الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومقتضى ما قال القرطبي في حديث أبي موسى (حجابه النور أو النار) 1: وأن هذا حجاب منفصل عن نور الذات، لكنه يجري في هذه المباحث على طريقة المتكلمين فيما جاء في هذا الباب من صفات الكمال ونعوت الجلال2.
1 تقدم تخريجه ص334.
2 انظر مقتضى كلام القرطبي هذا في التذكرة بأحوال الموتى والآخرة ص590، حيث قال:(فيكشف الحجاب) فمعناه: فيرفع الموانع من الإدراك عن أبصارهم حتى يروه على ما هو عليه) . التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة لشمس الدين أبي عبد الله محمد بن أحمد ابن أبي بكر بن فرج الأنصاري القرطبي (671هـ) تحقيق د. أحمد حجازي السقا، نشر مكتبة الكليات الأزهرية، طبعة مصر 1400هـ، 1980م، ج2/590.
المسألة السادسة: عن قوله تعالى: {قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا
…
وأما المسألة السادسة 3: عن قوله تعالى في قصة شعيب: {قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا} 4، وقال السائل. "وهم لم يدخلوا فيها فاعلم أنّ المسألة شاعت وذاعت واشتهرت وانتشرت، والخلاف فيها قديم بين أهل السنة والمعتزلة5، وبين أهل السنة بعضهم لبعض، والذي
3 وردت هذه المسألة في الدرر السنية 10/86-90.
4 سورة الأعراف الآية (88) .
5 الخلاف المشار إليه هنا، الواقع بين أهل السنة والمعتزلة، هو معنى (العودة) لنبي الله شعيب عليه السلام وقومه إلى ملة الكفر، وهم لم يدخلوا فيها. أي كيف جاز القول بعودته إلى الكفر، وهو أصلاً لم يكن كافراً؟
فهذه المسألة مبنية على مسألة عصمة الأنبياء، فالجميع متفقون على أن الأنبياء معصومون من الكفر والذنوب والمعاصي بعد النبوة. ويختلفون في: هل يجوز كون النبي في ملة قومه وعلى مذهبهم قبل البعثة؟
فمذهب أهل السنة والجماعة: هو ما ذكره الشيخ عبد اللطيف هنا، وساق عليه أقوال العلماء. وهو: أن علماء السنة يفرقون بين حال النبي محمد صلى الله عليه وسلم وبين غيره من الأنبياء، فهو عليه الصلاة والسلام قد عصم قبل النبوة حيث يغض إليه ما كان عليه قومه من الشرك بالله تعالى. أما غيره من الأنبياء فإنه لا يستحيل كون أحدهم في ملّة قومه قبل النبوة، وأنه لا يلزم من ذلك كونهم عبدوا الأصنام، بل يظلون على السكوت وعدم التعرض لقومهم قبل النبوة. وعلى هذا يكون معنى العودة في الآية {أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا} : عود إلى ما كانوا عليه من السكوت وعدم التعرض لهم قبل البعثة. [انظر: تفسير القاسمي 7/2815 وعصمة الأنبياء والرد على الشبه الموجهة إليهم، د. محمد أبو النور الحديدي، مطبعة الأمان بمصر 1399هـ 1979م، ص66] .
أما عند المعتزلة: فإن كون النبي في ملة الكفر قبل النبوة، أمر مستحيل وفاسد.
قال الزمخشري في الكشاف: (والأنبياء يجب أن يكونوا معصومين قبل النبوة وبعدها، عن الكبائر والصغائر الشائنة، فما بال الكفر والجهل بالصانع، وكفا بالنبي نقيصة عند الكفار أن يسبق له الكفر) الكشاف للزمخشري 4/265. وعلى قول المعتزلة، يكون معنى العود في الآية {أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا} على أحد معنيين:
أولهما: أن يكون العود بمعنى الصيرورة، أي لتصيرنّ كفّاراً مثلنا، فيكون عود على معنى الابتداء.
ثانيهما: أن يكون نسبة العود إلى النبي على التغليب، أي المراد عود قوم شعيب إلى ملتهم، فقد كانوا قبل إيمانهم كفاراً، فلما خوطبوا بالعود وفيهم شعيب، غلب الجماعة على الواحد، فجعلوا عائدين جميعاً، إجراءً للكلام على حكم التغليب. انظر المعنيين في: الكشاف للزمخشري 2/95-96، 370، تفسير النسفي، لأبي البركات عبد الله بن أحمد بن محمود النسفي، دار إحياء الكتب العربية، الحلبي بمصر 2/257. عصمة الأنبياء للإمام فخر الدين الرازي (ت543) نشر المكتبة الإسلامية بحمص –سوريا، ص3، 43. عصمة الأنبياء للحديدي ص 66وقد أشار فخر الدين الرازي إلى مذهب المعتزلة هذا بقوله: (إنّ قولهم {أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا} يدل على أنه صلى الله عليه وسلم كان على ملّتهم التي هي الكفر، فهذا يقتضي أنه صلى الله عليه وسلم كان كافراً قبل ذلك، وذلك في غاية الفساد) . (التفسير الكبير للإمام فخر الدين الرازي ط/3، دار إحياء التراث العربي، بيروت لبنان، 14/177) وانظر أيضاً 19/100.
روى ابن أبي حاتم1 عن عطية2 عن ابن عباس3 كانت الرسل والمؤمنون
1 هو عبد الرحمن بن محمد بن إدريس بن المنذر التميمي، أبو محمد بن أبي حاتم الحافظ، ولد عام (240هـ) له مصنفات منها: المسند، والجرح والتعديل وتفسير، والرد على الجهمية، وغيرهما (ت327هـ) .
انظر تذكرة الحفاظ 3/829؛ طبقات السبكي 3/324؛ سير الأعلام 12/263.
2 عطيّة بن بقية بن الوليد الحمصي، مكثر عن والده، قال الذهبي: حدث عنه: أبو عوانة وابن أبي حاتم، وعبد الله بين أحمد بن حنبل وغيرهم. (ت256هـ) .
انظر: سير الأعلام 12/521.
3 هو عبد الله بن عباس حبر الأمة، صحب النبي صلى الله عليه وسلم (ت68هـ) . أسد الغابة 3/290، تذكرة الحفاظ 1/40.
تستضعفهم قومهم ويقهرونهم ويدعونهم إلى العودة إلى ملّتهم، فأبى الله لرسله والمؤمنين أن يعودوا في ملّتهم وفي ملّة الكفر، وأمرهم أن يتوكلوا عليه"1. وقد رواه السدي2 عن أشياخه، وتأوله عطية على أنه العود إلى السكوت3 كما كان الرسل قبل الرسالة؛ وأنهم كانوا أغفالاً قبلُ، أي لا علم بما جاءهم من عند اله، قال: وذلك عند الكفار عود في ملتهم.4
وهذا الذي رأيته منصوصاً عن أئمة السلف، وأما من بعدهم كابن الأنباري5 والزجاج6 وابن الجوزي7 والثعلبي8 والبغوي9، فهؤلاء يُؤَّوِّلون
1 الدر المنثور للسيوطي 4/72.
2 تقدمت ترجمته في ص251.
3 المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، لأبي محمد عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت546هـ) .
4 انظر المحرر الوجيز 7/111، 10/71.
5 هو محمد بن القاسم بن بشار أبو بكر، ابن الأنباري المقرئ، الحافظ اللغوي، ولد عام (272هـ)، له تصانيف منها: كتاب الوقف والابتداء، وكتاب المشكل، وشرح المفضليات وغيرها. (ت304هـ) .
انظر تاريخ بغداد 3/181؛ وتذكرة الحفاظ 3/842؛ وسير الأعلام 15/274.
6 إبراهيم بن محمد بن السري الزجاج، نحوي زمانه، أبو إسحاق البغدادي، صاحب كتاب "معاني القرآن"(ن311هـ) .
انظر تاريخ بغداد 6/89؛ وسير الأعلام 14/360؛ ومعجم الأدباء 1/130.
7 هو عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي، أبو الفرج القرشي البغدادي، الحافظ المفسر، صاحب المصنفات منها: زاد المسير، وجامع المسانيد، وتلبيس إبليس، وغيرها (597هـ) .
انظر: تذكرة الحفاظ 4/1342، وسير الأعلام 21/365.
8 هو أحمد بن حيى بن يزيد الشيباني، أبو العباس، المحدث، إمام النحو، صاحب الفصيح، وتصانيف أخرى، (ت291هـ) .
انظر تاريخ بغداد 5/204؛ وتذكرة الحفاظ 2/666؛ وسير الأعلام 14/5.
9 هو الحسين بن مسعود بن محمد، أبو محمد البغوي، الشافعي المفسر، صاحب التصانيف، منها: شرح السنة، ومعالم التنزيل، والمصابيح وغيرها. (ت516هـ) .
انظر: تذكرة الحفاظ 4/1259، وسير الأعلام 19/439، طبقات السبكي 7/75.
ذلك على معنى: لتصيرنّ ولتدخلنّ، وجعلوه بمعنى الابتداء1 لا بمعنى الرجوع إلى شيءٍ قد كان؛ وأنشدوا على ذلك ما اشتهر عنهم في تفاسيرهم كقول الشاعر:
فإن تكن الأيام أحسنَّ مرَّة
…
إليَّ لقد عادت لهنّ ذنوب2
وكقوله:
وما المرء إلاّ كالشهاب وضوئه
…
يحور رماداً بعد ما كان ساطعاً3
وقول أُميَّة4:
تلك المكارم لا قعبان5
…
.......................................................
1 وقد فسره بذلك أيضاَ القرطبي في تفسيره 7/159، وقال الرازي:(العود في كلام العرب يستعمل كثيراً بمعنى الصيرورة، يقولون: عاد فلان يكلمني، عاد لفلان مال) . مسائل الرازي من غرائب آي التنزيل، لمحمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي، تحقيق إبراهيم عطوه عوض، مطبعة الحلبي بمصر، ط/1،1381 هـ،1961م، ص159. وانظر تفسير الخازن المسمى (لباب التأويل في معاني التنزيل) لعلاء الدين على بن محمد بن إبراهيم البغدادي، الشهير بالخازن (ت725هـ) وبهامشه تفسير البغوي ط/2، 1375هـ، 1955م، طبعة الحلبي 2/263.
2 البيت لكعب بن سعد الغنويّ، ضمن قصيدة قالها في رثاء أخيه. وهي من جمهرة أشعار العرب لأبي زيد محمد بن الخطاب القرشي (170هـ) ، دار صادر بيروت، لبنان ص251. وورد البيت في أمالي المرتضى غرر الفوائد ودرر القلائد، للشريف المرتضى علي بن الحسين الموسوي العلوي (355-436) تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، دار إحياء الكتب العربية، عيسى البابي الحلبي، ط/1، 1373هـ -1954م؛ 1/375. وفيه: "وإن تكن" بدل "فإن"؛ و "فقد" بدل "لقد".
3 البيت للبيد بن أبي ربيعة، قاله يرثي أخاه أربد.
انظر ديوان لبيد بن ربيعة العامري، دار صادر، بيروت، ص88. وفيه:
وما المرء إلاّ كالشهاب وضوئه
…
يحُور رماداً بعد إذ هو ساطع4
أميّة بن عبد العزيز الصلت الداني الطبيب الشاعر الجاهلي المجوّد، صاحب الكتب ولد سنة (460 هـ) ، سكن الإسكندرية. (ت528هـ) . سير الأعلام 19/634، شذرات الذهب 4/83-85.
5 قعبان: تثنية قعب، وهو القدح الضخم، الغليظ، وقيل: قدح من خشب مقعّر. لسان العرب 1/683 مادة (قعب) .
...........من لبن /شيبت/1
…
بماء /فعادت/2 بعد أبوالا3
وأمثال ذلك مما يدل على الابتداء4. وبعضهم أبقاه على معناه، وقال: هو التغليب، لأنّ قومهم كانوا في ملّة الكفر فغلب الجمع على الواحد.5
لكن تعب ذلك شيخ الإسلام /ابن تيمية/6 -رحمه الله تعالى- فقال: وأما التغليب فلا يأتي في سورة إبراهيم.7
وأما جعلها بمعنى الابتداء والصيرورة، فالذي في الآيات الكريمة، عود مقيد بالعود في ملّتهم؛ فهو كقول النبي صلى الله عليه وسلم " العائد في هبته كالعائد في قيئه"8........
1 في النسخ (شيباً) والتصويب من الديوان.
2 في جميع النسخ (فعادا) والتصويب من الديوان.
3 البيت لأمية بن أبي الصلت، ديوان أمية بن أبي الصلت، جمع وتحقيق ودراسة عبد الحفيظ السلطي، ط/2، 1977م ص459.
4 انظر: معاني القرآن وإعرابه، لأبي إسحاق إبراهيم بن السري الزجاج (311هـ) تحقيق د. عبد الجليل عبد، عالم الكتب بيروت ط/ 1،1988م، 2/355. معاني القرآن لأبي جعفر النحاس (ت338هـ) تحقيق الشيخ محمد علي الصابوني، شركة مكة للطباعة، ط/1، 1409هـ، 1988م 3/54. الجواهر الحسان في تفسير القرآن، لعبد الرحمن الثعالبي تحقيق د. عمار الطالبي، المؤسسة الوطنية للكتاب، الجزائر 1985م، 2/48؛ تفسير البغوي 2/181؛ زاد المسير 3/231؛ التفسير الكبير للرازي 14/177، المحرر الوجيز لابن عطية 7/110؛ الكشاف للزمخشري 2/95.
5 زاد المسير 3/230، وتفسير أبي السعود 3/248، والكشاف للزمخشري 2/96. تفسير الخازن 2/262.
6 ساقط في (د) .
7 مجموع الفتاوى 15/29. ويريد بما في سورة إبراهيم، قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ} [إبراهيم: 13] .
8 صحيح البخاري مع الفتح 5/277، الهبة، باب لا يحل لأحد أن يرجع في هبته، صحيح مسلم بشرح النووي 11/72، الهبات، باب تحريم الرجوع في الصدقة والهبة، سنن أبي داود 3/808، البيوع، باب الرجوع في الهبة، سنن النسائي 6/266، الهبة، باب رجوع الوالد فيما يعطي ولده، سنن ابن ماجة 2/52، الأحكام، باب الرجوع في الهبة.
وقوله: "
…
ومن /يكره/1 أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه".2 وقوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ} 3 فالعود في مثل هذا الموضوع عود مقيد، صريح بالعود إلى أمر كان عليه الرسل وأتباعهم، لا يحتمل غير ذلك، ولا يقال إنّ العود في مثل هذا يكون عوداّ مبتدأ، وما ذكر من الشواهد أفعال مطلقة ليس فيها: /إن عاد لكذا/4 ولا عاد فيه. قال: ولهذا سُمِّي المرتدُّ عن الإسلام مرتداًَ /وإن كان عاد على الإسلام/5 ولم يكن كافراً عند عامة العلماء.
قال: وأما قولهم إن شعيباً والرسل ما كانوا في ملتهم قط، وهي ملة الكفر؛ فهذا فيه نزاع مشهور، وبكل حال فهو خبر يحتاج إلى دليل عقلي، وليسس في أدلة الكتاب والسنة والإجماع ما يخبر بذلك. وأما العقل ففيه نزاع والذي تظاهر عليه أهل السنة أنه ليس في العقل ما يمنع ذلك.
وقال أبو بكر الخطيب البغدادي6: (وقال كثير منهم ومن أصحابنا وأهل الحق
1 في جميع النسخ –عدا المطبوع- زيادة لفظ (كان) في: (ومن كان يكره
…
) ولم أجده في جميع الروايات التي اطلعت عليها.
2 صحيح البخاري 1/19، الإيمان، باب من كره أن يعود في الكفر. ولفظه:(ثلاث من كان فيه وجد حلاوة الإيمان: من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، ومن أحب عبداً لا يحبه إلا لله، ومن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله، كما يكره أن يلقى في النار) .
وصحيح مسلم بشرح النووي 2/373، الإيمان، باب بيان خصال من اتصف بهنّ وجد حلاوة الإيمان؛ مسند الإمام أحمد 3/103. قال النووي وابن حجر: إن العود هنا يحمل على معنى الصيرورة. انظر: شرح صحيح مسلم للنووي 2/373، وفتح الباري 1/79.
3 سورة المجادلة الآية (8) .
4 كذا في (أ) و (ج) . وفي (ب) و (د) : (إذ عاد لكذا) وفي المطبوع: (أنه عاد لكذا) .
5 كذا في (أ) و (ج) . وفي (ب) و (د) : (وإن كان ولو كان على الإسلام) .في المطبوع وفي (ج) و (د)(وان كان ولو على الإسلام)
6 هو أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي البغدادي، أبو بكر، الإمام الحافظ المحدث، له تصانيف منها: تاريخ بغداد، شرف أصحاب الحديث وغيرهما، قيل يبلغ عددها (65) مصنفاً (ت463هـ) سير الأعلام 18/270 المستفاد من ذيل تاريخ بغداد لابن النجار (643هـ) تحقيق قيصر أبو فرح، دار الكتب العلمية بيروت، وهو مطبوع مع الذيل، الجزء19/54-61.
إنه لا يمتنع بعثة من كان كافراً، أو مصيباً للكبائر قبل البعثة1.
قال: ولا شيء عندنا يمنع ذلك على ما تبين القول فيه. ثم ذكر الخطيب الخلاف في إصابته الذنوب بعد البعثة، وأطال الكلام ثم قال:(فصل في جواز بعثة من كان مصيباً للكفر والكبائر قبل الرسالة) قال: والذي يدل على ذلك أمور:
أحدها: أن إرسال الرسول وظهور الأعلام عليه، اقتضى ودل -لا محال- على إيمانه وصدقه وطهارة سريرته، وكمال علمه ومعرفته بالله؛ وأنه مُؤَدٍ عنه دون غيره، لأنه إنما يظهر الأعلام ليستدل به على صدقه فيما يدعيه من الرسالة.
فإذا كان بدلالة ظهورها عليه إلى هذه الحال من الطهارة والنزاهة، والإقلاع عما كان عليه، لا يمنع بعثته2، وإلزام توقيره وتعظيمه، وإن وجد منه ضد ذلك قبل الرسالة، وأطال الكلام.3
ثم قال شيخ الإسلام: تحقيق القول في ذلك (أن الله سبحانه إنما يصطفي لرسالته من كان خيار قومه) 4، كما قال /الله تعالى/5:{اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} 6 وقال: {اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ} 7 وقال: من نشأ بين قوم مشركين جهال، لم يكن عليه نقص ولا غضاضة إذا كان على مثل دينهم، إذا كان عندهم معروفاً8 بالصدق والأمانة، وفِعْلِ ما يعرفون وجوبه،
1 انظر: منهاج السنة النبوية8/284.
2 في (ج) و (د) : بعثة.
3 لم أجد مصدر كلام الخطيب هذا.
4 مجموع الفتاوى 15/30، التفسير الكبير لابن تيمية 4/315.
5 ساقط في (ج) و (د)
6 سورة الأنعام الآية (124) .
7 سورة الحج الآية (75) .
8 في (أ) و (ب) : معروف.
واجتناب ما يعرفون قبحه؛ وقد قال تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} 1 ولم يكن هؤلاء مستوجبين العذاب قبل الرسالة2.
وإذا كان لا هو ولا هم يعلمون ما أرسل به، وفرق بين من يرتكب ما يعلم قبحه، وبين من يفعل ما لا يعرف، فإن هذا الثاني لا يذمُّونه ولا يعيبونه عليه، ولا يكون ما فعله مما هم عليه منفراً عنه بخلاف الأول، ولهذا لم يكن في أنبياء بني إسرائيل من كان معروفاً بشرك، فإنهم نشئوا على شريعة التوراة، وإنما ذكر هذا فيمن كان قبلهم.
وأما ما ذكره سبحانه وتعالى في قصة شعيب والأنبياء، فليس في هذا ما ينفر أحد عن القبول منهم وكذلك الصحابة رضي الله عنهم، الذين آمنوا بالرسول صلى الله عليه وسلم بعد جاهليته، وكان فيهم من كان محمود الطريقة قبل الإسلام، كأبي بكر الصديق، فإنه لم يزل معروفا بالصدق والأمانة ومكارم الأخلاق، لم يكن فيه قبل الإسلام ما يعيبونه فيه، والجاهلية كانت مشتركة فيهم كلهم.
وقد تبيّن أنّ ما أخبر به عنهم قبل النبوّة في القرآن من أمر الأنبياء، ليس فيه ما ينفر /أحداً/3 عن تصديقهم، ولا يوجب طعن قومهم، ولهذا لم يذكر أحد من المشركين هذا، قادحاً في نبوته، ولو كانوا يرونه عيباً لعابوه، ولقالوا: كنتم أنتم أيضاً على الحالة المذمومة، ولو ذكروا للرسل هذا لقالوا: كنا كغيرنا لم نعرف ما أوحي إلينا؛ ولكنهم قالوا: إن أنتم إلاّ بشر مثلنا، فقالت الرسلُ: إن نحن إلاّ بشرٌ مثلكم، ولكن الله يمنُّ على من يشاء من عباده.
قال: وقد اتفقوا كلهم على جواز بعثة رسولٍ، لم يعرف ما جاءت به الرسل قبله من أمور النبوة والشرائع، ومن لم يقر بهذا الرسول بعد الرسالة فهو كافر، والرسل قبل الوحي قد كانت لا تعلم هذا، فضلاً عن أن تقرَّ به4. فعلم أن عدم العلم والإيمان لا
1 سورة الإسراء الآية (15) .
2 مجموع الفتاوى 15/30 بتصرف؛ التفسير الكبير لابن تيمية 4/315.
3 في (ج) و (د) : أحد.
4 مجموع فتاوى ابن تيمية 15/30-31، التفسير الكبير لابن تيمية 4/315-316.
يقدح في نبوته، بل الله إذا نبّأهم علَّمهم ما لم يكونوا يعلمون.
قلت: وقوله: وقد اتفقوا كلّهم، يعني أهل السنة والمعتزلة.
ثم قال تعالى: {يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ 1} 2، [وقال تعالى:{يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ3 أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَاّ أَنَا فَاتَّقُونِ} 4. فجعل إنذارهم بعبادته وحده كإنذار يوم التلاق، وكلاهما عرفوه بالوحي5. واستدل على هذا بآيات، إلى أن قال: وقد تنازع الناس في نبينا صلى الله عليه وسلم قبل النبوة6، وفي معاني بعض هذه الآيات، في قوله تعالى:{وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ} 7وفي قوله:
1 ما بين المعقوفتين كمّلته من المصحف، لضرورة ذكر محل الشاهد، كما شيذكره بعد.
2 سورة غافر الآية (15) .
3 ما بين المعقوفتين زيادة في (ب) و (ج) والمطبوع. أما في (أ) و (د) : قد جعل ناسخ كل منهما الآيتين (هذه والتي قبلها) كآية واحدة بدون هذا الجزء الساقط.
4 سورة النحل الآية (2) .
5 إلى هنا انتهى ما نقله المصنف عن شيخ الإسلام، مما جاء في التفسير الكبير4/313-316،وفي مجموع الفتاوى15/30-31.
6 تنازعوا في مسألة: هل كان النبي محمد صلى الله عليه وسلم متعبداً بدين قبل الوحي أو لا؟ قد تنازع الناس في هذه المسألة على أقوال: فمنهم من منع ذلك مطلقاً وأحاله عقلاً.
ومنهم من قال بأنه كان متعبداً بشرع من قبله. وهؤلاء اختلفوا في: شرع من كان متبعاً؟
1-
فقال بعضهم: على دين عيسى.
2-
وقال البعض: على دين موسى.
3-
وقال آخرون: على دين إبراهيم.
وذهبت طائفة إلى التوقف في أمر النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة. وذهبت المعتزلة إلى أنه لا بد أن يكون على دين من غير تعيينه.
انظر المسألة في: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي16/38.
7 سورة يوسف الآية (3) . قال الطبري في معناه: (يقول تعالى ذكره: وإن كنت يا محمد من قبل أن نوحيه إليك، لمن الغافلين عن ذلك، لا تعلمه ولا شيئا" منه) . جامع البيان للطبري12/150.
{مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ} 1، وقوله:{وَوَجَدَكَ ضَالاً فَهَدَى} 2وما تنازعوا في معنى آية الأعراف، وآية إبراهيم.
فقال قوم3 لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم على دين قومه4، ولا كان يأكل ذبائحهم. وهذا هو المنقول عن أحمد، قال: من زعم أنه على دين قومه فهو قول سوء، أليس كان لا يأكل ما ذبح على النصب. ثم قال الشيخ: ولعلّ أحمد قال: أليس كان لا يعبد الأصنام فغلط الناقل عنه. فإن هذا قد جاء في الآثار أنه كان لا يعبد الأصنام5. وأما كونه لا يأكل من ذبائحهم، فهذا لا يعلم أنه جاء به أثر6، وأحمد من أعلم الناس بالآثار.
قال: والشرك حرم من حين أرسل الرسول، وأما تحريم ما ذبح على النصب، فإنه ما
1 سورة الشورى الآية (52) . واختلف في معنى هذه الآية؛ فقال جماعة: معنى الإيمان في هذه الآية: شرائع الإيمان ومعالمه. وقيل: تفاصيل هذا الشرع، أي كان غافلا" عن هذه التفاصيل. وقيل غير ذلك. انظر: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي16/39.
2 سورة الضحى الآية (7) .
قال النسفي-رحمه الله-في معنى الآية: (لا يجوز أن يفهم به عدول عن حق ووقوع في غيٍّ، فقد كان عليه الصلاة والسلام من أول حاله إلى نزول الوحي عليه معصوماً من عبادة الأوثان وقاذورات أهل الفسق والعصيان) .تفسير النسفي4/364.
وقال القرطبي: رحمه الله: {وَوَجَدَكَ ضَالاً فَهَدَى} أي: غافلاً عما يراد بك من أمر النبوة، فهداك) . الجامع لأحكام القرآن 20/65.
3 هنا بداية القول الأول في مسألة النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة على دين قومه، والتي تقدمت الإشارة إليها ص 242-243.
4 الكشاف للزمخشري 4/265.
5 ومما جاء في ذلك: قوله صلى الله عليه وسلم " لما نشأت بُغِّضَت إليَّ الأوثان". ذكره القرطبي في تفسيره 16/38.
6 أورد أبو نعيم في الدلائل، عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " سمعت زيد بن عمرو بن نفيل يعيب أكل ما ذبح لغير الله، فما ذقت شيئاً ذبح على النصب حتى أكرمني الله عز وجل بما أكرمني به من رسالته".
دلائل النبوة لأبي نعيم الأصفهاني (430هـ) مطبعة دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد، الدكن الهند، ط/3، 1397هـ -1977م ص146.
ذكر في سورة المائدة1 وقد ذكر في السور المكيّة، كالأنعام تحريم ما أُهِلَّ به لغير الله2، وتحريم هذا إنما يعرف في القرآن، وتحريم هذا إنما يعرف في القرآن، وقبل القرآن لم يكن يعرف تحريم هذا، بخلاف الشرك. ثم ذكر الفرق بين ما /ذَبَحوا/3 لِلَّحم وبين ما ذبحوه للنصب /على/4 جهة القربة والأوثان؛ قال فهذا من جنس الشرك، لا يقال قطّ في شريعة بحلها. كما كانوا يتزوّجون المشركات أوّلاً.
قال: والقول الثاني: إطلاق القول بأنه صلى الله عليه وسلم كان على دين قومه وفسِّر ذلك بما كان عليه من بقايا دين إبراهيم، لا بالموافقة لهم على شركهم5. وذكر أشياء مما كانوا عليه من بقايا الحنيفية كالحج والختان وتحريم الأمهات والبنات والأخوات والعمات والخالات.
قال الشيخ: وهؤلاء إن أرادوا أن هذا الجنس مختص بالحنفاء، لا يحج يهودي ولا نصراني، لا في الجاهلية ولا في الإسلام، فهو من لوازم الحنيفية، كما أنه لم يكن مسلماً إلاّ من آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم وأما قبل محمد /فكان بنو/6 إسرائيل على ملّة إبراهيم، /و/7 كان الحج مستحباً قبل محمد صلى الله
1 وذلك في قوله تعالى: {وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالأَزْلامِ} [المائدة: 3] .
2 ذكر تحريم ما أهلّ لغير الله به في الأنعام، في قوله تعالى:{قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَاّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} [الأنعام: 145] .
وفي سورة النحل، قوله تعالى:{إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النحل:115] .
3 في (ب) والمطبوع: ذبحوه.
4 ساقط في (ب) و (ج) و (د) .
5 وممن قال بذلك: الكلبي والسدّي. انظر الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 16/38، 20/67.
6 في جميع النسخ عدا المطبوع: فكانوا بني.
7 الواو ساقط في (د) .
عليه وسلم1 لم يكن مفروضاً؛ ولهذا حج موسى ويونس وغيرهما من الأنبياء.
ثم قال: ولكن تحريم المحرمات ما يشاركهم فيه أهل الكتاب، والختان يشاركهم فيه اليهود. وأطال الرد والنقل عن ابن قتيبة2 /رحمه الله/3، وذكر كلام ابن عطية4 في قوله:{وَوَجَدَكَ ضَالاً فَهَدَى} 5 أنه أعانه وأقامه على غير الطريق التي كان عليها، هذا قول الحسن والضحاك6. قال: والضلال يختلف، فمنه القريب ومنه البعيد. وكونه الإنسان /واقفاً/7 لا يميّز بين المهيع8 /9/، ضلال قريب، لأنه لم يتمسك بطريقة10 ضالة، بل كان يرتاد وينظر11.
1 ساقط في (ب) و (ج) و (د) والمطبوع.
2 هو عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري أبو محمد، صاحب التصانيف، ولد سنة (213هـ)، ونزل بغداد كان فاضلاً ثقة. من تصانيفه: غريب القرآن، غريب الحديث، مشكل القرآن، تأويل مختلف الحديث وغيرها، (ت276هـ) .
انظر: تذكرة الحفاظ: 2/633؛ وسير الأعلام 13/296، والنجوم الزاهرة 3/75.
3 ساقط في (ب) و (ج) و (د) والمطبوع.
4 هو عبد الحق بن غالب (الحافظ أبي بكر) بن عطية المحاربي الغرناطي، أبو محمد، شيخ المفسرين، كان إماماً في الفقه والتفسير والعربية، ولد سنة (408هـ)(ت541هـ) .
سير الأعلام 19/587-588. شجرة النور الزكية 1/129.
5 سورة الضحى الآية (7) .
6 هو الضحاك بن قيس بن خالد، أبو أمية، من صغار الصحابة، وله أحاديث، خرّج له النسائي، قيل توفي في عهد مروان.
انظر: أسد الغابة 3/37؛ والاستيعاب 2/744، وسير الأعلام 3/241.
7 في جميع النسخ عدا المطبوع: واقفٌ.
8 المهْيَعُ: مَفْعَل من هاع يهيع، وهو الواضح والواسع، تقول: طريق مهيع، أي واسع بيّن، وبلد مهيع، أي واسع. والجمع: مهايع. لسان العرب 8/378-379 مادة: (هيع) .
9 هنا بياض في جميع النسخ. ولعله تكملة للمقارنة: (
…
بين المهيع وبين غيره) .
10 في (أ) : بطريقة.
11 المحرر الوجيز لابن عطية 16/321-322.
وقد فسّر ابن قتيبة الضلال في آية الضحى، بأنه الحيرة والعدول عن الحق والطريق. تأويل مشكل القرآن، لابن قتيبة (ت276هـ) شرح السيد أحمد صقر، دار التراث القاهرة، ط/2، 1393هـ -1973م. ص457.
قال: والمنقول أنه عليه السلام كان قبل النبوّة يبغض عبادة الأصنام1، ولكن لم يكن ينهى عنها نهياً عاماً، وإنما كان ينهى خواصه. وساق ما رواه أبو يعلى الموصلي2 وفيه:" فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فطاف بالبيت وين الصفا والمروة، وكان3 عند الصفا والمروة صنمان من نحاس، أحدهما إساف /وألآخر/4 نائلة، وكان المشركون إذا طافوا تمسحون بهما، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لزيد /5: لا تمسحهما فإنهما رجس ".
فقلت في نفسي: لأمسهما حتى أنظر ما يقول، فمسستهما، فقال:(يا زيد ألم /تُنْهَ /6)7.
1 تقدم ذكر الحديث الوارد في ذلك في هامش ص351، وهو قوله صلى الله عليه وسلم " لما نشأت بُغِّضَت إِليَّ الأوثان ".
2 هو أحمد بن علي بن المثنى بن يحيى التميمي، الإمام الحافظ أبو يعلى الموصلي، محدث الموصل وصاحب المسند والمعجم، ولد عام (210هـ)(ت307هـ) . سير الأعلام 14/174، والنجوم الزاهرة 3/179.
3 في (ب) و (ج) و (د) : وكانت.
4 في (أ) : والأخرى.
5 ساقط في (ج) . وزيد المقصود هنا هو: زيد بن حارثة بن شراحيل بن كعب بن عبد العزى، الأمير الشهيد، المسمى في سورة الأحزاب، أبو أسامة حبّ الرسول صلى الله عليه وسلم ومولاه. (8هـ) في مؤتة.
انظر: الاستيعاب 4/47؛ أسد الغابة 2/281؛ سير الأعلام 1/220.
6 في (أ) و (ب) و (ج) والمطبوع: (تنهه) . وما أثبتُّه هو ما ورد في البداية والنهاية 2/267، وفي دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة، لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي (ت458هـ) توثيق د. عبد المعطي قلعجي، دار الكتاب العلمية بيروت، ط/1، 1405هـ. 1985م، 2/34.
7 مسند أبي يعلى الموصلي، للحافظ أحمد بن علي بن المثنى (307هـ) ، تحقيق حسين سليم أسد، دار المأمون للتراث، دمشق، بيروت، ط/1408هـ 1988م، 13/172. وأورده ابن كثير في البداية 2/267. وفي السيرة النبوية له أيضاً، تحقيق مصطفى عبد الواحد، دار المعرفة، بيروت، 1396هـ- 1976م، 1/357. وورد في: الرصيف لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من الفعل والوصف، لمحمد بن محمد بن عبد الله العاقولي (ت797هـ) ، مكتبة الفارابي دمشق، 1393هـ- 1973م 1/27-28.
وقال أبو عبد الله المقدسي1: (هذا حديث حسن له شاهد في الصحيح) . والحديث معروف، وقد اختصره البيهقي2، وزاد فيه: قال زيد بن حارثة3:والذي أكرمه وأنزل عليه الكتاب، ما استلم صنماً قط، حتى أكرمه الله بالذي أكرمه4.
وفي قصة بحيرى5 الراهب، حين حلف باللات والعزى، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " لا تسالنّ باللات والعزى، فهو الله ما أبغضت بغضهما شيئاً قطّ"6.
وكان الله قد نزّهه عن أعمال الجاهلية، فلم يكن يشهد مجامع لَهْوِهِم، وكان إذا همُّوا بشيءٍ من ذلك ضرب الله على أذنه فأنامه، وقد روى البيهقي وغيره في ذلك آثاراً 7 وكانت قريش يكشفون عوراتهم لشيل حجر ونحوه، فنزّهه الله عن ذلك،
1 هو محمد بن عبد الواحد بن أحمد بن عبد الرحمن السعدي أبو عبد الله، الحافظ، الضياء المقدسي، ثم الدمشقي الحنبلي. له تصانيف منها: الأحاديث المختارة، فضائل الأعمال، صفة الجنة، وغيرهما (ت643هـ) .
انظر ترجمته: تذكرة الحفاظ 4/1404، سير الأعلام 23/126.
2 هو أحمد بن الحسين بن علي البيهقي، صاحب السنن الكبرى، ودلائل النبوة، (ت458هـ) . انظر ترجمته: سير الأعلام 18/163-170، والطبقات الكبرى للسبكي 4/8-16.
3 ف (أ) : (زيد بن حارث) وفي (ب) و (ج) و (د) : (زيد بن ثابت) وقد قال ناسخ كل منهما بالهامش: لعله (زيد بن حارثة) ، وهو الصواب، إذ إنّ زيد بن ثابت: مدني أنصاري، أسلم بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وهو حينئذ ابن إحدى عشر سنة، فلم يصحب النبي صلى الله عليه وسلم بمكة قبل البعثة.
4 دلائل النبوة للبيهقي 2/34، وذكره ابن كثير في البداية،2/267.
5 في جميع النسخ (بحير) واسمه جرجيس، كان حبراً من أحبار اليهود، قيل: كان من يهود تيماء، وقيل: إنه كان نصرانياً من عبد القيس.
انظر: البداية والنهاية 2/266، والإصابة لابن حجر 1/144.
6 دلائل النبوة للبيهقي 2/28-35، والبداية والنهاية 2/264.
7 من ذلك: ما رواه البيهقي من حديث علي بن أبي طالب قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ما هممت بشيءً مما كان أهل الجاهلية يهمون به من النساء، إلاّ ليلتين كلتاهما عصمني الله تعالى فيهما، قلت ليلة لبعض فتيان مكة –ونحن في رعاية غنم أهلنا- فقلت لصاحبي: أبصر لي غنمي حتى أدخل مكة فأسمر فيها كما يسمر الفتيان، فقال: بلى، قال: فدخلتُ إذا أول دار من دور مكة، سمعت عزفاً بالغرابيل والمزامير، فقلت: ما هذا فقيل: فلانٌ فلانة، فجلست أنظره، وضرب الله تعالى على أذنيّ، فو الله ما أيقظني إلا مس الشمس، فرجعت إلى صاحبي، فقال: ما فعلت؟ قلت: ما فعلت شيئاً. ثم أخبرته بالذي رأيت، ثم قلت له ليلة أخرى: أبصر لي غنمي حتى أسمر بمكة، ففعل، فدخلت، فلما جئت مكة، سمعت مثل الذي سمعت تلك الليلة، فسألت، فقيل: فلان نكح فلانة، فجلست أنظر، وضرب الله على أُذنيّ، فو الله ما أيقظني إلا مس الشمس، فرجعت إلى صاحبي، فقال: ما فعلت؟ قلت: لا شيء. ثم أخبرته الخبر، فو الله ما هممت ولا عدت بعدها لشيء من ذلك، حتى أكرمني الله عز وجل بنبوته".
دلائل النبوة للبيهقي 2/33-34، ودلائل النبوة لأبي نعيم ص143؛ والسيرة النبوية لابن كثير 1/252؛ والبداية والنهاية لابن كثير 2/267، وسبل الهدي والرشاد في سيرة خير العباد، لمحمد بن يوسف الصالحي الشامي (ت942هـ) ، تحقيق د. مصطفى عبد الواحد، القاهرة، 1394هـ، 1974م، 2/199-200 قال: قال الحافظ ابن حجر: 0إسناده حسن متصل) . وقال ابن كثير للحديث: (وهذا حديث غريب جداً، وقد يكون عن علي نفسه، وهو قوله في آخره "حتى أكرمني الله عز وجل بنبوته " مقحماً، والله أعلم) . البداية والنهاية 2/267.
كما في الصحيين من قول جابر.1
وفي مسند أحمد زيادة: (فنودي: لا تكشف عورتك، فألقى الحجر ولبس ثوبه)2. وكانوا يسمونه: الصادق الأمين3. وكان الله عز وجل قد صانه عن قبائحهم، ولم يعرف منه قط كذبة ولا خيانة ولا فاحشة ولا ظلم قبل النبوة4، بل شهد مع عمومته حِلفَ المطيبين5 على نصر المظلومين.
1 في الصحيحين عن جابر بن عبد الله: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينقل معهم الحجارة للكعبة، وعليه إزاره، فقال له العباس (عمه) يابن أخي، لو حللت إزارك فجعلته على منكبيك دون الحجارة. قال: فحلّه، فجعله على منكبيه فسقط مغشياً عليه، فما رؤي بعد ذلك عرياناً صلى الله عليه وسلم، صحيح البخاري مع الفتح 1/565، الصلاة باب كراهية التعري في الصلاة وغيرها، صحيح مسلم بشرح النووي 4/274، باب الاعتناء بحفظ العورة.
2 مسند الإمام أحمد 5/454.
3 البداية والنهاية لابن كثير2/266.
4 انظر: دلائل النبوة 2/30-41. والرصف للعاقولي 1/25.
5 حلف المطيبين: هو ما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن شهوده إياه، وثنائه عليه في قوله:" شهدت حلف المطيبين مع عمومتي وأنا غلام، فما أحب أنّ لي حمر النعم وأني أنكثه" أخرجه الإمام أحمد في مسنده 1/190-193 والحاكم في المستدرك 2/219-220 وقال: صحيح الإسناد. ووافقه الذهبي. وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة 4/524 وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى 6/367.
وكان هذا الحلف بين بني هاشم وبني أميّة، وبني زهرة وبني مخزوم، وكان في دار عبد الله بن جدعان، وهو تحالف على التناصر والأخذ للمظلوم من الظالم، ورد الفضول على أهلها، وقد سمي الحلف بحلف الفضول، وإنما ورد في الحديث باسم حلف المطيبين، لأن العشائر التي عَقَدت حلف المطيبين، هي التي عَقَدت حلف الفضول، وحلف المطيبين جرى قديماً بعد وفاة قصي، وتنازع بني عبد مناف مع بني عبد الدار على ارفادة والسقاية بمكة، وقيل لهم مطيبين: لأنهم غمسوا أيدهم في طيب يوم تحالفوا.
البيهقي في السنن الكبرى 6/366-367. السيرة النبوية لابن هشام 1/130-132. البداية والنهاية 2/270. وانظر تفاصيل حلف المطيبين في: المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام، لجواد علي، نشر دار العلم للملايين، بيروت، ومكتبة النهضة ببغداد، ط/3، 1980م، 4/62-63، وسيرة ابن كثير 1/258.
وأما الإقرار بالصانع وعبادته، والإقرار بأن السماوات والأرض مخلوقة له، محدثة بعد أن لم تكن، وأنه لا خالق غيره، فهذا كان عامتهم يعرفونه ويقرون به1، فكيف لا يعرفه هو ولا يقر به وذكر الشيخ بعض علامات النبوّة، وتغيّر العالم بمولده، ثم قال: لكن هذا لا يجب /أنه/2 يكون مثله لكل نبي، فإنه أفضل الأنبياء، وهو سيد ولد آدم3، والله سبحانه إذا أهّلَ /عبداً/4 لأعلى المنازل والمراتب، ربّاه على قدر تلك
1 وهذا ما حكاه عنهم القرآن الكريم في قوله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [الزخرف: 87] .
وقوله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [العنكبوت:61] .
2 في المطبوع: أن.
3 جاء في ذلك ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأول من ينشق عنه القبر، وأول شافع وأوّل مشفَّع". صحيح مسلم بشرح النووي 15/42-43. الفضائل، باب تفضيل نبينا صلى الله عليه وسلم على جميع الخلائق، سنن أبي داود 5/54، السنة، باب التخيير بين الأنبياء.
4 في (د) : عبدٌ.
المرتبة، فلا يلزم إذا عصم نبياً، أن يكون معصوماً قبل النبوة من كبائر الإثم والفواحش، صغيرها وكبيرها، ولا يكون كل نبي كذلك. ولا يلزم إذا كان الله بغّض إليه شرك قومه قبل النبوة، أن يكون كل نبي كذلك، كما عُرف من حال نبينا صلى الله عليه وسلم، وفضائله لا تناقض ما روي من أخبار غيره، إذا كان كذلك، ولا يمتنع كونه نبياً، لأن الله تعالى فضّل بعض النبيين على بعض1 كما فضّلهم بالشرائع والكتب والأمم، وهذا أصل يجب اعتباره.
وقد أخبر الله أن لوطاً كان من أمة إبراهيم، وممن آمن له2 وأن الله أرسله.
والرسول الذي نشأ بين أهل الكفر الذين لا نبوة لهم، ثم يبعثه الله فيهم يكون أكمل وأعظم ممن كان من قوم لا يعرفونه، فإنه يكون بتأييد الله له أعظم من جهة تأييده بالعلم والهدى، ومن جهة تأييده بالنصر والقهر3.
قلت: وبهذا يظهر اختلاف درجات الأنبياء والرسل، وعدم الاحتياج إلى التكليف في الجواب عن مثل آية إبراهيم4 ونحوها، وإن قصارى ما يقال في مثل قوله /تعالى/5 لنبينا:{وَوَجَدَكَ ضَالاً فَهَدَى} 6 وقوله: {مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الأِيمَانُ} 7..............................................
1 قال تعالى في تفضيل بعض الأنبياء على بعض: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ} [البقرة: 253] .
وقال تعالى: {وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُوراً} [الإسراء: 55] .
2 قال تعالى: {وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} إلى قوله تعالى: {فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [العنكبوت: 16-26]
3 إلى هنا ما نقله المصنف عن شيخ الإسلام رحمه الله.
4 وهو قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ} [إبراهيم:13] .
5 ساقط في (ب) و (ج) و (د) والمطبوع.
6 سورة الضحى الآية (7) .
7 سورة الشورى الآية (52) .
/هو/1 عدم العلم بما جاء /به/2 من النبوة والرسالة، وتفاصيل ما تضمن ذلك من الأحكام الشرعية والأصولية الإيمانية، وهذا غاية ما تيسّر لنا في هذا المقام الضنك، الذي أحجم عنه فحول الرجال، وأهل الفضائل والكمال، ونستغفر الله من التجاسر والوثوب على الكلام في مثل هذا المبحث3 الذي زلّت فيه أقدام وضلّت فيه أفهام، واضطربت فيه أقوال الأئمة الأعلام.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
1 في (ج) و (د) : و. وهو ساقط في (ب) .
2 ساقط في (ب) و (ج) و (د) والمطبوع.
3 في (د) : البحث.