المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الرسالة الرابعة: إلى محمد بن علي آل موسى - عيون الرسائل والأجوبة على المسائل - جـ ١

[عبد اللطيف آل الشيخ]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌القسم الأول: الدراسة

- ‌الباب الأول: عصر المؤلف وحياته

- ‌الفصل الأول: عصر المؤلف

- ‌المبحث الثالث: الحالة الدينية

- ‌المبحث الأول: الحالة السياسية

- ‌المبحث الثاني الحالة الاجتماعية

- ‌الفصل الثاني: حياة المؤلف

- ‌المبحث الأول: اسمه ونسبه

- ‌المبحث الثاني ولادته وأسرته

- ‌المبحث الثالث صفاته الذاتية والفكرية

- ‌المبحث الرابع نشأته العلمية ورحلاته

- ‌المبحث الخامس شيوخه

- ‌المبحث الساس: تلاميذه

- ‌المبحث السابع ثقافته وإنتاجه العلمي

- ‌المبحث الثامن عقيدته

- ‌المبحث التاسع أعماله ووظائفه

- ‌المبحث العاشر حياته السياسية

- ‌المبحث الحادي عشر وفاته والمرثيات التي قيلت فيه

- ‌المبحث الثاني عشر: ثناء علمائه عليه

- ‌الباب الثاني: دراسة الكتاب

- ‌الفصل الأول: التعريف بالكتاب

- ‌المبحث الأول: عنوان المخطوط

- ‌المبحث الثاني ترجمة جامع الرسائل

- ‌المبحث الثالث توثيق نسبة الكتاب إلى المؤلف

- ‌المبحث الرابع موضوع الكتاب

- ‌المبحث الخامس وصف النسخة الخطية والمطبوعة

- ‌الفصل الثاني: دراسات تقويمية للكتاب

- ‌المبحث الأول: منهج المؤلف في الكتاب

- ‌المبحث الثاني مصادره

- ‌المبحث الثالث قيمة الكتاب

- ‌القسم الثاني: تحقيق النص

- ‌مقدمة جامع الكتاب

- ‌الرسائل الخاصة بعقيدة التوحيد والاتباع وما ينافيها من الشرك والابتداع

- ‌الرسالة الأولى: إلى عبد العزيز الخطيب

- ‌مدخل

- ‌فصل في معنى الظلم والمعصية والفسوق والفجور

- ‌الأصل الأول: أن السنة والأحاديث النبوية هي المبينة للأحكام القرآنية

- ‌الأصل الثاني: أن الإيمان أصل، له شعب متعددة

- ‌الأصل الثالث: حقيقة الأيمان

- ‌الأصل الرابع: أنواع الكفر

- ‌الأصل الخامس: لا يلزم من قيام شعبة من شعب الإيمان بالعبد أن يسمى مؤمنا

- ‌مسألة في من يعمل سنة ختمة في ليلة مولد النبي صلى الله عليه وسلم هل ذلك مسنون أو لا

- ‌مسألة: في النوم في المسجد

- ‌الرسالة الثانية: إلى إبراهيم بن عبد الملك

- ‌تقديم جامع الرسائل

- ‌المسألة الأولى: الإنكار على من كفر أناسا شمتوا بانتصار أعداء المسلمين عليهم

- ‌المسألة الثانية: في حظر الإقامة حيث يهان الإسلم ويعظم الكفر

- ‌المسألة الثالثة: حكم تصرف الوالد في مال ولده الصغير

- ‌المسألة الرابعة: حكم تملك الوالد جميع مال ولده

- ‌المسألة الخامسة: إذا كان لرجل على آخر دين مثل الصقيب يكون له الدين الكثير يصطلحان بينهما

- ‌الرسالة الثالثة: إلى إبراهيم بن عبد الملك

- ‌الرسالة الرابعة: إلى محمد بن علي آل موسى

- ‌الرسالة الخامسة: إلى حسن بن عبد الله

- ‌الرسالة السادسة: إلى حمد بن عبد العزيز

- ‌الرسالة السابعة: إلى أهل الفرع

- ‌الرسالة الثامنة: نصيحة إلى كافة المسلمين

- ‌الرسالة التاسعة: إلى محمد بن عجلان

- ‌الرساة العاشرة: إلى عبد الله بن عبد العزيز الدوسري

- ‌التوصية بلزوم الكتاب والسنة

- ‌الرسالة الحادية عشرة: إلى أهل عنيزة

- ‌فتنة القبور والتوسل بالموتى

- ‌الرسالة الثانية عشرة: إلى علي بن أحمد بن سلمان

- ‌قول العلماء في الجهمية والرد عليهم

- ‌تفضيل القبورين للقبور على الكعبة

- ‌الرسالة الثالثة عشرة: إلى زيد بن محمد

- ‌المسألة الأولى: عن قول الله تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ

- ‌ المسألة الرابعة: عن قوله صلى الله عليه وسلم في الدعاء المشهور: " إلى من تكلني إليه، إلى بعيد يتجهمني

- ‌المسألة السادسة: عن قوله تعالى: {قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا

- ‌الرسالة الرابعة عشرة: محمد بن عون

- ‌الرسالة الخامسة عشرة: إلى صالح محمد الشثري

- ‌الرسالة السادسة عشر: إلى محمد بن راشد الجابري

- ‌الرسالة السابعة عشرة: إلى عبد الله بن معيذر

- ‌حول كتاب الإحياء للغزالي

- ‌[فصل] في بيان أشياء مهمة، أنكرت على أبي حامد:

- ‌الرسالة الثامنة عشرة: إلى صالح بن عثمان بن عقيل

- ‌الرسالة التاسعة عشرة: إلى الإمام فيصل

- ‌الرسالة العشرون: إلى زيد بن محمد آل سليمان

- ‌الرسالة الحادية والعشرون: إلى زيد بن محمد آل سليمان

- ‌الرسالة الثانية والعشرون: إلى محمد بن علي آل موسى، وإبراهيم بن راشد، وإبراهيم بن مرشد

- ‌الرسالة الثالثة والعشرون: إلى الإخوان محمد بن علي وإبراهيم بن راشد

- ‌الرسالة الرابعة والعشرون: إلى حمد بن على وإبراهيم بن مرشد

- ‌الرسالة الخامسة والعشرون: إلى أبراهيم بن راشد وإبراهيم بن مرشد

- ‌الرسالة السادسة والعشرون: إلى الشيخ حمد بن عتيق

- ‌الرسالة السابعة والعشرون: إلى من وصل من المسلمين

- ‌الرسالة الثامنة والعشرون: إلى عبد الله بن نصير

الفصل: ‌الرسالة الرابعة: إلى محمد بن علي آل موسى

‌الرسالة الرابعة: إلى محمد بن علي آل موسى

(الرسالة الرابعة)(1) :

قال جامع الرسائل

وله أيضا – قدّس الله روحه، ونوّر ضريحه- رسالة إلى محمد بن علي آل موسى، في مسألة السفر إلى بلاد المشركين، وقد ذكر له –أعني محمد بن علي- من جهة فتوى الإمام، وعلم الهداة الأعلام، الشيخ عبد الرحمن بن حسن، فيمن في حكم من يسافر إلى بلاد المشركين. يسافر إلى بلد المشركين، فشرح ووضح ما أفتى به والده، فكشف القناع عن محاسن معانيها، وقطع – بالوجوه الساطعة الأسارير، الراسخة مبانيها- جميع ما يتعلق به كل مبطل، وأزاح بما أبداه، غبار كل مشكل.

وهذا نصها:

بسم الله الرحمن الرحيم

من عبد اللطيف بن عبد الرحمن، إلى الأخ المكرم محمد بن علي آل موسى، سلّمه الله. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وسبق إليك خط مع البداة (2) ، أشرت لك فيه إلى المسألة التي ذكرت لي من جهة فتوى الوالد الشيخ –قدّس الله روحه، ونوّر ضريحه- فيمن يسافر إلى بلاد المشركين. وفي هذه الأيام ورد علينا خط من ولد العجيري (3) ، ذكر فيه أنّ لفظ الوالد في جوابه، قوله:" وأما السفر إلى بلدان المشركين للتجارة، فقد عمّت به البلوى، وهو نقص في

(1) في (ب) : جاءت هذه الرسالة متأخرة، في لوحة 149-153؛ أي بعد الرسالة (62) حسب ترتيب (أ) . وقد وردت أيضاً في " الدرر السنيّة"، 7/159-161.

(2)

هكذا في جميع النسخ: (البداة) .

(3)

لم أعرفه. وجاء في" علماء نجد":" وأسرة العجيري تقيم في حوطة بني تميم، وليسوا منهم". انظر: علماء نجد خلال ستة قرون، 2/514.

ص: 237

دين من فعله (1) ؛ لكونه عرض نفسه للفتنة بمخالطة المشركين، فينبغي هجره وكراهته.

وهذا هو الذي يفعله المسلمون معه من غير تعنيف ولا سبّ ولا ضرب، ويكفي في حقه إظهار الإنكار عليه، وإنكار فعله، ولو لم يكن حاضراً. والمعصية إذا وُجدت أُنكرت على من فعلها، أو رضيها إذا اطلع عليها". انتهى ما نقله.

وهذه العبارة -بحمد الله- ليس فيها ما يتعلق به كل مبطل؛ لوجوه؛ منها:

أنّ الذي وقع في هذه الأعصار -وكلامنا بصدده- أمر يجلّ عن الوصف، وقد اشتمل مع السفر على منكرات عظيمة، منها: موالاة المشركين، وقد عرفتم ما فيها من النصوص القرآنية، والأحاديث النبوية، وعرفتم أنّ مسمى الموالاة، يقع على شُعَب متفاوتة، منها ما يوجب الردّة وذهاب الإسلام بالكليّة، ومنها ما هو دون ذلك من الكبائر والمحرمات. وعرفتم قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ} (2) أنّها نزلت فيمن كاتب المشركين بسرِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم (3) ، وقد جُعل ذلك من الموالاة المحرمة، وإن اطمأنّ قلبه بالإيمان.

وكذلك من رأى أن في ولايتهم مصلحة للناس والحضر، وهذا واقع مشاهد تعرفونه من حال أكثر هؤلاء الذين يسافرون إلى تلك البلاد، وربّما نقل بعضهم من

(1) إنّ هذا يكون نقصاً في الدين، بحسب المسافر إلى تلك البلدان، من حيث القوة أو الضعف في إيمانه؛ إذ قد سافر بعض الصحابة –رضوان الله عليهم-إلى بلدان المشركين للتجارة، ولم ينكر عليهم النبي صلى الله عليه وسلم فمتى كان المسلم على ثقة، وقوة في إيمانه، قادراً على إظهار دينه، ومصارحة الكفار بفساد ما هم عليه، فمثل هذا يجوز له السفر إليهم للتجارة، ولا يكون ذلك نقصاً في دينه. أما من كان دونه، فهذا الذي يخشى عليه الفتنة بمخالطتهم. انظر: رسالة حكم السفر إلى بلاد الشرك، لسليمان بن عبد الله بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ضمن " الجامع الفريد"، ط/3، ص 376.

(2)

سورة الممتحنة: الآية (1) .

(3)

وهو حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه. انظر: أسباب النزول، للواحدي، ص421.

ص: 238

المكاتبات إلى أهل الإسلام ما يستفزّونهم به، ويدعونهم إلى طاعتهم، وصحبتهم، والانحياز إلى ولايتهم، فالذي يظهر هذه الفتوى، ويستدلّ بها على مثل هذه الحال، من أجهل الناس بمدارك الشر، ومقاصد أهل العلم، وهو كمن يستدل بتقبيل الصائم على أن الوطء لا يبطل صيامه.

وهذا من جنس ما حصل من هؤلاء الجهلة، في رسالة ابن عجلان (1) ، وما فيها من الاستدلال على جواز خيانة الله ورسوله، وتخلية بلاد المسلمين، وتسليط أهل الشرك عليها، وأهل التعطيل والكفر بآيات الله، وغير ذلك من ظهور سلطانهم، وإبطال الشرع بالكليّة، بمسألة خلافية في جواز الاستعانة بمشرك ليس له دولة، ولا صولة، ولا دخل في الرّأي (2) ، مع أنها من المسائل المردودة على قائلها، كما بسط في غير موضع، وبالجملة، فإظهار مثل هذه الفتوى في هذه الأعصار، من الوسائل المفضية إلى أكبر محذور، وأعظم المفاسد والشرور، مع أنّ عبارة الشيخ، إذا تأمّلها المنصف، وجد فيها ما يرد على هؤلاء المبطلة.

وقول الشيخ "عمّت به البلوى" يبيّن أنّ الجواب في الجاري في وقته، مع ظهور الإسلام وعزته، وإظهار دين من سافر إلى جهاتهم، وليس ذلك ما في السفر إليهم في هذه الأوقات؛ إذ هو مسالمة وإعراض عما وجب من فروض العين. وإذا هجم العدوّ، وصار الجهاد فرض عين، يحرم تركه، ولو للسفر المباح، فكيف بهذا السفر؟!

(1) هو محمد بن إبراهيم بن عجلان المطرفي العنزي، ولد بالرياض، كان كفيف البصر وقت الفتنة بين أبناء فيصل بن تركي، وكان ممن أجاز لعبد الله الاستعانة بالجنود العثمانية –مع ما هم عليه من مخالفة لخالص التوحيد-وألف في ذلك رسالة، فرد عليه الشيخ عبد اللطيف. علماء نجد خلال ستة قرون، 3/779.

(2)

مسألة الاستعانة بالمشرك في الغزو:

هذه مسألة خلافية، كما أشار إليها المصنف، وقد ذهب العلماء فيها مذهبين:

الأول: ذهبت جماعة إلى منع الاستعانة بالمشركين مطلقاً، وتمسكوا بحديث عائشة –رضي الله عنها-وهو قوله صلى الله عليه وسلم للرجل المشرك الذي أدركه ليتبعه إلى بدر:"

ارجع؛ فلن أستعين بمشرك ". والحديث أخرجه الإمام مسلم في صخيخه، 12/439؛ والترمذي في سننه، 4/108؛ وأبو داود في سننه، 3/172؛ وابن ماجه في سننه، 2/142. قالوا: هذا الحديث ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وما يعارضه لا يوازيه في الصحة والثبوت، فتعذّر ادعاء النسخ لهذا،. انظر بدائع الفوائد 3/102.

الثاني: ذهبت الشافعية وآخرون إلى جواز الاستعانة بهم، ولكن بشروط هي:

-أن يكون في المسلمين قلة، ودعت الحاجة إلى الاستعانة بهم.

-أن يكون الكافر حسن الرأي في المسلمين، وممن يوثق به.

-ألاّ يكون له دخل في الرأي ولا مشورة.

-ألاّ يكون للمشرك صولة ولا جولة يخشى منها.

انظر نيل الأوطار 8/254؛ المغني مع الشرح الكبير 10/456.

وقد استدل هؤلاء على مذهبهم بالآتي:

أ-ما رواه ابن عباس رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم استعان بيهود بني قينقاع، أخرجه البيهقي في الكبرى 9/53؛ وأورده سعيد بن منصور في سننه برقم (2790) .

ب-"أنّ النبي صلى الله عليه وسلم استعان بصفوان بن أميّة قبل إسلامه، فشهد حنيناً، والطائف، وهو كافر". أخرجه الإمام مالك في الموطأ 2/543-544، النكاح، باب (نكاح المشرك إذا أسلمت زوجته قبله) . والحديث أورده الذهبي في "سير الأعلام" 2/565؛ قالوا: إن حديث عائشة –رضي الله عنها-كان يوم بدر، وفي الحديث كان استعانته صلى الله عليه وسلم بهؤلاء يوم حنين، فهو متأخر، ناسخ لحديث عائشة، فتعيّن المصير إليه.

وإلى هذا الرأي الثاني ذهب الإمام ابن القيم –رحمه الله-فقد قال –حين تحدّث عن فوائد صلح الحديبية-: "

ومنها: أنّ الاستعانة بالمشرك المأمون في الجهاد جائزة، عند الحاجة، لأنّ عينه الخزاعي كان كافراً إذ ذاك، وفيه من المصلحة أنه أقرب إلى اختلاطه بالعدو، وأخذ أخبارهم"، زاد المعاد في هدي خير العباد، لابن القيم، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، ط/26، 1412هـ-1992م، 3/301.

ص: 239

وأيضاً، فكلام الشيخ يحمل على ما ذكره الفقهاء، في أن عامة الناس ليس لهم أن يفتاتوا (1) على ولي الأمر في الحدود والتعزيرات، إلاّ بإذنه. وقد عرفتم حال أكثر الولاة في عدم الاهتمام بهذا الأصل، فالافتيات علم بالحبس، والضرب، ونحو

(1) الافتيات: من الفوت، وهو السبق إلى الشيء دون ائتمار من يؤتمر، وافتات عليه في الأمر: حكم، وكل من أحدث دونك شيئاً، فقد افتات به، وافتات بأمره: أي مضى عليه، ولم يستشر أحداً. لسان العرب 2/69، مادة (فوت) .

ص: 240

ذلك، مفسدة تمنعها الشريعة ولا تقرها، و "درء المفاسد مقدّم على جلب المصالح"(1) ،فهذا، يوجب للشيخ وأمثاله، مراعاة المصلحة الشرعية، في الفتاوى الجزئية، لا سيّما في مخاطبة العامة. وقول الشيخ –لكونه عرض نفسه للفتنة بمخالطة المشركين- صريح في أن الكلام فيمن لم يفتتن بدينه، وقد عرفتم حال أكثر الناس في هذا الوقت، أقل الفتنة أن يستخف بدينه (2) ، وجمهورهم يظهر الموافقة بلسان الحال، أو لسان المقال، فهذا الضرب ليس داخلاً في كلام الشيخ، رحمه الله.

وقوله: "فينبغي هجره وكراهيته"، فيه بيان ما يستطيعه كل أحدٍ، وأمّا ولاة الأمور ومن له سلطان أو قدرة، فعليه تغيير المنكر باليد، ومن لم يستطع فبلسانه، ومن لم يستطع فبالقلب، وهذا نص الحديث النبوي (3) ، فلا يجوز العدول عنه، وإساءة الظن بأهل العلم، بل يحمل كلامه على ما وافقه، والمصر المكابر لا ينتهي إلاّ إذا غُيِّر فعله

(1) هذه قاعدة أصولية، معمول بها في الشرع. الأشباه والنظائر في قواعد وفروع فقه الشافعية، لجلال الدين عبد الرحمن السيوطي، (911هـ) ، دار الكتب العلمية، بيروت، ط/1، 1403هـ، ص87، الأشباه والنظائر على مذهب أبي حنيفة، لزين العابدين بن إبراهيم بن نجيم، دار الكتب العلمية، بيروت لبنان، طبعة عام 1400هـ-1980م، ص90. شرح القواعد الفقهية، لأحمد بن السيخ محمد الزرقا (ت1357هـ) ، ط/2، دار القلم، 1409هـ، ص205.

(2)

وقد ذكر الله –سبحانه وتعالى-في كتابه، أمثال هؤلاء الناس الذين لا يثبتون عند أدنى فتنة تعترضهم، قال تعالى {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} [الحج:11] . قال القرطبي في معنى عبادة الله على حرف: "وحقيقته أنه على ضعف في عبادته، لضعف القائم على حرف مضطرب فيه". الجامع لأحكام القرآن، 12/13.

فهذا الذي يصل إلى درجة الاستخفاف بدينه، لا شك في كونه ضعيفاً في عبادته ويقينه، وإن لم يوصله ذلك إلى درجة الكفر بالله تعالى.

(3)

هنا أورد الشيخ –رحمه الله-الحديث بالمعنى- أما نصه فهو عند مسلم، من حديث أبي سعيد رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان ".

صحيح مسلم بشرح النووي 2/381، الإيمان، باب (كون النهي عن المنكر من الإيمان)، وأخرجه أصحاب السنن: سنن أبي داود 1/677-678، الصلاة، باب (الخطبة يوم العيد) . سنن الترمذي، (4/408، الفتن باب (ما جاء في تغيير المنكر) . سنن النسائي 8/111-112، الإيمان باب (تفاضل أهل الإيمان) . سنن ابن ماجة 2/382، الفتن باب (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) .

ص: 241

بالأدب والحبس، وهو داخل في عموم الحديث.

وقد شاهدنا من الوالد –رحمه الله تعنيف هذا الجنس وذمّمهم، وذكر حكم الله ورسوله في تحريم مخالطة المشركين، مع عدم التمكن من إظهار الدين، وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أن التعزيزات تفعل بحسب المصلحة، وليس لها حدّ محدود، بل بحسب ما يزيل المفسدة، ويوجب المصلحة، وذكر قتل شارب الخمر في رابعة، وأنه من هذا الباب، وأشار إلى ذلك في اختياراته (1) وكذلك غيره من المحققين، ذكروا أنّ

(1) انظر: الاختيارات الفقهية من فتاوى ابن تيمية، ص299-300؛ مجموع الفتاوى 28/366.

مسألة قتل شارب الخمر في الرابعة:

هذه المسألة مختلف فيها عند العلماء على قولين:

القول الأول: وهو لبعض العلماء، منهم بعض أهل الظاهر، والحسن البصري، قالوا بأنّ من شرب الخمر في الرابعة يقتل. المحلى لابن حزم 13/426؛ واستندوا في ذلك على ما رواه معاوية رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من شرب الخمر فاجلدوه، فإن عاد في الرابعة فاقتلوه " سنن أبي داود 4/623-624، الحدود باب (إذا تتابع في شرب الخمر) . سنن الترمذي 4/39، الحدود باب (ما جاء في " من شرب الخمر فاجلدوه ") . سنن النسائي 8/313، الأشربة. سنن ابن ماجة 2/89، الحدود، باب (من شرب الخمر مراراً) . فالحديث صريح في أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل شارب الخمر في الرابعة.

القول الثاني: ذهب جمهور العلماء –منهم الأئمة الأربعة-إلى أنه لا يقتل، ويكتفى فيه بالحد. المحلى لابن حزم 13/419. تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي، لمحمد بن عبد الرحمن المبارك فوري (ت1353هـ) ، نشر المكتبة السلفية، بالمدينة المنورة، ط/2، 1385هـ، 4/724. واستدلوا على ذلك بالآتي: ما أخرجه أبو داود والترمذي، من حديث الزهري، عن قبيصة، أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال:" من شرب الخمر فاجلدوه، فإن عاد فاجلدوه، فإن عاد في الثالثة أو الرابعة فاقتلوه " فأتي برجل قد شرب فجلده، ثم أتى به فجلده، ثم أتى به فجلده، ورفع القتل. سنن أبي داود 4/625-626، الحدود، باب (إذا تتابع في

ص: 242

....................................................................

= شرب الخمر) . سنن الترمذي 4/40.

قال الترمذي بعد إيراده لهذا الحديث: "والعمل على هذا الحديث عند عامة أهل العلم، لا نعلم بينهم اختلافاً في ذلك، في القديم والحديث".

قال الجمهور: أحاديث القتل منسوخة بحديث: " لا يحل دم امرئ مسلم، يشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، إلاّ بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة ". صحيح البخاري مع الفتح 2209، الديات باب (قولع تعالى:{} .. إلخ) . صحيح مسلم بشرح النووي 11/176، القسامة باب (ما يباح به دم امرئ مسلم

إلخ) . سنن النسائي 7/90، تحريم الدم باب (ذكر ما يحل به دم المسلم) . سنن ابن ماجة، الحدود باب (لا يحل دم.. إلخ) . وانظر: المحلى لابن حزم، 13/422-424.

فالحديث خص حلّ الدم في هؤلاء الثلاثة، ولم يذكر فيهم شارب الخمر.

قال شارح تحفة الأحوذي بعد نقله لحديث أبي صالح عن معاوية، في القتل، الذي استدل به أصحاب القول الأول قال:" وإنما كان هذا في أول الأمر، ثم نسخ بعد. تحفة الأحوذي 4/723. قال الترمذي: "إن حديث القتل غير معمول به عند أهل العلم،". تحفة الأحوذي 4724. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية:"والقتل عند أكثر العلماء منسوخ". مجموع الفتاوى، 28/336.

الإجماع: استدلوا بإجماع العلماء على أن السكران في المرة الرابعة، لا يجب عليه القتل، نقل هذا الإجماع الإمام ابن المنذر (318هـ) في كتابه: الإجماع، دار الكتب العلمية، بيروت، ط/1، 1405هـ-1985م، ص71.

قال النووي: "وأجمعوا على أنه لا يقتل بشربها، وإن تكرر ذلك منه. هكذا حكى الإجماع فيه الترمذي وخلائق. وحكى القاضي عياض -رحمه لله تعالى- عن طائفة شاذة، أنهم قالوا: "يقتل بعد جلده أربعه مرات، للحديث الوارد في ذلك". وهذا القول باطل، مخالف لإجماع الصحابة، فمن بعدهم، على أنه لا يقتل، وإن تكرر منه أكثر من أربع مرات. وهذا حديث منسوخ، قال جماعة: "دلّ الإجماع على نسخه". شرح صحيح مسلم للنووي 11/228.

وهذا القول الثاني، هو الراجح لقوة استدلال الجمهور، وثبوت الإجماع على عدم القتل في الرابعة، ونسخ ذلك، وعليه فالشارب في الرابعة لا يقتل حداًَ.

غير أنّ العلماء قد أجازوا للإمام قتله تعزيراً، فيما لو رأى في ذلك مصلحة راجحة، وذلك لعدم وجود تقدير في التعزير على الكبائر.

انظر: الفقه الإسلامي وأدلته، للدكتور أحمد الزحيلي، دار الفكر، دمشق، ط/3، 1409هـ-1989م، 6/201.

ص: 243

التعزير على الكبائر والمحرمات غير مقدّر، بل هو بحسب المصلحة (1) . وهذه قواعد كليّة، تدخل فيها تلك القضيّة الجزئيّة.

وقول الشيخ:" والمعصية إذا وجدت أُنكرت على من فعلها أو رضيها" /ليس/ (2) فيه أنّ الانكار بمجرّد القول، بل هو بحسب المراتب الثلاث المذكورة في الحديث، /وإلا لخالف نص الحديث/ (3) ، بل يتعيّن حمل كلام الشيخ عليه لموافقة الحديث، لا على ما خالفه، وأسقط من النكار ركنه الأعظم، ومن شم رائحة العلم، لم يعرض هذه الفتوى لأهل هذه القباثح الشنيعة، ويجعلها وسيلة إلى مخالفة واجبات الشريعة، ومثل هذا الذي أظهر هذه الفتوى، يجعله بعض المنتسبين، منفاخاً ينفخ به ما يستتر من إظهاره وإشاعته. والواجب على مثلك النظر في أصول الشريعة، ومعرفة مقادير المصالح والمفاسد. وتأمل قوله تعالى:{وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً} الآية (4) . وانظر ما ذكره المفسّرون، حتّى أدخل بعضهم لياقة الدواة، وبري القلم في الركون (5) ؛ وذلك لأنّ ذنب الشرك أعظم ذنب عصي الله به (6) ، على اختلاف /رتبه/ (7) ، فكيف إذا انضاف إليه ما هو أفحش منه، من الاستهزاء بآيات الله، وعزل أحكامه وأوامره، وتسمية ما خالفه وضاده بالعدالة، والله

(1) انظر: فتح القدير، لابن الهمام، 5/212. حاشية رد المختار، 4/60. المغني مع الشرح الكبير، 10/347. الفروق للقرافي، 4/177.

(2)

في (د) : (ليست) .

(3)

في (د) : ولا مخالف لنص الحديث) .

(4)

سورة الإسراء: الآية (74) .

(5)

لم أجد من أدخل ذلك في الركون مما اطلعت عليه من كتب المفسرين.

(6)

ومن أجل عظمته، كان الذنب الوحيد الذي لا يغفر الله لصاحبه، إن لم يتب منه؛ قال تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} . [النساء:48]

(7)

في (د) : (رتبته) .

ص: 244

يعلم، ورسوله، والمؤمنون، أنّها الكفر، والجهل، والضلالة؟! ومن له أدنى أنفة، وفي قلبه نصيب من الحياة، يغار لله، ورسله، وكتابه، ودينه، ويشتدّ إنكاره، وبراءته في كل محفل وكل مجلس، وهذا من الجهاد، الذي لا يتحصل جهاد العدو إلا به، فاغتنم إظهار دين الله والمذاكرة به، وذمّ ما خالفه، والبراءة منه ومن أهله. وتأمّل الوسائل المفضية إلى هذه المفسدة الكبرى، وتأمّل نصوص الشارع في قطع الوسائل والذرائع (1) .

وأكثر الناس ولو تبرأ من هذا ومن أهله فهو جند لمن تولاّهم، وأنس بهم، وأقام بحماهم، والله المستعان.

وهذا الخط اقرأه على من تحب من إخوانك. وبلّغ سلامي والدك، وخواص الإخوان، والسلام.

(1) والنصوص التي تأمر بقطع الروابط والوسائل بين المؤمنين وغيرهم، كثيرة جداً؛ منها: قوله تعالى: {لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ} [آل عمران:28] وقوله تعالى: {تَرَى كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ} [المائدة:80] .

وقوله تعالى: {وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [المائدة:81] . وقوله تعالى: {وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ} [هود:113] .

وقوله تعالى: {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} [المجادلة:22] .

وغير ذلك من الآيات. وقد تقدّم ذكر بعض الأحاديث في هذا الشأن، ص241. وكلها تأمر المؤمن بمجانبة الكفار، وقطع الموالاة بينه وبينهم، وعدم اتخاذهم أولياءً، إذ إنًهم -مهما كانوا-لا يرضون منه أقل من أن يروه قد ارتد عن دينه. ولا مفسدة أكبر من ذلك، فسد جميع الوسائل الموصلة إليه.

ص: 245