المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كِتَابُ الْلَّقِيطِ الْلَّقِيطُ: هُوَ اسْمٌ لِلطِّفْلِ الَّذِي يُوْجَدُ مَطْرُوْحًا في شَارِع - عجالة المحتاج إلى توجيه المنهاج - جـ ٢

[ابن الملقن]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الصيام

- ‌بَابُ صَوْمِ التَّطَوُّعِ

- ‌كِتَابُ الاِعْتِكَافِ

- ‌كِتَابُ الْحَجِّ

- ‌بَابُ المَوَاقِيتِ

- ‌بَابُ الإِحْرَامِ

- ‌بَابُ دُخُولِ مَكَّةَ زَادَهَا اللهُ شَرَفًا

- ‌بَابُ مُحَرَّمَاتِ الإِحْرَامِ

- ‌بَابُ الإحِصَارِ وَالفَوَاتِ

- ‌كتاب البيع

- ‌بَابُ الْرِّبَا

- ‌بابُ الْبُيُوع الْمَنْهِيِّ عَنْها

- ‌بَابُ الخيَارِ

- ‌بَابُ الْمَبِيعِ قَبْلَ قَبْضِهِ مِنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ

- ‌بَابُ التوْلِيَةِ وَالإِشْرَاكِ وَالْمُرَابَحَةِ

- ‌بَابُ الأصُولِ وَالثمَارِ

- ‌بَابُ اخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ

- ‌بَابُ مُعَامَلَاتِ الْعَبِيدِ

- ‌كِتَابُ السَّلَمِ

- ‌كِتَابُ الرَّهنِ

- ‌كتاب التفليس

- ‌بِابُ الْحَجْرِ

- ‌كِتَابُ الْصُّلْحِ

- ‌كِتَابُ الحوالةِ

- ‌كتاب الضمان

- ‌كِتَابُ الشِّرْكَةِ

- ‌كِتَابُ الْوَكَالةِ

- ‌كتاب الإقرار

- ‌كِتَابُ الْعَارِيَّةِ

- ‌كِتَابُ الْغَصْبِ

- ‌فُرُوعٌ مَنْثُورَةٌ نَخْتِمُ بِهَا الْبَابَ مُهِمَّةٌ

- ‌كِتَابُ الشُّفْعَةِ

- ‌كِتَابُ الْقراضِ

- ‌كتاب المُسَاقَاةِ

- ‌كتاب الإجارة

- ‌كتاب إحياء الموات

- ‌كتاب الوقف

- ‌كتاب الهبة

- ‌كِتَابُ الْلُّقَطَةِ

- ‌كِتَابُ الْلَّقِيطِ

- ‌كتاب الجُعَالةِ

الفصل: ‌ ‌كِتَابُ الْلَّقِيطِ الْلَّقِيطُ: هُوَ اسْمٌ لِلطِّفْلِ الَّذِي يُوْجَدُ مَطْرُوْحًا في شَارِع

‌كِتَابُ الْلَّقِيطِ

الْلَّقِيطُ: هُوَ اسْمٌ لِلطِّفْلِ الَّذِي يُوْجَدُ مَطْرُوْحًا في شَارِع وَنَحْوهِ وَلَيسَ هُنَاكَ مَن يَدَّعِيهِ، فَعِيلٌ بمَعْنَى مَفْعُولٌ. وَاسْتَأَنَسُوا لَهُ بِقَوْلهِ تَعَالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى

} (221) وَقَدْ كَانَ مَعْرُوْفًا فِي الأُمَمِ الْمَاضِيَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالى: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُوْنَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} (222).

إِلْتِقَاطُ الْمَنْبُوذِ، أي المطروح، فَرْضُ كِفَايَةٍ، صيانةً للنفسِ المحترمَةِ عن الهلاك، وسواءٌ المميز وغيره في الأصح، قال بعض الناس: وَمَنْ تَرَكَهُ فَهُوَ دَاخِلٌ في قَتْلِ النَّفْسِ، وَيَجِبُ الإِشْهَادُ عَلَيهِ في الأَصَحِّ، لِئَلَّا يضيع نسبه، والثاني: لا، بل يستحبُّ اعتمادًا على الأمانة، والثالث: إن كان الملتقطُ ظاهرَ العدالة لم يجبْ وإلا وجب، حكاهُ الإِمامُ، ومحِلُّ الخلاف إذا قلنا لا يجبُ الإِشهادُ على اللقطة؛ وإلا وجب هنا قطعًا، نبَّهَ عليه صاحب المعين.

وَإِنَّمَا تَثْبُتُ ولَايَةُ الالْتِقَاطِ لِمُكَلَّفٍ، أي فلا يصح التقاط صَبِيٍّ ومجنونٍ لعدم الأهلية، حُرٍّ؛ مُسْلِمٍ؛ عَدْلٍ؛ رَشِيدٍ، أي فاضدادهم لا يصح التقاطهم كما سيأتي، وَلَو التقَطَ عَبْدٌ بِغَير إِذْن سَيِّدِهِ انْتُزِعَ مِنْهُ، لأنَّ الحضانةَ تبرعٌ، وليس له أهليتها، فَإِنْ عَلِمَهُ؛ فَأَقرَهُ عِندَهُ، أَو الْتَقَطَ بِإِذْنِهِ؛ فَالسَّيِّدُ الْمُلْتَقِطُ، أي وهو نائبهُ في الأخذ

(221) المائدة / 2.

(222)

القصص / 8.

ص: 1008

والتربية لأن يَدَهُ يَدُهُ، وسواء في ذلك القنُ والمدبر والمعلق عتقُهُ وأُمُّ الولد وكذا المكاتَبُ على المشهور.

وَلَو الْتَقَطَ صَبِيٌّ أَوْ فَاسِقٌ أَو مَحْجُورٌ عَلَيهِ أَو كَافِرٌ مُسْلِمًا انْتُزِعَ مِنْهُ، لعدم أهلية الصبيّ والمجنون والمحجور عليه أي بِسَفَهٍ وتهمةُ الفاسقِ وعدمُ ولاية الكافر، نعم له التقاطُ الكافر، لأنه أهل لحضانته. وقيَّدَ ابن الرفعة الفاسق بالَّذي يَخْشَى منه استرقاقُهُ؛ وتبعَ الماورديُّ في ذلك (223).

فَصْلٌ: وَلَو ازْدَحَمَ اثنَانِ عَلَى أخْذِهِ، أي فقال كُلُّ واحدٍ أنا آخُذُهُ، جَعَلَهُ الْحَاكِمُ عِنْدَ مَن يَرَاهُ مِنْهُمَا أَو مِن غَيرِهِمَا، لأنه لا حَقَّ لهما قبل الأخد، وَإِنْ سَبقَ وَاحِدٌ فَالْتقَطَهُ مُنِعَ الآخَرُ مِنْ مُزَاحَمَتِهِ، عملًا بالسبق. وهل يثبت السَّبْقُ بالوقوف على رأسه من غير أخذ؟ فيه وجهان؛ أصَحُّهُمَا: لَا، وَإِنِ الْتَقَطَاهُ مَعًا وَهُمَا أهْلٌ، أي للحضانة، فَالأصَحُّ: أنَّهُ يُقَدَّمُ غَنِيٌّ عَلَى فَقِيرٍ، لأنه أرفقُ بالطفل فربما يواسيه بماله، وبه جزم القاضي حسين وأبو الطيب وابن الصباغ، والثاني: يستويان؛ لأنَّ

(223) أدِلَّةُ أَنْ رِعَايَةَ اللَّقِيطِ مِن مَسْؤُولِيَّاتِ الأَمِيرِ العَامِّ أو الْخَلِيفَةِ، وَالْوَلَاءُ لِمَن يُشْرِفُ عَلَى هَذِهِ الرِّعَايةِ:

* عن ابن شهاب عن سُنَينٍ أَبِي جَمِيلَةَ -رَجُلٌ مِن بَنِي سُلَيمٍ- أَنَّهُ وَجَدَ مَنْبُوْذًا فِي خِلَافَةِ عُمَرَ بنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه فَأَخَذَهُ. قَال: فَذَكَرَ ذَلِكَ عَرِيفِي. أَوْ جَاءَ بهِ إِلَيهِ؛ فَقَال عُمَرُ: (عَسَى الغُوَيرُ أَبُوْسًا "مثل يقال عند التهمة" مَا حَمَلَكَ عَلَى أَخذِ هَذِهِ النَّسَمَةِ؟ ) قَال: قُلْتُ: وَجَدْتُهَا ضَائِعَةٌ فَأَخَدْتُهَا؛ فَقَال عَرِيفِي: إِنَّهُ رَجُلٌ صَالِحٌ. قَال: (كَذَلِكَ) قَال: نَعَمْ. قَال: (فَاذهَبْ بِهِ فَهُوَ حُرٌّ؛ وَلَكَ وَلَاؤُهُ، وَعَلَينَا نَفَقَتُهُ).

رواه البيهقي في السنن الكبرى: كتاب اللقطة: باب التقاط المنبوذ: الأثر (12374).

* عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قَال: قَال رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: [أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بالمُؤمِنِينَ فِي كِتَابِ اللهِ، فَأَيُّكُمْ مَا تَرَكَ دَينًا أَوْ ضَيعَةً فَادْعُوْنِي، فَإِنِّي وَليُّهُ، وَأَيُّكُمْ مَا تَرَكَ مَالًا فَلْيُؤثِرْ بِمَالِهِ عُصَبَتهُ مَنْ كَانَ]. رواه مسلم في الصحيح: كتاب الفرائض: باب من ترك مالًا فلورثته: الحديث (16/ 1619). والبيهقي في السنن: كتاب اللقطة: الحديث (12369).

ص: 1009

الفقيرَ (•) أهلٌ كالغنيِّ؛ ونسبَهُ المتولي إلى سائر الأصحاب، والأصحُّ من زوائد الروضة: أنَّه لا يقدم بأكثرهما غنىً، وَعَدْلٌ عَلَى مَسْتُورٍ، احتياطًا للصبيِّ، والثاني: هما سواء، لأنَّ المستور لا يسلم مزية الآخر؛ ويقول: لا أترُكُ حقّي بأن لم تعرفوا حالي، فَإِنِ اسْتَوَيَا، أي في الصفات وتشاحَّا، أُقْرِعَ، لأنه ليس أحدهما أَوْلى من الآخر؛ وقد كانت القرعة في الكفالةِ في شَرْع مَنْ قَبْلِنَا في قِصَّةِ مريم قال تعالى: {يُلْقُوْنَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَريمَ

} (224) أي اقترعت الأحبارُ على كفالتها بإلقاءِ أقلامِهِمْ أَيُّهُمْ يكفلُ مريمَ ولم يردْ في شرعِنا ما يخالفهُ، ومن الصفات المتقدمة أنْ يكونَ مَحِلُّ إقامَةِ أحدِهِمَا أرفَقَ بالطفلِ مِن مَحِلِّ الآخَرِ. وَالْحُرِّيُّةُ؛ فَالْحُرُّ أَوْلى من المكاتَبِ وإنِ التقطَ بإذن سَيِّدِهِ وَصَحَّحْنَاهُ، والأصحُّ خلافهُ ويتساوى المسلمُ والذميُّ في اللقيط المحكوم بكفره على الأصحِّ، واحزز بقوله أولًا (وَهُمَا أَهْلٌ) عمّا إذا كان أحدُهُمَا أهلًا فإنه يُقَدَّمُ على الآخر، والمرادُ بالحضانة هنا حِفْطهُ وَحِفْظُ مَالِهِ وَتَرْبِيَتُهُ لَا الأعْمَالُ المتقدِّمَةُ في الإِجَارَةِ.

فَصْل: وَإِذَا وَجَدَ بَلَدِيٌّ لَقِيطًا بِبَلَدٍ فَلَيسَ لَهُ نَقْلُهُ إِلَى بَادِيَةٍ، لأن عيش البادية أخشن ويفوته العلمُ بِالدِّينِ وَالصَّنْعَةِ؛ ولئلا يعرض نسبه للضياع، وكذا لا ينقله إلى قريةٍ على الأصحِّ، نعم؛ لو كانَ الملتقطُ من أهل البادية أو القرية؛ فقد ذكر بَعْضُهُمْ: أنَّه ليس له إلَّا الالتقاطُ في البلد لعدم إمكان نقله إلى مكانه.

فَائِدَةٌ: البادية خلاف الحاضرة، والحاضرةُ: هي المدن؛ والبلاد؛ والقرى؛ والريف، فالريف: هي الأرض إلى فيها زرع وخصب، والقرية: العمارة المجتمعة قليلة كانت أو كثيرة (•) وغلب إطلاقها على القليلة؛ فإن كبرت سمِّيت بَلَدًا؛ فإن عظمت سمِّيت مَدِينَةً.

وَالأصَحُّ: أَنَّ لَهُ نَقْلَهُ إِلَى بَلَدٍ آخَرَ، لانتفاء الخشونة، والثاني: لا للنسب،

(•) في النسخة (1) فقط: (لأن الفقر ليس أهل كالغني) والعبارة لا تستقيم.

(224)

آل عمران / 44.

(•) في النسخة (1) فقط: كبيرة.

ص: 1010

وادَّعى القاضي: أنَّه المذهبُ، وَأَنَّ لِلْغَرِيبِ، أي الَّذي اختبرت أمانته، إذَا الْتَقَطَ بِبَلَدِ أَنْ يَنْقُلَهُ إِلَى بَلَدِهِ، للمعنى الأول، والثاني: لا للمعنى الثاني، أما الغريب الَّذي لم تختبر أمانته؛ فلا يقر في يده قطعًا، وحيث منعناه نزعنا اللقيط من يده، وينبغي إذا أقام أن لا ينزع، وَإِنْ وَجَدَهُ، أي البَلَدِيُّ، بِبَادِيَةِ فَلَهُ نَقْلُهُ إِلَى بَلَدٍ، لأنه أرفقُ به، وَإِنْ وَجَدَهُ بَدَويٌّ ببَلَدٍ فَكَالْحَضَرِيِّ، أي فإن أراد المقام به أقر في يده، وإن أراد نقله إلى بادية أو إلى بلد أخرى فعلى ما تقدم في الحضري، والبدوي: مَنْ سَكَنَ الباديةَ؛ منسوبٌ إلى البَدْو وهو البادية، والحضري: مَنْ سَكَنَ الْحَاضِرَةَ، وعبَّر المصنفُ عنه فيما تقدم بالبلدي، أَوْ بِبَادِيَةٍ أُقِر بِيَدِهِ، لأنه كبلدة أو قرية، وهذا إذا كان مَنْ حمله مِن أهل حلة مفيمين من موضع راتبٍ، وقيَّده الإِمامُ. مما إذا توصلت أخبار الحلتين، فإن لم تتواصل؛ فوجهان: كما في النقل من بلد إلى بلد، وَقِيلَ: إِنْ كَانُوا يَنْتَقِلُون لِلنُّجْعَةِ، أي للذهابِ في طلبِ المرعى وغيره، لَمْ يُقِرْ، لأن فيه تعبًا وتضييعًا لنسبه؛ والأصح: أنَّه يُقَرُّ؛ لأن أطراف البادية كمحال البلدة.

فَصْلٌ: وَنَفَقَتُهُ في مَالِهِ الْعَامِّ كَوَقْفٍ عَلَى اللُّقَطَاءِ، أي والوصِيَّةُ لَهُمْ، أَو الْخَاصِّ: وَهُوَ مَا اخْتَصَّ بِهِ، كَثِيَابِ مَلْفُوفَةٍ عَلَيهِ وَمَفْرُوشَةٍ تَحْتَهُ، أي وكذا الملبوسة كما ذكر الرافعيُّ في الْمُحَرَّر، أي ومغطى بها كَاللِّحَافِ، وَمَا في جَيبِهِ مِنْ دَرَاهِمَ وَغَيرِهَا، أي كذهبٍ وَحُلِيٍّ، وَمَهْدِهِ وَدَنَانِيرَ مَنْثُورَةٍ فَوْقَهُ وَتَحْتَهُ، لأنَّ لهُ يدًا واختصاصًا كما سلف كالبالغ، والأصلُ الْحُرِّيَّةُ ما لم يعرف غيرها، وَإِنْ وُجِدَ فِي دَارِ فَهِيَ لَهُ، لأنَّ لهُ يدًا واختصاصًا كما سلف، وهذا إذا لم يكن فيها غيره، وكذا إن وجد في خيمة فإن كان فيها غيره! فهل يمنعه من اليد أو يشتركان؟ لم يتعرضوا له، وَلَيسَ لَهُ مَالٌ مَدْفُونٌ تَحْتَهُ، كما لو كان بالبعد منه، نعم؛ لو وجد معه رقعة تدل على أن المدفون له؛ فالأظهر عند الغزالي: أنَّه له لقرينة المكتوب؛ والأوفق لكلام الأكثرين المنع، وَكَذَا ثِيَابٌ وَأَمْتِعَةٌ مَوْضُوعَة بِقُرْبِهِ في الأَصَحِّ، كما لو كانت بعيدة، والثاني: أنها له كالبالغ؛ وعكس الماوردي فقال: ما يقرب من البالغ ليس له

ص: 1011

بخلاف الصبي، لأن الكبير يقدر على إمساك ما يقاربه بخلاف الصبي. قال المصنف في نكته: ومحل الخلاف في المال إذا لم يكن في دارٍ، فإن كان في دارٍ وبِقُربِهِ منها مالٌ فهو لَهُ مع الدارِ، ولم يتعرض الأصحاب لضبط القرب والبعد والمحال عليه في ذلك العرف، فَإن لَمْ يُعْرَفْ لَهُ مَالٌ، أي لا عمومًا ولا خصوصًا، فَالأَظْهَرُ أَنَّهُ يُنْفَقُ عَلَيهِ مِنْ بَيتِ المَالِ، أي من سهم المصالح؛ لأنَّ عُمَرَ استشارَ الصحابة في نفقة اللقيط فأجمعوا على أنها في بيت المال (225)، وسواء المحكوم بإسلامه وكفره على الأصح، إذ لا وجه لتضييعه، والقول الثاني: يستقرض له الإمام من بيت المال أو من آحاد الناس، فإن تعذر جمع الأغنياء وعدّ نفسه منهم وقسطها عليهم، لأنَّ مَال بَيتِ الْمَالِ يُصْرَفُ إلى ما لا وجه له سواه، واللقيطُ يجوزُ أنْ يكون رَقِيقًا فنفقتهُ على سَيِّدِهِ أو حُرًّا له مالٌ أو قريبٌ فنفقته في مالِهِ أو على قريبِهِ، فَإن لَمْ يَكُن، أي فيه

(225) * حديث عمر: (أَنَّهُ اسْتَشَارَ الصَّحَابَةَ في نَفَقَةِ اللَّقِيطِ، فَقَالُوا: في بَيتِ المَالِ) قال ابن حجر في تلخيص الحبير: ج 3 ص 90: كتاب اللقيط: الحديث (3) منه: وكذا أورده الماورديُّ الحاوي والشيخ في المهذب، ولم يقف على أصله. قال: ولكن لم ينقل أن أحدًا من الصحابة أنكر عليه. انتهى.

* قال الشافعيُّ رَحِمَهُ الله تَعَالى: (فَإنْ لَمْ يُوْجَدْ لَهُ مَالٌ وَجَبَ عَلَى الْحَاكِمِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيهِ مِنْ مَالِ اللهِ تَعَالى، فَإنْ لَمْ يَفْعَل حَرُمَ تَضْيِيعُهُ عَلَى مَنْ عَرَفَهُ حَتَّى يُقَامَ بِكَفَالتِهِ، فَيَخرُجُ مَن بَقِيَ مِنَ المأَثَمِ). ينظر: الحاوي الكبير شرح مختصر المزني: كتاب اللقطة: باب التقاط المنبوذ: ج 8 ص 38.

* قال الماوردي في الحاوي الكبير: وهذا كما قال. إذا التقط المنبوذُ فقيرًا لا مَال لَهُ، ولم يتطوع أحدٌ بالنَّفَقَةِ عليه. وَجَبَ على الإمام الأَعْظَمِ أو مَنْ ينُوبُ عَنْهُ مِنْ وَالٍ أوْ حَاكِمٍ أنْ يقومَ بنفقته لأنَّها نَفْسٌ يجبُ حراستها ويحرُمُ إضاعتها. ومِن أَينَ ينفقُ الإِمامُ عليه فيه قولانِ: أحدُهُما: وهو الأصحُّ: مِن بيت المالِ، لأَنَّهُ رُصِدَ للمصالح، وهذا منها وقد روى عن عمر بن الخطاب رضوان الله عليه أنه قال:(لَئِنْ أصَابَ النَّاسَ سَنَةٌ لأُنْفِقَنَّ عَلَيهِمْ مِن مَالِ اللهِ حَتَّى لَا أجِدَ دِرْهَمًا، فَإِذَا لَمْ أَجِدْ دِرْهَمًا أَلْزَمْتُ كُلَّ رَجُلٍ رَجُلًا) وقد استشار عمر رضي الله عنه الصحابة رضي الله عنهم في النفقة على اللقيطِ فقالوا: مِن بيتِ المالِ. إ هـ.

ص: 1012

مال أو كان ولكن هناك ما هو أهمُّ منهُ كَسَدِّ ثَغْرٍ يَعْظُمُ ضَرَرُهُ لَوْ تُرِكَ، قَامَ الْمُسْلِمُون بِكِفَايَتِهِ، أي وَيَحْرُمُ عَلَيهِمْ تَضيِيعُهُ، قَرْضًا، أي حتَّى يثبت الرجوع؛ كما يبذل الطعام للمضطر بالعرض (•)، وَفِي قَوْلٍ: نَفَفَةً، لأنه محتاجٌ عاجزٌ فاشبه المجنونَ والصغيرَ والزَّمنَ.

وَللْمُلْتَقِطِ الاسْتِقْلَالُ بِحِفْظِ مَالِهِ فِي الأَصَحِّ، كاللقطة، والثاني: لا بد من إذن القاضي، إذ لا ولاية للملتقط، وعبارةُ المُحَرَّرِ في تصحيح الأول: أنَّه الَّذي رجح، نعم رَجَّحَهُ في الشرح الصغير، وَلَا يُنْفِقُ عَلَيهِ مِنْهُ إلا بِإِذْنِ القَاضِي قَطعًا، أي إذا أمكن مراجعته؛ فإن أنفق ضمن، وما ادعاه من القطع تبع فيه ظاهر عبارة المْحَرَّر؛ لكن قد حكَى الرافعيُّ في باب الدَّعْوَى فيه قولًا آخر: أن له ذلك فاستفدهُ.

فَصْلٌ: إِذَا وُجِدَ لَقِيطٌ بِدَارِ الإِسْلَامِ؛ وَفِيهَا أَهْلُ ذِمَّةٍ، أَو بدَارٍ فَتَحُوهَا وَأَقَرُّوهَا بِيَدِ كُفَّارٍ صُلْحًا، أَو بَعْدَ مِلْكِهَا بِجِزْيةٍ وَفِيهَا مُسْلِمٍ؛ حُكمَ بِإسْلَامِ اللَّقِيطِ، تغليبًا للإسلام وللدار؛ ولأنَّ الإِسلامَ يَعْلُو ولا يُعْلَى عليهِ، واحترز بقوله في الثانية (وَفِيهَا مُسْلِمٌ) عما إذا لم يكن؛ فإنه كافر في الأصح، وَإِنْ وُجِدَ بِدَارِ كُفَّارٍ فَكَافِرٌ إِنْ لَمْ يَسْكُنْهَا مُسْلِمٌ، لأن الإسلام إنما يعلو إذا احتمل ولا احتمال هنا، وقال الفوراني: إذ اجتازَ بها مسلم فمسلم، فإنْ نَفَاهُ! قِيل في نفي النسبِ منهُ دون إسلامه، وَإِنْ سَكَنَهَا مُسْلِمٌ كَأَسِيرٍ وَتَاجِرٍ فَمُسْلِمٌ في الأَصَحِّ، تغليبًا للإِسلامِ، والثاني: كافر تغليبًا للدار، قال الإِمامُ: ويشبه إن ذلك في الأسير المنتشر إلَّا أنَّه ممنوع من الخروج، أما الَّذي في المطامير فيتجه أن لا يكون له أثرًا كما لا أثَرَ للمارِّينَ.

وَمَنْ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ بالدَّارِ فَأَقَامَ ذِمِّيٌّ بَيِّنَةً بِنَسَبهِ لَحِقَهُ، لأنه كالمسلم في النسب، وَتَبِعَهُ في الكُفْرِ، عملًا به، وإنِ اقْتَصَرَ عَلَى الدَّعْوَى؛ فَالْمَذْهَبُ: أَنَّهُ لَا يَتْبَعُهُ في الكُفْرِ، لأنا قد حكمنا بإسلامه فلا تغير بمجرد دعوى كافر. والطريق

(•) في النسخة (1) فقط: بالقرض.

ص: 1013

الثاني: فيه قولان: أحدهما هذا، والثاني: يتبعه فيه تبعًا لنسبه، وعلى هذه الطريقة اقتصر في الْمُحَرَّرِ، لكنه في شرحه قال: إنَّ الأولَ أصَحُّ عند الأكثرين.

ويحكَمُ بإِسْلامِ الصبِيِّ بِجهتَينِ أُخْرَيَينِ لَا تُفْرَضَانِ فِي لَقِيطٍ، إِحدَاهُمَا: الْولادَةُ، فَإذَا كان أَحَدُ أَبَوَيهِ مُسْلِمًا وَقْتَ الْعُلُوقِ فَهُوَ مُسْلِم، لأنهُ جزءٌ من مسلمٍ وتغليبُ الإسلامِ واجب قال تعالى:{بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ} (226) وهذا إجماع ولا يضر ما يطرأ بعد العلوق منهما من ردةٍ، فَإِن بَلَغَ وَوَصَفَ كُفْرًا فَمُرتَدٌّ، لأنه مسلف ظاهرًا وباطنًا أولًا، وَلَوْ عَلَقَ بَينَ كَافِرَينِ ثم أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا حُكِمَ بإِسْلامِهِ، لقوله تعالى:{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} (227) ولأن الإسْلامَ يَعلُو وَلَا يُعلَى عَلَيهِ.

فَرعٌ: ذكر ابن حزم الظاهري أن ولد الكافرة الحربية والذمية من زنا أو إكراهٍ مسلم ولا بد، لأنه ولد على الإسلام وليس له أبوان يخرجانه منه، ولم يذكر في ذلك خلافًا عن واحدٍ.

فَرعٌ: في معنى الأبوين الأجدادُ وَالْجَدَّاتُ سواء كانوا وارثين أم لم يكونوا، فإذا أسلم الجدُّ أبو الأَبِ أوْ أَبو الأم تَبِعَهُ الصَّبِيُّ إن لَمْ يَكُنِ الأبُ حَيًّا، وكذا إن كان على الأقربِ في الرافعي والأصح في الروضة، وقال الشيخ أبو حامدٍ: إنه الأشبه، وأما القاضي حُسين فقال: الذهب أنه لا يتبعه وهو المختار، ورجحه ابن الرفعة وأفتى به قاضى القضاة تقي الدين بن رزين؛ وَكُلُّ ذلك في ولد موجود قبل إسلام الجد، وكذا فيمن عقد بعد إسلامه، قاله القاضي حسين، أما إذا مات الجد والأب حي ثم حدث له بعد ذلك ولد فلم أر فيه نقلًا، وقد يقال: بعد الاستتباع؛

(226) الأنبياء / 18.

(227)

الطور / 21 قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} . قال البيهقي في السنن الكبرى: كتاب اللقطة: باب الولد يَتبع أبويه في الكفر؛ قال: وقريء {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ} .

ص: 1014

لأن الاستتباع يليق بالحي لا بالميت، وقد يقال: بالاستتباع وتمكين من يحتمل إسلامه من الكفر صعب؛ والله أعلم.

فَائِدَةٌ: قال الأوزاعي: إذا أسلم عَمُّ الصغير فهو مسلم؛ نقله ابن حزم في مُحَلَّاهُ.

فَإِذَا بَلَغَ وَوَصَفَ كُفْرًا فَمُرتدٌّ، لأنه سبق الحكم بإسلامه جزمًا فأشبه من باشرَ الإسلامَ ثُمَّ ارتَدُّ، وفي قَوْلٍ: كَافر أَصلِي، لأنه محكومًا بكفره أولًا؛ وأزيل ذلك بطريق التبعية، فإذا استقل انقطعت، ووجب أن يعتبر بنفسه، الثانِيَةُ: إِذَا سبَى مسلمٌ طِفْلًا، أي أو مجنونًا، تَبِعَ السَّابِيَ في الإِسلامِ إِن لَم يَكُنْ مَعَهُ أَحَدُ أبَوَيهِ، لأنه صار تحت ولايته كالأبوين؛ وادَّعى بعضُهُم الإجماع فيه، وفيه نظرٌ، ولا فرق بين أن يكون السابِي؛ بالغًا أو طفلًا؛ عاقلًا أو مجنونًا، قاله القاضي والبغوي، واحترز بقوله (إِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ أَحَدُ أَبوَيهِ) عمَّا إذا كان أحدُهُما معه فإِنهُ لَا يُحكَمُ بِإِسْلامِهِ؛ لأنَّ تَبَعِيَّةَ الأبوينِ أقوى مِن تَبَعِيَّةِ السَّابِي، ومن الغريب ما حكاه ابن حزم عن المزني: أنَّ مَنْ سَبَى مِن صغارِ أهلِ الحربِ فَسَوَاءٌ سُبِيَ مع أبويه أو مع أحدهما أو دونهما فهو مسلمٌ، ومعنى كونه مع أحد أبويهِ أنْ يكونا في ذلك الجيشِ وتلك الغنيمة؛ لا أنْ يكون سَابِيهُمَا واحدٌ.

فَرعٌ: لو ماتَ أبواهُ بعدَ سَبْيِهِ مَعَهُمَا! اسْتَمَرَّ كُفْرُهُ وَلَم يُحكَم بِإِسْلامِهِ، لأنَّ التبَعِيَّةَ إنما تَثْبُتُ في ابتدَاءِ السَّبْي.

وَلَوْ سَبَاهُ ذُمِّيٌّ لَمْ يُحكَم بإسِلامِهِ فِي الأصَحِّ، لأن كونه من أهل الدار لم يؤثر فيه ولا في أولاده فغيره أَوْلى، فعلى هذا سبُيَ أبواهُ ثم أسلما لم يَصِر مسلمًا بإسلامهما، قاله الحليمي. وينتظمُ منهُ لغز؛ فيقال: طفل محكوم بكفره أسلَمَ أبواهُ ولم يتبعهما في الاسلام، والثاني: يحكم بإسلامه؛ لأنه إذا سباهُ صار من أهل دار الإسلام فَيُجْعَلُ مسلمًا تبعًا للدار.

فَرْعٌ: لو أسلم الذمي السابِي لَهُ هلْ يصيرُ مسلمًا بإسلامه؟ ولو قهر حربي صغيرًا من أهل الحرب فملكه ثم أسلم هل يصير مسلمًا بإسلامه؟ لم أرَ فيه نقلًا،

ص: 1015

والظاهرُ: نعم؛ لأن لَهُ عَلَيهِ ولايةً وكفالةً ومِلْكًا وذلك علة لإسلامه فيما إذا كان السَابِي مُسلمًا.

وَلَا يَصِح إِسْلامُ صَبِيّ مُمَيز اسْتِقْلالًا عَلَى الصحِيح، لأنه غيرُ مكلف فأشبه غير المميز والمجنون، قال الإمام: وهو نصه في القديم، والجديد فيحال بينه وبين أبويه الكفار استحبابًا على الأشبه، لِئَلا يَفْتِنُوهُ؛ فإن بلغ ووصف الكفر هُدِّدَ وَطُولبَ بالإسلام فإن أصَرَّ رُدَّ إليهم، والثاني: يصح حتى يورث من قريبه المسلم، لأن عَلِيًّا دعاهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل بلوغه إلى الإسلام فأجابه، وقيل: بعد بلوغه، قاله أحمد بن حنبل، قال الإمام: وهو ضعيف نفلًا؛ قويٌّ توجيهًا، والثالث: يتوقفُ فإن بلغ واستمر على كلمة الإسلام تبينًا كونه مسلمًا من يومئذ، كان وصف الكفر تَبيَّنًا أنه كان لغوًا وقد يُعبرُ عن هذا بصحة إسلامه ظاهرًا لا باطنًا، والرابع: أنه لا يصح ظاهرًا؛ ويصح باطنًا إذا أضمره.

فَصل: إذا لَم يُقِر اللْقِيطُ بِرِق فَهُوَ حُرُّ، لأن ظاهر حاله الحُرية؛ ولأن غالبَ الناسِ أحرار، إلا أَن يُقِيمَ أَحَذ بَيِّنَةَ بِرِقِّهِ، أي فيعمل بها كما سيأتي، وَإِن أَقَر بِهِ، أي بالرق، لِشَخصِ فَصدّقَهُ قُبِلَ إِن لَم يَسبِق إِقْرَار بِحُريةٍ، كغيره من الأقارير، وفي قول حكاه صاحب التقريب: أن لا يقبل للحكم بحريته بالدار، فإن كذبه فلا يثبت الرق، وكذا إذا سبق منه إقرار بحريةٍ بعدَ البلوغ؛ فإنهُ لا يُقبل الإقرار الثاني لمناقضته الأول.

وَالمَذْهبُ: أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ أَن لَا يَسبِقَ تصَرُّف يَقتضِي نُفُوذُهُ حُريةَ كبَيع؛ وَنكاح، بَل يُقبَلُ إِقْرَارُهُ فِي أَصلِ الرِّق وَأَحكَامِهِ الْمُستَقبَلَةِ لَا المَاضِيَةِ المُضرَّةِ بِغَيرِهِ فِي الأظْهرِ، كما لو قال: أقر بمال على نفسه وعلى غيره، ووجه مقابلِهِ: انتفاءُ التهمة إذ الانسان لا يُرِق نفسه لإلحاق ضرر حري بالغير، وأشار بالمذهب إلى أنا إذا فَرَعنَا عَلَى مَا نَقَلَهُ صَاحِبُ التقْرِيبِ فَإقْرَارُهُ لاغٍ، وإن قلنا بالصحيح الذي جزم بهِ المصنّفُ؛ ففيه طرقٌ حاصلها ما ذَكَرَهُ، فلَوْ لَزِمَهُ دَين فَأقر بِرِق؛ وَفِي يَدِهِ مَال

ص: 1016

قُضيَ مِنْهُ، أي ويجعل للمقر له، نعم؛ إن فَضَلَ من المال شيء فهو لهُ، كان بقي منه شيء ففي ذمته إلى أن يعتق، هذا إذا قبلنا إقرارَهُ فيما يضره (•) دون غيره فَإن قَبِلنا إِقْرَارَهُ مطلقًا فالمال يُسَلمُ للمقر له والْدَّينُ في ذمتهِ.

وَلَو ادَّعَى رِقَّهُ مَنْ لَيسَ فِي يَدِهِ بِلا بَيِّنَةِ لَم يُقْبَل، لأن الظاهرَ الحُرّية فلا يترك إلا بحجة، بخلاف النسب؛ فإن في قبولهِ مصلحة للصي وثبوتُ حَق لَهُ، وَكَذَا إِنِ ادّعَاهُ الْمُلتقِطُ فِي الأظْهرِ، لأنَّ الأصلَ الْحُرية فلا تُزالُ بمجرَّدِ الدعوى، والثاني: تُقبل ويحكمُ بالرق كيدِ غير الملتقط.

وَلَوْ رَأَينَا صَغِيرًا مُمَيِّزا، أَوْ غَيرَهُ فِي يَدِ مَن يَسْتَرقهُ وَلَم يُعرَفِ استِنَادُها إِلَى الألْتِقاطِ؛ حُكِمَ له بِالرقِّ، أي إذا ادَّعاهُ؛ لأنَّ الظاهرَ ممن في يده؛ ويتصرفُ فيه تصرفَ المالكينَ ولا معارض له ولا سبب يحالُ عليه أنهُ مَلَكَه، ولو كان هذا الصبي منكِرًا فلا أثر له على الأصح، وقيل: إن كان مميزًا احتاجَ إلى البينة، فَإِن بَلَغَ وقال: أَنَا حُر، لَمْ يُقْبَلْ قَوله فِي الأصَحِّ إلا بِبَيِّنَة، لأنا قد حكمنا بِرِقِّهِ في حال الصغر؛ فلا يرفع ذلك الحكم إلا بحجةٍ؛ لكن له تحليف السيدِ، قاله البغوي، والثاني: يُقبل قوله؛ لأنه الآن من أهل القولِ ولا نظر إلى ما حكمنا به قبل، وَمَن أَقَامَ بَينَةَ بِرِقِّهِ عُمِلَ بِها، لظهور فائدتها، ويشْتَرَطُ أَن تَتَعرضَ البَيِّنَةُ لِسَبَبِ المِلْكِ، من إرث وشراء وغيرهما؛ لئلا يعتمد ظاهر يد الالتقاط، وَفِي قَولٍ: يَكْفِي مُطْلَقُ المِلْكِ، كما في الأموال.

فَصل: لَو استَلْحَقَ اللقِيطَ حُر مُسلِمٌ لَحِقَهُ، أي بشروطه السَّالفة في الإقرار؛ لأنه أقرَّ له بحق لا ضرَرَ فيه على غيره فأشبه ما لو أقر لهُ بمال، وقوله (مسُلِمٌ) لكونِ الكافر لا يستلحقُ اللقيطَ المحكومَ بكفرهِ، وإنما ذكره في لقيط محكومٍ بإسلامِهِ؛ وكُلُّ مَنْ جازَ أنْ يكون ذلك اللقيطُ ولدًا لهُ جازَ أنْ يستلحقَهُ، وَصَارَ أوْلَى، الناس،

(•) في النسخة (1): لا يضره.

ص: 1017

بِتَربِيَتهِ، لأنَّ الأبَ أحَقُّ بها من الأجنبي، وَإنِ استَلْحَقَهُ عَبْدٌ لَحِقَهُ، لأنَّ العبدَ كالحر في أمر النسب؛ لإمكان حصولهِ منهُ بالنكاح أو الشبهةِ، وَفِي قَوْلٍ: يُشْتَرَطُ تصدِيقُ سَيدِهِ، لما فيه من الإضرار بالسيدِ بسبب انقطاع الميراث عنه لو أعتقه، وأجابَ الأول: لا عبرة بالإضرار؛ لأنَّ مَنِ اسْتَلْحَقَ ابْنًا وَكَانَ لَهُ أَخ يقبل استلحاقه.

وإنِ اسْتَلْحَقَتْهُ امرَأَة لَم يَلحقها فِي الأصَحِّ، لإمكان إقامة البينة على الولادة من طريق المشاهدة بخلاف الرجل، والثاني: يلحقها، لأنها أحدُ الأبوين فصارت كالرَّجل وأَولى، وعلى هذا إذا لحقها ولها زوجٌ لم يلحقهُ على المذهب، وقيل: وجهان (•)، والثالث: يَلْحَقُ الْخَلِيَّةَ دُونَ الْمُزَوَّجَةِ، لتعذر الإلحَاقِ بها دونه، أَو اثْنَانِ، أي استلحقَهُ، لَمْ يُقدم مُسْلِمٌ وَحُرٌّ عَلَى ذِمِّيٍّ وَعَبْدٍ، لأنَّ كُل واحد من الْحُرّ والعبدِ لو انْفَرَدَ كان أهْلًا فأشبها الْحُرَّينِ، وأما المسلمُ والذمي فلاستوائهما في الاستلحاق وجهاتِ النسَبِ، فَإن لَمْ تَكُنْ بَيِّنَة، عُرِضَ عَلَى الْقائِف، فَيُلْحِقُ مَنْ أَلْحَقَهُ به، لأن لها أثرًا في الانتساب عند الاشتباه كما سيأتي بيانه حيث ذكر المصنف في آخِرِ الدَّعوَى والبَيِّنَاتِ إن شاء الله تعالى، فَإِن لَمْ يَكُنْ قَائِفًا، أي في البلد أو في مسافة القصر، وفسَّره الماوردي بأن لا يوجد في الدنيا، أَوْ تَحيَّرَ، أي وجد ولكن تحير، أَوْ نَفَاهُ عَنْهُمَا، أَوْ أَلْحَقَهُ بِهِمَا؛ أمِرَ بِالانْتِسَابِ بَعدَ بُلُوغِهِ إِلَى مَنْ يَمِيلُ طَبْعُهُ إِلَيهِ مِنْهُمَا، أي بحكم الجِبِلةِ لا بمجرَّدِ التشَهي، وَلَوْ أَقَامَا بَيّنَتَينِ مُتَعَارِضَتَينِ؛ سَقَطَتَا فِي الأظْهرِ، لما ستعلمُهُ في بابِ الدَّعوى والبيّنات، والثاني: لا، والفرقُ أنه في الأموال لَمَّا تكافيا ولم يكن ما يرجِّح أحداهما، سقطتا وهنا أمكن ترجيحُ أحدهما بالقافة فلا يسقطان بل يحكم لمن انضمت إليه بيِّنَةُ القافة.

(•) في النسخة (1) فقط.

ص: 1018