الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
/فالحذر، الحذر/1، من هذه الكتب، واهربوا بدينكم من شُبَه الأوائل، وإلاّ وقعتم في الحيرة، فمن رام النجاة والفوز، /فليلتزم/2 العبودية، /وليكثر/3 الاستغاثة /بالله/4، وليبتهل إلى مولاه، في الثبات على الإسلام، وأن يتوفَّ على إيمان الصحابة، /وسادة/5 التابعين، والله الموفق، فبحسن قصد العالم، يغفر له، وينجو إن شاء الله تعالى) 6.
وقال أبو عمر بن الصلاح7:
1 كذا في جميع النسخ، وفي أصل النص (فالحذار الحذار)، وفي (ب) :(فالحذر الحذار) .
2 في أصل النص (فليلزم) .
3 في أصل النص: (وليدمن) . وقد ذكره الشيخ هنا بالمعنى.
4 لفظ الجلالة ساقط في (د) .
5 في (أ) : سادات، وفي بقية النسخ المثبت، وكذا في أصل النص.
6 سير الأعلام 19/328-329.
7 هو عثمان بن عبد الرحمن (صلاح الدين) عثمان بن موسى، تقي الدين أبو عمرو الكردي الموصلي الشافعي، صاحب "علوم الحديث"(ت643هـ) .
تذكرة الحفاظ4/1430؛ طبقات السبكي 8/326؛ سير الأعلام 23/140.
[فصل] في بيان أشياء مهمة، أنكرت على أبي حامد:
ففي تأليفه أشياء /لم يرتضها/8 أهل مذهبه، من الشذوذ؛ منها قوله في المنطق:(هو مقدّمة العلوم كلِّها، ومن لا يحيط به فلا ثقة له بمعلوم أصلاً)9.
قال10: فهذا مردود، إذ كل صحيح الذهن، منطقي بالطبع، وكم من إمام ما رفع بالمنطق رأساً.
8 في جميع النسخ: (لم يرتضيها) ، عدا المطبوع.
9 قال ذلك في المستصفى من علم الأصول، لأبي حامد محمد بن محمد بن محمد الغزالي، ومعه كتاب فواتح الرحموت، لمحمد بن نظام الدين، ط/11، المطبعة الأميرية ببولاق مصر، 1322هـ، 1/10.
10 أي ابن الصلاح.
فأما كتاب (المضنون به على غير أهله) 1 فمعاذ الله أن يكون له، شاهدت على نسخة منه، بخط القاضي كمال الدين، محمد بن عبد الله الشهرزوري2، أنه موضوعٌ على الغزالي، وأنه مخترعٌ من كتاب (مقاصد الفلاسفة) 3 وقد نقضه الرجل، بكتاب (التهافت)4.
وقال أحمد بن صالح الجيلي5 في "تاريخه": (وقد رأيت كتاب "الكشف والإنباء عن كتاب الإحياء" للمازَرِي6، /أوّله/7: الحمد لله الذي أنار الحق، وأداله، وأباد الباطل وأزاله؛ ثم أورد المازري أشياء مما /نقده/8 على أبي حامد، يقول: ولقد أَعْجَبُ من قول مالكية، يرون /مالكاً/9 الإمام، يهرب من التحديد، و/يجانب/10 أن يَرْسُم رسماً، وإن كان /فيه/11 أثرٌ مَّا، أو قياسٌ مَّا، تورُّعاً،
1 كتاب ينسب إلى الغزالي، وهنا ينفي أبو عمرو هذه النسبة.
2 هو محمد بن عبد الله بن القاسم بن مظفر بن علي الشهرزوري، كمال الدين أبو الفضل الموصلي الشافعي، (ت572هـ) . سير الأعلام 21/57؛ طبقات السبكي 6/117، النجوم الزاهرة 6/80.
3 مطبوعٌ، ويوجد عدة نسخ منه في مكتبة الجامعة الإسلامية المركزية.
4 انظر سير الأعلام 19/329. وسيرة الغزالي وأقوال المتقدمين فيه، لعبد الكريم العثمان، دار الفكر بدمشق ص72.
5 أحمد بن صالح بن شافع بن صالح، أبو الفضل الجيلي ثم البغدادي، محدث بغداد، ذيّل على تاريخ الخطيب فذكر الحوادث والوفيات. (ت565هـ) . سير الأعلام 20/572؛ شذرات الذهب 4/215.
6 محمد بن علي بن عمر بن محمد، أبو عبد الله التميمي المازري المالكي، مصنف كتاب "المعلِم بفوائد شرح مسلم" و "إيضاح المحصول" و "كشف الإنباء عن كتاب الإحياء" وغيرها، (536هـ) . سير الأعلام 20/104، النجوم الزاهرة 5/269.
7 ساقط في جميع النسخ، وهو موجود في أصل النص. سير الأعلام 19/330.
8 كذا في سير الأعلام، وفي جميع النسخ: تنقده
9 في (أ) و (د) : مالك، وفي المطبوع:(يرون الإمام مالك) .
10 كذا في سير الأعلام 19/330، وفي جميع النسخ: وإيجاب.
11 في (ب) والمطبوع: فيها.
و/تحفظاً/1 من الفتوى، فيما يحمِل الناسَ عليه، ثم يستحسنون من الرجل2 فتاوى، مبناها على ما لا حقيقة له، وفيه كثيرٌ عن النبي صلى الله عليه وسلم لفّق /فيه/3 الثابت، بغير الثابت4.
وكذا ما /أورد/5 عن السلف، لا يمكن ثبوتُه كلُّه، وأورد من نزعات الأولياء، ونفثات الأصفياء، ما يجلُّ موقعه، ولكن مزج فيه النافع بالضار؛ كإطلاقات يحكيها عن بعضهم، لا يجوز إطلاقها لشناعتها، وإن أُخذت معانيها على ظواهرها، كانت كالرموز لقدح6 الملحدين، ولا تنصرف معانيها إلى الحق، إلاّ بتعسُّفٍ، على أن اللفظ مما لا يتكلّف العلماء مثله، إلاّ في كلام صاحب الشرع، الذي اضطرّت المعجزاتُ -الدالة على صدقه، المانعة من جهله وكذبه- إلى طلب التأويل7، كقوله:
1 في (د) : تحفيظ.
2 أي الغزالي.
3 في (أ) والمطبوع: منه، وفي السير وبقية النسخ ما أثبتّه.
4 وقد جمع السبكي في طبقاته 6/287-389، جميع الأحاديث الواقعة في كتاب الإحياء، التي لم يجد لها إسناداً وعدّتها (943) حديثاً.
كما قام الحافظ الالعراقي بتخريج أحاديث كتاب الإحياء في مؤلّفه: "المغني عن حمل الأسفار في الأسفار"، وهو مطبوع بحاشة الإحياء، عزا فيه كل حديث إلى مصدره، وأبان عن درجة كلٍّ منها، وحكم على كثير منها بالضعف أو الوضع أو أنه لا أصل له.
وعليه
…
فليحذر كلُّ مطلّع على كتاب الإحياء، بالاستشهاد بما فيه من الأحاديث، قبل التبُّت من صحتها.
5 في (د) : ما ورد.
6 في أصل النص: (إلى قدح) . سير الأعلام 19/330.
7 قال الشيخ سليمان بن سحمان –جامع الرسائل- معلِّقاً على هذا الكلام، قال:(قوله: إلى طلب التأويل إلخ، كلام باطل مستدرك مردود على قائله. فالذي درج عليه السلف الصالح، وأهل التحقيق من أهل العلم، أن هذه الأحاديث تجرى على ظواهرها، ولا يعترض لها بتأويل. فمن تأوَّلها فقد سلك غير سبيل المؤمنين، ونحا طريقة المتكلمين المتكلفين، الحيارى المفتونين، فعليك بما كان عليه السلف الصالح، والصدر الأول، والله أعلم) . انتهى، من حاشية (د) . وهو كما قال.
(إن القلوب بين أُصْبُعَيْنِ من أصابع الرَّحمن) 1 و (إنّ السَّموات على إِصَبع) 2، وكقوله:(لأحرقت سبحات وجهه) 3 وكقوله: (يضحك الله
…
) 4 إلى غير ذلك من الأحاديث الواردة، ظاهرها بما أحاله العقل5، إلى أن قال: فإذا كانت العصمة
1 وتمامه: عن أنس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول: " يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك. فقلت يا رسول الله، آمنّا بك وبما جئت به، فهل تخاف علينا؟ قال نعم، إنَّ القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلِّبها كيف يشاء ". صحيح مسلم بشرح النووي 16/446، القدر باب تصريف الله تعالى القلوب كيف يشاء، سنن الترمذي 4/390-391، القدر، باب ما جاء أن القلوب بين أصبعي الرحمن؛ سنن ابن ماجة 2/342، الدعاء باب دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم؛ مسند الإمام أحمد 3/112.
2 وتمامه: عن عبد الله رضي الله عنه قال: جاء حبر من الأحبار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا محمد، إنا نجد أن الله يجعل السموات على إصبع والأرضين على إصبع، والشجر على إصبع، والماء والثرى على إصبع، وسائر الخلائق على إصبع، فيقول أنا الملك. فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه، تصديقاً لقول الحبر، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم:{وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} . صحيح البخاري مع الفتح 8/412-413، التفسير، باب (وما قدرو الله حق قدره) ؛ صحيح مسلم بشرح النووي 17/135-136، صفات المنافقين، باب صفة القيامة؛ سنن الترمذي 5/345-346، التفسير، باب سورة الزمر.
*هذه الأحاديث ونخحوها من الأحاديث المثبِتَة لهذه الصفة الخبرية (صفة الأصبع) لله سبحانه وتعالى.
3 تقد تخريجه ص334.
4 وتمام الحديث: عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر، يدخلان الجنة، يقاتل هذا في سبيل الله فيُقتَل ثم يتوب الله على القاتل فيُستَشَهد". صحيح البخاري مع الفتح 6/47، الجهاد، باب الكافر يقتل المسلم، ثم يسلم يعد فيقتل؛ صحيح مسلم بشرح النووي 13/39-40، الإمارة، باب بيان الرجلين يقتل أحدهما الآخر يدخلان الجنة؛ سنن النسائي 6/39، الجهاد، باب اجتماع القاتل والمقتول في سبيل الله في الجنة.
5 قال الشيخ ابن سحمان –جامع الرسائل-: (هذه الأحاديث وأشباهها، لا تحيلها العقول السليمة، فإن الله ليس كمثله شيء، لا في ذاته ولا في أسمائه وصفاته، وهو على كل شيء قدير، بل نقطع على أنها حق على حقيقتها، ولا نتعرض لها بكيف ولا تأويل؛ بل
غير مقطوع بها في حق الولي، فلا وجه لإضافة ما لا يجوز إطلاقه إليه، إلاّ أن يَثبُت، وتدعو ضرورةٌ إلى نقله، فيتأول؛ إلى أن قال: ألا ترى لو أنّ منصفاً، أخذ يحكي عن بعض الحشويّة1، مذهبه في قدم الصوت والحرف2، وقدم الورق، لما حسن به أن يقول: قال بعض المحققين، إنّ القارىء، إذا قرأ كتاب الله، عاد القارىء في نفسه قديماً، بعد أن كان محدثاً؛ /أو قال/3 بعض الحذاق: إنّ الله محلّ للحوادث، إذا أَخَذَ في حكاية مذاهب الكرَّامية 4.
=نصف الله بما وصف به نفسه ووصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، لا نتجاوز القرآن والسنة. والله أعلم) . انتهى كلامه من هامش المطبوع، 3/135.
*وهذا الذي قاله السيخ ابن سليمان، هو خلاصة معتقد أهل السنة والجماعة في أسماء الله تعالى وصفاته.
1 الحشويّة (السكسكي) في البرهان الحشويّة: هم المجسمة الذين قالوا بأن الله –تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً- على صورة شاب أمرد، له شعر قطط، في رجله نعل من ذهب ينزل يوم عرفة على جمل أحمر
…
إلى غير ذلك من أقوالهم الشنيعة التي لا يصدقها عاقل. [البرهان في معرفة عقائد أهل الأديان للسكسكي (ت683هـ) تحقيق د. بسام علي سلامة العموشي، مكتبة المنار، الأردن، ط/1،1408هـ- 1988م، ص38] .
ويلاحظ أن هذه التسمية تطلقها المبتدعة على أهل السنة وكل من يقول بمقالات السلف في الاعتقاد، زعماً أنهم يجرون النصوص على ظواهرها بدون فهم لمعانيها. وهذا قول باطل مفترى على أهل السنة؛ والواقع أنهم يحملون النصوص على ما جاءت عليه من المعاني المعروفة والثابتة لها، من غير لجوء إلى تأويلات المشبهة والمعطلة المذمومة؛ ويكلون معرفة كيفية معانيها وحقيقتها إلى الله تعالى، لا أ، ّهم لا يفهمون معناها، فإنّها معلومة لديهم؛ كما ثبت عن الإمام مالك وغيره –رحمهم الله قولهم في معنى الاستواء: الاستواء معلوم، والكيف مجهول، والسؤال عنه بدعة. انظر مجموع الفتاوى 5/144 وما بعدها.
2 انظر الملل والنحل للشهرستاني 1/96.
3 في جميع النسخ: (وقال) . وفي أص النص ما أثبتُّه والمعنى: (لا يحسن أيقول: قال
…
أو قال
…
) . سير الأعلام 19/332.
4 تقدّم التعريف بهم، وذكر مذهبهم في ص 364.
وإلى هنا نهاية ما نقل من كلام أحمد بن صالح الجيلي في تاريخه، نقلاً عن كتاب:"الكشف الإنباء عن كتاب الإحياء" للمازَري. كما تقدّمت الإشارة إلى ذلك في ص403.. وقد نقله الذهبي في سير الأعلام 19/330-332.
وقال قاضي الجماعة أبو عبد الله بن /أحمد/1 القرطبي2: إنّ بعض من يَعِظُ، ممن كان ينتحل رسم الفقه، ثمّ تبرّأ منه شغفاً بالشريعة الغزاليَّة، والنِّحلة الصُّوفَّية، أنشأ كُراسة تشتمل على معنى التعصب، لكتاب أبي حامد، إمام بدعتهم؛ فأين هو من تشنيع مناكيره، وتضليل أساطيره المباينة للدين؟ وزعم أنّ هذا من علم المعاملة، المفضي إلى علم المكاشفة3، الواقع بهم على سرِّ الرُّبوبيّة، الذي لا يُسفر عن قناعه، ولا يفوز بإطلاعه، إلاّ من تمطَّى /إلى/4 شيخ ضلالته، التي رفع لهم أعلامَها، وشَرَعَ أحكامَها 5.
قال أبو حامد: وأدنى [النصيب] 6 من هذا العلم التصديق به، وأقلّ عقوبته أن لا يرزق المنكرُ منه شيئاً، فأعرض /من/7 قوله، على قوله، ولا تشتغل بقراءة قرآن، ولا بكتب حديث، لأنّ ذلك يقطعه عن الوصول إلى إدخال رأسه في كمِّ جيبه، والتدثُّر بكسائه، فيسمع نداء الحق؛ فهو يقول: ذروا ما كان السلف عليه، وبادروا إلى ما آمركم به8، ثم إنّ القاضي أقذع9، وسبَّ، وكفَّر10.
1 في جميع النسخ: (حمد) والتصحيح من هامش (أ) .
2 هو محمد بن أحمد بن أحمد بن رشد، قاضي الجماعة، أبو الوليد القرطبي المالكي، كان فقيهاً عالماً، من كتبه: المقدمات والممهدات، والبيان والتحصيل وغيرهما (ت520هـ) . سير الأعلام 19/501، شذرات الذهب 4/62.
3 ذكر الغزالي ما يشير على ذلك في الإحياء، طبعة دار القلم بيروت، تصيح عبد العزيز عز الدين السيردان ومعه بالهمش: المغني عن حمل الأسفار في الأسفار للعراقي (ت806هـ) ط،3، 1/11، 20، و4/229-230.
4 في (أ) : إليه.
5 انظر سير الأعلام 19/332، وسيرة الغزالي ص73.
6 ما بين المعقوفتين بياض في جميع النسخ، والتكملة من سير الأعلام 19/332.
7 حرف الجر لا يوجد في أصل النص.
8 الإحياء 3/19/20.
9 أقذع: من القذع: وهو الفحش من الكلام الذي يقبح ذكره. يقال: قذعه يقذعه قذعاً، وأقذع له إقذاعاً: أي رماه بالفحش، وأساء القول فيه. لسان العرب 8/1262 مادة (قذع) .
10 سير الأعلام 19/332.
قال أبو حامد: (وصدور الأحرار، قبور الأسرار، ومن أفشى سرَّ الربوبية كفر)1.
ورأى مثل قتل الحلاج2 /خيراً/3 من إحياء عشرة، لإطلاقه ألفاظاً.
ونقل عن بعضهم،4 قال:(للرُّبوبيّة سرٌّ5 لو ظهر، لبطلت النبوَّة؛ وللنبُّوّة سرّ لو كُشِفَ، لبطل العلم؛ وللعلم سرٌّ لو كُشِفَ لبطلت الأحكام)6.
قلت7: سرُّ العلم قد كُشف /لصوفة/8 أشقياء، فانحلَّ النظام، وبطل لديهم الحلال والحرام.
قال ابن أحمد9: ثم قال الغزالي، القائل بهذا إن لم يرد إبطال النبوّة في حقّ الضعفاء، فما قال ليس بحقٍّ؛ فإنَّ الصحيح لا يتناقض؛ وإنَّ الكامل لا يطفىء نورُ معرفته نورَ ورعه10.
وقال الغزالي: (العارف يتجلّى له أنوار الحق، وتنكشف له العلوم المرموزة، المحجوبة
1 إحياء علوم الدين 1/94. الإملاء على إشكالات الإحياء (ملحق بالإحياء 5/34. وانظر كلامه في الرسالة القشيرية، لعبد الكريم القشيري، تحقيق: د. عبد الحليم محمود، ومحمود بن الشريف، دار الكتب الحديثية، مصر 1/274.
2 هو الحسين بن منصور بن محمي، أبو عبد الله، ويقال أبو مغيث، الحلاّج الفارسي البيضاوي الصوفي، نسب إلى الحلول والزندقة وغير ذلك، (ت390هـ) . وفيات الأعيان 3/45. سير الأعلام 14/313.
3 في (أ) و (د) : خير.
4 نسبه الغزالي –في الإملاء عن إشكالات الإحياء 5/42- إلى سهل؛ ولعله سهل بن عبد الله ابن يونس ابن عيسى، أبو محمد التستري الصوفي، أحد أئمتهم وعلمائهم. (ت283هـ) . طبقات الصوفية، لأبي عبد الله السلمي، مطبعة الكتاب العربي مصر، ص206.
5 في (أ) و (د) : سراً.
6 الإحياء 1/94، والإملاء عن إشكالات الإحياء (بذيل الإحياء) 5/42.
7 القائل هنا: الذهبي.
8 في جميع النسخ: بصوفة، والتصحيح من سير الأعلام. 19/333.
9 هو محمد بن أحمد القرطبي أبو عبد الله (قاضي الجماعة) تقدمت ترجمته في ص407.
10 الإحياء 1/94، والإملاء عن إشكالات الإحياء 5/42.
عن الخلق؛ فيعرف معنى النبوَّة، وجميع ما وردت به ألفاظ الشريعة، التي نحن منها على ظاهرها) 1.
قال عن بعضهم: إذا رأيته في البداية قلت: صديقاً؛ فإذا رأيته في النهاية قلت: زنديقاً. ثم فسَّر الغزالي، فقال: إذا اسم الزنديق لا يُلصق إلاّ بمعطِّل الفرائض، لا بمعطِّل النوافل. وقال: وذهبت الصوفية إلى العلوم الإلهامية، دون التعليمية؛ فيجلس فارغَ القلب، مجموع الهم، فيقول: الله، الله، الله،2 على الدوام؛ فيتفرغ قلبه، ولا يشتغل بتلاوة، ولا كتب حديث؛ فإذا بلغ هذا الحد، التزم الخلوة ببيت مظلم، ويتدثَّر بكسائه، فحينئذٍ: يسمع نداء الحق: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} 3، {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} 4.5
قلتُ6: إنما سمع شيطاناً، أو سمع شيئاً لا حقيقة له، من طيش دماغه، والتوفيق في الاعتصام بالكتاب، والسنة، والإجماع.
قال أبو بكر الطرطوشي7: شحن أبو حامد كتاب الإحياء بالكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما على بسط الأرض أكثر كذباً منه، شبكه بمذاهب
1 هكذا في جميع النسخ، وفي السير 19/333:(على ظاهرٍ لا على حقيقة) .
2 إنّ الذكر بالاسم المفرد لم يرد به السنة المطهرة، وإنما وردتا بما هو أفضل من ذلك، هو ذكر كلمة التوحيد: لا إله إلا الله، فقد جاء في حديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(أفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له) . الموطأ للإمام مالك بن أنس ص214-215، كتاب القرآن باب ما جاء في الدعاء؛ سنن الترمذي 5/534، الدعوات، باب في دعاء يوم عرفة.
3 سورة المدّثر الآية (1) .
4 سورة المزمل الآية (1) .
5 الإحياء 3/21، سيرة الغزالي ص74-75، وذكره الذهبي في السير 19/333-334.
6 القائل هنا هو: الذهبي.
7 هو محمد بن الوليد بن خلف بن سليمان، أبو بكر الأندلسي الطرطوشي، الفقيه، له كتاب: سراج الملوك، والبدع والحوادث وغيرهما. (ت520هـ) . سير الأعلام 19/490؛ شذرات الذهب 4/62.
الفلاسفة؛ ومعاني رسائل إخوان الصفا1؛ وهم قوم يرون النبوّة مكتسبة؛ وزعموا أنَّ المعجزات، حيل ومخاريق2؛ قال ابن عساكر3:(حجَّ أبو حامد، وأقام بالشام نحواً من عشرين سنة، وصنّف، وأخذ نفسه بالمجاهدة، وكان مقامه بدمشق، في المنارة الغربية من الجامع، سمع (صحيح البخاري) ، من أبي سهل /الحمصي/4، وقدم دمشق في سنة تسع وثمانين) 5.
وقال ابن /خَلِّكَان/6: (بعثه النِّظَام7 على مدرسته ببغداد، في سنة أربع وثمانين، وتركها في سنة ثمان وثمانين، وزهد، وحجَّ، وأقام بدمشق مدة بالزاوية الغربية، ثم انتقل إلى بيت المقدس يتعبّد، ثم قصد مصر، وأقام مدّة بالإسكندرية، فقيل: عزم على المضيّ إلى يوسف بن تاشفين8، سلطان مراكش، فبلغه نعيه ثم عاد إلى
1 تقدم التعريف بهم في ص401.
2 ذكره الذهبي في السير 19/495، بتمامه، ونقله السيخ (المصنف) هنا بتصرف واختار شديدين.
3 هو علي بن الحسن بن هبة الله بن عبد الله بن الحسين، أبو القاسم الدمشقي الشافعي، الحافظ الكبير، محدث الشام، صاحب "تاريخ دمشق"(ت571هـ) . تذكرة الحفاظ 4/1328، سير الأعلام 20/554، النجوم الزاهرة 6/77.
4 في (ب) : (الحمصي) . وفي سير الأعلام19/334: (الحفصي) .
5 لم أجد كلام ابن عساكر هذا في تاريخه، وقد نقل الذهبي كلامه في سير الأعلام 19/334؛ والسبكي في طبقاته 6/197، وعزاه إلى الذهبي، وقال: "كذا نقل شيخنا الذهبي، ولم أجد ذلك في كلام ابن عساكر، لا في (تاريخ دمشق) ولا في (التبيين) .
6 في (د) : حذكان، وهو خطأ. والصواب المثبت، وهو: أحمد بن محمد بن أبي بكر إبراهيم بن خلّكان، شمس الدين أبو العباس البرمكي الشافعي، صاحب وفيات الأعيان، (ت681هـ) ، وفيات الأعيان 1/5، طبقات السبكي 5/14؛ والنجوم الزاهرة 7/353.
7 هو الحسين بن علي بن إسحاق، أبو علي الطوسي، نظام الملك، أنشأ المدرسة الكبرى ببغداد، وأخرى بنيسابور، وأخرى بطوس، (ت480هـ) ؛ سير الأعلام 19/94، طبقات السبكي 4/309.
8 هو يوسف بن تاشفين اللَّيموني البدري الملثَّم، أمير المرابطين، صاحب الغرب، (ت500هـ) . سير الأعلام 19/252؛ شذرات الذهب 3/412.
الطوس، وصنَّف (البسيط) ، و (الوسيط) ، و (الوجيز) ، و (الخلاصة) ، و (الإحياء) ، وألف (المستصفى) ، في أصول الفقه، و (المنخول) ، و (اللباب) ، و (المنتحل في الجدل) ، و (تهافت الفلاسفة) ، و (محك النظر) ، و (معيار العلم) ، و (شرح الأسماء الحسنى) ، و (مشكاة الأنوار) ، و (المنقذ1 من الضلال) ، و (حقيقة القولين) ، وأشياء2، انتهى.
قال عبد الله بن علي الأشيري3: سمعت عبد المؤمن4 بن علي /القيسي/5، سمعت /أبا/6 عبد الله بن تومرت7، يقول: أبو حامد الغزالي، قرع الباب، وفتح لنا.8
1 في جميع النسخ: (والمنتقذ) وهو خطأ. وقد أورده السبكي في الطبقات 6/225 بما أثبته عليه.
2 ذكره ابن خلكان في وفيات الأعيان 4/217-218؛ وذكره الذهبي في السير 19/334-335.
*ذكر السبكي في الطبقات 6/224-227، معظم مصنفاته، وكذلك ذكرها عبد الكربم عثمان في سيرة الغزالي ص87،202-205. وذكر آثاره المحفوظة في ص215.
3 هو عبد الله بن محمد بن عبد الله بن علي الصِّنهاجي الأشيري، أبو محمد، من كبار المالكية، حدّث عن القاضي عياض وغيره. (ت561هـ) . سير الأعلام 20/466؛ شذرات الذهب 4/198.
وفي جميع النسخ: (الأثيري) وهو خطأ، والصواب (الأشيري) كما وردت في كتب التراجم.
4 هو عبد المؤمن بن علي بن علوي، الكوفي القيسي المغربي، سلطان المغرب الذي يلقب بأمير المؤمنين. ولد عام487هـ؛ وتوفي (558هـ) . وفيات الأعيان 3/237، سير الأعلام 20/366.
5 في (أ) و (ب) و (ج) : (الفنسي) . وفي (د) : (الفن) والتصحيح من المطبوع وسير الأعلام 20/366.
6 ساقط في جميع النسخ؛ والتكملة من سير الأعلام 19/366.
7 هو محمد بن عبد الله بن تومرت البربري، أبو عبد الله المصمودي، المدعي أنه حسني، وأنه الإمام المعصوم المهدي، (ت524هـ) . وفيات الأعيان 5/45-55، سير الأعلام 19/539.
8 انظر سير الأعلام 19/336.
قال: أبو محمد العثماني1، وغيره، سمعنا محمد بن يحيي العذري2، المؤدِّب يقول: رأيت بالإسكندرية، سنة خمسمائة، كأنّ الشمس طلعت من مغربها، فعبّرها لي عابرٌ، ببدعة تحدث فيهم، فبعد أيام3 وصل الخبر، بإحراق كتب الغزالي من المّرِيَّة4.5
قال أبو بكر بن العربي، (في شرح الأسماء الحسنى) : قال شيخنا أبو حامد قولاً عظيماً، انتقده6 عليه العلماء، /قال/7: وليس في قدرة الله تعالى، أبدع من هذا العالم، في الإِتقان والحكمة، ولو كان في القدرة أبدع، أو أحكم منه، ولم يفعله، لكان ذلك منه قضاءً للجور، وذلك محال8.
ثم قال9: والجواب أنه باعد في اعتقاد عموم القدرة، ونفي النهاية، عن تقدير المقدورات المتعلقة بها، ولكن /في تفصيل هذا العلم/10 المخلوق، لا في سواه؛ وهذا رأي فلسفي، قَصَدَت به الفلاسفة قلبَ الحقائق، ونسبة الإِتقان إلى الحياة مثلاً؛ والوجود إلى السمع والبصر، حتى لا يبقى في القلوب سبيلٌ إلى الصواب.
وأجتمعت الأمة على خلاف هذا الاعتقاد، وقالت عن بكرة أبيها: إنّ المقدورات لا نهاية لها بكل مقدور الوجود، لا بكل حاصل الوجود، إذ القدرة صالحة.
1 هو عبد الله بن عبد الرحمن بن يحيى بن إسماعيل، أبو محمد العثماني، القاضي المحدث الثقة، (ت572هـ) . سير الأعلام 230/597، النجوم الزاهرة 6/80، شذرات الذهب 4/241.
2 هكذا في جميع النسخ؛ وعند الذهبي في السير: (العبدري) ولم أقف على ترجمته.
3 في (د) : بأيام.
4 المريّة: قرية بالأندلس.
5 انظر سير الأعلام 19/336.
6 الهاء في انتقده ساقط في (د) .
7 في جميع النسخ: (وقال) بزيادة واو العطف، وليس ثمّة معطوف عليه.
8 الإملاء عن إشكالات الإحياء 5/38.
9 أي أبو بكر بن العربي.
10 في جميع النسخ: (في تفصيل هذا العلم) . وفي نص سير الأعلام 19/337 –نقلاً عن شرح الأسماء الحسنى- ما أثبتُّه.
ثم قال: هذه وهلةٌ لا لعاً بها1، و/مزلةٌ/2 لا /تماسك/3 فيها، ونحن وإن كنَّا نقطةً من بحره، فإنا لا نردُّ عليه إلا بقوله4.
ومما أُخذ عليه: قوله: إنَّ للقدر سراً /نُهينا/5 عن إفشائه6.
فأي سرًّ للقدر؟ فإن كان مدركاً بالخبر، فما ثبت فيه شيءٌ، وإن كان يدرك بالحيل والعرفان، فهذه دعوى محضة، فلعله عنى بإفشائه: أن تعمَّق في القدر، وبحث فيه7.
قال الذهبي: أنبأنا محمد بن عبد الكريم8، أنبأنا أبو الحسن السخاوي9، أنبأنا حطاب بن قمريّة الصوفي10، أنبأنا سعد بن أحمد الاسفرائيني11 بقراءتي، أنبأنا أبو حامد محمد بن محمد بن محمد الطوسي12، قال: اعلم أنّ الدين شطران، أحدهما ترك المناهي، والآخر فعل الطاعات، وترك المناهي هو الأشد، والطاعات يقدر عليها
1 قال أبو عبيد: من دعائهم: لا لعاً لفلان، أي: لا أقامه الله! والعرب تدعو على العاثر من الدواب إذا كان جواداً بالتعس، فتقول تعساً له! وإن كان بليداً كان دعائهم له إذا عثر، لعاً لك. لسان العرب 15/250، مادة (لعا) .
2 في جميع النسخ (منزلة) . والتصحيح من السير 19/337.
3 في المطبوع: (تمسك) .
4 سير الأعلام 19/337.
5 في (د) : نهياً.
6 الإحياء 1/95؛ والإملاء عن إشكالات الإحياء 5/34.
7 سير الأعلام 19/337-338.
8 هو محمد بن عبد الكريم بن علي بن أحمد المقرئ المعمر، نظام الدين، أبو عبد الله التبريزي ثم الدمشقي الشافعي، ولد في حدود سنة 610هـ، وكان خيِّراً متواضعاً. (ت704هـ) سير الأعلام 19/338 هامش (أ) .
9 هو علي بن محمد بن عبد الصمد بن عطاس، أبو الحسن الهمداني، المصري، السخاوي، الشافعي، نزيل دمشق. شرح "الشاطبية" والمفصل" وله "جمال القراء" وغيرها. (ت643هـ) . وفيات الأعيان 3/340؛ سير الأعلام 23/122.
10 في سير الأعلام 19/338: (حطلبا) . ولم أقف على ترجمته.
11 لم أقف على ترجمته.
12 هو الغزالي. وقد تقدمت ترجمته في ص393.
كل أحد، وترك الشَّهوات لا يقدر عليه إلاّ الصدِّيقون1.
وكذلك قال أبو عامر العبدري2: سمعت أبا نصر، أحمد بن محمد بن عبد القاهر الطوسي3، يحلف بالله أنه أبصر في نومه، كأنّه ينظر في كتب الغزالي، فإذا هي كلِّها تصاوير4.
وقال /محمد بن الوليد/5 الطرطوشي6، في رسالته إلى ابن المظفر7، فأما ما ذكرت من أبي حامد، فقد رأيته وكلمته، فرأيته8 جليلاً من أهل العلم، واجتمع فيه العقل والفهم، ومارس العلوم طول عمره، وكان على ذلك معظم زمانه، ثم بدا له عن طريقة العلماء، ودخل في غُمار العُمَّال، ثم تصوَّف، وهجر العلوم، وأهلها، ودخل في علوم الخواطر، وأرباب القلوب، ووساوس الشيطان، ثم شابها بآراء الفلاسفة، ورموز الحلاِّج، وجعل يطعن على الفقهاء والمتكلمين، ولقد كاد أن ينسلخ من الدين، فلما عمل "الإحياء" عمد أن يتكلّم في علوم الأحوال، ومرامز الصوفية، وكان غير أنيس بها، ولا بمعرفتها، فسقط على أم رأسه، وشحن كتابه بالموضوعات9.
1 سير الأعلام 19/339.
2 هو محمد بن سعدون بن مرجَّى بن سعدون القرشي، أبو عامر العبدري، المغربي الظاهري، نزيل بغداد. قيل: كان مجسِّماً. (ت524هـ) . تذكرة الحفاظ 4/1272، سير الأعلام 19/579، شذرات الذهب 4/70.
3 هو أحمد بن محمد بن عبد القاهر الطوسي أبو بصير الخطيب (ت525هـ) . سير الأعلام 19/543.
4 سير الأعلام 19/339.
5 في جميع النسخ: (أبو الوليد) وهو خطأ، والصحيح من سير الأعلام 19/339.
6 تقدّمت ترجمته في ص409.
7 هو عبد الله بن المظفر بن عبد الله بن محمد الباهلي، المعروف بالمغربي، أبو الحكم، حكيم أديب، أصله من المريّة بالأندلس، سكن دمشق وتوفي بها عام (549هـ) . وفيات الأعيان 3/123-125، معجم المؤلفين 6/153-154، وشذرات الذهب 4/153.
8 في جميع النسخ: (ورأيته) . والتصحيح من سير الأعلام 19/339، وطبقات السبكي 6/243.
9 أورده الذهبي في السير 9/339. والسبكي في طبقاته 6/243.
قال الذهبي بعد أن ساق كلام ابن الوليد الطرطوشي: قلت: (أما "الإِحياء" فقيه من الأحاديث الباطلة جملة، وفيه خيرٌ كثيرٌ، لولا ما فيه من الآداب ورسوم، وزهد من طريق الحكماء، ومنحرفي الصوفيّة؛ نسأل الله علماً نافعاً؛ تدري ما العلم النافع؟ هو ما نزل به القران، وفسّره رسول الله صلى الله عليه وسلم قولاً، وفعلاً، ولم يأت نهي عنه؛ قال عليه السلام: (من رغب عن سنتي فليس منِّي) 1 فعليك يا أخي بتدبُّر كتاب الله، وبإدمان النظر في الصحيحين، وسنن النسائي2، ورياض النووي3، وأذكاره، تفلح وتنجح، وإيَّاك وآراء عبَّاد الفلاسفة، ووظائف أهل الرياضات4، وجوعَ الرهبان، وطاب طيش رؤوس أصحاب الخلوات؛ فكل الخير في متابعة الحنيفية السمحة، فوا غوثاه بالله؛ /اللَّهُمَّ اهدنا إلى صراطك المستقيم/5) 6، انتهى.
1 هذا جزء من حديث طويل، وتمامه: عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألونه عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أخبروا كأنهم تقالُّوها، فقالوا: وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم؟ قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر؛ قال أحدهم: أما أنا فأنا أصلي الليل أبداً. وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبداً، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:" أنتم الذين قلتم كذا ةكذا؟ أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكنِّني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنّتي فليس منّي" صحيح البخاري مع الفتح 9/5-6، النكاح، باب الترغيب في النكاح. صحيح مسلم بشرح مسلم 10/185، النكاح، باب استحباب النكاح.
2 تقدّمت ترجمته في ص 310.
3 هو يحيى بن شرف بن مرى بن حسن، أبو زكريا، محي الدين النووي، الحوراني الشافعي؛ صاحب التصانيف، منها: المجموع شرح المهذب، شرح صحيح مسلم، والأذكار، وتهذيب الأسماء واللغات وغيرها؛ (ت676هـ) . تذكرة الحفاظ 4/1407؛ النجوم الزاهرة 7/278؛ الأعلام للزركلي 8/149.
4 يعني الصوفية.
5 هكذا في سير الأعلام 19/340-أصل النص-، وفي جميع النسخ: اهدنا الصراط المستقيم.
6 سير الأعلام 19/339-340.
ولمحمد بن علي /المازَرِي/1 /الصّقيلِّي/2، كلامٌ على (الإِحياء)، قال فيه: قد تكررت مكاتبتكم في استعلام مذهبنا، في الكتاب المترجم بـ (إحياء علوم الدين) ، وذكرتم أنّ آراء الناس فيه قد اختلفت، فطائفة انتصرت، وتعصّبت لإِشهاره، وطائفة حذّرت منه، ونفّرت، وطائفة لكُتُبِه أحرقت. و/كاتَبَني/3 أهل المشرق أيضاً /يسألونني/4، ولم يتقدّم لي قراءةُ هذا الكتاب، سوى نبذة منه، فإن نفَّس الله في العمر، مددتُ /فيه/5 الأنفاس، وأزلتُ عن القلوب الالتباس.
اعلموا أنّ هذا6 [الرَّجل، وإن لم أكن قد قرأت كتابه، فقد] 7 رأيت تلامذته، فكل منهم حكى لي نوعاً من حاله، ما قام مَقام العِيَانِ، فأنا أقتصر على ذكرِ حاله، وحال كتابه، و/ذكرِ جُمَلٍ/8 من مذاهب الموحِّدين، والمتصوِّفة، وأصحاب الإِشارات، والفلاسفة، فإن كتابه متردد بين /هذه/9 الطرائق.
ثم قال10: وأما علم الكلام الذي هو أصل الدين11، فإنه صنّف فيه، وليس بالمتبحر فيها، ولقد فَطِنْتُ لعدم استبحاره فيها، وذلك أنه قرأ علوم الفلسفة، قبل
1 في جميع النسخ: (المازني) وهو خطأ. والتصحيح من سير الأعلام 19/340، وهو كذلك في طبقات السبكي 6/240؛ وقد تقدّمت ترجمته في ص 396.
2 في جميع النسخ: (الصقيلي) . وقد ضبطه الذهبي في السير 19/340، بما أثبته عليه.
3 في المطبوع: وكاتبوني.
4 في جميع النسخ: يسألوني. بدون نون الوقاية.
5 كذا في (ب) وفي سير الأعلام 19/341، وفي بقية النسخ:(منه) .
6 الإشارة إلى الغزالي.
7 ما بين المعقوفين ساقط في جميع النسخ، حتى في سير الأعلام. والتكملة من الطبقات الكبرى للسبكي 6/240.
8 في (أ) : وذكر جملاً، وهو الخطأ. وفي المطبوع:(وأذكر جملاً) .
9 في (د) : هذا.
10 أي المازَري.
11 قوله: (أما علم الكلام الذي هو أصول الدين) : فعلم الكلام ليس هو أصل الدين، ولم يكن كذلك في يوم من الأيام، وإنما المتكلمون أنفسهم هم الذين أدخلوه وجعلوه أصلاً فيه. ومن المعلوم أن علم الكلام والجدل مذموم في فروع الدين، فما بالك بأصوله!
استبحاره في فنّ الأصول، فأكسبته الفلسفة جراءةً على المعاني، وتسهيلاً للهجوم على الحقائق، لأنّ الفلاسفة تمرُّ مع خواطرها، لا يزعها شرعٌ.
وعرَّفني صاحب له، أنه كان له عكوف على (رسائل إخوان الصفا) ؛ وهي إحدى وخمسون رسالة؛ ألَّفها من قد خاض في علم الشرع، والنقل، وفي الحكمة؛ فمزج بين العلمين، وقد كان رجلٌ يُعَرفُ بابن سينا1، ملأ الدنيا تصانيفَ، أدَّته قوَّته في الفلسفة، إلى أن حاول ردّ أصول العقائد إلى علم الفلسفة، وتلطَّف جُهْدَه، حتى تمَّ له ما لم يتم لغيره2.
ورأيت هذا آخر /الموجود/3 من هذه الرسالة، /وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم/4.
1 هو الحسين بن عبد الله بن الحسن بن علي بن سينا، أبو علي البلخي، ثم البخاري، العلاّمة الشهير الفيلسوف، صاحب التصانيف في الطب والفلسفة والمنطق، (ت428هـ) . عيون الأنباء في طبقات الأطباء، لابن أبي أصيبعة (ت618هـ) . تحقيق د. نزار رضا، دار مكتبة الحياة، بيروت 1965 م، ص437-459. سير الأعلام 17/531-536.
2 لعل كلام المازري هذا من كتابه "الكشف والإنباء عن كتاب الإحياء" المشار إليه ص386. وقد نقل الذهبي كلامه هذا في سير الأعلام 17/340-341؛ والسبكي في طبقاته 6/240-241.
3 في (د) : ما وُجِدَ.
4 ساقط في (ب) و (ج) و (د) والمطبوع.
*كلمة حول الغزالي وكتابه "الإحياء":
ما ذكره المصنِّف هنا، هو بعض ما قاله كثيرٌ من العلماء في الغزالي ومصنفاته، خاصة كتابه (إحياء علوم الدين) ؛ فقد تنازعوا فيه ولم يزالوا إلى اليوم، وذلك بين ناقد ومدافع، يخالفون بعضهم بعضاً، ويردُّ هذا على هذا، وهنا يمكن اختصار القول فنقول:
إنّ الغزالي يمكن الحكم عليه من خلال ما تركه من تراث علمي هائل؛ فقد كانت بدايته بالفقه وأصوله، ثم بالمعقولات (علم الكلام وما يتعلق به من المنطق والفلسفة) ، ثم بالتصوف علماً عملاً ورياضةً، وفي هذه المرحلة ألّف الإحياء، ويكون النظر في مؤلفاته على النحو
..................................................................................
=الآتي:
أولاً: مؤلفاته في جانب الإلهيات والعقائد:
ونحن بالنظر إلى مؤلفاته في الإلهيات والعقائد، نجده قد أدخل نفسه في مضايق الفلاسفة، فزلّت قدماه كثيراً، وانحرف عن عقيدة السلف الصالح إلى آراء فلسفيّة، واعتزاليّة وأشعريّة وصوفيّة؛ ويبدو ذلك جليّاً في كتبه كالإحياء، والاقتصاد في الاعتقاد وغيرهما. وفي هذا الجانب، يصح قول النقاد فيه وفي مؤلّفاته. ولا يحتاج ذلك إلى جدل.
ثانياً: ما ألفه في جانب الفنون الأخرى:
أما بالنظر إلى ما ألفه في الفنون الأخرى كالفقه والأصول والزهد ونحوها، فإنّ الرجل قد كان له قدم ثابت في تلك المجالات، وقدّم للناس فيها ما يفيد.
ثالثاً: مؤلفاته في الردود:
ثمّ إنّ له مجهوداً جباراً في الردِّ على الفلاسفة والباطنية، بما لم يسبق إليه –كما ذكر ذلك العلماء- وله في ذلك عدّة مؤلفات منها:
[1-كتاب الرد على الباطنيّة 2-قواصم الباطنية 3-المستظهري (في الرد على الباطنية) 4-كتاب تهافت الفلاسفة 5-المقاصد في بيان اعتقاد الأوائل؛ ويعرف بـ (مقاصد الفلاسفة) 6-كتاب بيان فضائح الإمامية 7-الرد على من طغى. وغير ذلك] .
قال الذهبي –رحمه الله في سير الأعلام 19/328: (قد ألّف الرجل في ذم الفلاسفة، كتاب (التهافت) وكشف عوراتهم) . وقد تقدّم للمصنّف إيراد هذا القول في صفحة 403؛ وقال الشيخ محمد رشيد رضا، في تعليقه على كلام المصنف في مجموع الرسائل والمسائل النجدية 3/141:(وأما أبو حامد فقد ردّ على الفلاسفة ردّاً لم يسبقه مسلم إلى مثله، ورسائل إخوان الصفا يعزوها شيخ الإسلام إلى الباطنية، وقد أّلف أبو حامد عدّة كتب في الردّ عليهم، لم يسبق إلى مثله مسابق، ولم يلحقه لاحق) .
رابعاً: كتب أخرى ألفها في آخر عهده:
أمّا بالنظر إلى ما ألّفه في آخر عهده بالتأليف، فإننا نلمس فيها عودة الرجل واعتداله على الطريق السليم –كما حدث لغيره من أئمة السلف الأجلاء-، كأبي الحسن الأشعري، ومما كتبه في ذلك:
1-
كتاب: (إلجام العوام عن علم الكلام) فنجد الغزالي قد أشاد فيه بمذهب السلف، وتحدّث عن حقيقته، مبيّناً أنّه من خالف السلف فهو مبتدع، لأنه مذهب الصحابة والتابعين، وقد أُخِذَ من الرسول صلى الله عليه وسلم مباشرة، فكل خير في اتباعهم، وكل
......................................................................................
شرٍّ في الابتداع بعدهم.
وقد أشار شيخ الإسلام في المجموع 4/74، إلى هذا الكتاب في معرض حديثه عن الغزالي، فقال: (
…
وبعد ذلك رجع إلى طريقة أهل الحديث، وصنّف "إلجام العوام عن علم الكلام") . وكذلك تحدث عنه الشيخ محمد أمان الجامي في الصفات الإلهية في الكتاب والسنة صفحة166.
2-
بغية المريد في الرسائل التوحيد: قال عنه الشيخ محمد أمان في الصفات الإلهية ص166-167: (هي جملة رسائل مفيدة وجليلة ومشتملة على كثير من المعاني اللطيفة، وما يجب على المخلوق للخالق جلّ شأنه، وعلى ما يجب معرفته على كل إنسان من علم التوحيد، وقد تحدث فيها عن تنزيه الخالق، وأنه لا يشبهه شيءٌ ولا يشبه شيئاً، وكل ما خطر بالبال والوهم والخيال من التكييف والتمثيل فإنه سبحانه منزه عن ذلك) . ونقل الشيخ الجامي –رحمه الله من تلك الرسائل، قولَ الغزالي:(وليس العرش بحامل له، بل العرش وحملته يحملهم لطفه وقدرته، وأنّه تقدّس عن الحاجة إلى مكان قبل خلق العرش وبعد خلقه، وأنّه يتصف بالصفات التي كان عليها في الأزل) .
فإذا كان هذا هو المسلك الأخير الذي سلكه الشيخ في آخر حياته، فإنه لن يكون أمامنا سوى القول بأن الأعمال بالخواتيم، مع إحسان الظنّ في الرجل، إذ أنه بذلك تكون خاتمته خاتمة السعادة، خاصة أنها كانت –إضافة إلى ذلك- بالرجوع إلى كتب السنة، والعكوف على الصحيحين (البخاري ومسلم) . قال الذهبي –رحمه الله في سير الأعلام 19/325-326:(وكانت خاتمة أمره إقباله على طلب الحديث ومجالسة أهله ومطالعة الصحيحين، ولو عاش لسبق الكل في ذلك الفنّ) . ونقل ذلك السبكي في طبقاته 6/210. ورغم كل ذلك، يجب علينا اتخاذ الحذر والحيطة في تعاملنا مع مصنّفاته، والتنبيه على ما فيها من مغالطات وانحرافات، خاصة ما يكثر تداولها وتواجدها في مكتباتنا الإسلامية "كالإحياء"، وبالأخص ما يتعلق بالجانب العقدي.
قال شيخ الإسلام –رحمه الله: (والإحياء فيه فوائد كثيرة، لكن فيه مواد مذمومة، فإنه فيه مواد فاسدة من كلام فلاسفة تتعلق بالتوحيد والنبوّة والمعاد،
…
وفيه أحاديث وآثار ضعيفة، بل موضوعة كثيرة، وفيه أشياء من أغاليط الصوفيّة وترهاتهم، وفيه مع ذلك من كلام المشايخ الصوفيّة العارفين المستقيمين في أعمال القلوب الموافق للكتاب والسنة، ومن غير ذلك من العبادات والأدب ما هو موافق للكتاب والسنة، فلهذا اختلف فيه اجتهاد الناس وتنازعوا فيه) . مجموع الفتاوى 10/551-552.
.......................................................................................
= وقال المازري عند كلامه على الإحياء: (من لم يكن عنده من البسطة في العلم ما يعتصم به من غوائل هذا الكتاب، فإنَّ قراءته لا تجوز له، وإن كان فيه ما ينتفع به) . انظر: شرح العقيدة الأصفهانية، لابن تيمية، دار الكتب الحديثة، مصر ص134.