الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الحادي عشر وفاته والمرثيات التي قيلت فيه
المطلب الأول: وفاته:
توفي رحمه الله في 14 من ذي القعدة عام 1293هـ (1) ، وأصيب المسلمون بفقده، كما فقدته الرؤساء والمحافل.
وقد كانت وفاته رحمه الله في مدينة الرياض (2) ، عن ثمانية وستين عاماً (68) من العمر، ثمانية منها في الدرعية، وإحدى وثلاثين عاماً بمصر، وعامان في
(1) انظر: علماء الدعوة لعبد الرحمن بن عبد اللطيف بن عبد الله، ص57. ومشاهير علماء نجد له أيضاً، ص119، 145. علماء نجد خلال ستة قرون، 1/71، 73. عقد الدرر فيما وقع في نجد من الحوادث، لإبراهيم بن صالح، ص77. تاريخ بعض الحوادث الواقعة في نجد، لإبراهيم بن صالح بن عيسى، ص188. الأعلام للزركلي، 4/182 (ط/3، الخالية من الصور) . عقيدة محمد بن عبد الوهاب السلفية، د. صالح بن عبد العبود، ط/1، 1408هـ، ص66، وقد خالف بعض المؤرخين هذا الرأي: فذهب القحطاني في الدرر السنية (12/73) ، إلى أن وفاته كانت في (4 من ذي الحجة، 1292هـ) . وذهب كحالة في معجم المؤلفين (6/10) ، إلى أن وفاته كانت في (14 من ذي القعدة (1292هـ) .
والصواب ما أثبته من أن وفاته كانت في (1293هـ)، وذلك للآتي:
أ- تواتر ذلك لدى أكثر المؤرخين الذين ذكروا وفاته.
ب- أن من بين الذين ذكروه (الشيخ عبد الرحمن بن عبد اللطيف بن عبد الله بن عبد اللطيف) فهو أقرب شخص من الشيخ، زماناً وقرابة، فقوله -على هذا الأساس- يقدم على غيره، ويكون الاعتماد عليه أسلم؛ باعتبار موقعه من النسب.
جـ- أن من بين الذاكرين لهذا التاريخ، الشيخ إبراهيم بن صالح بن عيسى، (1270-1343هـ) في كتابيه (عقد الدرر
…
وتاريخ بعض الحوادث
…
) ، فقد كان حياً حين وفاة الشيخ كما هو واضح، فقوله في تحديد وفاة الشيخ أضبط من غيره.
(2)
انظر: عقد الدرر، ص77. علماء نجد خلال ستة قرون، 1/71. معجم المؤلفين، 6/10.، الإعلام للزركلي، 4/182.
الإحساء وسبعة وعشرون عاماً بنجد (1) قضاها كلها في تحصيل العلم ونشره، والكفاح الدائب، والنضال المتواصل؛ لحماية عقيدة التوحيد، والذود عن حياض الدين وحرمات المسلمين.
فنسأل الله تعالى أن يرحمه رحمة واسعة، ويجزيه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، وأن يتغمده برحمته وعفوه وغفرانه، ويسكنه فسيح جناته، وفي النعيم المقيم. آمين.
المطلب الثاني: مرثياته:
وقد رثاه جماعة من العلماء نذكر هنا بعض ما قيل في ذلك:
أ- قال ابنه الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف:
"لما رأيت أهل الفهم والذكاء لم يتعرضوا لرثي شيخ الإسلام، وقدوة العلماء الأعلام، علامة دهره ووحيد عصره، الوالد الشيخ عبد اللطيف، ثبت الله حجته، أحببت أن أبذل وسعي في ذلك
…
وقلت مستعيناً بالله شعراً:
لقد أظلمت من كل أرجائها نجد
…
وقد كان لي في عهدها بالهدى عهدُ
وكنا وأهلوها على خير حالة
…
وأنوار هذا الدين من أفقها تبدو
وقد ساعد ليلى وطاب وصالها
…
ولاح لنا من وجهها القمر الفرد
بها قام سوق للشريعة عامراً
…
فكل مقال لا تقرره رد
وكل إمام لا ينفذ أمرها
…
فإن كل ما يبنى من الأمر منهد
فصحراؤها روض تفتق زهره
…
وحصباؤها ودر وأمواهها شهد
فلله عصر قد مضى في حمائها
…
به ارتفع الإسلام وانهزم الضد
صحبناهم والدهر مرخ رواقه
…
وقد مس أهل الزيغ في بأسهم حد
لقد حل بالسمحا من الخطب فاضع
…
لدن غاب من آفاقها الطالع السعد
(1) علماء الدعوة، ص57. مشاهير علماء نجد، ص119.
إمام التقى بحر الندى علم الهدى
…
عبد اللطيف العالم الأوحد الفرد
فمذ غاب عن عيني تمثلت منشداً
…
لما قاله في السالف العالم المجد
أليل غشى الدنيا أم الأفق مسود
…
أم الفتنة الظلماء قد أقبلت تعدو
أم السرج النجدية الزهر أطفئت
…
فأظلمت الآفاق إذ أظلمت نجد
نعم كورت شمس الهدى وبدا الردى
…
وضعضع ركن للهدى فهو منهد
حليف المعالي قد رقي ذروة الهدى
…
ومن دونها النسران والنجم والسعد
وعلامة ما الشافعي ومالك
…
وأحمد والنعمان والليث والمجد
يرى في ثياب النسك حبراً كأنه
…
مليك جليل القدر تعفو له الأسد
فسائل به آيات مجد شواهدا
…
طوالعها لا يستطاع لها جحد
فكم من ضلال قد تصدى لرده
…
وكم من هدى أبداه إذ أشكل الرد
فيها أيها الحبر الذي كان حجة
…
عليك سلام الله ما سبح الرعد
بنيت بناءً للشريعة قد سما
…
به من قبلك الأب والجد
وأسست هذا الدين حتى سما
…
به أناس رعاهم قبلك الذيب والفهد
أنبأتهم كيف السياسة والعلى
…
وكيف يقاد الجيش والجرد والجند
فأورثتهم مجداً وما كان مثله
…
يرام له إرث وإن عظم الجد
حظوظ بميراث النبي أشادها
…
إمام سما في العلم ليس له ند
أعاد لنا نهج الشريعة واضحا
…
وقد عز من دهر تقادم أن يبدو
وجلى لنا أسرار شرعة أحمد
…
وأن إله الحق في حكمه فرد
فجرّت به نجد ذيول افتخارها
…
وكادت إلى فوق السماكين تعتد
حديث رسول الله إن جاء درسه
…
يفوح به من طيبة المسك والورد
محاسن من دنيا ودين سماء بها
…
إلى شرف العليا فحق له المجد (1)
ب- ورثاه الشيخ عبد الرحمن بن عبد الله بن طوق، بقصيدة مطلعها:
أبا خلق الأيام حيا تسالمه
…
وإن عظمت هماته وعزائمه
(1) الدرر السنية، 12/68-69.
فما أوحش الدنيا ويا حزن نجدها
…
ويا يتمه للعلم إذ مات عالمه
فما مر يوم مر يوم أتى به
…
بأوحش أنباء بريد يكاتمه
وجدنا كأن الأرض حتماً تزلزت
…
فأظلم كل الكون وارتج عالمه
وهاجت رياح من زفير تنفس
…
وجاد بماء الجفن سحا غمائمه
فيالك من رزء فظيع على الورى
…
وهد بسور العلم أوهاه ثالمه
فقد كان للدنيا وللدين عدة
…
وكنزاً أبى مضروبها أن يقاومه
بقية أهل العلم والعَلَم الذي
…
تلقاه فرع أصلته أكارمه
إلى أن قال:
وعاش سعيداً ثم مات موحداً
…
على المبلغ المنجي طريق ملازمه
فلا حي إلا والكل هالك
…
سواه ولا بد المنون تزاحمه
وماذا وإن أعطيت عمراً كآدم
…
وللدهر يوماً سوف يدركك صارمه
فطوبى لعبد أيقظته عناية
…
وجافته عن دار الغرور عزائمه (1)
جـ- ورثاه تلميذه (وجامع رسائله) الشيخ سليمان بن سحمان، بقصيدة طويلة، في (42) بيتاً، نقتطف منها الأبيات التالية، ومطلعها:
تذكرت والذكرى تهيج البواكيا
…
وتظهر مكنوناً من الحزن ثاويا
معاهد كانت بالهدى مستنيرة
…
وبالعلم يزهو ربع تلك الروابيا
فما كان إلا برهة ثم أطبقت
…
علينا بأنواع الهموم الروازيا
فكنا أحاديث كأخبار من مضى
…
وننبأو عنها في القرون الخواليا
لعمري لئن كانت أصيبت قلوبنا
…
وأوجعها فقدان تلك المعاليا
لقد زادت البلوى اضطراماً وحرقة
…
فحق لنا اهراق دمع المآقيا
فقد أظلمت أرجاء نجد وأطفئت
…
مصابيح داجيها لخطب وداهيا
لموت إمام الدين والعلم والتقى
…
مذيق العدا كاسات سم الأفاعيا
(1) المرجع السابق، 12/73-74.
ولما نمى الركبان أخبار موته
…
وأصبح ناعي الدين فينا مناديا
رثيناه جبراً للقلوب لما بها
…
وحل بها من موجعات التآسيا
لشمس الهدى بدر الدجى علم الهدى
…
وغيظ العدا فليبك من كان باكيا
ولا زال إحسان الإله وبره
…
على قبره ذا ديمة ثم هاميا
وأسكنه الفردوس فضلاً ورحمة
…
وألحقه بالصالحين المهاديا
عليه تحيات السلام وإن نأى
…
وأضحى دفيناً في المقابر ثاويا
فيا معشر الإخوان صبراً فإنما
…
مضى لسبيل كلنا فيه ماضيا
فإن أقل البدر الفريد وأصبحت
…
ربوع ذوي الإسلام منه خواليا
فقد شاد أعلام الشريعة واقتفى
…
بآثار آباء كرام المساعيا
همُ جددوا الإسلام بعد اندراسه
…
وأحيوا من الأعلام ما كان عافيا
فيا رب جد بالفضل منك تكرماً
…
وبالعفو عنهم يا مجيب المناديا
وابق بينهم سادة يقتدى بهم
…
إلى الخير يا من ليس عنا بلاهيا (1)
(1) نفس المرجع السابق، 12/74-75، وتذكرة أولي النهى والعرفان، 1/233-234.