الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَرَثَتِهِمَا كَهُمَا، أي كاختلافهما؛ لأنها يمين في المال، فقام الوارث مقام المورث، كاليمين في دعوى المال، وَلَوْ قَالَ: بِعْتُكَهُ بِكَذَا، فَقَالَ: وَهَبْتَنِيهِ فَلَا تَحَالُفَ، أي إذا لم يتفقا على عقد، بَلْ يَحْلِفُ كُلٌّ عَلَى نَفْيِ دَعْوَى الآخَرِ، فَإِذَا حَلَفَ رَدَّهُ مُدَّعِي الْهِبَةَ بِزَوَائِدِهِ، أي المتصلة والمنفصلة إذ لا ملك له ولا يحتاج إلى فسخ.
وَلَوِ ادَّعَى صِحَّةَ الْبَيْع وَالآخَرُ فَسَادَهُ فَالأَصَحُّ تَصْدِيقُ مُدَّعِيَ الصِّحَّةِ بِيَمِينِهِ، لأن الظاهر في العقود الجارية بين المسلمين هو الصحةُ، والثاني: يصدق مدعى الفساد، لأن الأصل عدم العقد الصحيح، وقول المصنف (الْبَيْعِ) لو أبدله بالعقدِ كان أصوب، لأن الخلاف جارٍ أيضًا في عقود المعاوضات؛ كالإجارة والنكاح ونحوهما، نعم يستثنى من ذلك مسائل موضحة في الأصل فراجعها.
وَلَوِ اشْتَرَى عَبْدًا فَجَاءَ بعَبْدٍ مَعِيبٍ لِيَرُدَّهُ، فَقَالَ الْبَائِعُ: لَيْسَ هَذَا الْمَبيعَ صُدِّقَ الْبَائِعُ بيَمِينِهِ، لأن الأَصل السلامة وبقاء العقد، وَفِي مِثْلِهِ فِي السَّلَمِ يُصَدَّقُ الْمُسْلِمُ فِي الأَصَحِّ، لأنه لم يعترف بقبض ما ورد عليه العقد، والأصل اشتغال ذمة الْمُسَلَّم إليه، وفي البيع اتفقا على قبضِ ما اشْتَرَاهُ، وتنازعا في سببِ الفسخِ، والأصلُ عدمه، والثانى: يصدق الْمُسَلَّمُ إليه كالبيع.
بَابُ مُعَامَلَاتِ الْعَبِيدِ
بَابٌ: هُوَ بَابُ مُعَامَلَاتِ الْعَبِيدِ وهُوَ أَعَمُّ مِنَ الْمُدَايَنَةِ. اَلْعَبْدُ إِن لَمْ يُؤْذَن لَهُ فِي التّجَارَةِ لَا يَصِحُّ شِرَاؤُهُ بِغَيْرِ إِذْنِ سيِّدِهِ فِي الأَصَحِّ، لأنه محجورٌ عليه لنقص فَأَشْبَهَ السَّفِيْهَ، والثانى: يصح؛ لأنه يعتمد في الذمة ولا حجر عليه في ذمته، ونَسَبَهُ الماوردي وأبو الطيب إلى الجمهور، والخلاف جارٍ أيضًا في عقود المعاوضات خلا النكاح، وَيَسْتَرِدُّهُ الْبَائِعُ، أي إذا قلنا بعدم الصحة، سَوَاءٌ كَان فِي يدِ الْعَبْدِ أَوْ سَيِّدِهِ، لأنه ملكهُ، فَإِنْ تَلِفَ فِي يَدِهِ، أو في يد العبد، تَعَلَّقَ الضَّمَان بِذِمَّتِهِ، أي سواء رآه مع العبد فتركه أم لا! لأنه ثبت برضى من له الحقّ، ولم يأذن السَّيِّدُ فيه
فيتبع به إذا عتق، أَوْ فِي يَدِ السَّيِّدِ فَلِلْبَائِع تَضْمِينُهُ، أي تضمين السيد باليد، وَلَهُ، أي للبائع، مُطَالَبَةُ الْعَبْدِ بَعْدَ الْعِتْقِ، لتعلقه بذمته لا قبل العتق لأنه مُعْسِرٌ، وَاقْتِرَاضُهُ كَشِرَائِهِ، أي في جميع ما سبق؛ لأنه عقد معاوضة مالية فكان كالشراء، وِإِنْ أَذِن لَهُ فِي التِّجَارَةِ تَصَرَّفَ، بالإِجماع؛ وشرط الماورديُّ: أنْ يصح تصرفه لنفسه لو كان حُرًا، بِحَسَبِ الإِذْن، لأن تصرفه بالاذن، فيقتصر على محل الاذن كالمضارب، فَإِنْ أَذِنَ، له، فِي نَوْعٍ لَمْ يَتَجَاوَزْهُ، أي وكذا في وقت لما ذكرناه، وَلَيْسَ لَهُ نِكَاحٌ، كما ليس للمأذون في النكاح أن يَتَّجِرَ لأن اسمَ كُلٍّ منهما غَيْرُ مُتَنَاوِلٍ لِلآخَرِ، وَلَا يُؤَجِّرَ نَفْسَهُ، لأنه لا يملك التصرف في رقبتهِ، فكذا في منفعتهِ، وله إجارةُ أموالِ التجارةِ في الأصحِّ، كما أشار إليه بقوله (نَفْسُهُ) لأنَّ التُّجَّارَ يعتادونَهُ.
وَلَا يَأْذَنُ لِعَبْدِهِ فِي تِجَارَةٍ، أي للعبد الذي اشتراه لها؛ لأن السيد لم يأذن فيه، وَلَا يَتَصَدَّقُ، لعدم الأذن، وَلَا يُعَامِلُ سَيِّدَهُ، لأن تصرفه له بخلاف المكاتب، وَلَا يَنْعَزِلُ، بَإِبَاقِهِ، أى بل له التصرف في البلد الذي خرج إليه، إلّا إذا خَصَّ السَّيِّدُ الإذنَ ببلدٍ، لأنَّ الاباقَ معصيةٌ، فلا يوجب الحجر، كما لو عَصَى السَّيِّدَ من وجهٍ آخرٍ، وَلَا يَصِيرُ مَأْذُونًا لَهُ بِسُكُوتِ سَيِّدِهِ عَلَى تَصَرُّفِهِ، كما لو رآه ينكح لا يكون سكوته اذنًا فيه.
وَيُقْبَلُ إِقْرَارُهُ بِدُيُون الْمُعَامَلَةِ، لقدرته على الإنشاء وقد أعادها في الإقرار وسيأتي، وَمَنْ عَرَفَ رِقَّ عَبْدٍ لَمْ يُعَامِلْهُ حَتَّى يَعْلَمَ الإِذْن بِسَمَاعِ سَيِّدِهِ أَوْ بَيِّنَةٍ أَوْ شُيُوعٍ بَيْنَ النَّاسِ، لأن الأصل عدم الأذن؛ والمراد بالعلم الظن، وَفِي الشُّيُوع وَجْهٌ، لأن الحجر محقق وزواله مشكوك فيه، وأجاب الأول بأن السماع من السَّيِّدِ أو الثبوت بالبَيِّنَةِ في حَقِّ كُلِّ مَنْ أرادَ المعاملةَ فيهِ عُسْرٌ، وَلَا يَكْفِي قَوْلُ الْعَبْدِ، أي في الإذن؛ لأن الأصل عَدَمُهُ؛ فأشبه زعم الراهن إذن المرتهن في بيع العَينِ المرهُونَةِ، أما قوله في الحجر فمقبول وإن أنكره السَّيدُ في الأصحِّ؛ لأنهُ العاقدُ والعقدُ بَاطِلٌ بزعمهِ.
فَزعٌ: لو عزل العبدُ نفسَهُ لم ينعزل، لأنَّ التصرفَ حَقُّ السيدِ فلم يقدر على إبطاله قاله المتولي.
فَإِنْ بَاعَ مَأْذُونٌ لَهُ وَفَبَضَ الثَّمَنَ وَتَلِفَ فِي يَدِهِ فَخَرَجَتِ السِّلْعَةُ مُسْتَحَقَّة رَجَعَ الْمُشْتَرِى بِبَدَلِهِ، أي الثمن، عَلَى العَبْدِ، لأنه المباشر للعقد، وَوَقعَ بِخَطِّ الْمُصَنِّفِ (بِبَدَلِهَا) أَيْ بَدَلِ الْعَيْنِ وَلَيْسَ بِجَيِّدٍ، وَلَهُ مُطَالَبَةُ السَّيِّدِ أَيْضًا، لأن العقد له؛ فكأنه البائع والقابض، وَقِيلَ: لَا، لأن السَّيِّدَ بالاذنِ لَهُ أعطاهُ استقلالًا وقصر الطمع على ما في يده وذمته، وَقِيلَ: إن كان فِي يَدِ الْعَبْدِ وَفَاءٌ! فَلَا، لحصول الغرض مما في يده.
وَلَوِ اشْتَرَى سِلْعَةً فَفِي مُطَالَبَةِ السَّيِّدِ بِثَمَنِهَا هَذَا الْخِلَافُ، لما ذكرناه من التعليل، وَلَا يَتَعَلَّقُ دَيْنُ التِّجَارَةِ بِرَقَبَتِهِ، لأنه ثبت برضى مستحقه، وَلَا بِذِمَّةِ سَيِّدِهِ، لأنه لزم بمعاوضة مقصودة بإذنه فيكون متعلقًا بالكسب كنفقة النكاح، بَل يُؤَدِّي مِنْ مَالِ التِّجَارَةِ، لاقتضاء العرف وإلاذن ذلك، وَكَذَا مِنْ كَسْبِهِ بِاصْطِيَادٍ وَنَحْوِهِ فِي الأصَحِّ، كما يتعلق به المهر ومؤن النكاح، والثاني: لا كسائر أموال السيد، وَاعْلَمْ: أنَّ ما ذكره المصنف هنا من كونه لا يتعلق بالسيد مخالف لقوله قبله أنه يطالب السيد ببدل الثمن التالف في يد العبد وبثمن السلعة التي اشتراها أيضًا، وأشار صاحب الطلب إلى تضعيف الكلام الأول بقوله: زعمَ الإمامُ أنه الأصح.
وَلَا يَمْلِكُ العَبْدُ بِتَمْلِيكِ سَيِّدِهِ فِي الأَظْهَرِ، كما لا يملك بالارث، والثاني: يملك لقوله عليه الصلاة والسلام: [مَنْ بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ
…
] الحديث (78). أضاف المال إليه لكنه ملك ضعيف يملك المولى انتزاعه منه، واحترز بالسيد عن الأجنبي فإنه لا يملك بلا خلاف كما قاله الرافعي في الوقف وغيره، لكن الماوردي والقاضي أجريا الخلاف فيه أيضًا.
(78) الحديث عن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما؛ قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: [مَنِ ابْتَاعَ نَخْلًا بَعْدَ أَن تُؤَبَّرَ فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِع إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ. وَمَنِ ابْتَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ، فَمَالُهُ لِلَّذِى بَاعَهُ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ]. رواه البخارى في الصحيح: كتاب المساقاة: باب الرجل يكون له مَمَرٌّ: الحدث (2379). ومسلم في الصحيح: باب من باع نخلًا عليها تمر: الحديث (80/ 1543).
فَرْعٌ: مِنَ الْبَحْرِ نَخْتُمُ بهِ الْبَابَ: لو أن رجلين أذِنا لعبديهما في التجارة فاشترى كل منهما عبد الآخر ولم يعلم السابق لم يصح واحد منهما؛ لأن عبدَ أَحَدِهِمَا إذا اشترى عبدَ الآخرِ صَارَ الْمُشْتَرَى لمالكِ المشترِى فلا يصح شراء الثاني بَعْدَهُ.