الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْفَنُّ الرَّابِعُ مِنْ الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ وَهُوَ فَنُّ الْأَلْغَازِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ أَوَّلًا وَآخِرًا، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ كَمُلَتْ مَحَاسِنُهُ بَاطِنًا وَظَاهِرًا (وَبَعْدُ) فَهَذَا هُوَ الْفَنُّ الرَّابِعُ مِنْ الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ؛ وَهُوَ فَنُّ الْأَلْغَازِ،
1 -
جَمْعُ لُغْزٍ قَالَ فِي الصِّحَاحِ: أَلْغَزَ فِي كَلَامِهِ إذَا عَمَّى مُرَادَهُ، وَالِاسْمُ اللُّغْزُ وَالْجَمْعُ الْأَلْغَازُ مِثْلُ رُطَبٍ وَأَرْطَابٍ، وَأَصْلٌ اللُّغْزِ جُحْرُ الْيَرْبُوعِ بَيْنَ
ــ
[غمز عيون البصائر]
[الْفَنُّ الرَّابِعُ مِنْ الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ وَهُوَ فَنُّ الْأَلْغَازِ]
قَوْلُهُ: جَمْعُ لُغْزٍ. بِضَمِّ اللَّامِ وَفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ كَمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ عِبَارَةُ الصِّحَاحِ الَّتِي نَقَلَهَا وَقِيلَ جَمْعُ لَغْزٍ بِفَتْحِ اللَّامِ وَهُوَ مَيْلُكَ بِالشَّيْءِ عَنْ وَجْهِهِ وَقِيلَ الطَّرِيقُ الْمُنْحَرِفَةُ سُمِّيَ بِهِ لِانْحِرَافِهِ عَنْ نَمَطِ ظَاهِرِ الْكَلَامِ وَيُسَمَّى اللُّغْزُ أُحْجِيَّةً أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْحِجَا هُوَ الْعَقْلُ وَهَذَا النَّوْعُ يُقَوِّي الْعَقْلَ عِنْدَ التَّمَرُّنِ وَالْفُقَهَاءُ يُسَمُّونَ هَذَا النَّوْعِ أَلْغَازً أَوْ أَهْلُ الْفَرَائِضِ يُسَمُّونَهُ مُعَامَاةً وَالنُّحَاةُ مُعَمَّى وَاللُّغَوِيُّونَ الْأَحَاجِي كَذَا بِخَطِّ الشَّمْسِ الْغَزِّيِّ وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ هَذَا النَّوْعَ يُسَمَّى أَيْضًا بِالْمُغَالَطَاتِ الْمَعْنَوِيَّةِ وَهِيَ تُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهَا شَيْئَانِ أَحَدُهُمَا دَلَالَةُ اللَّفْظِ عَلَى مَعْنَيَيْنِ بِالِاشْتِرَاكِ الْوَضْعِيِّ وَالْآخَرُ دَلَالَةُ اللَّفْظِ عَلَى مَعْنًى وَنَقِيضِهِ. وَاللُّغْزَةُ وَالْأُحْجِيَّةُ شَيْءٌ وَاحِدٌ وَهُوَ مَعْنًى يُسْتَخْرَجُ بِالْحَدَثِ وَالْحَزْرِ لَا بِدَلَالَةِ اللَّفْظِ عَلَيْهِ حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا وَلَا يُفْهَمُ مِنْ عَرْضِهِ لِأَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ فِي الْفَرَسِ:
وَصَاحِبٌ لَا أَمَلُّ الدَّهْرَ صُحْبَتَهُ
…
يَشْقَى لِنَفْعِي وَيَسْعَى سَعْيَ مُجْتَهِدٍ
2 -
الْقَاصِعَاءِ وَالنَّافِقَاءِ يَحْفِرُ مُسْتَقِيمًا إلَى أَسْفَلَ ثُمَّ يَعْدِلُ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ عُرُوضًا يَعْتَرِضُهَا فَيُخْفِي مَكَانَهُ بِتِلْكَ الْأَلْغَازِ (انْتَهَى) وَقَدْ طَالَعْت قَدِيمًا حِيرَةَ الْفُقَهَاءِ وَالْعُمْدَةِ فَرَأَيْتهمَا اشْتَمَلَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ رَأَيْت قَرِيبًا الذَّخَائِرَ الْأَشْرَفِيَّةَ فِي الْأَلْغَازِ لِلسَّادَةِ الْحَنَفِيَّةِ لِشَيْخِ الْإِسْلَامِ عَبْدِ الْبَرِّ بْنِ الشِّحْنَةِ تَارِكًا لِمَا فُرِّعَ عَلَى قَوْلٍ ضَعِيفٍ أَوْ كَانَ ظَاهِرًا.
ــ
[غمز عيون البصائر]
مَا إنْ رَأَيْتُ لَهُ شَخْصًا فَمُذْ وَقَعَتْ
…
عَيْنِي عَلَيْهِ افْتَرَقْنَا فُرْقَةَ الْأَبَدِ
لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ الْفَرَسُ لَا مِنْ طَرِيقِ الْحَقِيقَةِ وَلَا مِنْ طَرِيقِ الْمَجَازِ وَلَا مِنْ طَرِيقِ الْمَفْهُومِ وَإِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ يُحْدَثُ وَيُحَزَّرُ وَالْخَوَاطِرُ تَخْتَلِفُ فِي الْإِسْرَاعِ وَالْإِبْطَاءِ عِنْدَ عُثُورِهَا عَلَيْهِ.
(2)
قَوْلُهُ: الْقَاصِعَاءُ وَالنَّافِقَاءُ. أَقُولُ النَّافِقَاءُ إحْدَى حُجْرَتَيْهِ الَّتِي يَكْتُمُهَا وَيُظْهِرُ غَيْرَهَا فَإِذَا أَتَى مِنْ قِبَلِ الْقَاصِعَاءِ وَهَى الْحَجَرُ الَّذِي يَدْخُلُهُ فَضَرَبَ النَّافِقَاءَ بِرَأْسِهِ فَانْتَفَقَ أَيْ خَرَجَ. هَذَا وَقَدْ خَرَّجَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَبُو عَوَانَةَ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صِحَاحِهِمْ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ: «كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ عليه السلام فَأُوتِيَ بِجِمَارٍ فَقَالَ: أَلَا إنَّ مِنْ الشَّجَرَةِ شَجَرَةٌ لَا يَسْقُطُ وَرَقُهَا وَإِنَّهَا مِثْلُ الْمُسْلِمِ أَخْبِرُونِي مَا هِيَ؟ فَوَقَعَ النَّاسُ فِي شَجَرِ الْبَوَادِي وَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ» وَلَفْظِ أَبِي عَوَانَةَ «فَظَنَنْتُ أَنَّهَا النَّخْلَةُ مِنْ أَجْلِ الْجِمَارِ الَّذِي أُوتِيَ بِهِ فَأَرَدْت أَنْ أَقُولَ هِيَ النَّخْلَةُ فَإِذَا أَنَا أَصْغَرُ الْقَوْمِ وَرَأَيْت أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ لَمْ يَتَكَلَّمَا فَكَرِهْتُ أَنْ أَتَكَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هِيَ النَّخْلَةُ» (انْتَهَى) . أَقُولُ - وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ -: هَذَا يَصْلُحُ حُجَّةً وَدَلِيلًا لِمَنْ صَنَّفُوا فِي الْأَلْغَازِ وَالْأَحَاجِي وَالْمُعَمَّيَاتِ وَذَكَرَ الشَّيْخُ بَدْرُ الدِّينِ الزَّرْكَشِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى عَمَلٌ مِنْ طِبٍّ لِمَنْ أَحَبَّ أَنَّ النَّخْلَةَ لَا تُسَمَّى شَجَرًا وَأَنَّ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهَا " إنَّ مِنْ الشَّجَرِ شَجَرَةٌ " عَلَى سَبِيل الِاسْتِعَارَةِ لِإِرَادَةِ الْإِلْغَازِ (انْتَهَى) . أَقُولُ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقْصِدُ الْإِلْغَازَ فِي كَلَامِهِ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ فَاحْفَظْهُ فَإِنَّهُ نَفِيسٌ جِدًّا.