والثاني: أَنهُ يَملِكُها بِالظهُورِ كَرَبِّ المَالِ، وقياسًا على المُسَاقَاةِ، وقد فَرعَ المصنفُ على الخلافِ في بابِ زكاةِ التجارةَ زكاةَ مَالِ القِراضِ فَرَاجِعهُ، وإذا قُلنا بالثاني؛ فليس مِلكًا مُستقرًا، نَعَم؛ في حصولِ الاستقرارِ بارتفاع العقدِ ونضوضِ المالِ مِنْ غيرِ قسمةِ، وجهان أصَحهُمَا نَعَم؛ فلو اقتسما الربحَ بالتراضِي قَبْلَ فَسخ العَقْدِ لَم يَحصَلِ الاسْتِقْرَارُ بَلْ يحصُلُ خُسْرَان بَعدَهُ؛ كَانَ عَلَى الْعَامِلِ جَبْرُهُ بِمَا أَخَذَ، وإذا قلنا بالأول فله فيهِ حق مؤكد حتى يورثَ عَنْهُ. وثمار الشَّجَرِ؛ وَالنتاج؛ وَكَسبُ الرقِيقِ؛ وَالمَهرُ الحَاصِلَةُ مِن مَالِ القِرَاضِ يَفُوزُ بِها الْمَالِكُ، لأنها ليسَت مِنْ فَوَائِدِ التجَارَةِ، وَقِيلَ: مَالُ قِرَاض، لأنها حَاصلَة بِسَبَبِهِ، وَبهذَا جَزَمَ الإمَامُ، وَتَوَابِعُهُ أَنها مِنْ فَوَائِدِهِ فَهِىَ مِنَ الربح عَلَى الأصح، وَالنْقصُ الحَاصِلُ بِالرُخْصِ مَحسُوب مِنَ الربح مَا أَمكَنَ وَمَجبورٌ بِهِ،
لاقْتِضَاءِ الْعُرفِ ذَلِكَ فينزلُ مُطْلَقُ الْعَقْدِ عَلَيهِ، وَكَذَا النقْصُ بِالتعيِيبِ وَالْمَرَضِ الْحَادِثَينِ، وَكَذَا لَوْ تَلِفَ بعضُهُ بآفَةٍ، أي سماوية كالحريقِ ونحوهِ، أَوْ غصب أَوْ سَرِقةٍ، أي وَتَعَذرَ أخذُ البدلِ، بَعْدَ تَصَرُّفِ الْعَامِلِ فِي الأصَحّ، لأنه نُقْصَان حَصَلَ فِي الْمَالِ فَكَانَ مَجبورًا بِالريح كَالنُّقْصَانِ الحَاصِلِ بالتعيِيبِ وبِانْخِفَاضِ السُّوقِ، والثاني: لا، لأنهُ نُقْصَان لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِتَصَرُّفِ الْعَامِلِ وَتِجَارَتهِ بِخِلافِ الْحَاصِلِ بِانْخِفَاضِ السوقِ، والأكثرونَ قطعُوا بِالْجَبْرِ في الآَفةِ السماويةِ وَخَصُّوا (•) الوجهيِن بالباقي، والفرقُ أنَّ في الضمانِ الواجبِ ما يجبرهُ فلا حاجةَ إلى الجبرِ بمالِ القِراضِ بخلاف الآفة، أَما إِذَا أَخَذَ الْبَدَلَ فَإنَّ الْقِرَاضَ يَسْتَمِرُّ فِيهِ، واحترز بقوله (تَلِفَ بَعضُه) عن تَلَفِ كلِّهِ بآفةٍ، فإِن القِرَاضَ يَرتَفِعُ، وكذا لو أَتْلَفَهُ المالكُ، وَإِنْ أَتْلَفَهُ أَجْنَبِيٌّ أَخَذَ بَدَلَهُ وَاسْتَمَر، وَإِنْ أَتْلَفَهُ الْعَامِلُ فَتَرَدَّدَ، وَإِن تَلِفَ قَبلَ تَصَرفِهِ فَمِنْ رَأسِ المالِ فِي الأصَح، لأنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَتَأَكَّدْ بِالْعَمَلِ، والثاني: مِنَ الربح؛ لأَنهُ بِقَبْضِ الْعَامِلِ صَارَ مَال قِرَاض، وَهذَا مَا رَوَاهُ الْمُزَنِيُّ فِي جَامِعِهِ الْكَبيرِ.
فَصلٌ: لِكُل فَسْخُهُ، لأنهُ فِي ابْتِدَائِهِ وَكَالة وَفِي انْتهائِهِ إِمَّا شَرِكَة أوْ جُعَالة وَكلها عُقودٌ جَائِزَةٌ، وَلَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا أَوْ جُن أَوْ أغْمِيَ عَلَيهِ انْفَسَخَ، كالوكالة، وَيَلْزَمُ الْعَامِلَ الاستِيفَاءُ، أي استيفاءُ الدَّينِ، إِذَا فَسَخَ أَحَدُهُمَا، لِيَرَدَّ كَمَا أَخَذَ، وَتَنْضِيضُ رَأسِ المالِ إِن كَان عَرضًا، أي وهو بَيعُهُ بالناض وهو النقْدُ لِمَا قُلناهُ، وَقِيلَ: لَا يلزَمُهُ التنضيضُ إِذَا لَمْ يَكُنْ رِبْح، لأن غَرَضَ الْبَيع أَنْ يَظهرَ الرّبْحُ لِيَصِلَ الْعَامِلُ إِلَى حَقهِ مِنْهُ فإذا لم يكنْ ربح وارتفعَ العقدُ لم يحسن تكليفهُ بلا زِيَادَةِ فَائدةٍ وَالأصَحُّ الأولُ لِمَا سَلَفَ، وَلَو اسْتَرَدَّ الْمَالِكُ بعضهُ قَبْلَ ظُهُورِ رِبْح وَخُسْرَان رَجَعَ رَأسُ المالِ إِلَى الْبَاقِي، لأنه لم يتركْ في يَدِهِ غيره، وإِنِ استَرَد بَعدَ الربْح فَالْمسترد شَائع رِبْحًا، وَرَأسَ مال، أي على النسبة الحاصلة من جملة الربح وَرَأسِ الْمَالِ، وَيَسْتَقِرُّ مِلْكُ الْعَامِلِ عَلَى مَا يخصُهُ بِحَسْبِ الشّرطِ مما هو رَبِحَ مِنْهُ فلا
(•) في النسخة (1): حَفُّوا.
يسقطُ بالخسرانِ الواقع بَعدَهُ، وَوجهُ كَوْنِ الْمُسْتَرَد شَائِعًا عَدَمُ التميِيزِ، مِثَالهُ: رأسُ الْمَالِ مِائَةٌ، وَالربْحُ عِشْرُون، وَاسْتَرد عِشْرِينَ، فَالربْحُ يسُدُسُ الْمَالِ، فَيَكُون الْمُسْتَرَدُّ سُدُسهُ مِنَ الربْح، أي وهو ثلاثة دراهم وثلث، فَيَسْتَقِرُّ لِلْعَامِلِ الْمَشْرُوطُ مِنْهُ، أي وهو دِرهمٌ وَثُلُثَانِ إِنْ كَانَ الشَّرطُ مُنَاصَفَةً، وَبَاقِيهِ مِنْ رَأسِ المَالِ، فَلَوْ عَادَ مَا فِي يَدِهِ إِلَى ثَمَانِينَ لَمْ يَسْقُطْ نَصِيبُ الْعَامِلِ بَلْ يأخُذُ مِنْها دِرهمًا وَثُلُثَي دِرهمٍ وَيَرُدُّ الْبَاقِي وَهُوَ ثَمَانِيَة وَسَبْعُونَ درهمًا وَثلُثُ دِرهم، وَإِنِ اسْتَرَدَّ بَعدَ الْخُسْرَانِ، فَالْخُسرَان مُوَزعٌ عَلَى الْمُسْتَرَد وَالباقِي، فلا يَلْزَمُ جَبْرُ حِصُّةِ الْمُسْتَردَّ لَوْ رَبِحَ بعدَ ذَلِكَ، لأَنهُ لَوْ رَدَّ الْكُلَّ بَعدَ الْخُسرَانِ لَم يَلْزَمهُ شَيء وَيَصِيرُ رَأسُ الْمَالِ الْبَاقِي بعدَ الْمُسْتَرَدِّ وَحصَّتُهُ مِنَ الْخُسْرَانِ، مِثَالُهُ: الْمَالُ مائَةٌ، وَالْخُسْرَان عِشْرُون، ثُمَّ اسْتَرَدَّ عشرِينَ، فَرُبُعُ الْعِشْرِينَ حصةُ الْمُسْتَرَد، ويعُودُ رَأسُ الْمَال إِلَى خَمسَةٍ وَسَبْعِينَ، لأنَّ الْخُسْرَانَ إِذَا وَزَّعنَاهُ عَلَى الثمَانِينَ خَصَّ كُل عِشْرِينَ خَمسَة، والعشرونَ الْمُسْتَرَدَّةُ حِصَّتها خَمسَةٌ فيبقى ما ذكرهُ، فَلَوْ رَبِحَ بَعْدَ ذَلِكَ فَبَلَغَ ثَمَانِينَ مَثلا لَمْ يَكُنْ لِلْمَالِك أخْذُ الكُلِّ بَلْ الْخَمسَةَ الزائِدَةَ تُقْسَمُ بَينَهُمَا نصفَينِ، ويصَدَّقُ الْعَامِل بِيَمِينهِ فِي قَوْلهِ: لَمْ أَربح، أَوْ لَمْ أربح إلا كَذَا، عَمَلًا بِالأصلِ، أَو اشْتَرَيتُ هذَا لِلْقِرَاضِ أَوْ لِي، لأنَّهُ أعرَفُ بِقَصدِهِ، أَوْ لَمْ تَنهنِي عَنْ شِرَاء كَذَا، لأنَّ الأصلَ عَدَمُ النهْي، وَفِي قَدرِ رَأسِ الْمَالِ، لأنَّ الأصلَ عَدَمُ رَفْع الزيادَةِ، وَدَعوَى التلَفِ، كَالْمُودَع فَإِنْ ذَكَرَ سَبَبَ التلَفِ فَسَيأتِي فِي الْوَدِيعَةِ، وَكَذَا دَعوَى الرد فِي الأصَح، كالمودع، والثاني: لا، كالمرتهن، وَلَو اخْتَلَفَا فِي المَشْرُوطِ لَهُ، أي بأن قال شرطت إلي النصف فقال بل الثلث، تَحَالفَا، لأنهما اختلفا في عِوَضِ الْعَقْدِ فَأَشبه اخْتِلافَ الْمُتَبَايِعَينِ فِي الثمَنِ، وَلَهُ أجْرَةُ الْمِثْلِ، مقابلة لعملهِ.
فَرعٌ: إِذَا تَحَالفَا هلْ يَنْفَسِخُ بِنَفْسِ التحَالُفِ أَم بِالْفَسْخ؟ حُكْمُهُ حُكْمُ الْبَيع كَمَا مَضَى قَالهُ فِي الْبَيَانِ، وجزمَ الروياني في الأول وَبِهِ يُشْعِرُ إيرادُ المصنف.