الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
124 -
أقسام الناس يوم القيامة
س: يوم القيامة هناك فئة من الناس يعذبون في النار، ولكنهم لا يخلدون، ما مصير هؤلاء الناس في القبور؟ (1)
ج: الناس بالنسبة إلى القيامة ثلاثة أقسام: قسم مؤمنون أتقياء، فإلى الجنة، وقبورهم روضة من رياض الجنة، يفتح لهم باب إلى الجنة يأتيهم من نعيمها وروحها وطيبها، كما جاءت به الأخبار عن رسول الله عليه الصلاة والسلام، والقسم الثاني: كفار قد استحقوا عذاب الله وغضبه، والسجن في دار الهوان وهي النار، فهؤلاء قبورهم عليهم عذاب، وهي حفر من حفر النار نسأل الله العافية، عذاب معجل، والقسم الثالث: أهل المعاصي ليسوا كفارا وليسوا بمسلمين كمل أتقياء، بل لهم ذنوب ولهم معاص، فهؤلاء أمرهم بين الأمرين، فقد يعذبون في قبورهم، وقد ينجون، وهكذا يوم القيامة، قد يعفو الله عنهم، فيدخلهم الجنة لإسلامهم، وتوحيدهم وما معهم من الإيمان بفضله سبحانه، أو بواسطة الشفعاء من ملائكة وأنبياء وأفراط ونحو ذلك، وقد يعذبون في النار على قدر جرائمهم، ثم بعدما يطهرون من خبثهم في النار، ينتقلون إلى الجنة، هذه حال أهل المعاصي عند أهل السنة والجماعة، أما الخوارج والمعتزلة فلهم رأي آخر، الخوارج يرون العصاة كفارا، ويرونهم مخلدين في النار، نعوذ بالله وهكذا
(1) السؤال الرابع عشر من الشريط رقم 97.
المعتزلة ومن سار في طريقهم، يرون من مات على الكبائر، يرونه مخلدا في النار ولا يخرج منها، ويحتجون بما ورد في الآيات والأحاديث، من الوعيد بقوله سبحانه وتعالى:{وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} (1) مثل قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «إن على الله عهدا لمن مات وهو يشرب الخمر، أن يسقيه من طينة الخبال"، قيل: يا رسول الله، وما طينة الخبال؟ قال: "عصارة أهل النار"، أو قال: "عرق أهل النار (2)» ، وأحاديث لعن الخمر وشاربها، كذلك حديث:«لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن (3)» الحديث. فيحتجون بهذه وأمثالها على كفر العاصي، على رأي الخوارج، وعلى خلودهم في النار، على رأي الخوارج وأتباعهم كالمعتزلة، أما أهل السنة والجماعة فيرون: أن العاصي ليس بكافر خلافا للخوارج، وليس بمخلد في النار، خلافا لهم وللمعتزلة، ولكنه
(1) سورة النساء الآية 93
(2)
أخرجه مسلم في كتاب الأشربة، باب بيان أن كل مسكر خمر وأن كل خمر حرام، برقم 2002.
(3)
أخرجه البخاري في كتاب الحدود، باب لا يشرب الخمر، برقم 6772، ومسلم في كتاب الإيمان، باب بيان نقصان الإيمان بالمعاصي ونفيه عن المتلبس بالمعصية على إرادة نفي كماله، برقم 57.
معرض للخطر، وعلى خطر من وعيد الله، قد يعذب في النار، ويعذب في قبره، وقد ينجو بسبب أعماله الصالحة، أما إذا تاب قبل أن يموت، فإنه يلحق بالقسم الأول، بالمتقين ويكون من أهل الجنة، من أول وهلة إذا تاب توبة صادقة قبل أن يموت، لكن لو مات ولم يتب، فهذا هو محل الخطر، فهو تحت مشيئة الله سبحانه وتعالى، إن شاء ربنا جل وعلا عفا عنه لإسلامه وتوحيده، وإيمانه وإن شاء ربنا عاقبه في النار، على قدر الجرائم التي مات عليها، ثم بعدما يطهر ويمحص في النار، يخرج منها إلى نهر الحياة، كما في الأحاديث الصحيحة، أنه يخرجون من النار، وقد امتحشوا قد احترقوا، فيلقون في نهر الحياة، فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل، فإذا تم خلقهم وكمل خلقهم، نقلوا إلى الجنة، هذه حال القسم الثالث، وهم العصاة من أهل المعاصي، وهم في الدنيا كذلك في قبورهم، كذلك قد يعذبون وقد لا يعذبون، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه رأى شخصين يعذبان في قبريهما فقال:«وما يعذبان في كبير" – ثم قال-: "بلى أما أحدهما فكان لا يستنزه من البول" وفي لفظ آخر: "لا يستتر من البول"، يعني: لا يتنزه منه ولا يتحفظ، "وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة (1)» . هذا يدل على أن بعض العصاة قد يعذبون بمعاصيهم، كالنميمة وعدم التنزه من
(1) أخرجه مسلم في كتاب الطهارة، باب الدليل على نجاسة البول ووجوب الاستبراء منه، برقم 292.
البول، ومثل عقوق الوالدين، مثل أكل الربا وما أشبه ذلك، وقد يعفو الله عنهم، بأعمال صالحة أتوا بها، ولتوحيدهم وإسلامهم، فهو سبحانه وتعالى الجواد الكريم جل وعلا، وفي هذا المعنى يقول سبحانه وتعالى في كتابه العظيم:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (1) فأخبر سبحانه أن الشرك لا يغفر لمن مات عليه، وأما من مات على ما دون الشرك من المعاصي، فهو تحت مشيئة الله، إن شاء سبحانه غفر له، بما معه من التوحيد والإسلام، والأعمال الصالحات، ومن شاء عذبه على ما معه من المعاصي من زنا، أو سرقة أو عقوق لوالديه أو أحدهما، أو قطيعة رحم أو أكل الربا، أو شهادة الزور أو قذف للمحصنة أو المحصن بغير حق، أو ما أشبه ذلك من المعاصي، هو فيها تحت مشيئة الله، إن شاء مولانا سبحانه غفر له، بأعمال صالحة قدمها، أو بشفاعة الشفعاء أو بدعاء المؤمنين له، أو بغير هذا وإن شاء مولانا سبحانه، عذبه في النار على قدر المعاصي التي مات عليها، وبعدما يطهر في النار، ويمحص يخرج من النار، ولا يخلد فيها خلود الكفار، لا يخلد العاصي، قد يطول مكثه في النار عند كثرة أعماله السيئة، ويسمى خلودا، كما قال الله في حق القاتل:{وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} (2) كونه خالدا فيها، يعني خلودا
(1) سورة النساء الآية 48
(2)
سورة النساء الآية 93
غير خلود الكفار، خلود له نهاية، وهكذا قوله سبحانه:{وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا} (1){يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا} (2){إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} (3) قوله: {وَيَخْلُدْ} (4) هذا خلود يليق بحال الشخص، فإن كان مشركا فهو خلود دائم، نعوذ بالله، لا يخرج منها أبدا، كما قال سبحانه:{كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} (5) وقال في الكفرة: {يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ} (6) هذه حالهم نعوذ بالله، أما إن كان عاصيا كالزاني والقاتل، فهذا خلوده دون الإقامة، وله نهاية ينتهي إليها، إذا كان لم يستحل المعصية، بل فعلها وهو يعلم أنه عاص يعلم أنه مخطئ، ولكن فعلها لشيء من الهوى، والغرض العاجل فهو يعلم أنه مخطئ، وأنه عاص ولكن أقدم على المعصية، فهذا لا يخلد خلود الكفار، ولكنه يخلد خلودا يليق بجريمته، وله نهاية ثم يخرجه الله من النار، برحمته سبحانه وتعالى.
(1) سورة الفرقان الآية 68
(2)
سورة الفرقان الآية 69
(3)
سورة الفرقان الآية 70
(4)
سورة الفرقان الآية 69
(5)
سورة البقرة الآية 167
(6)
سورة المائدة الآية 37