الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السَّادِسَ عَشَرَ: فِي الْمُدَايَنَاتِ
1 -
الْحِيلَةُ فِي إبْرَاءِ الْمَدْيُونِ إبْرَاءً بَاطِلًا أَوْ تَأْجِيلِهِ كَذَلِكَ أَوْ صُلْحِهِ كَذَلِكَ؛ أَنْ يُقِرَّ الدَّائِنُ بِالدَّيْنِ لِرَجُلٍ يَثِقُ بِهِ وَيَشْهَدُ أَنَّ اسْمَهُ كَانَ عَارِيَّةً وَيُوَكِّلُهُ بِقَبْضِهِ ثُمَّ يَذْهَبَا إلَى الْقَاضِي، وَيَقُولُ الْمُقِرُّ لَهُ: إنَّهُ كَانَ لِي بِاسْمِ هَذَا الرَّجُلِ عَلَى فُلَانٍ كَذَا وَكَذَا. فَيُقِرُّ لَهُ بِذَلِكَ فَيَقُولُ الْمُقَرُّ لَهُ لِلْقَاضِي: امْنَعْ هَذَا الْمُقِرَّ مِنْ قَبْضِ الْمَالِ وَأَنْ يُحْدِثَ فِيهِ حَدَثًا أَوْ اُحْجُرْ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ. فَيَحْجُرُ الْقَاضِي عَلَيْهِ وَيَمْنَعُهُ مِنْ قَبْضِهِ. فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ ثُمَّ أَبْرَأَ أَوْ أَجَّلَ أَوْ صَالَحَ كَانَ بَاطِلًا. وَإِنَّمَا اُحْتِيجَ إلَى حَجْرِ الْقَاضِي لِأَنَّ الْمُقِرَّ هُوَ الَّذِي يَمْلِكُ الْقَبْضَ فَلَا تُفِيدُ الْحِيلَةُ فَتَنَبَّهْ فَإِنَّهُ يَغْفُلُ عَنْهُ، ثُمَّ قَالَ الْخَصَّافُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بَعْدَهُ: وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: يَجُوزُ قَبْضُ الَّذِي كَانَ بِاسْمِهِ الْمَالُ بَعْدَ إقْرَارِهِ وَتَأْجِيلِهِ وَإِبْرَائِهِ وَهِبَتِهِ
ــ
[غمز عيون البصائر]
[السَّادِسَ عَشَرَ فِي الْمُدَايَنَاتِ]
قَوْلُهُ: الْحِيلَةُ فِي إبْرَاءِ الْمَدْيُونِ إلَخْ. أَيْ فِي إبْرَاءِ الدَّائِنِ الْمَدْيُونَ فَالْمَصْدَرُ مُضَافٌ إلَى الْمَفْعُولِ وَالْفَاعِلُ مَحْذُوفٌ، يَعْنِي رَجُلًا لَهُ عَلَى رَجُلٍ مَالٌ بِغَيْرِ شُهُودٍ فَأَبَى الَّذِي عَلَيْهِ الْمَالُ أَنْ يُقِرَّ بِهِ إلَّا أَنْ يُؤَجِّلَهُ أَوْ يُصَالِحَهُ مِنْهُ عَلَى الشَّطْرِ أَوْ يُبْرِئَهُ عَنْ الشَّطْرِ مِنْهُ وَيُرِيدُ صَاحِبُ الْمَالِ حِيلَةً حَتَّى يُقِرَّ لَهُ بِمَالِهِ، وَلَا يَجُوزُ تَعْجِيلُهُ وَصُلْحُهُ فَاعْلَمْ بِأَنَّ الْمَدْيُونَ إذَا قَالَ لِرَبِّ الدَّيْنِ لَا أُقِرُّ لَكَ بِالْمَالِ حَتَّى تُؤَجِّلَنِي أَوْ لَا أُقِرُّ لَكَ حَتَّى تُصَالِحَنِي أَوْ حَتَّى تَحُطَّ عَنِّي بَعْضَ مَا تَدَّعِي عَلَيَّ فَهَلْ ذَلِكَ يَكُونُ إقْرَارًا بِالْمَالِ فَعِنْدَ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ يَكُونُ إقْرَارًا فَلَا يَحْتَاجُ إلَى هَذِهِ الْحِيلَةِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَكُونُ إقْرَارًا وَحِينَئِذٍ فَالْحِيلَةُ مَا ذُكِرَ وَفِي هَذِهِ الْحِيلَةِ نَوْعُ نَظَرٍ؛ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْجُرَ الْقَاضِي عَلَى الْمُقِرِّ لِأَنَّ فِي
2 -
لِأَنَّهُ لَا يَرَى الْحَجْرَ جَائِزًا
3 -
الْحِيلَةُ فِي تَحَوُّلِ الدَّيْنِ لِغَيْرِ الطَّالِبِ، إمَّا الْإِقْرَارَ
4 -
كَمَا سَبَقَ وَإِمَّا الْحَوَالَةَ،
5 -
أَوْ أَنْ يَبِيعَ رَجُلٌ مِنْ الطَّالِبِ شَيْئًا بِمَا لَهُ عَلَى فُلَانٍ،
ــ
[غمز عيون البصائر]
حَجْرِهِ عَلَيْهِ إبْطَالَ حَقِّ الْمَطْلُوبِ لِأَنَّ الْمَطْلُوبَ يَسْتَحِقُّ الْبَرَاءَةَ عَمَّا فِي ذِمَّتِهِ بِإِيفَاءِ الْحَقِّ إلَى الْمُقِرِّ وَبِإِبْرَائِهِ فَفِي جَوَازِ هَذَا الْحَجْرِ إبْطَالُ حَقِّ الْمَطْلُوبِ عَلَيْهِ وَالْقَاضِي لَا يَحْجُرُ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْضِعِ وَكَانَ الْخَصَّافُ أَخَذَ هَذَا مِمَّا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - آخِرَ كِتَابِ الْحَجْرِ أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا أَذِنَ رَجُلًا بِالتَّصَرُّفِ فَلَمَّا تَصَرَّفَ وَبَايَعَ النَّاسَ فَسَدَ الرَّجُلُ فَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يُحْجَرُ وَإِنْ لَمْ يَحْجُرْ عَلَيْهِ الْقَاضِي وَعِنْدَ الْإِمَامِ لَا يُتَحَجَّرُ إلَّا بِحَجْرِ الْقَاضِي وَإِذَا حَجَرَ عَلَيْهِ الْقَاضِي صَحَّ حَجْرُهُ وَانْحَجَرَ ذَلِكَ الرَّجُلُ. وَهُنَاكَ أَيْضًا الْمَدْيُونُ يَسْتَحِقُّ الْبَرَاءَةَ بِالْإِيفَاءِ إلَى الْمَحْجُورِ أَوْ بِإِبْرَائِهِ فَفِي هَذَا الْحَجْرِ إبْطَالُ حَقِّهِ عَلَيْهِ وَمَعَ هَذَا جُوِّزَ ذَلِكَ فَهَهُنَا أَيْضًا كَذَلِكَ كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة.
(2)
قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَا يَرَى الْحَجْرَ جَائِزًا. يَعْنِي وَإِذَا لَمْ يَجُزْ الْحَجْرُ عِنْدَهُ صَارَ الْحَالُ بَعْدَ الْحَجْرِ كَالْحَالِ قَبْلَهُ، وَقَبْلَ الْحَجْرِ كَانَ يَجُوزُ تَصَرُّفَاتُ الْمُقِرِّ فِي الدَّيْنِ الْمُقِرِّ بِهِ
(3)
قَوْلُهُ: الْحِيلَةُ فِي تَحَوُّلِ الدَّيْنِ لِغَيْرِ الطَّالِبِ إلَخْ. أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ بِالْحَوَالَةِ أَوْ غَيْرِهَا يَعْنِي رَجُلًا لَهُ عَلَى رَجُلٍ مَالٌ فَأَرَادَ عَلَيْهِ الْمَالَ أَنْ يَتَحَوَّلَ الْمَالُ الَّذِي لِرَجُلٍ آخَرَ.
(4)
قَوْلُهُ: كَمَا سَبَقَ. أَيْ فِي الْحِيلَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ.
(5)
قَوْلُهُ: أَوْ أَنْ يَبِيعَ رَجُلٌ إلَخْ. عَطْفٌ عَلَى سَابِقِهِ بَعْدَ التَّأْوِيلِ بِالْمَصْدَرِ وَالتَّقْدِيرُ إمَّا بِالْإِقْرَارِ أَوْ بِبَيْعِ رَجُلٍ يَعْنِي يَقُولُ الَّذِي عَلَيْهِ الْمَالُ لِلرَّجُلِ الَّذِي يُرِيدُ أَنْ يُحَوِّلَ الْمَالَ لَهُ: بِعْ عَبْدَكَ هَذَا مِنْ فُلَانٍ الطَّالِبِ لِأَلْفٍ الَّتِي لَهُ عَلَيَّ، فَإِذَا بَاعَ الْمَأْمُورُ عَبْدَهُ مِنْ صَاحِبِ الْمَالِ الَّذِي لَهُ عَلَى فُلَانٍ وَقَبِلَ صَاحِبُ الدَّيْنِ الْبَيْعَ مِنْ صَاحِبِ الْعَبْدِ يَتَحَوَّلُ الدَّيْنُ وَيَصِيرُ الدَّيْنُ لِصَاحِبِ الْعَبْدِ عَلَى الْمَطْلُوبِ وَهَذَا لِأَنَّ الْبَيْعَ لَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ الدَّيْنِ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ لَا يَتَعَيَّنَانِ فِي الْعَقْدِ عَيْنًا كَانَ أَوْ دَيْنًا وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِمِثْلِهَا دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ قَالَ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ بِعْ عَبْدَكَ مِنْ فُلَانٍ بِمِثْلِ الدَّيْنِ الَّذِي لَهُ عَلَيَّ ثُمَّ اجْعَلْ ثَمَنَهُ قِصَاصًا بِمَالِهِ عَلَيَّ مِنْ الدَّيْنِ وَذَلِكَ جَائِزٌ وَعِنْدَ ذَلِكَ يَتَحَوَّلُ الْمَالُ إلَى صَاحِبِ
6 -
أَوْ يُصَالِحَ عَمَّا عَلَى الْمَطْلُوبِ بِعَبْدِهِ فَيَكُونَ الدَّيْنُ لِصَاحِبِ الْعَبْدِ
7 -
إذَا أَرَادَ الْمَدْيُونُ التَّأْجِيلَ وَخَافَ أَنَّ الدَّائِنَ إنْ أَجَّلَهُ يَكُونُ وَكِيلًا فِي الْبَيْعِ فَلَمْ يَصِحَّ تَأْجِيلُهُ بَعْدَ الْعَقْدِ.
8 -
فَالْحِيلَةُ أَنْ يُقِرَّ أَنَّ الْمَالَ حِينَ وَجَبَ كَانَ مُؤَجَّلًا إلَى وَقْتِ كَذَا
إذَا أَرَادَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ فِي دَيْنٍ أَنْ يُؤَجِّلَ نَصِيبَهُ وَأَبَى الْآخَرُ لَمْ يَجُزْ إلَّا بِرِضَاهُ، فَالْحِيلَةُ أَنْ يُقِرَّ أَنَّ حِصَّتَهُ مِنْ الدَّيْنِ حَيْثُ وَجَبَ كَانَ مُؤَجَّلًا إلَى كَذَا
ــ
[غمز عيون البصائر]
الْعَبْدِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ ذَكَرَهَا فِي الْجَامِعِ وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ يَظْهَرُ مَا فِي عِبَارَةِ الْمُصَنَّفِ مِنْ الْإِيجَازِ الْبَالِغِ حَدُّ الْأَلْغَازِ.
(6)
قَوْلُهُ: أَوْ يُصَالِحَ عَمَّا عَلَى الْمَطْلُوبِ بِعَبْدِهِ فَيَكُونَ الدَّيْنُ لِصَاحِبِ الْعَبْدِ. يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ الدَّيْنَ فِيهِمَا لَهُ لَكِنْ فِي التَّتَارْخَانِيَّة قَالَ غَيْرَ أَنَّهُ فِي الصُّلْحِ يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الصُّلْحَ وَقَعَ بِالْعَبْدِ لَا بِبَدَلِهِ لِأَنَّ الصُّلْحَ إذَا أُضِيفَ إلَى عَيْنٍ يَتَعَلَّقُ بِعَيْنِهِ لَا بِمِثْلِهِ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ وَكَذَا لَوْ صَالَحَهُ عَلَى الدَّيْنِ فَتَصَادَقَا أَنْ لَا دَيْنَ يَبْطُلُ وَإِذَا وَقَعَ بِالْعَبْدِ وَقَعَ الْقَضَاءُ بِعَيْنِهِ فَصَارَ الْمَدْيُونُ مُسْتَقْرِضًا عَبْدَهُ وَاسْتِقْرَاضُ الْعَبْدِ يُوجِبُ الْقِيمَةَ وَفِي الْبَيْعِ لَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ الدَّيْنِ بَلْ بِمِثْلِهِ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ وَلِذَا لَوْ اشْتَرَى بِدَيْنٍ وَتَصَادَقَا أَنْ لَا دَيْنَ لَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ
(7)
قَوْلُهُ: فَلَمْ يَصِحَّ تَأْجِيلُهُ بَعْدَ الْعَقْدِ. وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا أَنَّ الْوَكِيلَ بِالْبَيْعِ هَلْ يَمْلِكُ التَّأْجِيلَ وَالتَّنْجِيزَ بَعْدَ تَمَامِ الْبَيْعِ؟ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ يَمْلِكُ الْبَيْعَ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ وَمُنَجَّزٍ قَبْلَ تَمَامِ الْبَيْعِ وَاخْتَلَفُوا بَعْدَهُ، فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَمْ يَجُزْ التَّأْجِيلُ وَالتَّنْجِيزُ بَعْدُ فَيَحْتَاجُ لِهَذِهِ الْحِيلَةِ عَلَى قَوْلِهِ أَمَّا عِنْدَ الْإِمَامِ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - يَجُوزُ فَلَا يُحْتَاجُ إلَى هَذِهِ الْحِيلَةِ.
(8)
قَوْلُهُ: فَالْحِيلَةُ أَنْ يُقِرَّ أَنَّ الْمَالَ حِينَ وَجَبَ كَانَ مُؤَجَّلًا. يَعْنِي وَأَنْكَرَ الْآخَرُ ثَبَتَ التَّأْجِيلُ فِي نَصِيبِ الْمُقِرِّ فَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِسَبَبِ شَيْءٍ فَإِنَّمَا يَثْبُتُ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي أَقَرَّ وَمَنْ أَرَادَ بِإِقْرَارِهِ تَغْيِيرَ سَبَبٍ قَدْ صَحَّ لَا يَعْمَلُ إقْرَارًا. قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ
وَإِذَا أَرَادَ الْمَدْيُونُ التَّأْجِيلَ وَخَافَ أَنْ يَكُونَ الطَّالِبُ أَقَرَّ بِالدَّيْنِ لِغَيْرِهِ وَأَخْرَجَ نَفْسَهُ مِنْ قَبْضِهِ؛ فَالْحِيلَةُ أَنْ يَضْمَنَ الطَّالِبُ لِلْمَطْلُوبِ مَا يُدْرِكُهُ مِنْ دَرْكِ مَا قَبْلَهُ مِنْ إقْرَارِ تَلْجِئَةٍ وَهِبَةٍ وَتَوْكِيلٍ وَتَمْلِيكٍ وَحَدَثٍ أَحْدَثَهُ يَبْطُلُ بِهِ التَّأْجِيلُ الَّذِي اسْتَحَقَّهُ، فَهُوَ ضَامِنٌ حَتَّى يُخَلِّصَهُ مِنْ ذَلِكَ أَوْ يَرُدَّ عَلَيْهِ مَا يَلْزَمُهُ، فَإِذَا احْتَالَ بِهَذَا ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ أَقَرَّ بِالْمَالِ قَبْلَ التَّأْجِيلِ وَأَخْذِ الْمَالِ مِنْهُ كَانَ لَهُ حَقُّ الرُّجُوعِ عَلَى الطَّالِبِ فَيَكُونُ عَلَيْهِ إلَى أَجَلِهِ، وَحِيلَةٌ أُخْرَى أَنْ يُقِرَّ الطَّالِبُ بِقَبْضِ الدَّيْنِ بِتَارِيخٍ مُعَيَّنٍ ثُمَّ يُقِرَّ الْمَطْلُوبَ بَعْدَهُ بِيَوْمٍ يُمَثِّلُ الدَّيْنُ لِلطَّالِبِ مُؤَجَّلًا. فَإِذَا خَافَ كُلٌّ مِنْ صَاحِبِهِ
10 -
أَحْضَرَ الشُّهُودَ وَقَالَ: لَا تَشْهَدُوا عَلَيْنَا إلَّا بَعْدَ قِرَاءَةِ الْكِتَابَيْنِ،
ــ
[غمز عيون البصائر]
الْحَلْوَانِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: هَذَا إذَا كَانَ الْأَجَلُ مُتَعَارَفًا أَمَّا إذَا كَانَ أَجَلًا يُخَالِفُ عُرْفَ النَّاسِ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ بِذَلِكَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى
(9)
قَوْلُهُ: وَإِذَا أَرَادَ الْمَدْيُونُ التَّأْجِيلَ إلَخْ. فِي الْمُحِيطِ نَقْلًا عَنْ الْخَصَّافِ: رَجُلٌ لَهُ عَلَى رَجُلٍ مَالٌ فَسَأَلَ الْمَطْلُوبُ الطَّالِبَ أَنْ يُؤَجِّلَهُ بِهَذَا الْمَالِ إلَى وَقْتٍ مَعْلُومٍ أَوْ يُنَجِّمَهُ عَلَيْهِ وَأَجَابَهُ الطَّالِبُ إلَى ذَلِكَ فَخَافَ أَنْ يَحْتَالَ الطَّالِبُ عَلَيْهِ بِأَنْ يُقِرَّ بِالْمَالِ لِإِنْسَانٍ وَيُؤَجِّلَهُ أَوْ يُنَجِّمَهُ عَلَيْهِ فَإِنَّ التَّأْجِيلَ وَالتَّنْجِيمَ لَا يَجُوزُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فَالْحِيلَةُ فِي جَوَازِهِ عَلَى قَوْلِهِ أَنْ يَقُولَ الطَّالِبُ إنَّ هَذَا الْمَالَ وَجَبَ عَلَى الْمَطْلُوبِ مُؤَجَّلًا إلَى وَقْتِ كَذَا أَوْ مُنَجَّمًا كَذَا، وَقَدْ ضَمِنَ لَهُ بِمَا يَلْحَقُهُ مِنْ دَرَكٍ مِنْ إقْرَارٍ أَوْ تَلْجِئَةٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ تَمْلِيكٍ أَوْ تَوْكِيلٍ فَيَبْطُلُ بِهِ هَذَا التَّأْجِيلُ وَالتَّنْجِيمُ فَهُوَ ضَامِنٌ لِذَلِكَ وَعَلَيْهِ خَلَاصُهُ حَتَّى لَوْ أَقَرَّ الطَّالِبُ لِإِنْسَانٍ وَجَاءَ الْمُقَرُّ لَهُ يَطْلُبُ الْمَطْلُوبَ بَعْدَ هَذَا التَّأْجِيلِ وَالتَّنْجِيمِ فَلِلْمَطْلُوبِ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الطَّالِبِ فَيَأْخُذَ بِمَا ضَمِنَ وَيَرْجِعَ عَلَيْهِ بِالْمَالِ فَصَارَ عَلَيْهِ إلَى وَقْتِ أَجَلِهِ وَإِلَى النُّجُومِ (انْتَهَى) . وَمِنْهُ يَتَّضِحُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ.
(10)
قَوْلُهُ: أَحْضَرَ الشُّهُودَ وَقَالَ لَا تَشْهَدُوا إلَخْ. يَعْنِي عَلَى الْمُقِرِّ مِنَّا وَحْدَهُ فَإِذَا
فَإِذَا أَقَرَّ أَحَدُنَا وَامْتَنَعَ الْآخَرُ لَا تَشْهَدُوا عَلَى الْمُقِرِّ
11 -
وَنُظِرَ فِيهِ فَإِنَّ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَشْهَدَ، وَإِنْ قَالَ لَهُ الْمُقِرُّ لَا تَشْهَدْ. وَجَوَابُهُ أَنَّ مَحِلَّهُ فِيمَا إذَا لَمْ يَقُلْ لَهُ الْمُقَرُّ لَهُ لَا تَشْهَدْ عَلَى الْمُقِرِّ،
12 -
أَمَّا إذَا قَالَ لَهُ لَا تَسَعُهُ الشَّهَادَةُ
13 -
الْحِيلَةُ فِي تَأْجِيلِ الدَّيْنِ بَعْدَ مَوْتِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ،
ــ
[غمز عيون البصائر]
قَرَأْنَاهَا وَقُلْنَا لَكُمْ اشْهَدُوا عَلَيْنَا بِمَا فِي هَذَيْنِ الْكِتَابَيْنِ فَاشْهَدُوا بِذَلِكَ وَإِنْ أَقَرَّ أَحَدُنَا وَامْتَنَعَ الْآخَرُ فَلَا تَشْهَدُوا عَلَى الْمُقِرِّ مِنَّا وَحْدَهُ فَتَكُونُ هَذِهِ حِيلَةٌ لَهُمَا جَمِيعًا.
(11)
قَوْلُهُ: وَنُظِرَ فِيهِ فَإِنَّ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَشْهَدَ وَإِنْ قَالَ لَهُ الْمُقِرُّ لَا تَشْهَدْ إلَخْ. يَعْنِي لِعَدَمِ صِحَّةِ النَّهْيِ لِأَنَّ الْأَمْرَ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِتَحَمُّلِ الشَّهَادَةِ فَيَصِحُّ مِنْ غَيْرِ أَمْرِهِ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِ.
(12)
قَوْلُهُ: أَمَّا إذَا قَالَ لَهُ لَا تَسَعُهُ الشَّهَادَةُ. لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُ أَنَّ الْمُدَّعِيَ مُحِقٌّ أَوْ مُبْطِلٌ وَالْمُدَّعِي يَعْرِفُ حَقِيقَةَ الْحَالِ فَإِذَا امْتَنَعَ الشَّاهِدُ عَنْ الشَّهَادَةِ يُحْمَلُ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ مُبْطِلٌ فَلَا يَسَعُ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَشْهَدَ لَكِنَّ الْقَاضِيَ الْإِمَامَ أَبَا عَلِيٍّ النَّسَفِيَّ كَانَ يَقُولُ إنَّ الْمَشَايِخَ مُتَرَدِّدُونَ فِيمَا إذَا قَالَ الْمُدَّعِي لِلشَّاهِدِ لَا تَشْهَدْ بِمَا يَجْرِي بَيْنَنَا ثُمَّ جَاءَ الشَّاهِدُ وَقَالَ إنَّمَا نَهَيْتُك بِعُذْرٍ فَاحْضُرْ مَجْلِسَ الْقَاضِي وَاشْهَدْ لِي بِذَلِكَ؛ بَعْضُهُمْ قَالُوا يَسَعُهُ أَنْ يَشْهَدَ وَبَعْضُهُمْ قَالُوا لَا يَسَعُهُ أَنْ يَشْهَدَهُ فَالِاخْتِلَافُ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ فِيمَا قَالَهُ الْخَصَّافُ نَوْعًا وَنَظَرًا وَالْخَصَّافُ نَفْسُهُ شَوَّشَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ أَنَّهُ إذَا قَالَ الْمُقِرُّ لِلشَّاهِدِ لَا تَشْهَدْ عَلَيَّ لَا يَصِحُّ هَذَا النَّهْيُ وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ هَذَا النَّهْيُ لَا تَكُونُ هَذِهِ حِيلَةً وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ عَرَفْت أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَجَوَابَهُ غَيْرُ سَدِيدٍ
(13)
قَوْلُهُ: الْحِيلَةُ فِي تَأْجِيلِ الدَّيْنِ بَعْدَ مَوْتِ مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ. يَعْنِي تَأْجِيلَ الْوَارِثِ بِالدَّيْنِ الَّذِي حَلَّ بِمَوْتِ مُوَرِّثِهِ. قَالَ الْخَصَّافُ الْأَجَلُ لَا يَثْبُتُ فِي حَقِّ الْوَارِثِ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَيْسَ عَلَيْهِ فَلَا يَثْبُتُ الْأَجَلُ فِي حَقِّهِ فَبَعْدَ هَذَا لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَثْبُتَ الْأَجَلُ لِلْمَيِّتِ أَوْ يَثْبُتَ فِي الْمَالِ وَلَا وَجْهَ لَأَنْ يَثْبُتَ لِلْمَيِّتِ لِأَنَّ الدَّيْنَ قَدْ سَقَطَ عَنْ ذِمَّتِهِ بِالْمَوْتِ فَكَيْفَ يَعُودُ الْأَجَلُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْأَجَلَ الثَّابِتَ لِهَذَا الشَّخْصِ يَسْقُطُ بِمَوْتِهِ فَكَيْفَ يَثْبُتُ الْأَجَلُ لَهُ ابْتِدَاءً بَعْدَ مَوْتِهِ وَلَا جَائِزَ أَنْ يَثْبُتَ فِي الْمَالِ لِأَنَّهُ عَيْنٌ وَالْأَعْيَانُ لَا تَقْبَلُ
14 -
فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ اتِّفَاقًا عَلَى الْأَصَحِّ؛ أَنْ يُقِرَّ الْوَارِثُ بِأَنَّهُ ضَمِنَ مَا عَلَى الْمَيِّتِ فِي حَيَاتِهِ مُؤَجَّلًا إلَى كَذَا وَيُصَدِّقَهُ الطَّالِبُ أَنَّهُ كَانَ مُؤَجَّلًا عَلَيْهِمَا
15 -
وَيُقَرَّ الطَّالِبُ بِأَنَّ الْمَيِّتَ لَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا، وَإِلَّا فَقَدْ حَلَّ الدَّيْنُ بِمَوْتِهِ؛ فَيُؤْمَرَ الْوَارِثُ بِالْبَيْعِ لِقَضَاءِ الدَّيْنِ،
16 -
وَهَذَا عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مِنْ أَنَّ الدَّيْنَ إذَا حَلَّ بِمَوْتِ الْمَدْيُونِ لَا يَحِلُّ عَلَى كَفِيلِهِ
ــ
[غمز عيون البصائر]
التَّأْجِيلَ فَلِذَلِكَ قُلْنَا إنَّهُ لَا يَثْبُتُ الْأَجَلُ. قِيلَ مَا ذُكِرَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَثْبُتَ وَرَدُّوا هَذَا إلَى مَسْأَلَةٍ وَهُوَ أَنَّ غَرِيمَ الْمَيِّتِ لَوْ أَبْرَأَهُ عَنْ الدَّيْنِ فَرَدَّهُ الْوَارِثُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يُعْمَلُ رَدُّهُ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَيْسَ عَلَيْهِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُعْمَلُ رَدُّهُ لِأَنَّهُ الْمُطَالِبُ بِالدَّيْنِ فَلَمَّا عُمِلَ رَدُّهُ وَجُعِلَ كَانَ الدَّيْنُ عَلَيْهِ عَمَلَ الْأَجَلِ أَيْضًا وَيَثْبُتُ فِي حَقِّهِ هَكَذَا قَالُوا. وَلَكِنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ عَلَى الِاتِّفَاقِ ثُمَّ إذَا كَانَ لَا يَثْبُتُ الْأَجَلُ فِي حَقِّ الْوَارِثِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْحِيلَةِ فِي تَأْجِيلِهِ.
(14)
قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ اتِّفَاقًا عَلَى الْأَصَحِّ. أَقُولُ فِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ نَظَرٌ فَإِنَّ مُقْتَضَى دَعْوَى الِاتِّفَاقِ عَدَمُ وُجُودِ الْخِلَافِ وَمُقْتَضَى دَعْوَى الْأُضْحِيَّةِ وُجُودُهُ فَيَتَنَافَيَانِ.
(15)
قَوْلُهُ: وَيُقِرَّ الطَّالِبُ بِأَنَّ الْمَيِّتَ لَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا. أَقُولُ الصَّوَابُ أَنْ يَقُولَ وَيُقِرُّ الطَّالِبُ أَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَى هَذَا الْوَارِثِ شَيْءٌ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ حَتَّى يُلَائِمَ قَوْلَهُ فَيُؤْمَرَ الْوَارِثُ بِالْبَيْعِ لِقَضَاءِ الدَّيْنِ وَلَا يُقِرُّ أَنَّهُ مَاتَ مُفْلِسًا وَضَمِنَ الْوَارِثُ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَكِنْ يُقِرُّ أَنَّهُ كَانَ ضَمِنَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْإِمَامِ أَنَّ الْكَفَالَةَ بِالدَّيْنِ عَنْ مَيِّتٍ مُفْلِسٍ لَا يَصِحُّ فَيَنْبَغِي أَنْ يُحْتَرَزَ عَنْهُ عَلَى الَّذِي قُلْنَا.
(16)
قَوْلُهُ: وَهَذَا عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ إلَخْ. أَمَّا عَلَى مَا فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ النَّوَادِرِ فَلَا، لِأَنَّهُ إذَا حَلَّ الْمَالُ عَلَى الْأَصِيلِ يَحِلُّ عَلَى الْكَفِيلِ وَإِذَا سَقَطَ الْأَجَلُ فِي حَقِّ الْكَفِيلِ لَا يَسْقُطُ فِي حَقِّ الْأَصِيلِ وَقَاسَهُ عَلَى الْإِبْرَاءِ فَإِنَّ إبْرَاءَ الْأَصِيلِ يَكُونُ إبْرَاءَ الْكَفِيلِ أَمَّا إبْرَاءُ الْكَفِيلِ لَا يَكُونُ إبْرَاءَ الْأَصِيلِ