الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القسم الأول: الدراسة
الباب الأول: عصر المؤلف وحياته
الفصل الأول: عصر المؤلف
المبحث الثالث: الحالة الدينية
…
المبحث الثالث الحالة الدينية
منذ أن تعاهد الأمير محمد بن سعود مع محمد بن عبد الوهاب سنة (1158هـ) وتحالفا (1) على تطهير جزيرة العرب من البدع والخرافات، ونشر كلمة التوحيد وحمايتها، دخلت نجد أو بالأحرى الدرعية مع سائر الإمارات الأخرى في حرب دينية دامية؛ كما فعل حاكم الإحساء ابن عريعر الخالدي، وحاكم نجران السيد حسن ابن هبة الله، اللذان تحالفا عام (1178هـ) ، على الزحف على الدرعية؛ للقضاء على مهد الدعوة الدينية، وكسر شوكة دعاتها (2) . وأمثال أولئك كثيرون. غير أن ذلك لم يثن أبناء سعود المتعاقبين على حكم البلاد السعودية، عن التمسك بمبدأ حماية الدين ونصرة عقيدة التوحيد، وجعلها أساساً للحكم.
فبعد وفاة الإمام محمد بن سعود (1179هـ) تولى الأمر بعده أكبر أولاده الأمير عبد العزيز بن محمد (ت1218هـ) فسار على خطة أبيه في التعاون مع الشيخ محمد بن عبد الوهاب (ت1206هـ) ، في تجديد الدعوة، وإعلاء كلمة الله (3) .
ويمكن تلخيص الحالة الدينية في العصر الذي عاشه الشيخ عبد اللطيف رحمه الله في الآتي:
أولاً: حال الدرعية:-
(1) انظر التحالف بين محمد بن سعود، ومحمد بن عبد الوهاب، على نشر الدعوة: جزيرة العرب، لحافظ وهبة، 223. قلب الجزيرة، لفؤاد حمزة، ص235. الأعلام للزركلي، 6/138. تاريخ نجد المسمى (روضة الأفكار) 1/80-81. الدرعية، لابن خميس، ص163.
(2)
جزيرة العرب في القرن العشرين، ص223-224.
(3)
المرجع السابق، ص224.
فقد كانت الدرعية -مسقط رأس الشيخ- مركزاً لحماية الدين ونشر الدعوة، فهي كما وصفها الشيخ عبد الله البسام بقوله:
(
…
والدرعية حينئذٍ كعبة العلم، وموطن الدعوة، ومعهد علماء السلف، وعاصمة الجزيرة العربية، وعرين الليوث السعوديين من حماة الدين وذادة الملة الإسلامية
…
) (1) .
ووصفها أيضاً -عند ترجمته للشيخ عبد اللطيف- بقوله:
(إن الدرعية الزاخرة بالعلم، والساطعة بالإيمان، والمشرقة بالدين، والآهلة بالعلماء
…
) (2) .
فمن ذلك يمكننا معرفة المكانة الدينية، التي كانت تمتاز بها تلك البلدة.
أما بعد سقوطها في أيدي الغزاة المصريين والأتراك، فقد انقلب الحال رأساً على عقب؛ حيث انعدم فيها -وفي سائر المناطق النجدية التي وقعت في أيدي الطغاة- كثير من مظاهر الدين، وصار أهلها -كما قال ابن بشر-:"وهجر كثير منهم الصلاة وأفطر في رمضان، وجر الربا والغناء في المجالس، وسفت الذراري على المجامع والمدارس، واندرس السؤال عن أصول الإسلام وأنواع العبادات، وظهرت دعوى الجاهلية في كل البلاد"(3) .
ثانياً: حال الإحساء:-
أما في منطقة الإحساء، فكانت الأحوال الدينية مختلفة تماماًَ عما كانت عليها في الدعية، فقد كان فيها خليط من العقائد والآراء.
وقد وصف الشيخ عبد الله البسام ما كانت عليه هذه المنطقة من أحوال دينية فقال:
(1) علماء نجد خلال ستة قرون، 1/56.
(2)
المرجع السابق، 1/63.
(3)
عنوان المجد، 2/4.
(
…
ولما استولى الإمام فيصل على الإحساء، وكان فيها خليط من العقائد والآراء، فالرافضة (1) لهم شوكة، وعلماء الشافعية والمالكية أشاعرة (2) ، وعلماء الأحناف ماتريدية (3) ، وتشترك هذه الطوائف كلها في وسائل الشرك؛ من نحو تعظيم القبور، والغلو في الصالحين، والبدع؛ من نحو الموالد، ومراسم الموت، والجنائز.
(1) الرافضة: هم الذين رفضوا زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (وذلك أنهم طلبوا إليه أن يتبرأ من أبي بكر وعمر رضي الله عنهما فلم يفعل، فرفضوه وتفرقوا عنه، فقال لهم زيد: رفضتموني؟ قالوا نعم. فبقي عليهم هذا الاسم. ومن أهم معتقداتهم: "التقية" والقول بالنص على إمامة علي، والبراءة من أبي بكر وعمر –رضي الله عنهما، وموالاة أهل البيت.
انظر: مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين، لأبي الحسن بن علي بن إسماعيل الأشعري (ت330هـ) ، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، طبع ونشر مكتبة النهضة المصرية بالقاهرة، ط2/، 1389هـ-1969م، 1/89. والفرق بين الفرق، لعبد القاهر بن طاهر البغدادي الإسفراييني (ت429هـ) ، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، نشر دار المعرفة، بيروت، لبنان، ص21. والحجة في بيان المحجة، وشرح عقيدة أهل السنة، للإمام الحافظ قوام السنة أبي القاسم إسماعيل بن محمد بن الفضل التيمي الأصبهاني (ت535هـ)، تحقيق ودراسة: محمد بن ربيع ابن هادي المدخلي، دار الراية للنشر والتوزيع، الرياض، ط/1، 1411هـ-1990م، 2/487.
(2)
الأشاعرة: طائفة من أهل الكلام، ينتسبون إلى أبي الحسن الأشعري. وهذا اللفظ ينصرف عند الإطلاق إلى أولئك الذين اتبعوه في فترة انتسابه إلى ابن كلاب؛ لذا قد نطلق عليهم أحياناً (الأشعرية والكلابية) .
وهم يفروقون بين صفات الله؛ فيجعلون منها سبع صفات، يسمونها صفات المعاني، وهي:(الحياة، والعلم، والإرادة، والقدرة، والسمع، والبصر، والكلام) .
أما بقية الصفات، فإنهم يوافقون المعتزلة في تأويلها، الخبرية منها والفعلية، وهو تأويل يفضي إلى نفيها، بحيث لا يثبتون إلا لازمها، فيقولون مثلاً: المراد بالرحمة الإنعام، وهكذا في جميع الصفات.
انظر: الصفات الإلهية في الكتاب والسنة النبوية في ضوء الإثبات لمحمد أمان ابن علي الجامي، ط1، 1408هـ، ص139-220.
(3)
الماتريدية: فرقة كلامية تنتسب إلى إمامها أبي منصور الماتريدي الحنفي المتكلم، المتوفى سنة (333هـ) . من أهم معتقداتهم: التأويل، وأن ظواهر نصوص الصفات، موهمة للتشبيه، وأنها ظنية لا تثبت بها العقيدة.
انظر: الماتريدية وموقفهم من توحيد الأسماء والصفات، لشمس الدين محمد أشرف، رسالة ماجستير على الآلة الكاتبة، ص5.
فكان الشيخ عبد اللطيف هو المختار لمقابلة، مثل هؤلاء، ومحاربة أمثال هذه الأمور، فبعثه الإمام إليهم" (1) .
فهنا نجد الأمير فيصل بن تركي قد انتدب الشيخ عبد اللطيف لمهمة مقابلة أولئك القوم، ومناقشتهم وردهم إلى جادة صوابهم، فوفق لذلك رحمه الله.
ثالثاً: الاستمرار في ظهور معارضين لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وحركتهم في ذلك:-
منذ أن ظهرت دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب الإصلاحية السلفية، برز كثير من المعارضين لها في شتى أنحاء شبه الجزيرة العربية وخارجها، قاموا ببث سموم الفساد والتضليل، وجردوا أنفسهم للدعوة إلى البدع والخرافات، وألفوا في ذلك مؤلفات. كان من ضمن أولئك:
1-
داود بن جرجيس العراقي (2) : وقد كان لهذا يد في الإفساد والتضليل حينما استوطن نجداً، فالتف حوله من أخذ عنه، فكان رائد التضليل. وألف كتاب:(صلح الإخوان من أهل الإيمان، وبيان الدين القيم في تبرئة ابن تيمية وابن القيم) .
ويحتوي هذا الكتاب على خبث كامنٍ، وسمٍّ دفين؛ إذ إن من اطلع على عنوان هذا الكتاب، قد يحسبه ضمن الكتب المناصرة لعلماء الدعوة، والواقع أنه دافع فيه عن
(1) علماء نجد خلال ستة قرون، 1/65.
(2)
هو داود بن سليمان بن جرجيس البغدادي، النقشبندي الخالدي، من أهل بغداد، ولد سنة (1231هـ) قام برحلات إلى الحجاز والشام، وله مناظرات مع السلفيين، حيث دعا إلى الاستعانة والاستغاثة بقبر أبيه، والاستمداد من الأموات، وألف في ذلك كتاب: صلح الإخوان، والمنحة الوهابية في الرد على الوهابية، ورسائل مشتملة على الهذيان والكذب والبهتان، توفي يوم الاثنين، 19 من رمضان، سنة (1299هـ) .
انظر ترجمته: المسك الأذفر في نشر مزايا القرن الثاني عشر والثالث عشر، لأبي المعالي محمود شكري الآلوسي، تحقيق عبد الله الجابوري، دار العلوم، الرياض، 1402هـ/1982م، ص459 -462. والدر المنتثر في رجال القرن الثاني عشر والثالث عشر، لعلي علاء الدين الآلوسي، تحقيق: جمال الدين الآلوسي، وعبد الله الجابوري، وزارة الثقافة والإرشاد، دار الجمهورية، بغداد، 1387،1967م، ص174. أعلام الزركلي. معجم المؤلفين، 4/236.
الاستغاثة بالأموات، وضلل معارضي ذلك، ونقل فيه خمسين موضعاً من كتب ابن تيمية وابن القيم وغيرهما، يزعم أنها تشهد له على استحباب دعاء الموتى والاستغاثة بهم.
2-
عثمان بن منصور (1) ، وكان طاغية من أهل البدع، ألف في السبّ وشتم شيخ الإسلام ومجدد الدعوة السلفية محمد بن عبد الوهاب كتاباً سماه (جلاء الغمة من تكفير هذه الأمة) ، والمراد بالأمة عنده، عبدة الأصنام، فانتصر لهم فيه، وضلل أهل التوحيد (2) .
3-
يوسف بن إسماعيل النبهاني (3) صاحب كتاب شواهد الحق في الاستغاثة بسيد الخلق، والرائية الصغرى، وغيرهما، أظهر فيها حملة عنيفة على من سماهم وهابيين.
(1) عثمان بن عبد العزيز بن منصور بن أحمد، الناصري العمري، ولد في الفرعة وقراء على علماء سدير، ثم سافر إلى العراق وقرأ على علمائها، ومن أشهرهم داود بن جرجيس، شرح كتاب التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب، سماه:(فتح الحميد، شرح كتاب التوحيد)، قال الشيخ عبد اللطيف: والرجل فيه رعونة
…
حتى إنه كتابه الذي زعم أنه شرح على التوحيد، رأيت فيه من الدواهي والمنكرات ما لا يحصيه إلا الله
…
" وكان متردداً في اتجاهه العقائدي. تولى قضاء حائل وسدير، (ت1282هـ) .
(2)
انظر: تذكرة أولي النهى والعرفان 1/226. علماء الدعوة، ص49-50. مقدمة دلائل الرسوخ، ص3-7.
(3)
هو يوسف بن إسماعيل النبهاني، عمل في القضاء والصحافة، له عدة كتب، تمضنت الطعن والافتراءات على من سماهم وهابيين؛ لمنعهم الاستغاثة بالموتى؛ مثل كتاب:"شواهد الحق في الاستغاثة بسيد الخلق، وله الرائية الصغرى"، رد عليه الإمام أبو المعالي الآلوسي في "الآية الكبرى"(ت1350هـ) .
انظر ترجمته: الأعلام للزركلي، 8/218. مجلة المنار، م13، ج10، ص797.
فقام في مقابلة هؤلاء، علماء سلفيون دعاة، وأخذوا يردون على ما يبثه أولئك الطغاة من مفتريات حول دعوة الحق، والعقيدة الصحيحة، ويفندون مزاعمهم؛ فألفوا في ذلك مؤلفات، كان من أهمها:
ردود العلماء على كتاب ابن جرجيس (صلح الإخوان) المتقدم، فقد تصدى للرد على هذا الكتاب، جملة من العلماء؛ هم:
أ- الشيخ العلامة عبد الرحمن بن حسن -والد الشيخ عبد اللطيف- الذي قام بالرد والردع على شبهات هذا المفتري، وذلك في كتاب سماه:(القول الفصل النفيس) .
ب- ابنه عبد اللطيف بن عبد الرحمن الذي تبعه في الرد على تلك الشبه، وذلك في كتابه:
(منهاج التأسيس والتقديس في كشف شبهات داود بن جرجيس)(1) . إلا أن المنية عاجلته فلم يكلمه.
ج- العلامة العراقي السيد محمود شكري الآلوسي (ت1342هـ) الذي قام بعد وفاة الشيخ عبد اللطيف، بإكمال ما بدأه الشيخ من الرد، تتمة للفائدة، وذلك في كتاب سماه:(فتح المنان في الرد على صلح الإخوان تتمة منهاج التأسيس) .
د- الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد العزيز أبو بطين (ت1282هـ) الذي قام بالدور نفسه، في كتابه:(تأسيس التقديس في الرد على ابن جرجيس) ، وكتاب (الانتصار في الرد على ابن جرجيس) أيضاً (2) .
هـ- (تحفة الطالب والجليس في الرد على داود بن جرجيس) ، وهو أيضاً كتاب
(1) انظر: هدية العارفين، 1/619. إيضاح المكنون، 2/585.
(2)
انظر: علماء نجد خلال ستة قرون، 2/574. ومقدمة كتاب: منهاج التأسيس والتقديس في كشف شبهات داود بن جرجيس، للشيخ عبد اللطيف (1293هـ) ، دار الهداية، للطبع والنشر والترجمة، الرياض، ص/2، 1407هـ-1987م. ص5.
للشيخ عبد اللطيف، رد به على ابن جرجيس.
و (دلائل الرسوخ في الرد على المنفوخ) ، وهو كتاب رد به الشيخ عبد اللطيف أيضاً، على مفتريات داود بن جرجيس.
ومن الكتب التي ظهرت في الرد على دعاة الضلالة أيضاً:
كتاب مصباح الظلام (1) ، الذي رد به الشيخ عبد اللطيف على كتاب عثمان بن منصور "كشف الغمة" المتقدم ذكره.
وبهذا نختم ملخص ما كان عليه عصر المؤلف، من النواحي السياسية، والاجتماعية، والدينية.
(1) سيأتي ذكره ضمن مؤلفات الشيخ.
المبحث الثاني الحالة الاجتماعية
كانت الجزيرة العربية مقسمة إلى مناطق عدة وأمارات تضم القبائل العربية التي أصبحت مستقرة، ولم تكن الحالة الاجتماعية في إقليم نجد تختلف عما كان سائداً ذلك الوقت في شبه الجزيرة العربية؛ فكانت القبيلة هي الوحدة الاجتماعية الأساسية، لكل قبيلة بدوية كبيرة أمير أو شيخ، يمتد نفوذه حسب كفاءته الشخصية، وهمته وقوته وهو عادة أوفر أفراد القبيلة ثراء (1) .
وكانت أسرة آل سعود في نجد على رأس تلك المناطق، وكان سعود بن عبد العزيز، يمنح مشايخ البدو الكبار، الذين تتبعهم قبائل صغيرة، لقب أمير الأمراء.
وكانت الإمارات الرئيسية هي: الإحساء، والعارض، والقصيم، والوشم، والسدير،، ووادي الدواسر، وجبل شمر، والحرمين، والخرج، والقطيف، وجهات عمان. فتلك كانت المناطق التابعة لحكم آل سعود في عهد سعود بن عبد العزيز (ت1229هـ) ، وكان ما بعده امتداداً لذلك، إلى أن حدث التغيرات السياسية، التي سببها الأطماع الخارجية، والنزاعات والنعرات الداخلية، كما تقدم ذكرها.
وكان لسعود من القوة والنفوذ، بحيث يستطيع عزل من يريد من زعماء القبائل وأمراء المناطق، ولكنه بصفة عامة كان يثبت من اختاره العرب لأنفسهم (2) .
وكان بين أفراد القبيلة البدو الرحل، والحضر المستقرون. أما البدو فإنهم يتنقلون بأغنامهم وإبلهم وراء المرعى حيثما وجد، ويجوبون المناطق؛ بحثاً لسبيل رزقهم وهذه،
(1) جزيرة العرب في القرن العشرين، ص223. موارد لتاريخ الوهابيين، ص42-43. الدولة السعودية الأولى (1158-1233) ط/2، لعبد الرحيم بن عبد الرحمن بن عبد الرحيم، 1975م، ص20-21.
(2)
انظر المرجع السابق: موارد، ص41-42.
الحياة كانت في كثير من الأوقات سبباً في تقاتل القبائل من أجل المرعى ومصادر المياه (1) .
أما الحضر فكانوا هم سكان الواحات والقرى، فكانت لهم صفة الاستقرار، غير أن حياتهم كانت متأثرة بحياة البدو؛ لما بينهم من صلات المصاهرة والقربى والتجارة.
أما طبائعهم، فكانت تختلف حسب المناطق التي يعيشون فيها وظروف الحياة التي يعيشونها (2) .
أما منطقة نجد فكانت مقر أمراء آل سعود، وكانت أهم العشائر النجدية: آل مرة، وبنو خالد، والعجمان في الشرق، وقحطان في الجنوب والجنوب الغربي، وسبيع والسهول في الغرب، ومطير في الشمال الغربي، وشمر في الشمال، وعتيبة في الشمال الغربي، وحرب في الشمال الشرقي، وعَنَزة في الشمال الشرقي أيضاً (3) .
وكان من صفات أهل نجد التجارة؛ فإن كثيراً منهم كانوا يسافرون إلى أطراف الروم وبقية جزيرة العرب، كما كان يأتيهم عن طريق القطيف والبحر شيء كثير (4) .
وكان أهل عنيزة في القصيم، وأهل الرياض، أكثر السكان حضارة، وأقلهم سكاناً وادي الدواسر والسليّل.
ولم يكن النور الكهربائي معروفاً، وكان السكان يستعملون مصابيح تضاء بالبترول، وهي واردة إليهم من الخليج أو الحجاز، وأواني الطبخ من النخاس غالباً، ويصنع البعض أنواع الفخار في نجد. وكانت خدمات الملابس كلها ترد من الخارج، إلا ما يصنع من الصوف وكذلك المصنوعات الجلدية ترد من الخارج إلا ما يلزم
(1) الدولة السعودية الأولى (1158-1233هـ) ، ص20-21.
(2)
الدول السعودية الأولى (1158-1233هـ) ، ص21.
(3)
انظر: جزيرة العرب في القرن العشرين، لحافظ وهبة، ص46-47.
(4)
الدولة السعودية الأولى (1158-1233هـ) ، ص22
لقراب المياه، والدلاء، والسرج، والنعال؛ فإنها كانت تصنع في نجد (1)(2) .
أما الدرعية -العاصمة- على وجه الخصوص، فكانت ذات شأن كبير، ومد وفير، تغص بالأموال، وتزدهر بالأعمال، وتزهو بالمباني الفاخرة، وكان بها أسواق متعددة (3) .
وبعد سقوطها في أيدي الغزاة الأتراك والمصريين، وفي عهد خالد باشا بالتحديد، انتشرت الفوضى، وقطعت الطريق، ونهب السفر، وكثرت الغارات؛ لكل من أنس من نفسه القوة، عدا على الضعيف ينهبه، وكل من عضه الجوع هب كالمجنون، يدفعه بالسلب، فلا يتورع في قتل نفس من أجل لقمة يسد بها السغب، وأصبح الناس أوابد ضارية، يفترس القوي منها الضعيف، لا قائد يقودها إلى الخير، ولا سلطان للفضيلة عليهم، ولا رادع من دين أو من خلق (4) .
وقد وصف ابن بشر حال نجد الاجتماعية، في فترة ما بعد سقوط الدرعية إلى قيام تركي بن عبد الله، وذكر بأن نظام الجماعة انحل، وتطايرت شرر الفتن، في تلك الأوطان وتعذرت الأسفار بين البلدان، وعاثت فيها العساكر المصرية، فقتلوا صناديد الرجال، وصادروا أهلها فأخذوا ما بأيديهم من الأموال، وقطعوا الحدائق، وهدموا القصور العاليات، وصار أهل نجد بينهم أذل من العبيد، وتفرقت علماؤهم وخيارهم ما
(1) هكذا كان الأمراء في ذلك الوقت، أما الآن -وفي ظل النهضة الحديثة- فقد تطورت الحياة تطوراً سريعاً وباهراً في جميع ربوع المملكة، لا سيما في عهد خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله ونصر به الإسلام والمسلمين- وذلك من حيث التطور المعماري، وفي الحياة الأسرية والمنزلية، أو الاجتماعية عموماً. فمدينة الرياض وغيرها من المدن في المملكة العربية السعودية -حالياً- غيرها في البلاد الأخرى، بل قد تمتاز على كثير منها في بلدان العالم؛ وهذا –بفضل الله وحده، وتوفيقه للساهرين على هذا النمو المطرد.
(2)
انظر: جزيرة العرب في القرن العشرين، ص47-48.
(3)
انظر: تذكرة أهل النهى والعرفان، 1/55،92، الدرعية، ص408-409.
(4)
انظر: صقر الجزيرة، 1/66.
بين طريد وشريد، وظهر المنكر، وعدم المعروف، وصار الرجل في جوف بيته مخوفاً، وتتابعت هذه المحن في تلك الجزيرة نحو أربع سنين، والشر فيها في زيادة وظهور وتمكين، حتى أنعش الله -تعالى- أهل نجد بشبل من أشبال ملوكها؛ الأمير تركي بن عبد الله بن محمد بن سعود (1) .
هذا ملخص الحالة الاجتماعية في عصر الشيخ عبد اللطيف.
(1) انظر: عنوان المجد، 2/4-5.