الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عن الطريق، وبين هاتين الشعبتين، شعب متفاوتة، منها ما يلحق شعب الإيمان بشعبة الشهادة، ويكون إليها أقرب، ومنها ما يلحق بشعبة إماطة الأذى عن الطريق، ويكون إليها أقرب، والتسوية بين هذه الشعب في اجتماعها، مخالف للنصوص، وما كان عليه سلف، الأمة وأئمتها.
وكذلك الكفر أيضاً، ذو أصل وشعب، فكما أن شعب الإيمان إيمان، فشعب الكفر كفر، والمعاصي كلها من شعب الكفر، كما أن الطاعات كلها من شعب الإيمان] (1) ، ولا يسوّى بينها في الأسماء والأحكام، وفرق بين من ترك الصلاة، أو الزكاة، أو الصيام، أو أشرك بالله، أو استهان بالمصحف؛ وبين من سرق، أو زنى، أو انتهب، أو صدر منه نوع موالاة (2) ، كما جرى لحاطب. فمن سوى بين شعب الإيمان في الأسماء والأحكام، أو سوى بين شعب الكفر في ذلك، فهو مخالف للكتاب والسنة، خارج عن سبيل سلف الأمة، داخل في عموم أهل البدع والأهواء.
(1) ما بين المعقوفتين نقله الشيخ من كتاب الإمام ابن القيم رحمه الله المسمى: "كتاب الصلاة وحكم تاركها"، ص53، بتصرف. وقد أتى بها الإمام ابن القيم، بعد سرده لأقوال العلماء في كفر تارك الصلاة، ثم قال:"فصل في الحكم بين الفريقين"، فذكر هذا التفصيل.
وانظر أيضاً: التمهيد، لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، لأبي عمرو يوسف بن عبد البر (ت463هـ) طبعة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، بالمملكة المغربية، 1399هـ/1979م، 9/238. مسائل الإيمان، للقاضي أبي يعلى، تحقيق سعود بن عبد العزيز الخلف، دار العاصمة، الرياض، النشرة الأولى، 1410هـ، ص152.
(2)
أي: نوع موالاة المشركين والكفار (المحرمة) .
الأصل الثالث: حقيقة الأيمان
إن الإيمان مركب من قول وعمل، والقول قسمان: قول القلب، وهو اعتقاده، وقول اللسان، وهو التكلم بكلمة الإسلام. والعمل قسمان: عمل القلب، وهو
قصده، حقيقة الإيمان واختياره، ومحبته، ورضاه، وتصديقه؛ وعمل الجوارح، كالصلاة، والزكاة، والحج، والجهاد، ونحو ذلك من الأعمال الظاهرة (1) . فإذا زال تصديق، القلب، ورضاه، ومحبته لله، وصدقه، زال الإيمان بالكلية؛ وإذا زال شيء من الأعمال، كالصلاة، والزكاة والحج، والجهاد، مع بقاء تصديق القلب وقبوله، فهذا محل خلاف: هل يزول الإيمان بالكلية إذا ترك أحد الأركان الإسلامية، كالصلاة، والحج، والزكاة، والصيام، أو لا يكفر؟ وهل يفرق بين الصلاة وغيرها، أو لا يفرق؟
فأهل السنة مجمعون على أنه لا بد من عمل القلب، الذي هو محبته، ورضاه، وانقياده، والمرجئة / تقول/ (2) : يكفي التصديق فقط، ويكون به مؤمناً.
والخلاف في أعمال الجوارح (3) ، هل يكفر /أو/ (4) لا يكفر؟ واقع بين أهل السنة، والمعروف عن السلف، تكفير من ترك أحد المباني الإسلامية، كالصلاة والزكاة، والصيام، والحج (5) .
(1) هذا هو مجمل قول السلف الصالح في الإيمان، بأنه: اعتقاد، وقول وعمل. خلافاً لطوائف المرجئة، التي تخرج العمل عن مسمى الإيمان. وقد تقدم بيانه في ص174.
(2)
ساقط في (د) .
(3)
أي في تركها.
(4)
في جميع النسخ: (أم) ، وهو خطأ؛ لأن (هل) لا يقابل بـ (أم) . وفي المطبوع المثبت، وهو الصواب.
(5)
هذا مذهب جمهور السلف. وقد ورد إجماع الصحابة على أن تارك الصلاة عمداً كافر. جاء ذكره في: المحلى، لابن حزم (ت456هـ) ، نشر المكتب التجاري، بيروت، لبنان، 2/242. الترغيب الترهيب من الحديث الشريف، لعبد العظيم بن عبد القوي المنذري (ت656هـ) ، تعليق مصطفى عمارة، نشر دار إحياء التراث العربي، لبنان، ط/3، 388هـ-1968م، 1403هـ/1983م، ص259. "كتاب الصلاة وحكم تاركها"، لابن القيم، ص37، 65.
وفي ذلك قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه حين عزم على قتال مانعي الزكاة: "والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال" أخرجه البخاري في صحيحه مع الفتح 13/264، ومسلم في صحيحه بشرح النووي، 2/314-316، وأبو داود في سننه، 2/198، والترمذي5/14-15. وإلى هذا ذهب جمهور العلماء من المالكية، والشافعية، والحنابلة.
انظر: قوانين الأحكام الشرعية، ومسائل الفروع الشرعية، لمحمد بن أحمد بن جزي الغرناطي (ت1340هـ) ، ط/1، شركة الطباعة الفنية. ص49. الشرح الصغير على أقرب المسالك، للدرديري، دار المعارف بمصر، 1392هـ، 1/238. مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، لمحمد الشربيني الخطيب، طبعة الحلبي، بيروت، 1402هـ-1982م، 1/227-228.
(والقول الثاني) : أنه لا يكفر إلا من جحدها (1) .
(والثالث) :الفرق بين الصلاة وغيرها (2) . وهذه الأقوال معروفة.
وكذلك المعاصي والذنوب، التي هي فعل المحظورات، فرقوا فيها بين ما يصادم /أصل/ (3) الإسلام وينافيه (4) ، وما دون ذلك (5) ، وبين ما سماه الشارع كفراً (6) ، وما لم يسمه.
هذا ما عليه أهل، الأثر المتمسكون بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأدلة هذا مبسوطة في أماكنها.
(1) وهذا مذهب الحنفية. انظر: حاشية رد المحتار على الدر المختار، لمختار أمين الشهير بابن عابدين (ت1252هـ) ، طبع مصطفى الحلبي، بمصر، سنة 1386هـ، 1/352.
(2)
هذه رواية الإمام أحمد، أنه لا يكفر إلا بترك الصلاة فقط. انظر: كتاب "الإيمان" بان تيمية، ص259.
(3)
في (د) : أصلاً.
(4)
من ذلك: الشرك بالله، والاستهانة بالمصحف، وقتل الرسول، وسب الله ورسوله، وغير.
(5)
كالسرقة، وشرب الخمر، وأكل الربا، ونحوها.
(6)
كقتال المسلم لأخيه، وتكفيره، والطعن في الأنساب، والنياحة على الميت.