الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
-رحمه الله المسألة بعقد العز1، وأجازها2 صاحبه أبو يوسف3 لأنه قد يراد بهذه الكلمة المحل، أي محل العقد وزمانه، كمذهب، يطلق على محل الذهاب وزمانه. وربّما أريد به المفعول، كمركب بمعنى المركوب، ويكون هنا اسم مصدر من عقد يعقد عقداً؛ والاسم معقد، ويكون صفة ذات، ولهذا قال أبو يوسف: معقد العز هو الله4.
وأما أبو حنيفة فنظر إلى أن اللفظ محتمل لمعاني متعدّدة، فلذلك كره المسألة به، وبهذا يتبيّن المعنى5.
1 انظر النهاية لابن الأثير 3/271، وإغاثة اللهثان في مصايد الشيطان، لابن قيم الجوزية 1/335.
2 في (أ) و (د) : (فأجازها) .
3 هو يعقوب بن إبراهيم بن حبيب، أبو يوسف القاضي، الإمام المجتهد، صاحب أبي حنيفة، ولد (113هـ) (ت182هـ) . انظر: تاريخ 14/242، سير الأعلام 8/535.
وانظر قوله بإجازة الدعاء بذلك: إغاثة اللهفان لابن القيم 1/335.
4 انظر: اقتضاء الصراط المستقيم لابن تيمية ص 407، وإغاثة اللهفان لابن القيم1/335، وغاية الأماني في الرد على النبهاني، لأبي المعالي محمود شكري الألوسي (1342هـ) ، مطابع نجد التجارية، الرياض 2/329.
5 المرجع السابق: الاقتضاء ص 407-408، غاية الأماني 2/329.
وأما
المسألة الرابعة: عن قوله صلى الله عليه وسلم في الدعاء المشهور: " إلى من تكلني إليه، إلى بعيد يتجهمني
" 6.
6 هذا جزء من دعاء توجه به رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ربه بعيد ما أهانته ثقيف في الطائف، وتمامه:(اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي، وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين، وأنت ربي إلى من تكلني، إلى بعيد يتجهمني أم إلى عدو ملكته أمري، إن لم يكن بك غضب عليّ فلا أبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لي؛ أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، من أن تنزل بي غضبك، أو يحلّ علي سخطك، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك) .
انظر كنز العمال (3613، 3756) وعزاه للطبراني عن عبد الله بن جعفر، قال الهيثمي في مجمع الزوائد 6/35 بعد ذكر الحديث:(رواه الطبراني، وفيه ابن إسحاق، وهو مدلس ثقة، وبقية رجاله ثقات) . وأخرجه الألباني في ضعيف الجامع الصغير وزياداته، له، المكتب الإسلامي بيروت لبنان، ط/2، 2،1408هـ - 1988م، 1/358- 359 (1280) . وذكره ابن هشام في سيرته 2/420.
فاعلم أن التجهم الغلظة والعبوس والاستقبال بالوجه الكريه، والجهم الغليظ المجتمع. وجَهُمَ ككَرُمَ جِهَامَةً وجَهُوْمَةً: استقبله بوجه كريه كتجهُّمِه1.
والجهمة آخر الليل أو بقية السواد من آخره2، وأجهم: دخل فيه انتهى. وبه يظهر أن التجهم /يقع/3 على الاستقبال بوجه مظلم عبوس؛ ومن صفات الجهم4.
1 انظر لسان العرب 12/110-111، وترتيب القاموس المحيط 1/549 مادة (جهم) .
2 المرجعان السابقان، نفس الصفحات.
3 في (ب) : يبقى.
4 في المطبوع ذكر الناسخ أن هاهنا سقط، وترك له بياضاً، ليضعه من يجد ذلك السقط.
والذي يظهر لي، أن الكلام تام -كما هو في جميع النسخ- لا يوجد سقط. وقد أراد الشيخ تأكيد ما تقدم من كلامه، وهو أن التجهم: الاستقبال بوجه كريه، وأنه من صفات الجهم (الذي هو الغليظ) .
وأما المسألة الخامسة1: عن قوله صلى الله عليه وسلم " أعوذ بنور وجهك " 2
وقوله في حديث أبي موسى3: " حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه4 /ما انتهى إليه بصره من خلقه /5 6،
1 وردت هذه المسألة في الدرر السنية 3/343-345.
2 تقدم تخريجه في هامش رقم (6) من ص 333.
3 تقدم ترجمته ص 167.
4 سبحات وجهه: نوره وجلاله وعظمته وبهاؤه. النهاية لابن الأثير 2/332، شرح صحيح مسلم للنووي 3/17.
5 ساقط في (ج) و (د) . وفي (ب) سقط كلمة (من خلقه) .
6 صحيح مسلم بشرح النووي 3/16-17، الإيمان باب إنّ الله لا ينام، من طريق أبي معاوية، سنن ابن ماجة 1/38، المقدمة، باب فيما أنكرت الجهمية، مسند الإمام أحمد 4/401.
وأول الحديث: (إن الله عز وجل لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، يحفظ القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل، حجابه النور
…
) .
وقول السائل: هل يفسر بهذا النور /أو/1 لا"؟
فالجواب:
إنّ النور يضاف إلى الله إضافة الصفة إلى الموصوف، ويضاف إليه إضافة المفعول إلى فاعله، كما أشار إليه العلامة ابن القيم –رحمه الله في نونيته2. وما في دعائه صلى الله عليه وسلم مخرجه من الطائف، من الأول بلا ريب3، فهو صفة ذات، ولذلك تسمى تعالى وتقدس بهذا الاسم الأنفس.
وأما ما في حديث أبي موسى من ذكر السبحات المضافة إلى وجه الله، فهو من إضافة الصفة إلى الموصوف، على ما يأتي تفسيره.
وأما قوله: (حجابه النور) ، فقد ذكر السيوطي4 وغيره في الحجب آثاراً عن السلف، تدل على أن الله سبحانه احتجب بحجب من نور، مخلوقة له.5
وكلام صاحب الكافية الشافية يشير إلى إليه، لأنه عطفه في الذكر على ما تقدم من
1 في (د) : أم.
2 انظر الكافية الشافية 2/237.
3 أي قوله صلى الله عليه وسلم (نور وجهك) من إضافة الصفة لموصوفها.
4 هو عبد الرحمن ابن بكر ابن محمد، جلال الدين أبو الفضل السيوطي الشافعي، مشارك في أنواع من العلوم، من مؤلفاته: الدر المنثور (في التفسير) المزهر (في اللغة) حسن المحاضرة وغيرها. (ت 911هـ) .
البدر الطالع 1/328؛ شذرات الذهب 8/51؛ معجم المؤلفين 5/128.
5 انظر: الهيئة السَّنيَّة في الهيئة السُّنيّة، لجلال الدين عبد الرحمن السيوطي (ت911هـ) مخطوط بالمكتبة المركزية بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، برقم (1196) خطي ص 5-6، ومن بين ما ذكره السيوطي في الهيئة قال:
أ - أخرج أبو الشيخ من طريق مجاهد عن ابن عمر، ومن طريق آخر عن مجاهد قال:(إنّ بين العرش وبين الملائكة سبعين ألف حجاب، حجاب من نار وحجاب من ظلمة وحجاب من نور وحجاب من ظلمة) .
ب - وأخرج أبو الشيخ عن زرارة بن أبي أوفى، (أنّ النبي صلى الله عليه وسلم سأل جبريل: هل رأيت ربّك، فانتفض وقال: إنَّ بيني وبينه سبعين ألف حجاباً من نور، لو دنوت من أدناها لأحرقت) الهيئة السنية ص5.
أوصاف الذات1. والأصل في العطف أن يكون في المغايرة2.
وقال3 في الجيوش الإسلامية: والله سبحانه وتعالى سمى نفسه نوراً، وجعل كتابه نوراً، ورسوله صلى الله عليه وسلم نوراً، ودينه نوراً، واحتجب من خلقه بالنور، وجعل دار أوليائه نوراً، قال تعالى:{اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} الآية4، وقد فسِّر بكونه مُنَوِّرُ السموات والأرض5. وهذا إنما هو فعل، وإلا فالنور الذي هو من أوصافه، قائم به، ومنه اشتق له اسم النور الذي هو أحد الأسماء الحسنى. فالنور يضاف إليه سبحانه على أحد وجهين: إضافة صفة إلى موصفها، وإضافة فعل6 إلى فاعله. فالأول كقوله:{وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا} 7، إذا جاء لفصل القضاء.
ومنه قوله صلى الله عليه وسلم في الدعاء المشهور: " أعوذ بنور وجهك الكريم أن /تضلَّني/8 لا إله إلا أنت"9.
1 الكافية الشافية 2/237-238، 240.
2 وهذا ما يعبر عنه النحاة بقولهم: العطف يقتضي المغايرة.
3 أي الإمام ابن القيم.
4 سورة النور الآية (35) .
5 قد فسّره بذلك الإمام الشوكاني في فتح القدير 4/32، قال: ويدل على هذا المعنى قراءة زيد ابن علي، وأبي جعفر وعبد العزيز المكي (الله نوّر السموات والأرض) على صيغة الفعل الماضي، أي صيّرهما منيرتين باستقامة أحوالها أهلها وكمال تدبيره عز وجل لمن فيهما.
6 هكذا في جميع النسخ، وفي أصل النص –في اجتماع الجيوش-: (إضافة مفعول
…
) والأول أولى.
7 سورة الزمر الآية (69) .
8 في (د) : تظلني، وهو خطأ.
9 لم أجد هذا الحديث بهذا اللفظ، وإنما وجدت عند البخاري ومسلم والإمام أحمد لفظ:" أعوذ بعزتك أن تضلّني لا إله إلا أنت" فلعل الإمام ابن القيم –رحمه الله أراد هذه الرواية.
صحيح البخاري مع الفتح 13/381، التوحيد باب قول الله تعالى:{وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} ؛ وصحيح مسلم بشرح النووي 17/43، الذكر باب التعوّذ من شر ما عمل
…
؛ وجامع الأصول في أحاديث الرسول، لأبي السعادات المبارك بن محمد بن الأثير (ت606هـ) ، تحقيق عبد القادر أرنؤوط، مكتبة الحلبوني وغيره، طبعة عام 1390هـ-1970م 4/362. مسند الإمام أحمد 1/302.
وفي الأثر الآخر: " أعوذ بوجهك أو بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات "1 فأخبر صلى الله عليه وسلم أن الظلمات أشرقت بنور وجه الله؛ كما أخبر تعالى أن الأرض تشرق يوم القيامة بنوره2.
وفي معجم الطبراني3 والسنة له، وكتاب عثمان بن سعيد الدارمي4 /وغيرها/5 عن ابن مسعود6 رضي الله عنه: ليس عند ربكم ليلٌ ولا نهار، نور السموات والأرض من نور وجهه) 7.
وهذا الذي قاله ابن مسعود رضي الله عنه أقرب إلى تفسير الآية، من قول من
1 تقدم تخريجه ص 334.
2 وذلك في قوله تعالى: {وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا} [الزمر:69] .
3 الطبراني هو: سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير، أبو القاسم الطبراني، له مصنفات، منها: المعاجم الثلاثة (الكبير والأوسط والصغير)(ت360هـ) .
النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة، ليوسف بن تغر الأتابكي (ت874هـ) ، وزارة الثقافة والإرشاد القومي بمصر، طبعة دار الكتب المصرية 4/59؛ تذكرة الحفاظ 3/912-917.
4 هو عثمان بن سعيد بن خالد الدارمي السجستاني (أبو سعيد) محدث هراة، له تصانيف في الرد على الجهمية، ومسند كبير، (ت280هـ) .
انظر ترجمته: تذكرة الحفاظ 2/621؛ كتاب الثقات، للحافظ محمد بن حبان بن أحمد بن حاتم (ت965هـ) نشر مؤسسة الكتب الثقافية، مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية، بحيدر أباد، الدكن، الهند، ط/1، 1402هـ- 1982م، 8/455.
5 في جميع النسخ: (وغيرهما) . وفي اجتماع الجيوش الإسلامية –أصلهذا الكلام- (وغيرها) وهو الصواب.
6 هو عبد الله بن مسعود، صحابي (ت32هـ) بالمدينة ودفن بالبقيع.
أسد الغابة 3/384. سير الأعلام 1/461.
7 رواه الطبراني في المعجم الكبير، تحقيق حمدي عبد المجيد السلفي، مطبعة الوطن العربي، ط/1،1400 هـ-1980م، 9/200 رقم (8886) . قال الهيثمي في مجمع الزوائد 1/85 (وفيه عبد السلام، قال أبو حاتم: مجهول. وقد ذكره ابن حبان في الثقاة، وعبد الله بن مكرز أو عبيد الله –على الشك لم أره) . والحديث ورد في مجموع الفتاوى 2/189، و 6/391، بلفظ: (إن ربكم ليس عنده
…
) .
فسرها أنه هادي أهل السموات والأرض1. وأما من فسّرها بأنه منوِّر السموات والأرض، فلا تنافي بينه وبين قول ابن مسعود. والحق أنه نور السموات والأرض بهذه الاعتبارات كلِّها. وفي صحيح مسلم2 وغيره من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس كلمات: " إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام" 3 فذكرها. وفي صحيح مسلم عن أبي ذر4 رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم هل رأيت ربك قال: " /نورٌ/5 أنّى أراه"6.
قال شيخ الإسلام: معناه: كان ثَمَّ /نورٌ/7، وحال دون رؤيته نورٌ، /و/8 أنّى أراه. قال: ويدل عليه أن في بعض الألفاظ الصحيحة: هل رأيت ربك عز وجل قال: (رأيت نوراً)9.
وذكر الكلام في الرؤية ثم قال: ويدل على صحة10 ما قال شيخنا في معنى حديث أبي ذر رضي الله عنه قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر:
1 فسّرها بذلك ابن عباس، انظر جامع البيان للطبري 18/135، وتفسير ابن كثير 3/300.
2 هو مسلم بن الحجاج الحافظ، صاحب الصحيح. تاريخ بغداد 13/100، تذكرة الحفاظ 2/588.
3 تقدم تخريجه ص 334.
4 هو جندب بن جنادة، أبو ذر الغفاري، وقيل في اسمه غير ذلك، أحد السابقين الأولين، من نجباء الصحابة، (ت32هـ) بالربذة. الاستيعاب 1/169؛ أسد الغابة 1/357.
5 في (أ) و (ج) : نوراً.
6 صحيح مسلم بشرح النووي 3/15، الإيمان باب قوله صلى الله عليه وسلم " نورٌ أنى أراه"؛ سنن الترمذي 5/369، التفسير، باب من سورة النجم. قال الترمذي: هذا حديث حسن، مسند الإمام أحمد 5/171.
7 في جميع النسخ نوراً، عدا المطبوع.
8 في (د) : أو. وفي أصل النص –في اجتماع الجيوش -: (فأنى) بدل (وأنى) .
9 صحيح مسلم بشرح النووي 3/15، الإيمان، باب قوله صلى الله عليه وسلم " نور أنى أراه".
10 في (أ) و (د) : (صحته) .
" حجابه نور"1. فهذا النور هو -والله أعلم- النور المذكور في حديث أبي ذر رضي الله عنه2 رأيت نوراً" 3.4
أمّا السبحات: فهو نور الذات المقدسة العليّة، وهو النور الذي استعاذ به صلى الله عليه وسلم وكلامه فيه إيماء إلى أنه تعالى احتجب بهذا النور المذكور، وهو الذي حجبه صلى الله عليه وسلم عن رؤية الباري تعالى وتقدس، وهو النور الذي رآه صلى الله عليه وسلم كما تقدم في حديث أبي ذر " رأيت نوراً "5. وقد احتجب سبحانه
1 تقدم تخريجه في ص338، أوله (إنّ الله عز وجل لا ينام
…
) .
2 الترضي ساقط في (ب) و (ج) و (د) والمطبوع.
3 تقدم تخريجه هامش (9) من الصفحة السابقة.
4 إلى هنا انتهى كلام الإمام ابن القيم –رحمه الله في كتابه اجتماع الجيوش الإسلامية ص 11-13، بتصرف.
5 تقدم تخريجه في الصفحة السابقة (338) .
*مسألة: هل رأى النبي صلى الله عليه وسلم ربه ليلة المعراج:
ذهب أهل السنة في هذه المسألة مذهبان:
أولهما: مذهب جمهور أهل السنة من الصحابة والتابعين فمن بعدهم، ذهبوا إلى أنه صلى الله عليه وسلم لم ير ربّه ليلة المعراج. ونقل عثمان بن سعيد الدارمي في كتابه "الرد على الجهمية" صفحة 54، إجماع الصحابة على ذلك.
ومن أدلتهم على ذلك:
أ - حديث مسروق قال: كنت متكئاً عند عائشة فقالت: يا أبا عائشة، ثلاث من تكلم بواحدة منهنّ، فقد أعظم على الله الفرية، قلت: ما هنّ، قالت: من زعم أنّ محمداً صلى الله عليه وسلم رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية. قال وكنت متكئاً فجلست، فقلت: يا أم المؤمنين، أنظريني ولا تعجلي، ألم يقل الله عز وجل:{وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ} {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} ، فقالت: أنا أول هذه الأمة سأل عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنّما هو جبريل، لم أره على صورته التي خلق عليها غير هاتين المرتين، رأيته منهبطاً من السماء سادّاً عظم خلقه ما بين السماء إلى الأرض، فقالت: أولم تسمع أنّ الله يقول: {لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} ، أولم تسمع أنّ الله يقول:{وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَاّ وَحْياً أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ} الحديث. [صحيح مسلم بشرح النووي 3/10-11، الإيمان باب معنى قوله تعالى {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} ، البخاري مع الفتح 8/472، التفسير، باب حدثنا يحيى] .
والحديث يدل على عدم رؤيته صلى الله عليه وسلم ربه ليلة المعراج.
وثانيهما: وهو لجماعة من السلف منهم ابن عباس وعروة بن الزبير، والزهري وغيرهم، ذهبوا إلى أنّ النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه ليلة المعراج.
وعمدة هذا القول: رواية ابن عباس قال: " أتعجبون أن تكون الخلة لإبراهيم، والكلام لموسى، والرؤية لمحمد"[ذكره النووي في شرح مسلم 3/8، وورد في فتح الباري 8/472-473] وهذه الرواية مطلقة في الرؤية، وتدل على رؤيته صلى الله عليه وسلم ربه. ولكن يعارضها النافون للرؤية برواية أخرى عن ابن عباس، وهو ما أخرجه مسلم في صحيحه ابن عباس رضي الله عنه في قوله تعالى:{مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} قال رآه بفؤاده مرتين) [صحيح مسلم بشرح النووي 3/8] .
فهذه رواية مقيدة للرؤية التي كانت من النبي صلى الله عليه وسلم لربِّه جل وعلا، فهنا يجب حمل المطلق على المقيد بالفؤاد، وعلى هذا فرأي ابن عباس في الرؤية، إنما هي بالقلب لا بالبصر، وبه يكون قوله مشابهاً بقول الجمهور، وهو الراجح، والله أعلم.
انظر المسألة في: فتح الباري 8/474، شرح صحيح مسلم للنووي 3/7، تفسير ابن كثير 4/267، زاد المعاد لابن القيم 2/48، والإسراء والمعراج، لمحمد ابن أبي شهبة، مكتبة دار الثقافة للنشر، ط/2، 1408هـ القاهرة، ص 65-68، والحجة في بيان المحجة 1/506-510.
وتعالى بحجب عن خلقه من نور ومن غيره، كما ذَكَرَ في آثار مرويّة عن السلف جمعٌ كثيرٌ، منهم السيوطي في كتاب الهيئة السنيّة1. وإذا فُسِّرَت السبحات بأنوار وجهه الكريم، جازت الاستعاذة بها لأنها وصف ذات2. ويؤيد ما أومأ إليه ابن القيم –رحمه الله قول ابن الأثير3
1 هو كتاب مخطوط، وقد تقدم ذكره، وذكر بعض ما ورد فيه في هامش ص 335.
2 ولذلك استعاذ بها الرسول صلى الله عليه وسلم في دعائه " أعوذ بنور وجهك
…
" المتقدم ص (334) عند عودته من الطائف.
3 هو المبارك بن محمد بن عبد الكريم، أبو السعادات الجزري، المعروف بابن الأثير، هو مع والده من أهل جزيرة ابن عمر، وهناك ولد عام 544هـ، له تصانيف منها: جامع الأصول، والنهاية في غريب الحديث والأثر، وغيرها. (ت606هـ) .
معجم الأدباء 17/71؛ طبقات الشافعية الكبرى للسبكي 8/366؛ سير الأعلام 21/289.
/سُبُحات1 الله: جلاله وعظمته/2، وهي في الأصل جمع سُبحة؛ وقيل: /أضواء/3 وجهه. وقيل سُبحات الوجه: محاسنه، وقيل معناه: تنزيه له، أي /سبحان/4 وجهه، وقيل إنَّ سبحات /وجهه/5 كلام معترض بين الفعل والمفعول، أي لو كشفها لأحرقت كل شيء /أبصرت6/.7
قلت: يريد أن السبحات هي النور الذي احتجب به، ولذلك قال: لو كشفها.
قال: وأقرب من هذا، أنّ المعنى: لو انكشف من أنوار الله تعالى التي تحجب العباد شيءٌ، لأهلك كل من وقع عليه ذلك النور، كما خرّ موسى عليه السلام صعقاً، وتقطّع الجبل دكاً8 لمّا تجلّى الله تعالى9.
ففي كلام ابن الأثير ما يدل على أنّ الحجاب نفس أنوار الذات، فتأمّله10، وذكر ابن الأثير وغيره أن جبريل عليه السلام قال: لله دون العرش سبعون حجاباً، لو دنونا من /أحدها/11 لأحرقت سبحات وجهه12. انتهى.
1 في (د) : السبحات.
2 في جميع النسخ: (سبحات الله جل جلاله: عظمته) . بزيادة لفظ (جلَّ) وحذف الواو العاطفة العظمة على الجلال. وما أثبتُّه هو الذي في الأصل عند ابن الأثير في النهاية، 2/332.
3 هكذا في الأصل عند ابن الأثير. وفي جميع النسخ: (ضوء) .
4 هكذا في النهاية والمطبوع (سبحان وجهه) وهو الصواب، إذ المراد بيان التنزيه، وفي جميع النسخ (سبحات وجهه) .
5 في (ب) و (ج) والمطبوع: الوجه.
6 في الأصل عند ابن الأثير في النهاية: (أدركه بصره) .
7 النهاية لابن الأثير 2/332.
8 أخبر سبحانه وتعالى بذلك في قوله: {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً} [لأعراف:143.
9 النهاية لابن الأثير 2/332.
10 وهذا ما تفيده الآثار المروية عن السلف، كما تقدم ذكر بعضها فيما نقلناه عن السيوطي في الهيئة السَّنيّة، وذلك في ص 335.
11 في (د) : أحدهما. وهو خطأ والصواب ما أثبته، كما هو عند ابن الثير في النهاية.
12 النهاية لابن الأثير 2/332، واللفظ عنده: (
…
لو دنونا من أحدها لأحرقنا سبحات وجه ربنا ".وورد هذا الأثر في الهيئة السَّنيَّة للسيوطي ص5. وقد تقدم ذكره في ص335.