المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الطب الفتوى رقم (3829) س: بمطالعتي لمجلة الدعوة العدد (778) وتاريخ - فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الأولى - جـ ٢٤

[اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء]

فهرس الكتاب

- ‌ لباس الرجل إلى نصف ساقيه

- ‌ صلاة المسبل

- ‌ حكم الإسبال، وهل ينتقض الوضوء منه

- ‌ الزي الإسلامي بالنسبة للمرأة

- ‌ لبس الملابس التي فيها صليب

- ‌ كشف عورة الرجل

- ‌ لبس البدلة

- ‌ لبس العمامة

- ‌ الغترة

- ‌لبس الحرير

- ‌ لبس الحرير الصناعي

- ‌استعمال الذهب والفضة

- ‌ لبس الذهب للرجال

- ‌ لبس الخاتم أو الحلقة في الصلاة

- ‌ تركيب السن من الذهب

- ‌ تبديل السن أو تغليفها بالذهب أو الفضة

- ‌ شراء الساعات المطلية بالذهب للرجال

- ‌ لبس الذهب أو الأكل في أواني من فضة

- ‌ لبس الخاتم للمرأة في أي أصبع يكون

- ‌التشبه باللباس

- ‌من يلبس ملابس النساء في الخفاء

- ‌ لبس ملابس الكفار

- ‌ ستر الجدران بالستار

- ‌عمليات التجميل

- ‌ وضع الحناء في أطراف الأصابع

- ‌ الشامبو

- ‌ تقبيل الأخ لأخيه في الله في وجهه

- ‌ رد السلام

- ‌ استفتاح الرسائل بالسلام

- ‌ السلام من الجنب

- ‌ بدء الكفار بالسلام

- ‌رد السلام على الكافر والمرتد

- ‌الأدعية والأذكار

- ‌ قول الصحابي للرسول صلى الله عليه وسلم: «أفأجعل لك صلاتي كلها

- ‌ الصلاة والدعاء للنبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ قراءة ما يسمى بالصلاة النارية

- ‌ الدعاء باللغة الإنجليزية

- ‌ الجلوس بعد صلاة الصبح للاشتغال بأذكار الصباح وقراءة القرآن

- ‌ التكبير عند رؤية النار

- ‌ والمشروع لمن سقط أن يقول: (بسم الله)

- ‌ كثرة الدعاء إلى الله والإصرار عليه

- ‌ الزيادة أو النقص في الدعاء بالأدعية المأثورة

- ‌ التسبيح باليد اليسرى

- ‌ التسبيح بالسبحة

- ‌ دعاء الملتزم

- ‌ الدعاء والصدقة ينفعان في الدنيا والآخرة

- ‌ قراءة القرآن من باب الدعاء

- ‌ الدعاء للميت

- ‌ أيهما أفضل: ذكر الله أو الجهاد نافلة

- ‌ رفع اليدين بالدعاء عند ختام الصلاة بعد التسبيح والتحميد والتكبير

- ‌ حرز الجوشن

- ‌ هل يخفف الدعاء من المصائب

- ‌ رفع اليدين عند الدعاء

- ‌ أذكار اليوم والليلة

- ‌ الطريقة الصحيحة للدعاء

- ‌دعاء الاستخارة

- ‌ الاعتداء في الدعاء

- ‌ متى يكون طلب الرقية والدعاء ممدوحين مطلوبين

- ‌ الدعاء على الظالم

- ‌ الذكر الذي يقال لطرد الشياطين من المكان

- ‌ التكبير الجماعي

- ‌ أخذ السبحة بعد الصلاة للتسبيح

- ‌ الدعاء المبتدع

- ‌ استخدام المسبحة في غير التسبيح

- ‌ التسبيح في دبر كل صلاة بالأصابع

- ‌ قول: (تبت لله والرسول) ، و (أستودعك الله ورسوله)

- ‌ فعل السيئة بالعلم أنها سيئة تمنع التوبة

- ‌ الطرق الفعلية والنظرية والتطبيقية للتوبة

- ‌ امرأة لطمت خدها في نهار رمضان وهي صائمة وتذكرت واستغفرت

- ‌ إذا أذنب الإنسان واستغفر، وأذنب واستغفر

- ‌ نقض التوبة

- ‌ الإصرار على المعصية

- ‌ مكفرات الذنوب

- ‌الزهد

- ‌ ما هو الزهد

- ‌ كيف يرى المسلم الدنيا على حقيقتها

- ‌ حب المال وجمعه

- ‌ ادخار المال

- ‌ التسول

- ‌تفسير الأحلام

- ‌ الأحلام التي يخيل فيها للنائم أنه يجامع

- ‌ الصلاة أو القراءة أو الاغتسال أو نحو ذلك في المنام

- ‌ الاحتلام إذا لم يحصل منه إنزال

- ‌الطب

- ‌ الأفضل للإنسان إذا مرض أن يبحث عن الدواء أم لا

- ‌ أحكام طهارة المريض وصلاته

- ‌ كشف عورة المسلمة أمام المسلم بغرض العلاج

- ‌ عمل المرأة في مجال الطب

- ‌ مرض نقص المناعة

- ‌ العدوى

- ‌«داووا مرضاكم بالصدقة»

الفصل: ‌ ‌الطب الفتوى رقم (3829) س: بمطالعتي لمجلة الدعوة العدد (778) وتاريخ

‌الطب

الفتوى رقم (3829)

س: بمطالعتي لمجلة الدعوة العدد (778) وتاريخ 22 \ 2 \ 1401هـ، الصحيفة (32) وجد أن الكاتب لما ورد في تلك الصحيفة ذكر جملة:(إنه مما لا شك فيه - كما سبق أن أوضحنا - أنه كلما زادت الرعاية الصحية قل عدد الوفيات وزاد عدد السكان) .

أقول أمام هذا: إن الرعاية الصحية لها دورها الفعال في صحة الأبدان، ومكافحة بعض الأمراض، إلا أن تلك الرعاية لا دخل لها في الآجال، حيث ذلك في علم الله وتحت تصرفه ومحدودة الآجال كما قال تعالى:{لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ} (1) لذلك رأيت أني وهناك الكثير من أمثالي يرغب في إيضاح ذلك بشكل أوسع، هل للرعاية الصحية دور في تأخير الآجال كما قال الكاتب؟ وإذا كان لا وأن الآية أعلاه تعطي الدليل القاطع من ذلك، ولم تنسخ، فأرجو إيضاح ذلك.

ج: مضت سنة الله تعالى في خلقه أن يربط المسببات

(1) سورة يونس الآية 49

ص: 385

بأسبابها، فربط إيجاده النسل بالجماع، وإنباته الزرع ببذر الحبوب بالأرض وسقيها، والإحراق بالنار، والإغراق أو البلل بالماء إلى غير ذلك من الأسباب ومسبباتها، قال تعالى:{وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} (1) وقال: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا} (2){لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا} (3){وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا} (4) وقال: {وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ} (5){وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ} (6){رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ} (7) وقال: {وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ} (8)

فهذه الآيات وأمثالها تضمنت أسبابا مادية ومسببات معنوية ومادية ربط الله بينهما وجعل الأولى سببا في الثانية، وكلاهما من خلق الله تعالى وبقضائه وقدره، وهناك أسباب معنوية رتب الله عليها مسببات مادية ومعنوية، وأنشأها بها، وهو قادر على أن

(1) سورة الأنبياء الآية 30

(2)

سورة النبأ الآية 14

(3)

سورة النبأ الآية 15

(4)

سورة النبأ الآية 16

(5)

سورة ق الآية 9

(6)

سورة ق الآية 10

(7)

سورة ق الآية 11

(8)

سورة الأنفال الآية 11

ص: 386

يخلق المسببات بدون أسبابها، لكنه سبحانه جرت سنته أن يخلق هذه بتلك، ويوجدها بها، لحكمة يعلمها، قال تعالى:{كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} (1){أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ} (2){وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ} (3) وقال عن نبيه هود عليه الصلاة والسلام في دعوته لقومه: {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ} (4) وقال عن نبيه نوح عليه الصلاة والسلام في دعوته قومه: {يَا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ} (5){أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ} (6){يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (7) وقال تعالى عن رسله عليهم الصلاة والسلام في دعوتهم لأممهم: {قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} (8)

(1) سورة هود الآية 1

(2)

سورة هود الآية 2

(3)

سورة هود الآية 3

(4)

سورة هود الآية 52

(5)

سورة نوح الآية 2

(6)

سورة نوح الآية 3

(7)

سورة نوح الآية 4

(8)

سورة إبراهيم الآية 10

ص: 387

وقد ذكر سبحانه أن جماعة من المنافقين قالوا عن إخوانهم الذين قتلوا في غزوة أحد: {لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا} (1) فأمر سبحانه رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم أن يقول لهم: {لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ} (2) فبين أن قتل النفس مرهون بسببه، وأن القتيل ميت بأجله لا قبله ولا بدون سبب، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«من أحب أن يبسط له في رزقه وأن ينسأ له في أثره فليصل رحمه (3) » رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.

وعلى هذا فللرعاية الصحية دورها الفعال في صحة الأبدان ومكافحة الأمراض كما قال السائل، لكن بإذن الله وتقديره على ما سبق في علمه تعالى وبجعله تلك الرعاية سببا لنتائجها وترتيبه مسبباتها عليها بقضائه وقدره حسبما سبق في علمه تعالى، فتبين بهذا أن للأسباب دخلا في مسبباتها من جهة جعل الله لها سببا،

(1) سورة آل عمران الآية 156

(2)

سورة آل عمران الآية 154

(3)

صحيح البخاري الأدب (5986) ، صحيح مسلم البر والصلة والآداب (2557) ، سنن أبو داود الزكاة (1693) ، مسند أحمد بن حنبل (3/247) .

ص: 388

ومن جهة أمره سبحانه بالأخذ بها رجاء أن يرتب الله مسبباتها عليها، لا من ذاتها ولا بتأثرها استقلالا في نتائجها، بل بجعل الله لها مؤثرة، ولو شاء الله أن يسلبها خواصها التي أودعها فيها لفعل، كما وقع في سلبه النار خاصتها، فلم تحرق خليله إبراهيم عليه الصلاة والسلام، بل كانت بردا وسلاما عليه، وفي سلبه خاصة السيولة والإغراق عن ماء البحر حتى مر موسى عليه الصلاة والسلام وقومه بأمن وسلام، ورد تلك الخاصة إليه عند مرور فرعون ومن معه فأغرقهم، والمسببات مرهونة بأسبابها قضاء وقدرا، حتى الآجال طولا وقصرا مع الرعاية والإهمال على مقتضى ما سبق في علمه تعالى، فقول السائل:(إن الرعاية لا دخل لها في الآجال) ليس بصحيح على وجه الإطلاق، فإن لها دخلا في ذلك على ما تقدم بيانه.

وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

عضو

عضو

نائب الرئيس

الرئيس

عبد الله بن قعود

عبد الله بن غديان

عبد الرزاق عفيفي

عبد العزيز بن عبد الله بن باز

ص: 389

الفتوى رقم (2484)

س: كما تعلمون أن الطب والعلوم الطبية جلبناها وتعلمناها من الغرب بكل ما فيها من غث وسمين، وبما أن نشأة

ص: 389

الطب في الغرب لم تكن نابعة من تصور إيماني صحيح أو ديني على الأقل لو مسيحيا سليما من التحريف، لذلك كانت هناك أشياء في عالم الطب لا بد وأن تتنافى مع ديننا الحنيف، لذلك أحببت عرض هذه القضية لتكررها يوميا في عالم الطب، فأقول وبالله التوفيق: (هناك بعض المرضى من هم يعانون من مرض سيؤدي حتما في مفهوم الطب إلى أن يكون صاحبه متخلفا عقليا، بل قد يؤدي فيه مرضه إلى أن يعيش حياة كلها أمراض ومشاكل، وأقرب مثال هو: أمراض المخ والجهاز العصبي، وقد يكون هذا المريض في داخل الرحم حيث تدل التحاليل الطبية مثلا أن هذا الطفل سيولد معتوها بصورة يكون معها أتعاب لوالديه، بالإضافة إلى ما يكون له هو في حياته.

وفي الغرب هناك فكرة معترف بها، أنه من الأحسن أن لا يعالج هذا الطفل الأول، بصورة جادة تماما، يعني يعطى الفرصة ليموت، بعكس لو كان طفلا يؤدي علاجه إلى برئه تماما، وكذلك يجهض الطفل الثاني لينزل ميتا، بل قد يطلب الوالدان أحيانا هذا أو ذلك، مدعين أنهم يريدون إراحة الطفل.

أقرب مثال ما حصل منذ أيام قريبة جدا جاء إلينا طفل عمره 7 سنوات، يعاني من تخلف عقلي شديد جدا، لدرجة أنه لا يمشي ولا يجلس، ورأسه مليء بالجروح من جراء الطيحات، وأصيب بمرض الزائدة الدودية، وقف الطبيب الأخصائي ليسأل:

ص: 390

هل يعمل له عملية جراحية أو نتركه هو ومستقبل مرضه، قلت: الأمر ليس إلي، بل راجع إلى أهل العلم والدين؛ لأن هذه قضية ليست سهلة، وأجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار، هذا وقد حصل اجتماع كبير جدا للأطباء والأساتذة الزائرين من أمريكا، فقلت لهم: هذه قضية ليس لأحد الحق في الفتوى فيها، وسآتيكم بحلها إن شاء الله تعالى، إذا فالأمر حساس وعاجل، سدد الله خطاكم وأثابكم وأبقاكم ذخرا للإسلام والمسلمين.

ج: من الضروريات الخمس التي دلت نصوص الكتاب والسنة دلالة قاطعة على وجوب المحافظة عليها، وأجمعت الأمة على لزوم مراعاتها - حفظ نفس الإنسان، وهو في المرتبة الثانية بعد حفظ الدين، سواء كانت النفس حملا قد نفخ فيه الروح، أم كانت مولودة، وسواء كانت سليمة من الآفات والأعراض وما يشوهها أم كانت مصابة بشيء من ذلك، وسواء رجي شفاؤها مما بها أم لم يرج ذلك، حسب الأسباب العادية وما أجري من تجارب، فلا يجوز الاعتداء عليها بإجهاض إن كانت حملا قد نفخ فيه الروح، أو بإعطائها أدوية تقضي على حياتها وتجهز عليها طلبا لراحتها أو راحة من يعولها أو تخليصا للمجتمع من أرباب الآفات والعاهات والمشوهين والعاطلين، أو غير ذلك مما يدفع بالناس إلى التخلص، لعموم قوله تعالى:{وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} (1)

(1) سورة الإسراء الآية 33

ص: 391

ولما ثبت من بيان النبي صلى الله عليه وسلم وتوكيده من قوله: «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والتارك لدينه المفارق للجماعة (1) » رواه البخاري ومسلم، وأن يحتسبوا في ذلك، ولا يملوا من كثرة تردد المريض ولا تضيق صدورهم من طول أمد العلاج، ولا ييأسوا من حسن العواقب، فإن الأمور بيد الله يصرفها كيف يشاء، ولا يمنعهم من ذلك استحكام الداء واستغلاق العلاج، وتوقع الموت والهلاك، فكم من مريض استعصى داؤه واستفحل أمره فوهب الله له الشفاء، وكم من مريض شخص داؤه وعرف دواؤه وأمل فيه الشفاء، فواتته منيته رغم عناية معالجيه، ولا تحملنهم المهارة في الطب وكثرة تجاربهم فيه على أن يجعلوا من ظنونهم حسب ما لديهم من أسباب قطعا، وأن يجعلوا من توقعاتهم واقعا، فكم من ظنون كذبت، ومن توقعات أخطأت، وليعلموا أنا وإن أمرنا بالأخذ بالأسباب فالشفاء من الله وحده مسسبب الأسباب، وعلم الآجال إليه وحده، لا يعلمها إلا هو، وعلى ولي الأمر العام أن يهيئ وسائل العلاج من أطباء وأجهزة ومستشفيات ونحو ذلك، فالجميع راع ومسؤول عن رعيته، كل في حقله وميدانه بقدر ما آتاه الله

(1) صحيح البخاري الديات (6878) ، صحيح مسلم القسامة والمحاربين والقصاص والديات (1676) ، سنن الترمذي الديات (1402) ، سنن النسائي تحريم الدم (4016) ، سنن أبو داود الحدود (4352) ، سنن ابن ماجه الحدود (2534) ، مسند أحمد بن حنبل (1/382) ، سنن الدارمي الحدود (2298) .

ص: 392

من طاقة علمية، أو مادية أو عملية، كما أرشدنا إلى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعليهم جميعا أن يحسنوا فإن الله كتب الإحسان على كل شيء، وهو سبحانه يحب المحسنين.

فليس لهم أن يتعلقوا في ترك العلاج والإهمال فيه والإعراض عن الأخذ بأسباب الشفاء، بما ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«"عرضت علي الأمم، فرأيت النبي ومعه الرهط، والنبي ومعه الرجل والرجلان، والنبي وليس معه أحد، إذ رفع إلي سواد عظيم، فقلت: إنهم أمتي، فقيل لي: هذا موسى وقومه، فنظرت فإذا سواد عظيم فقيل لي: هذه أمتك ومعهم سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب" ثم نهض فدخل منزله، فخاض الناس في أولئك، فقال بعضهم: لعلهم الذين صحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال بعضهم: فلعلهم الذين ولدوا في الإسلام فلم يشركوا بالله شيئا، وذكروا أشياء، فخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبروه، فقال: "هم الذين لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون " فقام عكاشة بن محصن فقال: ادع الله أن يجعلني منهم، فقال: "أنت منهم " فقام رجل آخر فقال: ادع الله أن يجعلني منهم، فقال: "سبقك بها عكاشة (1) » رواه البخاري ومسلم واللفظ له، والنسائي والترمذي

(1) صحيح البخاري الطب (5752) ، صحيح مسلم الإيمان (220) ، سنن الترمذي صفة القيامة والرقائق والورع (2446) ، مسند أحمد بن حنبل (1/271) .

ص: 393

ولما بين الفريقين من الفرق البين، فإن السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب قد تركوا أسبابا مادية، قد كرهها النبي صلى الله عليه وسلم وأسبابا معنوية قد يكون في جنسها شوائب شرك إلى أسباب روحية، هي: التوكل على الله ودعاؤه سبحانه تضرعا وخفية، وللأسباب المعنوية من التأثير بإذن الله في أنواع من الأمراض والبرء منها ما ليس للأسباب المادية، فهم لم يتركوا الأخذ بالأسباب مطلقا، وإنما اختاروا منها نوعا طابت به نفوسهم، وآثروه على غيره، مع إخلاص وصدق في التوكل على الله، وصبر على البلاء، ولم يستسلموا للأمراض يائسين من الشفاء، ولم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم أنهم تركوا جميع الأسباب المادية المتاحة، وقد ثبت في الحديث:«إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى (1) » بخلاف من سئل عنه من الحمل والأطفال ذوي الآفات والأمراض المستعصية، فإن أحوالهم ومقاصد من يليهم من الآباء والأمهات ونحوهم تختلف عن حال أولئك ومقاصدهم، من جهة الإعراض عن الأسباب مطلقا - مادية ومعنوية - لليأس من الشفاء، ومن جهة القصد إلى الراحة من المريض وإراحته لضيق الصدر من القيام عليه والسآمة من طول علاجه مع اليأس من الوصول إلى نتيجة، لا للتوكل على الله والصبر على البلاء، والأمل في الشفاء من الله

(1) صحيح البخاري بدء الوحي (1) ، صحيح مسلم الإمارة (1907) ، سنن الترمذي فضائل الجهاد (1647) ، سنن النسائي الطهارة (75) ، سنن أبو داود الطلاق (2201) ، سنن ابن ماجه الزهد (4227) ، مسند أحمد بن حنبل (1/43) .

ص: 394

سبحانه وتعالى، ولأن في وجود المتخلفين عقليا والمعوقين وذوي الأمراض المزمنة من خير للعباد وذكرى وموعظة ودلالة على عظيم حكمة الله سبحانه وقدرته على ما يشاء، وعظم نعمته على من سلم من هذه الأمراض، فيشكره سبحانه ويلتزم طاعته.

وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

عضو

عضو

نائب الرئيس

الرئيس

عبد الله بن قعود

عبد الله بن غديان

عبد الرزاق عفيفي

عبد العزيز بن عبد الله بن باز

ص: 395

السؤال الثاني من الفتوى رقم (6896)

س 2: لقد قال أحد المدرسين: إن سبب الوفيات بعدم العناية الطبية، وإن الإنسان إذا لم يتعالج يموت، فهل الطب عنصر هام وله أدلة من القرآن أو الحديث؟ أفيدونا عن ذلك، هل الطب له علاقة بالحياة أو الموت؟ ولكم الشكر.

ج 2: وردت الشريعة بالأمر بالعلاج والتداوي بالأدوية المباحة، ففي (صحيح البخاري) وغيره، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء (1) » ، وعن أسامة بن شريك قال:«جاء أعرابي فقال: يا رسول الله: أنتداوى؟ قال: " نعم فإن الله لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء، علمه من علمه وجهله من جهله (2) » رواه أحمد، وهذه العلاجات المشروعة للوقاية

(1) صحيح البخاري الطب (5678) ، سنن ابن ماجه الطب (3439) .

(2)

سنن الترمذي الطب (2038) ، سنن أبو داود الطب (3855) ، سنن ابن ماجه الطب (3436) ، مسند أحمد بن حنبل (4/278) .

ص: 395