الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرسالة الثانية عشرة: إلى علي بن أحمد بن سلمان
قول العلماء في الجهمية والرد عليهم
…
(الرِّسَالَةُ الثَانِيَةُ عَشَرَةَ)(1)
قال جامع الرسائل
وله أيضاً –قدس الله روحه، ونوّر ضريحه، /وعفا عنه/ (2) - رسالة تكلم فيها على سبيل الإيجاز والاختصار، جواباً لمسائل سأله عنها علي بن حمد/ (3) بن /سلمان/ (4)، لما تقدم إلى /بلدة/ (5) فارس وهذا نصها:
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبد اللطيف بن عبد الرحمن، إلى الابن علي بن حمد بن سلمان –سلّمه الله تعالى، وزيّنه بزينة الإيمان- سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: فأحمد إليك الله على إنعامه، والخط وصل وما ذكرت صار معلوماً (6) ، فأما رغبتك عن البلدة التي فيها أعلام الكفر والشركيات، وتهدم قواعد الإسلام والتوحيد، ويرجع قول العلماء في الجهمية والرد عليهم، فيها إلى غير أحكام القرآن المجيد، فقد أحسنت فيما فعلت، والهجرة ركن من أركان الدين، نسأل الله أن يكتب لك أجر المخلصين الصادقين.
وأما وصولك إلى بلدة فارس، فالذي (7) رأيتهم ينتسبون إلى متابعة الشيخ محمد –رحمة الله عليه- فهم كما ذكرت في خطك، لكن فيهم جهال لا يعرفون ما كان
(1) في (ب) : وردت هذه الرسالة في ص157-167.
(2)
ساقط في المطبوع.
(3)
زيادة في (ب) و (ج) و (د) والمطبوع.
(4)
في المطبوع: (سليمان) وهو خطأ، إذ أنه في بداية النص، أثبت سلمان كغيره،
(5)
في (ب) و (د) : (بلاد) . قال ناسخ (ب) بالهامش: "وهذه البلدة في الإحساء" وهو خطأ، إذ فارس معروف، وهو إيران حالياً.
(6)
في (د) : (صار معلوم) .
(7)
في (أ) و (ب) : (فالذي) وهو خطأ.
الشيخ عليه وأمثاله من أئمة الهدى، وفيهم من بدعة المعتزلة (1) والخوارج (2) ، ولا معرفة لهم بالعقائد والنحل واختلاف الناس، والزمام زمان فترة، يشبه زمن الجاهلية، وإن كانت لكتب موجودة، فهي لا تغني ما لم يساعدهم التوفيق، وتؤخذ المعاني والحدود والأحكام من عالم ربّاني، كما قيل:
الجهل داء قاتل ودواؤه
…
أمران في التركيب متفقان
نص من الرآن أومن سنة
…
وطبيب ذالك العالم الربّاني (3)
والكتب السماوية بأيدي أهل الكتاب (4) ، وقد صار منهم ما صار (5) ،وأساب الجهل والهلاك قد توافرت جداً، وقد قال بعض الأفاضل منذ أزمان:"ليس العجب ممن هلك كيف هلك؟ ولكن العجب ممن نجا كيف نجا؟ "(6) . وهؤلاء الذين ذكرتهم من أهل فارس، وذكرت عنهم تلك العقائد الخبيثة، ليسوا بعرب يفهمون الأوضاع العربية، والحقائق الشرعية، والحدود الدينية، ولا يرجعون إلى نص من كتاب ولا سن، وإنما هو تقليد لم يحسنون به الظن، من غير فهم ولا بصيرة.
قال الحسن البصري –في أمثالهم من المعتزلة من العجم-: إنّ عجمتهم قصرت بهم عن إدراك المعاني الشرعية، والحقائق الإيمانية (7) .
وكذلك لما ناظر أبو عمرو بن العلاء، عمرَو بن عبيد (8) ، من رؤوس المعتزلة، وجده
(1) تقدم التعريف بهم في ص225.
(2)
تقدم التعريف بهم ص169.
(3)
البيتان للإمام ابن القيم في نونيته. الكافية الشافية 2/383.
(4)
وهي: توراة موسى لليهود، وزبور داود، وإنجيل عيسى للنصارى.
(5)
يشير الشيخ إلى ما صار من اليهود والنصارى حيال تلك الكتب، من تحريف وتغيير وحذف، حسب ما يتناسب مع رغباتهم وأهوائهم.
(6)
لم اعرف قائله.
(7)
تقدّم نحو قوله هذا فيهم في ص181.
(8)
تقدمت ترجمته في ص181.
لا يفرق بين الوعد والوعيد، فقال له: من العجمة أوتيت.
وأما عبد الرحمن البهمن (1) ،فهو على ما نقلت عنه، في غاية الجهالة والضلالة، وله من طريقة غلاة الجهمية نصيب وافر، وله من الاعتزال ومن نحلة الخوارج نصيب، وكلام أهل الإسلام وأئمة العلم في الجهمية والمعتزلة والخوارج (2) . فأما جهم بن صفوان (3) فطريقته في التعطيل، ونفي العلو والاستواء، والكلام،
(1) لم أعثر على ترجمته.
(2)
تقدم كلام العلماء في الخوارج ص167، وفي المعتزلة ص 225-226..
أما الجهمية: فهي فرقة تنتسب إلى جهم بن صفوان، تقول: الإيمان معرفة الله بالقلب، وإن لم يكن معها شهادة باللسان، ولا إقرار بالنبوة، والكفر عندهم هو: الجهل بالله فقط، وأن الجنة والنار تفنيان، وأنه لا يجوز وصف الباري تعالى بصفة يوصف بها خلق، وأنه تعالى لا يعلم بشيء قبل خلقه، وأنه لا فعل لأحد في الحقيقة إلا لله وحده، والإنسان لا يقدر على شيء ولا يوصف بالاستطاعة، ونسبة الفعل إليه على المجاز، وأن القرآن مخلوق، فذلك هو مجمل معتقدهم، وقد نص على تكفيرهم كثير من أئمة السلف:
1-
فأخرج اللآلكائي وغيره في "شرح أصول الاعتقاد" 2/321، عن سلام بن أبي مطيع قوله:"الجهمية كفار، لا يصلى خلفهم".
2-
وقال الإمام أحمد: من قال القرآن مخلوق، فهو عندنا كافر". أخرجه عبد الله بن أحمد في السنة 1/107.
3-
وقال بتكفيرهم أيضاً: عبد الله بن المبارك، وسفيان الثوري، وسفيان بن عيينة، وغيرهم، حتى أن الإمام الدارمي أورد في كتابه "الرد على الجهمية" باباً خاصاً بتكفيرهم، ترجم له بقوله: باب (الاحتجاج في إكفار الجهمية) ، ص9، 93 وما بعدها، مجموع الفتاوى، لسيخ الإسلام ابن تيمية 12/485. شرح القصيدة النونية، 1/115. والإبانة عن شريعة الفرقة، ومجانبة الفرق المذمومة، لعبد الله بن محمد بن بطة (ت387هـ) ، تحقيق رضا بن نعسان معطى، دار الراية، الرياض، "/1، 1409هـ-1988م، 1/379-380. كتاب "السنة" لعبد الله بن أحمد (ت290هـ) ، تحقيق محمد ابن سعيد بن سالم القحطاني، دار ابن القيم، ط/1، 1406هـ-1986م، 1/105-106. مقالات الإسلاميين، 1/338. الفرق بين الفرق، ص211. الحجة في بيان المحجة، 2/479. الملل والنحل، 1/86.
(3)
هو جهم بن صفوان، أبو محرز الراسبي، الضال المبتدع، رأس الجهمية، كان ينكر الصفات، ويزعم أنه ينزه الباري عنها، قتله سلم بن أحوز المازني، بمرو سنة 128هـ.
انظر ميزان الاعتدال 1/426؛ وسير الأعلام 6/26.
وسائر الصفات، وقد أخذها عن الجعد بن درهم1،والجعد أخذها بالواسطة عن لبيد بن الأعصم2 اليهودي، الذي صنع السحر لرسول الله صلى الله عليه وسلم3 وكانوا يخفون مقالتهم، ومن أظهر شيئاً من ذلك قتل، كما صنع خالد بن عبد الله القسري4 أمير واسط، بالجعد بن درهم، فإنه ضحى به يوم العيد، وقال على المنبر: أيها الناس ضحوا تقبل الله ضحاياكم -فإني مضح بالجعد بن درهم؛ إنه زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلاً، ولم يكلم الله تكليماً، تعالى الله عما يقول الجعد علواً كبيراً. ثم نزل فذبحه5.
والجهم قتل أيضاً لما ظهرت مقالته6، ثم في زمن الخليفة المأمون العباسي7،
1هو الجعد بن درهم، مؤدب مروان الحمار، مبتدع ضال، زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلاً، ولم يكلم موسى تكليماً، وقتل على ذلك بالعراق، يوم النحر عام (118هـ) ، وقيل غير ذلك.
انظر ترجمته وقصته: البداية والنهاية، 9/364؛ وسير الأعلام، 5/364؛ وميزان الاعتدال، 1/399.
2 لبيد بن الأعصم اليهودي، من يهود بني زريق، وهو الذي سحر النبي صلى الله عليه وسلم انظر: البداية والنهاية، 9/364.
3 انظر: قصته في البداية النهاية، 9/ 364.
4 هو خالد بن عبد الله بن يزيد أبو الهيثم القسري، أمير العراقيين، لهشام، وجده يزيد له صحبة، كان جواداً ممدوحاً معظماً، قتل المغيرة بن سعيد وأصحابه، كان يريهم أنه يحيي الموتى، وكان ساحراً. كما قتل الجعد بن درهم. وهذه من حسناته. (ت126هـ) .
انظر: سير الأعلام، 5/425؛ وتهذيب التهذيب، 3/101.
5 كان ذلك نحو سنة (118هـ) .
انظر: البداية والنهاية، 9/ 364- 365؛ وسير الأعلام، 5/432؛ والأعلام، 2/120.
6 قتله سلم بن أحوز المازني سنة (128هـ) ؛ لإنكاره أن الله كلم موسى.
انظر: سير الأعلام، 6/27.
7 هو المأمون بن عبد الله بن هارون الرشيد بن محمد المهدي العباسي، ولد سنة (170هـ) ، دعا إلى القول بخلق القرآن، وبالغ، وحمل الناس على هذا الرأي الباطل، بالقوة والإكراه، وامتحن عليه علماء الأمصار، بينهم الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله (ت218هـ) .
انظر: تاريخ بغداد، 10/183؛ وسير الأعلام، 10/272.
ظهرت في الناس تلك المقالات بواسطة بعض الوزراء والأمراء، وكثر الخوض، فصاح بهم أهل الإسلام من كل ناحية، وبدعوهم وفسقوهم وكفروهم.1
قال ابن المبارك2 الإمام الجليل من أكابر أهل السنة: "من لم يعرف أن الله فوق عرشه، بائن من خلقه، فهو كافر يستتاب، فإن تاب وإلا قتل، ولا يدفن في مقابر المسلمين، ولا مقابر أهل الذمة؛ لئلا يتأذى به أهل الذمة من اليهود والنصارى"3.
1 كان من بين العلماء الذين تصدوا لمحاربة تلك المقالات: الإمام أحمد بن حنبل، وبشر بن الوليد بن معين، وأبو حسان الزيادي، والقواريري، وعلي بن الجعد، وإسحاق بن إسرائيل، وعلي بن أبي مقاتل، وقتيبة بن سعيد، ومحمد بن سعد، وأبو خيثمة، وإسماعيل بن داود، وابن نوح، وغيرهم انظر: سير الأعلام، 10/288.
2 هو عبد الله بن المبارك بن واضح، الإمام، شيخ الإسلام، علام زمانه، أبو عبد الرحمن الحنظلي، الحافظ أحد الأعلام، ولد (118هـ)، وتوفي (181هـ) . انظر: تاريخ بغداد، 10/ 152؛ وسير الأعلام، 8/378- 421؛ وتهذيب التهذيب، 5/ 382.
3 لم أجد كلام ابن المبارك هذا، بل قد روي ما هو قريب منه عن أبي بكر محمد بن إٍسحاق بن خزيمة رحمه الله أنه قال: "من لم يقر بأن الله على عرشه، قد استوى فوق سبع سماواته، فهو كافر به، يستتاب، فإن تاب وإلا ضرب عنقه، وألقي على بعض المزابل؛ حيث لا يتأذى المسلمون، ولا المعاهدون بنتن ريح جيفته؛ وكان ماله فيئاً، ولا يرثه أحد من المسلمين؛ إذا المسلم لا يرث الكافر، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم
انظر: إثبات صفة العلو، لموفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي (ت620هـ) ، تحقيق د. أحمد بن عطية الغامدي، مكتبة العلوم والحكم، المدينة المنورة ط/1، 1409هـ - 1988م، ص185.
أما ما نقل عن عبد الله بن المبارك، فهو أن الحسن بن شقيق سأله: كيف ينبغي لنا أن نعرف ربنا؟ قال: "على السماء السابعة على عرشه، ولا نقول كما تقول الجهمية: إنه ههنا في الأرض".
وقال الحسن أيضاً: سمعت عبد الله بن المبارك يقول: "إنا لنحكي كلام اليهود والنصارى، ولا نستطيع أن نحكي كلام الجهمية".
ونقل البخاري في "خلق أفعال العباد" قول ابن المبارك: "كل قوم يعرفون ما يعبدون إلا الجهمية".
انظر سير الأعلام، 18/401- 403؛ إثبات صفة العلو، ص 171؛ وخلق أفعال العباد والرد على الجهمية وأصحاب التعطيل، للإمام البخاري (ت256هـ) ، مكتبة ومطبعة النهضة الحديثة، مكة المكرمة، ط/1، 1389هـ، ص12.
وقال الفضيل بن عياض1 ويوسف بن أسباط2: الجهمية ليست من الثلاث والسبعين فرقة، التي افترقت إليها هذه الأمة3. يعني أنهم لا يدخلون في أهل القبلة.
وقد صنفت التصانيف، وجمعت النصوص والآثار في الرد عليهم4 وتكفيرهم، وأنهم خالفوا المعقول والمنقول، وأن قولهم يؤول إلى أنهم لا يثبتون رباً يعبد، ولا إلهاً يصلى له ويسجد، إنما هو تعطيل محض، وكذلك كفرهم5.
1 فضيل بن عياض بن مسعود بن بشر، الإمام القدوة، الثبت، شيخ الإسلام، أبو علي التميمي الخراساني، ثقة، سكن مكة (ت187هـ) .
انظر: تذكرة الحفاظ، 1/245؛ وسير الأعلام 8/421؛ وحلية الأولياء، 8/84.
2 يوسف بن أسباط الزاهد، من سادات المشايخ، له مواعظ وحكم، روى عن الثوري، وزائدة بن قدامة، وغيرهما، قال أبو حاتم: لا يحتج به.
أنظر: حلية الأولياء، 8/237؛ وميزان الاعتدال 4/462؛ وسير الأعلام، 9/169.
3 ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى"، 3/350. وجاء كلام يوسف بن أسباط في "السنة"، للحافظ أبي بكر عمرو بن أبي عاصم الضحاك (287) ، المكتب الإسلامي، ط/1، 1400هـ - 1980، ج 2/463، رقم (953) ؛ والشريعة للآجري، ص15.
4 ومما صنف في الرد على الجهمية:
1.
الاختلاف في اللفظ والرد على الجهمية والمشبهة، لعبد الله بن قتيبة الدينوري (ت276هـ) .
2.
الرد على الجهمية، للإمام الحافظ عثمان بن سعيد الدارمي، (ت280هـ) .
3.
الرد على الجهمية، للحافظ ابن منده (ت395هـ) .
4.
كتاب الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة، لابن القيم (751هـ) .
5.
اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة والجهمية، لابن القيم.
6.
الرد على الجهمية والزنادقة، كتاب ينسب للإمام أحمد، وقد بين محققه صحة نسبته إليه، بالأدلة، يرجع إليها في ص72- 78. تحقيق د. عبد الرحمن عميرة، طبعة دار اللواء، الرياض، 1397هـ.
5 أي كذلك كفرهم كفر محض أيضاً.
قال ابن القيم في الكافية الشافية:
ولقد تقلد كفرهم خمسون في
…
عشر من العلماء في البلدان1
يعني أن خمسمائة عالم أئمة مشاهير، جزموا بكفرهم، ونصوا عليه. وحججهم وشبهاتهم واهية داحضة، ولا تروج على من شم رائحة الإسلام.
قال بعض العلماء: أهل البدع لهم نصوص يدلون بها، قد اشتبه عليهم معناها، ولم يهتدوا فيها، إلا الجهمية، فليس معهم شيء مما جاءت به الرسل، ونزلت به الكتب. انتهى2. والقرآن والسنة كلها رد عليهم.
قال بعض أصحاب الإمام الشافعي -رحمه الله تعالى-: في القرآن ألف دليل على علو الله على خلقه، وأنه فوق العرش3. وذكر ابن القيم رحمه الله طرفاً صالحاً في نونيته من ذلك4.
وأما نصوص السنة وكلام أهل العلم، فلا يحصيها ويحيط بها إلا الله. ويكفي المؤمن أن يعلم أن كل من عرف الله بصفات جلاله، ونعوت كماله، وتبين له شيء من ربوبيته وأفعاله، يعلم ويتيقن أنه هو العلي الأعلى، الذي على عرشه استوى، وعلى الملك احتوى، وأنه القاهر فوق عباده، وأنه يدبر الأمر من السماء إلى الأرض5. ولا
1 الكافية الشافية، لابن القيم، 1/290.
2 المصدر السابق، نفس الصفحة. وقد ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "مجموع الفتاوى"، 5/122، وفي كتاب "النبوات"، ص130.
3 ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في "المجموع"، 5/121. ونصه: "
…
حتى قال بعض أكابر أصحاب الشافعي: في القرآن ألف دليل وأزيد تدل على أن الله عال على خلقه وأنه فوق عباده".
4 انظر: الكافية الشافية، 1/397، 399، 402، 405، 408، 412، 415، 417، 420، 422، 424، 425، 429، 432، 439، 483، 486، 492، 500، 510، 514. تحدث الإمام في تلك المواضع وغيرها عن الأدلة على علو الله تعالى على خلقه.
5 هذه عقيدة أهل السنة والجماعة، والتي توافرت النصوص من كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم على إثباتها؛ من ذلك: قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5] .
يشك في ذلك إلا من اجتاله1 الشيطان عن الفطرة التي فطر الله الناس عليها2.والكلام يستدعي بسطاً طويلاً، فعليك بكتب أهل السنة، واحذر كتب المبتدعة؛ فإنهم قد سودوها بالشبهات والجهالات، التي تلقوها عن أسلافهم وشيعهم.
وأما دعواه أن النبي صلى الله عليه وسلم حي في قبره، فإن أراد الحياة الدنيوية، فالنصوص والآثار والإجماع والحس يكذبه3. قال الله تعالى:{إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ} 4...............................
قوله تعالى: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِير} [الأنعام:18] .
وقوله تعالى: {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} [السجدة:5] . وغير ذلك من الآيات الكريمات، وكلها تثبت علوه تعالى، واستوائه على عرشه.
1 أي استخفه، يقال: جال واجتال، إذا ذهب وجاء، واجتال الشيء إذا ذهب به وساقه. لسان العرب، 11/131، مادة (جول) .
2 كما هو الحال لدى الجهمية، الذين يقولون: إنه تعالى ها هنا في الأرض. [إثبات صفة العلو ص171] . وقول بعض الغلاة: "الله لا فوق، ولا تحت، ولا يمين، ولا يسار، ولا أمام ولا خلف، لا داخل العالم ولا خارجه". وبعض فلاسفتهم يزيد: "لا متصلاً بالعالم، ولا منفصلاً عنه"!! وحقيقة هذا النفي: أن الله غير موجود. وهو تعطيل مطلق، تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً. مختصر العلو للعلي الغفار، للحافظ الذهبي، اختصره محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، ط/1، 1401هـ - 1981م، ص54.
3 وما أحسن ما قاله الإمام ابن القيم رحمه الله حين قال في رده على مدعي ذلك:
لو كان حياً في الضريح حياته
…
قبل الممات بغير ما فرقانِ
ما كان تحت الأرض بل من فوقها
…
والله هذه سنة الرحمن
أتراه تحت الأرض حياً ثم لا
…
يفتيهم بشرائع الإيمان
ويريح أمته من الآراء والـ
…
ـخلف العظيم وسائر البهتان
أم كان حياً عاجزاً عن نطقه
…
وعن الجواب لسائل لهفان
وعن الحراك فما الحياة اللات قد
…
أثبتموها أوضحوا ببيان؟
الكافية الشافية، 2/154- 155.
4 سورة الزمر: الآية (30) .
وقال تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ} الآية1. وقد قام أبو بكر في الناس يوم موت النبي صلى الله عليه وسلم وقال: "أما بعد: فمن كان يعبد /محمداً/2 فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله، فإن الله حي لا يموت"3، وتلا هذه الآية: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ} 4.
أما إن أراد الحياة البرزخية، كحياة الشهداء5، فللأنبياء منها أفضلها وأكملها، ولنبينا محمد صلى الله عليه وسلم منها، الحظ الوافر، والنصيب الأكمل، لكنها لا تنفي الموت، ولا تمنع إطلاقه على النبي والشهيد.
وأمر البرزخ لا يعلمه ولا يحيط به إلا الله تعالى، الذي خلقه وقدره. والواجب علينا الإيمان بما جاءت به الرسل، ولا نتكلف ولا نقول بغير علم، والحياة الأخروية بعد البعث والنشور، أكمل مما قبلها وأتم، للسعداء والأشقياء.
وأما دعواه أن العبادة6 هي السجود فقط، فهذا الجهل ليس بغريب عن مثل هذا الملحد. والنصوص القرآنية والأحاديث النبوية، قد فصلت أنواع العبادة تفصيلاً،
1 سورة الأنبياء: الآية (34) .
2 في (د) : (محمدٌ) .
3 سيرة ابن هشام، 4/306؛ والبداية والنهاية، 5/212.
4 سورة آل عمران: الآية (144) .
5 وهي الحياة التي أفادها قوله تعالى: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران:169] . وقوله تعالى: {وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ} [البقرة:154] . قال ابن كثير رحمه الله (يخبر تعالى أن الشهداء في برزخهم أحياء يرزقون) . تفسير ابن كثير، 1/203.
6عرف العلماء العبادة في الاصطلاح الشرعي، بتعريفات عدة، ويدور لفظ "العبادة" فيها حول معنى الذل التام والخشوع والخضوع الكامل لله تعالى، والالتزام بما شرعه، والانتهاء عما نهى عنه تعالى، والتمسك بكل ما يرضى الله تعالى، قولاً وعملاً وتركاً.
وقد جاء تعريف شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مقدمة تلك التعريفات، فهو أجمعها وأشملها، وهو قوله رحمه الله:"العبادة هي: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه، من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة"، ثم استرسل الشيخ في بيان بعض أنواع العبادة بقوله:"فالصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، وصدق الحديث، وأداء الأمانة، وبر الوالدين، وصلة الأرحام، والوفاء بالعهود، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والجهاد للكفار والمنافقين، والإحسان إلى الجار واليتيم والمسكين وابن السبيل والمملوك من الآدميين والبهائم، والدعاء، والذكر، والقراءة، وأمثال ذلك من العبادة. وكذلك حب الله ورسوله، وخشية الله، والإنابة إليه، وإخلاص الدين له، والصبر لحكمه، والشكر لنعمه، والرضا بقضائه، والتوكل عليه، والرجاء لرحمته، والخوف لعذابه، وأمثال ذلك هي من العبادة".
مجموع الفتاوى، 10/149- 150. وانظر: تعريفات العلماء الأخر للعبادة في: الجامع لأحكام القرآن للقرطبي، 1/101. تفسير ابن كثير، 1/27. تفسير البغوي "معالم التنزيل"، لحسين بن مسعود البغوي (ت516هـ) ، تحقيق خالد عبد الرحمن العك، دار المعرفة، بيوت، لبنان، ط/2، 1407هـ، 1/41. الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، لمحمد بن عمر الزمخشري (538هـ) ، الحلبي، الطبعة الأخيرة، 1385هـ، 1/62. مجموعة التوحيد النجدية، لابن تيمية (728هـ) ، ومحمد بن عبد الوهاب (ت1206هـ) ، مطبعة الحكومة، مكة المكرمة، 1391هـ، ص213.
وقسمتها تقسيماًَ، ونوعتها تنويعاً1، قال تعالى:{الم (البقرة:1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ} . إلى قوله تعالى: {أُولَئِكَ عَلَى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ
1 تنقسم العبادات إلى أنواع؛ هي:
الأول: العبادات الاعتقادية: وهي "العبادات القلبية" المشتملة على الاعتقاد بانفراد الله تعالى بالربوبية، والألوهية، والأسماء، والصفات، وكل ما ينطوي عليه القلب من الإيمان، وكذلك الخوف، والرجاء، والتوكل، والاستعانة، والخضوع لله تعالى، وغير ذلك.
الثاني: العبادات اللفظية: وتعرف بالقولية، وهي كل ما يختص باللسان، تعبيراً عما في القلب من الاعتقاد؛ وذلك كالنطق بالشهادتين، وتلاوة القرآن، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وغير ذلك
الثالث: العبادات العملية: وتعرف بالبدنية، وهي أعمال الجوارح؛ كالصلاة وما يتعلق بها من أعمال، والصيام، والذبح، والجهاد، ونحو ذلك.
الرابع: العبادات المالية: وهي ما تختص بالأموال؛ كالزكاة، والصدقات، وجميع الإنفاق في الحج، والجهاد، وعلى الأيتام، والأرامل، ونحو ذلك. انظر هذه الأنواع: مدارج السالكين،1/113، 114، 124، 128، 129. ومجموعة التوحيد النجدية، ص123. الجامع الفريد لكتب رسائل أئمة الدعوة، ص498. كيف السبيل إلى الله، لخير الدين الطلفاح، مطبعة العبابجي، بغداد، 4/45، 47، 48، 51.
المُفْلِحُونَ} 1، وهل المهتدون والمفلحون إلا خواص عباد الله؛ وقال تعالى:{لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ} إلى قوله: {أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} 2، فخصهم بالصدق والتقوى، وحصرها فيهم؛ لأن ما ذكر، رأس العبادة، والإيمان متضمن لما لم يذكر، مستلزم له، فلهذا حسن الحصر. وقال تعالى:{وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرائيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} إلى قوله {وَآتُوا الزَّكَاةَ} 3. فبدأ بذكر العبادة المجملة، ثم خص بعض الأفراد تنبيهاً على الاهتمام، وأنها من أصول الدين؛ ولئلا يتوهم السامع أن العبادة تختص بنوع دون ما ذكر في قوله: {وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ} 4. ومعلوم أن إقامة الصلاة داخل فيما قبله؛ لأنه آكد الأركان الإسلامية بعد الشهادتين، وكذلك قوله:{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} 5، والاستعانة عبادة بالإجماع، وعطفها على ما قبلها، اهتماماً بالوسيلة، وتنبيهاً على التوكل6. وقال تعالى:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ} إلى قوله: {لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} 7.
والعدل تدخل فيه الواجبات كلها، والإحسان تدخل فيه نوافل الطاعات وإيتاء ذي القربى /يدخل/8 فيه حق الأرحام، ونحوها من العبادات المتعدية، والنهي عن الفحشاء والمنكر يدخل /فيه/9، ما نهى الله عنه من ظاهر الإثم وباطنه، وتركه من أجل العبادات، والبغي من أكبر السيئات، وتركه من أهم الطاعات، فهذا كله داخل
1 سورة البقرة: الآية (1-5) .
2 سورة البقرة: الآية (177) . وقوله (وَالْكِتَابِ) ساقط في (د) .
3 سورة البقرة: الآية (83) .
4 سورة الأعراف: الآية (170) .
5 سورة الفاتحة: الآية (5) .
6 انظر: الكشاف، للزمخشري، 1/65.
7 سورة النحل: الآية (90) .
8 ساقط في (د) .
9 كذا في المطبوع. وفي جميع النسخ (فيها) .
في العبادة بالإجماع. و /قد/1 قال تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} إلى قوله: {وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَدْحُوراً} 2.
فابتدأ الآية بالأمر بعبادته وحده لا شريك له، وعطف /بقية/3 العبادات4 المذكورة؛ اهتماماً بها وتنويهاً بشأنها. ولا قائل إن ما ذكر ليس بعبادة، بل أهل اللغة، وأهل الشرع، من المفسرين، وغيرهم، مجمعون على أن ما أمر به في هذه الآيات، من أفضل ما يتقرب /العبد/5 به من القرب والعبادات.
وما علمت أحداً من أهل العلم واللغة يتنازع في ذلك، ولكن القوم كما تقدم6 عجم أو مولدون. قال تعالى:{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ} 7، فعطف إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة على ما قبله، وإن كان يدخل فيه عند الإطلاق، تنبيهاً على ما تقدم من الاهتمام، /والحض/8 على ما ذكر في حديث جبريل، المشهور في الكتب الستة وغيرها، " أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم في صورة رجل، وهو جالس في أصحابه فقال له: ما الإسلام؟ قال: الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتوتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً، قال: صدقت. قال: ما الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، والبعث بعد
1 ساقط في (ب) ، و (ج) والمطبوع.
2 سورة الإسراء: الآية (23، 39) .
3 في (أ) : (باقي) .
4 في جميع النسخ: (العبادة) .
5 ساقط في (ب) ، و (ج) ، و (د) . وبدونه تصح العبارة أيضاً على بناء ما قبله على المجهول.
6 تقدم ذلك في ص181.
7 سورة البينة: الآية (5) .
8 في جميع النسخ: (والحظ) .
الموت، وبالقدر، خيره وشره، قال: صدقت، قال: فما الإحسان؟ قال: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك، ثم قال: هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم "1، فجعل ذلك كله هو الدين، بمعنى العبادة، بدليل قوله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} 2، فجعل عبادة الله هي دين القيمة3. وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه/4 قال: " الإيمان بضع وستون، أو بضع وسبعون، شعبة، أعلاها شهادة أن لا إله إلى الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق "5، ومن قال: ليست هذه الشعبة عبادة، فهو من شر6 الدواب، وأجهل الحيوان.
وقد حصر النبي صلى الله عليه وسلم العبادة في بعض أفرادها، كما في حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه أنه قال:" الدعاء هو العبادة "7،............................................................
1 صحيح البخاري مع الفتح، 1/140، الإيمان، باب (سؤال جبريل عن الإيمان) . صحيح مسلم بشرح النووي، 1/268- 274، الإيمان، باب (بيان الإيمان والإسلام والإحسان) . سنن أبي داود، 5/72، السنة، باب (في القدر) . سنن الترمذي، 5/8، الإيمان، باب (ما جاء في وصف جبريل) . سنن النسائي، 8/97- 101، الإيمان، باب (نعت الإسلام) . سنن ابن ماجه، 1/14، المقدمة، باب (الإيمان) . مسند الإمام أحمد، 1/ 27.
2 سورة البينة: الآية (5) .
3 انظر: جامع البيان للطبري، 30/264. وبهذه الآية استدل كثير من الأئمة؛ كالزهري، والشافعي على أن الأعمال داخلة في الإيمان. تفسير ابن كثير 4/574.
4 زيادة في (ب) ، والمطبوع.
5 تقدم تخريجه ص186.
6 في جميع النسخ: (أشر) . ولا يقال ذلك عند إرادة التفضيل من (شر) بل يحذف الهمزة انظر: كتاب "منحة الجليل بتحقيق شرح ابن عقيل"، لمحمد محي الدين عبد الحميد، -بحاشية- شرح ابن عقيل (ت 769هـ) على ألفية ابن مالك (ت 672هـ) ط/14، 1385هـ - 1965م، 2/174.
7 سنن أبي داود، 2/161، الصلاة، باب الدعاء، سنن الترمذي، 5/426، الدعوات، باب ما جاء في فضل الدعاء، قال الترمذي:"حديث حسن صحيح". سنن ابن ماجه، 2/341، الدعاء، باب (ما جاء في فضل الدعاء) ، مسند الإمام أحمد، 4/267، 271.
وفي حديث أنس: " الدعاء مخ العبادة "1. وكقوله: " الدعاء سلاح المؤمن وعماد الدين "2.
وكل ما ورد من فضائل أعمال وأنواع الذكر، دخل في مسمى العبادة. وقد جمع ابن السني3 والنسائي4، في "عمل اليوم والليلة"، من ذلك طرفاً، يبين أن العبادة في أصل اللغة، بمعنى الذل والخضوع5. كما قال بعضهم6:
1 سنن الترمذي، 5/425-426، الدعوات، باب (ما جاء في فضل الدعاء)، قال الترمذي:"هذا حديث غريب من هذا الوجه، لا نعرفه إلا من حديث ابن لهيعة وذكره ابن حجر في الفتح، 11/97، وضعفه الألباني في "ضعيف سنن الترمذي"، للألباني، المكتبة الإسلامية، بيروت، ط/1، 1411هـ- 1991م، ص441.
2 المستدرك للحاكم، 1/492، وقال: صحيح، فإن محمد بن حسن هذا، هو التل، وهو صدوق في الكوفيين ووافقه الذهبي، وأخرجه الهيثمي في "المجمع"، 10/147، وقال: راوه أبو يعلى، وفيه محمد بن حسن بن أبي يزيد، وهو متروك. وذكره الهندي في "الكنز"(3117) . وضعفه الألباني في "سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيء في الأمة"، للألباني، المكتبة الإسلامية، بيروت، 1/81. قال الألباني: موضوع، وخطأ الحاكم في تصحيحه، وعلل الحديث بالانقطاع، كما ذكره الذهبي في "الميزان"، وأن محمد بن الحسن هذا ليس هو التل إنما هو: أبو يزيد الهمداني.
انظر: السلسة الضعيفة، 1/81- 82.
3 هو أحمد بن محمد بن إسحاق، الإمام الحافظ الثقة، أبو بكر الدينوري، المشهور بابن السني. صنف كتاب "عمل يوم وليلة" وهو مطبوع، واختصر سنن النسائي، وسماه "المجتبى". (ت364هـ) . انظر: طبقات الشافعي الكبرى، للسبكي، 3/39. تذكرة الحافظ 3/939. سير الأعلام، 16/255.
4 هو أحمد بن شعيب بن علي النسائي، صاحب "السنن" وكتاب "عمل اليوم والليلة" وهو مطبوع. (ت 303هـ) .
5 انظر هذا المعنى اللغوي للعبادة في: الصحيح للجوهري، 1399هـ، 2/503؛ وتهذيب اللغة للأزهري، 2/234؛ ولسان العرب، 3/272، وترتيب القاموس المحيط، لأحمد الزاوي، 3/135، مادة (عبد) .
6 هو طرفة بن العبد بن سفيان البكري، أبو عمرو، شاعر جاهلي، ولد في بادية البحرين، وتنقل في بقاع نجد وكان نديماً لعمرو بن هند. (ت 60) قبل الهجرة.
انظر معجم المؤلفين، 5/40؛ والأعلام للزركلي، 3/324.
تباري عتاقاً ناجيات1 وأتبعت
…
وظيفاً وظيفاً2 فوق مور3 معبد4.
أي طريق مذلل، قد ذللته الأقدام5. والدين مأخوذ من معنى الذل والخضوع، يقال: أدنته فدان، أي ذللته فذل6.
وفي الاصطلاح الشرعي: يدخل فيه كل ما يحبه الله ويرضاه من الأعمال الظاهرة والباطنة7، الخاصة والمتعدية، البدنية والمالية.
وكذلك عرفها الفقهاء بأنها: ما أمر به شرعاً من غير اضطراد عرفي ولا إقتضاء عقلي8، إذا عرفت هذا، فالتقوى والعبادة والدين، إذا أفردت ولم تقترن بغيرها، دخل فيها مجموع الدين وسائر العبادات، وإذا اقترنت بغيرها فسر كل واحد بما يخصه؛ كالإيمان، والعمل الصالح9،.................................
1 تباري: تعارض. الناجيات: السريعات. انظر: لسان العرب، 5/186.
2 في جميع النسخ: وضيفاً وضيفاً، بالضاد، وهو في المعلقة بالظاء، كما أثبته. والوظيف: عظم الساق. لسان العرب، 5/186.
3 المور: الطريق. المصدر السابق، نفس الجزء والصفحة.
4 ديوان طرفة بن العبد، دارصادر، بيوت، لبنان، ص22. وذكره ابن منظور في اللسان 5/186.
5 الصحاح للجوهري، 2/503؛ ولسان العرب، 3/273؛ وترتيب القاموس المحيط، 3/137.
6 من مجموع فتاوى شيخ الإسلام، ابن تيمية، 10/152.
7 هذا تعريف شيخ الإسلام ابن تيمية، للعبادة، وقد تقدم في ص306، وانظر: المرجع السابق، 10/149؛ والعبودية، لشيخ الإسلام ابن تيمية (ت 728) ، المطبعة السلفية ومكتبتها، القاهر، ط/2، 1396هـ - 1976م.
8 ورد هذا التعريف في: الهداية السنية؛ والتحفة الوهابية النجدية، ص6؛ ومجموعة التوحيد النجدي، ص212؛ والانتصار لحزب الله الموحدين، للشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبي بطين (ت 1282هـ) ، مكتبة الصحابة الإسلامية، السالمية، الكويت ط/3، ص9؛ ومجموعة الرسائل والمسائل النجدية، 5/501.
9 وهو كما في قوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [العصر:3] .
وقرن بين الأعمال والتقوى والعمل الصالح، في قوله تعالى:{لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا} [المائدة:93] .
والإسلام1، والإيمان، وصدق الحديث2، وكالإيمان، والصبر3، وكالعبادة /والإستعانة4/5، وكالتقوى، وابتغاء الوسيلة6؛ فيفسر كل بما يناسبه ويخصه، كما في سورة الأحزاب:{إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ} 7 فسر كل اسم بما يخصه مع الاقتران.
وإذا أطلق اسم العبادة كما في قوله: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ} 8، واسم الأبرار واسم الإيمان واسم الإسلام في مقام المدح والثناء دخل فيه الدين كله9. فمن عرف هذا، تبين له اصطلاح القرآن والسنة، وعرف أن هؤلاء المبتدعة، من أجهل الناس بحدود ما أنزل الله على رسوله.
والصلاة نفسها تشتمل على أقوال وأفعال غير السجود، وكلها عبادة بإجماع المسلمين10، والقراءة عبادة، والقيام عبادة، والركوع عبادة، والرفع منه عبادة،
1 وقرن الإيمان بالإسلام في قوله تعالى: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْأِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} [الحجرات:14] .
2 وقرن الإيمان وصدق الحديث في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة:119] .
3 وقرن الإيمان والصبر في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران:200] .
4 في (أ) ، و (ج)، و (د) :(وكالاستعانة) .
5 وقرن بين العبادة والاستعانة في قوله تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5] .
6 وقرن بين التقوى وابتغاء الوسيلة، في قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ} [المائدة: 35] .
7 سورة الأحزاب: الآية (35) .
8 سورة الفرقان: الآية (63) .
9 تقدم ذلك في ص171.
10 لم يزل الشيخ يرد على من حصر العبادة في السجود.