المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ شرح قاعدة: "من لم يكفر الكافر أو يشك في كفره فهو كافر - فتاوى نور على الدرب لابن باز بعناية الشويعر - جـ ٤

[ابن باز]

فهرس الكتاب

- ‌باب ما جاء في التنجيم

- ‌ حكم التحدث عن وقت وقوع الكسوف والخسوف

- ‌باب ما جاء في التوكل

- ‌ بيان أن الأخذ بالأسباب لا ينافي التوكل

- ‌ الأخذ بالعلاج أفضل من تركه

- ‌ حكم تعطيل الأسباب بزعم قوة اليقين

- ‌ حكم قول إني متوكل على الله ثم عليك

- ‌ بيان الفرق بين التوكل والوكالة

- ‌باب ما جاء في الخوف والرجاء

- ‌ بيان مذهب أهل السنة والجماعة في الرجاء والخوف

- ‌ التفصيل في مسألة تغليب الخوف على الرجاء

- ‌ بيان معنى القنوط

- ‌ مسألة في الوعد والوعيد

- ‌ بيان أن تعظيم حرمات اللهوالحذر من الوقوع فيها من علامات الخوف منه تعالى

- ‌باب ما جاء في الرياء

- ‌ بيان المقصود بالشرك الخفي

- ‌ الرياء يحبط العمل إذا قارنه

- ‌ حكم الامتناع عن العمل الصالح بحجة الخوف من الرياء

- ‌ حكم صاحب الرياء إذا مات ولم يتب

- ‌ وجوب الحذر من الوقوع في الرياء

- ‌ بيان أن الرياء شرك ومن أعمال المنافقين

- ‌ وجوب مجاهدة النفس للتخلص من العجب والرياء

- ‌ وجوب إحسان الظن بالله ومحاربة الوساوس الشيطانية

- ‌ بيان كفارة الرياء

- ‌ بيان معنى الإخلاص

- ‌باب ما جاء في الحلف بغير الله

- ‌ حكم الحلف بالقرآن

- ‌ حكم الحلف بغير الله تعالى

- ‌ حكم الحلف بالنجاح

- ‌ حكم الحلف بالأمانة والذمة

- ‌ حكم الحلف بالشرف أو بالذمة

- ‌ حكم قول المرء لأخيه: بذمتك إن فعلت كذا ونحوه

- ‌ حكم استعمال كلمة (بالعون) و (بالحيل)

- ‌ حكم الحلف بالنبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ حكم الحلف بحياة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ حكم قول: وحرام بالله أن تعمل كذا

- ‌ حكم قول: عليك بالنبي صلى الله عليه وسلم

- ‌ حكم حلف المرء بأبيه أو أمه

- ‌ حكم قول: والنبي أعطني كذا ونحوه

- ‌باب ما جاء في نواقض الإسلام

- ‌ بيان أن نواقض الإسلام ليست محددة بعدد معين

- ‌ حكم الركوع والسجود لغير الله تعالى

- ‌ بيان أن سجود الملائكة لآدم وسجود أبوي يوسف وإخوته له تحية وإكرام

- ‌ حكم من يؤدي بعض أركان الإسلام ويترك البعض الآخر

- ‌ حكم تكفير تارك الصلاة والمستهزئ بالقرآن

- ‌ شرح قاعدة: "من لم يكفر الكافر أو يشك في كفره فهو كافر

- ‌ التفصيل في مسألة الحكم بغير ما أنزل الله تعالى

- ‌ حكم التحاكم إلى من يسمى بالمرضي

- ‌ حكم الاستهزاء بالرسول صلى الله عليه وسلم وبالمؤمنين

- ‌ حكم الرجل المسلم يسب دين الإسلام

- ‌ حكم العذر بالجهل فيمن يسب الدين

- ‌ وجوب مقاطعة وهجران من سب الدين أو الرب

- ‌ حكم من سب الدين وقد اشتد به الغضب

- ‌ من سب الدين وجب قتله غيرة لله وحماية لدينه

- ‌ حكم ادعاء علم الغيب

- ‌ حكم من ادعى أن الشيخ عبد القادر يتصرف في الكون ويجيب السائلين

- ‌ حكم دعاء الأموات والاستغاثة بهم

- ‌ حكم الاستغاثة بالجن ودعائهم

- ‌ بيان معنى قول أهل السنة: لا يكفر المسلم بذنب

- ‌ حكم تكفير المعين

- ‌ حكم من تكلم بما يوجب ردته

- ‌ حكم الإكراه على ناقض من نواقض الإسلام

- ‌ الفرق بين الكفر الأكبر والكفر الأصغر

- ‌ حكم مظاهرة المشركين على المسلمين

- ‌ حكم معاملة من يسب الدين

- ‌باب ما جاء في الإيمان بالغيب

- ‌ حكم من يخبر بالمغيبات

- ‌ حكم تصديق من يدعي معرفة أحوال الموتى

- ‌ معرفة مستقبل الناس من علم الغيب

- ‌ بيان أن التقاويم لها حسابات معروفة وليست من علم الغيب

- ‌ بيان معنى القضاء والقدر

- ‌ بيان أن شكوى الهموم لأجل التعاون ليس من الاعتراض على القدر

- ‌ حكم قول: حصل هذا صدفة

- ‌باب ما جاء في حقيقة الإيمان

- ‌ علامات الإيمان

- ‌ شرح معنى محبة الله

- ‌ شرح معنى اليقين

- ‌ بيان أن الإيمان بالقلب لا يكفي عن العمل بالبدن

- ‌ بيان ما يتم به الدخول في الإسلام

- ‌ حكم قول: أنا مؤمن إن شاء الله

- ‌ بيان ما يقوى به الإيمان

- ‌ بيان أن الإيمان يزيد وينقص

- ‌ بيان ما يزيد به الإيمان ويقوى

- ‌ من أسباب ذوق حلاوة الإيمان

- ‌ الذنوب تؤثر على توحيد الله والإيمان به

- ‌ وجوب الإيمان بالرسل والملائكة

- ‌ بيان أن مع كل إنسان حفظة من الملائكة

- ‌ وجوب الإيمان بالكتب التي أنزلها الله تعالى على رسله

- ‌ بيان أن الإسراء ثابت بالقرآن والسنة

- ‌ بيان أن الإسراء كان بجسده وروحه عليه الصلاة والسلام

- ‌باب ما جاء في القضاء والقدر

- ‌ بيان أن القدرية مجوس هذه الأمة

- ‌ بيان أن الإنسان مسير ومخير جميعا

- ‌ حكم سب الإنسان الحظ والبخت

- ‌ بيان أن الله خلق للجنة أهلا وخلق للنار أهلا فكل ميسر لما خلق له

- ‌ حكم قول: من حسن الحظ

- ‌ حكم قول: شاء الحظ التعيس

- ‌ بيان أن الدعاء من القدر

- ‌ بيان أن الدعاء من أسباب رد القدر المعلق

- ‌ حكم قول: شاءت الأقدار

- ‌ حكم التضجر والتأفف من أجل آلام المرض

- ‌باب ما جاء في أشراط الساعة

- ‌ بيان علامات الساعة

- ‌ الكلام على نزول عيسى عليه السلام آخر الزمان

- ‌ البرهان على أن عيسى عليه السلام بشر من خلق الله

- ‌ بيان أن المسلمين يقاتلون اليهود في آخر الزمان وينصرون عليهم

- ‌باب ما جاء في المهدي المنتظر والمسيح الدجال

- ‌ الكلام على خروج الدجال في آخر الزمان

- ‌ الكلام على فتنة المسيح الدجال

- ‌ بيان أن المسيح الدجال من بني آدم

- ‌باب ما جاء في الإيمان باليوم الآخر

- ‌ وجوب الإيمان بعذاب القبر ونعيمه

- ‌ بيان أن العالم الأخروي عالم مادي إلا أنه لا ندرك كنهه في الدنيا

- ‌ بيان أن كل مخلوق له أجل محدود لا يعلمه إلا الله

- ‌ بيان أن روح المؤمن ترفع إلى الجنة

- ‌ بيان المقصود بالبرزخ

- ‌ بيان أن عذاب القبر حق

- ‌ بيان أن الإنسان يمتحن في قبره

- ‌ بيان أن النعيم والعذاب على الروح والجسد جميعا

- ‌ بيان أن القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار

- ‌ لا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله

- ‌ معنى النفخ في الصور

- ‌ بيان عدد النفخات في الصور

- ‌ أقسام الناس يوم القيامة

- ‌ بيان أن أهل الجنة مخلدون وأهل النار مخلدون

- ‌ بيان أن الحسنات توزن والسيئات كذلك

- ‌ مقدار وقوف الخلق في المحشر

- ‌ تجمع الأرواح بين الركن والمقام لا أصل له

- ‌ بعض الحكم في ابتلاء الأطفال

- ‌ بيان أن الإنسان يعاد بعد موته كما كان في الدنيا

- ‌ صفة الجنة ونعيمها

- ‌ الكلام عن الحور العين

الفصل: ‌ شرح قاعدة: "من لم يكفر الكافر أو يشك في كفره فهو كافر

46 -

‌ شرح قاعدة: "من لم يكفر الكافر أو يشك في كفره فهو كافر

"

س: الأخ: م. أ. أ. من ليبيا، يقول: سمعت مؤخرا أن من لم يكفر الكافر أو يشك في كفره فهو كافر، كما أن من يشك في كفر تارك الصلاة أو المستهزئ بحد من حدود الله فهو كافر، فهل هذا صحيح؟

ج: لقد دلت الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة على وجوب البراءة من المشركين واعتقاد كفرهم، متى علم المؤمن ذلك واتضح له كفرهم وضلالهم، كما قال الله عز وجل في كتابه العظيم:{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ} (1){إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ} (2){وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} (3) لعلهم يرجعون إليها في تكفير المشركين والبراءة منهم، والإيمان بأن الله هو المعبود بالحق سبحانه وتعالى، وقال عز وجل:{قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} (4) فهذا هو دين إبراهيم وملة إبراهيم والأنبياء جميعا، البراءة من عابدي غير الله واعتقاد كفرهم وضلالهم، حتى يؤمنوا بالله وحده سبحانه وتعالى.

(1) سورة الزخرف الآية 26

(2)

سورة الزخرف الآية 27

(3)

سورة الزخرف الآية 28

(4)

سورة الممتحنة الآية 4

ص: 118

فالواجب على المسلم أن يتبرأ من عابدي غير الله، وأن يعتقد كفرهم وضلالهم حتى يؤمنوا بالله وحده سبحانه وتعالى، كما حكى الله عن إبراهيم والأنبياء جميعا، وهكذا قوله سبحانه وتعالى:{فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (1)، والكفر بالطاغوت معناه البراءة من عبادة غير الله، واعتقاد بطلانها، وهذا الواجب على كل مكلف أن يعبد الله وحده، وأن يؤمن به ويعتقد أنه سبحانه هو المستحق للعبادة، وأن ما عبده الناس من دون الله، من أصنام أو أشجار أو أحجار، أو أموات أو جن أو ملائكة أو كواكب أو غير ذلك، أنه معبود بالباطل، قال تعالى:{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ} (2) الآية من سورة الحج. فالمؤمن إذا علم أن فلانا يعبد غير الله وجب عليه البراءة منه، واعتقاد بطلان ما هو عليه وتكفيره بذلك، إذا كان ممن بلغته الحجة، ممن كان بين المسلمين أو علم أنه بلغته الحجة، كما قال الله سبحانه وتعالى:{وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} (3)، وقال تعالى:{هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ} (4) فالله أوحى القرآن إلى نبيه صلى الله عليه وسلم وجعله بلاغا للناس، فمن بلغه القرآن أو السنة، ولم يرجع عن كفره وضلاله وجب اعتقاد بطلان ما هو عليه وكفره، ومنه هذا الحديث الصحيح، يقول

(1) سورة البقرة الآية 256

(2)

سورة الحج الآية 62

(3)

سورة الأنعام الآية 19

(4)

سورة إبراهيم الآية 52

ص: 119

عليه الصلاة والسلام: «والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت، ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أهل النار (1)» . فبين عليه الصلاة والسلام أنه متى بلغه ما بعث به النبي صلى الله عليه وسلم، ثم مات ولم يؤمن بذلك صار من أهل النار، يعني صار كافرا من أهل النار، لكونه لم يستجب لما بلغه عن الله وعن رسوله، وهذا هو معنى قوله سبحانه:{وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} (2)، وقوله سبحانه:{هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ} (3) وفي الصحيح، صحيح مسلم، عن طارق بن أشيم رضي الله عنه، عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال:«من قال: لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه (4)» وفي لفظ آخر: «من وحد الله وكفر بما يعبد من دون الله حرم ماله ودمه (5)» فجعل تحريم الدم والمال مربوطا بقوله: لا إله إلا الله، وبتوحيده الله وكفره بالطاغوت، فلا يحرم ماله ودمه حتى يوحد الله

(1) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب وجوب الإيمان برسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، برقم 153.

(2)

سورة الأنعام الآية 19

(3)

سورة إبراهيم الآية 52

(4)

أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، برقم 23.

(5)

أخرجه الإمام أحمد في مسند المكيين، حديث طارق بن أشيم الأشجعي والد أبي مالك، برقم 15448.

ص: 120

وحتى يكفر بالطاغوت، يعني حتى يكفر بعبادة غير الله، الطاغوت كل ما عبد من دون الله، يعني حتى يكفر بعبادة غير الله، ويتبرأ منها ويعتقد بطلانها، وهو معنى الآية الكريمة السابقة:{فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (1) والذي يعلم الكافر وما هو عليه من الباطل، ثم لا يكفره أو يشك في كفره، معناه أنه مكذب لله ولرسوله غير مؤمن بما حكم الله عليه به من الكفر، فاليهود والنصارى كفار بنص القرآن ونص السنة.

فالواجب على المكلفين من المسلمين اعتقاد كفرهم وضلالهم، ومن لم يكفرهم أو شك في كفرهم يكون مثلهم، لأنه مكذب لله ولرسوله، شاك فيما أخبر الله به ورسوله، وهكذا من شك في الآخرة، بأن شك هل هناك جنة ولا ما هناك جنة؟ هل هناك نار ولا ما هناك نار؟ هل هناك بعث ولا ما هناك بعث؟ يعني عنده شك، هل هناك بعث ونشور؟ هل يبعث الله الموتى؟ هل هناك جنة؟ هل هناك نار؟ ما عنده إيمان ويقين، بل عنده شك، هذا يكون كافرا، حتى يؤمن بالبعث والنشور وبالجنة والنار، وأن الله أعد الجنة للمتقين المؤمنين، وأعد النار للكافرين، لا بد من إيمانه بهذا بإجماع المسلمين. وهكذا من شك في أن الله يستحق العبادة يكون كافرا بالله عز وجل، لأن الله سبحانه، يقول:{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ} (2)

(1) سورة البقرة الآية 256

(2)

سورة الحج الآية 62

ص: 121

ويقول سبحانه: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} (1)، وقال:{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} (2)، وقال:{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} (3)، والآيات في هذا كثيرة، وهكذا من شك في الرسول صلى الله عليه وسلم، وقال: لا أعلم أن محمدا رسول الله، أو ما هو برسول الله، عندي شك. يكون حكمه حكم من أنكر رسالته أو كذب به، يكون كافرا حتى يؤمن يقينا أن محمدا رسول الله، وهكذا المرسلون الذين بينهم الله، كنوح وهود وصالح وموسى وعيسى وإبراهيم ونحوهم، من شك في رسالتهم أو كذبهم يكون كافرا، نسأل الله العافية، وهكذا من استهزأ بالدين، ومن سب الدين أو استهزأ بالحدود يكون كافرا، كما قال تعالى:{قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} (4)، والذي يسب الدين ويسب الرسول مثل المستهزئ، أو أقبح وأكفر. أما من ترك الصلاة ولم يجحد وجوبها فهذا فيه خلاف بين العلماء، منهم من يرى تكفيره وهو الصواب، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر (5)» ، وقوله صلى الله عليه وسلم:«بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة (6)» ، وقال آخرون من أهل

(1) سورة الإسراء الآية 23

(2)

سورة الفاتحة الآية 5

(3)

سورة البينة الآية 5

(4)

سورة التوبة الآية 65

(5)

أخرجه الإمام أحمد في مسند الأنصار، حديث بريدة الأسلمي رضي الله عنه، برقم 22428.

(6)

أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب بيان إطلاق اسم الكفر على من ترك الصلاة، برقم 82.

ص: 122

العلم: إنه لا يكفر بذلك إذا كان لا يجحد وجوبها، بل يكون عاصيا، ويكون كافرا كفرا دون كفر وشركا دون شرك، لكن لا يكون كافرا كفرا أكبر. هذا قاله جمع من أهل العلم، ومن شك في كفر هذا لا يكون كافرا لأجل الخلاف الذي فيه، من شك في كفر تارك الصلاة ولم يجحد وجوبها لا يكون كافرا، بل هذا محل اجتهاد بين أهل العلم، فمن عرف بالأدلة الشرعية أنه كافر وجب عليه تكفيره، ومن شك في ذلك ولم تظهر له الأدلة، ورأى أنه لا يكفر كفرا أكبر بل كفرا أصغر، هذا معذور في اجتهاده ولا يكون كافرا بذلك، أما من جحد وجوبها، وقال: الصلاة غير واجبة! هذا كافر عند الجميع، ومن شك في كفره فهو كافر نعوذ بالله، وهكذا من قال: إن الزكاة لا تجب، وجحد وجوبها، أو صيام رمضان جحد وجوبه، أو قال: إن الحج مع الاستطاعة لا يجب، هذا يكفر بذلك، لأنه مكذب لله ولرسوله عليه الصلاة والسلام، ومكذب لإجماع المسلمين فيكون كافرا، ومن شك في كفره فهو كافر بعد ما يبين له الدليل، ويوضح له الأمر يكون كافرا بذلك، لكونه كذب الله ورسوله، وكذب إجماع المسلمين، وهذه أمور عظيمة يجب على طالب العلم التثبت فيها وعدم العجلة فيها، حتى يكون على بينة وعلى بصيرة، وهكذا العامة يجب عليهم أن يتثبتوا وأن لا يقدموا على شيء حتى يسألوا أهل العلم، وحتى يتبصروا؛ لأن هذه المسائل عظيمة، مسائل تكفير ليست مسائل خفيفة، بل مسائل عظيمة. فالواجب على أهل العلم وعلى طلبة العلم أن يوضحوها للناس

ص: 123