المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[القول في أحكام يوم الجمعة] - غمز عيون البصائر في شرح الأشباه والنظائر - جـ ٤

[أحمد بن محمد الحموي الحنفي]

فهرس الكتاب

- ‌الْقَوْلُ فِي الدَّيْنِ

- ‌أَنْوَاعُ الدُّيُونِ:

- ‌[تَذْنِيبٌ مَا يُقَدَّمُ عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ مِنْ غَيْرِ الدُّيُونِ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي ثَمَنِ الْمِثْلِ]

- ‌[خَاتِمَةٌ فِي التَّزَاحُمِ عَلَى الْحُقُوقِ]

- ‌[الْكَلَامُ فِي أُجْرَةِ الْمِثْلِ]

- ‌[تَنْبِيهَاتٌ]

- ‌الْكَلَامُ فِي مَهْرِ الْمِثْلِ:

- ‌[تَنْبِيهٌ زَنَى بِامْرَأَةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا وَهُوَ مُخَالِطٌ لَهَا]

- ‌الْقَوْلُ فِي الشَّرْطِ وَالتَّعْلِيقِ

- ‌ فَائِدَةٌ: مَنْ مَلَكَ التَّنْجِيزَ مَلَكَ التَّعْلِيقَ

- ‌الْقَوْلُ فِي أَحْكَامِ السَّفَرِ:

- ‌يَخْتَصُّ رُكُوبُ الْبَحْرِ بِأَحْكَامٍ:

- ‌الْقَوْلُ فِي أَحْكَامِ الْحَرَمِ

- ‌الْقَوْلُ فِي أَحْكَامِ الْمَسْجِدِ

- ‌خَاتِمَةٌ: أَعْظَمُ الْمَسَاجِدِ حُرْمَةً

- ‌[الْقَوْلُ فِي أَحْكَامِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ]

- ‌مَا افْتَرَقَ فِيهِ الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ

- ‌مَا افْتَرَقَ فِيهِ مَسْحُ الْخُفِّ وَغَسْلُ الرِّجْلِ

- ‌مَا افْتَرَقَ فِيهِ الْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ

- ‌[مَا افْتَرَقَ فِيهِ الْحَيْضُ وَالْجَنَابَةُ]

- ‌مَا افْتَرَقَ فِيهِ الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ

- ‌مَا افْتَرَقَ فِيهِ سَجْدَةُ السَّهْوِ وَالتِّلَاوَةِ

- ‌مَا افْتَرَقَ فِيهِ الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ

- ‌مَا افْتَرَقَ فِيهِ الْجُمُعَةُ وَالْعِيدُ

- ‌مَا افْتَرَقَ فِيهِ غُسْلُ الْمَيِّتِ وَالْحَيِّ

- ‌مَا افْتَرَقَ فِيهِ الزَّكَاةُ وَصَدَقَةُ الْفِطْرِ

- ‌مَا افْتَرَقَ فِيهِ التَّمَتُّعُ وَالْقِرَانُ

- ‌مَا افْتَرَقَ فِيهِ الْهِبَةُ وَالْإِبْرَاءُ

- ‌مَا افْتَرَقَ فِيهِ الْإِجَارَةُ وَالْبَيْعُ

- ‌مَا افْتَرَقَ فِيهِ الزَّوْجَةُ وَالْأَمَةُ

- ‌مَا افْتَرَقَ فِيهِ نَفَقَةُ الزَّوْجَةِ وَالْقَرِيبِ

- ‌مَا افْتَرَقَ فِيهِ الْمُرْتَدُّ وَالْكَافِرُ الْأَصْلِيُّ

- ‌مَا افْتَرَقَ فِيهِ الْعِتْقُ وَالطَّلَاقُ

- ‌مَا افْتَرَقَ فِيهِ الْعِتْقُ وَالْوَقْفُ

- ‌مَا افْتَرَقَ فِيهِ الْمُدَبَّرُ وَأُمُّ الْوَلَدِ

- ‌مَا افْتَرَقَ فِيهِ الْبَيْعُ الْفَاسِدُ وَالصَّحِيحُ

- ‌مَا افْتَرَقَ فِيهِ الْإِمَامَةُ الْعُظْمَى وَالْقَضَاءُ

- ‌مَا افْتَرَقَ فِيهِ الْقَضَاءُ وَالْحِسْبَةُ

- ‌مَا افْتَرَقَ فِيهِ الشَّهَادَةُ وَالرِّوَايَةُ

- ‌مَا افْتَرَقَ فِيهِ حَبْسُ الرَّهْنِ وَالْمَبِيعِ

- ‌مَا افْتَرَقَ فِيهِ الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ وَالْوَكِيلُ بِقَبْضِ الدَّيْنِ

- ‌مَا افْتَرَقَ فِيهِ النِّكَاحُ وَالرَّجْعَةُ

- ‌مَا افْتَرَقَ فِيهِ الْوَكِيلُ وَالْوَصِيُّ:

- ‌[قَاعِدَةٌ إذَا أَتَى بِالْوَاجِبِ وَزَادَ عَلَيْهِ هَلْ يَقَعُ الْكُلُّ وَاجِبًا أَمْ لَا]

- ‌[فَائِدَةٌ تَعَلُّمُ الْعِلْمِ يَكُونُ فَرْضَ عَيْنٍ]

- ‌[فَائِدَةٌ الرَّجُلُ لَا يَصِيرُ مُحَدِّثًا كَامِلًا إلَّا أَنْ يَكْسِبَ أَرْبَعًا مَعَ أَرْبَعٍ]

- ‌[قَاعِدَةٌ الْمُفْرَدُ الْمُضَافُ إلَى مَعْرِفَةٍ لِلْعُمُومِ]

- ‌[فَائِدَةٌ الْعُلُومُ ثَلَاثَةٌ]

- ‌[فَائِدَةٌ ثَلَاثٌ مِنْ الدَّنَاءَةِ]

- ‌[فَائِدَةٌ لَيْسَ مِنْ الْحَيَوَانِ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إلَّا خَمْسَةٌ]

- ‌[فَائِدَةٌ الْمُؤْمِنُ مَنْ يَقْطَعُهُ خَمْسَةٌ]

- ‌[فَائِدَةٌ الدُّعَاءِ بِرَفْعِ الطَّاعُونِ]

- ‌[فَائِدَةٌ الْكَنِيسَةَ إذَا هُدِمَتْ وَلَوْ بِغَيْرِ وَجْهٍ لَا يَجُوزُ إعَادَتُهَا]

- ‌[فَائِدَةٌ الْفِسْقُ لَا يَمْنَعُ الْأَهْلِيَّةَ]

- ‌[فَائِدَةٌ الصَّلَاةُ عَلَى مَيِّتٍ مَوْضُوعٍ عَلَى دُكَّانٍ]

- ‌[فَائِدَةٌ الْفَرْقُ بَيْنَ عِلْمِ الْقَضَاءِ وَفِقْهِ الْقَضَاءِ]

- ‌[فَائِدَةٌ شُرُوطَ الْإِمَامَةِ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهَا ثَمَانِيَةٌ]

- ‌[فَائِدَةٌ وَلَّى السُّلْطَانُ مُدَرِّسًا لَيْسَ بِأَهْلٍ]

- ‌[فَائِدَةٌ ثَلَاثَةٌ لَا يُسْتَجَابُ دُعَاؤُهُمْ]

- ‌[فَائِدَةٌ مَدْرَسَةٌ بِهَا صُفَّةٌ لَا يُصَلِّي فِيهَا أَحَدٌ وَلَا يُدَرَّسُ وَالْقَاضِي جَالِسٌ فِيهَا لِلْحُكْمِ]

- ‌[فَائِدَةٌ مَعْنَى قَوْلِهِمْ الْأَشْبَهُ]

- ‌فَائِدَةٌ: الْمَبْنِيُّ عَلَى الْفَاسِدِ فَاسِدٌ

- ‌[فَائِدَةٌ إذَا اجْتَمَعَ الْحَقَّانِ]

- ‌الْفَنُّ الرَّابِعُ مِنْ الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ وَهُوَ فَنُّ الْأَلْغَازِ

- ‌كِتَابُ الطَّهَارَةِ

- ‌كِتَابُ الصَّلَاةِ

- ‌كِتَابُ الزَّكَاةِ

- ‌كِتَابُ الصَّوْمِ

- ‌كِتَابُ الْحَجِّ

- ‌كِتَابُ النِّكَاحِ

- ‌كِتَابُ الطَّلَاقِ

- ‌[كِتَابُ الْعَتَاقِ]

- ‌[كِتَابُ الْأَيْمَانِ]

- ‌كِتَابُ الْحُدُودِ

- ‌كِتَابُ السِّيَرِ

- ‌[كِتَابُ الْمَفْقُودِ]

- ‌كِتَابُ الْوَقْفِ

- ‌كِتَابُ الْبَيْعِ

- ‌كِتَابُ الْكَفَالَةِ

- ‌كِتَابُ الْقَضَاءِ

- ‌كِتَابُ الشَّهَادَاتِ

- ‌كِتَابُ الْإِقْرَارِ

- ‌كِتَابُ الصُّلْحِ

- ‌كِتَابُ الْمُضَارَبَةِ

- ‌كِتَابُ الْهِبَةِ

- ‌كِتَابُ الْإِجَارَةِ

- ‌كِتَابُ الْوَدِيعَةِ

- ‌كِتَابُ الْعَارِيَّةِ

- ‌كِتَابُ الْمُكَاتَبِ

- ‌كِتَابُ الْمَأْذُونِ

- ‌كِتَابُ الْغَصْبِ

- ‌كِتَابُ الشُّفْعَةِ

- ‌كِتَابُ الْقِسْمَةِ

- ‌كِتَابُ الْأُضْحِيَّةِ

- ‌كِتَابُ الْكَرَاهِيَةِ

- ‌كِتَابُ الْجِنَايَاتِ

- ‌كِتَابُ الْفَرَائِضِ

- ‌[الْفَنُّ الْخَامِسُ مِنْ الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ وَهُوَ فَنُّ الْحِيَلِ وَفِيهِ فُصُولٍ] [

- ‌الْأَوَّلُ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌ الثَّانِي فِي الصَّوْمِ

- ‌الثَّالِثُ فِي الزَّكَاةِ

- ‌الرَّابِعُ فِي الْفِدْيَةِ)

- ‌[الْخَامِسُ فِي الْحَجِّ]

- ‌السَّادِسُ فِي النِّكَاحِ)

- ‌السَّابِعُ فِي الطَّلَاقِ)

- ‌الثَّامِنُ: فِي الْخُلْعِ

- ‌التَّاسِعُ: فِي الْأَيْمَانِ

- ‌الْعَاشِرُ: فِي الْإِعْتَاقِ وَتَوَابِعِهِ

- ‌الْحَادِي عَشَرَ فِي الْوَقْفِ وَالصَّدَقَةِ

- ‌الثَّانِي عَشَرَ فِي الشَّرِكَةِ

- ‌الثَّالِثَ عَشَرَ فِي الْهِبَةِ

- ‌الرَّابِعَ عَشَرَ. فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ

- ‌الْخَامِسَ عَشَرَ: فِي الِاسْتِبْرَاءِ

- ‌السَّادِسَ عَشَرَ: فِي الْمُدَايَنَاتِ

- ‌السَّابِعَ عَشَرَ: فِي الْإِجَارَاتِ

- ‌[الثَّامِنَ عَشَرَ فِي مَنْعِ الدَّعْوَى]

- ‌التَّاسِعَ عَشَرَ: فِي الْوَكَالَةِ

- ‌الْعِشْرُونَ: فِي الشُّفْعَةِ

- ‌الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ: فِي الصُّلْحِ

- ‌الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ: فِي الْكَفَالَةِ

- ‌الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ فِي الْحَوَالَةِ

- ‌الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ: فِي الرَّهْنِ

- ‌الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ: فِي الْوَصَايَا

- ‌[الْفَنُّ السَّادِسُ مِنْ الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ وَهُوَ فَنُّ الْفُرُوقِ] [

- ‌كِتَابُ الصَّلَاةِ وَفِيهَا بَعْضُ مَسَائِلِ الطَّهَارَةِ]

- ‌[كِتَابُ الزَّكَاةِ]

- ‌كِتَابُ الصَّوْمِ

- ‌كِتَابُ الْحَجِّ

- ‌كِتَابُ النِّكَاحِ

- ‌كِتَابُ الطَّلَاقِ

- ‌كِتَابُ الْعَتَاقِ

- ‌[الْفَنُّ السَّابِعُ مِنْ الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ الْحِكَايَاتُ وَالْمُرَاسَلَاتُ]

- ‌[مَسْأَلَة الْمَبِيعَ يُمْلَكُ مَعَ الْبَيْعِ أَوْ بَعْدَهُ]

- ‌[وَصِيَّةُ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ لِأَبِي يُوسُفَ]

الفصل: ‌[القول في أحكام يوم الجمعة]

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[غمز عيون البصائر]

أَفْضَلَ مَسَاجِدِ الْأَرْضِ الْكَعْبَةُ ثُمَّ مَسْجِدُ أَيْلَةَ الْمُحِيطِ بِالْكَعْبَةِ ثُمَّ مَسْجِدُ الْمَدِينَةِ ثُمَّ مَسْجِدُ الْأَقْصَى ثُمَّ مَسْجِدُ الطُّورِ أَمَّا تَفْضِيلُ الْكَعْبَةِ عَلَى الْمَسْجِدِ فَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا} [آل عمران: 96] وَأَمَّا تَفْضِيلُ مَسْجِدِ مَكَّةَ عَلَى مَا سِوَاهُ مِنْ مَسَاجِدِ مَكَّةَ فَلِأَنَّهُ أَقْدَمُ مَسْجِدٍ فِيهِ وَقَدْ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَجَّاجِ: إنَّ لِلْمَسْجِدِ الْعَتِيقِ فَضْلًا عَلَى غَيْرِهِ وَلِأَنَّ فِيهِ عِبَادَةٌ لَيْسَتْ فِي غَيْرِهِ وَهِيَ الطَّوَافُ وَفِي الْمُقَامِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَأَمَّا تَفْضِيلُ الْحَرَمِ عَلَى مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا تَعْدُلُ أَلْفَ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ» فَالْمَسْجِدُ الْحَرَامُ جَمِيعُ الْحَرَمِ وَحَسَنَاتُ الْحَرَمِ كُلُّ حَسَنَةٍ بِمِائَةِ أَلْفٍ حَسَنَةٍ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما وَأَمَّا أَنَّ تَفْضِيلَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَإِنَّ أَرْضَ الْمَحْشَرِ وَالْمَنْشَرِ مِنْهُ «ائْتُوهُ فَصَلُّوا فِيهِ فَإِنَّ صَلَاةً فِيهِ كَأَلْفِ صَلَاةٍ» أَخْرَجَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَحْمَدَ «عَنْ بَعْضِ نِسَاءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ إحْدَانَا أَنْ تَأْتِيَهُ قَالَ إذَا لَمْ تَسْتَطِعْ إحْدَاكُنَّ أَنْ تَأْتِيَهُ فَلْتَبْعَثْ لَهُ بِزَيْتٍ يُسْرَجُ فِيهِ فَإِنَّ مَنْ بَعَثَ لَهُ بِزَيْتٍ يُسْرَجُ فِيهِ كَانَ كَمَنْ صَلَّى فِيهِ» وَسُئِلَ الْجُنَيْدُ عَنْ قَوْله تَعَالَى {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ} [التين: 1] {وَطُورِ سِينِينَ} [التين: 2] فَقَالَ مَسْجِدُ الطُّورِ وَهَذَا الْبَلَدُ الْأَمِينُ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ أُقْسِمُ بِهِمَا؛ لِأَنَّهُ يَذْكُرُ بِهِمَا.

[الْقَوْلُ فِي أَحْكَامِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ]

فِي أَحْكَامِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ. هِيَ بِضَمٍّ فَسُكُونٍ فَفَتْحٍ وَعَنْ الْفَرَّاءِ وَالْوَاحِدِيِّ ضَمُّ الْمِيمِ وَفَتْحُهَا أَيْضًا وَالضَّمُّ أَعْلَى وَهِيَ مِنْ الِاجْتِمَاعِ كَالْفُرْقَةِ مِنْ الِافْتِرَاقِ وَجُمِعَتْ عَلَى جُمَعٍ وَجُمُعَاتٍ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِاجْتِمَاعِ النَّاسِ فِيهَا أَوْ لِمَا جُمِعَ فِي يَوْمِهَا مِنْ الْخَبَرِ أَوْ؛ لِأَنَّ كَعْبَ بْنَ لُؤَيٍّ كَانَ يَجْمَعُ قَوْمَهُ فِيهِ فَيَأْمُرُهُمْ بِتَعْظِيمِ الْحَرَمِ أَوْ؛ لِأَنَّ كَمَالَ الْخَلَائِقِ جُمِعَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أَوْ لِأَنَّ فِيهِ خُلِقَ آدَم عليه السلام جُمِعَ فِيهِ أَقُولُ قَالَ الْفَاضِلُ الْبُرْجَنْدِيُّ فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ وَهَذَا أَصَحُّ الْأَقْوَالِ. اُخْتُصَّ بِأَحْكَامٍ أَيْ: الْيَوْمُ الْمُسَمَّى بِالْجُمُعَةِ وَفِيهِ أَنَّ أَكْثَرَ الْأَحْكَامِ الَّتِي ذَكَرَهَا لِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ لَا لِلْيَوْمِ.

ص: 65

الْقَوْلُ فِي أَحْكَامِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ

1 -

اُخْتُصَّ بِأَحْكَامٍ:

2 -

لُزُومِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ.

3 -

وَاشْتِرَاطِ الْجَمَاعَةِ لَهَا.

4 -

وَكَوْنِهَا ثَلَاثَةً سِوَى الْإِمَامِ.

5 -

وَالْخُطْبَةِ لَهَا. 6 - وَكَوْنِهَا قَبْلَهَا شَرْطًا.

7 -

وَقِرَاءَةِ السُّورَةِ الْمَخْصُوصَةِ لَهَا.

ــ

[غمز عيون البصائر]

قَوْلُهُ: اُخْتُصَّ بِأَحْكَامٍ أَيْ: الْيَوْمُ الْمُسَمَّى بِالْجُمُعَةِ وَفِيهِ أَكْثَرُ الْأَحْكَامِ الَّتِي ذَكَرَهَا لِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ لَا لِلْيَوْمِ.

(2)

قَوْلُهُ: لُزُومِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ. بِالْجَرِّ بَدَلٌ مِنْ أَحْكَامٍ بَدَلٌ مُفَصَّلٌ مِنْ مُجْمَلٍ وَكَذَا مَا عُطِفَ عَلَيْهِ.

(3)

قَوْلُهُ: وَاشْتِرَاطِ الْجَمَاعَةِ لَهَا أَيْ: لِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَفِيهِ أَنَّ الْجَمَاعَةَ كَمَا هِيَ شَرْطٌ لَهَا شَرْطٌ لِصَلَاةِ الْعِيدَيْنِ.

(4)

قَوْلُهُ: وَكَوْنِهَا. بِالْجَرِّ عَطْفٌ عَلَى الْجَمَاعَةِ أَيْ: وَاشْتِرَاطِ كَوْنِ الْجَمَاعَةِ ثَلَاثَةً سِوَى الْإِمَامِ وَفِيهِ أَنَّ كَوْنَهَا ثَلَاثَةً سِوَى الْإِمَامِ لَيْسَ شَرْطًا خَاصًّا بِالْجُمُعَةِ بَلْ كَذَلِكَ صَلَاةُ الْعِيدَيْنِ.

(5)

قَوْلُهُ: وَالْخُطْبَةِ أَيْ: اشْتِرَاطِ الْخُطْبَةِ لَهَا بِخِلَافِ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ فَإِنَّ الْخُطْبَةَ لَيْسَتْ شَرْطًا لَهَا وَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى اشْتِرَاطِ الْخُطْبَةِ لَهَا لَكَانَ صَوَابًا وَقَدْ يُقَالُ الْمُخْتَصُّ بِهَا اشْتِرَاطُ الْمَجْمُوعِ لَا كُلِّ وَاحِدٍ.

(6)

قَوْلُهُ: وَكَوْنِهَا قَبْلَهَا شَرْطًا.

كَذَا بِخَطِّ الْمُصَنِّفِ وَالصَّوَابُ شَرْطٌ بِالرَّفْعِ.

(7)

قَوْلُهُ: وَقِرَاءَةُ السُّورَةِ أَيْ: سُورَةِ الْأَعْلَى وَالْغَاشِيَةِ وَلَكِنْ لَا يُوَاظِبُ عَلَيْهِمَا.

ص: 66

وَتَحْرِيمِ السَّفَرِ قَبْلَهَا بِشَرْطِهِ

9 -

وَاسْتِنَانِ الْغُسْلِ لَهَا وَالطِّيبِ

10 -

وَلُبْسِ الْأَحْسَنِ،

ــ

[غمز عيون البصائر]

قَوْلُهُ: وَتَحْرِيمُ السَّفَرِ قَبْلَهَا بِشَرْطِهِ. قَالَ فِي مِفْتَاحِ السَّعَادَةِ: رَجُلٌ أَرَادَ السَّفَرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لَا بَأْسَ بِهِ إذَا خَرَجَ مِنْ الْعُمْرَانِ قَبْلَ خُرُوجِ الظُّهْرِ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ بِآخِرِ الْوَقْتِ وَهُوَ فِي آخِرِ الْوَقْتِ مُسَافِرٌ فَلَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ وَلَا يُكْرَهُ السَّفَرُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَبْلَ الزَّوَالِ وَبَعْدَهُ وَإِذَا مَا فَارَقَ عُمْرَانِ مِصْرِهِ فِي الْوَقْتِ (انْتَهَى) . قَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ فِي اعْتِبَارِ آخِرِ الْوَقْتِ إشْكَالٌ إذْ اعْتِبَارُ الْوَقْتِ إنَّمَا يَكُونُ فِيمَا يَنْفَرِدُ بِأَدَائِهِ وَهُوَ سَائِرُ الصَّلَوَاتِ وَالْجُمُعَةُ لَا يَنْفَرِدُ بِأَدَائِهَا وَإِنَّمَا يُؤَدِّيهَا مَعَ الْإِمَامِ وَالنَّاسِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُعْتَبَرَ وَقْتُ أَدَائِهِمْ إذْ لَوْ كَانَ لَا يَخْرُجُ مِنْ مِصْرِهِ قَبْلَ أَدَاءِ النَّاسِ يَلْزَمُهُ شُهُودُ الْجُمُعَةِ وَفِي قَوْلِهِ بِشَرْطِهِ غُمُوضٌ فَتَأَمَّلْ.

(9)

قَوْلُهُ: وَاسْتِنَانِ الْغُسْلِ لَهَا. أَيْ لِلْجُمُعَةِ بِمَعْنَى صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَالْمَسْأَلَةُ فِيهَا خِلَافٌ مَشْهُورٌ.

(10)

قَوْلُهُ: وَلُبْسِ الْأَحْسَنِ أَيْ: مِنْ ثِيَابِهِ وَفِيهِ أَنَّ لُبْسَ الْأَحْسَنِ مِنْ ثِيَابِهِ لَيْسَ خَاصًّا بِالْجُمُعَةِ بَلْ كَذَلِكَ الْعِيدَانِ. قَالَ الْمُؤَلِّفُ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْكَنْزِ: وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ تَقْدِيمُ الْأَحْسَنِ مِنْ الثِّيَابِ فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ بَيْضَاءَ وَالدَّلِيلُ دَالٌ عَلَيْهِ فَقَدْ رَوَى الْبَيْهَقِيُّ «أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام كَانَ يَلْبِسُ يَوْمَ الْعِيدِ بُرْدَةً حَمْرَاءَ» وَهِيَ كَمَا فِي الْفَتْحِ عِبَارَةٌ عَنْ ثَوْبَيْنِ مِنْ الْيَمَنِ فِيهَا خُطُوطٌ حُمْرٌ وَخُضْرٌ لَا أَنَّهَا حَمْرَاءُ بَحْتٌ فَلْيَكُنْ مَحْمَلُ الْبُرْدَةِ أَحَدَهُمَا بِدَلِيلِ نَهْيِهِ عَنْ لُبْسِ الْأَحْمَرِ كَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْقَوْلُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْفِعْلِ وَالْحَاظِرُ عَلَى الْمُبِيحِ لَوْ تَعَارَضَا فَكَيْفَ إذَا لَمْ يَتَعَارَضَا بِالْحَمْلِ الْمَذْكُورِ (انْتَهَى) . قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ كَأَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى صَرِيحِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فِي كَلَامِ عُلَمَائِنَا حَتَّى قَالَ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ إلَخْ. وَالْحَالُ إنَّ الْبَدْرَ الْعَيْنِيَّ نَقَلَ فِي النِّيَابَةِ عَنْ الْمُجْتَبَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ حَضَرَ الْجُمُعَةَ أَنْ يَلْبَسَ أَحْسَنَ ثِيَابِهِ إنْ كَانَ لَهُ وَتُسْتَحَبُّ الثِّيَابُ الْبِيضُ (انْتَهَى) . وَفِي الْهِدَايَةِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ تَكُونَ بَيْضَاءَ (انْتَهَى) . وَفِي جَامِعِ الْمُضْمَرَاتِ وَالْمُشْكَلَاتِ مَعْزِيًّا إلَى فَتَاوَى الْحُجَّةِ وَيُكْرَهُ لِلرِّجَالِ لُبْسُ الثِّيَابِ الْخُضْرِ وَأَحَبُّ الثِّيَابِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى الْبِيضُ وَبِهِ وَرَدَ الْخَبَرُ (انْتَهَى) .

ص: 67

أَوْ تَقْلِيمِ الْأَظَافِرِ وَحَلْقِ الشَّعْرِ.

12 -

وَلَكِنْ بَعْدَهَا أَفْضَلُ، وَالْبَخُورُ فِي الْمَسْجِدِ

13 -

وَالتَّكْبِيرِ لَهَا، وَالِاشْتِغَالِ بِالْعِبَادَةِ إلَى خُرُوجِ الْخَطِيبِ.

ــ

[غمز عيون البصائر]

قَوْلُهُ: وَتَقْلِيمُ الْأَظَافِرِ. قَالَ فِي التَّجْنِيسِ وَلِلْمَزِيدِ إذَا وَقَّتَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِقَلْمِ الْأَظْفَارِ إنْ رَأَى أَنَّهُ جَاوَزَ الْحَدَّ قَبْلَ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَمَعَ هَذَا يُؤَخِّرُ إلَى يَوْمِ الْجُمُعَةِ يُكْرَهُ؛ لِأَنَّ مَنْ كَانَ ظُفْرُهُ طَوِيلًا كَانَ رِزْقُهُ ضَيِّقًا وَإِنْ لَمْ يُجَاوِزْ الْحَدَّ وَوَقْتَهُ تَبَرُّكًا بِالْأَخْبَارِ فَهُوَ مُسْتَحَبٌّ لِأَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها رَوَتْ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ «مَنْ قَلَّمَ أَظْفَارَهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَعَاذَهُ اللَّهُ مِنْ الْبَلَاءِ إلَى الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى وَزِيَادَةً ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ» انْتَهَى.

وَنَحْوُهُ فِي كِتَابِ الْكَرَاهِيَةِ لِلْعَلَّامِيِّ وَفِي جَامِعِ الْمُضْمَرَاتِ وَالْمُشْكَلَاتِ مَعْزِيًّا إلَى فَتَاوَى الْحُجَّةِ وَجَاءَ فِي الْخَبَرِ أَنَّهُ يُكْرَهُ قَلْمُ الْأَظْفَارِ وَقَصُّ الشَّارِبِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الْحَجِّ فَكُرِهَ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الْحَجِّ قَضَاءَ النَّفْثِ وَحَلْقِ الشَّعْرِ وَقَصِّ الشَّارِبِ وَتَقْلِيمِ الْأَظْفَارِ وَجَاءَ فِي الْخَبَرِ «مَنْ قَلَّمَ أَظْفَارَهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَعَاذَهُ اللَّهُ مِنْ السُّوءِ إلَى يَوْمِ الْجُمُعَةِ الْقَابِلَةِ وَثَلَاثَةِ أَيَّامٍ» وَرَأَيْت فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ يُقَلِّمُ وَيَقُصُّ بَعْدَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ عَمَلًا بِالْأَخْبَارِ فَكَأَنَّهُ اعْتَمَرَ وَحَجَّ ثُمَّ حَلَقَ وَقَصَّ وَقَصَّرَ (انْتَهَى) . وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ مَا نَقَلْنَاهُ يَقْتَضِي كَرَاهَةَ الْقَصِّ وَالْحَلْقِ قَبْلَ الْجُمُعَةِ وَكَذَا إذَا وَقَّتَهَا بِيَوْمِهَا وَكَانَ قَبْلَهُ طَوِيلًا وَهُوَ مُخَالِفٌ لِصُنْعِ الْمُصَنِّفِ.

(12)

قَوْلُهُ: وَلَكِنْ بَعْدَهَا أَفْضَلُ. كَأَنَّهُ لِيَحْصُلَ الْبَرَكَةُ لَهَا وَيَشْهَدُ بِالْحُضُورِ {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ} [النور: 24] الْآيَةَ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَطُلْ الظُّفْرُ فَيُمْنَعُ مِنْ التَّطْهِيرِ لِمَا فِيهِ مِنْ الدُّونِ عَلَى قَوْلٍ.

(13)

قَوْلُهُ: وَالتَّكْبِيرِ لَهَا. أَقُولُ: هُوَ سُرْعَةُ الِانْتِبَاهِ وَتَأَمَّلْ مَا فِي الْقَاعِدَةِ الرَّابِعَةِ الْمَشَقَّةُ تَجْلِبُ التَّيْسِيرَ مِنْ قَوْلِهِ وَمِنْ ثَمَّ الْإِبْرَادُ فِي الْجُمُعَةِ لِاسْتِحْبَابِ التَّبْكِيرِ لَهَا عَلَى مَا قِيلَ وَلَكِنْ ذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ أَنَّهَا كَالظُّهْرِ فِي الزَّمَانَيْنِ (انْتَهَى) . وَأَمَّا الِابْتِكَارُ فَهُوَ الْمُسَارَعَةُ إلَى الْمُصَلَّى وَهُوَ مُسْتَحَبٌّ أَيْضًا كَمَا فِي الْقُنْيَةِ وَذَكَرَ مِفْتَاحُ السَّعَادَةِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ رَاحَ إلَى الْجُمُعَةِ فِي السَّاعَةِ الْأُولَى فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا

ص: 68

وَلَا يُسَنُّ الْإِبْرَادُ بِهَا،

15 -

وَيُكْرَهُ إفْرَادُهُ بِالصَّوْمِ،

16 -

وَإِفْرَادِ لَيْلَتِهِ بِالْقِيَامِ.

ــ

[غمز عيون البصائر]

قَرَّبَ كَبْشًا وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا أَهْدَى دَجَاجَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا أَهْدَى بَيْضَةً فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ طُوِيَتْ الصُّحُفُ وَرُفِعَتْ الْأَقْلَامُ وَاجْتَمَعَتْ الْمَلَائِكَةُ عِنْدَ الْمِنْبَرِ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ» . وَمَعْنَى قَرَّبَ تَصَدَّقَ وَالْمُرَادُ مِنْ الْمَلَائِكَةِ هُنَا غَيْرُ الْحَفَظَةِ وَهُمْ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَظِيفَتُهُمْ كِتَابَةُ مُحَاضِرِ الْمَسْجِدِ (انْتَهَى) .

وَفِي جَامِعِ الْمُضْمَرَاتِ وَالْمُشْكَلَاتِ: وَرَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَرْفُوعًا «إذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَقَفَتْ الْمَلَائِكَةُ عَلَى أَبْوَابِ الْمَسَاجِدِ يَكْتُبُونَ النَّاسَ عَلَى مَجِيئِهِمْ فَالْمُتَعَجِّلُ إلَيْهَا كَالْمُهْدِي بَدَنَةً وَاَلَّذِي يَلِيهِ كَالْمُهْدِي بَقَرَةً وَاَلَّذِي يَلِيهِ كَالْمُهْدِي شَاةً وَاَلَّذِي يَلِيهِ كَالْمُهْدِي دَجَاجَةً يَلِيهِ كَالْمُهْدِي بَيْضَةً فَإِذَا صَعِدَ الْإِمَامُ لِلْخُطْبَةِ طُوِيَتْ الصُّحُفُ وَجَاءُوا يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ» يَعْنِي الْخُطْبَةَ (انْتَهَى) . فَإِنْ قُلْت لَوْ دَخَلَ فِي السَّاعَةِ الْأُولَى ثُمَّ خَرَجَ وَعَادَ فِي الثَّانِيَةِ فَهَلْ لَهُ الْبَدَنَةُ وَالْبَقَرَةُ مَعًا، الظَّاهِرُ عَدَمُهُ بَلْ الْخُرُوجُ يَمْنَعُ الِاسْتِحْقَاقَ إذْ الْمُرَادُ مِنْ الدُّخُولِ الِاسْتِمْرَارُ إلَى تَمَامِ الصَّلَاةِ وَالْإِلْزَامُ أَنْ يَكُونَ مَنْ غَابَ بِلَا عُذْرٍ ثُمَّ رَجَعَ أَكْمَلَ مِمَّنْ لَمْ يَغِبْ وَلَا قَائِلَ بِهِ.

(14)

قَوْلُهُ: وَلَا يُسَنُّ الْإِبْرَادُ فِيهَا. أَقُولُ هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا فِي شَرْحِ الْكَنْزِ لِلْمُصَنِّفِ أَنَّ الْجُمُعَةَ كَالظُّهْرِ تَقْدِيمًا وَتَأْخِيرًا فِي بَيَانِ الْأَوْقَاتِ.

(15)

قَوْلُهُ: وَيُكْرَهُ إفْرَادُهُ بِالصَّوْمِ. أَقُولُ: الظَّاهِرُ مِنْ اقْتِصَارِهِ عَلَى الْكَرَاهِيَةِ اخْتِيَارُهُ وَلَعَلَّ وَجْهَ ذَلِكَ مَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عِيدٌ وَصَوْمَهُ مَكْرُوهٌ وَمَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا قَوْلُ الْبَعْضِ وَذَكَرَ فِي شَرْحِهِ عَلَى الْكَنْزِ أَنَّ صَوْمَ يَوْمِ الْجُمُعَةِ بِانْفِرَادِهِ مُسْتَحَبٌّ عِنْدَ الْعَامَّةِ كَالِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ وَكَرِهَ الْكُلُّ بَعْضَهُمْ (انْتَهَى) . وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَلَا بَأْسَ بِصَوْمِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَمُحَمَّدٍ (انْتَهَى) . وَفِي التَّجْنِيسِ وَالْمَزِيدِ وَلَا بَأْسَ بِصِيَامِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ جَاءَ حَدِيثٌ فِي كَرَاهِيَتِهِ إلَّا أَنْ يَصُومَ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ فَكَانَ الِاحْتِيَاطُ أَنْ يَضُمَّ إلَيْهِ يَوْمًا آخَرَ.

(16)

قَوْلُهُ: وَإِفْرَادِ لَيْلَتِهِ بِالْقِيَامِ إلَخْ. لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا تَخُصُّوا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ بِقِيَامٍ مِنْ بَيْنِ اللَّيَالِي» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَإِذَا نَهَى عَنْ

ص: 69

وَقِرَاءَةِ سُورَةِ الْكَهْفِ فِيهِ.

18 -

وَنَفْيِ كَرَاهَةِ النَّافِلَةِ وَقْتَ الِاسْتِوَاءِ.

ــ

[غمز عيون البصائر]

هَذِهِ اللَّيْلَةِ فَغَيْرُهَا بِالْمَنْعِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ التَّخْصِيصَ بِدْعَةٌ فَلَوْ صَلَّى لَيْلَةً قَبْلَ لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ أَوْ لَيْلَةً بَعْدَهَا هَلْ تَزُولُ الْكَرَاهَةُ كَالصَّوْمِ؟ مُحْتَمَلٌ، وَالْمُرَادُ بِإِفْرَادِ لَيْلَتِهِ أَحْيَاؤُهَا وَهَلْ الْمُرَادُ اسْتِيعَابُهَا أَوْ غَالِبُهَا؟ فِيهِ تَرَدُّدٌ قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: وَلَوْ وَافَقَ لَيْلَةُ الْجُمُعَةِ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ الْمُسْتَحَبُّ إحْيَاؤُهَا وَهَلْ يُنْدَبُ قِيَامُهَا نَظَرًا إلَى كَوْنِهَا لَيْلَةَ النِّصْفِ أَوْ يُكْرَهُ نَظَرًا إلَى كَرَاهِيَةِ إفْرَادِ لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ، فِيهِ تَرَدُّدٌ، وَالْمَنْعُ خَشْيَةً مِنْ الْوُقُوعِ فِي الْحَرَامِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ أَنَّ نِيَّةَ مُرِيدِ الْعِبَادَةِ دَافِعَةٌ لَهُ حَيْثُ حَلَّتْ لَيْلَةُ شَعْبَانَ (انْتَهَى) . أَقُولُ: قَوْلُهُ خَشْيَةَ الْوُقُوعِ فِي الْحَرَامِ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ عَنْ إحْيَائِهَا ثَبَتَ بِخَبَرِ الْآحَادِ وَهُوَ لَا يُفِيدُ الْحَرَامَ بَلْ الْكَرَاهَةَ فَلَوْ قَالَ: خَشْيَةَ الْوُقُوعِ فِي الْكَرَاهَةِ لَكَانَ صَوَابًا.

(17)

قَوْلُهُ: وَقِرَاءَةُ سُورَةِ الْكَهْفِ فِيهِ أَيْ: يُكْرَهُ الْمُدَاوَمَةُ عَلَى قِرَاءَةِ سُورَةِ الْكَهْفِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الْأَيَّامِ وَدُونَ غَيْرِهَا مِنْ السُّوَرِ أَقُولُ عِلَّةَ الْكَرَاهَةِ هَجْرُ الْبَاقِي وَإِيهَامُ التَّفْضِيلِ كَتَعْيِينِ سُورَةِ السَّجْدَةِ (وَهَلْ أَتَى) فِي فَجْرِ كُلِّ جُمُعَةٍ ثُمَّ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ عَدَمُ الْمُدَاوَمَةِ لَا الْمُدَاوَمَةُ عَلَى الْعَدَمِ بَلْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ ذَلِكَ أَحْيَانًا تَبَرُّكًا بِالْمَأْثُورِ فَإِنَّ لُزُومَ الْإِبْهَامِ وَالتَّفْضِيلِ يَنْتَفِي بِالتَّرْكِ أَحْيَانَا

(18)

قَوْلُهُ: وَنَفْيِ كَرَاهِيَةِ النَّافِلَةِ بِالْجَرِّ. عَطْفٌ عَلَى لُزُومِ فِي قَوْلِهِ: لُزُومِ الصَّلَاةِ الْجُمُعَةِ، وَقَوْلِهِ وَقْتَ الِاسْتِوَاءِ أَيْ: عِنْدَ اسْتِوَاءِ الشَّمْسِ فِي كَبَدِ السَّمَاءِ. وَقَدْ وَقَعَ فِي عِبَارَاتِ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الْوَقْتَ الْمَكْرُوهَ هُوَ عِنْدَ انْتِصَافِ النَّهَارِ إلَى أَنْ تَزُولَ الشَّمْسُ فَإِنَّ الْفَاضِلَ الْقُهُسْتَانِيَّ وَلَا يَخْفَى أَنَّ زَوَالَ الشَّمْسِ إنَّمَا هُوَ عَقِيبَ انْتِصَافِ النَّهَارِ بِلَا فَصْلٍ وَهَذَا الْقَدْرُ لَا يُمْكِنُ أَدَاءُ صَلَاةٍ فِيهِ فَلَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ لَا تُكْرَهُ الصَّلَاةُ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ بِحَيْثُ يَقَعُ جُزْءٌ مِنْهَا فِي هَذَا الزَّمَانِ، وَالْمُرَادُ هُوَ النَّهَارُ الشَّرْعِيُّ وَهُوَ مِنْ أَوَّلِ طُلُوعِ الصُّبْحِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ وَعَلَى هَذَا يَكُونُ نِصْفُ النَّهَارِ قَبْلَ الزَّوَالِ بِزَمَانٍ مُتَعَدٍّ بِهِ (انْتَهَى) . أَقُولُ: فِي الْقُنْيَةِ فِي بَابِ مَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ: وَاخْتُلِفَ فِي وَقْتِ الْكَرَاهَةِ عِنْدَ الزَّوَالِ فَقِيلَ مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ إلَى الزَّوَالِ لِرِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ «نَهَى عَنْ الصَّلَاةِ نِصْفَ النَّهَارِ حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ» قَالَ رُكْنُ

ص: 70

عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله الْمُصَحَّحِ الْمُعْتَمِدِ.

20 -

وَهُوَ خَيْرُ أَيَّامِ الْأُسْبُوعِ، وَيَوْمُ عِيدٍ، وَفِيهِ 21 - سَاعَةُ إجَابَةٍ، وَتَجْتَمِعُ فِيهِ الْأَرْوَاحُ وَتُزَارُ فِيهِ الْقُبُورُ

ــ

[غمز عيون البصائر]

الدِّينِ الصَّبَّاغُ وَمَا أَحْسَنَ هَذَا؛ لِأَنَّ النَّهْيَ عَنْ الصَّلَاةِ يَعْتَمِدُ تَصَوُّرَهَا فِيهِ (انْتَهَى) . وَهُوَ يُفِيدُ مَا تَرَجَّاهُ الْعَلَّامَةُ الْقُهُسْتَانِيُّ مِنْ حَمْلِ النَّهَارِ عَلَى النَّهَارِ الشَّرْعِيِّ.

(19)

قَوْلُهُ: عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله الْمُصَحَّحِ الْمُعْتَمِدِ. قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: يُنْظَرُ مَنْ صَحَّحَهُ فَإِنَّ الْمُتُونَ وَالشُّرُوحَ عَلَى خِلَافِهِ (انْتَهَى) . أَقُولُ: قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَحْرِ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُحَقِّقِ ابْنِ الْهُمَامِ تَرْجِيحُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فَلِذَا قَالَ فِي الْحَاوِي وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا عَزَاهُ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ فِي شَرْحِ الْمُنْيَةِ (انْتَهَى) . أَقُولُ الْحَاوِي كَتَبَ ثَلَاثَةً حَاوِي الْحَصِيرِيِّ وَحَاوِي الزَّاهِدِيِّ وَحَاوِي الْقُدْسِيِّ وَلَا أَدْرِي أَيُّهَا أَرَادَ ابْنُ أَمِيرِ الْحَاجِّ وَمُجَرَّدُ دَعْوَى الْحَاوِي أَنَّ الْفَتْوَى عَلَيْهِ لَا يَقْتَضِي أَنَّهُ الصَّحِيحُ الْمُعْتَمَدُ فِي الْمَذْهَبِ كَيْفَ وَأَصْحَابُ الْمُتُونِ قَاطِبَةً وَالشُّرُوحِ مَاشُونَ عَلَى قَوْلِهِمَا وَمَشْيُ أَصْحَابِ الْمُتُونِ تَصْحِيحٌ إلْزَامِيٌّ عَلَى أَنَّ مَا فِي الْمُتُونِ وَالشُّرُوحِ مُقَدَّمٌ عَلَى مَا فِي الْفَتَاوَى وَعَلَى أَنَّ مَا نُقِلَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَةٌ عَنْهُ لَا مَذْهَبٌ، قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة نَقْلًا عَنْ جَمْعِ الْجَوَامِعِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ جَوَّزَ النَّفَلَ وَقْتَ الزَّوَالِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَرَكْعَتَيْ التَّحِيَّةِ (انْتَهَى) .

وَأَفَادَ بِالتَّعْبِيرِ يَعْنِي أَنَّ ذَلِكَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ رحمه الله وَصَرِيحُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ عِنْدَهُ.

(20)

قَوْلُهُ: وَهُوَ خَيْرُ أَيَّامِ الْأُسْبُوعِ. فَإِنْ قِيلَ: هَلْ يَوْمُ الْجُمُعَةِ أَفْضَلُ أَمْ اللَّيْلَةُ؟ قُلْت: يَوْمُ الْجُمُعَةِ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّ مَعْرِفَةَ هَذِهِ اللَّيْلَةِ وَفَضْلَهَا لِصَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَأَنَّهَا فِي الْيَوْمِ فَكَانَ أَفْضَلَ كَذَا فِي الْمُضْمَرَاتِ. قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: وَلِأَنَّ سَاعَةَ الْإِجَابَةِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ لَا فِي لَيْلَتِهَا لَكِنْ ذُكِرَ فِي نُورِ الشَّمْعَةِ لِشَيْخِ مَشَايِخِنَا الْعَلَّامَةِ الْمَقْدِسِيِّ أَنَّهُ ذَهَبَ بَعْضُ ذَوِي الْقَدْرِ إلَى أَنَّ لَيْلَتَهُ أَفْضَلُ مِنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ (انْتَهَى) . وَهُوَ غَرِيبٌ يَحْتَاجُ إلَى تَوْقِيفٍ.

(21)

قَوْلُهُ: وَفِيهِ سَاعَةُ إجَابَةٍ. أَقُولُ سَاعَةُ الْإِجَابَةِ مُخْتَلَفٌ فِيهَا وَمَا ذَكَرَهُ يُفِيدُ هُنَا أَنَّهَا مُبْهَمَةٌ وَهُوَ قَوْلٌ؛ قَالَ الْقَرَافِيُّ وَهُوَ الْأَشْبَهُ فَيَنْبَغِي التَّعَرُّضُ لَهَا بِإِحْضَارِ الْقَلْبِ وَمُلَازَمَةِ ذِكْرِ الرَّبِّ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ سَاعَةً لَا يُوَافِقُهَا مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى فِيهَا شَيْئًا إلَّا أَعْطَاهُ إيَّاهُ» وَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ فِي فَنِّ الْفَوَائِدِ عَنْ الْيَتِيمَةِ أَنَّ الدَّعْوَةَ الْمُسْتَجَابَةَ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ فِي وَقْتِ الْعَصْرِ عِنْدَنَا عَلَى قَوْلِ عُلَمَائِنَا (انْتَهَى) .

ص: 71

وَيَأْمَنُ الْمَيِّتُ فِيهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ.

23 -

وَمَنْ مَاتَ فِيهِ أَوْ فِي لَيْلَتِهِ أَمِنَ مِنْ فِتْنَةِ الْقَبْرِ وَعَذَابِهِ، وَلَا تُسْجَرُ فِيهِ جَهَنَّمُ، وَفِيهِ خُلِقَ آدَم وَفِيهِ أُخْرِجَ مِنْ الْجَنَّةِ، وَفِيهِ

ــ

[غمز عيون البصائر]

وَكَانَ الْأَنْسَبُ الِاقْتِصَارَ عَلَى أَحَدِهِمَا وَقِيلَ إذَا صَعِدَ الْخَطِيبُ الْمِنْبَرَ إلَى أَنْ يَنْزِلَ فَإِنْ قُلْت: صُعُودُهُ إلَى نُزُولِهِ يَتَفَاوَتُ بِاخْتِلَافِ الْخُطَبَاءِ بَلْ الْوَاحِدُ إذْ قَدْ يَتَقَدَّمُ وَيَتَأَخَّرُ فَيَلْزَمُ تَعَدُّدُهَا فِي حَقِّ كُلِّ خَطِيبٍ وَاخْتِلَافُهَا فِي حَقِّ الْخَطِيبِ الْوَاحِدِ بِاعْتِبَارِ تَقَدُّمِهِ وَتَأَخُّرِهِ قُلْت لَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ وَمِنْ ثَمَّ قِيلَ: هِيَ فِي حَقِّ كُلِّ خَطِيبٍ وَسَامِعِيهِ مِنْ حِينِ صُعُودِهِ إلَى نُزُولِهِ فَلَا دَخْلَ لِلْعَقْلِ فِيهِ فَإِنْ قُلْت كَيْفَ يَدْعُو فِي حَالِ الْخُطْبَةِ وَقَدْ أُمِرَ بِالْإِنْصَاتِ عِنْدَ سَمَاعِهَا؟ قُلْت الْمُرَادُ مِنْ الدُّعَاءِ اسْتِحْضَارُهُ بِقَلْبِهِ وَهُوَ كَافٍ وَفِيهِ بَحْثٌ إذْ الْمَقْصُودُ مِنْ الْإِنْصَاتِ مُلَاحَظَةُ مَعْنَى الْخُطْبَةِ وَاشْتِغَالِ قَلْبِهِ رُبَّمَا يُفَوِّتُ ذَلِكَ.

(22)

قَوْلُهُ: وَيَأْمَنُ الْمَيِّتُ فِيهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ. أَقُولُ: قَالَ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ عَذَابُ الْقَبْرِ حَقٌّ وَسُؤَالُ مُنْكَرٍ وَنَكِيرٍ وَضَغْطَةُ الْقَبْرِ حَقٌّ سَوَاءً كَانَ مُؤْمِنًا أَوْ كَافِرًا مُطِيعًا أَوْ فَاسِقًا لَكِنْ إذَا كَانَ كَافِرًا فَعَذَابُهُ يَدُومُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَيُرْفَعُ الْعَذَابُ عَنْهُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَشَهْرَ رَمَضَانَ بِحُرْمَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَذَلِكَ فِي الْقَبْرِ يُرْفَعُ عَنْهُمْ الْعَذَابُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَكُلَّ رَمَضَانَ بِحُرْمَتِهِ فَيُعَذَّبُ اللَّحْمُ مُتَّصِلًا بِالرُّوحِ وَالرُّوحُ مُتَّصِلًا بِالْجِسْمِ فَتَتَأَلَّمُ الرُّوحُ مَعَ الْجَسَدِ وَإِنْ خَارِجًا مِنْهُ ثُمَّ الْمُؤْمِنُ عَلَى وَجْهَيْنِ إنْ كَانَ مُطِيعًا لَا يَكُونُ لَهُ عَذَابٌ وَيَكُونُ لَهُ ضَغْطَةٌ فَيَجِدُ هَوْلَ ذَلِكَ وَخَوْفَهُ وَإِنْ كَانَ عَاصِيًا يَكُونُ لَهُ عَذَابُ الْقَبْرِ وَضَغْطَةُ الْقَبْرِ لَكِنْ يَنْقَطِعُ عَنْهُ عَذَابُ الْقَبْرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلَيْلَةَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ لَا يَعُودُ الْعَذَابُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.

وَإِنْ مَاتَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوْ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ يَكُونُ لَهُ الْعَذَابُ سَاعَةً وَاحِدَةً وَضَغْطَةُ الْقَبْرِ ثُمَّ يَنْقَطِعُ عَنْهُ الْعَذَابُ كَذَا فِي الْمُعْتَقَدَاتِ لِلشَّيْخِ أَبِي الْمُعِينِ النَّسَفِيِّ الْحَنَفِيِّ. قِيلَ يُشْكِلُ كَلَامُهُ فِي حَقِّ الْكُفَّارِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ} [البقرة: 86] اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِالتَّخْفِيفِ رَفْعُ الْعَذَابِ بِالْكُلِّيَّةِ.

(23)

قَوْلُهُ: وَمَنْ مَاتَ فِيهِ أَوْ فِي لَيْلَتِهِ إلَى آخِرِهِ. فِي التَّجْنِيسِ وَالْمَزِيدِ مَنْ مَاتَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ يُرْجَى لَهُ فَضْلٌ؛ لِأَنَّ لِبَعْضِ الْأَيَّامِ فَضْلًا عَلَى الْبَعْضِ (انْتَهَى) .

ص: 72

تَقُومُ السَّاعَةُ وَفِيهِ يَزُورُ أَهْلُ الْجَنَّةِ رَبَّهُمْ سُبْحَانَهُ تَعَالَى. وَهَذَا آخِرُ مَا أَوْرَدْنَاهُ

24 -

مِنْ فَنِّ الْجَمْعِ وَالْفَرْقِ مِمَّا يَكْثُرُ دُورُهُ وَيَقْبُحُ بِالْفَقِيهِ جَهْلُهُ.

25 -

وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ وَلَهُ الْحَوْلُ وَالْقُوَّةُ. ثُمَّ الْآنَ نَشْرَعُ بِحَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَقُوَّتِهِ فِي الْفَرْقِ.

ــ

[غمز عيون البصائر]

وَفِي جَامِعِ الْمُضْمَرَاتِ وَالْمُشْكَلَاتِ: وَسُئِلَ أَبُو نَصْرٍ عَمَّنْ مَاتَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوْ بِمَكَّةَ هَلْ يُرْجَى لَهُ فَضْلٌ؟ قَالَ: نَعَمْ؛ لِأَنَّ لِبَعْضِ الْمَكَانِ وَالزَّمَانِ عَلَى الْبَعْضِ فَضْلًا فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى إرَادَةِ السَّعَادَةِ وَالْفَضِيلَةِ. وَجَاءَ فِي الْأَخْبَارِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «ثَلَاثٌ يَعْصِمُهُمْ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ الْمُؤَذِّنُ وَالشَّهِيدُ وَالْمُتَوَفَّى لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ» (انْتَهَى) . وَأَفَادَ الْمُصَنِّفُ بِالْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ إلَّا مِنْ الْفِتْنَةِ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الْعَذَابِ عَدَمُ الْفِتْنَةِ

1 -

وَاعْلَمْ أَنَّهُ بَقِيَ مِنْ أَحْكَامِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ مَا لَوْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا شَهْرًا لَا يَدْخُلُ يَوْم الْجُمُعَةِ لِلْعُرْفِ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَهِيَ مَسْأَلَةٌ نَفِيسَةٌ

(24)

قَوْلُهُ: مِنْ فَنِّ الْجَمْعِ وَالْفَرْقِ. قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: لَعَلَّهُ فِي الْجَمْعِ وَالْفَرْقِ وَتَصَحَّفَتْ عَلَى الْكَتَبَةِ وَقَدْ قَدَّمَ فِي الْفِهْرِسِ الثَّالِثِ فِي الْجَمْعِ وَالْفَرْقِ وَفِي أَوَّلِهِ بَيَانَ أَحْكَامٍ يَكْثُرُ دُورُهَا وَيَقْبُحُ بِالْفَقِيهِ جَهْلُهَا أَوْ مِنْ ظَرْفِيَّةٌ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9] .

(25)

قَوْلُهُ: وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ. قَدَّمَ الظَّرْفَ مَعَ أَنَّ الِاخْتِصَاصَ يَحْصُلُ بِدُونِ التَّقْدِيمِ إمَّا لِلِاهْتِمَامِ بِهِ تَعَالَى وَإِشْعَارًا بِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ حُضُورِهِ فِي قَلْبِ كُلِّ مُؤْمِنٍ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ عَلَى مَا يُشِيرُ إلَيْهِ مَا يُرْوَى: مَا رَأَيْت شَيْئًا إلَّا رَأَيْت اللَّهَ قُلْهُ. وَإِمَّا؛ لِأَنَّ فِي إفَادَةِ اللَّازِمِ الِاخْتِصَاصَ الثُّبُوتِيَّ بَحْثًا وَلِهَذَا قَالَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ فِي سُورَةِ التَّغَابُنِ قُدِّمَ الظَّرْفَانِ لِيَدُلَّ بِتَقَدُّمِهِمَا عَلَى اخْتِصَاصِ الْمُلْكِ وَالْحَمْدِ بِهِ تَعَالَى وَإِنْ صَرَّحَ أَيْضًا بِأَنَّ فِي الْحَمْدِ لِلَّهِ دَلَالَةً عَلَى الِاخْتِصَاصِ وَلِهَذَا مَزِيدُ بَسْطٍ فِي حَوَاشِي الْكَشَّافِ. وَأَمَّا الْمِنَّةُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا إمَّا مِنْ مَنَّ عَلَيْهِ أَيْ: أَنْعَمَ أَيْ: لَهُ الْحَمْدُ وَالنِّعْمَةُ وَأَمَّا بِمَعْنَى الِامْتِنَانِ كَمَا فِي

ص: 73

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[غمز عيون البصائر]

قَوْله تَعَالَى {بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ} [الحجرات: 17] وَأَيًّا مَا كَانَ فَفِيهِ تَفْكِيكٌ؛ لِأَنَّ مَعْنَى لَهُ الْحَمْدُ أَنَّهُ مُتَعَلِّقُ الْحَمْدِ وَلَهُ الْمِنَّةُ أَنَّهُ فَاعِلُهَا إذْ لَا وَجْهَ لَأَنْ يَكُونَ مُتَعَلَّقَ الِامْتِنَانِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُرَادَ الْمَعْنَى الْأَعَمَّ بِمَعْنَى أَنَّهُ مُتَعَلِّقُ الْحَمْدِ وَالْمِنَّةِ فَفِي الْحَمْدِ بِمَعْنَى الْوُقُوعِ وَفِي الْمِنَّةِ بِمَعْنَى الصُّدُورِ كَذَا يُسْتَفَادُ مِنْ حَوَاشِي السِّينَابِيِّ عَلَى شَرْحِ الْمَقَاصِدِ وَفِيهِ فَائِدَةٌ بَدِيعَةٌ لَمْ أَرَهَا فِي كَلَامِ غَيْرِهِ وَهِيَ أَنَّ التَّفْكِيكَ الَّذِي يُعَدُّ عَيْبًا فِي الْعِبَارَاتِ كَمَا يَكُونُ فِي الضَّمَائِرِ يَكُونُ فِي مُتَعَلِّقَاتِ الْجَارِ إذَا تَعَدَّدَ فَلْيُحْفَظْ.

ص: 74