الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
28 -
حكم الحلف بغير الله تعالى
س: لقد قرأت في كتاب جليل للعلامة الفاضل الشيخ عبد العزيز المحمد السلمان أن الحلف بغير الله شرك أصغر، ولكن بعض الأئمة قالوا: إنه شرك أكبر، ومن فعل ذلك فقد خرج عن الملة. أفيدونا بارك الله فيكم! (1)
ج: إن الشرك نوعان: أكبر وأصغر بإجماع المسلمين، قال الله عز وجل في الشرك الأكبر:{وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (2). وقال سبحانه: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (3). وقال سبحانه: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (4). فهذه الآيات وأشباهها في الشرك الأكبر.
ومنه دعاء الأموات والأصنام والأشجار، والأحجار، والنجوم، والجن، والملائكة، ونحوهم. والاستغاثة بهم، والنذر لهم، والذبح لهم ونحو ذلك. هذا من الشرك الأكبر، وهكذا اعتقاد أن هؤلاء يصلحون للعبادة، وإن لم يدعهم. إذا اعتقد أن هؤلاء يدعون من دون الله، ويستغاث بهم، وأنه لا بأس بذلك - فإن هذا شرك أكبر وإن لم يفعل. وهكذا اعتقاد السر
(1) السؤال التاسع من الشريط رقم (109).
(2)
سورة الأنعام الآية 88
(3)
سورة الزمر الآية 65
(4)
سورة النساء الآية 48
في حي من الأحياء أنه ينفع ويضر دون الله، وأنه يصلح لأن يعبد من دون الله، ولو كان حيا، كما يفعله بعض ضلال الصوفية لمشايخهم.
هذه وأشباهها من الشرك الأكبر، وهكذا ما يفعله بعض الناس مع الجن، يدعوهم أو ينذر لهم، ويذبح لهم خوفا من شرهم، هذا أيضا من الشرك الأكبر. وهكذا ما يفعله بعض الناس مع الرسل والأنبياء والملائكة، يدعونهم ويستغيثون بهم وينذرون لهم - هو من الشرك الأكبر، قال الله عز وجل:{وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ} (1)، يعني المشركين.
وقال سبحانه وتعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} (2)، وقال عز وجل:{ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ} (3){إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} (4) فسماه شركا، دعوة غير الله سماها شركا. وقال سبحانه:{وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ} (5)، فسمى دعاة غير الله كفارا.
أما الشرك الأصغر فقد بينه النبي صلى الله عليه وسلم في عدة أحاديث، منها حديث محمود بن لبيد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر! فسئل عنه، فقال: الرياء، يقول الله يوم القيامة
(1) سورة يونس الآية 106
(2)
سورة الجن الآية 18
(3)
سورة فاطر الآية 13
(4)
سورة فاطر الآية 14
(5)
سورة المؤمنون الآية 117
للمرائين: اذهبوا إلى ما كنتم تراءون في الدنيا، فانظروا هل تجدون عندهم من جزاء (1)» وهذا حديث صحيح، رواه جماعة من أهل العلم بأسانيد صحيحة، فهو يدل على أن الشرك فيه أصغر وأكبر.
فالرياء من جنس الشرك الأصغر، هو الذي يقرأ يرائي، أو يصلي بعض الصلوات يرائي الناس، أو يسبح ويهلل يرائي، أو يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر يرائي. يقول النبي صلى الله عليه وسلم:«من سمع سمع الله به، ومن راءى راءى الله به (2)» وقال جماعة من علماء التفسير: إن قوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} (3) - نزلت في المرائين. فهذا الرياء إذا وقع من المسلم في بعض الأعمال فهو شرك أصغر، وهكذا إذا عاد المريض، أو فعل أي عبادة من العبادات التي يتقرب بها إلى الله، فعلها من أجل الرياء، أو من أجل السمعة - كان شركا أصغر.
أما إذا كان فاسد العقيدة كالمنافقين الذين يعتقدون تكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم وإنكار ما جاء به من الهدى، أو الشك في ذلك، ثم يصلون مع الناس، ويصومون، ويراءونهم بهذا - فهذا شرك أكبر، وهذا رياء أكبر؛ لأنهم فاسدو العقيدة، وإنما أظهروا ما أظهروا تقية ورياء، فهو كفار كفرا
(1) أخرجه الإمام أحمد في مسند الأنصار، حديث محمود بن لبيد رضي الله عنه، برقم 23119.
(2)
أخرجه مسلم في كتاب الزهد والرقائق، باب من أشرك في عمله غير الله، برقم 2986.
(3)
سورة الكهف الآية 110
أكبر لفساد العقيدة، كما قال عز وجل:{إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا} (1){مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ} (2). عندهم شك وريب وتردد، فصاروا كفارا كفرا أكبر. وقال في حقهم في الآخرة:{إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا} (3). بسبب كفرهم الأكبر واعتقادهم الفاسد.
ومن الشرك الأصغر الحلف بغير الله، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:«من حلف بشيء دون الله فقد أشرك (4)» رواه الإمام أحمد من حديث ابن عمر رضي الله عنه بإسناد صحيح. وأخرجه أبو داود والترمذي من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«من حلف بغير الله فقد أشرك أو كفر (5)» هكذا شك الراوي، أو المعنى: وكفر، بأن تكون أو بمعنى الواو، يعني وقع في الشرك والكفر جميعا.
هذا عند أهل العلم شرك أصغر؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أقرهم على الحلف بغير الله في أول الإسلام، ولم ينههم عن ذلك، ثم نهاهم بعد ذلك. فلو كان شركا أكبر لم يقرهم عليه؛ لأن الله بعثه بإنكاره من حين
(1) سورة النساء الآية 142
(2)
سورة النساء الآية 143
(3)
سورة النساء الآية 145
(4)
أخرجه الإمام أحمد في مسند المكثرين من الصحابة، حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، برقم 4886.
(5)
أخرجه الإمام أحمد في مسند المكثرين من الصحابة، مسند عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، برقم 6036.
بعث في مكة. فعندما أقرهم عليه دهرا من الزمان، ثم نهاهم في المدينة بعد ذلك دل على أنه شرك أصغر. لو كان أكفر لما أذن فيه أبدا، بل نهى عنه من أول وهلة. وهكذا قول: ما شاء الله وشاء فلان، وهو من الله وفلان. هذا أيضا من الشرك الأصغر؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«لا تقولوا: ما شاء الله وشاء فلان، ولكن قولوا: ما شاء الله ثم شاء فلان (1)»
ولما جاء في حديث قتيلة عند النسائي: «أن اليهود كانوا يقولون للمسلمين: إنكم تشركون (وفي لفظ: إنكم تنددون)، تقولون: ما شاء الله وشاء محمد، وتقولون: والكعبة. فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم إذا أرادوا أن يحلفوا أن يقولوا: ورب الكعبة، وأن يقولوا: ما شاء الله ثم شاء محمد، وفي لفظ: أن يقولوا: ما شاء الله ثم شئت، وفي لفظ: قال لهم: قولوا: ما شاء الله وحده (2)» .
هذا كله يدل أن هذه الأمور من الشرك الأصغر، وأن الكمال أن يقول: ما شاء الله وحده، فإن قال: ما شاء الله ثم شاء فلان، لولا الله ثم فلان - فلا بأس بذلك. وفي حديث الأبرص والأقرع والأعمى في الصحيحين، أن الملك الذي جاءهم بعدما عافاهم الله من البرص
(1) أخرجه الإمام أحمد في مسند الأنصار، حديث حذيفة بن اليمان عن النبي صلى الله عليه وسلم، برقم 22754.
(2)
أخرجه النسائي في كتاب الأيمان والنذور، باب الحلف بالكعبة، برقم 3773.
والقرع والعمى، جاءهم يسألهم يقول:«لا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك (1)» فدل على جواز مثل هذه العبارة.
لكن لو اعتقد من حلف بغير الله أن هذا المحلوف به تصرف في الكون، أو ينفع ويضر دون الله، أو أن له مثل عظمة الله - صار شركا أكبر. ومن قال من العلماء: إنه شرك أكبر - فمرادهم إذا عظمه كتعظيم الله، أو اعتقد فيه أنه يصلح لما يعبد الله به، أو أنه ينفع ويضر دون الله، أو ما أشبهه من العقائد الباطلة.
فمن حلف به على هذا الاعتقاد صار شركا أكبر، أما إذا جرى على لسانه الحلف بغير الله كعادة جرت عليها جماعته وأهله وبلاده، أو جرى عليها سابقا هو واعتادها سابقا، ولم يقصد أنه معظم كعظمة الله، أو أنه يتصرف في الكون، أو أنه يصلح أن يعبد من دون الله. لم يعتقد هذا الاعتقاد، ولكن جرى على لسانه الحلف بغير الله كعادة كثير من الناس - فهذا من الشرك الأصغر.
ويوجد كثير من الناس اعتادوا هذا البلاء، وقد نسبوا إلى أهل العلم، لكن لأن العادة غلبت عليهم يتكلمون بهذا، فتجدهم يقولون: والنبي والأمانة، مع أنهم من طلبة العلم ومن أهل العلم، لكن غلبت على لسانه، واعتادها، فينسى عند الكلام، فيتكلم بها. فهذا كله من المنكر، وكله غلط، وكله من الشرك الأصغر. والواجب التنبيه على ذلك والتحذير منه، وألا يتساهل في ذلك.
فمن قال: إنه شرك أكبر - فله وجه كما تقدم، ومن قال: إنه شرك
(1) أخرجه مسلم في كتاب الزهد والرقائق، برقم 2964.