الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرسالة التاسعة عشرة: إلى الإمام فيصل
…
(الرِّسَالَةُ التَّاسِعَةُ عَشَرَةِ)
قال جامع الرسائل:
وله أيضاً -قدس الله روحه ونوَّر ضريحه- رسالة إلى الإمام فيصل2 رحمه الله، نصحه فيها، وذكّره نعمة الله على خلقه ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم، حتى أكمل الله به الدين، وبلَّغ البلاغ المبين، وترك الناس على المحجة، حتّى /لم يبق/3 لأحد على الله حجَّة4. وذكر أنه صلى الله عليه وسلم مع ما أيّده الله به من الآيات، والأدلّة القاطعة، والبراهين الساطعة الدالة على صدقه، وثبوت رسالته؛ كابر مَن كابر وعاند مَن عاند، حتى ظهر الإسلام ظهوراً ما حصل قبل ذلك، وعلت كلمة الله، وظهر دينه فيما هنالك؛ ولم يزل ذلك في زيادة وظهور، حتى حدث في الناس من فتنة الشهوات، والاتساع في فعل المحرَّمات، فضعُفت القوَّةُ الإسلامية، وغَلِظَتْ الحجب الشهوانيّة، حتى ضعف العلم بحقائق الإيمان، وما كان عليه الصدر الأول من العلوم والشأن؛ فوقعت عند ذلك فتنة الشبهات، وتوالدت تلك المآثم والسيِّئات. وذكر له رحمه الله أنّ الله يبعث لهذه الأمة في كل قرن من يجدد لها أمر دينها، ولكن لا بد له من معارض معاند.
ثمّ ذكّره رحمه الله ما منَّ الله به عليهم واختصّهم به من بين الأمم بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب -أجزل الله له الأجر والثواب، وأدخله الجنة بغير حساب ولا عذاب- وما حصل /بها/5 من ظهور الإسلام، وتبين الدين والأحكام،
1 في (ب) جاءت هذه الرسالة في ص 206-211.
2 تقدّمت ترجمته في ص39.
3 في (د) : لم يبق.
4 كما جاء في ذلك قوله تعالى: {رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً} [النساء:165] .
5 في (د) : به.
إلى أن حصل ممن بعده من فتنة الشهوات، والسلوك إلى مفاوز المهالك، نظير ما وقع بعد الصدر الأول من ذلك، ثم ردَّ الله لهم الكرّة بعد تلك العساكر الطاغية، وأشرار الحاضرة والبادية، فظهر الإسلام وانتشر في البلاد، وسمت أحكام الشريعة، وانتشرت في العباد. ولكن حصل في /خلال/1 ذلك، من أظهر الطعن في العقائد، /وتكلَّم كلُّ كاره للحق و2 معاند/3، وصار أمر العلم والعقائد لعباً لكل منافق وحاسدٍ.
فكتب –رحمه الله /له/4هذه النصيحة، وحذّره من الوقوع في أسباب النقم والفضيحة، ولم أجد تصديرها باسمه، وإنما وجدت: كتب بعضهم إلى الإمام صورته وهي بقلم كاتبه، وهذا نصُّها:
بسم الله الرحمن الرحيم
إلى الإمام المكرم فيصل -وفّقه الله لقبول النصائح، وجنّبه أسباب الندم والفضائح- سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فلا يخفى عليك أن الله تعالى ما أنعم على خلقه نعمةً أجلُّ وأعظم من نعمته ببعثة عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم. فإنّ الله بعثه وأهل الأرض عربهم وعجمهم، كتابيّهم وأميّهم، قرويّهم، وبدويّهم، جهَّال ضلاّل، على غير هدى ولا دين يُرتضى5، إلاّ من شاء الله من غبرَ أهل الكتاب6، فصدع بما أُحِيَ إليه، وأُمِر
1 في جميع النسخ عدا المطبوع: خلل.
2 الواو في (ومعاند) زائد في (ب) .
3 في المطبوع: (وتكلّم كل من كان للحق معاند) .
4 زائد في (ج) و (د) والمطبوع.
5 وفي هذا قال صلوات الله وسلامه عليه، مذّكراً للأنصار يوم حنين: "يا معشر الأنصار ألم أجدكم ضلاّلاً فهداكم الله بي، وكنتم متفرِّقين فألَّفكم الله بي
…
" الحديث. صحيح البخاري مع الفتح 7/644، المغازي، باب غزوة الطائف.
6 من أمثال: ورقة بن نوفل بن أسد، وزيد بن عمرو بن نفيل، وعثمان بن الحويرث بن أسد، وعبد الله بن جحش. انظر: البداية والنهاية 2/221.
بتبليغه1. وبلّغ رسالة ربه، وأنكر ما الناس عليه من الدِّيانات المتفرِّقة، والملل المتباينة المتنوِّعة، ودعاهم إلى صراط مستقيم2، ومنهج واضح كريم، يصل سالكه إلى جنات النعيم، ويتطّهر من كلِّ خلق ذميم، وجاءهم من الآيات والأدلة القاطعة [الدالة] 3 على صدقه وثبوت رسالته، ما أعجزهم وأفحمهم عن معارضته، ولم يبق لأحد على الله حجّة، ومع ذلك كابر من كابر وعاند من عاند، {وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ} 4، ورأوا أنّ الانقياد له صلى الله عليه وسلم وترك ما هم عليه من النحل وملل، يجرُّ عليهم من مسبَّة لآبائهم وتسفيه أحلامهم، أو نقص رئاستهم، أو ذهاب مآكلهم، ما يحول بينهم وبين مقاصدهم ومآربهم، فكذلك عدلوا إلى ما اختاروه من الردّ والمكابرة والتعصُّب على باطلهم والمثابرة؛ وأكثرهم يعلمون أنه محقٌ، وأنه جاءهم بالهدى ودعا إليه، لكن في النفوس موانع، وهناك إرادات ومؤاخات ورئاسات، لا يقوم ناموسها، ولا يحصل مقصودها إلاّ بمخالفته، وترك الاستجابة له وموافقته. وهذا هو المانع في كل زمان ومكان، من متابعة الرسل وتقديم ما جاءوا به؛ ولولا ذلك ما اختلف من الناس اثنان، ولا اختصم في الإيمان بالله وإسلام الوجه له خصمان.
وما زال حاله صلى الله عليه وسلم مع الناس كذلك حتى أيّد الله دينه، ونصر رسوله صلى الله عليه وسلم بصفوة أهل الأرض وخيرهم ممن سبقت له من الله السعادة، وتأهل بسلامة صدره لمراتب الفضل والسيادة، فأسلم منهم الواحد بعد الواحد، وصار بهم على إبلاغ الرسالة معاون ومساعد، حتّى منّ الله على ذلك الحيِّ من الأنصار بما سبقت لهم به من الحسنى والسيادةِ الأقدارُ، فاستجاب لله ورسله منهم عصابة، حصل بهم من العزِّ والمنعة، ما هو عنوان التوفيق والإصابة، وصارت
1 وذلك كما أمره الله تبارك وتعالى ذلك بقوله: {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} [الحجر: 94] .
2 في (د) : صراط مستقيم.
3 زيادة في جميع النسخ، لا وجود لها في (أ) .
4 سورة غافر الآية (5) .
بلدتهم بلدة الهجرة الكبرى، والسيادة الباذخة العظمى، هاجر إليها المؤمنون، وقصدها المستجيبون، حتى إذا عزّ جانبهم، وقويت شوكتهم، أُذن لهم في الجهاد بقوله تعالى:{أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ} 1.
ثمّ لما اشتدّ ساعدهم، وكثر عددهم، أُنزلت آية السيف2، وصار الجهاد من أفرض الفروض، وآكد الشعائر الإسلامية، فاستجابوا لله ورسوله، وقاموا بأعباء ذلك، وجرّدوا في حب الله ونصرة دينه السيوف، وبذلوا الأموال والنفوس، ولم يقولوا كما قالت بنو إسرائيل لموسى:{فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} 3.
فلمّا علم الله منهم الصِّدق في معاملته وإيثار مرضاته ومحبّته، أيّدهم بنصره وتوفيقه، وسلك بهم منهج دينه وطريقه، فأذلَّ بهم أنوفاً شامخة عاتية، وردَّ بهم إليه قلوباًً شاردة لاهية، فجاسوا خلال ديار الروم والأكاسرة، ومحو آثار ما عليه تلك الأمم العاتية الخاسرة، وظهر الإسلام في الأرض ظهوراً ما حصل قبل ذلك، وعلت كلمة الله، وظهر دينه فيما هنالك، واستبان لذوي الألباب والعلوم من أعلام نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم ما هو مقرَّر معلوم، ولم يزل ذلك في زيادة وظهور، وعَلَمُ الإسلام في كلِّ جهة من الجهات مرفوعٌ منصور، حتى حدث في الناس من فتنة الشهوات والاتساع والتمادي في فعل المحرمات، ملا لا يمكن حصره ولا استقصاؤه، فضعفت القوى الإسلامية، وغلِظَت الحجب الشهوانية، حتى ضعف العلم بحقائق الإيمان، وما كان عليه الصدر الأول من العلوم والشأن، فوقعت عند ذلك فتنة الشبهات، وتوالدت تلك المآثم والسيِّئات، وظهرت أسرار قوله تعالى:{كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} الآية4، وقوله صلى الله عليه وسلم: "لتتّبعنّ سنن من كان
1 سورة الحج الآية (39) .
2 وهي قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ} [البقرة:216] .
3 سورة المائدة الآية (24) .
قبلكم" 1.
ولكن لله في خلقه عناية وأسرار، لا يعلم كنهها إلاّ العليم الغفار؛ من ذلك: أنَّ الله تعالى يبعث لهذه الأمة في كل قرن، من يجدّد أمر دينها2 /ويدعو/3 إلى واضح السبيل ومستبينها، كي لا تبطل حجج الله وبيناته، ويضمحلّ وجود ذلك وتعدم آياته؛ فكل عصر يمتاز فيه عالم بذلك، يدعو إلى تلك المناهج والمسالك، وليس من شرطه أن يقبل منه ويستجاب، ولا أن يكون معصوماً في كل ما يقول، فإنّ هذا لم يثبت لأحد دون الرَّسول4 /صلى الله عليه وسلم/5.
ولهذا المجدد علامة يعرفها المتوَّسِّمون، وينكرها المبطلون؛ أوضحها وأجلاها وأصدقها وأولاها: محبَّة الرعيل الأول من هذه الأمة، والعلم بما كانوا عليه من أصول الدين وقواعده المهمة، التي أصلها الأصيل وأسُّها الأكبر الجليل؛ معرفة الله تعالى بصفات كماله، ونعوت جلاله، وأن يوصف بما وصف به نفسه ووصفه به رسوله، من غير زيادة ولا تحريف، ومن غير تمثيل ولا تكييف؛ وأن يعبدوه وحده لا شريك
1 تقدم تخريجه في ص 288.
2 هنا يشير المصنف إلى قوله صلى الله عليه وسلم إنّ الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها) . سنن أبي داود 4/480، الملاحم، باب ما يذكر في قرن المائة؛ والمستدرك للحاكم 4/522، وسكت عليه الذهبي، قال أبو داود عقب الحديث:"رواه عبد الرحمن بن شريح الاسكندري، لم يَجُزْ به شراحيل". والحديث صححه الألباني في السلسلة الصحيحة 2/150-151، وقال: (ولا يعلِّلُ الحديث قول أبي داود عقبه: "رواه عبد الحميد
…
" وذلك لأن سعيد بن أبي أيوب ثقة ثبت –كما في التقريب، وقد وصله وأسنده، فهي زيادة من ثقة، يجب قبولها) .
3 في (ج) و (د) : ويدعوا.
4 وقد تقدّم الكلام حول عصمة الأنبياء في ص342-343.
5 زائد في (د) .
له، /ويكفروا/1 بما سواه من الأنداد والآلهة.
هذا أصل أديان الرسل كافة، وأوّل دعوتهم وآخرها، ولبُّ شرائعهم وحقيقة ملّتهم وفي بسط هذه الجملة من العلم به وبشرعه ودينه، وصرف الوجوه إليه مالا يتسع له هذا الموضع، وكل الدين يدور على هذا الأصل ويتفرّع عنه2. ومن طاف البلاد، وخبر أحوال الناس منذ أزمان متطاولة، عرف انحرافهم عن هذا الأصل الأصيل، وبُعْدِهم عمّا جاءت به الرسل من التفريع والتأصيل؛ فكل بلد وكل قطر وكل جهة –فيما نعلم- فيها من الآلهة التي عُبدت مع الله بخاص العبادات، وقُصِدت من دونه في الرغبات والرهبات، ما هو معروف مشهور، لا يمكن جحده ولا إنكاره، بل وصل بعضهم إلى أن ادّعى لمعبوده مشاركةً في الربوبية، بالعطاء والمنع والتدبيرات، ومن أنكر ذلك عندهم، فهو خارجيٌّ ينكر الكرامات3، وكذلك هم في باب الأسماء
1 في (أ) و (ج) : يكفر.
2 أصل الأديان السماوية كلّها هو الدعوة إلى عبادة الله سبحانه وتعالى، وإلى إثبات وحدانيته تعالى، والنهي عن الإشراك معه غيره في عبادته. بذلك اخبر سبحانه وتعالى عباده في كتابه الكريم، وأخبر به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، قال تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء:25]، وقال جل وعلا:{وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر:65] . ففي الآيتين دلالة واضحة على وحدة الأديان السماوية ووحدة أهدافها.
وقال صلى الله عليه وسلم: (أنا أولى الناس بعيسى بن مريم في الدنيا والآخرة، والأنبياء إخوة لعلات، وأمهاتهم شتّى ودينهم واحد) . صحيح البخاري مع الفتح 6/550-551، الأنبياء، باب قوله تعالى:{وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ} ؛ وفي الحديث تصريح بأنَّ دين الأنبياء واحد.
وقوله: (إخوة لعلاّت) : قال ابن حجر: "أصله أن من تزوج امرأة ثم تزّوج أخرى كأنّه علَّ منها، والعلل الشرب بعد الشرب، وأولاد العلاّت: الإخوة من الأب وأمهاتهم شتّى) . فتح الباري 6/564.
3 هكذا حال المشركين عبدة الأوثان من القبوريين وغيرهم، إنهم ينسبون الضلال لكل من عارضهم، ويرون الحق الحقيقي فيما هم عليه. فيا سبحان الله {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج:46] .
والصفات، ورؤساؤهم وأحبارهم معطلة كذلك، يدينون بالإلحاد والتحريفات وهم يظنون أنّهم من أهل التنزيه1، والمعرفة باللغات، ثم إذا نظرت إليهم وسيرتهم في باب فروع العبادات، رأيتهم قد شرعوا لأنفسهم شريعة لم تأت بها النبوّات.
هذا وصف من يدّعي الإسلام منهم في سائر الجهات. وأما من كذب بأصل الرسالة أو أعرض عنها، ولم يرفع بذلك رأساً، فهؤلاء نوع آخر وجنس ثانٍ، ليسوا مما جاءت به الرُّسل في شيء، بل هم –كما قال تعالى-:{وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالأِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ /2} 3، فمن عرف هذا حق المعرفة وتبيّن له الأمر على وجهه، عرف حينئذٍ قدر نعمة الله عليه، وما اختصه به، إن كان من أهل العلم والإيمان، لا من ذوي الغفلة عن هذا الشأن.
وقد اختصَّكم الله تعالى من نعمة الإيمان والتوحيد بخالصه، ومنَّ عليكم بمنَّةٍ عظيمة صالحة من بين سائر الأمم، وأصناف الناس في هذه الأزمان. فأتاح لكم من أحبار الأمة وعلمائها حبراً جليلاً4، وعلَماً نبيلا" فقيها"، عارفا" بما كان عليه الصدر الأول، خبيرا" بما انحل من عرى الإسلام، وتحول فتجرد إلى الدعوة إلى الله، /وردّ الناس/5 إلى ما كان عليه سلفهم الصالح، في باب العلم والإيمان، وباب العمل الصالح والإحسان، وترك التعلق على غير الله من الأنبياء والصالحين وعبادتهم، والاعتقاد في الأحجار والأشجار والعيون والمغار، وتجريد المتابعة لرسول الله صلى الله
1 في مثل هذا المكان يجد الشرك والخرافات مقرَّة، إذ أنه –كما اشتهر على ألسنة الناس- الناس على دين ملوكهم. فإذا كانوا كذلك، فحريٌ لهم أن يناصروا أتباعهم على مذهبهم، ويشجعونهم على نشره.
2 هذا الجزء من الآية لم ترد في (أ) و (ج) .
3 سورة الأعراف الآية (179) .
4 يشير إلى الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب.
5 هكذا في المطبوع. وفي جميع النسخ: (ورد هذا الناس) بزيادة (هذا) .
عليه وسلم في الأقوال والأفعال، وهجر ما أحدثه الخلوف والأغيار.
فجادل في الله وقرر حججه وبياناته، وبذل نفسه لله، وأنكر على أصناف بني آدم الخارجين عما جاءت به الرسل، المعرضين عنه التاركين له. وصنّف في الرد على من عاند أو جادل، وما حلَّ وجرى بينهم من الخصومات والمحاربات ما يطول عدّه1، وكثير منكم يعرف بعضه. ووازره على ذلك من سبقت له من الله سابقة السعادة، وأقبل على معرفة ما عنده من العلم. وأراده من أسلافك الماضين وآبائك المتقدمين-رحمهم الله رحمة واسعة، وجزاهم عن الإسلام خيرا"- فما زالوا من ذلك على آثارٍ حميدة، ونعم عديدة، يصنع لهم /تعالى/2 من عظيم صنعه، وخفي لطفه، ما هداهم به إلى دينه الّذي ارتضاه لنفسه، واختص به من شاء كرامته وسعادته من خلقه، وأظهر لهم من الدولة والصولة ما ظهروا به على كافة العرب، فلم يزل الأمر في مزيدٍ حتّى توفّى الله شيخ هذه الدعوة، ووزيره العبد الصالح /رحمهما/3 الله /تعالى/4.
ثم حدث فيهم من فتنة الشهوات، ما أفسد على الناس الأعمال والإرادات، وجرى من العقوبة والتطهير ما يعرفه الفطن الخبير. ثم أدرككم من رحمته تعالى وألطافه، ما ردّ لكم به الكرّة، ونصركم ببركته المرة بعد المرّة5، ولله تعالى عليك خاصةً نعم لا يستقصيها العدّ والإحصاء، ولا يحيط بها إلا عالم السرّ والنجوى؛ فكم أنقذك من هول وشدّة، وكم أظهرك على من ناوأك مع كثرة العدد منهم والعدة! ولم تزل نعمته تترى، وحوله وقوّته يرفعك إلى ما ترى، حتى آلت إليك سياسة هذه الشريعة المطهرة،
1 وقد تقدم ذكر مصنفات الشيخ محمد بن عبد الوهاب في ص 291.
2 ساقط في (د) .
3 في (د) : رحمهم.
4 ساقط في المطبوع.
5 وقد تقدم في قسم الدراسة ص 44 ذكر ما وقع به من إسقاطه عن الحكم، واقتياده إلى مصر أسيراً، ثم رجوعه واستيلاؤه على نجد للمرة الثانية. انظر ص 42.
وآل إليك ما كان إلى أسلافك ومن قبلهم، ممن قام بنصرة الدين وأظهره. وقد عرفت ما حدث من الخلوف في الأصول والفروع، وما آل إليه الحال في عدم1 الأخذ بأحكام المنهج المشروع، حتى ظهر الطعن في العقائد، وتكلَّم كل كاره للحق معاند، وصار أمر العلم والعقائد لعبا" لكل منافق حاسد. وكُتِبَت في الطعن على أهل هذه الملّة الرسائل والأوراق2. وتكلم في /عيبهم وذمِّهم/3 أهل البغي والشقاق، وصار أمر العلم والدين ممتهنا" عند الأكثر من العامة والمتقدّمين؛ وإقبالهم إنما هو على نيل /الحظوظ/4 الدنيويّة، والشهوات النفسانيّة، وعدم الالتفات والنظر للمصالح الدينيَّة، والواجبات الإسلامية. وتفصيل ذلك يعرفه من حاسب نفسه قبل أن يحاسب، والمؤمن يعلم أنّ لهذه الأمور غائلةٌ، وعاقبة ذميمة وخيمة، آخرها الأجل المقدور، وإلى الله عاقبة الأمور.
فالسعيد من بادر إلى الإقلاع والمتاب، وخاف سوء الحساب، وعمل بطاعة الله قبل أن يغلق الباب، ويسبل الحجاب.
وفقنا الله وإياكم لقبول أوامره، وترك مناهيه، وخوف زواجره. وصلى الله على /نبينا/5 محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما" كثيرا" إلى يوم الدين.
1 في (ب) و (ج) و (د) والمطبوع: ترك.
2 انظر ما كتبه الشيخ في رده على بعض تلك الرسائل ص 97-98.
3 كذا في جميع النسخ، وفي (أ) تقديم وتأخير بين الكلمتين.
4 في (ج) و (د) : الخضوض.
5 زائدة قي (د) .