الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عظيمة، لكن لا يكون كافرا كفرا أكبر إذا لم يجحد وجوبها، إذا كان يقر بأنها واجبة، ولكن حمله الكسل على تركها فهذا عند الأكثرين لا يكفر كفرا أكبر، ولكن كفر أصغر، والواجب استتابته، فإن تاب وإلا قتل، والصواب هو الأول، الصواب كفره كفر أكبر للأحاديث المذكورة، وليس عليه قضاء إذا هداه الله وتاب، ليس عليه قضاء، فسائر الكفرة إذا تابوا ليس عليهم شيء ليس عليهم قضاء ما تركوا، من صوم. ولا صلاة وإنما تكفي التوبة.
14 -
مسألة في حكم تارك الصلاة
س: هل تارك الصلاة يكفر كفرا يخرجه من ملة الإسلام أم لا (1)؟.
ج: تارك الصلاة على حالين: إحداهما أن يترك الصلاة مع الجحد للوجوب، يرى أنها غير واجبة عليه، وهو مكلف هذا يكون كافرا - نعوذ بالله - لأن من جحد وجوبها كفر بالإجماع - بإجماع المسلمين - وهكذا من جحد وجوب الزكاة أو جحد وجوب صوم رمضان - وهم مكلفون - أو جحد وجوب الحج مع الاستطاعة، أو جحد تحريم الزنا وقال: إنه
(1) السؤال الحادي عشر من الشريط رقم: 160.
حلال، أو جحد تحريم الخمر وقال: إنه حلال أو جحد تحريم الربا وقال: إنه حلال، كل هؤلاء يكفرون - نعوذ بالله - بإجماع المسلمين.
أما من تركها تهاونا وكسلا وهو يعلم أنها واجبة فهذا فيه خلاف بين أهل العلم، منهم من كفره كفرا أكبر وقال: إنه يخرج من الإسلام ويكون مرتدا كمن جحد وجوبها لا يغسل ولا يصلى عليه إذا مات، ولا يدفن مع المسلمين ولا يرثه المسلمون من أقاربه، لقوله صلى الله علمه وسلم:«بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة (1)» رواه مسلم.
وهذا صريح منه صلى الله علمه وسلم في تكفيره يقول: «بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة (2)» رواه مسلم في صحيحه. والكفر والشرك إذا أطلق بالتعريف فهو الكفر الأكبر والشرك الأكبر. وقال عليه الصلاة والسلام: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر (3)» خرجه الإمام أحمد وأهل السنن بإسناد صحيح عن بريدة رضي الله عنه مع أحاديث أخرى جاءت في الباب.
(1) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب كفر من ترك الصلاة، برقم (82).
(2)
أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب كفر من ترك الصلاة، برقم (82).
(3)
أخرجه الترمذي في كتاب الإيمان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء في ترك الصلاة، برقم (2621)، والنسائي في المجتبى في كتاب الصلاة، باب الحكم في تارك الصلاة، برقم (463)، وابن ماجه في كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما جاء فيمن ترك الصلاة، برقم (1079).
وقال آخرون من أهل العلم: إنه لا يكفر بذلك كفرا أكبر بل كفرا أصغر؛ لأنه موحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويؤمن بأنها فريضة عليه، وجعلوها كالزكاة والصيام والحج لا يكفر من تركها، وإنما هو عاص وأتى جريمة عظيمة ولكنه لا يكفر بذلك. والصواب القول الأول؛ لأن الصلاة لها شأن عظيم غير شأن الزكاة والصيام والحج، فهي أعظم من الزكاة، وأعظم من الصيام، وأعظم من الحج، وهي تلي الشهادتين، وهي عمود الإسلام كما قال عليه الصلاة والسلام:«رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة (1)» فلها شأن عظيم، ومن ذلك ما ثبت في الحديث عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما في مسند أحمد بإسناد جيد أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الصلاة يوما بين أصحابه، فقال:«من حافظ عليها كانت له نورا وبرهانا ونجاة يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نور ولا برهان ولا نجاة، وحشر يوم القيامة مع فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف (2)» قالوا: يدل على أن حشره مع هؤلاء يكون كفرا بالله؛ لأن
(1) أخرجه الترمذي في كتاب الإيمان، باب ما جاء في حرمة الصلاة، برقم (2616).
(2)
أخرجه أحمد في مسنده، مسند عبد الله بن عمرو، برقم (6576)، والدارمي في كتاب الرقاق، باب المحافظة على الصلاة، برقم (2721).
حشره مع هؤلاء الكفرة، مع رؤوس الكفرة، يدل على أنه كفر كفرا أكبر، نسأل الله السلامة والعافية.
س: سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز؟ نرجو من سماحتكم أن تقولوا لنا رأيكم في مسألة احترنا فيها بسبب تعدد الآراء، وهي: يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر (1)» ويقول عليه الصلاة والسلام: «بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة (2)» فنرجو من سماحتكم أن توضحوا لنا معنى كلمة الكفر، ومتى يعد المرء كافرا، وهل المقصود من الحديث أن تارك الصلاة يعتبر كافرا إذا تركها تكاسلا وخمولا أم إذا تركها جحودا وإنكارا؟ أم إذا تركها بأي حال من الأحوال: أفتونا في ذلك جزاكم الله خيرا؟ أخوكم في الله: ح. ك، الكويت (3)
(1) أخرجه الترمذي في كتاب الإيمان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء في ترك الصلاة، برقم (2621)، والنسائي في المجتبى في كتاب الصلاة، باب الحكم في تارك الصلاة، برقم (463)، وابن ماجه في كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما جاء فيمن ترك الصلاة، برقم (1079).
(2)
أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب كفر من ترك الصلاة، برقم (82).
(3)
السؤال الثالث والعشرون من الشريط رقم: 127.
ج: ترك الصلاة من أعظم الجرائم ومن أعظم الكبائر؛ لأن الصلاة عمود الإسلام، ولأنها أعظم الأركان بعد الشهادتين، فإن تركها جاحدا لوجوبها أو مستهزئا بها ساخرا بها، ولو فعلها فهذا يكون كافرا بإجماع المسلمين، ويكون مرتدا عن الإسلام إذا تركها جاحدا لوجوبها أو استهزأ بها وسخر منها فإن هذا يعتبر كافرا كفرا أكبر، ومرتدا عن الإسلام بإجماع المسلمين.
أما إذا تركها تكاسلا وتساهلا وهو يعلم أنها واجبة، وليس ساخرا بها ولا مستهزئا بها، ولكنه يحترمها ولكنه ربما تركها في بعض الأوقات تساهلا وتكاسلا كما يفعل بعض الناس في صلاه الفجر لا يصليها وربما ترك صلاة العصر أو صلاة العشاء ونحو ذلك، فهذا فيه خلاف بين أهل العلم، ومن أهل العلم من قال: إنه يكون كافرا كفرا أكبر ويحتج بالحديثين اللذين ذكرتهما أيها السائل، وهما حديثان صحيحان عن النبي عليه الصلاة والسلام، أحدهما قوله صلى الله عليه وسلم:«العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر (1)» خرجه الإمام أحمد بن حنبل في المسند بإسناد جيد وخرجه أيضا أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وآخرون بإسناد صحيح
(1) أخرجه الترمذي في كتاب الإيمان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء في ترك الصلاة، برقم (2621)، والنسائي في المجتبى في كتاب الصلاة، باب الحكم في تارك الصلاة، برقم (463)، وابن ماجه في كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما جاء فيمن ترك الصلاة، برقم (1079).
عن بريدة بن الحصيب الأسلمي رضي الله عنه عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر (1)» والحديث الثاني قوله صلى الله عليه وسلم: «بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة (2)» أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما عن النبي عليه الصلاة والسلام، قالوا: والكفر إذا عرف فهو الكفر الأكبر وهكذا الشرك إذا عرف هو الشرك الأكبر فالمعنى: بين الرجل وبين الوقوع في الكفر الأكبر والشرك الأكبر تركه الصلاة، وهذا يعم من تركها جاحدا ومن تركها متكاسلا وهذا القول هو الصواب وهو الأصح من قولي العلماء، أن من تركها تكاسلا يكون كافرا كفرا أكبر، ويدل على هذا أيضا الحديث الثالث وهو قوله صلى الله عليه وسلم لما سئل عن الأمراء الذين يخلون بالدين بعده عليه الصلاة والسلام، قال: «إنه سيجيء عليكم أمراء فتعرفون وتنكرون قالوا: يا رسول الله، أفلا نقاتلهم:؟ قال: لا
(1) أخرجه الترمذي في كتاب الإيمان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء في ترك الصلاة، برقم (2621)، والنسائي في المجتبى في كتاب الصلاة، باب الحكم في تارك الصلاة، برقم (463)، وابن ماجه في كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما جاء فيمن ترك الصلاة، برقم (1079).
(2)
أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب كفر من ترك الصلاة، برقم (82).
إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان (1)» هكذا جاء الحديث في الصحيحين.
وفي رواية قال: «ما أقاموا فيكم الصلاة (2)»
فدل على أن ترك الصلاة وعدم إقامتها يعتبر من الكفر البواح الذي يوجب القيام على الوالي إذا ترك ذلك ويعتبر بذلك كافرا كفرا بواحا يجب أن يقاوم من المسلمين حتى يولى غيره على المسلمين، فالمقصود أن ترك الصلاة على الأصح يعتبر كفرا بواحا.
وذهب آخرون من أهل العلم إلى تأويل هذين الحديثين وأن المراد كفر دون كفر وشرك دون شرك، وأنه لا يكفر بذلك إلا إذا جحد وجوبها أو استهزأ بها بل يكون عاصيا وقد أتى جريمة عظيمة وكبيرة عظيمة، ولكن لا يكون كافرا كفرا أكبر.
وأيضا هذا هو المعروف في مذهب الإمام مالك والشافعي وأبي حنيفة والجماعة، ولكن القول الأول أصح وأصوب وأقرب للدليل، فالواجب على كل مسلم أن يحذر ذلك وأن يستقيم على أداء الصلاة وأن لا تمنعه وظيفته أو شهواته من إقامة الصلاة في وقتها، بل يجب أن يحذر
(1) أخرجه البخاري في كتاب الفتن، باب قول النبي سترون بعدي أمورا تكرونها، برقم (7056)، ومسلم في كتاب الإمارة، باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية، برقم (1709).
(2)
أخرجه مسلم في كتاب الإمارة، باب خيار الأئمة وشرارهم، برقم (1855).
ذلك، وكذلك لا يجوز له أن يطاوع جلساء السوء في ذلك، بل يجب أن يحذر ذلك، وأن يكون قويا على جلساء السوء يأمرهم بالصلاة ويعينهم عليها، وإذا تركوا فارقهم وخالفهم وأداها في وقتها، هذه نصيحتي لكل مسلم، فليتق الله كل مسلم وليحذر ترك الصلاة، فإن تركها من أعظم الجرائم بل تركها كفر أكبر في أصح قولي العلماء بل بسببه لا يجوز له أن تبقى معه زوجة مسلمة، بل عليها أن تفارقه وأن تمتنع منه حتى يتوب إلى الله سبحانه وتعالى من ترك الصلاة، رزق الله الجميع العافية والهداية، لكن من تركها جاحدا هذا كافر بالإجماع، لقد أجمع المسلمون على أنه كافر كفرا أكبر لكن من تركها تكاسلا وهو يعلم أنها واجبة ويعترف أنها واجبة، ولكن يحمله الكسل والتهاون وقلة المبالاة على تركها، فهذا هو الذي فيه الخلاف، والصواب أنه يكون كافرا كفرا أكبر؛ للأحاديث التي سمعت في الجواب.
س: يقول السائل: نأمل أن تتكرموا بإفادتنا عن تارك الصلاة يكفر أم لا يكفر؟ نريد منكم تفصيلا كاملا حول هذا، ونريد سرد الأدلة من كتاب الله ومن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأقوال الصحابة في ذلك جزاكم الله خيرا؛ لأن هذا الموضوع شغل بال
الكثير من المسلمين، وفقكم الله. (1)
ج: هذه المسألة من المسائل العظيمة التي اختلف فيها العلماء، وهي مسألة ترك الصلاة متهاونا وكسلا لا عن جحد لوجوبها، فذهب جمع من أهل العلم إلى أنه يكفر بذلك، بأدلة كثيرة منها قوله جل وعلا:{مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ} (2){قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} (3){وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ} (4) الآية، ومنها قوله جل وعلا:{فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} (5) فدل على أن من لم يصل ليس بأخ في الدين وإن لم يجحد الوجوب، وقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح:«العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر (6)» خرجه الإمام أحمد وأصحاب السنن بإسناد صحيح.
وقوله عليه الصلاة والسلام: «بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة (7)» خرجه مسلم في
(1) السؤال السادس عشر من الشريط رقم: 244.
(2)
سورة المدثر الآية 42
(3)
سورة المدثر الآية 43
(4)
سورة المدثر الآية 44
(5)
سورة التوبة الآية 11
(6)
أخرجه الترمذي في كتاب الإيمان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء في ترك الصلاة، برقم (2621)، والنسائي في المجتبى في كتاب الصلاة، باب الحكم في تارك الصلاة، برقم (463)، وابن ماجه في كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما جاء فيمن ترك الصلاة، برقم (1079).
(7)
أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب كفر من ترك الصلاة، برقم (82).
صحيحه، وهذا كفر معرف بأل وشرك معرف بأل يدل على أنه كفر أكبر وشرك أكبر، وقوله صلى الله عليه وسلم:«رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة (1)» فشيء ترك عموده لا يبقى بل يسقط وقوله صلى الله عليه وسلم لما سئل عن الأمراء الذين يحدثون في الدين ويغيرون، قالوا: أفنقاتلهم؟ قال: «لا ما أقاموا فيكم الصلاة (2)» وفي لفظ آخر قال: «لا حتى تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان (3)» فجعل ترك الصلاة من الكفر البواح الذي يوجب كفر من فعله وقد ذكر عبد الله بن شقيق العقيلي التابعي الجليل عن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم أنهم لا يرون شيئا تركه كفر إلا الصلاة.
فحكي عن الصحابة جميعا أنهم يرون ترك الصلاة كفرا، ولم ينقل عنهم اشتراط جحد الوجوب، فدل ذلك على أن تركها من غير جحد الوجوب كفر، وإطلاق الكفر في هذا المقام يقتضي أنه كفر أكبر؛ لأن هناك أعمالا عند الصحابة تركها كفر وفعلها كفر، لكنه ليس كفرا أكبر مثل الطعن في النسب، والنياحة
(1) أخرجه الترمذي في كتاب الإيمان، باب ما جاء في حرمة الصلاة، برقم (2616).
(2)
أخرجه مسلم في كتاب الإمارة، باب خيار الأئمة وشرارهم، برقم (1855).
(3)
أخرجه البخاري في كتاب الفتن، باب قول النبي سترون بعدي أمورا تكرونها، برقم (7056)، ومسلم في كتاب الإمارة، باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية، برقم (1709).
على الميت، سماه النبي عليه الصلاة والسلام كفرا، ولكنه كفر أصغر، وهكذا البراءة من النسب سماه النبي كفرا، براءة الإنسان من أبيه، «وانتسب إلى غير أبيه (1)» وهو كفر أصغر، فدل على أن الكفر الذي حكاه عبد الله بن شقيق عن الصحابة أنه كفر أكبر. وقال عمر رضي الله عنه:«لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة (2)»
هذا القول هو أصح القولين وأرجح القولين من جهة الدليل، أما من جحد الوجوب فهو كافر عند الجميع من جحد وجوب الصلاة فهو كافر عند الجميع وإن صلى مع الناس؛ لأنه مكذب لله ولرسوله إذا جحد الوجوب، فالواجب على كل مسلم وعلى كل مسلمة أن يبادر وأن يسارع إلى الصلاة ويحافظ عليها في أوقاتها، وأن يتقي الله في ذلك، ويحذر أن يكون مع الكافرين ومن ضمن الكافرين وهو لا يدري فالصلاة عمود الإسلام وأعظم أركانه بعد الشهادتين فالواجب على المسلمين جميعا أن يحافظوا عليها وأن يعتنوا بها وأن يؤدوها في
(1) أخرجه ابن ماجه في كتاب الحدود، باب من ادعى إلى غير أبيه، برقم (2609).
(2)
أخرجه مالك في الموطأ في كتاب الطهارة، باب العمل فيمن غلبه الدم، برقم (84).
أوقاتها، وأن يصليها الرجل في جماعة في مساجد الله طاعة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم وحذرا مما وصف به من تركها من الكفر، ونسأل الله لجميع المسلمين التوفيق والهداية والعافية.
س: صدرت عدة فتاوى من هذا البرنامج بتكفير تارك الصلاة سواء تركها جاحدا أم متهاونا فتتبعنا الأقوال والأدلة في ذلك فرجح لدينا هذا الحكم، لكن وقفت أمامنا مجموعة من الشبهات، نرجو من سماحتكم ردها وهي: أولا: مصير تارك الصلاة هل هو إلى الجنة أو إلى النار؟ وذلك لتعارض هذا الحكم مع عدة أحاديث منها حديث أبي ذر، وهو قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «ما من عبد قال: لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة.
فسأل أبو ذر الرسول: وإن زنى وإن سرق؟ قال الرسول: وإن زنى وإن سرق (1)» فعل ذلك أبو ذر مرتين فأجابه الرسول نفس الإجابة وقال في الثانية: على رغم أنف أبي ذر. (2) الحديث، رواه البخاري.
(1) صحيح البخاري اللباس (5827)، صحيح مسلم الإيمان (94)، مسند أحمد (5/ 166).
(2)
أخرجه البخاري في كتاب اللباس، باب اللباس البيض، برقم (5827)، ومسلم في كتاب الإيمان، باب من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة ومن مات مشركا دخل النار، برقم (94).
ثانيا: صدرت الفتوى بأن تارك الصلاة إن مات لا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين، وهذا يعارض الحديث الذي رواه الدارقطني والبيهقي، وهو قول الرسول:«صلوا خلف من قال: لا إله إلا الله، وعلى من قال: لا إله إلا الله (1)»
ثالثا: تعارض هذه الفتوى مع حديث آخر لا يحضرني نصه، ولكن معناه أن من أدى الصلاة وحافظ عليها كان له عهد عند الله أن يدخله الجنة، ومن لم يحافظ عليها لم يكن له عهد، إن شاء الله غفر له وإن شاء عذبه، فجعل تارك الصلاة في مشيئة الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له.
هذه ثلاث شبهات نرجو ردها مع التفصيل، وبيان الأدلة على ذلك، جزاكم الله خير الجزاء (2)
ج: إن الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة كلها قائمة على كفر تارك الصلاة، سواء كان جاحدا أو متساهلا، أما من كان جاحدا لوجوبها فهذا
(1) أخرجه الدارقطني في السنن (2/ 401/1761) والبيهقي في السنن الكبرى، جماع أبواب الشهيد باب الصلاة على من قتل نفسه غير مستحل لقتلها، (4/ 19) بنحوه.
(2)
السؤال الأول من الشريط رقم 101.
كافر بإجماع المسلمين؛ لأنه مكذب لله ولرسوله عليه الصلاة والسلام، ومن كذب الله أو كذب رسوله كفر بإجماع المسلمين، أما من تركها تهاونا لا جحدا فهذا هو محل الخلاف بين أهل العلم، والسائل قد عرف ذلك، والصحيح كما عرفه السائل أن تاركها تهاونا يكفر كفرا أكبر وهذا قول جماعة من أهل العلم وقد حكاه التابعي الجليل عبد الله بن شقيق العقيلي عن الصحابة رضي الله عنهم، أنهم ما كانوا يرون شيئا تركه كفر إلا الصلاة، وقد دل على ذلك أحاديث منها قوله عليه الصلاة والسلام:«بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة (1)» أخرجه مسلم في صحيحه.
وقوله عليه الصلاة والسلام: «العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر (2)» أخرجه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه بإسناد صحيح عن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه، ومنها قوله عليه الصلاة والسلام:«رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله (3)» ومنها قوله صلى
(1) أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب كفر من ترك الصلاة، برقم (82).
(2)
أخرجه الترمذي في كتاب الإيمان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب ما جاء في ترك الصلاة، برقم (2621)، والنسائي في المجتبى في كتاب الصلاة، باب الحكم في تارك الصلاة، برقم (463)، وابن ماجه في كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما جاء فيمن ترك الصلاة، برقم (1079).
(3)
أخرجه الترمذي في كتاب الإيمان، باب ما جاء في حرمة الصلاة، برقم (2616).
الله عليه وسلم في الصلاة: «من حافظ عليها كانت له نورا وبرهانا ونجاة يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نور ولا برهان ولا نجاة، وحشر يوم القيامة مع فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف (1)» وهؤلاء من صناديد الكفرة وكبارهم، فحشر تارك الصلاة معهم يدل على كفره، نسأل الله العافية والسلامة.
وإن كان لم يتركها بالكلية، بل يترك بعضا ويؤدي بعضا وهناك أدلة أخرى دالة على ذلك، أما الشبهات الثلاث التي ذكرها السائل فجوابها بحمد الله ميسر، أما حديث أبي ذر فهو دليل على أن من مات على التوحيد لا يشرك بالله شيئا فإنه من أهل الجنة وإن زنى وإن سرق، وهكذا لو فعل معاصي أخرى كالعقوق والربا وشهادة الزور ونحو ذلك، فإن العاصي تحت مشيئة الله إن شاء ربنا غفر له، وإن شاء عذبه على قدر معاصيه إذا مات غير تائب، ولو دخل النار وعذب فيها فإنه لا يخلد، بل سوف يخرج منها إلى الجنة بعد التطهير والتمحيص، فمراد النبي صلى الله عليه وسلم أنه وإن زنى وإن سرق فمصيره إلى الجنة إذا مات على التوحيد، وإن جرى عليه قبل ذلك ما يجري على بعض العصاة من العقوبات، وهكذا الأحاديث
(1) أخرجه أحمد في مسنده، مسند عبد الله بن عمرو، برقم (6576)، والدارمي في كتاب الرقاق، باب المحافظة على الصلاة، برقم (2721).
الأخرى الدالة على أن أهل التوحيد من أهل الجنة كما قال صلى الله عليه وسلم في حديث عتبان: «إن الله حرم على النار من قال: لا إله إلا الله يبتغي بها وجه الله (1)» متفق عليه.
وفي حديث جابر عند مسلم يقول صلى الله عليه وسلم: «من لقي الله لا يشرك به شيئا دخل الجنة، ومن لقيه يشرك به شيئا دخل النار (2)» والأحاديث كثيرة فهذا يدل على أن أهل التوحيد مصيرهم إلى الجنة وإن جرى منهم بعض المعاصي فإنهم تحت مشيئة الله فقد يعفى عنهم ويدخلون الجنة من أول وهلة لأعمال صالحة اكتسبوها رجحت بها موازينهم، وقد يدخلون النار ويعذبون فيها على قدر المعاصي ثم يخرجون منها، كما ثبتت بذلك الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتواترت، وأجمع على ذلك أهل السنة أن العصاة لا يخلدون في النار إذا ماتوا مسلمين على التوحيد والإيمان، فإنهم لا يخلدون في النار خلافا للخوارج والمعتزلة ومن سلك
(1) أخرجه البخاري في كتاب الصلاة، باب المساجد في البيوت، برقم (425)، ومسلم في كتاب الإيمان، باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعا، برقم (33).
(2)
أخرجه مسلم في كتاب الإيمان، باب من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة ومن مات مشركا دخل النار، برقم (93).
مسلكهم، فيكون من دخل النار من أهل التوحيد وهو عاص غير مخلد بخلاف الكفار، فإنهم يخلدون في النار أبد الآباد فحديث أبي ذر وما جاء في معناه إنما هو في حق العصاة الذين لم تصل معصيتهم إلى الكفر أما من وصلت معصيته إلى الكفر كتارك الصلاة، وسب الدين، والمستهزئ بالدين وأشباههم، هؤلاء نقضوا توحدهم ونقضوا إسلامهم، فلم يبق معهم إسلام ولم تنفعهم كلمة التوحيد إذا فعلوا ما ينقض الإسلام، فالذي ترك الصلاة ليس مثل الزاني والسارق، بل شأنه فوق ذلك وأعظم من ذلك فهو من جنس من سب الدين أو سب الله أو سب الرسول أو استهزأ بالدين أو نحو ذلك، هؤلاء كفار بإجماع المسلمين، ولو قالوا: لا إله إلا الله، ولو ماتوا غير مشركين؛ لأن سبهم للدين يدل على احتقارهم له وعدم مبالاتهم به، وهكذا استهزاؤهم به، قال الله تعالى:{قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ} (1){لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} (2) وهكذا لو جحد وجوب الصلاة كفر وإن كان موحدا، وإن كان يقول: لا إله إلا الله، وإن كان لا يشرك بالله شيئا عند جميع العلماء، إذا جحد وجوبها أو جحد وجوب الزكاة، أو جحد
(1) سورة التوبة الآية 65
(2)
سورة التوبة الآية 66
وجوب صيام رمضان، أو جحد وجوب الحج مع الاستطاعة، أو جحد تحريم الزنى أو تحريم الخمر، كفر إجماعا ولو قال: لا إله إلا الله، ولو كان لا يشرك بالله شيئا؛ لأن فعله هذا يجعله كافرا في حكم المشركين، فيكون داخلا فيمن أشرك، وهكذا تركه للصلاة يجعله داخلا في الكفار، والرسول صلى الله عليه وسلم إنما حكم بالجنة لمن مات لا يشرك بالله شيئا، يعني من قال: لا إله إلا الله موحدا غير مشرك، ومن ترك الصلاة خرج من أهل التوحيد إلى أهل الكفر، وهكذا من سب الدين خرج من أهل التوحيد إلى أهل الكفر، وهكذا من استهزأ بالدين، هكذا من جحد وجوب الصلاة ومن جحد وجوب الزكاة ومن جحد وجوب صوم رمضان، ومن جحد تحريم الزنى ومن جحد تحريم المسكر، ومن جحد تحريم العقوق للوالدين ومن جحد تحريم دم المسلم بغير حق، ومن جحد هذه الأمور كفر إجماعا، ولم ينفعه قوله: لا إله إلا الله، ولم ينفعه كونه لا يشرك بالله شيئا من جهة الأصنام أو القبور أو غير ذلك؛ لأنه أتى بناقض من نواقض الإسلام، ومن أتى بناقض من نواقض الإسلام لن تنفعه بقية الأمور التي عنده، وهكذا لو استهان بالمصحف، كفر إجماعا ولو قال: لا إله إلا الله، ولو كان لا يشرك بالله شيئا فلو جلس عليه إهانة له أو بال عليه كفر إجماعا؛ لأنه استهان بكلام الله،
واحتقر كلام الله فهو يدل على عدم احترامه لله وعدم احترامه لكلامه سبحانه وتعالى، وبهذا تعلم أن قوله صلى الله عليه وسلم:«من مات لا يشرك بالله دخل الجنة (1)» «من قال: لا إله إلا الله صدقا من قلبه دخل الجنة (2)» إنما هذا في حق من قالها ولم يأت بناقض من نواقض الإسلام، أما إذا قالها وأتى بناقض كفر إجماعا ولم تنفعه هذه الكلمة كما أن من توضأ الوضوء الشرعي فقد أتى بالطهارة الشرعية له أن يصلي، لكن لو أتى بناقض، لو خرج منه الريح بعد ما توضأ أو بال بطل هذا الوضوء ولم تنفعه هذه الطهارة؛ لأنه أتى بناقض ينقضها، فهكذا من أتى بناقض من نواقض الإسلام لم ينفعه قوله: لا إله إلا الله أو شهادة أن لا إله إلا الله، أو كونه لا يشرك بالله؛ لأنه أتى بشي، ينقض دينه، وينقض إسلامه.
الشبهة الثانية: حديث عبادة في: «إن على الله عهدا لمن أتى يحافظ على الصلوات أن يدخل الجنة، ومن لم يأت يحافظ عليها ليس له عند
(1) أخرجه البخاري في كتاب الرقاق، باب: المكثرون هم المقلون، برقم (6443)، ومسلم في كتاب الإيمان، باب من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة ومن مات مشركا دخل النار، برقم (94).
(2)
أخرجه أحمد في مسنده مسند الكوفيين، حديت أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه، برقم (19689).
الله عهد (1)» هذا حديث ضعيف لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم، هو من أحاديث الفضائل، ولو صح فهو محمول على من حافظ عليها، ولكن أتى بشيء من النقص لم يتركها إنما حصل فيها خلل من بعض الشؤون التي لا تجعله تاركا لها، ولا جاحدا لها، فهذا شأنه شأن من أتى بالمعاصي تحت مشيئة الله إذا كان يصلي ولكنه أخل بشيء مما يجب فيها من جهة نقره لها بعض الأحيان، أو أشياء أخل بها لا تجعله في حكم التاركين، فهذا الإنسان قد يحصل منه نقص في صلاته، فيكمل له عمله بتطوعاته، كما في الحديث الثاني حديث أبي هريرة أن العبد إذا أتى بالصلاة أمر الله أن ينظر فيها فإن كملت كتبت كاملة وإلا قال سبحانه:«انظروا هل لعبدي من تطوع فيكمل به فرضه (2)» فلو
(1) أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، باب في المحافظة على وقت الصلاة، برقم (425)، وابن ماجه في كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما جاء في فرض الصلوات الخمس والمحافظة عليها، برقم (1401) بمعناه.
(2)
أخرجه أبو داود في كتاب الصلاة، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم كل صلاة لا يتمها صاحبها تتم من تطوعه، برقم (864)، والترمذي في كتاب الصلاة، باب ما جاء أن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة، برقم (413)، والنسائي في المجتبى في كتاب الصلاة، باب المحاسبة على الصلاة، برقم (465) مع اختلاف في اللفظ.
صح حمل على أنه أتى بشيء من النقص فيكمل فرضه، ولا يكون حكمه حكم من ترك بخلاف من تركها دائما أو ترك بعضها كمن يصلي الظهر دون الفجر، أو يصلي العصر دون المغرب، والعشاء أو ما أشبه ذلك، فمن ترك بعضها له حكم من تركها كلها نسأل الله العافية.
وأما الشبهة الثالثة: حديث: «صلوا على من قال: لا إله إلا الله، وصلوا خلف من قال: لا إله إلا الله (1)» فهذه أحاديث ضعيفة لا تصح عن النبي صلى الله عليه وسلم ولو صحت لكان المعنى: صلوا على من قال: لا إله إلا الله، إذا قالها بحق واستقام عليها، وهكذا صلوا خلف من قال: لا إله إلا الله، يعني إذا قالها والتزم معناها وأدى حقها، فأما من قالها ونقضها بالشرك أو نقضها بأنواع من الكفر لم تنفعه، فالمنافقون يقولون: لا إله إلا الله ويصلون مع الناس ويصومون ويحجون وهم كفار؛ لأنهم نقضوها بكفرهم الباطن، واعتقادهم الباطن، وتكذيبهم لله في الباطن، فهكذا من قالها كما تقدم وسب الدين أو
(1) أخرجه الدارقطني في السنن برقم (1762) والبيهقي في السنن الكبرى بنحوه (4/ 19).