الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فوجده علي، فسُرَّ بذلك وسجد شكراً لله على توفيقه، وقال: "لو يعلم الذين يقاتلون ماذا (1) لهم على لسان محمد، لنكلوا عن العمل، هذا، وهم/من/ (2) أكثر الناس عبادة /و/ (3) صلاة وصوماً.
(1) من هنا "ماذا لهم
…
" بداية نسخة (ب) ، وما قبله ساقط.
(2)
ساقط في (جـ) ، و (د) ، والمطبوع.
(3)
الواو ساقط في جميع النسخ، مثبت في المطبوع.
فصل في معنى الظلم والمعصية والفسوق والفجور
…
فصل
ولفظ الظالم والمعصية، والفسوق والفجور، والموالاة والمعاداة، والركون والشرك، ونحو ذلك من الألفاظ الواردة في الكتاب والسنة، قد يراد بها مسماها المطلق
وحقيقتها المطلقة، وقد يراد مطلق الحقيقة (1) والأول (2) هو الأصل عند الأصوليين والثاني (3) لا يحمل الكلام عليه، إلا بقرينة لفظية أو معنوية؛ وإنما يعرف معنى لفظ الظلم والمعصية والفسوق والفجور. ذلك بالبيان النبوي، وتفسير السنة، قال تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ} الآية (4)، وقال تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ * بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} (5) .
(1) المسمى المطلق، والحقيقة المطلقة للفظ المعين، يراد به: العموم الشامل لجميع أفراد ذلك المسمى، أو تلك الحقيقة، بحيث لا يبقى فرد من أفراده إلا ويدخل فيه. ويكون ذلك العموم مطلقاً، أي غير مقيد بقيد يوجب تخصيصه.
فالمسمى المطلق للفظ الإيمان (الإيمان المطلق) مثلاً، يراد به جميع أنواع الإيمان وأفراده (صفاته) ، بحيث لا يبقى صفة من صفاته إلا دخل فيه. وهو غير مقيد بقيد يوجب تخصيصه. أما مطلق الحقيقة للفظ الإيمان (مطلق الإيمان) ، فهذا مجرد إشارة وبيان لحقيقة إحدى أوصاف الإيمان، وأنه مشارك في صفة الإيمان الذي يصدق على كل صفة من أوصافه.
وكذلك المسمى المطلق للفظ الظلم (الظلم المطلق) مثلاً، يراد به جميع أنواع الظلم وأفراده، بحيث لا يبقى نوع من أنواعه إلا دخل فيه. وهو غير مقيد بقيد يوجب تخصيصه، كما لو قيد بالنفس مثلاً، فيقال:(ظلم النفس) .
وهكذا جميع الألفاظ التي أوردها المؤلف هنا، (الظلم والمعصية والفسوق
…
إلخ) .
أما مطلق الحقيقة للفظ الظلم (مطلق الظلم) ، فهذا مجرد إشارة وبيان لحقيقة أحد أنواع الظلم، وأنه مشارك في صفة الظلم الذي يصدق على كل فرد من أفراده. وإضافة لفظ (مطلق) إلى الظلم؛ لتمييزه عن بقية المطلقات، أي ليس مطلق أمر، ولا مطلق حيوان، ونحوهما.
(2)
أي (المسمى المطلق، والحقيقة المطلقة) . انظر: الفروق، لشهاب الدين أبي العباس الصنهاجي القرافي، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت، 1/127.
(3)
أي (مطلق الحقيقة) ، فالكلام لا يحمل عليه إلا بقرينته. فمعرفة الشيء بأنه فسوق مثلاً، يفتقر لقرينة لفظية، بأن يصرح بذلك النبي صلى الله عليه وسلم.
(4)
سورة إبراهيم: الآية (4) .
(5)
سورة النحل: الآيتان (43،44) . في (أ) لم يذكر الآية (44) مع أن فيها محل الشاهد، وهو: البيان النبوي المشار إليه آنفاً، والذي من أجله سيقت هذه الآية والتي قبلها.
وكذلك اسم المؤمن والبر والتقي، يراد به عند الإطلاق والثناء (1) ، غير المعنى المراد في مقام الأمر والنهي (2) ، ألا ترى أن الزاني، والسارق، والشارب، ونحوهم، يدخلون في عموم قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} (3)، وقوله:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا} (4)، وقوله:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ} (5) . ولا يدخلون في مثل قوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} (6)، وقوله:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا} (7) وله: {وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ} (8) .
وهذا هو الذي أوجب للسلف ترك تسمية الفاسق بالإيمان والبر، وفي الحديث:((لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، ولا ينتهب نهبة يرفع الناس إليه أبصارهم فيها وهو مؤمن)) (9) وقوله: ((لا يؤمن من لا
(1) يراد بهذه الألفاظ (المؤمن، البر، التقي) عند الإطلاق، والثناء: المؤمنون الذين يقيمون الواجبات والطاعات، وينتهون عن المنهيات.
(2)
ويراد بهذه الألفاظ في مقام الأمر والنهي: كل مؤمن نطق بالشهادتين.
(3)
سورة المائدة: الآية (6) .
(4)
سورة الأحزاب: الآية (69) .
(5)
سورة المائدة: الآية (106) .
(6)
سورة الأنفال: الآية (2)
(7)
سورة الحجرات: الآية (15) .
(8)
سورة الحديد: الآية (19) . في الآيات الثلاث الأخيرة، خص الإيمان في الذين يجدون في قلوبهم وجلاً عند سماع ذكر الله، والذين لا يرتابون بعد إيمانهم؛ وعلى ذلك فهي لا تتناول المنافقين والمشركين والفساق؛ إذ هي في مجال مدح وثناء.
(9)
صحيح البخاري مع الفتح، 5/143، المظالم باب النهبى بغير إذن صاحبه، من حديث أبي هريرة. صحيح مسلم بشرح النووي، 12/401، الإيمان، باب بيان نقصان الإيمان بالمعاصي. سنن النسائي بشرح السيوطي، 8/313 الأشربة، باب ذكر الروايات المغلطات في شرب الخمر. سنن ابن ماجه، 2/365، الفتن، باب النهي عن النهبة.
يأمن جاره بوائقه)) (1)(2) .
لكن نفي الإيمان هنا لا يدل على كفره، بل يطلق عليه اسم الإسلام، ولا يكون كمن كفر بالله ورسوله (3) ، وهذا هو الذي فهمه السلف وقرروه في باب الرد على
(1) البوائق: جمع بائقة، وهي النازلة، والداهية، والشر الشديد و (بوائقه) أي غوائله وشروره، النهاية لابن الأثير، 1/162.
(2)
الحديث بهذا اللفظ أورده ابن الأثير في النهاية، 1/162. وقد أخرجه الإمام البخاري في صحيحه مع الفتح، 10/457، الأدب باب، إثم من لا يأمن جاره بوائقه، عن أبي شريح، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، قيل من يا رسول لله، قالك الذي لا يأمن جاره بوائقه)) ..
وأخرجه مسل في صحيحه بشرح النووي، 2/377، الإيمان، باب تحريم الجار، بلفظ:" لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه "، وبهذا اللفظ أخرجه الإمام أحمد في مسنه، 2/373.
(3)
قال النووي رحمه الله في شرحه لحديث ((لا يزني الزاني)) : هذا الحديث مما اختلف العلماء في معناه، فالقول الصحيح الذي قاله المحققون، إن معناه: لا يفعل هذه المعاصي وهو كامل الإيمان. وهذا من الألفاظ التي تطلق على نفي الشيء ويراد نفي كماله، كما يقال:"لا عيش إلا عيش الآخرة". شرح صحيح مسلم للنووي، 2/401.
يؤيد هذا التأويل حديث أبي ذر –رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ما من عبد قال: لا إله إلا الله، ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة)) ، قلت: وإن زنى وإن سرق قال وإن زنى وإن سرق)) قال: وإن زنى وإن سرق، على رغم أنف أبي ذر)) . رواه البخاري في صحيحه مع الفتح، 3/132، الجنائز، باب في الجنائز، ومن كان آخر كلامه "لا إله إلا الله"؛ ومسلم في صحيحه بشرح النووي، 2/456، الإيمان، باب من مات لا يشرك بالله سيئاً دخل الجنة، وفي كتاب الزكاة، 7/80، باب الترغيب في الصدقة؛ والترمذي في سننه، 5/27، الإيمان، باب ما جاء في افتراق هذه الأمة. فيفهم من هذا الحديث عدم تكفير النبي صلى الله عليه وسلم لفاعل هذه الأمور، بل هو صريح، بل هو صريح بجواز دخول الجنة، فهو مسلم عصى ربه، وهذا ما أكده في حديث عبادة بن الصامت رضي الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال -وحوله عصابة من أصحابه-:((بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئاً، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا أولادكم، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم، ولا تعصوا في معروف، فمن وفى منكم، فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئاً فعوقب في الدنيا فهو كفارة له، ومن أصاب من ذلك شيئاً ثم ستره الله، فهو إلى الله، إن شاء عفى عنه وإن شاء عاقبه فبايعناه على ذلك)) صحيح البخاري مع الفتح 1/81، الإيمان باب (حدثنا أبو اليماني) . صحيح مسلم بشرح النووي، 11/235، الحدود، باب الحدود كفارات لأهلها. سنن الترمذي، 4/36، الحدود، باب ما جاء أن الحدود كفارة لأهلها. سنن النسائي، 17/161-162، البيعة، باب ثواب من وفّى بما بايع عليه.
وهذا الحديث صريح في أن مرتكب الكبيرة، لا يكفر، وإنما هو تحت مشيئة الله تعالى، إن مات على ذلك. وقد نقل الإمام النووي رحمه الله إجماع أهل الحق على أن الزاني، والسارق، والقاتل، وغيرهم من أصحاب الكبائر -غير الشرك-، لا يكفرون، بل هم مؤمنون ناقصو الإيمان، إن تابوا أسقطت عقوبتهم (في الآخرة) ، وإن ماتوا مصرين على الكبائر، كانوا في المشيئة، فإن شاء الله تعالى عفا عنهم، وأدخلهم الجنة أولاً، وإن شاء عذبهم، ثم أدخلهم الجنة. شرح صحيح مسلم للنووي، 12/401-402.
قال ابن قتيبة رحمه الله: "وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يؤمن، من لم يأمن جاره بوائقه" يريد:" ليس بمستكمل الإيمان". تأويل الحديث، لأبي محمد عبد الله بن مسلم ابن قتيبة (276هـ) ، تصحيح محمد زهري النجار، دار الجيل، بيروت، لبنان، طبعة عام 1393هـ-1972م، ص171.
الخوارج (1) ، والمرجئة (2) ، ونحوهم من أهل الأهواء، فافهم هذا، فإنه مضلة الأفهام، ومزلة الأقدام.
(1) الذين يكفرون مرتكبي الكبير. وقد تقدمت ترجمتهم، وبيان مذهبهم في ص179.
(2)
المرجئة: اسم مشتق من الإرجاء، وهو على معنيين: الأول التأخير، والثاني: إعطاء الرجاء. ويصدق إطلاق كلا المعنيين على المرجئة؛ فعلى الأول: لأنهم يؤخرون الأعمال عن الإيمان، أي أنها لا تدخل في مسمى الإيمان. وعلى الثاني: لأنهم يعطون رجاء الفوز والسعادة في الآخرة، لمن لم يعمل.
انظر: الملل والنحل، 1/139. ولسان العرب، 1/84.
فالمرجئة -كما يقول ابن في النهاية، 2/206-: هم فرقة من فرق الإسلام يعتقدون أنه لا يضر مع الإيمان معصية، كما أنه لا ينفع مع الكفر طاعة. وهؤلاء هم المرجئة الخالصة. وانظر: الملل والنحل، 1/139. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:"والفقهاء منهم؛ مثل حماد بن أبي سليمان، وأبي حنيفة، متفقون مع سائر أهل السنة على أن الله يعذب من يعذبه من أهل الكبائر بالنار، ثم يخرجهم بالشفاعة. مجموع الفتاوى، 1/338. وقال في محل آخر: "وقالت المرجئة -مقتصدهم وغلاتهم كالجهمية- قد علمنا أن أهل الذنوب من أهل القبلة، لا يخلدون في النار، بل يخرجون منها كما تواترت بذلك الأحاديث". مجموع الفتاوى، 1/348.
وقال ابن منظور في اللسان، 1/84:"المرجئة: صنف من المسلمين، يقولون: الإيمان بلا عمل. كأنهم قدموا القول وأرجوا العمل، أي أخروه". لسان العرب، 1/84.
والمرجئة: فرق متعددة، ذكرها علماء الفرق في مصنفاتهم؛ كالأشعري في [المقالات، 1/213-223] ، والبغدادي في [الفرق بين الفرق، ص202-205] ، والشهرستاني في [الملل والنحل، 1/139-146] .
وكل تلك الفرق التي ذكروها عائدة إلى ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله؛ إذ صنفهم إلى ثلاثة أصناف، فقال: والمرجئة ثلاثة أصناف:
الأول: الذين يقولون: الإيمان مجرد ما في القلب، ثم من هؤلاء من يدخل فيه أعمال القلوب، وهم أكثر فرق المرجئة، ومنهم من لا يدخلها في الإيمان، كجهم ومن تبعه كالصالحي.
والثاني: من يقول هو مجرد قول اللسان، وهذا لا يُعرف لأحد قبل الكرامية.
والثالث: تصديق القلب وقول اللسان. وهذا هو المشهور عن أهل الفقه والعبادة منهم. انتهى. مجموع الفتاوى، 7/195.
يعني بأهل الفقه والعبادة، الإمام أبا حنيفة وأصحابه، فهم يقولون بهذا القول، ويقولون: إن أعمال الجوارح لازمة لإيمان القلب، أو جزء من الإيمان، كما يتفقون مع بقية أهل السنة في أن مرتكب الكبير لا يخرج من الإيمان، بل هو في مشيئة الله.
انظر: شرح العقيدة الطحاوية، 313-314. ومجموع الفتاوى، 3/151.
أما إلحاق الوعيد المرتب على بعض الذنوب والكبائر، فقد يمنع منه مانع في حق المعين (1) ؛ كحب الله ورسوله (2) ، والجهاد في
(1) انظر: مجموع الفتاوى، 23/345.
(2)
ومثل ذلك: ما أخرجه البخاري من حديث زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمر بن الخطاب، أن رجلاً كان عهد النبي صلى الله عليه وسلم، كان اسمه عبد الله، وكان يلقب حماراً، وكان يضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد جلده في الشراب، فأتي به يوماً، فأمر به فجلد؛ فقال رجل من القوم: اللهم، ما أكثر ما يؤتى به فقال النبي صل الله عليه وسلم ((لا تلعنوه؛ فوالله ما علمت إلا أنه يحب الله ورسوله)) . صحيح البخاري مع فتح الباري، لابن حجر العسقلاني، تحقيق محب الدين الخطيب، المكتبة السلفية، القاهرة، الطبعة الرابعة، 1408هـ، 12/77. شرح السنة، لأبي محمد الحسين بن مسعود الفراء البغوي (ت156هـ) ، تحقيق شعيب الأرناؤوط، المكتب الإسلامي، الطبعة الأولى، 1396هـ/1976م، 10/337.
فالحديث صريح في أن حب الله ورسوله، هو المانع من إلحاق اللعن لهذا الصحابي رضي الله عنه على الرغم من ثبوت اللعن لشارب الخمر، فيما أخرجه أبو داود، من حديث ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((لعن الله الخمر، وشاربها، وساقيها، وبائعها، ومبتاعها، وعاصرها، ومعتصرها، وحاملها، والمحمولة إليه)) . سنن أبي داود، 4/82، الأشربة، باب العنب يعصر للخمر. سنن ابن ماجه، 2/255، الأشربة، باب لعنت الخمر على عشرة أوجه.
سبيله (1) ، ورجحان الحسنات (2) ومغفرة الله ورحمته (3) ، وشفاعة المؤمنين (4) ، والمصائب المكفرة في الدور الثلاثة (5) . ولذلك لا يشهدون لمعين من أهل القبلة، بجنة
(1) الجهاد في سبيل الله، من الأمور التي تمنع إلحاق الوعيد المرتب على بعض الذنوب والكبائر؛ إذ إن القتل فيه مكفر عن جميع الذنوب والخطايا إلا الدين. كما جاء ذلك في حديث أبي قتادة عن أبيه، أنه سمعه يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قام فيهم، فذكر لهم أن الجهاد في سبيل الله والإيمان بالله، أفضل الأعمال. فقام رجل فقال: يا رسول الله أرأيت إن قتلت في سبيل الله، أتكفر عني خطاياي، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم، ((نعم إن قتلت في سبيل الله، وأنت صابر محتسب مقبل غير مدبر
…
)) الحديث. صحيح مسلم بشرح النووي، 13/32، الإمارة، باب (من قتل في سبيل الله كفرت خطاياه) .
وأخرجه مالك في الموطأ، بتصحيح فؤاد عبد الباقي، دار إحياء الكتب العربية، الحلبي بمصر، 2/461، الجهاد، باب الشهداء في سبيل الله. سنن الترمذي، 4/184، الجهاد، باب فيمن يستشهد وعليه دين.
(2)
إن المرء قد يرتكب بعض الكبائر، لكنه قد يترجح حسناته عل سيئاته عند الميزان، فيكون ذلك مانعاً للحوق الوعيد على تلك الكبائر. قال تعالى:{فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ} [القارعة 6،7] .
(3)
مغفرة الله ورحمته، من الأمور المانعة لتحقيق الوعيد في حق المعين. وفي ذلك جاء قوله صلى الله عليه وسلم ((يجئ يوم القيامة ناس من المسلمين، بذنوب أمثال الجبال، فيغفرها الله لهم
…
)) الحديث صحيح مسلم بشرح النووي، 17/93، باب سعة رحمة الله. والأحاديث في مغفرة الله لعباده كثيرة.
(4)
وفيه جاء قوله صلى الله عليه وسلم ((ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلاً لا يشركون بالله شيئاً، إلا شفعهم الله فيه)) . صحيح مسلم بشرح النووي، 7/22، الجنائز، باب من صلى الله علبيه أربعون، شفعوا فيه. سنن ابن ماجه، 1/274، الجنائز، باب (ما جاء فيمن صلى الله عليه جماعة من المسلمين) .
(5)
وفي ذلك أخرج الإمام أحمد في مسنده عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((إذا كثرت ذنوب العبد، ولم يكن له ما يكفرها من العمل، ابتلاه الله عز وجل بالحزن ليكفرها عنه)) مسند الإمام أحمد 6/157. وأخرج مسلم في صحيحه، قوله صلى الله عليه وسلم ((ما من مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه، إلا حط الله به سيئاته)) ، باب (ثواب المؤمن فيما يصيبه من مرض) . وأخرجه البخاري في صحيحه، 7/218، كتاب المرضى والطب، باب (أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأول فالأول) . وأحمد في مسنده، 1/441.
ولا نار (1) ، وإن أطلقوا الوعيد كما أطلقه القرآن والسنة، فهم يفرقون بين العام والمطلق (2) ، والخاص المقيد (3) ، وكان عبد الله حماراً (4) يشرب الخمر، فأتي به إلى رسول الله، فلعنه رجل وقال: ما أكثر ما يؤتى إلى رسول الله فقال النبي لا تلعنه؛
(1) انظر: شرح العقيدة الطحاوية، ص305-366. ومجموع الفتاوى، 23/345.
(2)
اللفظ العام: هو المستغرق لجميع ما يصلح له، بحسب وضع واحد. المحصول في علم أصول الفقه، لمحمد بن عمر بن الحسين الرازي، (ت606هـ) ، دار الكتب العلمية، بيروت، ط/1، 1408هـ-1988م، 1/353.
ووصف اللفظ العام هنا بالإطلاق، أي أنه غير مقيد موجب لتخصيصه، من صفة، أو استثناء، أو شرط، ونحوها. ومثال ذلك (الوعيد العام) الذي جاء في لعنه صلى الله عليه وسلم الخمر، وشاربها، وساقيها
…
إلخ؛ فهو لعن عام غير مقيد بشيء يخصصه.
(3)
الخاص: ما أخرج عن بعض ما تناوله الخطاب العام. المحصول، للرازي، 1/396.
ومثاله هذا الصحابي عبد الله، وكان ذلك التخصيص مقيداً بصفة هي حبه لله ورسوله. فالوعيد الخاص المعين ما تناول فرداً بعينه. كما في قوله تعالى:{تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} [المسد:1] .
فمراد الشيخ هنا، أن الصحابة -رضوان الله عليهم- يفرقون بين الوعيد العام المطلق، والخاص المقيد.
(4)
هو صحابي جليل، اسمه عبد الله، وحمار لقب له، صاحب المزاح الذي كان يهدي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويضحكه.
انظر ترجمته: تجريد أسماء الصحابة، لأبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي (ت748هـ) ، نشر دار المعرفة، بيروت، لبنان. 1/306.
فإنه يحب الله ورسول)) (1) ، مع أنه لعن الخمر، وشاربها، وبائعها، وعاصرها، ومعتصرها، وحاملها، والمحمولة إليه (2) . وتأمل قصة حاطب بن أبي بلتعة (3) ، وما فيها من الفوائد؛ فإنه هاجر إلى الله ورسوله، وجاهد في سبيله؛ لكن حدث منه أنه كتب بسر رسول الله، إلى المشركين من أهل مكة، يخبرهم بشأن رسول الله، ومسيره لجهادهم؛ ليتخذ بذلك يداً عندهم تحمي أهله وماله بمكة، فنزل الوحي بخبره.
موالاة الكفار المكفرة وما دونها وكان قد أعطي الكتاب/ ظعينة/ (4) فجعلته في
(1) أورده بهذا اللفظ: عبد الرزاق (211هـ) في مصنفه، ط/1، 1392هـ-1972م، نشر المكتب الإسلامي، بيروت، حديث رقم (13552) و (17082) .
والهندي في كنز العمال، في سنن الأقوال والأفعال، لعلاء الدين علي المتقي بن حسام الدين الهندي (975هـ) ، نشر مكتبة التراث الإسلامي، حلب، حديث رقم (13749) ، وعندها كان الشارب (ابن النعمان) . وقد تقدم تخريج الحديث عند البخاري في ص186، بلفظ آخر.
(2)
تقدم تخريج هذا الحديث في صفحة 75.
(3)
صحابي معروف، اشتهر بقصته هذه التي أشار إليها المؤلف هنا.
انظر ترجمته: الاستيعاب في معرفة الأصحاب، لابن عبد البر، 1/312. أسد الغابة في معرفة الصحابة، لابن الأثير (630هـ) ، الشعب، 1/431. الإصابة في تمييز الصحابة، لأحمد بن حجر العسقلاني (852هـ) ، مكتبة الكليات الأزهرية، ط/، 1389هـ-1969، 2/192. تهذيب التهذيب، لأحمد بن محمد بن حجر العسقلاني (ت852هـ) ، 2/168.
(4)
في جميع النسخ (ضعينة) بالضاد، وهو خطأ، والصواب المثبت، بالظاء، ومعناه: المرأة. وأصل الظعينة الراحلة التي يرحل ويظعن عليها، وقيل للمرأة ظعينة؛ لأنها تظعن مع الزوج حيثما ظعن، وجمعها: ظعنٌ، وظعائن، وأظعان.
وقيل إنها كانت امرأة من مزينة: انظر فتح الباري، 7/593. وقال ابن إسحاق:"زعم محمد بن جعفر أنها من مزينة، وزعم لي غيره، أنها سارة، مولاة لعبض بني المطلب".
سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، لمحمد بن إسحاق (ت151هـ) ، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، مطبعة المدني، القاهرة، نشر مكتبة محمد علي صبيح، ط/1، 1383هـ/1963م، 4/858.
شعرها، فأرسل رسول الله علياً والزبير في طلب الظعينة (1) ، وأخبرهما أنهما يجدانها في "روضة خاخ"(2) فكان ذلك؛ وتهدداها حتى أخرجت الكتاب من ضفائرها، فأتي به رسول الله، فدعا حاطب بن أبي بلتعة فقال له:(ما هذا) فقال: يا رسول الله، إني لم أكفر بعد إيماني، ولم أفعل هذا رغبة عن الإسلام، وإنما أردت أنه تكون لي عند القوم يداً، أحمي بها أهلي ومالي. فقال صدقكم، خلوا سبيله) ، واستأذن عمر في قتله فقال: دعني أضرب عنق هذا المنافق، قال:(وما يدريك أن الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم، فقد غفرت لكم)(3) .
وأنزل الله في ذلك صدر سورة الممتحنة فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ} (4) . فدخل حاطب في المخاطبة باسم الإيمان، ووصفه به، وتناوله النهي بعمومه، وله خصوصية السبب الدالة على إرادته، مع أنه في الآية الكريمة ما يشعر أن فعل حاطب نوع موالاة، وأنه أبلغ إليهم بالمودة، وأن فاعل ذلك قد ضل سواء السبيل. لكن قوله صلى الله عليه وسلم ((صدقكم، خلوا سبيله)) (5) ظاهر في أنه لا يكفر بذلك، إذا كان مؤمناً بالله ورسوله، غير شاك ولا مرتاب، وإنما فعل ذلك لغرض دنيوي، ولو كفر لما قيل:((خلوا سبيله)) . ولا يقال: قوله صلى الله عليه وسلم لعمر:
(1) في جميع النسخ (ضعينة) .
(2)
روضة خاخ: موضع بين الحرمين، بقرب حمراء الأسد من المدينة. معجم البلدان، 2/335.
(3)
أصل هذه القصة في الصحيحين؛ فهي في صحيح البخاري مع الفتح، 7/592، المغازي، 16/288-289، كتاب فضائل الصحابة، من فضائل أهل بدر، وقصة حاطب بن أبي بلتعة. وأخرجه الحاكم في "المستدرك" على الصحيحين لمحمد بن عبد الله الحاكم (ت 405هـ) ، بذيله تلخيص المستدرك، للذهبي، دار الفكر، بيروت، 1389هـ، 1978م. 13/301-302. انظر القصة: البدايةوالنهاية، لابن كثير 4/284-284. والسيرة النبوية، لابن هشام، تحقيق مصطفى السقا وزميليه، نشر دار إحياء التراث العربي، بيروت، 4/40-41 وسيرة النبي لابن إسحاق، 4/858.
(4)
سور الممتحنة: الآية (1) .
(5)
تقدم تخريجه.
" ما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم "(1) . هو المانع من تكفيره؛ لأنا نقول: لو كفر لما بقي من حسناته ما يمنع من إلحاق الكفر وأحكامه، فإن الكفر يهدم ما قبله، لقوله تعالى:{وَمَنْ يَكْفُرْ بِالأِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ} (2)، وقوله:{وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (3) ، والكفر محبط للحسنات والإيمان بالإجماع، (فلا يظن)(4) هذا.
وأما قوله تعالى: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} (5) وقوله: {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} (6) وقوله: {َيا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (7) ، فقد فسرته السنة، وقيدته، وخصته بالموالاة المطلقة العامة (8) .
وأصل الموالاة هو الحب، والنصرة، والصدقة، ودون ذلك مراتب متعددة. ولكل ذنب حظه وقسطه من الوعيد والذم، وهذا عند السلف الراسخين في العلم من
(1) تقدم تخريجه ص179.
(2)
سور المائدة: الآية (5) .
(3)
سورة الأنعام: الآية (88) .
(4)
ما بين القوسين ساقط في (ب) ، و (ج) ، و (د) .
(5)
سورة المائدة: الآية (51) .
(6)
سورة المجادلة: الآية (22) .
(7)
سورة المائدة: الآية (57) .
(8)
قال الإمام الطبري رحمه الله: "يعني -تعالى ذكره- بقوله: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} ومن يتول اليهود والنصارى، دون المؤمنين، فإنه منهم يقول: فإن من تولاهم ونصرهم على المؤمنين، فهو من أهل دينهم وملتهم، فإنه لا يتولى متولٍ أحداً إلا وهو به، وبدينه، وما هو عليه راض، وإذا رضيه، ورضي دينه، فقد عادى ما خالفه، وسخطه، وصار حكمه حكمه".
جامع البيان عن تأويل آي القرآن، لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري، (ت 310هـ) دار الفكر، 1408هـ، 6/277.
وهذا النوع من الموالاة التي ذكرها الطبري، هو الموالاة المطلقة العامة، وهو ما لم يقترب إليه حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه، إذ إنه أراد مجرد اتخاذ يدٍ عندهم يحفظ ماله.
الصحابة والتابعين، معروف في هذا الباب وفي غيره. وإنما أشكل الأمر، وخفيت المعاني، وألبست الأحكام، على خلوف من العجم والمولدين (1) الذين لا دراية لهم بهذا الشأن، ولا ممارسة بمعاني السنة والقرآن؛ ولهذا قال الحسن (2) رحمه الله:"من العجمة أتوا"(3) . وقال أبو عمرو بن العلاء (4) لعمرو بن عبيد (5) لما ناظره في مسألة خلود أهل الكبائر في النار، واحتج ابن عبيد أن هنا وعداً، والله لا يخلف وعده (6) ، يشير إلى ما في القرآن من الوعيد على بعض الكبائر والذنوب، بالنار
(1) المولدون: جمع مولد، وهو العربي غير المحض، يقال: رجل مولد إذا كان عربياً غير محض. لسان العرب، 3/469، مادة (ولد) .
(2)
هو الحسن بن أبي الحسن يسار، أبو سعيد البصري، مولى زيد بن ثابت الأنصاري، ولد بالمدينة، من خيار التابعين (ت110هـ) .
انظر ترجمته: الطبقات الكبرى، لابن سعد، دار صادر بيروت، 7/156. وسير أعلام النبلاء، 4/563-588. وتذكرة الحفاظ، للذهبي (448هـ) ، دار إحياء التراث العربي 1/71. وتهذيب التهذيب، 2/263.
(3)
لم أجد مصدره فيما اطلعت عليه.
(4)
في (أ) و (د) : (عمرو بن العلاء)، وهو خطأ. وفي غيرهما:(أبو عمرو بن العلاء) وهو الصواب. وهو أبو عمرو بن العلاء بن عمار بن العربان التميمي البصري، شيخ القراء، اختلف في اسمه على أقوال أشهرها: زبّان، وقيل العربان. ولد نحو سن سبعين. وتوفي سنة 154هـ.
انظر ترجمته: سير الأعلام، 6/407. تهذيب التهذيب، 12/178.
(5)
عمرو بن عبيد بن باب أبو عثمان البصري الزاهد القدري، كبير المعتزلة، جالس الحسن البصري، مات بطريق مكة سنة 143هـ.
انظر ترجمته: تاريخ بغداد أو مدينة السلام، للحافظ أبو بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان، 12/166. ووفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، لأحمد بن محمد بن أبي بكر بن خلكان (ت681هـ) ، تحقيق د. إحسان عباس، دار صادر، طبعة سنة 1397هـ-1977م، 3/460-462. سير الأعلام، 6/104. تهذيب التهذيب. 830.
(6)
هذا بناءً على مذهب المعتزلة بأنه يجب على الله تنفيذ الوعد، وهو أحد أصولهم الخمسة، وهي:(1 التوحيد)(2) المنزلة بين المنزلتين (3) العدل (4) الوعد والوعيد (5) الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. انظر معانيها عندهم: شرح الأصول الخمسة، للقاضي عبد الجبار
والخلود (1)، فقال له ابن العلاء: من العجمة أُتيت، هذا وعيد لا وعد،
وأنشد قول الشاعر:
وإني وإن أوعدته (2) أو وعدته
…
لمخلف إيعادي ومنجز (3) موعدي (4)
وقال بعض الأئمة، فيما نقل البخاري أو غيره، إن من سعادة الأعجمي والأعرابي، إذا أسلما، أن يوفقا لصاحب سنة، وإن من شقاوتهما أن يمتحنا،...............................................
بن أحمد، تعليق الإمام ابن الحسين بن أبي هاشم، تقديم د. عبد الكريم عثمان، نشر مكتبة وهبة، مطبعة الاستقلال الكبرى، ط/1، 1384هـ/1965م، ص149، 299، 609، 695، 739. مجموع الفتاوى، 1398، 368-390. الصفات الإلهية في الكتاب والسنة في ضوء الإثبات والنفي، لمحمد بن علي الجامي، ط/1، 1408هـ، ص141-142.
(1)
مثل قوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا} [النساء:93] .
وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً} [الفرقان:68-69] .
(2)
في (أ)(واعدته) . وفي بقية النسخ: (أوعدته) ، وهكذا في ديوان عامر بن طفيل، دار صادر، بيروت، 1383هـ، 1963م، ص58، وانظر: تاريخ بغداد، 12/176، وهو الصواب؛ لأن القياس من الوعيد أن يقال: أوعد، وأوعدته بالشر. انظر: لسان العرب، 3/463، مادة (وعد) .
(3)
في رواية: (لأخلف إيعادي وأنجز موعدي) .
(4)
انظر هذه المناظرة في: تاريخ بغداد، 12/175-176. والحجة في بيان المحجة، 2/73. ومدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين، لابن قيم الجوزية (751هـ) ، دار الكتت العلمية، بيروت، لبنان، ط/1، 1403هـ-1983م. 1/396.
والمقصود هنا أن يثبت ابن العلاء لمناظره، ما هو عكس مذهب المعتزلة، وهو أنه لا يجب على الله إنفاذ الوعيد، وأنه تعالى قد يترك عقاب العاصي تكرماً منه وفضلاً. وقد تقرر عند العرب أنهم لا يلحقون العار بمن توعد ثم لا ينفذه، بل يرون ذلك كرماً وفضلاً، وإنما خلف الوعد والعار ملحق بمن يعد الخير ثم لا يفعله. والبيت لعامر بن الطفيل العامر. انظر ديوانه، ص58.
وييسرا (1) لصاحب هوى وبدعة (2) . ونضرب لك مثلاً وهو: أن رجلين تنازعا في آيات من كتاب الله، أحدهما خارجي (3) ، والآخر مرجئ (4)، قال الخارجي: إن قوله: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} (5) ، دليل على حبوط أعمال العصاة والفجار وبطلانها (6) ؛ إذ لا قائل إنهم من عباد الله المتقين.
قال المرجئ: هي في الشرك، فكل من اتقى الشرك يقبل عمله (7)، لقوله تعالى:{مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} (8) .
قال الخارجي: قوله تعالى: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً} (9) يرد ما ذهبت إليه.
قال المرجئ: المعصية هنا الشرك بالله، واتخاذ الأنداد معه، لقوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} (10) .
قال الخارجي: قوله: {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لا يَسْتَوُونَ} (11) ، دليل على أن الفساق من أهل النار الخالدين فيها.
(1) في (د) ويتيسرا.
(2)
لم أهتد إلى مصدره.
(3)
الخارجي: مفرد الخوارج، وقد تقدم بيان مذهبهم في ص167.
(4)
المرجئ: هو من يخرج الأعمال من مسمى الإيمان. وقد تقدم بيان مذهب المرجئة في ص174.
(5)
سورة المائدة: الآية (27) .
(6)
هذا بناء على مذهب الخوارج في تكفير أهل الكبائر.
(7)
وهذا بناء على مذهبهم في العصاة والفجار، أنهم مؤمنون كاملو الإيمان ما داموا قد نطقوا بالشهادتين.
(8)
سورة الأنعام: الآية (160) .
(9)
سورة الجن: الآية (23) .
(10)
سورة النساء: الآية (48) .
(11)
سورة السجدة: الآية (18) .
قال المرجئ: قوله في آخر الآية: {وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ} (1) دليل على أن المراد من كذب الله ورسوله، والفاسق من أهل القبلة مؤمن كامل الإيمان.
ومن وقف على المناظرة من جهال الطلبة والأعاجم ظن أنها الغاية المقصودة، وعض عليها بالنواجذ، مع أن كلا القولين لا يرتضي، ولا يحكم بإصابته أهل العلم والهدى، وما عند السلف والراسخين في العلم خلاف هذا كله (2) ؛ لأن الرجوع إلى السنة المبينة للناس ما نزل إليهم. وأما أهل البدع والأهواء فيستغنون عنها بآرائهم وأذواقهم. وقد بلغني أنكم تأولتم قوله تعالى في سورة محمد:{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الأَمْرِ} (3) على بعض ما يجري من أمراء الوقت، من مكاتبة، ومصالحة، وهدنة لبعض /الرؤساء/ (4) الضالين، والملوك المشركين، ولم تنظروا لأول الآية، وهو قوله:{إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى} (5) ،.........................
(1) سورة السجدة: الآية (20) .
(2)
إن مذهب السلف الصالح -أهل السنة والجماعة- هو التوسط بين آراء الخوارج والمرجئة في مسألة العصاة والفجار؛ فإنهم لا يكفرون أحداً من أهل القبلة بمعصية، وأنه إن عمل عملاً صالحاً، فهو مقبول عند الله، للخوارج الذين يكفرون أهل المعاصي، ويحبطون أعمالهم.
كما أن السلف لا يصفون العصاة، والفساق، والفجار، بكمال الإيمان، مع عدم العمل -خلافاً للمرجئة- بل يصفونهم بأنهم مؤمنون عصاة، ناقصو الإيمان، ويخشى عليهم إن هم أصروا على ذلك.
انظر: الاقتصاد في الاعتقاد، لأبي محمد عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي (ت600هـ) ، تحقيق د. أحمد عطية بن علي الغامدي، مكتبة العلوم والحكم، المدينة المنورة، ط/1، 1414هـ/193م، ص205. والحجة في بيان المحجة، 2/271.
(3)
سورة محمد: الآية (26) .
(4)
في جميع النسخ: رؤساء الضالين.
(5)
سورة محمد: الآية (25) .