الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الرابع نشأته العلمية ورحلاته
نشأ رحمه الله في بلدته الدرعية مسقط رأسه وعاصمة الدعوة السلفية؛ فقرأ فيها القرآن وحفظه، وتعلم دروسه الأولى، في الكتاتيب المنتشرة في تلك البلدة؛ وربي فيها تربية إسلامية كريمة، في بيت والده وأعمامه، إلى أن بلغ ثمان سنين (1) .
وقد كانت الدرعية حينذاك تعج بحركة العلم والعلماء؛ كما وصفها القحطاني: "أنها كانت كعبة العلم، وموطن الدعوة، ومعهد علماء السلف، وعاصمة الجزيرة العربية"(2) .
ووصفها الشيخ عبد الله البسام بقوله: "
…
إن الدرعية الزاخرة بالعلم، والساطعة بالإيمان، والمشرقة بالدين، والآهلة بالعلماء،
…
أصيبت بالنكبة
…
" (3) .
فهو رحمه الله بعد بلوغه سن التمييز، حصل له رحلة إجبارية، لم تكن في حسبانه، إذ إنه وهو في ذلك العمر المبكر –مع ما كانت تمتاز به بلدة الدرعية من نشاطات علمية واسعة- لم يكن قد حان له وقت ليخرج في طلب العلم. وهكذا توالت رحلاته كما نعرضها لها هنا كالآتي:
أولاً رحلته إلى مصر، سنة (1233هـ) :-
عندما بلغ الشيخ –رحمه الله الثامنة من عمره، حلّت ببلدته الدرعية كارثة كبرى، ومصيبة عظمى، وهي النكبة العثمانية الهمجية العدائية، حيث دمرت بأيدي
(1) الدرر السنية، 12/66. وانظر: الأعلام، للزركلي، 4/182. مقدمة الرسائل المفيدة، بقلم عبد الرحمن بن سليمان الرويشد، ص11.
(2)
المرجع السابق، الدرر، 12/60.
(3)
علماء نجد خلال ستة قرون، 1/63.
السلطة الغازية، وأسقطت حكم البلاد فيها. وكان ذلك بقيادة المجرم الطاغية إبراهيم باشا (1) ابن محمد علي باشا، ومعه جيش كبير من المرتزقة والخونة وأعداء الدولة السلفية (2) فعند ذلك، نقل رحمه الله مع والده وأعمامه وحمولته (3) إلى مصر، وكان نقلهم إلى هناك بأمر وزير الخليفة العثماني على مصر حينذاك محمد علي باشا (4) .
بذلك تمت رحلته المصرية التي لم تكن أساساً رحلة علمية، غير أنها تحولت بفضل الله –تعالى- إلى رحلة علمية، أفاد منها الشيخ رحمه الله وكانت منطلقاً في مسيرته العلمية.
قال الشيخ عبد الله البسام:
"
…
إلا أنه وإن انتقل من مربع من مرابع العلم، ومعهد من معاهده، فقد دخل في مدينة العلم، واستقر في دار من دوره، فهذا الأزهر الشريف تعقد في جنباته وأورقته حلقات التفسير، والحديث، والأصول، وعلوم التفسير، وعلوم الحديث، والفقه وأصوله، وعلوم العربية؛ من النحو، والصرف، والبيان، وغير ذلك، وها هم كبار العلماء متوافرون ليلاً ونهاراً لإمداد الطلاب بمزيد من العلم والعرفان. وها هي المكتبات العامرة بنفائس الكتب وذخائر المراجع، فصار العلم سلوته في غربته، والكتب جليسه في وحدته، والعماء أنسه في وحشته، فصار يتردد بين بيته والأزهر الشريف (5) .
(1) تقدمت ترجمته، في ص29.
(2)
انظر تفاصل ذلك الغزو في: عنوان المجد لابن بشر، 1/196-210.
(3)
الحمولة: بلغة أهل نجد الاصطلاحية تعني: العشيرة.
انظر:: علماء الدعوة، ص47 (الهامش) .
(4)
انظر: الدرر السنية، 12/66. وعلماء الدعوة ص47. علماء نجد خلال ستة قرون، 1/63. مقدمة الرسائل المفيدة، للشيخ عبد اللطيف، ص11-12.
(5)
علماء نجد خلال ستة قرون، 1/63.
وقال أيضاً: "وطالب إقامته فيها حتى بلغت واحداً وثلاثين عاماً، قضاها كلها في العلم، تعلماً، وبحثاً، ومراجعة ومذاكرة، حتى صار من حملة العلم الكبار، وأوعيته الواسعة"(1) .
وبهذا يكون الشيخ رحمه الله قد عوض على مصيبة التهجير، وما لقي من جرائها من آلام وأوجاع، عوضها بما حصل عليه من علم وفضل، فكانت رحلته رمية من غير رام (2) .
ثانياً: عودته إلى نجد سنة 1264هـ:
لما طهرت نجد من الجيش العثماني المحتل بفضل الله تعالى، ثم بفضل الله تعالى، ثم بفضل الإمام تركي من بن عبد الله، الذي هزمهم وطردهم وسكنت بعد فتن مشاري وعبد الله ابن ثنيان، ولانت المحافظة عليهم في مصر من المراقبين، خرج من القاهرة متوجهاص إلى نجد، عن طريق مكة المكرمة. وقد حمل معه عند عودته كتباً كثيرة (3) . وكان الإمام تركي بن عبد الله ابن (مؤسس الدولة السعودية الأولى) الإمام محمد ابن سعود رحمهم الله قد دعاهم إلى العودة من مصر إلى موطنهم الرياض. فسارع والده الشيخ عبد الرحمن بن حسن بالعودة إلى نجد عام 1241هـ. أما ابنه الشيخ عبد اللطيف، فقد تأخر مدة
من الزمن بمصر، حيث كان مشغولاً بطلب العلم. فكان قدومه إلى نجد عام
(1) المرجع السابق، 1/64.
(2)
أصل هذا الكلام مثل، هو:(رب رمية من غير رام) ، أي رب رمية مصيبة، من رام مخطئ. مجمع الأمثال، لأبي الفضل أحمد بن محمد النيسابوري الميداني، نشر دار مكتبة الحياة، بيروت، 1961م/1299، مثل رقم (1581) . جمهرة الأمثال، لأبي هلال الحسن بن عبد الله بن سهل العسكري، ضبط د. أحمد عبد السلام، تخريج محمد سعيد بن بسيوني زغلول، دار الكتب العلمية، بيروت، ط/11408هـ-1988م، 1/399 رقم المثل (881) .
(3)
علماء نجد خلال ستة قرون، 1/64.
1264هـ في عهد الإمام فيصل بن تركي رحمه الله الذي تولى السلطة بعد استشهاد والده الإمام تركي بن عبد الله، رحمه الله (1) .
ثالثاً: رحلته إلى الإحساء سنة 1264هـ:-
بعد عودته رحمه الله إلى الرياض، وجلس لطلاب العلم بها، عَرَف الإمام فيصل ووالده عبد الرحمن (2) -رحمهما الله- غزارة علمه، وسعة اطلاعه، وصفاء عقيدته، وقوة عارضته، وقدرته على المناظرة.
فبعثه الإمام فيصل رحمه الله إلى الإحساء العقيدة السلفية، وبث دعوة التوحيد، ومناظرة علمائها في أصول الدين والعقائد؛ إذ الغالب عليهم حينذاك مذهب الأشاعرة، والرفض، وبدع الجنائز والقبور (3) .
فقدم الشيخ إلى الإحساء سنة 1264هـ، وأقام بها سنتين، يوضح طريقة السلف، ويناظر علماءها، ويقابل الحجة بأقوى منها، فظهر عليهم بالأدلة، وقهرهم بالحجة، فأذعنوا له وأسلموا، فزال ما في نفوسهم من رواسب الشبه وباطل التأويل، وقرر لهم طريقة أهل السنة والجماعة، وما هم عليه في باب الأسماء والصفات (4) . وبعده بسنتين عاد إلى الرياض، حيث استقر. فكانت رحلته إلى الإحساء آخر رحلة خاصة يقوم بها؛ إذا لم يكن خروجه بعد ذلك إلا مرافقاً للإمام فيصل بن تركي، رحمه الله.
(1) انظر: عنوان المجد لابن بشر، 2/20. علماء نجد ستة قرون، 1/64، مشاهير علماء نجد وغيرهم، ص94.
(2)
وكانا هما القائمين على تسيير شؤون البلاد حينذاك، في كلتا الناحيتين، السياسية، والدينية.
(3)
تقدم كلام الشيخ عبد الله البسام في وصف الإحساء، ص59.
(4)
علماء الدعوة، ص48. علماء نجد خلال ستة قرون، 1/65.