المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة الحجرات (49) : آية 9] - التحرير والتنوير - جـ ٢٦

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌46- سُورَةُ الْأَحْقَافِ

- ‌أَغْرَاضُهَا

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : الْآيَات 5 إِلَى 6]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : الْآيَات 13 إِلَى 14]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : الْآيَات 24 إِلَى 25]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 27]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 28]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : الْآيَات 29 إِلَى 32]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 33]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 34]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 35]

- ‌47- سُورَةُ مُحَمَّدٍ

- ‌أَغْرَاضُهَا

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : الْآيَات 4 الى 6]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : الْآيَات 8 إِلَى 9]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 14]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : الْآيَات 20 الى 21]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 27]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 28]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 29]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 30]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 31]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 32]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 33]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 34]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 35]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : الْآيَات 36 الى 37]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 38]

- ‌48- سُورَةُ الْفَتْحِ

- ‌أَغْرَاضُهَا

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : الْآيَات 1 إِلَى 3]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : الْآيَات 8 إِلَى 9]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 14]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : الْآيَات 18 إِلَى 19]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : الْآيَات 22 إِلَى 23]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 27]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 28]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 29]

- ‌49- سُورَةُ الْحُجُرَاتِ

- ‌أَغْرَاضُ هَاتِهِ السُّورَةِ

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : الْآيَات 4 إِلَى 5]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : الْآيَات 7 الى 8]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 14]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 18]

- ‌50- سُورَةُ ق

- ‌أَغْرَاضُ هَاتِهِ السُّورَةِ

- ‌[سُورَة ق (50) : الْآيَات 1 الى 3]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة ق (50) : الْآيَات 9 إِلَى 10]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة ق (50) : الْآيَات 12 إِلَى 14]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة ق (50) : الْآيَات 17 إِلَى 18]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة ق (50) : الْآيَات 20 إِلَى 21]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة ق (50) : الْآيَات 24 إِلَى 25]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 27]

- ‌[سُورَة ق (50) : الْآيَات 28 إِلَى 29]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 30]

- ‌[سُورَة ق (50) : الْآيَات 31 إِلَى 35]

- ‌[سُورَة ق (50) : الْآيَات 36 إِلَى 37]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 38]

- ‌[سُورَة ق (50) : الْآيَات 39 إِلَى 40]

- ‌[سُورَة ق (50) : الْآيَات 41 إِلَى 43]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 44]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 45]

- ‌51- سُورَةُ الذَّارِيَاتِ

- ‌أَغْرَاضُ هَذِهِ السُّورَةُ

- ‌[سُورَة الذاريات (51) : الْآيَات 1 إِلَى 6]

- ‌[سُورَة الذاريات (51) : الْآيَات 7 إِلَى 9]

- ‌[سُورَة الذاريات (51) : الْآيَات 10 إِلَى 11]

- ‌[سُورَة الذاريات (51) : الْآيَات 12 إِلَى 14]

- ‌[سُورَة الذاريات (51) : الْآيَات 15 إِلَى 19]

- ‌[سُورَة الذاريات (51) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة الذاريات (51) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة الذاريات (51) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة الذاريات (51) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة الذاريات (51) : الْآيَات 24 إِلَى 30]

الفصل: ‌[سورة الحجرات (49) : آية 9]

وَانْتَصَبَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً عَلَى الْمَفْعُولِ الْمُطْلَقِ الْمُبَيِّنِ لِلنَّوْعِ مِنْ أَفْعَالِ حَبَّبَ وَزَيَّنَ وَكَرَّهَ لِأَنَّ ذَلِكَ التَّحْبِيبَ وَالتَّزْيِينَ وَالتَّكْرِيهَ مِنْ نَوْعِ الْفَضْلِ وَالنِّعْمَةِ.

وَجُمْلَةُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ تَذْيِيلٌ لِجُمْلَةِ وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ إِلَى آخِرِهَا إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ مَا ذُكِرَ فِيهَا مِنْ آثَارِ عِلْمِ اللَّهِ وَحِكْمَتِهِ.. وَالْوَاو اعتراضية.

[9]

[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 9]

وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9)

لِمَا جَرَى قَوْلُهُ: أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ [الحجرات: 6] الْآيَةَ كَانَ مِمَّا يَصْدُقُ عَلَيْهِ إِصَابَةُ قَوْمٍ أَنْ تَقَعَ الْإِصَابَةُ بَيْنَ طَائِفَتَيْنِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لِأَنَّ مِنَ الْأَخْبَارِ الْكَاذِبَةِ أَخْبَارَ النَّمِيمَةِ بَيْنَ الْقَبَائِلِ وَخَطَرُهَا أَكْبَرُ مِمَّا يَجْرِي بَين الْأَفْرَاد والتبين فِيهَا أَعْسَرُ، وَقَدْ لَا يحصل التبيّن إِلَّا بَعْدَ أَنْ تَسْتَعِرَ نَارُ الْفِتْنَةِ وَلَا تُجْدِيَ النَّدَامَةُ. وَفِي «الصَّحِيحَيْنِ» عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي قِصَّةِ مُرُورِ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عَلَى مَجْلِسٍ فِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ بْنُ سَلُولَ وَرَسُول الله صلى الله عليه وسلم عَلَى حِمَارٍ فَوَقَفَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَبَالَ الْحِمَارُ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ: خَلِّ سَبِيلَ حِمَارِكَ فَقَدْ آذَانَا نَتَنُهُ. فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ: وَاللَّهِ إِنَّ بَوْلَ حِمَارِهِ لَأَطْيَبُ مِنْ مِسْكِكَ فَاسْتَبَّا وَتَجَالَدَا وَجَاءَ قَوْمَاهُمَا الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ، فَتَجَالَدُوا بِالنِّعَالِ وَالسَّعَفِ فَرَجَعَ إِلَيْهِمْ

رَسُولُ اللَّهِ فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ

فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ. وَفِي «الصَّحِيحَيْنِ» عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ:

وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي تِلْكَ الْحَادِثَةِ.

وَيُنَاكِدُ هَذَا أَنَّ تِلْكَ الْوَقْعَةَ كَانَتْ فِي أَوَّلِ أَيَّامِ قُدُومِ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ. وَهَذِهِ السُّورَةُ نَزَلَتْ سَنَةَ تِسْعٍ مِنَ الْهِجْرَةِ وَأَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ لَمْ يَجْزِمْ بِنُزُولِهَا فِي ذَلِكَ لِقَوْلِهِ:

فَبَلَغَنَا أَنْ نَزَلَتْ فِيهِمْ وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما. اللَّهُمَّ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْآيَةُ أُلْحِقَتْ بِهَذِهِ السُّورَةِ بَعْدَ نُزُولِ الْآيَةِ بِمُدَّةٍ طَوِيلَةٍ.

ص: 238

وَعَنْ قَتَادَةَ وَالسُّدِّيِّ: أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي فِتْنَةٍ بَيْنَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ بِسَبَبِ خُصُومَةٍ بَيْنَ رَجُلٍ وَامْرَأَتِهِ أَحَدُهُمَا مِنَ الْأَوْسِ وَالْآخَرُ مِنَ الْخَزْرَجِ انْتَصَرَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا قَوْمُهُ حَتَّى تَدَافَعُوا وَتَنَاوَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا بِالْأَيْدِي وَالنِّعَالِ وَالْعِصِيِّ فَنَزَلَتِ الْآيَةُ فجَاء النبيء صلى الله عليه وسلم فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمَا وَهَذَا أَظْهَرُ مِنَ الرِّوَايَةِ الْأُولَى فَكَانَتْ حُكْمًا عَامًّا نَزَلَ فِي سَبَبٍ خَاصٍّ.

وإِنْ حَرْفُ شَرْطٍ يُخَلِّصُ الْمَاضِيَ لِلِاسْتِقْبَالِ فَيَكُونُ فِي قُوَّةِ الْمُضَارِعِ وَارْتَفَعَ طائِفَتانِ بِفِعْلٍ مُقَدَّرٍ يُفَسِّرُهُ قَوْلُهُ: اقْتَتَلُوا لِلِاهْتِمَامِ بِالْفَاعِلِ. وَإِنَّمَا عَدَلَ عَنِ الْمُضَارِعِ بَعْدَ كَوْنِهِ الْأَلْيَقَ بِالشَّرْطِ لِأَنَّهُ لَمَّا أُرِيدَ تَقْدِيمُ الْفَاعِلِ عَلَى فِعْلِهِ لِلِاهْتِمَامِ بِالْمُسْنَدِ إِلَيْهِ جُعِلَ الْفِعْلُ مَاضِيًا عَلَى طَرِيقَةِ الْكَلَامِ الْفَصِيحِ فِي مِثْلِهِ مِمَّا أُولِيَتْ فِيهِ إِنْ الشَّرْطِيَّةُ الِاسْمَ نَحْوَ وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ [التَّوْبَة: 6]، وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً [النِّسَاء: 128] . قَالَ الرَّضِيُّ «وَحَقُّ الْفِعْلِ الَّذِي يَكُونُ بَعْدَ الِاسْمِ الَّذِي يَلِي (إِنْ) أَنْ يَكُونَ مَاضِيًا وَقَدْ يَكُونُ مُضَارِعًا عَلَى الشُّذُوذِ وَإِنَّمَا ضَعُفَ مَجِيءُ الْمُضَارِعِ لِحُصُولِ الْفَصْلِ بَيْنَ الْجَازِمِ وَبَيْنَ مَعْمُولِهِ» . وَيَعُودُ ضَمِيرُ اقْتَتَلُوا عَلَى طائِفَتانِ بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى لِأَنَّ طَائِفَةَ ذَاتُ جَمْعٍ، وَالطَّائِفَةُ الْجَمَاعَةُ. وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ فِي سُورَةِ النِّسَاءِ [102] .

وَالْوَجْهُ أَنْ يَكُونَ فِعْلُ اقْتَتَلُوا مُسْتَعْمَلًا فِي إِرَادَةِ الْوُقُوعِ مِثْلَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ [الْمَائِدَة: 6] وَمِثْلَ وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا [المجادلة: 3]، أَيْ يُرِيدُونَ الْعَوْدَ لِأَنَّ الْأَمْرَ بِالْإِصْلَاحِ بَيْنَهُمَا وَاجِبٌ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الِاقْتِتَالِ وَذَلِكَ عِنْدَ ظُهُورِ بَوَادِرِهِ وَهُوَ أَوْلَى مِنِ انْتِظَارِ وُقُوعِ الِاقْتِتَالِ لِيُمْكِنَ تَدَارَكُ الْخُطَبِ قَبْلَ وُقُوعِهِ عَلَى مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً [النِّسَاء: 128] .

وَبِذَلِكَ يَظْهَرُ وَجْهُ تَفْرِيعِ قَوْلِهِ: فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى عَلَى جُمْلَةِ

اقْتَتَلُوا، أَيْ فَإِنِ ابْتَدَأَتْ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ قِتَالَ الْأُخْرَى وَلَمْ تَنْصَعْ إِلَى الْإِصْلَاحِ فَقَاتِلُوا الْبَاغِيَةَ.

ص: 239

وَالْبَغْيُ: الظُّلْمُ وَالِاعْتِدَاءُ عَلَى حَقِّ الْغَيْرِ، وَهُوَ هُنَا مُسْتَعْمَلٌ فِي مَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ وَهُوَ غَيْرُ مَعْنَاهِ الْفِقْهِيِّ فَ الَّتِي تَبْغِي هِيَ الطَّائِفَةُ الظَّالِمَةُ الْخَارِجَةُ عَنِ الْحَقِّ وَإِنْ لَمْ تُقَاتِلْ لِأَنَّ بَغْيَهَا يَحْمِلُ الطَّائِفَةَ الْمَبْغِيَّ عَلَيْهَا أَنْ تُدَافِعَ عَنْ حَقِّهَا. وَإِنَّمَا جُعِلَ حُكْمُ قِتَالِ الْبَاغِيَةِ أَنْ تَكُونَ طَائِفَةً لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ يَعْسُرُ الْأَخْذُ عَلَى أَيْدِي ظُلْمِهِمْ بِأَفْرَادٍ مِنَ النَّاسِ وَأَعْوَانِ الشُّرْطَةِ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ كَفُّهُمْ عَنِ الْبَغْيِ بِالْجَيْشِ وَالسِّلَاحِ.

وَهَذَا فِي التَّقَاتُلِ بَيْنَ الْجَمَاعَاتِ وَالْقَبَائِلِ، فَأَمَّا خُرُوجُ فِئَةٍ عَنْ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ أَشَدُّ وَلَيْسَ هُوَ مَوْرِدَ هَذِهِ الْآيَةِ وَلَكِنَّهَا أَصْلٌ لَهُ فِي التَّشْرِيعِ. وَقَدْ بَغَى أَهْلُ الرِّدَّةِ عَلَى جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ بَغْيًا بِغَيْرِ قِتَالٍ فَقَاتَلَهُمْ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه، وَبَغَى بُغَاةُ أَهْلِ مِصْرَ عَلَى عُثْمَانَ رضي الله عنه فَكَانُوا بُغَاةً عَلَى جَمَاعَةِ الْمُؤْمِنِينَ، فَأَبَى عُثْمَانُ قِتَالَهُمْ وَكَرِهَ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا فِي إِرَاقَةِ دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ اجْتِهَادًا مِنْهُ فَوَجَبَ عَلَى الْمُسلمين طَاعَته لِأَن وَلِيُّ الْأَمْرِ وَلَمْ يَنْفُوا عَنِ الثُّوَّارِ حُكْمَ الْبَغْيِ.

وَيَتَحَقَّقُ وَصْفُ الْبَغْيِ بِإِخْبَارِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الْفِئَةَ بَغَتْ عَلَى الْأُخْرَى أَوْ بِحُكْمِ الْخَلِيفَةِ الْعَالِمِ الْعَدْلِ، وَبِالْخُرُوجِ عَنْ طَاعَةِ الْخَلِيفَةِ وَعَنِ الْجَمَاعَةِ بِالسَّيْفِ إِذَا أَمَرَ بِغَيْرِ ظُلْمٍ وَلَا جَوْرٍ وَلَمْ تُخْشَ مِنْ عِصْيَانِهِ فِتْنَةٌ لِأَنَّ ضُرَّ الْفِتْنَةِ أَشَدُّ مِنْ شَدِّ الْجَوْرِ فِي غَيْرِ إِضَاعَةِ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ مِنْ مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْخُرُوجَ عَنْ طَاعَةِ الْخَلِيفَةِ بَغْيٌ عَلَى الْجَمَاعَةِ الَّذِينَ مَعَ الْخَلِيفَةِ.

وَقَدْ كَانَ تَحْقِيقُ مَعْنَى الْبَغْيِ وَصُوَرُهُ غَيْرَ مَضْبُوطٍ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ وَإِنَّمَا ضَبَطَهُ الْعُلَمَاءُ بَعْدَ وَقْعَةِ الْجَمَلِ وَلَمْ تَطُلْ ثَمَّ بَعْدَ وَقْعَةِ صِفِّينَ، وَقَدْ كَانَ الْقِتَالُ فِيهَا بَيْنَ فِئَتَيْنِ وَلَمْ يَكُنِ الْخَارِجُونَ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه مِنَ الَّذِينَ بَايَعُوهُ بِالْخِلَافَةِ، بَلْ كَانُوا شَرَطُوا لِمُبَايَعَتِهِمْ إِيَّاهُ أَخْذَ الْقَوَدِ مِنْ قَتَلَةِ عُثْمَانَ مِنْهُمْ، فَكَانَ اقْتِنَاعُ أَصْحَابِ مُعَاوِيَةَ مَجَالًا لِلِاجْتِهَادِ بَيْنَهُمْ وَقَدْ دَارَتْ بَيْنَهُمْ كُتُبٌ فِيهَا حُجَجُ الْفَرِيقَيْنِ وَلَا يُعْلَمُ الثَّابِتُ مِنْهَا وَالْمَكْذُوبُ إِذْ كَانَ الْمُؤَرِّخُونَ أَصْحَابَ أَهْوَاءٍ مُخْتَلِفَةٍ. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: كَانَ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ يَرَيَانِ الْبَدَاءَةَ بِقَتْلِ قَتَلَةِ عُثْمَانَ أَوْلَى، إِلَّا أَنَّ الْعُلَمَاءَ حَقَّقُوا بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ الْبَغْيَ فِي جَانِبِ أَصْحَابِ مُعَاوِيَةَ لِأَنَّ الْبَيْعَةَ بِالْخِلَافَةِ لَا تَقْبَلُ التَّقْيِيدَ بِشَرْطٍ.

ص: 240

وَقَدِ اعْتَرَفَ الْجَمِيعُ بِأَنَّ مُعَاوِيَةَ وَأَصْحَابَهُ كَانُوا مُدَافِعِينَ عَنْ نَظَرٍ اجْتِهَادِيٍّ مُخْطِئٍ، وَكَانَ الْوَاجِبُ يَقْضِي عَلَى جَمَاعَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ

الدُّعَاءَ إِلَى الصُّلْحِ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ حَسَبَ أَمْرِ الْقُرْآنِ وُجُوبَ الْكِفَايَةِ فَقَدْ قِيلَ: إِنَّ ذَلِكَ وَقَعَ التَّدَاعِي إِلَيْهِ وَلم يتم لانتفاض الْحَرُورِيَّةِ عَلَى أَمْرِ التَّحْكِيمِ فَقَالُوا: لَا حُكْمَ إِلَّا لِلَّهِ وَلَا نَحْكُمُ الرِّجَالَ.

وَقِيلَ: كِيدَتْ مَكِيدَةٌ بَيْنَ الْحَكَمَيْنِ، وَالْأَخْبَارُ فِي ذَلِكَ مُضْطَرِبَةٌ عَلَى اخْتِلَافِ الْمُتَصَدِّينَ لِحِكَايَةِ الْقَضِيَّةِ مِنَ الْمُؤَرِّخِينَ أَصْحَابِ الْأَهْوَاءِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالضَّمَائِرِ.

وَسُئِلَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ عَنِ الْقِتَالِ بَيْنَ الصَّحَابَةِ فَقَالَ: شَهِدَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ وَغِبْنَا وَعَلِمُوا وَجَهِلْنَا. وَقَالَ الْمُحَاسِبِيُّ: تَعْلَمُ أَنَّ الْقَوْمَ كَانُوا أَعْلَمَ بِمَا دَخَلُوا فِيهِ مِنَّا.

وَالْأَمْرُ فِي قَوْلِهِ: فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي لِلْوُجُوبِ، لِأَنَّ هَذَا حُكْمٌ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ وَالْقَضَاءُ بِالْحَقِّ وَاجِبٌ لِأَنَّهُ لِحِفْظِ حَقِّ الْمُحِقِّ، وَلِأَنَّ تَرْكَ قِتَالِ الْبَاغِيَةِ يَجُرُّ إِلَى اسْتِرْسَالِهَا فِي الْبَغْيِ وَإِضَاعَةِ حُقُوقِ الْمَبْغِيِّ عَلَيْهَا فِي الْأَنْفُسِ وَالْأَحْوَالِ وَالْأَغْرَاضِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ، وَلِأَن ذَلِك يجرىء غَيْرَهَا عَلَى أَنْ تَأْتِيَ مثل صنيعها فمقاتلها زَجَرٌ لِغَيْرِهَا. وَهُوَ وُجُوبُ كِفَايَةٍ وَيَتَعَيَّنُ بِتَعْيِينِ الْإِمَامِ جَيْشًا يُوَجِّهُهُ لِقِتَالِهَا إِذْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَلِيَ قِتَالَ الْبُغَاةِ إِلَّا الْأَئِمَّةُ وَالْخُلَفَاءُ. فَإِذَا اخْتَلَّ أَمْرُ الْإِمَامَةِ فَلْيَتَوَلَّ قِتَالَ الْبُغَاةِ السَّوَادُ الْأَعْظَمُ مِنَ الْأُمَّةِ وَعُلَمَاؤُهَا. فَهَذَا الْوُجُوبُ مُطْلَقٌ فِي الْأَحْوَالِ تُقَيِّدُهُ الْأَدِلَّةُ الدَّالَّةُ عَلَى عَدَمِ الْمَصِيرِ إِلَيْهِ إِذَا عُلِمَ أَنَّ قِتَالَهَا يَجُرُّ إِلَى فِتْنَةٍ أَشَدِّ مِنْ بَغْيِهَا. وَقَدْ تَلْتَبِسُ الْبَاغِيَةُ مِنَ الطَّائِفَتَيْنِ الْمُتَقَاتِلَتَيْنِ فَإِنَّ أَسْبَابَ التَّقَاتُلِ قَدْ تَتَوَلَّدُ مِنْ أُمُورٍ لَا يُؤْبَهُ بِهَا فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ ثُمَّ تَثُورُ الثَّائِرَةُ وَيَتَجَالَدُ الْفَرِيقَانِ فَلَا يُضْبَطُ أَمْرُ الْبَاغِي مِنْهُمَا، فَالْإِصْلَاحُ بَيْنَهُمَا يُزِيلُ اللَّبْسَ فَإِنِ امْتَنَعَتْ إِحْدَاهُمَا تَعَيَّنَ الْبَغْيُ فِي جَانِبِهَا لِأَنَّ لِلْإِمَامِ وَالْقَاضِي أَنْ يُجْبِرَ عَلَى الصُّلْحِ إِذَا خَشِيَ الْفِتْنَةَ وَرَأَى بَوَارِقَهَا، وَذَلِكَ بَعْدَ أَنْ تَبَيَّنَ لِكِلْتَا الطَّائِفَتَيْنِ شُبْهَتُهَا إِنْ كَانَتْ لَهَا شُبْهَةٌ وَتُزَالُ بِالْحُجَّةِ الْوَاضِحَةِ وَالْبَرَاهِينِ الْقَاطِعَةِ وَمَنْ يَأْبَ مِنْهُمَا فَهُوَ أَعَقُّ وَأَظْلَمُ.

ص: 241

وَجَعَلَ الْفَيْءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ غَايَةً لِلْمُقَاتِلَةِ، أَيْ يَسْتَمِرُّ قِتَالُ الطَّائِفَةِ الْبَاغِيَةِ إِلَى غَايَةِ رُجُوعِهَا إِلَى أَمْرِ اللَّهِ، وَأَمْرُ اللَّهِ هُوَ مَا فِي الشَّرِيعَةِ مِنَ الْعَدْلِ وَالْكَفِّ عَنِ الظُّلْمِ، أَيْ حَتَّى تُقْلِعَ عَنْ بَغْيِهَا، وَأُتْبِعَ مَفْهُومُ الْغَايَةِ بِبَيَانِ مَا تُعَامَلُ بِهِ الطَّائِفَتَانِ بعد أَن تفي الْبَاغِيَةُ بِقَوْلِهِ:

فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ، وَالْبَاءُ لِلْمُلَابَسَةِ وَالْمَجْرُورُ حَالٌ من ضمير فَأَصْلِحُوا.

وَالْعَدْلُ: هُوَ مَا يَقَعُ التَّصَالُحُ عَلَيْهِ بِالتَّرَاضِي وَالْإِنْصَافِ وَأَنْ لَا يَضُرَّ بِإِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ فَإِنَّ الْمَتَالِفَ الَّتِي تَلْحَقُ كِلْتَا الطَّائِفَتَيْنِ قَدْ تَتَفَاوَتُ تَفَاوُتًا شَدِيدًا فَتَجِبُ مُرَاعَاةُ التَّعْدِيلِ.

وَقَيَّدَ الْإِصْلَاحَ الْمَأْمُورَ بِهِ ثَانِيًا بِقَيْدِ أَنْ تَفِيءَ الْبَاغِيَةُ بِقَيْدِ بِالْعَدْلِ وَلَمْ يُقَيِّدِ الْإِصْلَاحَ الْمَأْمُورَ بِهِ، وَهَذَا الْقَيْدُ يُقَيَّدُ بِهِ أَيْضًا الْإِصْلَاحُ الْمَأْمُورُ بِهِ أَوَّلًا لِأَنَّ الْقَيْدَ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَعُودَ إِلَيْهِ لِاتِّحَادِ سَبَبِ الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ، أَيْ يَجِبُ الْعَدْلُ فِي صُورَةِ الْإِصْلَاحِ فَلَا يُضَيِّعُوا بِصُورَةِ الصُّلْحِ مَنَافِعَ عَنْ كِلَا الْفَرِيقَيْنِ إِلَّا بِقَدْرِ مَا تَقْتَضِيهِ حَقِيقَةُ الصُّلْحِ مِنْ نُزُولٍ عَنْ بَعْضِ الْحَقِّ بِالْمَعْرُوفِ.

ثُمَّ أَمَرَ الْمُسْلِمِينَ بِالْعَدْلِ بِقَوْلِهِ: وَأَقْسِطُوا أَمْرًا عَامًّا تَذْيِيلًا لِلْأَمْرِ بِالْعَدْلِ الْخَاصِّ فِي الصُّلْحِ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ، فَشَمِلَ ذَلِكَ هَذَا الْأَمْرَ الْعَامَّ أَنْ يَعْدِلُوا فِي صُورَةِ مَا إِذَا قَاتَلُوا الَّتِي تَبْغِي، ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ فاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما. وَهَذَا إِصْلَاحٌ ثَانٍ بَعْدِ الْإِصْلَاحِ الْمَأْمُورِ بِهِ ابْتِدَاءً. وَمَعْنَاهُ: أَنَّ الْفِئَةَ الَّتِي خَضَعَتْ لِلْقُوَّةِ وَأَلْقَتِ السِّلَاحَ تَكُونُ مَكْسُورَةَ الْخَاطِرِ شَاعِرَةً بِانْتِصَارِ الْفِئَةِ الْأُخْرَى عَلَيْهَا فَأَوْجَبَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِتَرْغِيبِهِمَا فِي إِزَالَةِ الْإِحَنِ وَالرُّجُوعِ إِلَى أُخُوَّةِ الْإِسْلَامِ لِئَلَّا يَعُودَ التَّنَكُّرُ بَيْنَهُمَا.

قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ: وَمِنَ الْعَدْلِ فِي صُلْحِهِمْ أَنْ لَا يُطَالَبُوا بِمَا جَرَى بَيْنَهُمْ مُدَّةَ الْقِتَالِ مِنْ دَمٍ وَلَا مَالٍ فَإِنَّهُ تَلَفٌ عَلَى تَأْوِيلٍ وَفِي طَلَبِهِمْ بِهِ تَنْفِيرٌ لَهُمْ عَنِ الصُّلْحِ وَاسْتِشْرَاءٌ فِي الْبَغْيِ وَهَذَا أَصْلٌ فِي الْمَصْلَحَةِ اهـ. ثُمَّ قَالَ: لَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ فِي نَفْسٍ وَلَا مَالَ عِنْدَنَا الْمَالِكِيَّةُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَضْمَنُونَ. وَلِلشَّافِعِيِّ فِيهِ قَوْلَانِ. فَأَمَّا مَا كَانَ قَائِمًا رُدَّ بِعَيْنِهِ وَانْظُرْ هَلْ يَنْطَبِقُ

ص: 242