الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْقَوْلُ فِي الدَّيْنِ
1 - وَعَرَّفَهُ فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ بِأَنَّهُ: عِبَارَةٌ عَنْ مَالٍ حُكْمِيٍّ يَحْدُثُ فِي الذِّمَّةِ بِبَيْعٍ أَوْ اسْتِهْلَاكٍ أَوْ غَيْرِهِمَا. وَإِيفَاؤُهُ وَاسْتِيفَاؤُهُ لَا يَكُونُ إلَّا بِطَرِيقِ الْمُقَاصَّةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله. مِثَالُهُ: إذَا اشْتَرَى ثَوْبًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ صَارَ الثَّوْبُ مِلْكًا لَهُ، وَحَدَثَ بِالشِّرَاءِ فِي ذِمَّتِهِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ مِلْكًا لِلْبَائِعِ؛ فَإِذَا دَفَعَ الْمُشْتَرِي عَشَرَةً إلَى الْبَائِعِ وَجَبَ مِثْلُهَا فِي ذِمَّةِ الْبَائِعِ دَيْنًا، وَقَدْ وَجَبَ لِلْبَائِعِ عَلَى الْمُشْتَرِي عَشَرَةٌ بَدَلًا عَنْ الثَّوْبِ، وَوَجَبَ لِلْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ مِثْلُهَا بَدَلًا عَنْ الْمَدْفُوعَةِ إلَيْهِ فَالْتَقَيَا قِصَاصًا (انْتَهَى) . وَتَفَرَّعَ
ــ
[غمز عيون البصائر]
[الْقَوْلُ فِي الدَّيْنِ]
قَوْلُهُ: وَعَرَّفَهُ فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ. أَقُولُ فِي النِّهَايَةِ فِي كِتَابِ الْكَفَالَةِ: الدَّيْنُ فِي عُرْفِ أَهْلِ الشَّرْعِ وُجُوبُ مَالٍ فِي الذِّمَّةِ بَدَلًا عَنْ شَيْءٍ آخَرَ فَالْخَرَاجُ دَيْنٌ؛ لِأَنَّهُ بَدَلٌ عَنْ مَنَافِعِ الْحِفْظِ بِخِلَافِ الزَّكَاةِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهَا تَمْلِيكُ مَالٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ بَدَلًا (انْتَهَى) . وَفِيهِ أَنَّهُ يُنْتَقَصُ بِهِ النِّصَابُ وَكَذَا بَعْدَ الِاسْتِهْلَاكِ خِلَافًا لِزُفَرَ رحمه الله (انْتَهَى) . فَقَدْ أَطْلَقَ عَلَى الْمَالِ الْوَاجِبِ فِيهَا لَفْظَ الدَّيْنِ وَحِينَئِذٍ يَكُونُ التَّعْرِيفُ غَيْرُ جَامِعٍ وَالتَّعْرِيفُ الْجَامِعُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْمُسْتَصْفَى فِي بَابِ قَضَاءِ الْفَوَائِتِ وَهُوَ أَنَّ الدَّيْنَ وَصْفٌ شَرْعِيٌّ يَظْهَرُ أَثَرُهُ فِي الْمُطَالَبَةِ. بَقِيَ أَنْ يُقَالَ إطْلَاقُ الدَّيْنِ عَلَى الْمَالِ الْوَاجِبِ فِي الذِّمَّةِ لِأَجْلِ أَدَاءِ الزَّكَاةِ لَا يَخْلُو عَنْ مُسَامَحَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ دَيْنًا حَقِيقَةً لَمَا سَقَطَ بِالْمَوْتِ وَهُوَ يَسْقُطُ بِالْمَوْتِ عِنْدَنَا كَالْكَفَّارَةِ وَالْفِدْيَةِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ؛ هَذَا وَالْمَالُ لُغَةً: مَا مَلَكْته مِنْ شَيْءٍ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْقَامُوسِ، وَفِي الْكَشْفِ الْكَبِيرِ الْمَالُ مَا يَمِيلُ إلَيْهِ الطَّبْعُ وَيُمْكِنُ ادِّخَارُهُ لِوَقْتِ الْحَاجَةِ وَالْمَالِيَّةُ إنَّمَا تَثْبُتُ بِتَمَوُّلِ النَّاسِ كَافَّةً أَوْ يَتَقَوَّمُ الْبَعْضُ وَالتَّقَوُّمُ يَثْبُتُ بِهِ وَبِإِبَاحَةِ الِانْتِفَاعِ بِهِ شَرْعًا فَمَا يَكُونُ مُبَاحَ الِانْتِفَاعِ بِدُونِ تَمَوُّلِ النَّاسِ لَا يَكُونُ مَالًا
عَلَى أَنَّ طَرِيقَ إيفَائِهِ إنَّمَا هُوَ الْمُقَاصَّةُ أَنَّهُ لَوْ أَبْرَأَهُ عَنْهُ بَعْدَ قَضَائِهِ صَحَّ وَرَجَعَ الْمَدْيُونُ عَلَى الدَّائِنِ بِمَا دَفَعَهُ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي الْمُدَايَنَاتِ مِنْ قِسْمِ الْفَوَائِدِ
وَاخْتُصَّ الدَّيْنُ بِأَحْكَامٍ: مِنْهَا جَوَازُ الْكَفَالَةِ بِهِ إذَا كَانَ دَيْنًا صَحِيحًا وَهُوَ مَا لَا يَسْقُطُ إلَّا بِالْأَدَاءِ وَالْإِبْرَاءِ؛ فَلَا يَجُوزُ بِبَدَلِ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّهُ يَسْقُطُ بِدُونِهِمَا بِالتَّعْجِيزِ.
وَمِنْهَا جَوَازُ الرَّهْنِ بِهِ؛ 2 - فَلَا تَجُوزُ الْكَفَالَةُ وَالرَّهْنُ بِالْأَعْيَانِ الْأَمَانَةِ 3 - وَالْمَضْمُونَةُ بِغَيْرِهَا
ــ
[غمز عيون البصائر]
كَحَبَّةِ حِنْطَةٍ وَمَا يَكُونُ مَالًا يَكُونُ مَالًا بَيْنَ النَّاسِ وَمَا لَا يَكُونُ شَرْعًا مُبَاحَ الِانْتِفَاعِ لَا يَكُونُ مُتَقَوِّمًا كَالْخَمْرِ وَإِذَا عُدِمَ الْأَمْرُ إنْ لَمْ يَثْبُتْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا كَالدَّمِ (انْتَهَى) .
وَصَرَّحَ فِي الْمُحِيطِ بِأَنَّ الْخَمْرَ لَيْسَ بِمَالٍ وَإِنْ عَقَدَ عَلَيْهِ لَمْ يَنْعَقِدْ بِخِلَافِ مَا لَوْ بَاعَ شَيْئًا بِخَمْرٍ فَإِنَّهُ يَنْعَقِدُ فِي ذَلِكَ الشَّيْءِ بِالْقِيمَةِ. وَفِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ: الْمَالُ اسْمٌ لِغَيْرِ الْآدَمِيِّ خُلِقَ لِمَصَالِحِ الْآدَمِيِّ وَأَمْكَنَ إحْرَازُهُ وَالتَّصَرُّفُ فِيهِ عَلَى وَجْهِ الِاخْتِيَارِ وَالْعَبْدُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَعْنَى الْمَالِيَّةِ لَكِنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ حَقِيقَةً حَتَّى لَا يَجُوزَ قَتْلُهُ وَإِهْلَاكُهُ (انْتَهَى) . كَذَا فِي الْبَحْرِ أَوَّلَ كِتَابِ الْبَيْعِ " وَالذِّمَّةُ أَمْرٌ شَرْعِيٌّ مُقَدَّرٌ فِي الْمَحَلِّ يَقْبَلُ الْإِلْزَامَ وَالِالْتِزَامَ ". وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا فِي شَرْحِ الرَّوْضِ: " الذِّمَّةُ لُغَةً: الْعَهْدُ، وَاصْطِلَاحًا: الذَّاتُ وَالنَّفْسُ إطْلَاقًا لِاسْمِ الْحَالِ عَلَى الْمَحَلِّ " وَقَالَ الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: هِيَ مَعْنًى مُقَدَّرٌ فِي الْمَحَلِّ يَصْلُحُ لِلْإِلْزَامِ وَالِالْتِزَامِ
(2)
قَوْلُهُ: فَلَا تَجُوزُ الْكَفَالَةُ وَالرَّهْنُ بِالْأَعْيَانِ الْأَمَانَةِ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ عِبَارَةٌ عَنْ رَدِّ مِثْلِ الْهَالِكِ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا أَوْ قِيمَتِهِ إنْ كَانَ قِيَمِيًّا فَالْأَمَانَةُ إنْ هَلَكَتْ بِلَا تَعَدٍّ فَلَا شَيْءَ فِي مُقَابِلَتِهَا أَوْ بِتَعَدٍّ فَلَا تَبْقَى أَمَانَةً بَلْ تَكُونُ مَغْصُوبَةً.
(3)
قَوْلُهُ: وَالْمَضْمُونَةُ بِغَيْرِهَا. الْمُرَادُ بِالْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ بِغَيْرِهَا عَيْنٌ لَيْسَتْ بِمَضْمُونَةٍ وَلَكِنَّهَا تُشْبِهُ الْمَضْمُونَةَ كَبَيْعٍ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَإِنَّهُ إذَا هَلَكَ لَمْ يَضْمَنْ أَحَدٌ مِثْلَهُ أَوْ قِيمَتَهُ لَكِنَّ الثَّمَنَ يَسْقُطُ عَنْ ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي وَهُوَ غَيْرُ الْمِثْلِ وَالْقِيمَةِ فَبِمُجَرَّدِ هَذَا الِاعْتِبَارِ سَمَّوْهُ بِالْعَيْنِ الْمَضْمُونَةِ بِغَيْرِهَا فَكَأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْمُشَاكَلَةِ. ذَكَرَ ذَلِكَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ.
كَالْمَبِيعِ.
5 -
وَأَمَّا الْمَضْمُونَةُ بِنَفْسِهَا كَالْمَغْصُوبِ وَبَدَلِ الْخُلْعِ وَالْمَهْرِ وَبَدَلِ الصُّلْحِ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ وَالْمَبِيعِ فَاسِدًا وَالْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ، فَتَصِحُّ الْكَفَالَةُ وَالرَّهْنُ بِهَا؛ لِأَنَّهَا مُلْحَقَةٌ بِالدُّيُونِ، قَالَ الْأُسْيُوطِيُّ رحمه الله مَعْزِيًّا إلَى السُّبْكِيّ فِي تَكْمِلَةِ شَرْحِ الْمُهَذَّبِ:(فَرْعٌ) : حَدَثَ فِي الْأَعْصَارِ الْقَرِيبَةِ؛ وَقْفُ كُتُبٍ اشْتَرَطَ الْوَاقِفُ أَنْ لَا تُعَارَ إلَّا بِرَهْنٍ أَوْ لَا تَخْرُجَ مِنْ مَكَانِ تَحْبِيسِهَا إلَّا بِرَهْنٍ أَوْ لَا تَخْرُجَ أَصْلًا.
6 -
وَاَلَّذِي أَقُولُ فِي هَذَا: أَنَّ الرَّهْنَ لَا يَصِحُّ بِهَا؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَضْمُونَةٍ فِي يَدِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ، وَلَا يُقَالُ لَهَا عَارِيَّةٌ أَيْضًا، بَلْ الْأَخْذُ بِهَا إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْوَقْفِ اسْتَحَقَّ الِانْتِفَاعَ وَيَدُهُ عَلَيْهَا يَدُ أَمَانَةٍ.
فَشَرْطُ أَخْذِ الرَّهْنِ عَلَيْهَا فَاسِدٌ، وَإِنْ أَعْطَاهُ كَانَ رَهْنًا فَاسِدًا، وَيَكُونُ فِي يَدِ خَازِنِ الْكُتُبِ أَمَانَةً؛ لِأَنَّ الْفَاسِدَ مِنْ الْعُقُودِ فِي الضَّمَانِ
ــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: كَالْمَبِيعِ. يَعْنِي إذَا هَلَكَ عِنْدَ الْبَائِعِ سَوَاءٌ هَلَكَ بَعْدَ مَنْعِهِ مِنْ الْمُشْتَرِي بَعْدَ نَقْدٍ أَوْ لَا، وَلَا يَصِيرُ بِمَنْعِهِ غَاصِبًا حَتَّى لَوْ هَلَكَ فَإِنَّمَا يَهْلِكُ بِالثَّمَنِ كَمَا قَبْلَ الْمَنْعِ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ مِنْ كِتَابِ الْقِسْمَةِ فِي الْفَصْلِ الثَّامِنِ.
(5)
قَوْلُهُ: وَأَمَّا الْمَضْمُونَةُ بِنَفْسِهَا أَيْ فِي حَدِّ ذَاتِهَا وَوَجْهُهُ أَنَّ الضَّمَانَ كَمَا عُرِفَ عِبَارَةٌ عَنْ رَدِّ مِثْلِ الْهَالِكِ أَوْ قِيمَتِهِ فَالشَّيْءُ إذَا كَانَ مِثْلِيًّا أَوْ قِيَمِيًّا يَكُونُ بِحَيْثُ لَوْ هَلَكَ تَعَيَّنَ الْمِثْلُ أَوْ الْقِيمَةُ فَتَكُونُ مَضْمُونَةً فِي حَدِّ ذَاتِهَا مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْعَوَارِضِ كَمَا حُقِّقَ فِي مَحَلِّهِ.
(6)
قَوْلُهُ: وَاَلَّذِي أَقُولُ إلَخْ. قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَحْرِ فِي بَابِ التَّدْبِيرِ بَعْدَ كَلَامٍ: وَمِنْ هُنَا يُعْلَمُ أَنَّ شَرْطَ الْوَاقِفِينَ فِي كُتُبِهِمْ أَنَّهَا لَا تَخْرُجُ إلَّا بِرَهْنِ شَرْطٍ بَاطِلٍ إذْ الْوَقْفُ أَمَانَةٌ فِي يَدِ مُسْتَعِيرِهِ فَلَا يَتَأَتَّى الِاسْتِيفَاءُ بِالرَّهْنِ بِهِ
كَصَحِيحِهَا، وَالرَّهْنُ أَمَانَةٌ، هَذَا إذَا أُرِيدَ الرَّهْنُ الشَّرْعِيُّ، وَإِنْ أُرِيدَ مَدْلُولُهُ لُغَةً وَأَنْ يَكُونَ تَذْكِرَةً، فَيَصِحُّ الشَّرْطُ؛ لِأَنَّهُ غَرَضٌ صَحِيحٌ، وَإِذَا لَمْ يُعْرَفْ مُرَادُ الْوَاقِفِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ بِالْبُطْلَانِ فِي الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ حَمْلًا عَلَى الْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ بِالصِّحَّةِ حَمْلًا عَلَى الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ، وَهُوَ الْأَقْرَبُ تَصْحِيحًا لِلْكَلَامِ مَا أَمْكَنَ، وَحِينَئِذٍ لَا يَجُوزُ إخْرَاجُهَا بِدُونِهِ، وَإِنْ قُلْنَا بِبُطْلَانِهِ لَمْ يَجُزْ إخْرَاجُهَا بِهِ لِعُذْرِهِ وَلَا بِدُونِهِ، إمَّا؛ لِأَنَّهُ خِلَافٌ لِشَرْطِ الْوَاقِفِ وَإِمَّا لِفَسَادِ الِاسْتِثْنَاءِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ لَا تَخْرُجْ مُطْلَقًا، وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ صَحَّ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ فِيهِ غَرَضٌ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ إخْرَاجَهَا مَظِنَّةُ ضَيَاعِهَا، بَلْ يَجِبُ عَلَى نَاظِرِ الْوَقْفِ أَنْ يُمَكِّنَ كُلَّ مَنْ يَقْصِدُ الِانْتِفَاعَ بِتِلْكَ الْكُتُبِ فِي مَكَانِهَا، وَفِي بَعْضِ الْأَوْقَافِ يَقُولُ لَا تَخْرُجْ إلَّا بِتَذْكِرَةٍ وَهَذَا لَا بَأْسَ بِهِ وَلَا وَجْهَ لِبُطْلَانِهِ، وَهُوَ كَمَا حَمَلْنَا عَلَيْهِ قَوْلَهُ إلَّا بِرَهْنٍ فِي الْمَدْلُولِ اللُّغَوِيِّ، فَيَصِحُّ وَيَكُونُ الْمَقْصُودُ أَنَّ تَجْوِيزَ الْوَاقِفِ الِانْتِفَاعَ لِمَنْ يَخْرُجُ بِهِ مَشْرُوطٌ بِأَنْ يَضَعَ فِي خِزَانَةِ الْوَقْفِ مَا يَتَذَكَّرُ هُوَ بِهِ إعَادَةَ الْمَوْقُوفِ؛ وَيَتَذَكَّرُ الْخَازِنُ مُطَالَبَتَهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ هَذَا، وَمَتَى أَخَذَهُ عَلَى غَيْرِ هَذَا الْوَجْهِ الَّذِي شَرَطَهُ الْوَاقِفُ يَمْتَنِعُ.
وَلَا نَقُولُ بِأَنَّ تِلْكَ التَّذْكِرَةَ تَبْقَى رَهْنًا بَلْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا، فَإِذَا أَخَذَهَا طَالَبَهُ الْخَازِنُ بِرَدِّ الْكِتَابِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُ أَيْضًا بِغَيْرِ طَلَبٍ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُ الْوَاقِفِ الرَّهْنَ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى حَتَّى يَصِحَّ إذَا ذَكَرَهُ بِلَفْظِ الرَّهْنِ تَنْزِيلًا لِلَّفْظِ عَلَى الصِّحَّةِ مَا أَمْكَنَ، وَحِينَئِذٍ يَجُوزُ إخْرَاجُهُ بِالشَّرْطِ الْمَذْكُورِ وَيَمْتَنِعُ لِغَيْرِهِ، لَكِنْ لَا تَثْبُتُ لَهُ أَحْكَامُ
ــ
[غمز عيون البصائر]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الرَّهْنِ وَلَا يَسْتَحِقُّ بَيْعَهُ وَلَا بَدَلَ الْكِتَابِ الْمَوْقُوفِ، إذَا تَلِفَ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ، وَلَوْ تَلِفَ بِتَفْرِيطٍ ضَمِنَهُ، وَلَكِنْ لَا يَتَعَيَّنُ ذَلِكَ الْمَرْهُونُ لِوَفَائِهِ وَلَا يَمْتَنِعُ عَلَى صَاحِبِهِ التَّصَرُّفُ فِيهِ (انْتَهَى) .
وَقَوْلُ أَصْحَابِنَا - لَا يَصِحُّ الرَّهْنُ بِالْأَمَانَاتِ - شَامِلٌ لِلْكُتُبِ الْمَوْقُوفَةِ، وَالرَّهْنُ بِالْأَمَانَاتِ بَاطِلٌ. فَإِذَا هَلَكَ لَا يَجِبُ شَيْءٌ بِخِلَافِ الرَّهْنِ الْفَاسِدِ فَإِنَّهُ مَضْمُونٌ كَالصَّحِيحِ، وَأَمَّا وُجُوبُ اتِّبَاعِ شَرْطِهِ وَحَمْلِهِ عَلَى الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ فَغَيْرُ بَعِيدٍ. وَمِنْهَا صِحَّةُ الْإِبْرَاءِ عَنْهُ؛ فَلَا يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ عَنْ الْأَعْيَانِ، وَالْإِبْرَاءُ عَنْ دَعْوَاهَا صَحِيحٌ. فَلَوْ قَالَ: أَبْرَأْتُك عَنْ دَعْوَى هَذِهِ الْعَيْنِ صَحَّ الْإِبْرَاءُ، فَلَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ بِهَا بَعْدَهُ، وَلَوْ قَالَ: بَرِئْت مِنْ هَذِهِ الدَّارِ أَوْ مِنْ دَعْوَى هَذِهِ لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ وَبَيِّنَتُهُ، وَلَوْ قَالَ: أَبْرَأْتُك عَنْهَا أَوْ عَنْ خُصُومَتِي فِيهَا فَهُوَ بَاطِلٌ، وَلَهُ أَنْ يُخَاصِمَ وَإِنَّمَا أَبْرَأَهُ عَنْ ضَمَانِهِ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ مِنْ الصُّلْحِ وَفِي كَافِي الْحَاكِمِ مِنْ الْإِقْرَارِ: لَا حَقَّ لِي قَبْلَهُ يَبْرَأُ مِنْ الْعَيْنِ وَالدَّيْنِ وَالْكَفَالَةِ وَالْإِجَارَةِ وَالْحَدِّ وَالْقِصَاصِ (انْتَهَى) . وَبِهِ عُلِمَ أَنَّهُ يَبْرَأُ مِنْ الْأَعْيَانِ فِي الْإِبْرَاءِ الْعَامِّ
7 -
لَكِنْ فِي مُدَايَنَاتِ الْقُنْيَةِ: افْتَرَقَ الزَّوْجَانِ وَأَبْرَأَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ عَنْ جَمِيعِ الدَّعَاوَى، وَكَانَ لِلزَّوْجِ بَذْرٌ فِي أَرْضِهَا وَأَعْيَانٌ قَائِمَةٌ؛ فَالْحَصَادُ وَالْأَعْيَانُ الْقَائِمَةُ لَا تَدْخُلُ فِي الْإِبْرَاءِ عَنْ جَمِيعِ الدَّعَاوَى (انْتَهَى) . وَتَدْخُلُ فِي الْإِبْرَاءِ الْعَامِّ الشُّفْعَةُ فَهُوَ مُسْقِطٌ
ــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: لَكِنْ فِي مُدَايَنَاتِ الْقُنْيَةِ افْتَرَقَ الزَّوْجَانِ إلَخْ. اسْتِدْرَاكٌ عَلَى قَوْلِهِ: وَبِهِ عُلِمَ أَنَّهُ يَبْرَأُ عَنْ الْأَعْيَانِ فِي الْإِبْرَاءِ الْعَامِّ. أَقُولُ وَكَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ مِثْلُهُ حَيْثُ قَالَ لَوْ
لَهَا قَضَاءً لَا دِيَانَةً إنْ لَمْ يَقْصِدْهَا، كَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ، وَفِي الْخِزَانَةِ: الْإِبْرَاءُ عَنْ الْعَيْنِ الْمَغْصُوبَةِ إبْرَاءٌ عَنْ ضَمَانِهَا، وَتَصِيرُ أَمَانَةً فِي يَدِ الْغَاصِبِ، وَقَالَ زُفَرُ رحمه الله: لَا يَصِحُّ الْإِبْرَاءُ وَتَبْقَى مَضْمُونَةً وَلَوْ كَانَتْ الْعَيْنُ مُسْتَهْلَكَةً صَحَّ الْإِبْرَاءُ وَبَرِئَ مِنْ قِيمَتِهَا (انْتَهَى) . فَقَوْلُهُمْ الْإِبْرَاءُ عَنْ الْأَعْيَانِ بَاطِلٌ؛ مَعْنَاهُ أَنَّهَا لَا تَكُونُ مِلْكًا لَهُ بِالْإِبْرَاءِ وَإِلَّا فَالْإِبْرَاءُ عَنْهَا لِسُقُوطِ الضَّمَانِ صَحِيحٌ أَوْ يُحْمَلُ عَلَى الْأَمَانَةِ.
8 -
الثَّالِثُ قَبُولُ الْأَجَلِ
9 -
فَلَا يَصِحُّ تَأْجِيلُ الْأَعْيَانِ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ شُرِعَ رِفْقًا لِلتَّحْصِيلِ وَالْعَيْنُ حَاصِلَةٌ.
(فَوَائِدُ) : الْأُولَى: لَيْسَ فِي الشَّرْعِ دَيْنٌ لَا يَكُونُ إلَّا حَالًّا إلَّا: رَأْسُ مَالِ السَّلَمِ، وَبَدَلُ الصَّرْفِ وَالْقَرْضِ وَالثَّمَنِ بَعْدَ الْإِقَالَةِ، وَدَيْنُ الْمَيِّتِ وَمَا أَخَذَ بِهِ الشَّفِيعُ الْعَقَارَ، كَمَا كَتَبْنَاهُ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَصَحَّ تَأْجِيلُ كُلِّ دَيْنٍ إلَّا الْقَرْضَ.
ــ
[غمز عيون البصائر]
بِرَهْنِ أَحَدِ الْوَرَثَةِ عَلَى إقْرَارِ الْآخَرِ أَنَّهُ بَرِئَ مِنْ مِيرَاثِ أَبِيهِ وَفِي الْمِيرَاثِ أَعْيَانٌ لَا تُقْبَلُ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْإِبْرَاءِ عَنْ الْأَعْيَانِ (انْتَهَى) .
وَهُوَ يُفِيدُ عَدَمَ صِحَّةِ الْإِبْرَاءِ عَنْ الْأَعْيَانِ فِي ضِمْنِ الْإِبْرَاءِ الْعَامِّ وَقَدْ حَرَّرَ الْمُصَنِّفُ هَذَا الْمَبْحَثَ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْكَنْزِ فَارْجِعْ إلَيْهِ.
(8)
قَوْلُهُ: الثَّالِثُ قَبُولُ الْأَجَلِ لَوْ قَالَ: وَمِنْهَا قَبُولُ الْأَجَلِ لَكَانَ أَصْوَبَ
(9)
قَوْلُهُ: فَلَا يَصِحُّ تَأْجِيلُ الْأَعْيَانِ إلَى آخِرِهِ. فِي الْقُنْيَةِ فِي بَابِ حَبْسِ الْمَبِيعِ بِالثَّمَنِ: اشْتَرَى شَيْئًا بِأَلْفٍ مِنْ الْحِنْطَةِ نَقْدًا ثُمَّ أَجَّلَ الْبَائِع شَهْرَيْنِ فَلَهُ الْمُطَالَبَةُ لِلْحَالِ إنْ كَانَتْ الْحِنْطَةُ مُعَيَّنَةً؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ فِي الْأَعْيَانِ بَاطِلٌ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُعَيَّنَةً فَلَا وَلَوْ أَجَّلَ الْمُشْتَرِي الشَّفِيعَ فِي الثَّمَنِ فَالتَّأْجِيلُ بَاطِلٌ.
وَلَيْسَ فِيهِ دَيْنٌ لَا يَكُونُ إلَّا مُؤَجَّلًا إلَّا الدِّيَةُ وَالْمُسْلَمُ فِيهِ. وَأَمَّا بَدَلُ الْكِتَابَةِ فَيَصِحُّ عِنْدَنَا حَالًّا وَمُؤَجَّلًا.
الثَّانِيَةُ: مَا فِي الذِّمَّةِ لَا يَتَعَيَّنُ إلَّا بِقَبْضٍ؛ وَلِهَذَا لَوْ كَانَ لَهَا دَيْنٌ بِسَبَبٍ وَاحِدٍ فَقَبَضَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ فَإِنَّ لِشَرِيكِهِ أَنْ يُشَارِكَهُ.
10 -
وَيَصِحُّ تَفْرِيقُهُ عَلَى أَنَّ مَا فِي الذِّمَّةِ لَا تَصِحُّ قِسْمَتُهُ.
الثَّالِثُ: 11 - الْأَجَلُ لَا يَحِلُّ قَبْلَ وَقْتِهِ إلَّا بِمَوْتِ الْمَدْيُونِ وَلَوْ حُكْمًا بِاللَّحَاقِ مُرْتَدًّا بِدَارِ الْحَرْبِ
ــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: وَيَصِحُّ تَفْرِيقُهُ عَلَى أَنَّ مَا فِي الذِّمَّةِ لَا تَصِحُّ قِسْمَتُهُ. أَقُولُ الْحِيلَةُ فِي صِحَّةِ قِسْمَتِهِ بِحَيْثُ لَا يُشَارِكُهُ فِي نَصِيبِهِ شَرِيكُهُ أَنْ يَبِيعَ مِنْ الْمَطْلُوبِ كَفًّا مِنْ زَبِيبٍ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَيُسَلِّمَ إلَيْهِ الزَّبِيبَ ثُمَّ يُبَرِّئَهُ مِنْ نِصْفِ دَيْنِهِ الْقَدِيمِ وَيُطَالِبَهُ بِثَمَنِ الزَّبِيبِ فَلَا يَكُونُ لِشَرِيكِهِ فِيهِ شَيْءٌ.
كَذَا فِي نَوَازِلِ أَبِي اللَّيْثِ، وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ: عَلَيْهِ دَيْنٌ لِشَرِيكَيْنِ فَوَهَبَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ مِنْ الْمَدْيُونِ صَحَّ وَلَوْ وَهَبَ نِصْفَ الدَّيْنِ مُطْلَقًا نَفَذَ فِي الرُّبْعِ وَلَوْ تَوَقَّفَ فِي الرُّبْعِ كَمَا لَوْ وَهَبَ نِصْفَ قِنٍّ مُشْتَرَكٍ (انْتَهَى) .
قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: قَدْ عُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ إبْرَاءَ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ يُوجِبُ الْبَرَاءَةَ عَنْ حِصَّتِهِ مِنْ الدَّيْنِ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي النَّوَازِلِ وَبِصِيغَةِ يُبَرِّئُهُ مِنْ نِصْفِهِ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ مِنْ الْبَزَّازِيَّةِ وَإِذَا وَهَبَ النِّصْفَ نَفَذَ فِي الرُّبْعِ وَتَوَقَّفَ فِي الرُّبْعِ عَلَى إجَازَةِ شَرِيكِهِ كَمَا نَقَلَهُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ الْمُدَايَنَاتِ أَنَّ هِبَةَ الدَّيْنِ كَالْإِبْرَاءِ مِنْهُ إلَّا فِي مَسَائِلَ وَلَمْ يَذْكُرْ مِنْهَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فَمُقْتَضَاهُ عَدَمُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَهُوَ الظَّاهِرُ؛ لِأَنَّ مَا فِي الذِّمَّةِ لَا يَتَعَيَّنُ إلَّا بِالْقَبْضِ فَهِبَةُ النِّصْفِ مِنْهُ وَالْإِبْرَاءِ عَنْ النِّصْفِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ، تَأَمَّلْ. (11) قَوْلُهُ: الْأَجَلُ لَا يَحِلُّ قَبْلَ وَقْتِهِ إلَّا بِمَوْتِ الْمَدْيُونِ. أَقُولُ يَعْنِي حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا لِيَشْمَلَ الْوَكِيلَ بِالشِّرَاءِ إذَا اشْتَرَى بِالنَّسِيئَةِ فَمَاتَ الْوَكِيلُ حَلَّ عَلَيْهِ الثَّمَنُ وَيَبْقَى الْأَجَلُ فِي حَقِّ الْمُوَكِّلِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ مِنْ فَصْلِ الْوَكَالَةِ بِالْخُصُومَةِ.
بَقِيَ أَنْ يُقَالَ: لَوْ قَتَلَ الدَّائِنُ الْمَدْيُونَ هَلْ يَحِلُّ بِمَوْتِهِ أَوْ لَا يَحِلُّ؛ لِأَنَّهُ اسْتَعْجَلَ الشَّيْءَ قَبْلَ أَوَانِهِ فَيُعَاقَبُ بِحِرْمَانِهِ وَقَدْ صَرَّحَ الشَّافِعِيَّةُ بِأَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهُ يَحِلُّ (انْتَهَى) . قُلْت: وَقَوَاعِدُنَا لَا تَأْبَاهُ فَتَأَمَّلْ ثُمَّ اعْلَمْ
وَلَا يَحِلُّ بِمَوْتِ الدَّائِنِ. وَأَمَّا الْحَرْبِيُّ إذَا اسْتَرَقَ وَلَهُ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ؛ فَنَقُولُ بِسُقُوطِ الدَّيْنِ مُطْلَقًا لَا بِسُقُوطِ الْأَجَلِ فَقَطْ، كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله.
وَأَمَّا الْجُنُونُ فَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا يُوجِبُ الْحُلُولَ لِإِمْكَانِ التَّحْصِيلِ بِوَلِيِّهِ.
الرَّابِعَةُ: الْحَالُّ يَقْبَلُ التَّأْجِيلَ إلَّا مَا قَدَّمْنَاهُ
13 -
وَالْحِيلَةُ فِي لُزُومِ تَأْجِيلِ الْقَرْضِ شَيْئَانِ: حُكْمُ الْمَالِكِيِّ بِلُزُومِهِ بَعْدَ مَا ثَبَتَ عِنْدَهُ أَصْلُ الدَّيْنِ، أَوْ أَنْ يُحِيلَ الْمُسْتَقْرِضُ صَاحِبَ
ــ
[غمز عيون البصائر]
أَنَّ الْحَصْرَ الْمَذْكُورَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إضَافِيٌّ لَا حَقِيقِيٌّ فَلَا يَرِدُ مَا فِي شُرُوطِ الْخَصَّافِ عَلَيْهِ مَالٌ مُؤَجَّلٌ فَقَالَ: جَعَلْته حَالًّا أَوْ قَالَ: أَبْطَلْت الْأَجَلَ أَوْ قَالَ: تَرَكْت هَذَا الْأَجَلَ فَهَذَا كُلُّهُ يُبْطِلُ الْأَجَلَ وَيَصِيرُ الْمَالُ حَالًّا، وَلَوْ قَالَ لَا حَاجَةَ لِي فِي الْأَجَلِ أَوْ بَرِئْت مِنْ الْأَجَلِ فَالْمَالُ مُؤَجَّلٌ عَلَى حَالِهِ كَذَا فِي الْقُنْيَةِ. وَفِيهَا قَضَاهُ قَبْلَ أَجَلِهِ بَرِئَ وَلَيْسَ لِلطَّالِبِ أَنْ يَأْبَى الْقَبُولَ وَفِي الْخَانِيَّةِ فِي كِتَابِ الصُّلْحِ: مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ الْمُؤَجَّلُ إذَا صَالَحَ صَاحِبَ دَيْنِهِ عَلَى أَنْ يَجْعَلَهُ حَالًّا إنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بِعِوَضٍ جَازَ؛ لِأَنَّ الْأَجَلَ حَقُّهُ فَيَمْلِكُ إسْقَاطَهُ وَلَوْ قَالَ: أَبْطَلْت الْأَجَلَ فِي هَذَا الدَّيْنِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ جَعَلْته حَالًّا.
(12)
قَوْلُهُ: وَلَا يَحِلُّ بِمَوْتِ الدَّائِنِ. أَقُولُ لَمْ يَسْتَثْنِ الْمُصَنِّفُ عَنْ ذَلِكَ شَيْئًا وَاسْتَثْنَى الشَّافِعِيَّةُ مَسْأَلَةً وَاحِدَةً عَلَى وَجْهٍ وَهِيَ مَا لَوْ خَالَعَ زَوْجَتَهُ عَلَى طَعَامٍ فِي ذِمَّتِهِ وَوَصَفَهَا بِصِفَاتِ السَّلَمِ وَأَذِنَهَا أَنْ تَدْفَعَ إلَى وَلَدِهِ مِنْهَا أَوْ خَالَعَهَا عَلَى الْإِرْضَاعِ مُدَّةً مُعَيَّنَةً ثُمَّ مَاتَ الْمُخَالِعُ الْمَذْكُورُ فَإِنَّ فِيهِ وَجْهَيْنِ بِحُلُولِ ذَلِكَ بِمَوْتِهِ؛ لِأَنَّ الْخُلْعَ عَلَى مَا ذَكَرَ إنَّمَا كَانَ مِنْ أَجْلِ الصَّغِيرِ وَقَدْ سَقَطَ حَقُّهُ عَنْ أَبِيهِ فَيَسْقُطُ الْأَجَلُ حِينَئِذٍ. ذَكَرَ ذَلِكَ الزَّرْكَشِيُّ فِي قَوَاعِدِهِ
(13)
قَوْلُهُ: وَالْحِيلَةُ فِي لُزُومِهِ تَأْجِيلُ الْقَرْضِ إلَخْ. فِي أَنْفَعِ الْوَسَائِلِ: وَذُكِرَ فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ الْكَفَالَةُ بِالْقَرْضِ جَائِزَةٌ إلَى الْأَجَلِ وَالْمَالُ عَلَى الْكَفِيلِ إلَى الْأَجَلِ وَعَلَى الْأَصِيلِ حَالٌّ. وَذُكِرَ مِثْلُ هَذِهِ فِي شَرْحِ التَّكْمِلَةِ وَغَيْرِهِ ثَمَّةَ، وَقَالَ: وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى مَا قَالَهُ الْحَصِيرِيُّ فِي التَّحْرِيرِ: إذَا كَفَلَ بِالْقَرْضِ إلَى أَجَلٍ يَصِحُّ وَيَتَأَجَّلُ عَلَى الْأَصِيلِ وَهَذِهِ الْحِيلَةُ فِي تَأْجِيلِ الْقَرْضِ فَإِنَّ الْكُتُبَ تَرُدُّ ذَلِكَ وَلَمْ يَقُلْ هَذِهِ الْعِبَارَةَ غَيْرُهُ.
الْمَالِ عَلَى رَجُلٍ إلَى سَنَةٍ أَوْ سَنَتَيْنِ فَيَصِحُّ وَيَكُونُ الْمَالُ عَلَى الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ إلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: الْحَالُ لَا يَقْبَلُهُ بَعْدَ اللُّزُومِ إلَّا إذَا نَذَرَ أَنْ لَا يُطَالِبَهُ بِهِ إلَّا بَعْدَ شَهْرٍ أَوْ أَوْصَى بِذَلِكَ. وَشَرْطُ التَّأْجِيلِ الْقَبُولُ وَإِلَّا فَلَا يَصِحُّ. وَالْمَالُ حَالٌّ، وَشَرْطُهُ أَيْضًا أَنْ لَا يَكُونَ مَجْهُولًا جَهَالَةً مُتَفَاحِشَةً، فَلَا يَصِحُّ التَّأْجِيلُ إلَى مَهَبِّ الرِّيحِ وَمَجِيءِ الْمَطَرِ، وَيَصِحُّ إلَى الْحَصَادِ وَالدِّيَاسِ، وَإِنْ كَانَ الْبَيْعُ لَا يَجُوزُ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ إلَيْهِمَا، كَذَا فِي الْقُنْيَةِ. (تَنْبِيهٌ) .
14 -
قَالَ الدَّائِنُ لِلْمَدْيُونِ: اذْهَبْ وَاعْطِنِي كُلَّ شَهْرٍ كَذَا. فَلَيْسَ بِتَأْجِيلٍ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ بِالْإِعْطَاءِ
الْخَامِسَةُ: 15 - لَا يَصِحُّ تَمْلِيكُهُ مِنْ غَيْرِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ إلَّا إذَا سَلَّطَهُ عَلَى قَبْضِهِ فَيَكُونُ وَكِيلًا قَابِضًا لِلْمُوَكِّلِ ثُمَّ لِنَفْسِهِ، وَمُقْتَضَاهُ صِحَّةُ عَزْلِهِ عَنْ التَّسْلِيطِ قَبْلَ الْقَبْضِ
16 -
وَفِي وَكَالَةِ الْوَاقِعَاتِ الْحُسَامِيَّةِ. لَوْ قَالَ: وَهَبْت مِنْك الدَّرَاهِمَ الَّتِي لِي عَلَى فُلَانٍ فَاقْبِضْهَا مِنْهُ، فَقَبَضَ مَكَانَهَا دَنَانِيرَ جَازَ؛ لِأَنَّهُ صَارَ الْحَقُّ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ فَيَمْلِكُ الِاسْتِبْدَالَ (انْتَهَى) . وَهُوَ
ــ
[غمز عيون البصائر]
قَوْلُهُ: قَالَ الدَّائِنُ لِلْمَدْيُونِ اذْهَبْ وَاعْطِنِي إلَخْ. كَذَا فِي الْقُنْيَةِ ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ بَعْدَ أَنْ رَمَزَ لِلْمُنْتَقَى وَالْمُحِيطِ: إنَّ فِيهِمَا مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ بَاعَهُ بِمِائَةٍ إلَى سَنَةٍ عَلَى أَنْ يُؤَدِّيَ إلَيْهِ كُلَّ شَهْرٍ كَذَا صَحَّ الْبَيْعُ
(15)
قَوْلُهُ: لَا يَصِحُّ تَمْلِيكُهُ مِنْ غَيْرِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ. أَقُولُ: يُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا فِي الْقُنْيَةِ مِنْ بَابِ الْأَجَلِ فِي الْقَرْضِ: وَلَوْ قَالَ الْأَجْنَبِيُّ لِلدَّائِنِ هَبْ لِي دَيْنَهُ أَوْ حَلِّلْهُ لِي لَوْ قَالَ: اجْعَلْ ذَلِكَ لِي فَقَالَ: قَدْ فَعَلْت يَبْرَأُ اسْتِحْسَانًا وَلَوْ وَهَبَهُ لَهُ ابْتِدَاءً لَا يَبْرَأُ
(16)
قَوْلُهُ: وَفِي وَكَالَةِ الْوَاقِعَاتِ الْحُسَامِيَّةِ إلَخْ. قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ يُفْهَمُ مِنْ
مُقْتَضٍ لِعَدَمِ صِحَّةِ الرُّجُوعِ عَنْ التَّسَلُّطِ. وَفِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي مِنْ الزَّكَاةِ: لَوْ تَصَدَّقَ بِالدَّيْنِ الَّذِي عَلَى فُلَانٍ عَلَى زَيْدٍ بِنِيَّةِ الزَّكَاةِ وَأَمَرَهُ بِقَبْضِهِ فَقَبَضَهُ أَجْزَأَهُ ذَلِكَ. وَمِنْ هِبَةِ الْبَزَّازِيَّةِ: وَهَبَ لَهُ دَيْنًا عَلَى رَجُلٍ وَأَمَرَهُ بِقَبْضِهِ جَازَ اسْتِحْسَانًا، وَإِنْ لَمْ يَأْمُرْهُ لَا. وَبَيْعُ الدَّيْنِ لَا يَجُوزُ، وَلَوْ بَاعَهُ مِنْ الْمَدْيُونِ أَوْ وَهَبَهُ جَازَ
وَالْبِنْتُ لَوْ وُهِبَتْ مَهْرَهَا مِنْ أَبُوهَا أَوْ ابْنِهَا الصَّغِيرِ مِنْ هَذَا الزَّوْجِ.
17 -
إنْ أُمِرَتْ بِالْقَبْضِ صَحَّتْ وَإِلَّا لَا؛ لِأَنَّهُ هِبَةُ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ (انْتَهَى) .
وَفِي مُدَايَنَاتِ الْقُنْيَةِ: قَضَى دَيْنَ غَيْرِهِ لِيَكُونَ لَهُ مَا عَلَى الْمَطْلُوبِ فَرَضِيَ جَازَ ثُمَّ رَقَّمَ لِآخَرَ بِخِلَافِهِ: وَلَوْ أَعْطَى الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ لِلْآمِرِ الثَّمَنَ مِنْ مَالِهِ قَضَاءً عَلَى الْمُشْتَرِي عَلَى أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ لَهُ كَانَ الْقَضَاءُ عَلَى هَذَا فَاسِدًا وَيَرْجِعُ الْبَائِعُ عَلَى الْآمِرِ بِمَا أَعْطَاهُ وَكَانَ الثَّمَنُ عَلَى الْمُشْتَرِي عَلَى حَالِهِ (انْتَهَى) . ثُمَّ قَالَ فِيهَا: لَوْ قَالَتْ الْمَهْرُ الَّذِي لِي عَلَى زَوْجِي لِوَالِدَيَّ لَا يَجُوزُ إقْرَارُهَا بِهِ (انْتَهَى) . وَخَرَجَ عَنْ تَمْلِيكِ الدَّيْنِ لِغَيْرِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ الْحَوَالَةُ؛ فَإِنَّهَا كَذَلِكَ مَعَ
ــ
[غمز عيون البصائر]
فُرُوعِ الْوَاقِعَاتِ الْحُسَامِيَّةِ أَنَّ لِصَاحِبِ الدَّرَاهِمِ الدَّيْنِ اسْتِبْدَالَ الدَّنَانِيرِ بِهَا وَعَكْسَهُ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَكَثِيرُ الْوُقُوعِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ بَيْعِ الدَّيْنِ مِنْ الْمَدْيُونِ
(17)
قَوْلُهُ: إنْ أَمَرَتْ بِالْقَبْضِ صَحَّتْ إلَخْ. أَيْ: إنْ أَمَرَتْ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَفِيهِ إنَّ هِبَتَهَا الصَّغِيرَ دَيْنًا عَلَى أَبِيهِ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى الْآمِرِ بِالْقَبْضِ لِمَا فِي الْقُنْيَةِ: لَوْ وَهَبَتْ مَالَهَا عَلَى زَوْجِهَا مِنْ ابْنِهِ الصَّغِيرِ صَحَّ؛ لِأَنَّ هِبَةَ الدَّيْنِ مِنْ غَيْرِ مَنْ عَلَيْهِ تَجُوزُ إذَا سَلَّطَتْهُ عَلَى قَبْضِهِ، وَلِلْأَبِ وِلَايَةُ الْقَبْضِ لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ فَكَانَ قَبْضُهُ كَقَبْضِ الصَّغِيرِ فَكَأَنَّهَا سَلَّطَتْهُ عَلَى قَبْضِهِ