الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فالواجب على من فعل ذلك أن يبادر بالتوبة والندم والإقلاع، ولا تكفي الصلاة، فعل الصلاة لا يكفي، بل لا بد من توبة صادقة، وندم على ما وقع منه وعزم صادق على ألا يعود في ذلك؛ لأن الجريمة عظيمة، فلا يجوز له أن يتساهل في هذا الأمر، بل يجب أن يبادر بالتوبة، وحقيقتها الندم على الماضي منه، الندم الحقيقي، والحزن على ما وقع منه، والعزم الصادق ألا يعود في ذلك، وقبل أن يفعل هذا صلاته غير صحيحة، لأنها صلاة كافر، فلا بد من توبة قبل الصلاة.
53 -
حكم من سب الدين وقد اشتد به الغضب
س: إذا غضب شخص واشتد به الغضب، وحصل منه سب للدين، ما حكمه؟ وإن كان متزوجا فهل يلحق زوجته شيء، كأن تفارقه مثلا، إذا كان الحكم بخروجه عن الإسلام؟ (1)
ج: هذه المسألة عظيمة، ولها شأن خطير، سب الدين من أعظم الكبائر، والنواقض للإسلام، فإن سب الدين ردة عند جميع أهل العلم، وهو شر من الاستهزاء، قال تعالى:{قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ} (2){لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} (3)، وكانت جارية في عهد النبي صلى الله عليه وسلم تسب الدين، فقتلها سيدها لما لم تتب، فقال صلى الله عليه وسلم:
(1) السؤال الثالث من الشريط رقم 51.
(2)
سورة التوبة الآية 65
(3)
سورة التوبة الآية 66
«ألا اشهدوا أن دمها هدر (1)» . فسب الدين يوجب الردة عن الإسلام، وسب الرسول كذلك يوجب الردة عن الإسلام، ويكون صاحبه مهدر الدم وماله لبيت المال، لكونه مرتدا أتى بناقض من نواقض الإسلام، لكن إذا كان عن شدة غضب واختلال عقل فلها حكم آخر، فالغضب عند أهل العلم له ثلاث مراتب:
المرتبة الأولى: أن يشتد غضبه حتى يفقد عقله، وحتى لا يبقى معه تمييز من شدة الغضب، فهذا حكمه حكم المجانين والمعاتيه، لا يترتب على كلامه حكم: لا طلاقه ولا سبه ولا غير ذلك، يكون كالمجنون لا يترتب عليه حكم.
القسم الثاني: دون ذلك، اشتد معه الغضب، وغلب عليه الغضب جدا حتى غير فكره وحتى لم يضبط نفسه، واستولى عليه استيلاء كاملا حتى صار كالمكره والمدفوع الذي لا يستطيع التخلص مما في نفسه، لكنه دون الأول لم يفقد شعوره بالكلية، ولم يفقد عقله بالكلية، لكن مع شدة غضب بأسباب المسابة والمخاصمة والنزاع الذي بينه وبين بعض الناس، أو بينه وبين أهله، أو زوجته أو أبيه أو أميره أو غير ذلك، فهذا اختلف فيه العلماء، فمنهم من قال: حكمه حكم الصاحي العاقل تنفذ فيه الأحكام، ويقع طلاقه ويرتد بسبه الدين، ويحكم بقتله وردته، ويفرق بينه وبين زوجته، ومنهم من قال: يلحق بالأول، الذي
(1) أخرجه النسائي في كتاب تحريم الدم، باب الحكم فيمن سب النبي صلى الله عليه وسلم، برقم 4070.
فقد عقله؛ لأنه أقرب إليه، ولأن مثله مدفوع مكره إلى النطق، لا يستطيع التخلص من ذلك لشدة الغضب، وهذا القول أظهر وأقرب، وأن حكمه حكم من فقد عقله في هذا المعنى، في عدم وقوع طلاقه وفي عدم ردته، لأنه يشبه بفاقد الشعور، بسبب شدة غضبه، واستيلاء سلطان الغضب عليه، حتى لم يتمكن من التخلص من ذلك، واحتجوا على هذا بقصة موسى عليه الصلاة والسلام، فإنه لما وجد قومه على عبادة العجل اشتد غضبه عليهم، وجاء وألقى الألواح، وأخذ برأس أخيه يجره إليه، من شدة الغضب، فلم يؤاخذه الله لا بإلقاء الألواح، ولا بجر أخيه وهو نبي مثله، من أجل شدة الغضب، ولو ألقاها تهاونا بها، وهو يعقل لكان هذا عظيما، ولو جر النبي بلحيته أو برأسه فآذاه صار كفرا، هذا إذا جره إنسان، لكن لما كان موسى في شدة الغضب العظيم، غضبا لله عز وجل مما جرى من قومه سامحه الله، ولم يؤاخذه بإلقائه الألواح، ولا بجر أخيه، هذه الحجة للذين قالوا: إن طلاق الذي اشتد به الغضب لا يقع، وهكذا سبه لا تقع به ردة، وهو قول قوي ظاهر، وله حجج أخرى كثيرة، بسطها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله والعلامة ابن القيم، واختارا هذا القول، وهذا القول أرجح عندي وهو الذي أفتي به؛ لأن من اشتد غضبه ينغلق عليه قصده، ويشبه المجنون في تصرفاته وكلامه القبيح، فهو أقرب إلى المجنون والمعتوه منه إلى العاقل السليم، هذا القول أظهر وأقوى، لكن لا مانع من كونه يؤدب إذا فعل شيئا من وجوه الردة من باب الحيطة، ومن باب