الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرسالة الخامسة عشرة: إلى صالح محمد الشثري
…
(الرِّسَالَةُ الخَامِسَةُ عَشَرَةِ)
قال جامع الرسائل:
وله أيضاً -قدس الله روحه، ونور ضريحه- رسالة إلى صالح بن محمد الشثري2 جواباً على سؤاله عن تفسير السبحات بالنور، هل هو من التأويل المردود أو لا؟
فأجابه رحمه الله تعالى بما نصه:
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبد اللطيف بن عبد الرحمن، إلى الأخ المكرم صالح بن محمد الشثري،-سدده الله فيما يعيد ويبدي- سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فأحمد إليك الله، الذي لا إلَه إلا هو، على سوابغ نعمه، والخط وصل –وصلك الله ما يرضيه، وتقبل دعوتك، وتجاوز عن سيئاتي وسيئاتك،- وسرنا بالإخبار عن عافيتك وسلامتك، ونهنئك بما هنأتنا به، جعلنا الله وإياك، من الفائزين برضاه، والمسارعين إلى العمل بما يحبه ويرضاه، ومنّ علينا باغتنام الصحة والفراغ، وأعاذنا من الغبن في هاتين النعمتين3، اللتين هما سفينة النجاة، ومركب أهل الصدق في المعاملات.
وتسأل –رحمك الله- عن تفسير السبحات بالنور4، هل هو من التأويل المردود، أو لا؟ فلا يخفاك أنّ التأويل بالمعنى الأعم، يدخل فيه مثل هذه، وقد حكاه جمعٌ من أهل الإِثبات؛ وأما التأويل بالمعنى الأخص، عند الجهمية ومن نحا نحوهم، فليس؛ لأنهم أولوا النور الذي هو اسمه وصفته، بما يرجع إلى فعله وخلقه5؛ وليس
1 في (ب) جاءت هذه الرسالة في ص 183-184. ورردت هذه الرسالة في الدرر السنية 3/326-327.
2 تقدمت ترجمته ضمن تلاميذ الشيخ ص 89.
3 يشير إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم: "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس، الصحة والفراغ". صحيح البخاري مع الفتح 11/233، الرقاق، باب ما جاء في الرقاق.
4 تقدم تفسير السبحات بهذا المعنى في ص 334،341.
5 إن طريقة الجهمية في الصفات هي: التأويل المفضي إلى تعطيلها جميعاً. فهم ينفون عن
هذا1 منه؛ وقد فسرت السّبحات بالعظم، لأن أصل السبحة، من التنزيه والتقديس؛ وفسّرت: بضوء الوجه المقدّس؛ وفسرت بمحاسينه، لأن من رأى الشيء الحسن، والوجه الحسن، سبَّح باريه وخالقه؛ وقيل هي باقية على أصلها، لأن التسبيح التزيه. وقيل سبحات وجهه في الحديث2، جملة معترضة. يريد قائل هذا إسناد الفعل إلى الوجه المنزه، حكاه ابن الأثير؛ وقال: الأقرب أن المعنى، لو انكشف من أنواره التي تحجب العباد شيءٌ، لأهلك كل من وقع عليه ذلك النور، كما خرَّ موسى صعقا، وتقطَّع الجبل، لمّا تجلَّى سبحانه وتعالى3؛ وهذا لا يبعد، إن أريد نور الذات، هذا ما ظهر لي.
وبلّغ سلامنا الشيخ عبد الملك4، والأخ حمد وعيالكم، ولا تنسانا من صالح الدعاء في هذه الليال المباركات. والعيال بخير وينهون السلام. /وصلى الله على محمد وعلى آله وأصحابه وسلّم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين/.5
= الله جميع الصفات، باعتبار قيامها بالذات، فيقولون: إن الله لا يقوم به شيء من الصفات لا حياة ولا علم ولا قدرة، فعندهم أن الله لا يقوم به وصف ولا فعل، فقد فصلوا بين ذات الله وصفاته في الوجود العياني؛ حيث قالوا بإثبات ذات مجردة عن الصفات، وصفات مجردة عن الذات، فيقولون مثلاً في صفة الكلام: إن الله لا يتكلم بكلام يقوم بذاته، وإن كلامه مخلوق، خلقه كما خلق السماوات والأرض خارجاً عن ذاته. وكذلك معنى النزول والاستواء، وغير ذلك: أفعال يفعلها الرب في المخلوقات خارجاً عن ذاته.
[مجموع الفتاوى 5/1-4 وقد تقدم ذكر أهم معتقداتهم في ص 299.
أما بالنسبة للأشاعرة والماتريدية: فهم فيما ينفون من الصفات، منهم من يرجع ذلك إلى كونها أفعال محضة في المخلوقات، مثل قولهم في الاستواء: إنه فعل يفعله الرب في العرش بمعنى أنه يحدث في العرش قرباً فيصير مستوياً عليه من غير أن يقوم بالله فعل اختياري.
1 أي تأويل السبحات بالنور، لا يدخل في تأويل الجهمية.
2 هو قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي موسى: "حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه"[تقدم تخريجه في ص 334] .
3 النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير 2/332، نقله الشيخ بتصرف.
4 لم أقف على ترجمته فيما اطلعت.
5 ساقط في (ب) و (ج) و (د) والمطبوع.