الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِـ (هَلْ) الدَّالَّةِ عَلَى التَّحْقِيقِ لِأَنَّهَا فِي الِاسْتِفْهَامِ بِمَنْزِلَةِ (قَدْ) فِي الْخَبَرِ، فَالْمَعْنَى: أَفَيَتَحَقَّقُ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنَّكُمْ تُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُونَ أَرْحَامَكُمْ وَأَنْتُمْ تَزْعُمُونَ أَنَّكُمْ تَوَلَّيْتُمْ إِبْقَاءً عَلَى أَنْفُسِكُمْ وَعَلَى ذَوِي قَرَابَةِ أَنْسَابِكُمْ عَلَى نَحْوِ قَوْلِهِ تَعَالَى: قالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ أَلَّا تُقاتِلُوا [الْبَقَرَة: 246] وَهَذَا تَوْبِيخٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ [الْبَقَرَة: 85] . وَالْمَعْنَى: أَنَّكُمْ تَقَعُونَ فِيمَا زَعَمْتُمُ التَّفَادِيَ مِنْهُ وَذَلِكَ بِتَأْيِيدِ الْكُفْرِ وَإِحْدَاثِ الْعَدَاوَةِ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ قَوْمِكُمْ مِنَ الْأَنْصَارِ. فَالتَّوَلِّي هُنَا هُوَ الرُّجُوعُ عَنِ الْوِجْهَةِ الَّتِي خَرَجُوا لَهَا كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ [الْبَقَرَة: 246] وَقَوْلِهِ: أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى [النَّجْم: 33] وَقَوْلِهِ: فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتى [طه: 60] . وَبِمِثْلِهِ فَسَّرَ ابْنُ جُرَيْجٍ وَقَتَادَةُ عَلَى تَفَاوُتٍ بَيْنَ التَّفَاسِيرِ. وَمِنَ الْمُفَسِّرِينَ مَنْ حَمَلَ التَّوَلِّيَ عَلَى أَنَّهُ مُطَاوِعُ وُلَّاهُ إِذَا أَعْطَاهُ وِلَايَةً، أَيْ وِلَايَةَ الْحُكْمِ وَالْإِمَارَةِ عَلَى النَّاسِ وَبِهِ فَسَّرَ أَبُو الْعَالِيَةِ وَالْكَلْبِيُّ وَكَعْبُ الْأَحْبَارِ. وَهَذَا بَعِيدٌ مِنَ اللَّفْظِ وَمِنَ النَّظْمِ وَفِيهِ تَفْكِيكٌ لِاتِّصَالِ نَظْمِ الْكَلَامِ وَانْتِقَالٌ بِدُونِ مُنَاسَبَةٍ، وَتَجَاوَزَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ فَأَخَذَ يَدَّعِي أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْحَرُورِيَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهَا فِيمَا يَحْدُثُ بَيْنَ بَنِي أُمَيَّةَ وَبَنِي
هَاشِمٍ عَلَى عَادَةِ أَهْلِ الشِّيَعِ وَالْأَهْوَاءِ مِنْ تَحْمِيلِ كِتَابِ اللَّهِ مَا لَا يَتَحَمَّلُهُ وَمِنْ قَصْرِ عُمُومَاتِهِ عَلَى بَعْضِ مَا يُرَادُ مِنْهَا.
وَقَرَأَ نَافِعٌ وَحْدَهُ عَسَيْتُمْ بِكَسْرِ السِّينِ. وَقَرَأَهُ بَقِيَّةُ الْعَشَرَةِ بِفَتْحِ السِّينِ وَهُمَا لُغَتَانِ فِي فِعْلِ عَسَى إِذَا اتَّصَلَ بِهِ ضَمِيرٌ. قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ: وَجْهُ الْكَسْرِ أَنَّ فِعْلَهُ: عَسِيَ مِثْلُ رَضِيَ، وَلَمْ يَنْطِقُوا بِهِ إِلَّا إِذَا أُسْنِدَ هَذَا الْفِعْلُ إِلَى ضَمِيرٍ، وَإِسْنَادُهُ إِلَى الضَّمِيرِ لُغَةُ أَهْلِ الْحِجَازِ، أَمَّا بَنُو تَمِيمٍ فَلَا يُسْنِدُونَهُ إِلَى الضَّمِيرِ الْبَتَّةَ، يَقُولُونَ: عَسَى أَن تَفعلُوا.
[23]
[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 23]
أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ (23)
الْإِشَارَةُ إِلَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ عَلَى أُسْلُوبِ قَوْلِهِ آنِفًا: أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ [مُحَمَّد: 16] وَلَا يَصِحُّ أَنْ تَكُونَ الْإِشَارَةُ إِلَى مَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ: أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ [مُحَمَّد: 22] لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَسْتَوْجِبُ اللَّعْنَةَ وَلَا أَنْ مُرْتَكِبِيهِ بِمَنْزِلَةِ