الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرسالة الثالثة والعشرون: إلى الإخوان محمد بن علي وإبراهيم بن راشد
…
(الرسالة الثالثة والعشرون)
قال جامع الرسائل
وله أيضاً -قدس الله روحه ونور ضريحه- رسالة إلى الإخوان محمد بن علي2 وإبراهيم بن راشد3 وإخوانهم. يحرضهم فيها ويذكرهم ما سبق إليهم من المكاتبات4 في شأن هذه الحوادث العمي العظام، التي قلعت أصول الإسلام، والتبس الأمر بسببها على من ينتسب إلى العلم، وخفي عليه المخرج والحكم، واتبعهم في ذلك جمهور أهل الأهواء، ولم يلتفتوا إلا /إلى منهجه/5 الإهلاك والإغواء، وتركوا طريق من يدعوهم إلى الحق والهدى، ويبصرهم بنور الله أسباب النجاة والتقى، حتى أعضل فادح تلك الحوادث، وطغى على القلوب ما طغى من تلك الكوارث، فما ارعوى إلى الحق أكثرهم وما استرشد، فلم يستبينوا الرشد إلا ضحى الغد.
وقد سأله الإخوان عن حكم من يسافر إلى بلاد المشركين التي يعجز فيها عن إظهار ما وجب من التوحيد والدين6، ويعلل بأنه لا يسلم عليهم ولا يجالسهم، ولا /يبحثون/7 عن سره. إلى غير ذلك من تعليل الجاهلية.
فأجاب رحمه الله-8 يما ستقف عليه من التحقيق والسلوك إلى أٌقوم منهج وطريق، وهذا نص الرسالة:
1 جاءت هذه الرسالة في المطبوع في ص181- 183، وهي الرسالة رقم (29) . وجاءت في (ب) في ص228- 230.
2 تقدم في ص 258.
3 تقدم في ص94- 258.
4 وقد تقدم ذلك في رسالة رقم (7) ص263، وسيأتي في رسالة رقم (86) ص905.
5 في (أ) : إلى منهج.
6 تقدمت هذه المسألة مطولاً في ص220-227.
7 كذا في المطبوع: وفي جميع النسخ: يبحثونه.
8 ساقط في (ب) و (ج) و (د) والمطبوع.
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبد اللطيف بن عبد الرحمن، إلى الأولاد المكرمين محمد بن علي، وإبراهيم بن راشد، وإبراهيم بن مرشد، وعثمان بن مرشد، سلمهم الله تعالى، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فنحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو، كثير الخير دائم المعروف. والخط وصل بما اشتمل عليه من الوصية، جعلنا وإياكم ممن يقبل النصائح، ويدرأ المقت والفضائح
وجاءكم /مني/1 مكتبات في /هذه/2 الحوادث العمي، ولم يبلغني /عنكم ما يسر/3 من القبول والقيام لله. والحق على طالب العلم، والمنتسب إلى الدين والفهم، أكبر منه على غيره، والواجب عليه آكد. والعاقل لا يرضى على نفسه سبيل أهل المداهنة والبطالة.
وقد دهم الإسلام من الحوادث ما تعجز عن حمله الجبال الراسيات، وتصغر في جنبه كل المحن والمصيبات،4 فما مضت فتنة إلا ما هو أكبر من الشرك والكفريات. ومع ذلك، فكثير من الناس قد التبس عليه الأمر، وخفي عليه المخرج والحكم، وكثر الخوض والاعتراض من بعض من ينتسب إلى القراء، ويدعي الفهم والطلب، واتبع جمهور أولئك ما يهواه، من غير بينة ولا سلطان. ولم يتهم أحد رأيه، ولم يرجع إلى المحاقة5 والفكر، حتى انهدم بنيان الإسلام، ولم يستوحش الأكثرون من ولاية عباد الأوثان والأصنام.
1 في (أ) : منا. وفي بقية النسخ المثبت.
2 في (ب) و (ج) و (د) : ها.
3 في المطبوع: ما يسرني عنكم.
4 هكذا في جميع النسخ "مصيبات" على أنه جمع "مصيبة". ولم أجد في المعاجم التي اطلعت عليها، من جمعها على هذا. وذكروا أن القياس في جمعه:"مصاوب"، وأن "مصائب: بالهمز شاذ. لسان العرب 1/535 مادة (صوب) .
5 سيأتي ذكر معناه في ص896.
وما أحسن ما قال سهل بن حنيف1 -فيما رواه البخاري- قال: حدثنا الحسن بن إسحاق2 ثنا محمد بن سابق3 حدثنا مالك بن مغول4 قال: سمعت أبا حصين5 قال: قال /أبو وائل/6: لما قدم سهل بن حنيف من صفين، أتيناه نستخبره، فقال اتهموا الرأي، فلقد رأيتني يوم أبي جندل7، ولو استطيع أن أرد على رسول الله صلى الله عليه وسلم /أمراً أمره/8 لرددت، والله ورسوله أعلم. وما وضعنا أسيافنا /على/9 عواتقنا /لأمر يفظعنا/10.........................................
1 هو سهل بن حنيف بن واهب بن العكيم، أبو ثابت الأنصاري، الأوسي العوفي، شهد بدراً وأحداً. (ت38هـ) . الاستيعاب 2/662، أسد الغابة 2/364، وسير الأعلام 2/325.
2 هو الحسن بن إسحاق بن زيد الليثي مولاهم المروزي، المعروف بحسنويه، أبو علي، وثقه النسائي، (ت241هـ) وليس له في البخاري سوى هذا الحديث.
انظر تقريب التهذيب 1/163.
3 هو محمد بن سابق التميمي، أبو جعفر –وقيل أبو سعيد- البزار، الكوفي نزيل بغداد، مولى بني تميم، من أصل فارس، من شيوخ البخاري، وقد يروي عنه بوساطة، كما هنا. (ت214هـ) .. تاريخ بغداد 5/338 تقريب التهذيب 2/163.
4 هو مالك بن مغول بن عاصم بن غزية بن خرشة، أبو عبد الله البجلي الكوفي، الإمام الثقة المحدث (ت159هـ)
سير الأعلام 7/174، تهذيب التهذيب 10/22، شذرات الذهب 1/247.
5 هو عثمان بن عاصم بن حصين –وقيل بدل حصين: زيد بن كثير أبو حصين، الإمام الحافظ الأسدي الكوفي، (ت128هـ) . سير الأعلام 5/412، تهذيب التهذيب 7/126.
6 في (ب) و (ج) و (د) والمطبوع: "ابن وائل" وهو خطأ. والصواب: (أبو وائل) وهو: شقيق بن سلمة، أبو وائل الأسدي الكوفي محضرم، أدرك النبي صلى الله عليه وسلم وما رآه. روى عن عمر وعثمان وعلي وغيره من الصحابة. (ت82هـ) . تاريخ بغداد 9/268، سير الأعلام 4/161.
(يوم أبو جندل) يريد به يوم الحديبية. فتح الباري 6/325.
8 ساقط في جميع النسخ، والتكملة من البخاري.
9 في جميع النسخ (عن) والتصحيح من البخاري.
10 ساقط في جميع النسخ والتكملة من صحيح البخاري.
إلا /أسهلن/1 بنا إلى /أمر نعرفه/2 قبل هذا الأمر، ما نسد منها خصماً إلا /تفجر علينا خصم/3 ما ندري كيف نأتي له) 4.
وأما السؤال عمن سافر إلى بلد المشركين التي يعجز فيها عن إظهار ما وجب الله من التوحيد والدين، ويعلل بأنه لا يسلم عليهم، ولا يجالسهم، ولا يبحثونه عن سره، أو أنه يقصد التوصل إلى غير بلاد المشركين، نحو ذلك من /تعاليل/5 الجاهلين. /فاعلموا/6 أن تحريم ذلك السفر قد اشتهر بين الأمة، وافتى به جماهيرهم، وما ورد من الرخصة، محمول على من يقدر على إظهار دينه، أو على ما كان قبل الهجرة. ثم إن المنع قد أنيط بالمجامعة والمساكنة، وإن لم يحصل سلام ولا مجالسة، ولا بحث عن سره، كما في حديث سمرة:"من جامع المشرك /و/7 سكن معه فإنه مثله"8.
/فانظروا/9 ما علق به الحكم من المساكنة والاجتماع، وتعليق الحكم بالمشتق يؤذن بالعلة؛ فإن وقع من ذلك سلام ومجالسة، أو فتنة بالبحث عن عقيدته وسره، عظم الأمر واشتد البلاء.
وهذه محرمات مستقلة، يسضاعف بها الإثم والعذاب، فكيف تروج عليكم هذه الشبهات، ولكم في طلب العلم سنوات، وخوف الفتنة أحد مقاصد الهجرة، وهو غير منتف مع هذه التعاليل.
1 في جميع النسخ (أسهل) . والتصحيح من البخاري.
2 في جميع النسخ (أمر لا نعرفه) بزيادة (لا) النافية. وهو غير موجود البخاري.
3 في جميع النسخ: (انفجر خصم) . والتصحيح من البخاري.
4 صحيح البخاري مع الفتح 7/ 522- 523، المغازي، باب غزوة الحديبية.
صحيح مسلم بشرح النووي 12/ 383- 384، الجهاد، باب صلح الحديبية.
5 كذا في (أ) والمطبوع، وفي بقية النسخ: تعليل.
6 كذا في (أ)، وفي بقية النسخ: فاعلم.
7 في جميع النسخ- عدا المطبوع-: أو. وفي النص المثبت.
8 تقدم تخريجه في ص 234.
9 كذا في (أ)، وفي بقية النسخ: فانظر.
ومن مقاصد الهجرة، الانحياز إلأى الله بعبادته، والإنابة إليه، والجهاد في سبيله، ومراغمة أعدائه؛ وإلى رسوله بطاعته وتعزيره ونصره ولزوم جماعة المسلمين، ولذلك يقرن الهجرة والإيمان في غير موضع من كتاب الله1، وكل هذا غير حاصل؛ وإن فرض صدق القائل فيما علل به –والغالب كذب هذا الجنس- فإن الأعمال الظاهرة تنشأ عما في القلوب من الصدق والإخلاص أو عدمها. وقد عرفتم أن العامي الذي لا يعرف حدود ما أنزل الله على رسوله، ولم يلتفت إلى العلم، تسرع إليه الفتنة أسرع من السيل في منحدره، ولذلك غلب على كثير من الناس عدم النفرة، فرحل إليهم من رحل، وقبلوا رسائلهم وأفشوها في الناس، وأعانهم بعض المفتونين عن دينهم، وجالسوهم وأرسلوهم. /وبعضهم/2 يقول: الدين في القلوب3 ولم يلتفتوا إلى الأعمال الإسلامية والشرائع الإيمانية، ولو صدق ما زعموه في قلوبهم، لأطاعوا الله ورسوله واعتصموا به، أعاذنا الله وإياكم من معضلات الفتن.
وحماية جناب التوحيد، وسد الذرائع الشركية من أكبر المقاصد الإسلامية، وقد ترجم شيخنا4 في كتاب التوحيد لهذه القاعدة5. فرحمه الله من إمام ما أفقهه في دين الله، وما أعظم غيرته لربه، وتعظيمه لحرماته، وما أحسن أثره على الناس.
1 ومن المواضع التي اقترن فيها الهجرة والإيمان في كتاب الله:
قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [لأنفال: 72] .
وقوله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} [التوبة:20] .
2 في المطبوع: بعض من.
3 هذا قول كثير من المفتونين اليوم، في حالة تكاسلهم عن الفرائض، فيشرون إلى صدورهم بأن "التقوى ههنا"، نعم، إنه لكذلك، وإنما يجب أن يترجم ذلك بالأعمال الصالحة، حتى يعرف صدق ذلك القول. وإلا فيعلم أيضاً أن الكفر ههنا، عند من يكون ظاهره وأعماله معادية للإسلام، نابذاً لأركانه وشرائعه. فيجب فهم هذه الكلمة على حقيقتها.
4 يعنى الشيخ محمد بن عبد الوهاب.
5 فقد ترجم لذلك فقال: (باب حماية النبي صلى الله عليه وسلم حمى التوحيد، وسده طرق الشرك) .
وبلغوا سلامنا إبراهيم بن الشيخ وصالح بن محمد وخاص الأخوان، ومن لدينا العيال ينهون إليكم السلام. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.