المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كتاب الإجارة الإِجارَةُ: هِي بكَسرِ الْهَمْزَةِ، وَحَكَى الرافِعِيُّ ضَمَها، وَصاحِبُ الْمُسْتَعْذَبِ - عجالة المحتاج إلى توجيه المنهاج - جـ ٢

[ابن الملقن]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الصيام

- ‌بَابُ صَوْمِ التَّطَوُّعِ

- ‌كِتَابُ الاِعْتِكَافِ

- ‌كِتَابُ الْحَجِّ

- ‌بَابُ المَوَاقِيتِ

- ‌بَابُ الإِحْرَامِ

- ‌بَابُ دُخُولِ مَكَّةَ زَادَهَا اللهُ شَرَفًا

- ‌بَابُ مُحَرَّمَاتِ الإِحْرَامِ

- ‌بَابُ الإحِصَارِ وَالفَوَاتِ

- ‌كتاب البيع

- ‌بَابُ الْرِّبَا

- ‌بابُ الْبُيُوع الْمَنْهِيِّ عَنْها

- ‌بَابُ الخيَارِ

- ‌بَابُ الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ

- ‌بَابُ التوْلِيَةِ وَالإِشْرَاكِ وَالْمُرَابَحَةِ

- ‌بَابُ الأصُولِ وَالثمَارِ

- ‌بَابُ اخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ

- ‌بَابُ مُعَامَلَاتِ الْعَبِيدِ

- ‌كِتَابُ السَّلَمِ

- ‌كِتَابُ الرَّهنِ

- ‌كتاب التفليس

- ‌بِابُ الْحَجْرِ

- ‌كِتَابُ الْصُّلْحِ

- ‌كِتَابُ الحوالةِ

- ‌كتاب الضمان

- ‌كِتَابُ الشِّرْكَةِ

- ‌كِتَابُ الْوَكَالةِ

- ‌كتاب الإقرار

- ‌كِتَابُ الْعَارِيَّةِ

- ‌كِتَابُ الْغَصْبِ

- ‌فُرُوعٌ مَنْثُورَةٌ نَخْتِمُ بِهَا الْبَابَ مُهِمَّةٌ

- ‌كِتَابُ الشُّفْعَةِ

- ‌كِتَابُ الْقراضِ

- ‌كتاب المُسَاقَاةِ

- ‌كتاب الإجارة

- ‌كتاب إحياء الموات

- ‌كتاب الوقف

- ‌كتاب الهبة

- ‌كِتَابُ الْلُّقَطَةِ

- ‌كِتَابُ الْلَّقِيطِ

- ‌كتاب الجُعَالةِ

الفصل: ‌ ‌كتاب الإجارة الإِجارَةُ: هِي بكَسرِ الْهَمْزَةِ، وَحَكَى الرافِعِيُّ ضَمَها، وَصاحِبُ الْمُسْتَعْذَبِ

‌كتاب الإجارة

الإِجارَةُ: هِي بكَسرِ الْهَمْزَةِ، وَحَكَى الرافِعِيُّ ضَمَها، وَصاحِبُ الْمُسْتَعْذَبِ فَتْحَها، وَهِيَ في الشَّرع عَقْد عَلَى مَنْفَعَةٍ مَقْصُودَةٍ مَعْلُومَةٍ قابِلَةٍ لِلْبَذْلِ والإِباحَةِ بِعِوَضٍ مَعْلُومٍ. والأصلُ فِيها قَبْلَ الإِجْماع والسُّنةِ الشَّهِيرَةِ قوْلُهُ تَعالى:{فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} (165) والْحاجَةُ بَلِ الضَّرُورَةُ داعِيَةٌ إِلَيها، فَإِنهُ لَيسَ لِكُلّ أَحَدٍ مَركُوبٍ وَمَسْكَنٍ وَخادِمٍ فَجُوزتْ لِذَلِكَ.

شَرطُهُما، أَيِ الْمُؤَجّرُ والْمُستأجِرُ، كَبائِع وَمُشْتَرٍ، أي مِن البُلُوغ، والْعَقْلِ، والرشْدِ، والطواعِيَةِ، كما في سائرِ التصَرُّفاتِ. ولأنها صنفٌ من البيع، والصيغَةُ: آجَرتُكَ هَذا أو أَكْريتُكَ، أَو مَلْكتكَ مَنافِعَهُ سَنَةً بِكَذا، فَيَقُولُ، أي على الاتصالِ: قَبِلْتُ أَو استأجَرتُ أَو اكْتَرَيتُ، لأنها بيعٌ، فلا بد فيها من الإيجابِ والقبولِ، والخلافُ في المعاطاة في البيع جارٍ هنا، وفي الرهنِ والْهِبَةِ وصرَّحَ به في شرح المهذبِ، في كتاب البيع عن المتولي وآخرين، والأصَحُّ انْعِقادُها بِقَوْلهِ: آجَرتُكَ مَنْفَعَتها، أي وَذِكْرُ المنفعةِ تأكيدٌ، والثاني: لا يصحُّ، لأنَّ لفظَ الإجارةِ وُضِعَ مضافًا إلى العَينِ، ومَنعُها بِقَولِهِ: بِعتُكَ منْفَعَتَها، لأنَّ البيعَ موضوعٌ لِمِلكِ الأعيانِ فلا يستعمل في المنافع، كما لا ينعقدُ البيعُ بلفظِ الإجارةِ، والثاني: يجوز، لأنها صنفٌ من البيع، وَهِيَ قِسْمانِ: وارِدَةٌ عَلَى عَينٍ كإجارَةِ الْعَقَارِ وَدابَّةٍ أوْ شَخْصٍ مُعَينَينِ،

(165) الطلاق / 6.

ص: 927

وَعَلَى الذمةِ كاسْتِئجارِ دابَّةٍ مَوْصُوفَةٍ، وَبِأَن يُلْزِمَ ذِمَّتَهُ خِياطَة أوْ بِناءً، وذكر المصنفُ هذا التقسيمِ، لِما يترتبُ عليه من الأحكام الآتية، ووجهُ جعلِ العقارِ من القسمِ الأوَّلِ، أنَّه لا يثبتُ في الذمَّةِ، وَلِهَذا لَا يَجُوزُ السَّلَمُ في أَرضٍ؛ وَلا دارٍ. ومرادهُ بالواردةِ على العينِ ما يرتبطُ بالعينِ؛ وتمثيلهُ يرشدُ إليه ولا يُفْهَمُ منهُ أن مورد الإجارة العين في الواردة على العين بَلِ المذهبُ الصحيحُ أن موردها المنافع، سواء أَوَرَدَتْ على العينِ أو الذِّمَّةِ خلافًا لأبي إسحاق، وَلَوْ قال: اسْتأجَرتُكَ لِتَعْمَلَ كَذا، فإِجارَةُ عَينٍ، للإضافةِ إلى الْمُخاطَبِ كما لو قال: اسْتَأْجَرتُ هَذِهِ الدّابَّةَ، وَقِيلَ، إِجارَةُ: ذِمَّةٍ، لأنَّ المقصودَ حصولُ العملِ من جهةِ الْمُخاطَبِ، فكأنهُ قال: اسْتَحقَقْتُ عَلَيكَ كَذا، ويشْتَرَطُ في إِجارَةِ الذمةِ تَسْلِيمَ الأُجْرَةِ في الْمَجْلِسِ، كرأسِ مالِ السَّلَمِ، لأنه سَلَمٌ في المنافع، فلا يجوزُ فيها تأجيلُ الأجرةِ، ولا الاسْتِبْدالُ عَنْها، ولا الحوالة بها، ولا عليها ولا الإبراء، وإجارَةُ الْعَينِ لا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ فِيها، أي كما لا يشترط تسليم الثمن في البيع، وَيَجُوزُ فِيها التعْجِيلُ والتأجِيلُ إِن كانَتْ في الذمةِ، وَإِذا أُطْلِقَتْ تَعَجلَتْ، أي وملكها المؤجرُ بنفسِ العقدِ، وَإذ كانَتْ مُعَينَةً مُلِكت في الْحالِ، ويشْتَرَطُ كَوْن الأُجْرَةِ مَعْلُومَة، كالثمن في البيع وروى عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:(كنْتُ أجيرًا لإِبْنَةِ غَزْوانَ عَلَى طَعامِ بَطني وَعُقْبَةِ رِجلِي)(166)، قال البيهقيُّ: لَيسَ في هَذا أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام عَلِمَ بِهِ فأَقَرَّهُ عَلَيهِ، ويحتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذا مُواضَعَة بَينَهُمْ عَلَى سَبِيلِ التراضِي لا عَلَى سَبِيلِ التعاقُدِ (167)، فَلا تَصِحُّ بِالْعِمارَةِ والْعَلْفِ، أي بإسكان اللام كما ضبَطَهُ الْمُصَنّفُ بِخَطِّهِ لِلْجَهالةِ، وَلا لِيَسلُخَ

(166) عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنهُ كانَ يَقُولُ: (نَشأتُ يتِيمًا، وَهاجَرتُ مِسكِينًا، وَكُنتُ أجيرًا لابنِ عَفانَ وابنَةِ غَزْوانَ عَلَى طَعامِ بَطني وَعُقْبَةِ رِجلِي، أحتَطِبُ لَهُم إذا نَزَلُوا؛ وَأحدُوا بِهِمْ إِذا سارُوا؛ فالحَمدُ للهِ الذِى جَعَلَ الدينَ قِوامًا، وأبو هُرَيرةَ إِمامًا). رواه البيهقي في السنن الكبرى: كتاب الإجارة: باب لا تجوز الإجارة حتى تكون معلومة: الأثر (11859).

(167)

السنن الكبرى: كتاب الإجارة: تعقيبًا على الأثر السابق: ج 9 ص 41.

ص: 928

بِالْجِلْدِ، وَيطْحَنَ بِبَعْضِ الدقِيقِ أَو بِالنخالةِ، لأن الأجرة ليست في الحال على الهيئة المشروطةِ فهي إذن غيرَ مقدورٍ عليها، وَلَو اسْتأجَرَها لِتُرضعَ رَقِيقًا بِبَعْضِهِ في الْحَالِ، جَازَ عَلَى الصحِيح، كما لو ساقى شريكه وشرط له الزيادة من الثمر يجوز؛ وإن كان يقع عمله في مشترك، والثاني: لا يجوز، ونقلهُ الإمام عن الأصحاب؛ لأن عملَ الأجيرِ يَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ في خاصِّ مِلْكِ المُستأجِرِ، أما بعد الفطامِ فإنه لا يجوز قطعًا، وعنهُ احترَزَ بقوله (في الْحالِ)، وَكَونُ الْمَنْفَعَةِ مُتَقَومَةً، أي ليحسن بذل المال في مقابلتها، وإلّا كان بذل المال لها سفهًا وتبذيرًا، فَلا يَصِحُّ استئجارُ بَياع عَلَى كَلِمَةٍ لا تُتْعِبُ وَإِن رَوَّجَتِ السِّلْعَةَ، إذ لا قيمة لها. ويلتحق بما نحن فيه ما إذا استأجرهُ لِيُعَلمَهُ آيةً لا تَعَبَ فيها كقوله تعالى:{ثُمَّ نَظَرَ} (168) وَقَدْ صَرَّحُوا بِهِ في الصدَاق.

فَرعٌ: يَجُوزُ اسْتِئْجارُ الْكِتابِ وَإِنْ لَمْ يُقْرأ، وَكَذا اسْتِئْجارُ صُوَرِ الأشجارِ لِيَنْظرُ إِلَيها، نَقَلَهُ الرويانيُّ عنِ الأصحابِ.

وَكَذا دَراهِمُ وَدَنانيِرُ لِلتزْيين وَكَلْبٌ لِلصيدِ، أي وكذا للحراسة، في الأصَح، أي فلا يجوز في هؤلاءِ، أما في الأوَلى: فلأن منفعةَ التزيننِ بِهِما لا تُقْصَدُ إلَّا نادرًا فكأَنهُ لا مَنْفَعَةَ، وأما في الثانية: فلأنّ الكلبَ لا قيمةَ لِعَينهِ فكَذا مَنْفَعَتُهُ، والثاني: يصح، لأنها منافعٌ تُسْتَباحُ بالإعارةِ فاسْتُحِقتْ بالإجارةِ كسائرِ المنافع، وأجرى في الاستقصاء الخلافَ في الطِّيبِ كالمِسْك ونحوُهُ. وقوله (لِلتزيينِ) يشيرُ به إلى أنه إذا أطلقَ لا يصحُّ جزمًا والأمرُ كذلكَ، وادَّعَى بعض المتأخرينَ أنه يكون فرضًا والحالةُ هذهِ، وفيه نظرٌ لأن مقتضاهُ تمليكُ العينِ، وَلَفْظُ الإجارَةِ يُنافِيهِ، وَكَوْنُ الْمُؤَجِّرِ قادِرًا عَلَى تَسْلِيمِها، أي حِسًّا وَشَرعًا، فَلا يَصِحُّ اسْتِئجارُ آبِقٍ وَمَغْصُوبٍ، كَبَيعِهِما، وَأَعْمَى للْحِفْظِ، أي حفظِ المتاعِ وكذا أخرسَ للتعليمِ، وَأَرضٍ لِلزراعَةِ لَا مَاءَ لَها دائِمٌ، وَلا يَكْفِيها الْمَطَرُ الْمُعتادُ، ولا تسقى بماءٍ غالب الحصُولِ من الجبلِ؛

(168) المدثر / 21.

ص: 929

ولكن إذا أصابها مَطَر عظيمٌ، أو سَيل نادرٌ أمكنَ زَرعُها لأنها منفعةٌ غيرُ مقدور عليها، وإمكانُ الحصولُ غير كافٍ كإمكان عودِ الآبِقِ والمغصوبِ، وَيَجُوزُ إِن كان لَها ماءٌ دائمٌ، لحصُولِ المعقودِ عليهِ بذلكَ، وَكَذا إِن كفاها الْمَطَرُ المُعْتادُ أَوْ ماءُ الثُّلُوج الْمُجْتَمِعَةِ، والْغالِبُ حُصُولُها في الأصَح، عملًا بالظاهر، والثاني: المنعُ؛ لأن السَّقْيَ معجوزٌ عنهُ في الحالِ؛ والماءُ المتوقعُ لا يعلمُ حصولهُ؛ وبتقديرِ حصولِهِ، لا يُعرف أنهُ هَلْ يحصلُ في الوقتِ الذي يمكنُ الزراعةُ فيهِ.

فَرعٌ: الأصَحُّ صِحَّةُ اسْتِئْجارِ أَراضِي مِصرٍ للزراعةِ قبلَ رَيِّها إذا كانت تُروى من الزيادةِ التي يغلب حصُولها.

فَرعٌ: استئجار الحمَّامِ حمّامًا، قال ابن الرفعة: يظهر أنْ يكون في معنى استئجار الأرض للزراعة ولها ماء معلومٌ.

والامْتِناعُ الشَّرعِيُّ كالْحِسِّيِّ، فَلا يَصِح اسْتِئجارٌ لِقَلع سِنّ صَحِيحَةِ، إلَّا أن يجب القَلْعُ كما في القصاص، وَلا حائض لِخِدمَةِ مَسْجِدٍ، لأنها منافعٌ متعذرةُ التسليمِ شرعًا، وفي الثانية: احتمالٌ؛ لبعضِ المتأخرينَ، لأن المنفعةَ حاصلة؛ والمانعُ الشرعي خارجٌ عن الماهية، أمَّا السّن الوَجِعَةُ، فيجوز الاستئجار على قلعها في الأصح، وَكَذا مَنْكُوحةٍ، أي حُرَّة، لِرِضاع أَوْ غَيرِهِ بِغَيرِ إِذْنِ الزوْج في الأصَحِّ، لأنَّ أوقاتها مستغرقة لِحَقِّهِ فلا تَقْدِرُ على توفيةِ ما التزمتهُ، والثاني: يصح، لأن محلهُ غير محلِّ النكاح، إذ لا حَق لهُ في لبنها أو خدمتها، نَعَمْ للزوج فسخُهُ حِفْظًا لِحَقِّهِ وفي الكافي للخوارزميِّ وجهٌ عن الصيدلاني أنه ليس له، أما بإذنه فجائز قطعًا؛ وأما الأمَةُ فيجوزُ للسيدِ إيجارها قطعًا.

فَرْعٌ: لو سقت المرضعةُ بلبنِ غيرها فلا أُجرة لها، وقال أهل العراق: لها الأُجرة، قال الروياني: وهو غلطٌ، لأنها لم تأتِ بما هو مستحقٌ بالعقدِ.

وَيجُوزُ تأجِيلُ الْمَنْفَعَةِ في إجارَةِ الذِّمَّةِ كأَلْزَمْتُ ذِمتَكَ الْحَمْلَ إِلَى مَكةَ أَوَّلَ شَهْرِ كذا، كما لو أسلمَ في شيء إلى أجلٍ، وإن أطلق كان حالًا، وقوله (أَوَّلَ شَهْرٍ)

ص: 930

كذا تبع فيه الْمُحَرَّرَ، وظاهرهُ أنه تأجيلٌ صحيحٌ، والأصحُّ: لا، لأنه يقعُ على جميع النصفِ الأولِ، وَلا يَجُوزُ إِجارَةُ عَينٍ مَنْفَعَةٍ مُسْتَقْبَلَةِ، أي كإجارةِ الدارِ السَّنةَ المستقبلةَ قياسًا على البيع، فإنه لو باع على أن يسلم بعد شهر كان باطلًا، وكذا لو قال أجرتك الدارَ سَنَةً، فإذا انقضت فقد أَجَّرتُكَها سَنَةً، فالعقد الثاني فاسدٌ على الصحيح للتعليقِ وتأجيلِ النافع، فَلَوْ أَجَّرَ، المالكُ، السَّنَةَ الثانِيَةَ لِمُسْتأجِرِ الأوْلَى قَبْلَ انْقِضائِها جازَ في الأصَحّ، لاتصال المدتين كما لو أجر منه السنتين في عقد واحد، والثاني: لا يجوز وهو الأقيس، لأنها إجارة سَنَةٍ قابلةٍ كما لو أجَّر من غيره أو منه مدَّة لا تصل بالْمُدَّةِ الأولى.

وَيجُوزُ كِراءُ العُقَبِ في الأصَحِّ، وَهُوَ أَن يُؤَجرَ دابة رَجُلًا لِيَركَبَها بَعْضَ الطرِيقِ، أَوْ رَجُلَينِ لِيَركَبَ هَذا أيامًا وَذا أيَّامًا، ويبَيِّنَ الْبَعْضَينِ، ثُمَّ يَقْتَسِمانِ، أي المكري والمكتري لثبوت الاستحقاق حالًا، والتأخيرِ الواقع من ضَرُورَةِ الْقِسْمَةِ. بخلاف ما لو استأجرها ليركبها زمانًا، ثم المستأجر بعده زمانًا، لتأخر حقه وتعلقها بالمستقبل، والثاني: لا يجوز فيهما؛ فإنهُ إجارةٌ إلى آجال متفرقة وأزمنة منقطعة، والثالث: يصح في الصورة الثانية؛ لاتصال زمن الإجارة فيها دون الأولى. والرابع: يصح فيهما، إن كانت في الذمة ولا يصح إن كانت مُعَيَّنَة.

فصْلٌ: يُشْتَرَطُ كَوْن الْمَنْفَعَةِ مَعْلُومَةً، أي عينًا وصفة وقدرًا كالبيع، ثُمَّ تارَةً تُقَدَّرُ، أي المنفعةُ، بِزَمانٍ كَدارٍ سَنَةً، وَتارَةً بِعَمَلٍ كَدابةٍ إِلَى مَكةَ، وَكَخِياطَةِ ذا الثوْبِ؛ فَلَوْ جَمَعَهُما، أي جمع بين التقدير بالعمل والزمان، فاسْتأجَرَهُ لِيَخِيطَهُ بَياضَ النهارِ لَمْ يَصح في الأصَحَّ، للغرر فَقَد يَتَقَدم الْعَمَلُ وَقَد يَتأخرُ، والثاني: يصح إذِ الْمُدَة مَذْكُورَةٌ للتعجيلِ فلا يؤثر في فساد العقد، والثالث: إنْ أمكنَ العملُ في المدَّةِ المذكورةِ صَحَّ وإلّا فلا، وفي البحر عن البويطي: إِنْ أَمْكَنَ كانَ ذِكْرُهُ أَفْضَلَ وَصَحَّحَهُ، ويقَدرُ تَعْلِيمُ الْقُرآن بِمُدةٍ، أي كشهر ونحوه، وخالفَ الرافعيُّ في الشرح الصغير والتذنيب فقال: الأشبهُ أَنهُ لا يَكْفِي التقْدِيرُ بِالْمُدَّةِ، أَوْ تَعْيِينِ سُوَرٍ،

ص: 931

أي مع الآياتِ فإن أخَلَّ بأحَدِهِما؛ لم يصح في الأصح، لتفاوتهما في سهولة الحفظ وصعوبته.

فُرُوعٌ: لا يُشترط تعيينُ القراءة كقراءة أبي عمرو، وعلى الصحيح أن الأمرَ فيها قريبٌ، ولو قيل بالصحةِ والحمل على عرفِ ذلك البلدِ لم يَبْعُد. ولا يشترط أيضًا اختيار حفظ المتعلم نعم يشترط أن يكون المستأجر سمع السورة ليعرف قدرها، فإن لم يعرف فيوكل من يسمعها. قال أبو الفرج: أو يريه المصحف ويقول تعلمه من هنا إلى هنا، وتوقف الرافعي فيه لاختلافه في السُّهُولَةِ.

وَفِي البناءِ يبَيِّن الْمَوْضعَ والطُّوْلَ والعَرضَ والسَّمكَ وَما يُبْنَى بِهِ، أي من طينِ وآجرّ وَلبْنٍ، إِن قدِّرَ بِالعَمَلِ، لاختلافٍ الأغراضٍ فإن قدَّرَ بالزمانِ كَفَى، وإذا صَلَحَتِ الأرضُ لِبِناء وَزِراعَةٍ وَغِراسٍ اشترِطَ تَعييِنُ المَنْفَعَةِ، لأنَّ منافعَ هذهِ الجهاتِ مختلفة وَضَرَرُها اللاحِقُ مختلفٌ فوجبَ التعيينُ كما لو أجَّر بهيمة لا يجوز الإطلاقُ، وَيكفِي تَعيِينُ الزِّراعَةِ عَن ذِكْرِ ما يُزرَعُ فِي الأصَح، أي وَيَزْرَعُ ما شاءَ لِلإِطْلاقِ، قال الرافعي: وكان يجوزُ أن ينزل على أقل الدرجات، قلت: حكى هذا عن رواية صاحبِ الكافي، والثاني: لا يكفي لأنَّ ضررَ الزرع مختلف، وَلَوْ قَال: لِتَنْتَفِعَ بِها بِما شِئْتَ صَح، أي ويصنع ما شاء لرضاه، وَكَذا لَو قال: إِن شِئْتَ فازْرعْ، وإن شِئْتَ فاغْرِسْ في الأصَحِّ، لرضاه بأعظمها ضررًا، والثاني: المنع، كما لو قال: بألف مكسرة إن شئت وصحيحة إن شئت، ويُشتَرَطُ في إِجارَةِ دابَّةٍ لِرُكُوبٍ مَعْرِفَةُ الرَّاكِبِ بِمُشاهَدَة أوْ وَصفٍ تَام، أي بأن يذكر طُوْلَهُ وَنَحافَتَهُ وَضَخامَتَهُ لاختلافِ الغَرَضِ بِهِ، قال الرافعي: وأكثرُ الأصحابِ على اعتبارِ المشاهدةِ، وَقِيلَ: لا يَكفِي الْوَصفُ، لأنه لا يفي بالمقصود، وكذا الحُكمُ فِيما يَرْكَبُ عَلَيهِ مِنْ مَحمِلٍ وَغَيرِهِ، أي كعمارية وزاملة، إِن كَان لَهُ، أي الركوب عليه فيكفي المشاهدة أو الوصف التام مع الوزن في المحمل والعماية لإفادَتِهِما التخمِينَ، واحترز بقوله (إِنْ كانَ لَهُ) عما إذا كانَ الرّاكِبُ مجردًا ليسَ مَعَهُ ما يَركَبُ عَلَيهِ، فإنه لا

ص: 932

حاجةَ إلى ذكرِ ما يَركَبُ عَلَيهِ، ويركبهُ المؤجرُ على ما شاءَ على ما يَلِيقُ بِالدّابَّةِ، وَلَو شَرَطَ حَملَ المعَالِيقِ، أي كالسفرة ونحوها، قال الماوردي: وكذا المضَربةُ والمخدَّة، مُطْلَقًا، أي من غيرِ رؤيةٍ ولا وصفٍ ولا وزنٍ ولا ماء فيها ولا زادٍ، فَسَدَ الْعَقْدُ فِي الأصَحِّ، لاختلاف الناس في مقادير ذلك، وَمَنْ صَحَّحَ، حَمَلَهُ على الوسط المعتاد، وقوله (في الأصَحِّ) صوابُهُ الأظهرُ كما في الرافعي، ومنهم من قطع بالمنع وادعى سُليم أنهُ المذهبُ، أما إذا كان فيها ماءٌ وزادٌ فلا بد من رؤيته أو تقديره بالوزن على الصحيح. وإن لَم يَشترِطهُ، أي حمل المعاليق، لَم يَسْتَحِق، لاختلاف الناس فيه وقد لا يكون للراكب معاليق أيضًا، ويشْتَرَطُ في إِجارَةِ العَينِ تَعْيِينُ الدَّابّةِ، وَفِي اشْتِراطِ رُؤيتها الخلافُ فِي بَيع الغائِبِ، أي والأصح اشتراطه كما سلف في بابه، وَفِي إِجارَةِ الذّمةِ ذِكْرُ الْجِنسِ، أي كالإبل أو الخيل أو البغال أو الحمير، والنوْع، أي كالبخاتي والعراب، والذُّكورَةِ أو الأنُوثَةِ، لاختلاف الغرض، فإنَّ الأنثى أَسهَلُ سَيرًا والذكَرُ أَقْوَى.

فَرعٌ: يشترط أن يقول مِهَملَجُ أو بحرٌ أو قَطُوفٌ على الأصح؛ لأنَّ المِهَمْلَجَ: بِكَسْرِ اللامِ حَسَنُ السّيرِ في سُرعَةٍ. والبَحرُ: الْواسِعُ المَشي، والقَطُوفُ: بِفَتحِ الْفاءِ الْبَطِئ السيرِ، لأنَّ مُعظَمَ الْغَرَضِ يَتَعَلقُ بِكَيفِيَّةِ السَّيرِ.

ويشْتَرَطُ فِيهِما، أي في إجارة العَينِ والذِّمَّةِ، بَيان قَدرِ السَّيرِ كُل يَوْمٍ إِلا أَن يَكُون بِالطرِيقِ مَنازِلُ مَضبوطَة فَيُنْزَلُ عَلَيها، أي فإن لم يكن أو كانت؛ والعادةُ مختلفةٌ لم يصح حتى يُبيِّنَا أو يُقَدِّرا بالزمانِ، وَيجِبُ في الإيجارِ لِلْحَمْلِ أَن يَعْرِفَ المَحمُولَ، لاختلاف تأثيره، فإن حَضَرَ رَآهُ وامتَحَنَهُ بيَدِهِ إِن كان في ظَرفٍ، تخمينًا لوزنه، وَإِن غابَ قُدِّرَ بِكيل، أي إن كان مكيلًا، أَوْ وَزْنٍ، والوَزْنُ في كُل شَئ أوْلَى وَأَحصَرُ كما قَال الرافعيُّ، وَجِنْسَهُ، أي ويحبُ أن يعرفَ جِنْسَ المحمولِ لاختلافِ التأثيرِ كما في الحديد والقطن. نعم؛ لو قال: أجرتكها لتحمل عليها مئة رطل مما شئت صحَّ في الأصح، ويكونُ رضًى منهُ بأضَرِّ الأجناسِ ولا حاجةَ معَ

ص: 933

ذلكَ إلى بَيَانِ الجِنْسِ، هذا في التقديرِ بالْوَزْنِ، أما إذا قدَّرَ بالكيلِ، فقال: عَشْرَةُ أَقْفِزَةٍ مما شئتَ، فالصوابُ في الروضة أَنه لا يُغني عن ذكر الجنس لاختلاف الأجناس في النقل مع الاستواء في الكيل، لَا جِنْسَ الدَّابَّةِ، وَصِفَتَهَا إِن كَانَتْ إِجَارَةَ ذِمَّةِ، أي لا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ بِخِلافِ الرُّكُوبِ، لأنَّ المقصُودَ هنا تحصيل المتاع في الموضع المنقول إليه فلا يختلف الغرض بحال (•) حاملهِ، واحترز بالذمة عن العين فإنه على ما سَلَفَ في الركوبِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَحْمُولُ زُجَاجًا وَنَحْوَهُ، أي مما يسرع انكساره كالخَزَفِ، فلا بُدَّ من بَيَانِ حَالِ الدَّابَّةِ كالركوب، قال الإمامُ: وهو حسنٌ ومفروضٌ فيما إذا أشارَ إلى المحمولِ، وهو كذلك أو ذكره. أما إذا جعل عمادَ العَقْدِ الْوَزْنُ، ثم نَوَى حَمْلَ الزُّجاج فلا يجبُ التَّعَرُّضُ لِلدَّابَّةِ.

فَرْعٌ: استثنى القاضي أيضًا: ما إذا كان في الطريق وَحْلٌ أو طينٌ، لأنَّ الضَّعِيفَةَ تَسْقُطُ فِيهَا دُوْنَ الْقَويَّةِ.

فَصْلٌ: لَا تَصِحُّ إِجَارَةُ مُسْلِمٍ لِجِهَادٍ، كما سيأتي في بابهِ، وَخَرَجَ بِالْمُسْلِمِ الذّمِّيُّ، وسيأتي هناك إن شاء الله. وَلَا عِبَادَةٍ تَجِبُ لَهَا نِيَّةٌ، لأنَّ المقصودَ بها امتحانُ الْمُكَلَّفِ ولا يقوم المستأجرُ في ذلكَ مقامَهُ، إِلَّا حَجٌّ، لما سلف في بابه، وَتَفْرِقَةُ زَكاةِ، أي وَكَفَّارَةِ وَذَبْح أُضْحِيَةٍ لِدُخُولِ النِّيَابَةِ فِيهَا، وَتَصِحُّ لِتَجْهِيزِ مَيِّتٍ وَدَفْنِهِ، لأنَّ الأَجِيرَ غَيرُ مَقْصُودٍ بِفِعْلِهِ، وَتَعْلِيمِ القُرْآنِ، أي فإنَّ كُلَّ أحدٍ لا يَختصُّ بوجوبِ التعليمِ وإنْ كانَ نَشْرُ القرآنِ وَإِشَاعَتُهُ من فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ؛ وقد صحَّ أنه صلى الله عليه وسلم قال:[إِنَّ أحَقَّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيهِ أَجْرًا كِتَابُ اللهِ](169) وقوله في الفصل الذي قبل

(•) في النسخة (1): باختلاف.

(169)

عن ابن عباس رضي الله عنهما؛ أَنَّ نَفَرًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَرُّوا بِمَاءٍ فِيهِمْ لَدِيغٌ -أَوْ سَلِيمٌ- فَعَرَضَ لَهُمْ رَجُلٌ مِنْ أَهْل الْمَاء؛ قَال: هَلْ فِيكُمْ مِنْ رَاقٍ؟ إِنَّ فِي الْمَاءِ رَجُلًا لَدِيغًا، أَوْ سَلِيمًا. فَانْطَلَقَ رَجُل مِنهُمْ فَقَرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ عَلَى شَاءٍ، فَبَرَأَ. فَجَاءَ بِالشَّاء إِلَى أَصْحَابِهِ، فَكَرِهُوا ذَلِكَ! وَقَالُوا: أَخَذْتَ عَلَى كِتَابِ اللهِ أَجْرًا، حَتّى قَدِمُوا الْمَدِينَةَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، أخَذَ عَلَى كِتَابِ اللهِ أَجْرًا. فَقَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: [إِنَّ =

ص: 934

هذا (وَيُقَدَّرُ تَعْلِيمُ الْقُرْآنِ بِمُدَّةٍ) يؤخذُ منهُ صِحَّةُ الإِجَارَةِ عَلَيهِ أيضًا وذكرهُ هنا لكونه مستثنى من العباداتِ، وذكرتُ هنا في الشرح فروعًا مهمة يتعين عليك مراجعتها حذفتها اختصارًا، وَلحَضَانَةٍ وَإِرْضَاعٍ مَعًا، أي يصح لها حرة كانت المرأةُ أو أمَةً، وَلأَحَدِهِمَا فَقَطْ، للحاجة الداعية إلى ذلك، وفي فَتَاوَى الْقَفَّالِ حِكَايَةُ قَوْلٍ: إِنَّهُ لَا يَصِحُّ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَسْتَأْجِرَ يَهُودِيَّة لِتُرْضِعَ ابْنَهُ وَيُخَلِّيِ بَينَهُ وَبَينَهَا لأَنَّهَا رُبَّمَا تَخَلَّفَتْ فِي تَعَهُّدِهِ، وَالأَصَح أَنَّهُ لَا يَسْتَتْبِعُ أَحَدُهُمَا الآخرَ، لأنهما منفعتانِ يجوزُ إِفرادُ كُلِّ منهما بالإِجارة فَأَشْبَهَتَا سائرَ المنافع، والثاني: يستتبع للعادة بتلازمهما، والثالث: يستتبع الإرضاعُ للحضانةِ ولا عكس، والرابع: عكسُهُ حكاهُ في المطلبِ، وَالْحَضَانَةُ: حِفْظُ صَبِيٍّ، وَتَعَهُّدُهُ بِغَسْلِ رَأْسِهِ؛ وَبَدَنِهِ؛ وَثيَابِهِ؛ وَدَهْنِهِ؛ وَكَحْلِهِ؛ وَرَبْطِهِ فِي الْمَهْدِ؟ وَتَحْرِيكِهِ لِيَنَامَ وَنَحْوهَا، لحاجة الصبيِّ إليه، واقتضاءُ اسم الحضانة في العرف له؛ وأصلها مِنَ الحُضْنِ وَهُوَ مَا دُوْنَ الإِبْطِ إِلَى الْكَشْحِ؛ لأن الحاضنة تجعلُ الطفلَ هناك، وَلَو اسْتَأْجَرَ لَهُمَا، أي للحضانة والإرضاع، فَانْقَطَعَ اللَّبَنُ فَالْمَذهَبُ انْفِسَاخُ الْعَقْدِ فِي الإرْضَاع دُون الْحَضَانَةِ. اعْلَمْ أنَّ هَذَا الْخِلافَ، مَبْنِيٌّ عَلَى أن الْمَعْقُودَ عَلَيهِ فِي الإِجَارَةِ، مَاذَا؟ فَقِيلَ: إِنَّهُ اللَّبَنُ، لأنهُ أَشَدُّ مَقْصُودًا والحضانةُ تَابِعَةٌ، فعلى هذا ينفسخ العفد بانقطاعه، وقيل: عكسه؛ لأن الإجارة وُضِعَتْ للمنافعِ، فالأعيان تقع تابعة، فعلى هذا لا ينفسخُ العقدُ. لكن للمستأجر الخيار لأنه عيب، والأصحُّ أنَّ المعقودَ عليه كِلاهُمَا؛ لأنهما مقصودانِ، فعلى هذا ينفسخُ العقدُ في الإِرضاع وَيَسْقُطُ قِسْطُهُ مِنَ الأُجْرَةِ، وفي الحضانة قولًا تفريق الصفقة ولم يصرحوا في طرد الخلاف بين أن يصرح بالجمع بينهما أو يذكر أحدهما ويحكم باستتباعه الآخر كما قاله الرافعي؛ قال: وَحَسَنٌ أنْ يُفَرَّقَ، فيقال: إن صرح فمقصودان قطعًا، وإن ذكر أحدَهما فهو المقصودُ والآخرُ تابعٌ، قُلْتُ: قد خصَّصَهُ الإمامُ بما إذا جمع بين الحضانة والإرضاع، وقولُ الْمُصَنّفِ (عَلَى الْمَذْهَبِ) كان

= أَحَقَّ مَا أَخَذْتُم عَلَيهِ أَجْرًا، كِتابُ اللهِ]. رواه البخاري في الصحيح: كتاب الطب: باب الشروط في الرقية: الحديث (5737).

ص: 935

ينبغي أن يبدله بالأَصَحِّ كما فعله في الروضة، وَالأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجِبُ حِبْرٌ وَخَيطٌ وَكُحْلٌ عَلَى وَرَّاقٍ، أي ناسخ، وَخَيَّاطٍ وَكَحَّالٍ، اقتصارًا على مدلولِ اللفظِ، ولأنَّ الأعيانَ لا تستحقُّ بالإجارة، وأمر اللَّبَنِ على خلافِ القياسِ للضرورةِ. قُلْتُ: صَحَّحَ الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ الرُّجُوعَ فِيهِ إِلَى الْعَادَةِ، فَإِنِ اضطَرَبَتْ وَجَبَ الْبَيَان وَإلَّا فَتَبْطُلُ الإِجَارَةُ، وَاللهُ أَعْلَمُ، هو كما قال، وقال: إِنَّهُ الأَشْبَهُ، وعبَّر في الأوَّل بالمشهورِ وكذا عبَّر به الرافعي في الْمُحَرَّر، ولا يحسن الرد عليه إذًا؛ لأنه اقتصر على المشهور وإن كان الأشبه خِلافَهُ. وقول المصنف (وَالأصَحُّ) لو عبَّر بالمذهب كما فعل في الروضة كان أَوْلَى.

فَصْلٌ: يَجِبُ تَسْلِيمُ مِفْتَاحِ الدَّارِ إِلَى الْمُكْتَرِي، لتوقف الانتفاع عليه، بخلاف ما إذا كانت العادةُ فيه القِفْلُ، فلو منعه في الأول قال القاضي: تَنْفَسِخُ الإِجَارَةُ فِي مُدَّةِ الْمَنْع، وَعِمَارَتُهَا عَلَى الْمُؤَجِّرِ، أي سواء كانت مُرَمَّةٌ لا تحتاج إلى عَينٍ أو احتاجتْ إليهِ، فَإنْ بَادَرَ وَأَصْلَحَهَا وإِلَّا فَلِلْمُكتَرِي الْخِيَارُ، أي إذا نَقَصَتِ المنفعةُ لِتَضَرُّرِهِ، وَكَسْحُ الثَّلْجِ، أي كَنسُهُ، عَن السَّطح عَلَى الْمُؤَجَّرِ، لأنه كعمارةُ الدَّارِ، وَتَنْظِيفُ عَرَصَةِ الدَّارِ عَن ثَلْجٍ وَكُنَاسَةٍ عَلَى الْمُكترِي، أما في الكناسة فلحصولها بفعله، وأما الثلج فلأنه يتوقف عليه كمال الإنتفاع لا أصله، وَإنْ أَجَّرَ دَابَّةَ لِرُكُوبٍ فَعَلَى الْمُؤَجَّرِ إِكَافٌ وَبَرْذَعَة وَحِزَامٌ وَثَفَرٌ وَبُرَةٌ وَخِطَامٌ، لأنه لا يَتَمَكّنُ مِنَ الرُّكُوبِ دونَها، والعرفُ يطردُ بكونها على المؤَجِّرِ وَالأَكَافُ تقدم بيانه في باب الخيار، وَالْبُرَةُ: حَلَقَةٌ تُجْعَلُ فِي أَنْفِ الْبَعِيرِ. وَالْخِطَامُ: بِكَسْرِ الْخَاءِ الزِّمَامُ، وَعَلَى الْمُكترِي مَحْمِل وَمِظَلْةٌ وَوطَاءٌ وَغِطَاءٌ وَتَوَابِعُهَا عملًا بالعرفِ، وَالأَصَح فِي السَّرْج اتِّبَاعُ العُرْفِ، عملًا به، والثاني: أنه على المؤجر كالأَكَافِ، والثالث: المنع لاضطرابِ العادةِ فيهِ، وَظَرْفُ الْمَحْمُولِ عَلَى الْمُؤَجِّرِ فِي إِجَارَةِ الذِّمَّةِ، وَعَلَى الْمُكْتَرِي فِي إِجَارَةِ الْعَينِ، لأنه ليس عليه إلّا تسليمُ الدَّابَّةِ خَاصّةً، بخلاف ما إذا وقعت على الذَمَّةِ لأنه قد التزم النقلَ فَلْيُهَيِّءْ أسْبَابَهُ؛ وَالْعَادَةُ مُؤَبِّدَةٌ لَهُ، وَعَلَى الْمُؤَجِّرِ في إِجَارَةِ الذِّمَّةِ الْخُرُوجُ مَعَ الدَّابَّةِ لِتَعَهُّدِهَا وإِعَانَةِ الرَّاكِبِ فِي رُكُوبِهِ

ص: 936

وَنُزُولهِ بِحَسَبِ الْحَاجَةِ، أي فَيُنِيخُ الْبَعِيرَ للمرأةِ والضعيف، وَيُقَرِّبُ الْبَغْلَ وَالحِمَارَ مِنْ نَشْزٍ؛ أي مِنْ مَكَانٍ عَالٍ لاقتضاء العُرفِ ذلكَ، والاعتبارُ في القوَّةِ والضَّعْفِ بحالةِ الرُّكوب لا بحالةِ الإجارةِ، وَرَفْعُ الْحِمْلِ وَحَطُّهُ، وَشَدُّ الْمَحْمِلِ وَحَلُّهُ، لاقتضاء العرف ذلك، وكذا شَدُّ أحدِ المحملينِ إلى الآخر وهما بَعْدُ عَلَى الأَرْضِ على الأصَحِّ، من زوائدِ الروضةِ والشرحِ الصغيرِ، وَلَيسَ عَلَيهِ فِي إجَارَةِ الْعَينِ إِلَّا التَّخْلِيَةُ بَينَ الْمُكتَرِي وَالدَّابَّةِ، أي وليس عليه أنْ يُعِينَهُ فِي الرُّكُوَبِ وَالْحِمْلِ، وَتَنْفَسِخُ إِجَارَةُ الْعَينِ بِتَلَفِ الدَّابَّةِ، لفواتِ المعقودِ عليهِ خلافًا لأبي ثورٍ، وَيَثْبُتُ الْخِيَارُ بِعَيبِهَا، كما لو وجد المبيع معيبًا، وَلَا خِيَارَ فِي إِجَارَةِ الذِّمَّةِ، بَلْ يَلْزَمُهُ الإِبْدَالُ، كما لو وجد بِالْمُسْلَمِ فِيهِ عَيبًا، ولا تنفسخُ بتلفها والحالةُ هذه أيضًا، وعنه احترَزَ بقوله (إِجَارَةُ الْعَينِ)، وَالطَّعَامُ الْمَحْمُولُ لِيُؤْكَلَ يُبَدَّلُ إِذَا أُكِلَ فِي الأَظْهَرِ، كسائر المحمولات إذا باعَها أو تَلِفَتْ، والثاني: لا يُبَدَّلُ حملًا على العُرْفِ، ومحل الخلاف ما إذا أكلَ بَعْضَهُ، فإن أكلَ كله فوجهان، أصحهما: أن الأمر كذلك، ومحله أيضًا عند الإطلاق، وما إذا كان يجد الطعام في المنازل المستقبلة بسعر الْمَنْزِلِ الذي هو فيه، وإلَّا أَبْدَلَ في الثاني قطعًا، واتبع الشرطَ فِي الأَوَّلِ قطعًا، واحترز بقوله (أَكَلَ) عَمَّا إِذَا فَنَى كُلَّهُ أوْ بَعْضَهُ بِسَرِقَةٍ، أوْ تَلَفٍ، فإنَّ لهُ الإبدال كسائر المحمولات، وفيه قولٌ حكاهُ الماورديُّ.

فَصْلٌ: يَصِحُّ عَقْدُ الإِجَارَةِ مُدَّةً تَبْقَى فِيهَا الْعَينُ غَالِبًا، لأنها تجوز إلى سَنَةٍ وفَاقًا، وما جاز إلى سنةٍ جَازَ إلى أَكْثَرَ مِنْهَا كَالأَجَلِ فِي الْبَيع، وَخَرَجَ بِالْغَالِبِ مَا لَا يَبْقَى غَالِبًا، وَفِي قَوْلٍ: لَا يُزَادُ عَلَى سَنَةٍ، لاندفاع الحاجة بها، وَفى قَوْلٍ: ثَلاثِينَ، لأنها شطر العمر الغالب، وقيل: يجوزُ إلى مُدَّةٍ لا تبقى الْعَينُ فيها غالبًا، لأنَّ الأصلَ فيها الدَّوَامُ وصححه الغزالي في وسيطه (•).

فَرْعٌ: حكمُ الوقفِ في مدَّةِ الإِجَارَةِ حُكْمُ الطلق؛ قال القاضي: إِلَّا أَنَّ الْحُكَّامَ أجمعوا على أن الْوَقْفَ لا يُؤَجَّرُ أكثرَ من ثلاث سنين، وإن جوزنا فالزيادة في غيره،

(•) وفي النسخة (1): بسيطه.

ص: 937

وكذا قاله المتولي، قال الرافعي: وهذا الاصطلاح غير مطرّد، وفي أمالي السرخسي: أنَّ المذهبَ منعُ إجارة الوقف أكثر مِنْ سَنَةٍ إذا لم تمس إليه حاجةٌ كعمارةٍ وغيرها، وحكاه الإمامُ وجهًا وقال: لا اتجاه له في الوقف على جهاتِ الخيرِ.

فَائِدَةٌ: وَقَفَ دَارًا عَلَى وَلَدِهِ ثُمَّ عَلَى وَلَدِ وَلَدِهِ مَا تَنَاسَلُوا؛ فَإِذَا انْقَرَضُوا صُرِفَ إِلَى الْمسَاكِينِ، فَأَجَّرَهُ قَيِّمُ الْوَقْفِ عَشْر سِنِينَ وَأَخَذَ الأُجْرَةَ؛ لَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطِيَ جَمِيعَهَا لِلْمَوْقُوفِ عَلَيهِ أوَّلًا، وَإِنَّمَا يُعْطِي بِقَدَرِ مَا يَمْضِي مِنَ الزَّمَانِ فَإِنْ دَفَعَ أَكْثَرَ مِمَّا مَضَى فَمَاتَ الْمَوْقُوفُ عَلَيهِ أَوَّلًا ضَمِنَ الزِّيَادَةَ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيهِ ثَانِيًا، كَذَا رَأَيتُهُ فِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ.

وَلِلْمُكتَرِي اسْتِيفَاءُ الْمَنْفَعَةِ بِنَفْسِهِ وَبِغَيرِهِ، كما يجوز أن يؤجر ما استأجره من غيره، فلو أَجَّرَهُ بِشَرْطِ أَنْ يَسْتَوْفِيَ الْمَنْفَعَةَ بِنَفْسِهِ لَمْ يَصِحَّ كما حكاه في الكافي، كما لو باعه عَينًا بشرطِ ألّا يَنْتَفِعَ بِهَا، وقيل: يصح ويلغوا الشَّرْطُ، وقيل: يَصحانِ؛ حَكَاهُمَا ابْنُ يُونُسَ.

فَرْعٌ: يستوفي المنفعة بالمعروفِ، فإذا اسْتَأْجَرَ ثَوْبًا لِلُبْسٍ؛ لَبِسَهُ نهارًا وليلًا إلى وقت النَّوْمِ؛ ولا ينام فيه ليلًا، ويجوز نهارًا وقت القيلولة على الأصح.

فَيُرْكِبُ وَيُسَكِّنُ مِثْلَهُ، لأنه استيفاءُ عَينِ المنفعةِ الْمُسْتَحَقَّةِ لغيرِ زيادةٍ وكذا أخفُّ منه بطريقة أَوْلى، وَلَا يُسَكِّنُ حَدَّادًا وَقَصَّارًا، لزيادةِ الضَّرَرِ، وَمَا يُسْتَوْفَى مِنْهُ كَدَارٍ وَدَابَّةٍ مُعَيَّنَةٍ لَا يُبَدَّلُ، كما لا يُبَدَّلُ الْمَبِيعُ، وَمَا يُسْتَوْفَى بِهِ كَثَوْبٍ وَصَبِيٍّ عُيِّنَ لِلْخِيَاطَةِ وَالارْتِضَاعِ، أَي وَكَأَغْنَامٍ مُعَيَّنَةٍ لِرَعْيٍّ، يَجُوزُ إِبْدَالُهُ فِي الأَصَحِّ، لأنه ليس بمعقود عليه، وإنما هو طريقُ الاستيفاءِ فَأَشْبَهَ الرَّاكِبَ وَالْمَتَاعَ الْمُعِينِ لِلْحَمْلِ، والثاني: المنعُ، كالمستوفي منه، وَنَسَبَهُ ابْنُ الصَّبَّاغ إِلَى الأَصْحَابِ، والفرقُ على الأول بَينَهُ وَبَينَ المستوفي أنَّ الثوبَ والصبيَّ يتأثران بالمنفعة حتَّى يُقَدَّرُ العملُ فيه عَينًا تارةً؛ وأثرًا أُخرى، بخلاف الراكب فإنه لا يتأثر، وقوله (عُيِّنَ) فيه شذوذٌ، لأنهُ وَضَعَ ضَمِيرَ الْمُفْرَدِ مَوْضِعَ ضَمِيرِ الْمُثَنَّى.

ص: 938

وَيَدُ الْمُكْتَرِي عَلَى الدَّابَّةِ، وَالثَّوْبِ يَدُ أَمَانَةٍ مُدَّةَ الإِجَارَةِ، أي حتَّى لا يضمن ما تلف منها بغير تعدٍّ ولا تقصيرٍ، لأنه لايمكنُ استيفاءُ حَقِّهِ إلّا بإثبات اليد على العين كالنخلة إذا اشترى ثمرتها بخلاف طرف المبيع على الأصح، فإنه أخذه لمنفعة نفسه ولا ضرورة في قبض البيع منه، فإن حصل تعدٍ فسيأتي، وَكَذَا بَعْدَهَا فِي الأَصَحِّ، كالمودع، والثاني: يضمن، كالمستعير، واقتضى كلامه في الرَّوْضَةِ تَبَعًا لِلشَّرْح تصحيحه، وَلَوْ رَبَط دَابَّةَ اكْتَرَاهَا لِحَمْلٍ أَوْ رُكُوبٍ، وَلَمْ يَنْتَفِعْ بِهَا لَمْ يَضْمَنْ، أي سواء ماتت في المدة أو بعدها، والظاهر أنها لو ماتت في مدة الانتفاع كان الحكم كذلك، خلافًا لما يُفْهِمُهُ تَقْيِيدُ الْمُصَنِّفِ، إِلَّا إِذَا انْهَدَمَ عَلَيهَا اصْطَبْلٌ فِي وَقْتٍ لَو انْتَفَعَ بِهَا لَمْ يُصِبْهَا الْهَدْمُ، أي كما لو كان المعهود لو سافر أن يكون في الطريق، لأنَّ التلفَ حصلَ بربطها فيه، أمَّا إذا انْهَدَمَ عليها في وقتٍ لا يُنتفع بها كالليل في الشتاء فلا ضمان، وَلَوْ تَلِفَ الْمَالُ فِي يَدِ أَجِيرٍ بِلا تَعَدٍّ كَثَوْبٍ اسْتُؤْجِرَ لِخِيَاطَتِهِ أَوْ صَبْغِهِ، أي بفتح الصَّادِ كما ضبطه بخطه، لَمْ يَضْمَنْ إِنْ لَمْ يَنْفَرِدْ بِالْيَدِ بِأَنْ قَعَدَ الْمُسْتَأجِرُ مَعَهُ أَوْ أَحْضَرَهُ مَنْزِلَهُ، لأن المال غَيرُ مُسَلَّمٍ إليه حقيقةً، وإنما استعانَ المالكُ بِهِ في شغله كالوكيل، وقوله بأن قعد إلى آخره هو تفسير لقوله إن لم ينفرد، وَكَذَا إِنِ انْفَرَدَ فِي أَظْهَرِ الأقْوَالِ، كالمستأجر وليس أخذه لغرضه خاصة فأشبه عامل القراض، والثاني: يضمنُ، كَالْمُسْتَعِيرِ وَالْمُسْتَامِ، وجزمَ بهذا صاحبُ الخصال فقال: الأجيرُ غيرُ ضامنٍ إلّا في ثلاثة مواضع: إِذَا انْفَرَدَ بِعَمَلِهِ دُونَ صَاحِبِهِ، وَإِذَا تَعَدَّى فِيهِ، وَإِذَا عَمِلَهُ وَلَيسَ مِنْ صَنْعَتِهِ، وَالثَّالِثُ: يَضْمَنُ الْمُشْتَرِكُ، وَهُوَ مَنِ الْتَزَمَ عَمَلًا فِي ذِمَّتِهِ، لَا الْمُنْفَرِدُ، وَهُوَ مَنْ أَجَّرَ نَفْسَهُ مُدَّةً مُعَيَّنَةً لِعَمَلٍ، لأنَّ الأجيرَ المنفردَ منافِعُهُ مختصةٌ بالمستأجرِ في المدة فَيَدُهُ كَيَدِ الوكيلِ مع الموكلِ، ولأن اسْتِحْقَاقَهُ الأُجرةَ لا تتوقف على العمل بَلْ على التَّمكينِ منه فلم يكن العملُ واقعًا لهُ، بخلاف المشترك فإنه لا يستحقُّ إلّا بالعمل، واحترِزْ بقوله (بِلا تَعَدٍّ) عما إذا تَعَدَّى فإنه يجبُ الضَّمانُ قطعًا.

فَرْعٌ: خاطَ الأجيرُ الثَّوبَ في دار المستأجر أو بحضرتِهِ؛ لم يكن له حبسه؛ لأنه

ص: 939

وقعَ مُسَلَّمًا، وإن كان في دكانهِ منفردًا فَلَهُ حَبْسُهُ عَلَى الأُجْرَةِ، قاله ابنُ أبي عصرون، وقال المصنفُ في فتاويه: للقصَّار حبسُ الثوبِ إلى استيفاءِ الأُجرة على الصحيح، لأنها عَينٌ على الصحيح دُونَ الخيَّاطِ كذا أطلقَهُ.

وَلَوْ دَفعَ ثَوْبًا إِلَى قَصَّارٍ لِيُقَصِّرَهُ أَوْ خَيَّاطٍ لِيَخِيطَهُ فَفَعَلَ وَلَمْ يَذْكُرْ أُجْرَةً فَلَا أُجْرَةَ لَهُ، لأنه لم يلتزم شيئًا وصارَ كما لو قال لغيره: أطعمني فَأَطْعَمَهُ، وَقِيلَ: لَهُ، أي أُجرة المثل؛ لأنه استهلكَ عمله فلزمه ضمانه، وَقِيلَ: إِن كَان مَعْرُوفًا بِذَلِكَ الْعَمَلِ فَلَهُ، وَإِلَّا فَلَا، عملًا بالعادةِ، وَقَدْ يُسْتَحْسَنُ، وقال الغزالي: إنهُ الأظهرُ، وصححه الشيخ عز الدين أيضًا، وقال: يجبُ لَهُ الأُجرةَ التي جَرَتْ بهَا العادةُ لذلكَ العاملِ، وإن زادت على أُجرة المثل، والذي ذكره غيرُهُ: وُجوبُ أُجرةِ المثلِ، وفي أصل المسألة وجةٌ رابعٌ: وهو أنه إن بَدَأَ العاملُ فقال: أعطني ثوبك لأقصره فلا أُجرة لهُ، وإلا فله، وقيل: عكسه؛ حكاه الدارميُّ في استذكاره فِي باب الآنيةِ كذا رَأيتُهُ فيه؛ وهو غريب لم أَرَهُ في شيء من كُتُبِ أصحابنا سِوَاهُ.

فَرْعَانِ مُسْتَثْنَيَانِ: عامل الزكاة إن شاء الإمامُ بَعَثَهُ ثُمَّ أَعْطَاهُ أَجْرَهُ، وإن شاء سَمَّى لهُ، ولو دخل حَمَّامًا بغير إذن فعليه الأُجرة أو به فعلى الخلاف، قاله الماورديُّ، وذكرهُ الرافعيُّ في الشرحِ الصغيرِ بحَثًا، وأطلقَ في الكبيرِ وجوب الأُجرة وأنه لا يخرجُ على الخلاف لاستيفائه المنفعةَ بنفسه كما لو سَكَنَ دَارًا بخلافِ ما سَلَفَ؛ فَإِنَّ صَاحِبَ الْمَنْفَعَةِ هُوَ الَّذِي صَرَفَهَا إِلَى غَيرِهِ.

وَلَوْ تَعَدَّى الْمُسْتَأْجِرُ بِأَن ضَرَبَ الدَّابَّةَ أَوْ كَبَحَهَا، أي ضربها بِاللِّجَامِ، فَوْقَ الْعَادَةِ أوْ أَرْكبَهَا أَثْقَلَ مِنْهُ أَوْ أَسْكَنَ حَدَّادًا أو قَصَّارًا ضَمِنَ الْعَينَ، لما ذكره من التعدي، أما الضربُ المعتادُ إذا أفضَى إلى التلف؛ فإنه لا يوجب ضمانًا، ويخالف ضرب الزوج زوجتَهُ؛ فإنه يَضْمَنُ؛ لأَنَّهُ يُمْكِنُ تَأَدِيبُهَا بِغَيرِ الضَّرْبِ.

فَرْعٌ مُسْتَثْنَى: لو تَعَدَّى في الأرضِ الْمُسْتَأْجِرُ لِزَرْع الْحِنْطَةِ فَزَرَعَ الذَّرَّةَ لا يصيرُ ضَامنًا لِلأَرْضِ غاصبًا لها على الأصح، من زوائد الروضة بل يلزمه أجرة المثل للذرة.

ص: 940

وَكَذَا لَو اكْتَرَى لِحِمْلِ مِائَةِ رَطْلٍ مِنْ حِنْطَةٍ فَحَمَلَ مِائَةٍ شَعِيرًا أَوْ عَكَسَ، لأن الحنطة أثقل فيجتمع ثقلها في موضعٍ واحدٍ والشعيرُ أخَفُّ ويأخذُ من ظهرِ الدَّابَّةِ أكثر، أَوْ لِعَشْرَةِ أَقفِزَةِ شَعِيرٍ فَحَمَلَ حِنْطَةً، لأنها أثقل، دُونَ عَكْسِهِ، أي وهو مَا إِذَا اكْترَى لِعَشْرَةِ أَقْفِزَةِ حِنْطَةٍ فَحَمَلَ شَعِيرًا لأَنَّ قَدَرَهُمَا فِي الْحَجْمِ سواء، والشعيرُ أَخَفُّ، وَلَو اكْتَرَى لِمِائَةٍ فَحَمَلَ مِائَةً وَعَشْرَةً لَزِمَهُ أُجْرَةُ الْمِثْلِ لِلزِّيَادَةِ، لتعديهِ بها وحدَها، وأشار بزيادة العشرة في قوله (فَحَمَلَ مِائَةً وَعَشْرَةً) إلى أنه لو حَمَلَ زيادةً يتسامحُ بها كالْمَكُوكِ وَالْمَكُوكَينِ فلا أُجرةَ وهو كذلك فلا ضمان أيضًا، وَإِن تَلِفَتْ بِذَلِكَ ضَمِنَهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ صَاحِبُهَا مَعَهَا، لأنه صار غاصبًا بحمل الزيادة، فَإِنْ كَانَ، صاحِبُهَا مَعَهَا، ضَمِنَ قِسْطَ الزِّيَادَةِ، مواخذةً لهُ بقدرِ الجنايةِ، وَفى قَوْلٍ: نِصفَ الْقِيمَةِ، لأن تلفها بمضمون وغيره فقسطت القيمةُ عليهما كما لو جرحَهُ واحدٌ جراحةً وآخر جِرَاحَاتٍ، والأولُ فَرَّقَ بأنَّ التوزيعَ هُنا متيسِّرٌ بخلاف الجراحاتِ؛ لأن نكاياتها لا تنضبطُ، ونسبَ الإمامُ إلى المحققينَ القطعَ بالأولِ، وأصلُ القولين القولان فيما يلزمُ الجلَّادَ إذا ضرب إحْدَى وثمانينَ.

فَرْعٌ: لَوْ تَلِفَتِ الدَّابَّةُ بِسَبَبٍ غَيرِ الْحَمْلِ ضَمِنَ عِنْدَ انْفِرَادِهِ بِالْيَدِ دُونَ عَدَمِهِ.

وَلَوْ سَلَّمَ الْمِائَةَ وَالْعَشْرَةَ إِلَى الْمُؤَجِّرِ فَحَمَّلَهَا جَاهِلًا، أي بالحالِ بأن قال لَهُ: هِيَ مِائِةٌ فَظَنَّ صدقه، ضَمِنَ الْمُكْتَرِي عَلَى الْمَذْهَبِ، كما لو حمله بنفسه فيأتي فيه الخلافُ السَّالِفُ؛ لأنَّ إعدادَ المحمولِ وشدِّ الأَعْدَالِ وتسليمها إليه بعد عقد الإجارة كان كَالإِلْجَاءِ إلى الحملِ شرعًا نكان كشهادةِ شهودِ القصاصِ، والطريق الثاني: أنه على القولين في تعارض الغرورِ والمباشرةِ، واحترزَ بالجاهلِ عن العَالِمِ؛ فإنه إذا حمله ولم يقل له المستأجرُ شيئًا فالحكمُ كما في المسألة الآتية في كلامه، لأنه حَمَلَ بغير إِذْنِ صَاحِبِهِ، وَلَوْ وَزَن الْمُؤَجِّرُ وَحَمَلَ فَلَا أُجْرَةَ لِلزِّيادَةِ، لأنه لم يأذن في فِعْلِهَا، وَلَا ضَمَانَ إِن تَلِفَتْ، إذ لا يد ولا تعد، وَلَوْ أَعْطَاهُ ثَوْبًا لِيَخِيطَهُ فَخَاطَهُ قِباءً وَقَال: أمَرْتَنِي بِقَطْعِهِ قِبَاءً، فَقَال: بَل قَمِيصًا، فَالأَظهَرُ تَصْدِيقُ الْمَالِكِ بِيَمِينِهِ،

ص: 941

لأنهما لو اختلفا في أصلِ الإِذْنِ كان هو المصدق فكذا في صفقته، والثاني: تصديق الأجير، لأن المالكَ يدَّعِي عليه الغرم والأصل عدمُهُ، وَلَا أُجْرَةَ عَلَيهِ، أي على المالك بعد حلفه لأنه إذ ذاك يصير العمل غير مأذون فيه، وَعَلَى الْخَيَّاطِ أَرْشُ النَّقْصِ، لأنه إذا انتفى الإذنُ، فالأصل الضمانُ ثم في الأرش الواجب وجهان أحدُهما، وصححه ابن أبي عصرون: ما بين قيمته صحيحًا ومقطوعًا، والثاني: ما بين قيمته مقطوعًا قميصًا ومقطوعًا قباءً وهو قوي، لأنَّ أصلَ القطعِ مأذونٌ فيه وعلى هذا إن لم ينقص فلا شيءَ لَهُ.

فَصْلٌ: لَا تَنْفَسِخُ الإِجَارَةُ بِعُذْرٍ كَتَعَذُّرِ وُقُودِ حَمَّامٍ وَسَفَرٍ وَمَرَض مُسْتَأْجِرٍ دَابَّةً لِسَفَرٍ، إذ لا خَلَلَ في المعقودِ عليه.

فَرْعٌ: في البحر: أَنَّ عدمَ دُخُولِ النَّاسِ الْحَمَّامَ المستأجرةَ بسببِ فتنةٍ حادثةٍ أو خرابِ الناحيةِ عيبٌ، وفي الماوردي: أنَّ خَرَابَ مَا حَوْلَ الدَّارِ المستأجرةِ وبطلانَ السوقِ الَّذي فيهِ الحانوت لا يثبتُ الخيار.

وَلَو اسْتَأْجَرَ أَرْضًا لِزرَاعَةٍ فَزَرَعَ فَهَلَكَ الزَّرْعُ بِجَائِحَةٍ، أي كَحَرٍّ ونحوه، فَلَيسَ لَهُ الْفَسْخُ وَلَا حَطُّ شَيءٍ مِنَ الأُجْرَةِ، لأن الجائحة لَحِقَتْ زَرْعَ المستأجرِ لا منفعةَ الأرضِ، وَتَنْفَسِخُ بِمَوْتِ الدَّابَّةِ وَالأَجيرِ الْمُعَيَّنَينِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، لفواتِ المعقودِ عليهِ وهُو المنفعةُ قَبْلَ قَبْضِهَا، لَا الْمَاضِي فِي الأَظْهَرِ، لاستقرارهِ بالقبضِ، والثاني: ينفسخ فيه أيضًا لأن العقد واحد وقد انفسخ في البعض فينفسخ في الباقي، وهذا إذا كان الماضي لمثله أجرة فإن لم يكن انفسخ في جميع المدة، واحترز بالمعينين عما في الذمةِ، ثُمَّ فَرَّعَ الْمُصَنّفُ عَلَى الأَظْهَرِ فَقَال: فَيَسْتَقِرُّ قِسْطُهُ مِنَ الْمُسَمَّى، أي بأن يُقَوِّم المنفعةَ في الْمُدَّتَينِ، ويوزِّعُ الْمُسَمَّى عليها لا على الْمُدَّتَينِ فإن ذلك يختلفُ، فربما يزيدُ أُجرةَ شهرٍ على أُجرة شهرينِ لكثرة الرغباتِ في ذلكَ الشهرِ، فإذا كانت مدةُ الإجارةِ سَنَةً ومضى نصفُها وأجرةُ المثلِ فِيهِ مِثْلًا أُجْرَةِ الْمِثْلِ في النصف الباقي وجب من المسمَّى ثلثاه، وإن كان بالعكس فثلثه وهذا أيضًا يأتي على القول

ص: 942

الثاني إذا أجاز، وَلَا تَنْفَسِخُ بِمَوْتِ الْعَاقِدَينِ، أي ولا أحدهما بل إن مات المستأجر خلفه الوارث في الاستيفاء أو المؤجر ترك المال عند المستأجر إلى انقضاء المدة، لأن الإجارةَ عقدٌ لازمٌ فلا تنفسخُ بالموت قياسًا على البيع.

فَرْعٌ كَالْمُسْتَثْنَى: لو أوصى بدارهِ لِزَيدٍ مُدَّةَ عُمْرِ زَيدٍ فَقَبِلَ زَيدٌ الْوَصِيَّةَ، وَأَجَّرَهَا زَيدٌ مُدَّةً ثُمَّ مَاتَ فِي خِلالِهَا انْفَسَخَتْ الإِجَارَةُ لإِنْتِهَاءِ حَقِّهِ بِمَوْتِهِ لَا مِنْ جِهَةِ مَوْتِ الْعَاقِدِ.

وَمُتَوَلِّي الْوَقْفِ، لأنه ناظر للجميع، وَلَوْ أَجَّرَ الْبَطْنَ الأَوَّلَ مُدَّةً وَمَاتَ قَبْلَ تَمَامِهَا، أَو الْوَلِيُّ صَبِيًّا مُدَّةَ لَا يَبْلُغُ فِيهَا بِالسِّنِّ، فَبَلَغَ بِالاحْتِلامِ، فَالأَصَحُّ انْفِسَاخُهَا، لأنَّ المنافعَ بعدَ موتِهِ لغيرهِ ولا ولايةَ لهُ عليهِ ولا نِيَابَةَ عَنْهُ، لا الصَّبيّ، لأنَّهُ وَلِيٌّ حين تصرفهِ، وقد بَنَى تَصَرُّفَهُ على المصلحةِ فيلزمُ، والثاني: أنها لا تنفسخ، فِي الْوَقْفِ، قياسًا على ما لو أَجَّرَ مِلْكَهُ وماتَ وينفسخ في الصَّبيِّ لأنَّا تَبَيَّنَّا أنه زادَ على حدِّ ولايته، واحترز بقوله (لَا يَبْلُغُ فِيهَا بِالسِّنِّ) عما إذا كان يَبْلُغُ فيها بهِ، فَإِنَّ الْمَذْهَبَ الْقَطْعُ بِبُطْلانِ مَا زَادَ عَلَى مُدَّةِ الْبُلُوغ؛ وَيَجْرِي فِي الْبَاقِي قَوْلًا: تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ.

فَرْعٌ: لَوْ أَجَّرَ الْوَلِيُّ مَال الْمَجْنُونِ وَأَفَاقَ فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ فَهُوَ كَبُلُوغِ الصَّبِيِّ بِالإِحْتِلامِ.

وَأَنَّهَا تَنْفَسِخُ بِانْهِدَامِ الدَّارِ، لزوال الاسم، لَا انْقِطَاع مَاءِ أَرْضٍ اسْتُؤْجِرَتْ لِزِرَاعَةٍ، بَلْ يَثْبُتُ الْخِيَارُ، لأنَّ مُسَمَّى الأَرْضِ بَاقٍ وَالزَّرْعُ مُمْكِنٌ بِالْمَطَرِ، وهذا هو المنصوص فيهما، وقيل: لا فسخ فيهما، وقيل: قولان فيهما وهي الأصح، فيجب على المصنف حينئذ أن يُعَبِّرَ بالمذهبِ أو الأظهرِ على اصطلاحه؛ لا بالأصح؛ وَالأَظْهَرُ وهو المنصوصُ فيهما، وإنما يثبت الخيارُ إذا امتنعت الزراعة، فإن قال المؤجر: أنا أسوقُ إليها الماء من موضع آخر؛ سَقَطَ الْخِيَارُ كما لو بَادَرَ إلى إِصلاح الدَّارِ. وَغَصْبُ الدَّابَّةِ وَإبَاقُ الْعَبْدِ يُثْبِتُ الْخِيَارَ، أي إذا كانت الإِجارةُ على العَينِ؛ فإن

ص: 943

كانت على الذِّمَّةِ فلا، بلْ على المؤجرِ الإبدالُ، فإن امتنع اسْتُؤْجِرَ عليهِ، ولو بَادَرَ الْمُؤَجِّرُ إلى الانتزاعِ من الغاصب قَبْلَ مُضِيِّ مُدُّةٍ لِمِثْلِهَا أُجْرَةٌ سَقَطَ خِيَارُهُ.

فَصْلٌ: وَلَوْ أَكْرَى جَمَّالًا وَهَرَبَ وَتَرَكَهَا عِنْدَ الْمُكْتَرِي رَاجَعَ الْقَاضِي لِيُمَوِّنَهَا مِنْ مَالِ الْجَمَّالِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ لَهُ مَالًا، اقْتَرَضَ عَلَيهِ، لأنه ممكن، فَإِنْ وَثِقَ، أي القاضي، بالْمُكتَرِي دَفَعَهُ إلَيهِ، أي سواءً كانَ القرضُ منهُ أو مِن غيرِهِ، وَإلَّا، أي وإن لم يثق به، جَعَلَهُ عِنْدَ ثِقَةٍ، أي لينفقه عليها لتعينه طريقًا، وَلَهُ، أي القاضي، أَنْ يَبِيعَ مِنْهَا قَدْرَ النَّفَقَةِ، أي لينفقه عليها وعلى من يَخْدُمُهَا كما قاله الماورديُّ؛ وذلك عند عدم من يقرضه أو وجدانهِ، ولم يرد القاضي الاقتراض، كما قاله القاضي والإمام، ولا يجوزُ بَيعُ جَمِيعِهَا خِشْيَةَ أَنْ يَأْكُلَ أَثمَانَهَا، وَلَوْ أَذِنَ لِلْمُكْتَرِي في الإِنْفَاقِ مِنْ مَالِهِ لِيَرْجِعَ جَازَ فِي الأَظْهَرِ، كما لو استقرض منه ودفع إليه، والثاني: المنعُ، لأنه يؤدِّي إلى أن يكون القول قوله فيما يستحقه على غيره بل يأخذه الحاكمُ منه ويدفعه إلى أمينٍ، ثم الأمينُ يعطيهِ قَدْرَ الْحَاجَةِ.

فَرْعٌ: لو أنفق بغير إذن الحاكمِ مع إمكانه لم يرجع، فإن لم يَكُنْ حاكمٌ فَأَنْفَقَ وَأَشْهَدَ وشرطَ الرُّجُوعَ رَجَعَ في الأصحِّ، ولو كان في الموضعِ حاكمٌ وعسرَ إثباتُ الواقعةِ عندَهُ فهو كما لَوْ لَمْ يَكُنْ بِهَا حَاكِمٌ.

فَرْعٌ: لَوْ هَرَبَ الْجَمَّالُ بِالْجِمَالِ نُظِرَ، فإن كانت الإجارةُ في الذِّمَّةِ اكْتَرَى الحاكمُ عليهِ مِن مَالِهِ وَإِلَّا اقْتَرَضَ وَاكْتَرَى عَلَيهِ وَإِلَّا فَلَهُ الْفَسْخُ، وإن كانت إجارةَ عَينٍ فللمستأجر فسخُ العقدِ.

وَمَتَى قَبَضَ الْمُكتَرِي الدَّابَّةَ أو الدَّارَ وَأَمْسَكَهَا حَتَّى مَضَتْ مُدَّةُ الإِجَارَةِ اسْتَقَرَّتِ الأُجْرَةُ وَإنْ لَمْ يَنْتَفِعْ، لأن المعقود عليه تلف تحت يد متملكه فلزمه بَدَلُهُ كالمبيع إذا تلف في يَدِ المشتري، وليس له الانتفاعُ بعد المدةِ، فإن فعل لزمه أجرة المثل مع الْمُسَمَّى (•)، وَكذَا لَو اكْتَرَى دَابَّةً لِرُكُوبٍ إِلَى مَوْضعٍ وَقَبَضَهَا وَمَضَتْ

(•) في النسخة (1): مِنَ الثَّمَنِ.

ص: 944

مُدَّةُ إِمْكَانِ السَّيرِ إِلَيهِ، لأن المكري مَكَّنَهُ مِنَ الانتفاعِ بأقصَى المقدورِ عليهِ فَتَسْتَقِرُّ الأُجرةُ كما لو كان الضبطُ بالمدةِ، وَسَوَاءٌ فِيهِ إِجَارَةُ الْعَينِ وَالذِّمَّةِ إِذَا سَلَّمَ الدَّابَّةَ الْمَوْصُوفَةَ، لتعين حَقَّهِ بالتَّسليمِ وحُصولِ التَّمْكِينِ، وَتَسْتَقِرُّ فِي الإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ أُجْرَةُ الْمِثْلِ بِمَا يَسْتَقِرُّ بِهِ الْمُسَمَّى فِي الصَّحِيحَةِ، أي سواء أنتفع أم لا؟ وسواء كانت أُجرةُ المثلِ أَقَلَّ مِنَ الْمُسَمَّى أمْ أكثر؟ لأنَّ العقدَ الفاسدَ كالبيعِ وغيرهِ كالصحيحِ في الضمانِ كما ذكرهُ الْمُصَنِّفُ فِي الرَّهْنِ فكذا الإجارةُ.

فَرْعٌ: لو خَلَّى الأجير بَينَهُ وَبَينَ الْعَينِ وَسَلَّمَ إليهِ مفتاحَ البابِ لم يلزمه أُجرة؛ فإن التَّخْلِيَةَ ليست مضمونةً في العقودِ الفاسدةِ بخلاف الصَّحيحةِ.

وَلَوْ أَكْرَى عَينًا مُدَّةً وَلَمْ يُسَلِّمْهَا حَتَّى مَضَتِ انْفَسَخَتْ، لفوات المعقود عليه قبل قبضه، وَلَوْ لَمْ يُقَدِّرْ مُدَّةَ وَأَجَّرَ لِرُكُوبِ إِلَى مَوْضِعٍ وَلَمْ يُسَلِّمْهَا حَتَّى مَضَتْ مُدَّةُ السَّيرِ؛ فَالأَصَحُّ أنَّهَا لَا تَنْفَسِخُ، لأنَّ هذهِ الإِجارةَ متعلقةٌ بالمنفعةِ لا بالزمانِ ولم يتعذر استيفاؤها، والثاني: تنفسخُ، كما لو حَبَسَهَا المكتري، وَلَوْ أَجَّرَ عَبْدَهُ ثُمَّ أَعْتَقَهُ فَالأَصَحُّ أَنَّهَا لَا تَنْفَسِخُ الإِجَارَةُ، لأنه أَجَّرَ مِلْكَهُ ثم طَرَأَ ما يزيله فأشبه موته بعد الإجارة، والثاني: ينفسخُ كموتِ البطنِ الأولِ وهو ضعيفٌ كما صَرَّحَ به في الروضة لا كما اقتضاهُ إيرادهُ هُنا، وَأَنَّهُ لَا خِيَارَ لِلْعَبْدِ، أي في فَسْخِ الإجارةِ بعد العتقِ، لأن السيد تصرف في خالص ملكه فلا وجه للاعتراض عليه، والثاني: له الخيار كما لو أُعْتِقَتِ الأَمَةُ الْمُزَوَّجَةُ بِرَقِيقٍ، وَالأَظْهَرُ أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى سَيِّدِهِ بِأُجْرَةِ مَا بَعْدَ الْعِتْقِ، لأنه تصرفٌ في منافعهِ حين كانت مستحقة له بعقدٍ لازمٍ فصار كما لو زَوَّجَ أَمَتَهُ وَاسْتَقَرَّ مَهْرُهَا ثُمَّ عُتِقَتْ؛ لا ترجعُ بشيءٍ لِمَا يستوفيه الزوجُ بعد العتقِ، والثاني: يرجع، لأن المنافعَ تستوفي منه قهرًا فصار كما لو أكرهه سَيِّدُهُ على العملِ، ويصِحُّ بَيعُ الْمُسْتَأجَرَةِ لِلْمُكْتَرِي، لأنها في يده من غير حائل فأشبه بيعَ المغصوبِ من الغاصبِ، وَلَا تَنْفَسِخُ الإِجَارَةُ فِي الأَصَحِّ، لأنَّ الْمِلْكَ لَا يُنَافِيهَا وَلِهَذَا يَسْتَأْجِرُ مِلْكَهُ مِنَ الْمُسْتَأْجِرِ، والثاني: أنها تنفسخُ؛ لأنه إذا ملك الرقبةَ

ص: 945

حدثتْ المنافعُ على ملكهِ فلا تُستوفى بالإِجَارَةِ كما لو اشترى (•) زَوْجَتَهُ، وَلَوْ بَاعَهَا لِغَيرِهِ، أي سواء أَذِنَ المستأجرُ أمْ لا، جَازَ فِي الأَظْهَرِ، لأن ثبوتَ العقدِ على المنفعةِ لا يمنعُ بيعَ الرقبةِ كالأمَةِ الْمُزَوَّجَةِ، قال الجرجاني في الشافي: فتقبض العينُ ليحصل التسليمَ ثم يسترجعُ مِنْهُ وَتُسَلَّمُ إلى المستأجرِ ليستوفي منفعتها إلى آخر المدة، قال: وَيُعْفَى عن القدرِ الَّذي يقعُ التَّسْلِيمُ فِيهِ؛ لأنه يسيرٌ فلا يثبت به الخيارُ للمستأجر، كما لو أَجَّرَ دَارًا وَانْسَدَّتْ بَالُوعَتُهَا، لم يثبت خيارٌ للمستأجرِ؛ لأنَّ زَمَانَ فتح البالوعة يسيرٌ، والثاني: ينفسخُ لأنَّ يَدَ المستأجرِ مَانِعَةٌ مِنَ التَّسْلِيمِ بِحَقٍّ؛ فكانت أَوْلى بمنع البيعِ من يَدِ الغاصبِ، وَلَا تَنْفَسِخُ، كما لا ينفسخُ النِّكَاح بِبَيعِ الأَمَةِ الْمُزَوَّجَةِ وتُتْرَكُ في يَدِ المستأجرِ إلى انقضاءِ المدةِ.

فَرْعٌ نَخْتِمُ بِهِ الْبَابَ: سُئل الشيخ أبو حامد عَمَّنْ سَجَنَ رَجُلًا مع بهيمتهِ فَتَلِفَتْ فِي يَدِ صَاحِبِهَا، فَقَال: لَا يَضْمَنُ؛ لأنَّهَا فِي يَدِ صَاحِبِهَا.

فَرْعٌ آخَرُ: لو دفع المكري إلى المكتري قرضًا ليزيد في الأجرة؛ فهو حرامٌ؛ لأنه قرضٌ جَرَّ منفعةً وَيُسَمُّونَهُ تَقْويَةً.

(•) في النسخة (1): اسْتَأْجَرَ.

ص: 946