المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[فائدة الدعاء برفع الطاعون] - غمز عيون البصائر في شرح الأشباه والنظائر - جـ ٤

[أحمد بن محمد الحموي الحنفي]

فهرس الكتاب

- ‌الْقَوْلُ فِي الدَّيْنِ

- ‌أَنْوَاعُ الدُّيُونِ:

- ‌[تَذْنِيبٌ مَا يُقَدَّمُ عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ مِنْ غَيْرِ الدُّيُونِ]

- ‌[الْقَوْلُ فِي ثَمَنِ الْمِثْلِ]

- ‌[خَاتِمَةٌ فِي التَّزَاحُمِ عَلَى الْحُقُوقِ]

- ‌[الْكَلَامُ فِي أُجْرَةِ الْمِثْلِ]

- ‌[تَنْبِيهَاتٌ]

- ‌الْكَلَامُ فِي مَهْرِ الْمِثْلِ:

- ‌[تَنْبِيهٌ زَنَى بِامْرَأَةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا وَهُوَ مُخَالِطٌ لَهَا]

- ‌الْقَوْلُ فِي الشَّرْطِ وَالتَّعْلِيقِ

- ‌ فَائِدَةٌ: مَنْ مَلَكَ التَّنْجِيزَ مَلَكَ التَّعْلِيقَ

- ‌الْقَوْلُ فِي أَحْكَامِ السَّفَرِ:

- ‌يَخْتَصُّ رُكُوبُ الْبَحْرِ بِأَحْكَامٍ:

- ‌الْقَوْلُ فِي أَحْكَامِ الْحَرَمِ

- ‌الْقَوْلُ فِي أَحْكَامِ الْمَسْجِدِ

- ‌خَاتِمَةٌ: أَعْظَمُ الْمَسَاجِدِ حُرْمَةً

- ‌[الْقَوْلُ فِي أَحْكَامِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ]

- ‌مَا افْتَرَقَ فِيهِ الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ

- ‌مَا افْتَرَقَ فِيهِ مَسْحُ الْخُفِّ وَغَسْلُ الرِّجْلِ

- ‌مَا افْتَرَقَ فِيهِ الْحَيْضُ وَالنِّفَاسُ

- ‌[مَا افْتَرَقَ فِيهِ الْحَيْضُ وَالْجَنَابَةُ]

- ‌مَا افْتَرَقَ فِيهِ الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ

- ‌مَا افْتَرَقَ فِيهِ سَجْدَةُ السَّهْوِ وَالتِّلَاوَةِ

- ‌مَا افْتَرَقَ فِيهِ الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ

- ‌مَا افْتَرَقَ فِيهِ الْجُمُعَةُ وَالْعِيدُ

- ‌مَا افْتَرَقَ فِيهِ غُسْلُ الْمَيِّتِ وَالْحَيِّ

- ‌مَا افْتَرَقَ فِيهِ الزَّكَاةُ وَصَدَقَةُ الْفِطْرِ

- ‌مَا افْتَرَقَ فِيهِ التَّمَتُّعُ وَالْقِرَانُ

- ‌مَا افْتَرَقَ فِيهِ الْهِبَةُ وَالْإِبْرَاءُ

- ‌مَا افْتَرَقَ فِيهِ الْإِجَارَةُ وَالْبَيْعُ

- ‌مَا افْتَرَقَ فِيهِ الزَّوْجَةُ وَالْأَمَةُ

- ‌مَا افْتَرَقَ فِيهِ نَفَقَةُ الزَّوْجَةِ وَالْقَرِيبِ

- ‌مَا افْتَرَقَ فِيهِ الْمُرْتَدُّ وَالْكَافِرُ الْأَصْلِيُّ

- ‌مَا افْتَرَقَ فِيهِ الْعِتْقُ وَالطَّلَاقُ

- ‌مَا افْتَرَقَ فِيهِ الْعِتْقُ وَالْوَقْفُ

- ‌مَا افْتَرَقَ فِيهِ الْمُدَبَّرُ وَأُمُّ الْوَلَدِ

- ‌مَا افْتَرَقَ فِيهِ الْبَيْعُ الْفَاسِدُ وَالصَّحِيحُ

- ‌مَا افْتَرَقَ فِيهِ الْإِمَامَةُ الْعُظْمَى وَالْقَضَاءُ

- ‌مَا افْتَرَقَ فِيهِ الْقَضَاءُ وَالْحِسْبَةُ

- ‌مَا افْتَرَقَ فِيهِ الشَّهَادَةُ وَالرِّوَايَةُ

- ‌مَا افْتَرَقَ فِيهِ حَبْسُ الرَّهْنِ وَالْمَبِيعِ

- ‌مَا افْتَرَقَ فِيهِ الْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ وَالْوَكِيلُ بِقَبْضِ الدَّيْنِ

- ‌مَا افْتَرَقَ فِيهِ النِّكَاحُ وَالرَّجْعَةُ

- ‌مَا افْتَرَقَ فِيهِ الْوَكِيلُ وَالْوَصِيُّ:

- ‌[قَاعِدَةٌ إذَا أَتَى بِالْوَاجِبِ وَزَادَ عَلَيْهِ هَلْ يَقَعُ الْكُلُّ وَاجِبًا أَمْ لَا]

- ‌[فَائِدَةٌ تَعَلُّمُ الْعِلْمِ يَكُونُ فَرْضَ عَيْنٍ]

- ‌[فَائِدَةٌ الرَّجُلُ لَا يَصِيرُ مُحَدِّثًا كَامِلًا إلَّا أَنْ يَكْسِبَ أَرْبَعًا مَعَ أَرْبَعٍ]

- ‌[قَاعِدَةٌ الْمُفْرَدُ الْمُضَافُ إلَى مَعْرِفَةٍ لِلْعُمُومِ]

- ‌[فَائِدَةٌ الْعُلُومُ ثَلَاثَةٌ]

- ‌[فَائِدَةٌ ثَلَاثٌ مِنْ الدَّنَاءَةِ]

- ‌[فَائِدَةٌ لَيْسَ مِنْ الْحَيَوَانِ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إلَّا خَمْسَةٌ]

- ‌[فَائِدَةٌ الْمُؤْمِنُ مَنْ يَقْطَعُهُ خَمْسَةٌ]

- ‌[فَائِدَةٌ الدُّعَاءِ بِرَفْعِ الطَّاعُونِ]

- ‌[فَائِدَةٌ الْكَنِيسَةَ إذَا هُدِمَتْ وَلَوْ بِغَيْرِ وَجْهٍ لَا يَجُوزُ إعَادَتُهَا]

- ‌[فَائِدَةٌ الْفِسْقُ لَا يَمْنَعُ الْأَهْلِيَّةَ]

- ‌[فَائِدَةٌ الصَّلَاةُ عَلَى مَيِّتٍ مَوْضُوعٍ عَلَى دُكَّانٍ]

- ‌[فَائِدَةٌ الْفَرْقُ بَيْنَ عِلْمِ الْقَضَاءِ وَفِقْهِ الْقَضَاءِ]

- ‌[فَائِدَةٌ شُرُوطَ الْإِمَامَةِ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهَا ثَمَانِيَةٌ]

- ‌[فَائِدَةٌ وَلَّى السُّلْطَانُ مُدَرِّسًا لَيْسَ بِأَهْلٍ]

- ‌[فَائِدَةٌ ثَلَاثَةٌ لَا يُسْتَجَابُ دُعَاؤُهُمْ]

- ‌[فَائِدَةٌ مَدْرَسَةٌ بِهَا صُفَّةٌ لَا يُصَلِّي فِيهَا أَحَدٌ وَلَا يُدَرَّسُ وَالْقَاضِي جَالِسٌ فِيهَا لِلْحُكْمِ]

- ‌[فَائِدَةٌ مَعْنَى قَوْلِهِمْ الْأَشْبَهُ]

- ‌فَائِدَةٌ: الْمَبْنِيُّ عَلَى الْفَاسِدِ فَاسِدٌ

- ‌[فَائِدَةٌ إذَا اجْتَمَعَ الْحَقَّانِ]

- ‌الْفَنُّ الرَّابِعُ مِنْ الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ وَهُوَ فَنُّ الْأَلْغَازِ

- ‌كِتَابُ الطَّهَارَةِ

- ‌كِتَابُ الصَّلَاةِ

- ‌كِتَابُ الزَّكَاةِ

- ‌كِتَابُ الصَّوْمِ

- ‌كِتَابُ الْحَجِّ

- ‌كِتَابُ النِّكَاحِ

- ‌كِتَابُ الطَّلَاقِ

- ‌[كِتَابُ الْعَتَاقِ]

- ‌[كِتَابُ الْأَيْمَانِ]

- ‌كِتَابُ الْحُدُودِ

- ‌كِتَابُ السِّيَرِ

- ‌[كِتَابُ الْمَفْقُودِ]

- ‌كِتَابُ الْوَقْفِ

- ‌كِتَابُ الْبَيْعِ

- ‌كِتَابُ الْكَفَالَةِ

- ‌كِتَابُ الْقَضَاءِ

- ‌كِتَابُ الشَّهَادَاتِ

- ‌كِتَابُ الْإِقْرَارِ

- ‌كِتَابُ الصُّلْحِ

- ‌كِتَابُ الْمُضَارَبَةِ

- ‌كِتَابُ الْهِبَةِ

- ‌كِتَابُ الْإِجَارَةِ

- ‌كِتَابُ الْوَدِيعَةِ

- ‌كِتَابُ الْعَارِيَّةِ

- ‌كِتَابُ الْمُكَاتَبِ

- ‌كِتَابُ الْمَأْذُونِ

- ‌كِتَابُ الْغَصْبِ

- ‌كِتَابُ الشُّفْعَةِ

- ‌كِتَابُ الْقِسْمَةِ

- ‌كِتَابُ الْأُضْحِيَّةِ

- ‌كِتَابُ الْكَرَاهِيَةِ

- ‌كِتَابُ الْجِنَايَاتِ

- ‌كِتَابُ الْفَرَائِضِ

- ‌[الْفَنُّ الْخَامِسُ مِنْ الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ وَهُوَ فَنُّ الْحِيَلِ وَفِيهِ فُصُولٍ] [

- ‌الْأَوَّلُ فِي الصَّلَاةِ]

- ‌ الثَّانِي فِي الصَّوْمِ

- ‌الثَّالِثُ فِي الزَّكَاةِ

- ‌الرَّابِعُ فِي الْفِدْيَةِ)

- ‌[الْخَامِسُ فِي الْحَجِّ]

- ‌السَّادِسُ فِي النِّكَاحِ)

- ‌السَّابِعُ فِي الطَّلَاقِ)

- ‌الثَّامِنُ: فِي الْخُلْعِ

- ‌التَّاسِعُ: فِي الْأَيْمَانِ

- ‌الْعَاشِرُ: فِي الْإِعْتَاقِ وَتَوَابِعِهِ

- ‌الْحَادِي عَشَرَ فِي الْوَقْفِ وَالصَّدَقَةِ

- ‌الثَّانِي عَشَرَ فِي الشَّرِكَةِ

- ‌الثَّالِثَ عَشَرَ فِي الْهِبَةِ

- ‌الرَّابِعَ عَشَرَ. فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ

- ‌الْخَامِسَ عَشَرَ: فِي الِاسْتِبْرَاءِ

- ‌السَّادِسَ عَشَرَ: فِي الْمُدَايَنَاتِ

- ‌السَّابِعَ عَشَرَ: فِي الْإِجَارَاتِ

- ‌[الثَّامِنَ عَشَرَ فِي مَنْعِ الدَّعْوَى]

- ‌التَّاسِعَ عَشَرَ: فِي الْوَكَالَةِ

- ‌الْعِشْرُونَ: فِي الشُّفْعَةِ

- ‌الْحَادِي وَالْعِشْرُونَ: فِي الصُّلْحِ

- ‌الثَّانِي وَالْعِشْرُونَ: فِي الْكَفَالَةِ

- ‌الثَّالِثُ وَالْعِشْرُونَ فِي الْحَوَالَةِ

- ‌الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ: فِي الرَّهْنِ

- ‌الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ: فِي الْوَصَايَا

- ‌[الْفَنُّ السَّادِسُ مِنْ الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ وَهُوَ فَنُّ الْفُرُوقِ] [

- ‌كِتَابُ الصَّلَاةِ وَفِيهَا بَعْضُ مَسَائِلِ الطَّهَارَةِ]

- ‌[كِتَابُ الزَّكَاةِ]

- ‌كِتَابُ الصَّوْمِ

- ‌كِتَابُ الْحَجِّ

- ‌كِتَابُ النِّكَاحِ

- ‌كِتَابُ الطَّلَاقِ

- ‌كِتَابُ الْعَتَاقِ

- ‌[الْفَنُّ السَّابِعُ مِنْ الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ الْحِكَايَاتُ وَالْمُرَاسَلَاتُ]

- ‌[مَسْأَلَة الْمَبِيعَ يُمْلَكُ مَعَ الْبَيْعِ أَوْ بَعْدَهُ]

- ‌[وَصِيَّةُ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ لِأَبِي يُوسُفَ]

الفصل: ‌[فائدة الدعاء برفع الطاعون]

ظُلْمَةُ الْغَفْلَةِ، وَغَيْمُ الشَّكِّ، وَرِيحُ الْفِتْنَةِ، وَدُخَانُ الْحَرَامِ؛ وَنَارُ الْهَوَى.

27 -

فَائِدَةٌ: فِي الدُّعَاءِ بِرَفْعِ الطَّاعُونِ: سُئِلْتُ عَنْهُ فِي طَاعُونِ سَنَةِ تِسْعٍ وَسِتِّينَ وَتِسْعِ مِائَةٍ بِالْقَاهِرَةِ فَأَجَبْت بِأَنِّي لَمْ أَرَهُ صَرِيحًا، وَلَكِنْ صَرَّحَ فِي الْغَايَةِ وَعَزَاهُ الشُّمُنِّيُّ إلَيْهَا بِأَنَّهُ إذَا نَزَلَ بِالْمُسْلِمِينَ نَازِلَةٌ.

28 -

قَنَتَ الْإِمَامُ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ، وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَأَحْمَدَ، وَقَالَ جُمْهُورُ أَهْلِ الْحَدِيثِ: الْقُنُوتُ عِنْدَ النَّوَازِلِ مَشْرُوعٌ فِي الصَّلَاةِ

ــ

[غمز عيون البصائر]

[فَائِدَةٌ الْمُؤْمِنُ مَنْ يَقْطَعُهُ خَمْسَةٌ]

قَوْلُهُ: ظُلْمَةُ الْغَفْلَةِ إلَخْ لَا يَخْفَى مَا فِي هَذِهِ الْكَلِمَاتِ مِنْ الِاسْتِعَارَةِ الْمَكْنِيَّةِ وَقَرِينَتُهَا الِاسْتِعَارَةُ التَّخْيِيلِيَّةُ.

[فَائِدَةٌ الدُّعَاءِ بِرَفْعِ الطَّاعُونِ]

(27)

قَوْلُهُ: فَائِدَةٌ فِي الدُّعَاءِ بِرَفْعِ الطَّاعُونِ إلَخْ فِي تُحْفَةِ الرَّاغِبِينَ فِي أَمْرِ الطَّوَاعِينِ مَا نَصُّهُ: اسْتَشْكَلَ بَعْضٌ طَلَبَ الدُّعَاءِ بِرَفْعِ الطَّاعُونِ مَعَ أَنَّهُ رَحْمَةٌ وَشَهَادَةٌ.

وَأُجِيبُ: بِأَنَّ الطَّاعُونَ مَنْشَأُ الشَّهَادَةِ وَالرَّحْمَةِ لِأَنْفُسِهِمَا، الْمَطْلُوبُ رَفْعُ مَا هُوَ الْمُنْشَأُ وَغَايَتُهُ أَنْ يَكُونَ كَمُلَاقَاةِ الْعَدُوِّ وَقَدْ ثَبَتَ سُؤَالُ الْعَافِيَةِ مِنْهَا (انْتَهَى) .

وَفِي تُحْفَةِ الرَّاغِبِينَ أَيْضًا. أَنَّهُ لَا يُبَاحُ الدُّعَاءُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِالطَّاعُونِ وَلَا بِشَيْءٍ مِنْ الْأَمْرَاضِ وَلَوْ كَانَ فِي ضِمْنِهِ الشَّهَادَةُ. كَمَا لَا يَجُوزُ الدُّعَاءُ بِالْغَرَقِ وَالْهَدْمِ وَنَحْوِهِمَا بِلَا مُوجِبٍ. وَكَذَا الدُّعَاءُ عَلَيْهِ بِالْمَوْتِ. وَفِي كَلَامِ الْكَرَابِيسِيِّ مَا يُشْعِرُ بِكَرَاهَتِهِ دُونَ تَحْرِيمِهِ فَإِنَّهُ قَالَ: لَوْ دَعَا عَلَى غَيْرِهِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ التَّعْزِيرُ وَيَجُوزُ الدُّعَاءُ لَهُ بِطُولِ الْعُمْرِ؛ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم «دَعَا لِأَنَسٍ بِطُولِ الْعُمْرِ» كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ. وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ ذَلِكَ بِمَنْ فِي بَقَائِهِ مَنْفَعَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ، بَلْ يُنْدَبُ الدُّعَاءُ بِهِ حِينَئِذٍ وَفَائِدَةُ الدُّعَاءِ بِهِ وَإِنْ كَانَ الْأَجَلُ لَا يَزِيدُ وَلَا يَنْقُصُ يَظْهَرُ فِي أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُقَدِّرَ اللَّهُ عُمْرَ زَيْدٍ ثَلَاثِينَ سَنَةً فَإِنْ دُعِيَ لَهُ فَأَرْبَعُونَ وَعَلَى هَذَا يَنْزِلُ جَمِيعُ أَنْوَاعِ الدُّعَاءِ.

(28)

قَوْلُهُ: قَنَتَ الْإِمَامُ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ إلَخْ أَقُولُ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ قَبْلَ الرُّكُوعِ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ وَيُكَبِّرُ لَهُ.

ص: 132

كُلِّهَا (انْتَهَى) .

وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ أَنَّ مَشْرُوعِيَّةَ الْقُنُوتِ لِلنَّازِلَةِ مُسْتَمِرٌّ لَمْ يُنْسَخْ، وَبِهِ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَحَمَلُوا عَلَيْهِ حَدِيثَ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنهما «مَا زَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقْنُتُ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا» ) أَيْ عِنْدَ النَّوَازِلِ، وَمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَخْبَارِ الْخُلَفَاءِ يُفِيدُ تَقَرُّرَهُ لِفِعْلِهِمْ ذَلِكَ بَعْدَهُ صلى الله عليه وآله وسلم، وَقَدْ قَنَتَ الصِّدِّيقُ رضي الله عنه فِي مُحَارَبَةِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابَ وَعِنْدَ مُحَارَبَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَكَذَلِكَ قَنَتَ عُمَرُ رضي الله عنه، وَكَذَلِكَ قَنَتَ عَلِيٌّ رضي الله عنه فِي مُحَارَبَةِ مُعَاوِيَةَ، وَقَنَتَ مُعَاوِيَةُ فِي مُحَارَبَتِهِ (انْتَهَى) . فَالْقُنُوتُ عِنْدَنَا فِي النَّازِلَةِ ثَابِتٌ. وَهُوَ الدُّعَاءُ بِرَفْعِهَا.

29 -

وَلَا شَكَّ أَنَّ الطَّاعُونَ مِنْ أَشَدِّ النَّوَازِلِ، قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: النَّازِلَةُ الْمُصِيبَةُ الشَّدِيدَةُ تَنْزِلُ بِالنَّاسِ (انْتَهَى) . وَفِي الْقَامُوسِ: النَّازِلَةُ الشَّدِيدَةُ (انْتَهَى) . وَفِي الصِّحَاحِ: النَّازِلَةُ الشَّدِيدَةُ مِنْ شَدَائِدِ الدَّهْرِ تَنْزِلُ بِالنَّاسِ (انْتَهَى) . وَذَكَرَ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ قَالَ الطَّحْطَاوِيُّ: وَلَا يَقْنُتُ فِي الْفَجْرِ عِنْدَنَا مِنْ غَيْرِ بَلِيَّةٍ. فَإِنْ وَقَعَتْ بَلِيَّةٌ فَلَا بَأْسَ بِهِ كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَإِنَّهُ قَنَتَ شَهْرًا فِيهَا، يَدْعُو عَلَى رَعْلٍ وَذَكْوَانَ وَبَنِي لِحْيَانَ ثُمَّ تَرَكَهُ، كَذَا فِي الْمُلْتَقَطِ (انْتَهَى) . فَإِنْ قُلْت هَلْ لَهُ صَلَاةٌ؟

ــ

[غمز عيون البصائر]

قَوْلُهُ: وَلَا شَكَّ أَنَّ الطَّاعُونَ مِنْ أَشَدِّ النَّوَازِلِ إلَخْ أَقُولُ: هُوَ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَشَدِّ النَّوَازِلِ إلَّا أَنَّهُ رَحْمَةٌ وَشَهَادَةٌ فَلَا يُطْلَبُ رَفْعُهُمَا.

ص: 133

قُلْت هُوَ كَالْخُسُوفِ لِمَا فِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي قُبَيْلَ الزَّكَاةِ: فِي الْخُسُوفِ وَالظُّلْمَةِ، فِي النَّهَارِ وَاشْتِدَادِ الرِّيحِ وَالْمَطَرِ وَالثَّلْجِ وَالْأَفْزَاعِ وَعُمُومِ الْمَرَضِ يُصَلِّي وُحْدَانًا (انْتَهَى) .

31 -

وَلَا شَكَّ أَنَّ الطَّاعُونَ مِنْ قَبِيلِ عُمُومِ الْمَرَضِ فَتُسَنُّ لَهُ رَكْعَتَانِ فُرَادَى، وَذَكَرَ الزَّيْلَعِيُّ فِي خُسُوفِ الْقَمَرِ أَنَّهُ يَتَضَرَّعُ كُلُّ وَاحِدٍ لِنَفْسِهِ، وَكَذَا فِي الظُّلْمَةِ الْهَائِلَةِ بِالنَّهَارِ وَالرِّيحِ الشَّدِيدَةِ وَالزَّلَازِلِ وَالصَّوَاعِقِ وَانْتِشَارِ الْكَوَاكِبِ وَالضَّوْءِ الْهَائِلِ بِاللَّيْلِ وَالثَّلْجِ وَالْأَمْطَارِ الدَّائِمَةِ وَعُمُومِ الْأَمْرَاضِ وَالْخَوْفِ الْغَالِبِ مِنْ الْعَدُوِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْأَفْزَاعِ وَالْأَهْوَالِ؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مِنْ الْآيَاتِ الْمُخَوِّفَةِ (انْتَهَى) . فَإِنْ قُلْت: هَلْ يُشْرَعُ الِاجْتِمَاعُ لِلدُّعَاءِ بِرَفْعِهِ كَمَا يَفْعَلُهُ النَّاسُ بِالْقَاهِرَةِ بِالْجَبَلِ؟ 32 - قُلْت: هُوَ كَخُسُوفِ الْقَمَرِ، وَقَدْ قَالَ فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ: وَالصَّلَاةُ فِي خُسُوفِ الْقَمَرِ تُؤَدَّى فُرَادَى وَكَذَلِكَ فِي الظُّلْمَةِ وَالرِّيحِ وَالْفَزَعِ، لَا بَأْسَ بِأَنْ يُصَلُّوا فُرَادَى وَيَدْعُونَ

ــ

[غمز عيون البصائر]

قَوْلُهُ: قُلْت هُوَ كَالْخُسُوفِ إلَخْ أَقُولُ: هَذَا قِيَاسٌ غَيْرُ صَحِيحٍ لِعَدَمِ وُجُودِ شَرَائِطِهِ وَعَلَى تَسْلِيمِ وُجُودِ الشَّرَائِطِ، فَبَابُ الْقِيَاسِ مَسْدُودٌ فِي زَمَانِنَا إنَّمَا لِلْعُلَمَاءِ النَّقْلُ عَنْ صَاحِبِ الْمَذْهَبِ مِنْ الْكُتُبِ الْمُعْتَمَدَةِ عَلَى أَنَّهُ نَفْسُهُ صَرَّحَ فِي بَعْضِ رَسَائِلِهِ بِأَنَّ الْقِيَاسَ بَعْدَ أَرْبَعِمِائَةٍ مُنْقَطِعٌ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَقِيسَ مَسْأَلَةً عَلَى مَسْأَلَةٍ.

(31)

قَوْلُهُ: وَلَا شَكَّ أَنَّ الطَّاعُونَ مِنْ قَبِيلِ عُمُومِ الْمَرَضِ إلَخْ قُلْت: الطَّاعُونُ لَيْسَ مَرَضًا؛ لِأَنَّهُ وَخْزُ الْجِنِّ كَمَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ.

(32)

قَوْلُهُ: قُلْت هُوَ كَخُسُوفِ الْقَمَرِ إلَخْ أَقُولُ: فِيهِ مَا تَقَدَّمَ فَلَا تَغْفُلْ.

ص: 134

وَيَتَضَرَّعُونَ إلَى أَنْ يَزُولَ ذَلِكَ (انْتَهَى) . فَظَاهِرُهُ أَنَّهُمْ يَجْتَمِعُونَ لِلدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْإِجَابَةِ، وَإِنْ كَانَتْ الصَّلَاةُ فُرَادَى، وَفِي الْمُجْتَبَى فِي خُسُوفِ الْقَمَرِ: وَقِيلَ الْجَمَاعَةُ جَائِزَةٌ عِنْدَنَا لَكِنَّهَا لَيْسَتْ سُنَّةً (انْتَهَى) . وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ: يُصَلِّي كُلُّ وَاحِدٍ لِنَفْسِهِ فِي خُسُوفِ الْقَمَرِ وَكَذَا فِي غَيْرِ الْخُسُوفِ مِنْ الْأَفْزَاعِ؛ كَالرِّيحِ الشَّدِيدَةِ.

34 -

وَالظُّلْمَةِ الْهَائِلَةِ مِنْ الْعَدُوِّ وَالْأَمْطَارِ الدَّائِمَةِ وَالْأَفْزَاعِ الْغَالِبَةِ، وَحُكْمُهَا حُكْمُ خُسُوفِ الْقَمَرِ، كَذَا فِي الْوَجِيزِ، وَحَاصِلُهُ: أَنَّ الْعَبْدَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَفْزَعَ إلَى الصَّلَاةِ عِنْدَ كُلِّ حَادِثَةٍ. فَقَدْ «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم. 35 - إذَا أَحْزَنَهُ أَمْرٌ صَلَّى» (انْتَهَى) . وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْعَيْنِيُّ رحمه الله فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ: الرِّيحُ الشَّدِيدَةُ وَالظُّلْمَةُ الْهَائِلَةُ بِالنَّهَارِ وَالثَّلْجُ وَالْأَمْطَارُ الدَّائِمَةُ وَالصَّوَاعِقُ وَالزَّلَازِلُ وَانْتِشَارُ الْكَوَاكِبِ وَالضَّوْءُ الْهَائِلِ بِاللَّيْلِ وَعُمُومُ الْأَمْرَاضِ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ النَّوَازِلِ وَالْأَهْوَالِ وَالْأَفْزَاعِ.

ــ

[غمز عيون البصائر]

قَوْلُهُ: وَيَدْعُونَ وَيَتَضَرَّعُونَ إلَخْ كَذَا بِخَطِّ الْمُصَنِّفِ، وَالصَّوَابُ يَدْعُوا وَيَتَضَرَّعُوا بِإِسْقَاطِ النُّونِ.

(34)

قَوْلُهُ: وَالظُّلْمَةِ الْهَائِلَةِ مِنْ الْعَدُوِّ إلَخْ كَذَا بِخَطِّ الْمُصَنِّفِ، وَلَعَلَّهُ فِي الْغَدِ بِالْمُعْجَمَةِ وَأَدَاةِ الظَّرْفِ.

(35)

قَوْلُهُ: إذَا أَحْزَنَهُ أَمْرٌ إلَخْ فِي الْقَامُوسِ حَزَبَهُ الْأَمْرُ نَابَهُ وَاشْتَدَّ عَلَيْهِ أَوْ ضَغَطَهُ وَالِاسْمُ الْحُزَابَةُ بِالضَّمِّ.

ص: 135

إذَا وَقَعْنَ صَلَّوْا وُحْدَانًا وَسَأَلُوا وَتَضَرَّعُوا، وَكَذَا فِي الْخَوْفِ الْغَالِبِ مِنْ الْعَدُوِّ (انْتَهَى) . فَقَدْ صَرَّحُوا بِالِاجْتِمَاعِ.

37 -

وَالدُّعَاءِ بِعُمُومِ الْأَمْرَاضِ، وَقَدْ صَرَّحَ شَارِحُو الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَالْمُتَكَلِّمُونَ عَلَى الطَّاعُونِ كَابْنِ حَجَرٍ بِأَنَّ الْوَبَاءَ اسْمٌ لِكُلِّ مَرَضٍ عَامٍّ وَأَنَّ كُلَّ طَاعُونٍ وَبَاءٌ، وَلَيْسَ كُلُّ وَبَاءٍ طَاعُونًا (انْتَهَى) .

38 -

فَتَصْرِيحُ أَصْحَابِنَا بِالْمَرَضِ الْعَامِّ بِمَنْزِلَةِ تَصْرِيحِهِمْ بِالْوَبَاءِ وَقَدْ عَلِمْت أَنَّهُ يَشْمَلُ الطَّاعُونَ.

39 -

وَبِهِ عُلِمَ جَوَازُ الِاجْتِمَاعِ لِلدُّعَاءِ بِرَفْعِهِ، لَكِنْ يُصَلُّونَ فُرَادَى رَكْعَتَيْنِ يَنْوِي رَكْعَتَيْ رَفْعِ الطَّاعُونِ.

40 -

وَصَرَّحَ ابْنُ حَجَرٍ بِأَنَّ الِاجْتِمَاعَ لِلدُّعَاءِ بِرَفْعِهِ بِدْعَةٌ وَأَطَالَ الْكَلَامَ فِيهِ.

وَقَدْ ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْعَيْنِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي

ــ

[غمز عيون البصائر]

قَوْلُهُ: إذَا وَقَعْنَ صَلَّوْا وُحْدَانًا إلَخْ أَقُولُ: الصَّوَابُ إذَا وَقَعَتْ. كَمَا فِي خَطِّ الْمُصَنِّفِ؛ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ مِمَّا لَا يَعْقِلُ تَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الْوَاحِدِ مِنْ الْإِنَاثِ.

(37)

قَوْلُهُ: وَالدُّعَاءُ بِعُمُومِ الْأَمْرَاضِ إلَخْ لَيْسَتْ الْبَاءُ صِلَةَ الدُّعَاءِ بَلْ الْبَاءُ هُنَا لِلسَّبَبِيَّةِ.

(38)

قَوْلُهُ: فَتَصْرِيحُ أَصْحَابِنَا بِالْمَرَضِ الْعَامِّ بِمَنْزِلَةِ تَصْرِيحِهِمْ بِالْوَبَاءِ إلَخْ أَقُولُ: فِيهِ أَنَّ الطَّاعُونَ غَيْرُ الْوَبَاءِ، وَإِنَّمَا عَبَّرَ عَنْهُ بِالْوَبَاءِ لِكَوْنِهِ يَكْثُرُ فِي الْوَبَاءِ كَمَا فِي الْهَدْيِ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْوَبَاءَ هُوَ الْمَرَضُ الْعَامُّ، وَالطَّاعُونُ لَيْسَ مَرَضًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ بَلْ هُوَ مِنْ وَخْزِ الْجِنِّ.

(39)

قَوْلُهُ: وَبِهِ عُلِمَ جَوَازُ الِاجْتِمَاعِ لِلدُّعَاءِ بِرَفْعِهِ إلَخْ أَقُولُ: فِيهِ نَظَرٌ.

(40)

قَوْلُهُ: وَصَرَّحَ ابْنُ حَجَرٍ بِأَنَّ الِاجْتِمَاعَ لِلدُّعَاءِ بِرَفْعِهِ بِدْعَةٌ إلَخْ أَقُولُ: مَا قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ: هُوَ الْحَقُّ الَّذِي لَا مِرْيَةَ فِيهِ، فَإِنَّ تَعْرِيفَ الْبِدْعَةِ صَادِقٌ عَلَيْهِ.

ص: 136

شَرْحِ الْبُخَارِيِّ: سَبَبَهُ وَحُكْمَ مَنْ مَاتَ بِهِ وَمَنْ أَقَامَ فِي بَلَدِهِ صَابِرًا مُحْتَسِبًا، وَمَنْ خَرَجَ مِنْ بَلَدٍ هُوَ فِيهَا وَمَنْ دَخَلَهَا، وَبِذَلِكَ عُلِمَ أَنَّ أَصْحَابَنَا رحمهم الله لَمْ يُهْمِلُوا الْكَلَامَ عَلَى الطَّاعُونِ

وَقَدْ أَوْسَعَ الْكَلَامَ فِيهِ الْإِمَامُ الشِّبْلِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَاضِي الْقُضَاةِ مِنْ الْحَنَفِيَّةِ، كَمَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ حَجَرٍ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى " بِبَذْلِ الْمَاعُونِ فِي فَوَائِدِ فَصْلِ الطَّاعُونِ " وَقَدْ طَالَعْته فِي تِلْكَ السَّنَةِ مِنْ أَوَّلِهِ إلَى آخِرِهِ، وَقَدْ ذَكَرَ فِيهِ أَنَّ الْمُرَجَّحَ عِنْدَ مُتَأَخِّرِي الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ الطَّاعُونَ إذَا ظَهَرَ فِي بَلَدٍ أَنَّهُ مَخُوفٌ إلَى أَنْ يَزُولَ عَنْهَا؛ فَتُعْتَبَرُ تَصَرُّفَاتُهُ مِنْ الثُّلُثِ كَالْمَرِيضِ.

41 -

وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ رِوَايَتَانِ وَالْمُرَجَّحُ مِنْهُمَا عِنْدَهُمْ أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الصَّحِيحِ. وَأَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَلَمْ يَنُصُّوا عَلَى خُصُوصِ الْمَسْأَلَةِ وَلَكِنَّ قَوَاعِدَهُمْ تَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ كَمَا هُوَ الْمُصَحَّحُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَهَكَذَا قَالَ لِي جَمَاعَةٌ مِنْ عُلَمَائِهِمْ (انْتَهَى) . قُلْت إنَّمَا كَانَتْ قَوَاعِدُنَا أَنَّهُ فِي حُكْمِ الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهُمْ قَالُوا فِي بَابِ طَلَاقِ الْمَرِيضِ: لَوْ طَلَّقَ الزَّوْجُ وَهُوَ مَحْصُورٌ أَوْ فِي صَفِّ الْقِتَالِ لَا يَكُونُ فِي حُكْمِ الْمَرِيضِ. فَلَا مِيرَاثَ لِزَوْجَتِهِ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ السَّلَامَةُ، 42 - بِخِلَافِ مَنْ بَارَزَ رَجُلًا أَوْ قَدِمَ لِيُقْتَلَ بِقَوَدٍ أَوْ رَجْمٍ فَإِنَّهُ فِي

ــ

[غمز عيون البصائر]

قَوْلُهُ: وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ رِوَايَتَانِ وَالْمُرَجَّحُ عِنْدَهُمْ إلَخْ أَقُولُ: الَّذِي فِي خَطِّ الْمُصَنِّفِ وَالْمُرَجَّحُ مِنْهُمَا.

(42)

قَوْلُهُ: بِخِلَافِ مَنْ بَارَزَ رَجُلًا إلَخْ قِيلَ فِي كَوْنِ الْغَالِبِ الْهَلَاكَ فِيمَنْ

ص: 137

حُكْمِ الْمَرِيضِ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ الْهَلَاكُ (انْتَهَى) . وَغَايَةُ الْأَمْرِ فِي الطَّاعُونِ أَنْ يَكُونَ مَنْ نَزَلَ بِبَلَدِهِمْ كَالْوَاقِفِينَ فِي صَفِّ الْقِتَالِ؛ فَلِذَا قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ عُلَمَائِنَا لِابْنِ حَجَرٍ: إنَّ قَوَاعِدَنَا تَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ كَالصَّحِيحِ، يَعْنِي قَبْلَ نُزُولِهِ بِوَاحِدٍ، أَمَّا إذَا طُعِنَ وَاحِدٌ فَهُوَ مَرِيضٌ حَقِيقَةً وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِيهِ إنَّمَا هُوَ فِيمَنْ لَمْ يُطْعَنْ مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ الَّذِي نَزَلَ بِهِمْ الطَّاعُونُ.

وَقَدْ ذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ حَجَرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي ذَلِكَ الْكِتَابِ: الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ تُسْتَنْبَطُ مِنْ أَحَدِ الْأَوْجُهِ فِي النَّهْيِ عَنْ الدُّخُولِ إلَى بَلَدِ الطَّاعُونِ، وَهُوَ مَنْعُ التَّعَرُّضِ إلَى الْبَلَاءِ

وَمِنْ الْأَدِلَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الدَّوَاءِ:

43 -

التَّحَرُّزُ فِي أَيَّامِ الْوَبَاءِ مِنْ أُمُورٍ أَوْصَى بِهَا حُذَّاقُ الْأَطِبَّاءِ.

44 -

مِثْلُ إخْرَاجِ الرُّطُوبَاتِ الْفَصِيلَةِ وَتَقْلِيلِ الْغِذَاءِ وَتَرْكِ الرِّيَاضَةِ وَالْمُكْثِ فِي الْحَمَّامِ وَمُلَازَمَةِ السُّكُونِ وَالدَّعَةِ وَأَنْ لَا يُكْثِرَ مِنْ اسْتِنْشَاقِ الْهَوَاءِ الَّذِي هُوَ عَفِنٌ. وَصَرَّحَ الرَّئِيسُ أَبُو عَلِيِّ بْنُ سِينَا بِأَنَّ.

45 -

أَوَّلَ شَيْءٍ يُبْدَأُ بِهِ فِي عِلَاجِ الطَّاعُونِ الشُّرَطُ إنْ أَمْكَنَ، فَيُسِيلُ مَا فِيهِ وَلَا يُتْرَكُ حَتَّى يَجْمُدَ فَتَزْدَادَ سُمِّيَّتُهُ؛ فَإِنْ اُحْتِيجَ إلَى

ــ

[غمز عيون البصائر]

بَارَزَ رَجُلًا وَاحِدًا نَظَرٌ خُصُوصًا إذَا كَانَ هَذَا الْمُبَارِزُ أَقْوَى وَأَشْجَعَ مِنْ قَرِينِهِ، اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يَخْرُجَ إلَى جَمَاعَةٍ.

(43)

قَوْلُهُ: التَّحَرُّزُ إلَخْ نَائِبُ فَاعِلِ تُسْتَنْبَطُ.

(44)

قَوْلُهُ: مِثْلُ إخْرَاجِ الرُّطُوبَاتِ الْفَصِيلَةِ إلَخْ أَقُولُ: لَيْسَ هَذَا وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ بِمَا أَوْصَى الْأَطِبَّاءُ بِالتَّحَرُّزِ مِنْهُ بَلْ مِمَّا أَمَرُوا بِهِ.

(45)

قَوْلُهُ: أَوَّلُ شَيْءٍ يَبْدَأُ بِهِ فِي عِلَاجِ الطَّاعُونِ الشَّرْطُ إلَخْ أَقُولُ: قَالَ

ص: 138

مَصِّهِ بِالْمِحْجَمَةِ فَلْيَفْعَلْ بِلُطْفٍ، وَقَالَ أَيْضًا: يُعَالَجُ الطَّاعُونُ بِمَا يَقْبِضُ وَيُبَرِّدُ وَبِإِسْفَنْجَةٍ مَغْمُوسَةٍ فِي خَلٍّ أَوْ مَاءٍ أَوْ دُهْنِ وَرْدٍ أَوْ دُهْنِ تُفَّاحٍ أَوْ دُهْنٍ آسٍ، وَيُعَالَجُ بِالِاسْتِفْرَاغِ بِالْقَصْدِ بِمَا يَحْتَمِلُهُ الْوَقْتُ، أَوْ يُؤْجَرُ مَا يُخْرِجُ الْخَلْطَ ثُمَّ يُقْبِلُ عَلَى الْقَلْبِ بِالْحِفْظِ وَالتَّقْوِيَةِ بِالْمُبَرِّدَاتِ وَالْمُعَطِّرَاتِ، وَيَجْعَلُ عَلَى الْقَلْبِ مِنْ أَدْوِيَةِ أَصْحَابِ الْخَفَقَانِ الْجَائِرِ. قُلْت: وَقَدْ أَغْفَلَ الْأَطِبَّاءُ فِي عَصْرِنَا وَمَا قَبْلَهُ هَذَا التَّدْبِيرَ، فَوَقَعَ التَّفْرِيطُ الشَّدِيدُ مِنْ تَوَاطُئِهِمْ عَلَى عَدَمِ التَّعَرُّضِ لِصَاحِبِ الطَّاعُونِ بِإِخْرَاجِ الدَّمِ حَتَّى شَاعَ ذَلِكَ فِيهِمْ وَذَاعَ بِحَيْثُ صَارَ عَامَّتُهُمْ تَعْتَقِدُ تَحْرِيمَ ذَلِكَ وَهَذَا النَّقْلُ عَنْ رَئِيسِهِمْ يُخَالِفُ مَا اعْتَمَدُوهُ وَالْعَقْلُ يُوَاقِفُهُ كَمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الطَّعْنَ يُثِيرُ الدَّمَ الْكَائِنَ فَيَهِيجُ فِي الْبَدَنِ فَيَصِلُ إلَى مَكَان مِنْهُ ثُمَّ يَصِلُ أَثَرُ ضَرَرِهِ إلَى الْقَلْبِ فَيَقْتُلُ، وَلِذَلِكَ قَالَ ابْنُ سِينَا لَمَّا ذَكَرَ الْعِلَاجَ بِالشَّرْطِ وَالْقَصْدِ إنَّهُ وَاجِبٌ. انْتَهَى كَلَامُ شَيْخِ الْإِسْلَامِ رحمه الله

وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ: إذَا تَزَلْزَلَتْ الْأَرْضُ وَهُوَ فِي بَيْتِهِ؛ يُسْتَحَبُّ لَهُ الْفِرَارُ إلَى الصَّحْرَاءِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى

ــ

[غمز عيون البصائر]

الْعَلَّامَةُ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي كِتَابِهِ الْهَدْيِ: هَذِهِ الْقُرُوحُ وَالْأَوْرَامُ وَالْجِرَاحَاتُ هِيَ آثَارُ الطَّاعُونِ وَلَيْسَتْ نَفْسَهُ وَلَكِنْ لَمَّا لَمْ تُدْرِكْ مِنْهُ الْأَطِبَّاءُ إلَّا الْأَثَرَ الظَّاهِرَ جَعَلُوهُ نَفْسَ الطَّاعُونِ وَالطَّاعُونُ يُعَبِّرُ عَنْ ثَلَاثَةِ أُمُورٍ: أَحَدُهَا هَذَا الْأَثَرُ الظَّاهِرُ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْأَطِبَّاءُ، وَالثَّانِي الْمَوْتُ الْحَادِثُ عَنْهُ وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فِي قَوْلِهِ «الطَّاعُونُ شَهَادَةٌ لِكُلِّ مُسْلِمٍ» ، الثَّالِثُ السَّبَبُ الْفَاعِلُ لِهَذَا الدَّاءِ وَقَدْ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: أَنَّهُ بَقِيَّةُ رِجْزٍ أُرْسِلَ عَلَى بَنِي إسْرَائِيلَ. وَوَرَدَ فِيهِ أَنَّهُ وَخْزُ الْجِنِّ. وَجَاءَ أَنَّهُ دَعْوَى نَبِيٍّ (انْتَهَى) . فَلْيُرَاجَعْ فَثَمَّ فَوَائِدُ هِيَ فِي الْحَقِيقَةِ فَوَائِدُ وَالشُّرَطُ بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ كَمَا فِي تُحْفَةِ الرَّاغِبِينَ

ص: 139

{وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195] وَفِيهِ قِيلَ: الْفِرَارُ مِمَّا لَا يُطَاقُ مِنْ سُنَنِ الْمُرْسَلِينَ (انْتَهَى) .

46 -

وَهُوَ يُفِيدُ جَوَازَ الْفِرَارِ مِنْ الطَّاعُونِ إذَا نَزَلَ بِبَلْدَةٍ. وَالْحَدِيثُ فِي الصَّحِيحَيْنِ بِخِلَافِهِ. رَوَى الْعَلَائِيُّ فِي فَتَاوَاهُ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم مَرَّ بِهَدَفٍ مَائِلٍ فَأَسْرَعَ الْمَشْيَ فَقِيلَ لَهُ: أَتَفِرُّ مِنْ قَضَاءِ اللَّهِ تَعَالَى؟ فَقَالَ عليه الصلاة والسلام فِرَارِي إلَى قَضَاءِ اللَّهِ تَعَالَى أَيْضًا» انْتَهَى.

ــ

[غمز عيون البصائر]

قَوْلُهُ: وَهُوَ يُفِيدُ جَوَازَ الْفِرَارِ مِنْ الطَّاعُونِ إلَخْ أَقُولُ: فِي الْإِفَادَةِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ لِمَنْ تَدَبَّرَ.

ص: 140