الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرسالة الثالثة: إلى إبراهيم بن عبد الملك
…
الرِّسَالَةُ الثَّالِثََةُ (1) :
قال جامع الرسائل
وله/أيضاً-رحمه الله تعالى (2) -/ (3) ، رسالة في تحريم السفر إلى بلاد المشركين، والفرق بين البلاد التي هجم عليها الكافر الحربي، فاستولى عليها، واجتهد في هدم قواعد الإسلام، وطمس أصوله العظام كالإحساء، وبين غيرها من بلاد المشركين، ولو مع إظهار دينه، وهذا نصها (4) :
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن، إلى الإبن المكرم إبراهيم بن عبد الملك، سلّمه الله تعالى. سلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وبعد، فأحمد إليك الله الذي لا إله إلاّ هو على نعمائه. والخط الذي سألت فيه عمّا نفتي به في مسألة السفر إلى بلاد المشركين، قد وصل إلينا. والذي/كتبناه/ (5) حكم السفر إلى بلاد الأعداء من الكفار. للإخوان، به (6) كفاية للطالب وبيان، ولم نخرج فيه عمّا عليه أهل الفتوى عند جماهير المتأخرين.
نعم، فيه التغليظ على من يسافر إلى بلاد هجم عليها العدو الكافر الحربي، المتصدي لهدم قواعد الإسلام، وقلع أصوله، وشعائره العظام، ورفع أعلام الكفر
(1) هذه الرسالة أتت متأخرة في (ب) ،في لوحة (141-149) ، ووردت في الدرر السنية 7/152-159.
(2)
كلمة (تعالى) ساقطة في (ج) .
(3)
في (ب) : (وله-قدس الله روحه، ونوّر ضريحه-رسالة
…
) .
(4)
مقدمة جامع الرسائل هذه، ساقطة في المطبوع.
(5)
في (أ) ، و (ج)، والمطبوع:(كتبنا) ، بإسفاط الهاء.
(6)
في المطبوع (به فيه
…
) ، بزيادة كلمة (فيه) .
والتعطيل، وتجديد معاهد الشرك والتمثيل، وإطفاء أنوار الإسلام الظاهرة، وطمس منار أركانه الباهرة، وهو العدو الذي اشتدّت به الفتنة على الإسلام والمسلمين، وعزّ بدولته جانب الرافضة (1) ، والمرتدين، ومن على سبيلهم من المنحرفين، والمنافقين فمثل هذه البلدة تخص من عمومات الرخصة، لوجوه، منها:
أنّ إظهار الدين على الوجه الذي تبرأ به الذمّة متعذّر غير حاصل، كما هو مشاهد معلوم عند من خبر القوم، مع من يجالسهم، ويقدم إليهم. وقلّ أن يتمكّن ذو حاجة لديهم إلاّ بإظهار عظيم من الركون، والموالاة، والمداهنة. وهذا مشهور متواتر، لا ينكره إلاّ جاهل، أو مكابر، لا غيرة له على دين الله، وشرعه، ولا توقير لعظمته، ومجده، قد اتخذ ظواهر عبارات- لم يعرف حقيقتها، ولا يدري مراد الفقهاء منها- تُرساً يدفع به في صدور الآيات، والسنة، ويصدف به عن أهدى منهج، وسنن، فهو كحجر في الطريق بين السائرين إلى الله، والدار الآخرة، يحول بينهم وبين مرادههم، ويثبطهم عن سيرهم، وعزماتهم. وقد كثر هذا الضرب من الناس في المتصدّين للفتوى في مثل هذه المسائل، وبهم حصل الإشكال، وضلّت الأفهام، /واستبيحت/ (2) مساكنة عباد الأوثان، والأصنام، وافتُتِنَ بهم جملة الرِّجال، وقصدهم الركائب، والأحمال، وسار إليهم ربَّات الخدور، والحجال، عملاً بقول رؤوس الفتنة، والضلال، ولا يصل إلى الله، ويحظى بقربه، ويرد نمير التحقيق، وعذبه، مَنْ أصغى إليهم سمعه، واتخذهم أخداناً يرجع إليهم في أمر دينه، ومهمات أمره.
وقد قال بعض السلف:" إنّ هذا العلم دين، فانظروا عمّن تأخذون دينكم"(3) .
(1) في جميع النسخ (الرفضة) ، وفي المطبوع المثبت. وتقدم تعريف الرافضة في ص 57.
(2)
في (ب) ، و (ج)، والمطبوع:(واستُحِبَّت) . وفي (د) : (واستُحِلَّت) .
(3)
هذا قول ابن سيرين. أورده الهندي في" كنز العمال" برقم (29316) . وابن الجوزي في" العلل المتناهية في الأحاديث الواهية"، تحقيق إرشاد الحق الأثري، دار نشر الكتب الإسلامية، لاهور، ط/1، 1399هـ، 1/124-مرفوعاً-ولا يصح رفعه كما بين ذلك ابن الجوزي. والمباركفوري في" مرعاة المفاتيح"، شرح" مشكاة المصابيح"، لعبيد الله بن محمد المباركفوري، نشر إدارة البحوث الإسلامية والدعوة، بالجامعة السلفية، بالهند، ط/3، 1405هـ/1985م، 1/358.
ومن خاض في مثل هذه المباحث الدينيّة، من غير ملكة ولا رويّة، فما يفسد أكثر مما يصلح، وضلاله أقرب إليه من أن يفلح، وقد قيل:" يفسد الأديانَ نصف متفقّه، ويفسد اللّسان نصف نحوي، ويفسد الأبدان نصف متطبّب"(1) . فعليك بمعرفة الأصول الدينيّة، والمدارك الحكميّة، ولترفع همّتك إلى استنباط الأحكام من الآيات القرآنية، والسنن الصحيحة النبويّة، ولا تقنع بالوقوف مع العادات، وما جرت به سنن الأكثرين في الديانات؛ فقد قال بعضهم:" من أخذ العلم من أصله استقر، ومن أخذه من تياره اضطرب"(2) . وما أحسن ما قال في الكافية الشافية:
/لكن/ (3) نجا أهل الحديث المحض أت
…
باع الرسول/وتابعوا/ (4) القرآنِ
عرفوا الذي قد قال مَعْ علم بما
…
قال الرسول فهم أولوا العرفانِ
وسواهم في الجهل والدعوى مع ال
…
كبر العظيم وكثرة الهذيانِ
مدّوا يداً نحو العلى بتكلُّفِ
…
وتخلُّفِ وتكبُّرٍ /وتوانِ/ (5)
أترى ينالوها وهذا شأنهم
…
حاشا العلى من ذا الزبون الفانِ (6)
قال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب /- رحمه الله تعالى-/ (7)، في المواضع التي نقلها من السيرة:" إنه لا يستقيم للإنسان إسلام -ولو وحّد الله، وترك الشرك- إلا بعداوة المشركين، والتصريح لهم بالعداوة والبغضاء"(8) .
فانظر إلى تصريح الشيخ بأنّ الإسلام لا يستقيم إلا بالعداوة والبغضاء، فأين
(1) لم أهتد لقائله. والمعنى: أنّ كل من أراد عمل شيء، وكان عمله به ناقصاًً، أفسده.
(2)
لم أعرف قائله.
(3)
كذا في الكافية الشافية. وفي جميع النسخ. والمطبوع: (فلقد) .
(4)
كذا في الكافية. وفي جميع النسخ: (وتابع) .
(5)
كذا في الكافية. وفي جميع النسخ) :وهوان) .
(6)
الكافية الشافية، لابن القيم، 2/119.
(7)
ساقط في (د) .
(8)
مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، لمحمد بن عبد الوهاب، طبعة دار الإفتاء، الرياض، 1408هـ، ص 30.
التصريح من هؤلاء المسافرين، والأدلة، من الكتاب والسنة، ظاهرة متواترة على ما ذكره الشيخ؟ (1) وهو موافق لكلام المتأخرين في إباحة السفر لمن أظهر دينه (2) ، ولكن الشأن كل الشأن في إظهار الدين، وهل اشتدّت العداوة بينه صلى الله عليه وسلم وبين قريش، إلا لما كافحهم بمسبة دينهم، وتسفيه أحلامهم، وعيب آلهتهم (3) ؟!
وأي رجل تراه يعمل المطي جاداً في السفر إليهم، واللحوق بهم، حصل منه، ونُقِل عنه ما هو دون هذا الواجب. والمعروف المشتهر عنهم ترك ذلك كله بالكليّة، والإعراض عنه، واستعمال التقيّة، والمداهنة (4) . وشواهد هذا كثيرة شهيرة، والحسيات، والبديهيات غنيّة عن البرهان.
الوجه الثاني:
إنّ قتال من هجم على بلاد المسلمين- من أمثال هؤلاء- فرض عين، لا فرض
(1) ومن ذلك قوله تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ} إلى آخر السورة. فقد أمره تعالى بأن يخاطبهم بأنّهم كافرون، ويصرّح لهم بأنّهم على الشرك، وأنّه على دين الله بريء مما هم عليه. وقوله تعالى:{قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [يونس:104] .
2" المراد بإظهار الدين هو: أن يكون المسلم قادراً على التصريح للكفار بالعداوة، والبراءة، وليس المراد أن يترك الإنسان يصلي، ولا يقال له أعبد الأوثان! انظر: النجاة والفكاك من موالاة المرتدين وأهل الشرك، لحمد بن علي بن عتيق، دار القرآن الكريم، بيروت، ط/5، 1400هـ، ص 67. الدفاع عن أهل السنة والأتباع، لحمد بن علي بن عتيق، دار القرآن الكريم، بيروت، ط/2، 1400هـ، ص 17
(3)
والآيات في ذلك كثيرة جدا، منها قوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا}
إلى آخر الآيات [الأعراف: 194-198] . وقوله تعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} الآية [الأحقاف:5]
(4)
وهذا أقل ما يمكن قوله في المتعاملين معهم اليوم، بل قد يكون من يكتفي بذلك أحسنهم حالاً. فإنّك تأسف لو ابتليت بسماع أحاديث بعض المتردّدين إليهم من شبابنا، وما تصدره ألسنتهم من ألفاظ نابية؛ مثل: أهل ذلك البلد (ما شاء الله) ، تقدّم، حضارة، حرّية، إنسانيّة، مديّة، ونحوها، من غير شعور، وإدراك لفحوى تلك الألفاظ. فضلاٍ عن التقليد الصّارخ في العادات، من لباس، ولغات، وغيرهما، فأصبح أحسن الصديق هو ذلك المتحدث باللغة الإنجليزية، أو نحوها.
وبعض أولئك-وهو عندهم-يستحي من إقامة الصلاة أمام الملإِ، وأحياناً من أن يعرف بالإسلام، وقد علمت بمن إذا وصل عندهم غيّر اسمه، وتسمى باسم مشابه بما لديهم.
فإذا كان ذلك مما يخافه في نفسه، فكيف يتصور منه التجاسر لنطق كلمة الدعوة فيهم، فضلاٍ عن التصريح لهم بالعداوة؟! فإنا لله وإنا أليه راجعون.
كفاية، كما هو مقرر، مشهور (1) . فلا يحل، ولا يسوغ- والحالة هذه- تركه، والعدول عنه لغرض دنيوي. وقواعد الإسلام، ومدارك الأحكام، ترد القول بإباحة ترك الفروض العينيّة، لأغراض دنيويّة.
ومن عرف هذا، عرف الفرق بين مسألتنا، وبين عبارة من قال بجواز السفر لمن فدر على إظهار دينه بأدلّته، وبراهينه، لا يباح السفر إليهم (2) ؛ فالرخصة مخصوصة بمن عرفه بأدلّته المتواترة في الكتاب والسنة، ومثل هذا هو الذي يتأتّى منه إظهار دينه والإعلان به، وكيف يظهره من لا يدريه، ولا إلمام له بأدلّته القاطعة للخصم ومبانيه. شعر:
(1) انظر: فتح القدير، لمحمد بن عبد الواحد بن الهمام الحنفي (ت681هـ) ، مكتبة ومطبعة الحلبي بمصر، ط/1، 1389هـ/1970م، 5/429. روضة الطالبين، للنووي، 10/214، المغني مع الشرح الكبير، 10/366.
(2)
وقد صرح علماء السلف بالنهي عن السياحة لغير قصد شرعي، قال شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله:" والسياحة في البلاد لغير قصد شرعي-كما يفعله بعض النساك-أمر منهي عنه. قال الإمام أحمد:" ليست السياحة من الإسلام في شيء، ولا من فعل النبيين، ولا الصالحين". الاختيارات الفقهية من فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، ص114. وتقدّم كلام ابن كثير في ص223.
فقر الجهول بلا علم إلى أدبٍ
…
فقر الحمار بلا/عقل/ (1) إلى رسنِ (2)
حتى ذكر جمْعٌ تحريم القدوم إلى بلد تظهر فيه عقائد المبتدعة؛ كالخوارج، والمعتزلة (3) ، والرافضة، إلا لمن عرف دينه في هذه المسائل، وعرف أدلّته، وأظهره عند الخصم.
وقد عفت -أرشدك الله- أنّ الزمن زمن فترة من أهل العلم، غلبت فيه العادات الجاهلية، والأهواء العصبية، وقلّ مَنْ يعرف الإسلام العتيق، وما حرمه الله تعالى، من موالاة أعدائه المشركين، ومعرفة أقسامها (4) ، وأنّ منها ما يكفر به المسلم،
(1) في جميع النسخ: (بلا رأس) .
(2)
البيت لأبي الطيب المتنبي، انظر: ديوان أبي الطيب المتنبي، بشرح أبي البقاء العكبري المسمى" التبيان في شرح الديوان"، ضبط وتصحيح مصطفى السقا، وإبراهيم الأبياري، الطبعة الأخيرة، 1391هـ/1971م، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى الباني الحلبي وأولاده بمصر، 4/211.
(3)
المعتزلة: فرقة ظهرت في الإسلام في أوائل القرن الثاني، وسلكت منهجا عقليّا متطرفاً في بحث العقائد الإسلامية. وهم أصحاب واصل بن عطاء (الغزال) الذي اعتزل مجلس الحسن البصري. وقد تقدم ذكر أصول مذهبهم في ص181. التعريفات، لعلي بن محمد بن علي الجرجاني (ت816هـ) ، بتحقيق: إبراهيم الأبياري، دار الكتاب العربي، بيروت، ط/2، 1413هـ، ص282. الملل والنحل، للشهرستاني، 1/52. دراسات في الفرق والعقائد الإسلامية، ص82.
وقد ذكر ابن خلكان سبب تسميتهم بذلك: أن واصل بن عطاء، كان في مجلس الحسن البصري، حين سئل عن جماعة يرجئون أصحاب الكبائر، فأخذ الحسن يفكر، وقبل أن يجيب، قال واصل: أنا أقول: إنّ صاحب الكبيرة لا مؤمن مطلق، ولا كافر مطلق، بل في منزلة بين منزلتين، ثم قام واعتزل إلى إسطوانة من إسطوانات المسجد، يقرر ما أجاب به على جماعة من أصحاب الحسن البصري، فأصغوا إليه، فاستمالهم، فقال الحسن: اعتزل عنا واصل؛ فسمي هو وأصحابه " معتزلة".
انظر: وفيات الأعيان، لبن خلكان، 3/248. والفرق بين الفرق، ص20-21.
(4)
يعرف أنّ للموالاة صوراً وأقساما عدة، وقد جمعها مؤلف" الولاء والبراء"، وتتلخص في الآتي:
1-
الرضى بكفر الكافرين، وعدم تكفيرهم، أو الشك في كفرهم، أو تصحيح أي مذهب من مذاهبهم الكافرة.
2-
الإيمان ببعض ما هم عليه من الكفر، أو التحاكم إليهم دون كتاب الله.
3-
مودّتهم، ومحبّتهم، واتخاذهم أولياء.
4-
الركون إليهم.
5-
مداهنتهم، ومجاملتهم على حساب الدين.
6-
اتخاذهم بطانة من دون المؤمنين.
7-
طاعتهم فيما يأمرون.
8-
مجالستهم، والدخول عليهم وقت استهزائهم بآيات الله.
9-
توليتهم أمراً من أمور المسلمين.
10-
استئمانهم، وقد خوّنهم الله.
11-
الرضى بأعمالهم، والتشبه بهم، والتزييِّ بزيِّهم.
12-
إكرامهم، وتقريبهم، والبشاشة لهم، وانشراح الصدر لهم.
13-
معاونتهم على ظلمهم، ونصرتهم.
14-
مناصحتهم، والثناء عليهم، ونشر فضائلهم.
15-
تعظيمهم، ومدحهم، وإطلاق الألقاب عليهم.
16-
السكنى معهم في ديارهم، وتكثير سوادهم.
17-
التآمر معهم، وتنفيذ مخططاتهم، والدخول في أحلافهم وتنظيماتهم، والتجسس من أجلهم، ونقل عورات المسلمين وأسرارهم إليهم، والقتال في صفّهم.
18-
الهروب من دار الإسلام على دار الحرب؛ بغضاً للمسلمين، وحباً للكافرين.
19-
الانخراط في الأحزاب العلمانية أو الإلحادية؛ كالشيوعية، والاشتراكية، والقومية، والماسونية، وبذل الولاء، والحب، والنصرة لها.
انظر: الولاء والبراء في الإسلام، للقحطاني، ص230-247.
و/منها/ (1) ما /هو/ (2) دونه، وكذلك المداهنة (3) والركون، وما حرم الله تعالى ورسوله، وما الذي يوجب فسق فاعله، أو رِدَّتِه. وأين القلوب التي ملئت من الغيرة
(1) ساقط في (ب) ، و (ج) .
(2)
ساقط في (ب) ، و (ج) ، و (د) .
(3)
جاء في الدرر السنيّة: المداهنة هي: ترك ما يجب لله، من الغيرة، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والتغافل عن ذلك؛ لغرض دنيوي، وهوى نفسي، لزعم هؤلاء أنّ المعيشة لا تحصل لهم إلاّ بذلك. فالمداهنة هي المعاشرة والاستئناس، مع وجود المنكر، والقدرة على الانكار.
الدرر السنيّة في الإجوبة النجدية، 11/85. والمداهنة نوع من أنواع الموالاة للكفار. انظر: الدرر السنية، 7/38-39.
لله، وتعظيمه، وتوقيره، عن كفر هؤلاء الملاحدة وتعطيلهم، وصار على نصيب، وحظ وافر من مصادمة (1) أعداء الله، ومحاربتهم، ونصر دين الله، ورسله، ومقاطعة من صدّ عنه، وأعرض عن نصرته، وإن كان الحبيب المواتيا، فالحكم لله العلي الكبير. وأين من يباديهم بأنّ ما هم عليه كفر، وضلال بعيد، ومسبّة لله العزيز الحميد، يمانع أصل الإيمان والتوحيد، وأنّ ما هم عليه هو الكفر الجلي البواح، وهو في ذلك على نور من ربه وبصيرة في دينه؟ فسل أهل الريب والشبهات، هل يغتفر الجهل كله، والإعراض عنه علماً وعملاً، ويكتفي بمجرد الانتساب إلى الإسلام، عند قوم ينتسبون /إليه/ (2) أيضا، وهم من أشد خلق الله كفراً به، وجحداً له، ورداً لأحكامه، واستهزاء بحقائقه.
فإن قالوا: يكتفي بذلك الانتساب، وتبرأ به الذمة، فقد على ما نقلوه، وأصّلوه من دليلهم، بالردّ والهدم. ومن حقق النظر، وعرف أحوال القوم، وسبر، علم أنّ معوّلهم على اتباع أهوائهم، والميل مع شهواتهم. نسأل الله لنا ولهم العافية.
هواي مع الركب اليمانين مصعدٌ (3)
…
أسير (4) وجثماني بمكة موثقُ (5)
ومن هان عليه أمره تعالى فعصاه، ونهيه فارتكبه، وحقه فضيّعه، وذكره فأهمله، وأغفل قلبه عنه، وكان هواه آثرٌ عنده من طلب رضاه، وطاعة المخلوق أهم عنده من طاعة ربه، فلله الفضلة من قلبه، وقوله، وعمله، وسواه مقدّم في ذلك فما قدره حق قدره، وما عظّمه حق عظمته. وهل قدّره حق قدره من سالم أعداءه، الجاحدين له، المكذّبين لرسله! وأعرض عن جهادهم، وعيبهم، والطعن عليهم، ولاقاهم بوجه
(1) في (د) : مصارمة. وهي بمعنى المقاطعة. لسان العرب، 12/335، مادة (صرم) .
(2)
بياض في (ب) .
(3)
في (د) : (مصعداً) .
(4)
الرواية المشهورة: (جنيب)، بدلاً من (أسير) . وفي (ب) : يسير.
(5)
البيت لجعفر بن علبة الحارثي. انظر: جواهر البلاغة في المعاني والبيان البديع، لأحمد الهاشمي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط/12، ص332.
منبسط، ولسان عذب، وصدر منشرح، ولم يراع (1) ما وجب عليه من إجلال الله، وتعظيمه، وطاعته، جراءة على ربه، وتوثباً على محض حقه، واستهانة بأمره!
خلافاً لأصحاب النبي وبدعة
…
وهم عن سبيل الحق أعمى وأجهل
الوجه الرابع:
أنّه لا بد في إباحة السفر إلى بلاد المشركين من أمن الفتنة. فإن خاف بإظهار دينه الفتنة بقهرهم، وسلطانهم، أو شبهات (2) زخرفهم، وأقوالهم، لم يبح له القدوم إليهم، والمخاطرة بدينه. وقد فرّ عن الفتنة من السابقين الأولين إلى بلاد الحبشة (3) مَنْ تَعلَمُ من المهاجرين؛ كجعفر بن أبي طالب (4) وأصحابه.
وقد بلغكم ما حصل من الفتنة، على كثير ممن خالطهم، وقدم إليهم، حتى جعلوا مسبّة من نهاهم عن ذلك، وأمرهم بمجانبة المشركين، ديناً يدينون به، ويفتخرون بذكره في مجالسهم، ومجامعهم. وقد نقل نقل ذلك عن غير واحد:{وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً} (5) . وبعض من رحل إليهم من جهتكم، حمل رسائلهم، ومكاتباتهم إلى أهل الإسلام، يدعونهم إلى الدخول تحت طلعتهم، ومسالمتهم، وأن تضع الحرب أوزارها بينهم وبين من كاتبوه، واستحسن ذلك (6) كثيرٌ من الملإ. والله المستعان.
وقد شاع لديكم خبر من افتتن بمدحهم، والثناء عليهم، ونسبتهم إلى العدل،
(1) في (ج)، و (د) :(ولم يراعي) . وهو خطأ، والصواب حذف الياء؛ لأنه مجزوم بلم.
(2)
في (د) : (شهادة) .
(3)
وكان خروجهم إلى الحبشة للهجرة الأولى، في رجب سنة خمس من البعثة. وكانت أول هجرة في الإسلام. سيرة ابن هشام، 1/321-322. البداية والنهاية، 3/64.
(4)
جعفر بن أبي طالب، أبو عبد الله، السيد الشهيد، هاجر الهجرتين، وهو أخو علي بن أبي طالب رضي الله عنه، استشهد في غزوة مؤتة عام (8هـ) .
انظر ترجمته: أسد الغابة، 1/34. سير أعلام النبلاء، 1/206.
(5)
سورة الفرقان: الآية (31) .
(6)
في (د) : (واستحسن كون ذلك) .
وحسن الرعاية، إلى ما هو أعظم من ذلك وأطم، من مشاقة الله ورسوله، واتباع غير سبيل المؤمنين. ومن لم يشاهد هذا منكم، ولم يسمعه من قائله، قد بلغه وتحققه.
فأجهل الخلق وأضلهم عن سواء السبيل، من ينازع في تحريم السفر إليهم، والحالة هذه، ويرى حله، وجوازه.
الوجه الخامس:
أنّ سدّ الذرائع، وقطع الوسائل، من أكبر أصول الدين وقواعده (1) ،وقد رتّب العلماء على هذه القاعدة من الأحكام الدينيّة-تحليلاً وتحريماً- ما لا يحصى كثرة (2) ، ولا يخفى أهل العلم والخبرة. وقد ترجم شيخ الدعوة النجديّة (3) -قدس الله روحه- لهذه القاعدة في كتاب التوحيد له، فقال: باب ما جاء في حماية المصطفى صلى الله عليه وسلم جناب التوحيد، وسدّه كل طريق يوصل إلى الشرك؛ وساق بعض أدلّة هذه القاعدة (4) .
وقد قُرِئَت علينا في الرسالة المدنية، لشيخ الإسلام ابن تيمية، أنّ اعتبار هذا من محاسن مذهب مالك. قال: ومذهب أحمد قريب منه في ذلك (5) . ولو أفتينا
(1) انظر قاعدة سد الذرائع، في: أصول الفقه، لمحمد أبي زهرة، دار الفكر العربي، ص287.
(2)
من ذلك على سبيل المثال: النهي عن البيع بعد النداء؛ لأنه وسيلة إلى ترك السعي إليها. النهي عن الاحتكار؛ لأنه ذريعة إلى التضييق على الناس. النهي عن التصوير؛ لأنه ذريعة إلى الشرك، بعبادة تلك الصور فيما بعد، كما حدث في عهد نوح عليه السلام.
(3)
هو الشيخ محمد بن عبد الوهاب.
(4)
ومن تلك الأدلة: قوله صلى الله عليه وسلم:" لا تجعلوا بيوتكم قبوراً، ولا تجعلوا قبري عيداً، وصلّوا عليّ؛ فإنّ صلاتكم تبلغني حيث كنتم ". سنن أبي داود، 2/534، المناسك، باب (زيارة القبور) . مسند الإمام أحمد، 2/267.
فأمر صلى الله عليه وسلم بتحري العبادة في البيوت، وعدم تعطيلها عن العبادات، فتكون بمنزلة القبور، كما نهى عن تحري العبادة عند القبور؛ حيث إنّ ذلك قد يوصل إلى عبادتها.
(5)
لم أجد هذا الكلام في الرسالة المنية. وهي رسالة صغيرة مطبوعة في (32) صفحة بالحجم الصغير، يوجد نسخة منها في مكتبة الدراسات العليا بالجامعة الإسلامية، بالمدينة المنورة.
بتحريم السفر؛ رعاية لهذا الأصل فقط، وسداً للذرائع المفضية/إليه/ (1) ، لكنّا قد أخذنا بأصل أصيل، ومذهب جليل.
الوجه السادس:
أنا لا نسلم دخول هذه البلدة-التي الكلام بصددها- (2) في عبارة أهل العلم ورخصتهم؛ لأنّ صورة الأمر وحقيقته، سفر إلى معسكر العدو الحربي، الهاجم على أهل الإسلام، المستولي على بعض ديارهم، والمجتهد في هدم قواعد دينهم، وطمس أصوله وفروعه، وفي نصرة الشرك والتعطيل، وإعزاز جيوشه وجموعه. فالمسافر إليهم كالمسافر إلى معسكر هو بصدد ذلك، كمعسكر التتر (3) ، ومعسكر قريش يوم الخندق، ويوم أحد، أفيقال هنا بجواز السفر، لأنّ السفر إلى بلاد المشركين يجوز لمن أظهر دينه؟! وهل لهذا القول حظ من النظر والدليل، أو سفسطة (4) وضلال عن سواء السبيل؟!
والعلم ليس بنافع أربابه
…
ما لم يفد نظراً وحسن تبصرِ (5)
وفي سنن أبي داود، ومسند الإمام أحمد، الذي قال فيه: قد جعلته (6) للناس إماماً،
(1) ساقط في (ج) ، و (د) .
(2)
أي التي هجم عليها العدو الكافر الحربي، المتصدي لهدم قواعد الإسلام، وتقدمت الإشارة إليها في ص 220.
(3)
هم التتار الذين غزو بلاد المسلمين في أوائل القرن السابع، في صحبة ملكهم جنكيزخان. وقد كانوا يسكنون جبال طمغاج من أرض الصين. عبروا نهر جيحون عام616هـ، وأحدثوا الخراب والدمار في بخارى، وأكثروا القتل في المسلمين، واجتاحوا ديار الإسلام عبر العراق والشام إلى مصر، وقتلوا خلال ذلك من المسلمين ما لا يحد ولا يوصف.
انظر حادثتهم في: البداية والنهاية، 13/90-91، 94، وما بعدها.
(4)
السفسطة: أصله: قياس مُركَّب من الوهميات، يقصد منه تغليظ الخصم وإسكاته، وذلك بالإتيان بمقدمات ذهنية، وصولاً بها إلى نتيجة. التعريفات، للجرجاني، ص158.
(5)
البيت لعبد الملك بن إدريس الجزيري. انظر: مجمع الحكم والأمثال، لأحمد قبِّش، مطبعة دار العروبة، ص344.
(6)
في (د) : (جعلت)، وفي المطبوع:(جمعته) .
من حديث أبي بكرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" ينزل ناسٌ (1) من أمتي بغائط (2) يسمونه البصرة (3) ، عند نهر يقال له دجلة، يكون عليه جسر يكثر أهلها، وتكون من أمصار المهاجرين - وفي رواية: المسلمين - فإذا كان آخر الزمان، جاء بنو قنطوراء (4) ، عراض الوجوه، صغار الأعين، حتى /ينزلوا/ (5) على شط النهر، فيفترق أهلها ثلاث فرق، فرقة يأخذون أذناب البقر والبريّة (6) وهلكوا، وفرقة يأخذون لأنفسهم وكفروا، وفرقة يجعلون ذراريهم خلف ظهورهم ويقاتلونهم،
(1) في (د) : (ناساً) .
(2)
الغائط: هو البطن المطمئن من الأرض، يقال: غاط في الأرض يغوط ويغيط، إذا غار. ومنه أطلق على موضع قضاء الحاجة: الغائط؛ لأنّ العادة أنّ الحاجة تُقضى في المنخفض من الأرض، حيث هو أستر له. ثمَّ اتسع فيه حتى صار يطلق على النَّجو نفسه. الفائق في غريب الحديث، لجار الله محمود بن عمر الزمخشري، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، وعي بن محمد البجاوي، طبعة الحلبي الثانية، 3/79. النهاية في غريب الحديث والأثر،3/395.
(3)
البصرة: قال الخطابي في" معالم السنن":" البصرة: الحجارة الرخو، وبها سميت البصرة".
والبصرة: بلدة معروفة، ويقال لها: البصيرة؛ لأنّ المسلمين لما قدموها نظروا إلى الحصباء، فقالوا: إنّ هذه أرض بصرة، يعني: خصيبة. بناها عتبة بن غزوان سنة سبع عشرة من الهجرة.-على المشهور-في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه. معالم السنن، بهامش" سنن أبي داود"، 4/488. الفائق، للزمخشري، 1/114. معجم البلدان، 1/430.
(4)
بنو قنطوراء: اسم أبي الترك. ويقال: قنطوراء: اسم جارية كانت للخليل إبراهيم عليه السلام ولدت له أولاداً، جاء من نسلهم الترك.
انظر معالم السنن، مع" سنن أبي داود"، 4/488. عون المعبود شرح سنن أبي داود، لأبي الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي، تحقيق عبد الرحمن محمد عثمان، نشر المكتبة السلفية، المدينة المنورة، ط/2، 1398هـ/1969م، 11/418.
(5)
في (د) : نزلوا.
(6)
يريد بأذناب البقر والبريّة: الإعراض عن القتال والهروب منه؛ طلباً لخلاص أنفسهم ومواشيهم؛ فيهيمون في البوادي ويهلكون فيها، أو الإعراض عن القتال، والاشتغال بالزراعة، واتباع البقر للحراثة. عون المعبود، 11/419.
و (1) هم الشهداء " (2) .
والحديث وإن كان في سنده سعيد بن جهمان (3) ، فقد وثقه /ابن معين (4) ، وحسبك به، ووثقه/ (5) أبو داود، الذي أُلين له الحديث، كما ألين لداود الحديد (6) .
فقسّمهم ثلاث فرق، وأخبر أنّ من أخذ لنفسه، وألقى السلم، وترك الجهاد، فقد كفر؛ ومن أعرض عن جهادهم، وتباعد عنهم مقبلاً على إصلاح دنياه وحرثه، فقد هلك، ولم ينج إلاّ من قام بجهادهم، وانتصب لحربهم، ونصر الله ورسوله. كما يستفاد من الجملة الإسمية المعرّفة الطرفين، ومن ضمير الفصل المقحم بين المبتدأ والخبر (7) .
(1) في جميع النسخ والمطبوع: (وأولئك هم) . ولفظ: (أولئك) ، لا يوجد في سنن أبي داود ولا مسند أحمد.
(2)
سنن أبي داود، 4/487-488، الملاحم، باب (في ذكر البصرة) . وأخرجه الإمام أحمد في مسنده، 5/44-45، مع تغيير قليل قفي اللفظ. وهذا اللفظ لأبي داود. والحديث صححه الألباني في " صحيح سنن أبي داود".
(3)
سعيد بن جهمان الأسلمي، أبو حفص البصري. قال الذهبي في الميزان:" وثقه ابن معين، وقال أبو حاتم: لا يحتج به، وقال أبو داود: ثقة، وقوم يضعفونه، وقال ابن عدي: أرجو أن لا بأس به". انتهى. وقال ابن حجر: صدوق له أفراد، من الرابعة، مات سنة ست وثلاثين.
انظر ترجمته: ميزان الاعتدال، للذهبي، 2/131. المغني في الضعفاء، للذهبي، بتحقيق: نور الدين عتر، نشر دار المعارف، سورية، ط/2، 1391هـ-1971م. تقريب التهذيب، لبن حجر العسقلاني، 1/292.
(4)
هو يحيى بن معين بن عون بن زياد، الإمام الحافظ، شيخ المحدثين، ولد سنة 158هـ، سمع من سفيان بن عيينة، ووكيع وخلق كثير، وروى عنه أحمد بن حنبل، والشيخان وغيرهم. (ت233هـ) بالمدينة، رحمه الله. انظر: تاريخ بغداد، 14/177-187. تهذيب التهذيب، 11/280. سير الأعلام، 11/71-96.
(5)
ساقط في (ب) ، والمطبوع.
(6)
هذه الكلمة: أعني:" الذي ألين
…
الحديد"، لإبراهيم الحربي بن اسحاق بن إبراهيم. انظر: تهذيب التهذيب، 4/172.، وسير الأعلام، 13/212.
(7)
يريد به: جملة" اولئك هم الشهداء". وقد أشرت إلى عدم وجود لفظ" أولئك" في أصل النص، عند أبي داود، وغيره.
والحصر، وإن كان ادّعائياً، فهو يدلّ على شرف هذا الصنف وفضيلته. والحديث، وإن تأوّله بعضهم في حادثة التتر في القرن السابع (1) ، فقائله لا يمنع من دخول سواها في الخبر، وأنّ له ذيولاً وبقيّة. ولا ريب أنّ /هذا/ (2) الذي حصل في هذا الزمان، إن لم يكن منها /ومن ذيولها/ (3) ، فهو شبيه بها من كل وجه.
فإن لا يكنها أو تكنه فإنّه
…
أخوها غذته أمه بلبانها (4)
وقد قال شيخ الإسلام/رحمه الله/ (5) في اختياراته: من جمز (6) إلى معسكر التتر ولحق بهم، ارتدّ، وحلّ مله ودمه (7) . فتأمل هذا، فإنه-إن شاء الله تعالى (8) يزيل عنك إشكالات كثيرة، طالما حالت بين القوم، وبين مراد الله ورسوله، ومراد أهل العلم من نصوصهم، وصريح كلامهم.
ثم اعلم أنّ النصوص الواردة في وجوب الهجرة، والمنع من الإقامة بدار الشرك، والقدوم إليها، وترك القعود مع أهلها، ووجوب التباعد عن نصوص في منع الإقامة بين أظهر المشركين. عامة مطلقة (9) ، وأدلة قاطعة محققة، ومن قال بالتخصيص
(1) حادثة التتر، تقدمت الإشارة إليها في هامش ص 230.
(2)
زيادة في (د) .
(3)
زيادة في (د) .
(4)
لم أعرف قائله، ولا مصدره.
(5)
ساقط في (ج) ، و (د) .
(6)
جمز: هو ضرب من السَّير، أسرع من العَنَق. الصحاح، تاج اللغة وصحاح العربية، مادة (جمز) . لسان العرب، لابن منظور، مادة (جمز) ، 5/323.
(7)
لم أجد قوله هذا في" الاختيارات"، وإنّما وجدت كلاماً في معناه، في" مجموع فتاواه" 28/530.
وما قاله الشيخ، هو الحكم في كل من لحق بالكفار، والمحاربين للمسلمين، وأعانهم عليهم،؛ فإنه داخل في صريح قوله تعالى {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة:51] .
(8)
زيادة في (ب) .
(9)
ومن تلك النصوص ما يلي:
أ-ورد في وجوب الهجرة، قوله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً} [النساء:97] .
ب-وورد في النهي عن الإقامة بدار الشرك، قوله صلى الله عليه وسلم" أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين ". سنن أبي داود، 3/105. سنن الترمذي، 4/133.
ج-وورد في وجوب التباعد عن مساكنتهم، ومجامعتهم، قوله صلى الله عليه وسلم" لا تساكنوا المشركين ولا تجامعوهم، فمن ساكنهم أو جامعهم فليس منا ". المستدرك للحاكم، 2/141. وقال: صحيح على شرط البخاري، ووافقه الذهبي.
والتقييد لها، إنّما يستدلّ بقضايا عينيّة خاصة، وأدلّة جزئيّة لا عموم لها عند جماهير الأصوليين والنظار، بل هي في نفسها محتملة /للتخصيص والتقييد/ (1) ن ومن قال بالرخصة، لا ينازع في عموم الأدلة الموجبة للهجرة، المانعة من المجامعة والمساكنة، غاية ما عند الخصم، أن يقيس حكماً على حكم، وفرعاً على فرعٍ، وقضيّة على قضيّةٍ. والمنازع له يتوقّف في صحة هذا القياس؛ لأنه معارض لدليل العموم والإطلاق.
وقد رأيت محمد بن علي الشوكاني (2) جزم فيما كتبه على" المنتقى"، بردّ قول الماوردي (3) ، بجواز الإقامة بدار الشرك، وفضيلة ذلك لمن أظهر دينه، ورجا إسلام غيره. قال: وهذا القول معارض لعموم النص، فلا يسلم ولا يلتفت إليه (4) ، مع أن
(1) في (د) تقديم وتأخير بين الكلمتين.
(2)
هو محمد بن علي بن محمد بن عبد الله الشوكاني، أبو عبد الله، مفسر، محدث، فقيه، أصولي، صاحب" البدر الطالع"، و"إرشاد الفحول" و"فتح القدير في التفسير"، وغيرها. (ت1250) . انظر ترجمته: البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع، لمحمد بن علي ابن محمد الشوكاني (ت1250) ، مكتبة ابن تيمية، القاهرة، 2/214-215. معجم المؤلفين، 11/53، الأعلام للزركلي، 6/289.
(3)
هو محمد بن الحسن بن علي بن الحسن التميمي البصري، أبو غالب الماوردي، إمام، محدث، صدوق، ولد سنة (450هـ) ، حدّث عنه ابن الجوزي، وغيره (ت525هـ) . انظر ترجمته: سير الأعلام، 19/589. شذرات الذهب، 4/75.
(4)
ونص ما قاله الشوكاني، قال بعد إيراده لقول الماوردي:" ولا يخفى ما في هذا الرأي من المصادمة لأحاديث الباب، القاضية بتحريم الإقامة في دار الكفر". نيل الأوطار شرح منتقىالأخبار من أحاديث سيد الأخيار، لمحمد بن علي بن محمد الشوكاني، طبعة الحلبي الأخيرة بمصر، 8/31.
الذي كتبناه في هذه المسألة، موافق للمشهور عند المتأخرين، لم نخرج عنه كما تقدّم ذكره.
والقصد أن المسألة من أصلها فيها بحث قوي، ومجال للنظر، فإن بقي عليك إشكال فراجعني، وإياك والسكوت على ريبة. وقد رأيت بخط الوالد- قدس الله روحه- ما نصه:
شمّر إلى طلب العلوم ذيولا
…
وانهض لذلك بكرة وأصيلا
وصل السؤال وكن هديت مباحثاً
…
فالعيب عندي أن تكون جهولا (5)
وأما مسألة المبايعة، فلم يسألني عنها أحد ولم يتقدّم لي فيها كلام، وقد بسط شيخ الإسلام /ابن تيمية/ (6) /- رحمه الله تعالى-/ (7) الكلام على مبايعة أهل الذمة، ومَنَع من بيع ما يستعينون به على كفرهم وأعيادهم (8) . وأما الكافر الحربي فلا مسألة بيع الكفار ما يستعينون به على المسلمين. يُمَكَّنُ مما يعينه على حرب أهل الإسلام، ولو بالميرة (9) ، والماء، ونحوه، والدواب، والرواحل، حتى قال بعضهم بتحريق ما لا يتمكن المسلمون من نقله في حال الحرب، من أثاثهم وأمتعتهم، ومنعهم من الانتفاع به (10) ، فكيف /ببيعهم/ (11) وإعانتهم على أهل الإسلام؟! فإن انضاف إلى ذلك ما
(1) لعل البيتين للشيخ عبد الرحمن بن حسن، والد المصنف.
(2)
زائد في (د) .
(3)
ساقط في (ب) ، و (ج) ، و (د) والمطبوع.
(4)
انظر كلام شيخ الإسلام في ذلك: اقتضاء الصراط المستقيم، ص227، 229، 249.
(5)
الميرة: الطعام يمتاره الإنسان، وفي التهذيب: جلب الطعام للبيع. يقال: مار عياله وأهله، يميرهم ميراً. لسان العرب، 5/188، مادة (مور) .
(6)
انظر: المغني مع الشرح الكبير، 10/509.
(7)
في (د)، والمطبوع:(بيعهم) ، بإسقاط الباء الأول.
هو الواقع من المسافرين في هذا الزمان مما تقدم ذكره، فالأمر أغلظ وأفحش (1) ، وذلك /فرد/ (2) من وراء الجمع.
وأكثر الناس يخفى علي أن المرتدين من أهل تلك الديار التي استولى عليها الكافر الحربي، أغلظ كفراً، وأعظم جرماً بجميع ما تقدم من الأحكام، ولذلك تجد لهم عند القادمين إليهم من المباسطة، والمؤانسة، والإكرام، ما هو أعظم مما مرّت حكايته، من صنيعهم مع هذا الكافر الحربي، فافهم ذلك. والله المسئول المرجو الإجابة، أن ينصر دينه، وكتابه، ورسوله، وعباده المؤمنين، وأن يظهر /دينه/ (3) على الدين كله، ولو كره المشركون.
وصلى الله على عبده ورسوله النبي الأمين وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، آمين.
(1) وهذا الكلام يقوله الشيخ عبد اللطيف في زمنه، فكيف لو أضفت إلى ذلك، ما يحدث في زمننا هذا –من بعض المسلمين-من السفر إليهم، لا لشيء سوى قصد السياحة والأغراض المحرمة؟! والله المستعان.
(2)
كذا في المطبوع، وبه يحصل المعنى، وفي جميع النسخ) فرق) .
(3)
ساقط في (د) .