الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالْمَعْنَى: ائْتِنَا بِالْعَذَابِ الَّذِي تَعِدُنَا بِهِ، أَيْ عَذَابِ الْيَوْمِ الْعَظِيمِ، وَإِنَّمَا صَرَفُوا مُرَادَ هُودٍ بِالْعَذَابِ إِلَى خُصُوصِ عَذَابِ الدُّنْيَا لِأَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْبَعْثِ وَبِهَذَا يُؤْذِنُ قَوْلُهُ بَعْدَهُ فَلَمَّا رَأَوْهُ عارِضاً [الْأَحْقَاف: 24] وَقَوْلُهُ: بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ [الْأَحْقَاف: 24] .
وَأَرَادُوا: ائْتِنَا بِهِ الْآنَ لِأَنَّ الْمَقَامَ مَقَامُ تَكْذِيبٍ بِأَنَّ عِبَادَةَ آلِهَتِهِمْ تَجُرُّ لَهُمُ الْعَذَابَ.
ومِنَ الصَّادِقِينَ أَبْلَغُ فِي الْوَصْفِ بِالصِّدْقِ مِنْ أَنْ يُقَالَ: إِنْ كُنْتَ صَادِقًا، كَمَا تَقَرَّرَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [34] ، أَيْ إِنْ كُنْتَ فِي قَوْلِكَ هَذَا مِنَ الَّذِينَ صَدَقُوا، أَيْ فَإِنْ لَمْ تَأْتِ بِهِ فَمَا أَنْتَ بصادق فِيهِ.
[23]
[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 23]
قالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ (23)
لَمَّا جَعَلُوا قَوْلَهُمْ: فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ [الْأَحْقَاف: 22] فَصْلًا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ فِيمَا أَنْذَرَهُمْ مِنْ كَوْنِ عِبَادَةِ غَيْرِ اللَّهِ تُوجِبُ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ، كَانَ الْأَمْرُ فِي قَوْلهم فَأْتِنا مُقْتَضِيًا الْفَوْرَ، أَيْ طَلَبَ تَعْجِيلِهِ لِيَدُلَّ عَلَى صِدْقِهِ إِذِ الشَّأْنُ أَنْ لَا يَتَأَخَّرَ عَنْ إِظْهَارِ صِدْقِهِ لَهُمْ.
وَإِسْنَادُ الْإِتْيَانِ بِالْعَذَابِ إِلَيْهِ مَجَازٌ لِأَنَّهُ الْوَاسِطَةُ فِي إِتْيَانِ الْعَذَاب أَن يَدْعُوَ اللَّهَ أَنْ يُعَجِّلَهُ، أَوْ جَعَلُوا الْعَذَابَ فِي مَكِنَتِهِ يَأْتِي بِهِ مَتَى أَرَادَ، تَهَكُّمًا بِهِ إِذْ قَالَ لَهُمْ إِنَّهُ مُرْسَلٌ مِنَ اللَّهِ فَجَعَلُوا ذَلِكَ مُقْتَضِيًا أَنَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تُعَاوُنًا وَتُطَاوُعًا، أَيْ فَلَا تَتَأَخَّرْ عَنِ الْإِتْيَانِ بِهِ.
وَقَدْ دَلَّ عَلَى هَذَا الِاقْتِضَاءِ قَوْلُهُ لَهُمْ حِينَ نُزُولِ الْعَذَابِ بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ [الْأَحْقَاف: 24] فَلِذَلِكَ كَانَ جَوَابُهُ أَنْ قَالَ: إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ أَيْ عِلْمُ وَقْتِ إِتْيَانِ الْعَذَابِ مَحْفُوظٌ عِنْدَ اللَّهِ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ أَحَدٌ، فَالتَّعْرِيفُ فِي الْعِلْمُ لِلِاسْتِغْرَاقِ الْعُرْفِيِّ، أَيْ عِلْمِ الْمُغَيَّبَاتِ، أَو التَّعْرِيف عوض عَنِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ، أَيْ وَقْتِ الْعَذَابِ. وَهَذَا الْجَوَابُ يَجْرِي
عَلَى جَمِيعِ الِاحْتِمَالَاتِ فِي مَعْنَى قَوْلِهِمْ: فَأْتِنا بِما تَعِدُنا لِأَنَّ جَمِيعَهَا يَقْتَضِي أَنَّهُ عَالِمٌ بِوَقْتِهِ.
وَالْحَصْرُ هُنَا حَقِيقِيٌّ كَقَوْلِهِ: لَا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلَّا هُوَ [الْأَعْرَاف: 187] وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا
الْحَصْرِ شُمُولُهُ نَفْيَ الْعِلْمِ بِوَقْتِ الْعَذَابِ عَنِ الْمُتَكَلِّمِ رَدًّا على قَوْلهم: فَأْتِنا بِما تَعِدُنا.
وعِنْدَ هُنَا مَجَازٌ فِي الِانْفِرَادِ بِالْعِلْمِ، أَيْ فَاللَّهُ هُوَ الْعَالِمُ بِالْوَقْتِ الَّذِي يُرْسِلُ فِيهِ الْعَذَابَ لِحِكْمَةٍ فِي تَأْخِيرِهِ.
وَمَعْنَى وَأُبَلِّغُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ أَنَّهُ بُعِثَ مُبَلِّغًا أَمْرَ اللَّهِ وَإِنْذَارَهُ وَلَمْ يُبْعَثْ لِلْإِعْلَامِ بِوَقْتِ حُلُولِ الْعَذَابِ كَقَوْلِه تَعَالَى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها إِلى رَبِّكَ مُنْتَهاها إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها [النازعات: 42- 45]، فَقَوْلُهُ:
أُبَلِّغُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ جُمْلَةِ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ وَجُمْلَةِ وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ.
وَمَوْقِعُ الِاسْتِدْرَاكِ بِقَوْلِهِ: وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ أَنَّهُ عَنْ قَوْلِهِ: إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ، أَيْ وَلَكِنَّكُمْ تَجْهَلُونَ صِفَاتِ اللَّهِ وَحِكْمَةَ إِرْسَالِهِ الرُّسُلَ، فَتَحْسَبُونَ أَنَّ الرُّسُل وسائط لإنها اقْتِرَاحِ الْخَلْقِ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُرِيَهُمُ الْعَجَائِبَ وَيُسَاجِلَهُمْ فِي الرَّغَائِبِ، فَمَنَاطُ الِاسْتِدْرَاكِ هُوَ مَعْمُولُ خَبَرِ (لَكِنَّ) وَهُوَ قَوْماً تَجْهَلُونَ، وَالتَّقْدِيرُ: وَلَكِنَّكُمْ قَوْمٌ يَجْهَلُونَ، فَإِدْخَالُ حَرْفِ الِاسْتِدْرَاكِ عَلَى ضَمِيرِ الْمُتَكَلِّمِ عُدُولٌ عَنِ الظَّاهِرِ لِئَلَّا يُبَادِرَهُمْ بِالتَّجْهِيلِ اسْتِنْزَالًا لِطَائِرِهِمْ، فَجَعَلَ جَهْلَهُمْ مَظْنُونًا لَهُ لِيَنْظُرُوا فِي صِحَّةِ مَا ظَنَّهُ مِنْ عَدَمِهَا. وَإِنَّمَا زِيدَ قَوْماً وَلَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى تَجْهَلُونَ لِلدَّلَالَةِ عَلَى تَمَكُّنِ الْجَهَالَةِ مِنْهُمْ حَتَّى صَارَتْ مِنْ مُقَوِّمَاتِ قَوْمِيَّتِهِمْ وَلِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّهَا عَمَّتْ جَمِيعَ الْقَبِيلَةِ كَمَا قَالَ لُوطٌ لِقَوْمِهِ أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ [هود: 78] .
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ وَأُبَلِّغُكُمْ بِتَشْدِيدِ اللَّامِ. وَقَرَأَهُ أَبُو عَمْرٍو بِتَخْفِيفِ اللَّامِ. يُقَالُ: بَلَّغَ الْخَبَرَ بِالتَّضْعِيفِ وَأَبْلَغَهُ بِالْهَمْزِ، إِذَا جعله بَالغا.