الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَلَيْهِ الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى [الْمَائِدَة: 8] ، أَيِ الْعَدْلُ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى.
وَالْوَعْدُ: مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ، أَيْ ذَلِكَ مَوْعِدُهُمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَهُ.
وَإِضَافَةُ وَعْدَ إِلَى الصِّدْقِ إِضَافَةٌ عَلَى مَعْنَى (مِنْ) ، أَيْ وَعْدٌ مِنَ الصِّدْقِ إِذْ لَا يَتَخَلَّفُ. والَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ صِفَةُ وَعْدَ الصِّدْقِ، أَيْ ذَلِكَ هُوَ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَهُ فِي الدُّنْيَا بِالْقُرْآنِ فِي الْآيَاتِ الْحَاثَّةِ عَلَى بِرِّ الْوَالِدَيْنِ وَعَلَى الشُّكْرِ وَعَلَى إصْلَاح الذُّرِّيَّة.
[17]
[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 17]
وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما أَتَعِدانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُما يَسْتَغِيثانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلَاّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (17)
هَذَا الْفَرِيقُ الْمَقْصُودُ مِنْ هَذِهِ الْآيَاتِ الْمَبْدُوءَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ [الْأَحْقَاف: 15] . وَهَذَا الْفَرِيقُ الَّذِي كَفَرَ بِرَبِّهِ وَأَسَاءَ إِلَى وَالِدَيْهِ، وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ وَالِدَيْهِ كَانَا مُؤْمِنَيْنِ مِنْ قَوْلِهِ: أَتَعِدانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي الْآيَةَ.
فَجُمْلَةُ وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ الْأَحْسَنُ أَنْ تَكُونَ مَعْطُوفَةً عَلَى جُمْلَةِ وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ [الْأَحْقَاف: 7] إِلَخْ انْتِقَالٌ إِلَى مَقَالَةٍ أُخْرَى مِنْ أُصُولُ شِرْكِهِمْ وَهِيَ مَقَالَةُ إِنْكَارِ الْبَعْثِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ: الَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ فَالْوَجْهُ جَعْلُهُ مَفْعُولًا لِفِعْلٍ مُقَدَّرٍ تَقْدِيرُهُ:
وَاذْكُرِ الَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ، لِأَنَّ هَذَا الْوَجْهَ يُلَائِمُ كُلَّ الْوُجُوهِ. وَيَجُوزُ جَعْلُهُ مُبْتَدَأً وَجُمْلَةُ أُولئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ [الْأَحْقَاف: 18] خَبَرًا عَنْهُ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ الِاثْنَيْنِ فِي مَرْجِعِ اسْمِ الْإِشَارَةِ مِنْ قَوْلِهِ: أُولئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ.
والَّذِينَ هُنَا اسْمٌ صَادِقٌ عَلَى الْفَرِيقِ الْمُتَّصِفِ بِصِلَتِهِ. وَهَذَا وَصْفٌ لِفِئَةٍ مِنْ
أَبْنَاءٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ أَسْلَمَ آبَاؤُهُمْ وَدَعَوْهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَأَغْلَظُوا لَهُمُ الْقَوْلَ فَضُمُّوا إِلَى الْكُفْرِ بِشَنِيعِ عُقُوقِ الْوَالِدَيْنِ وَهُوَ قَبِيحٌ لِمُنَافَاتِهِ الْفِطْرَةَ الَّتِي فَطَرَ اللَّهُ النَّاسَ عَلَيْهَا لِأَنَّ حَالَ الْوَالِدَيْنِ مَعَ أَبْنَائِهِمَا يَقْتَضِي مُعَامَلَتَهُمَا بِالْحُسْنَى، وَيَدُلُّ لِعَدَمِ اخْتِصَاصِ قَوْلِهِ فِي آخِرِهَا أُولئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ إِلَى آخِرِهِ.
وَالَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْمُفَسِّرِينَ: أَنَّ الْآيَةَ لَا تَعْنِي شَخْصًا مُعَيَّنًا وَأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهَا فَرِيقٌ أَسْلَمَ آبَاؤُهُمْ وَلَمْ يُسْلِمُوا حِينَئِذٍ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ وَمُجَاهِدٍ وَالسُّدِّيِّ وَابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي ابْنٍ لِأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَاسْمُهُ عَبْدُ الْكَعْبَةِ الَّذِي سَمَّاهُ النبيء صلى الله عليه وسلم عبد الرحمان بَعْدَ أَنْ أسلم عبد الرحمان قَالُوا: كَانَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ مُشْرِكًا وَكَانَ يَدْعُوهُ أَبُوهُ أَبُو بَكْرٍ وَأُمُّهُ أُمُّ رُومَانَ إِلَى الْإِسْلَامِ وَيُذَكِّرَانِهِ بِالْبَعْثِ، فَيَرُدُّ عَلَيْهِمَا بِكَلَامٍ مِثْلِ مَا ذَكَرَهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ. وَيَقُولُ: فَأَيْنَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جُدْعَانَ، وَأَيْنَ عُثْمَانُ بْنُ عَمْرٍو، وَأَيْنَ عَامِرُ بْنُ كَعْبٍ، وَمَشَايِخُ قُرَيْشٍ حَتَّى أَسْأَلَهُمْ عَمَّا يَقُولُ مُحَمَّدٌ. لَكِنْ لَيْسَتِ الْآيَةُ خَاصَّةً بِهِ حَتَّى تَكُونَ نَازِلَةً فِيهِ، وَبِهَذَا يُؤَوَّلُ قَوْلُ عَائِشَةَ رضي الله عنها لِمَا قَالَ مَرْوَانُ بْنُ الحكم لعبد الرحمان هُوَ الَّذِي يَقُولُ اللَّهُ فِيهِ: وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما. وَذَلِكَ فِي قِصَّةِ إِشَارَة عبد الرحمان عَلَى مَرْوَانَ أَخْذَهُ الْبَيْعَةَ لِيَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ بِالْعَهْدِ لَهُ بِالْخِلَافَةِ.
فَفِي «صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ» فِي كِتَابِ التَّفْسِيرِ عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ أَنَّهُ قَالَ: «كَانَ مَرْوَانُ ابْن الْحَكَمِ عَلَى الْحِجَازِ اسْتَعْمَلَهُ مُعَاوِيَةُ فَخَطَبَ فَجَعَلَ يَذْكُرُ يَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ لِكَيْ يُبَايَعَ لَهُ بَعْدَ أَبِيهِ أَيْ بِوِلَايَةِ الْعَهْدِ فَقَالَ لَهُ عبد الرحمان بْنُ أَبِي بَكْرٍ أَهِرَقْلِيَّةً أَيْ أَجَعَلْتُمُوهَا وِرَاثَةً مِثْلَ سَلْطَنَةِ هِرَقْلَ فَقَالَ: خُذُوهُ فَدَخَلَ بَيْتَ عَائِشَةَ فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ، فَقَالَ مَرْوَانُ: إِنَّ هَذَا الَّذِي أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما أَتَعِدانِنِي، فَقَالَتْ عَائِشَةُ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ: مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِينَا شَيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ إِلَّا أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ عُذْرِي أَيْ بَرَاءَتِي. وَكَيْفَ يَكُونُ الْمُرَادُ بِ الَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما عبد الرحمان بْنَ أَبِي بَكْرٍ وَآخِرُ الْآيَةِ يَقُولُ:
أُولئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ إِلَى خاسِرِينَ [الْأَحْقَاف: 18] فَذَكَرَ اسْمَ الْإِشَارَةِ لِلْجَمْعِ، وَقَضَى عَلَى الْمُتَحَدَّثِ عَنْهُمْ بِالْخُسْرَانِ، وَلَمْ أَقِفْ عَلَى مَنْ كَانَ مُشْرِكًا وَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤمنين. وأيّاما
كَانَ فَقَدْ أسلم عبد الرحمان قَبْلَ الْفَتْحِ فَلَمَّا أَسْلَمَ جَبَّ إِسْلَامُهُ مَا قَبْلَهُ وَخَرَجَ مِنَ الْوَعِيدِ الَّذِي فِي قَوْلِهِ: أُولئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ الْآيَةَ، لِأَنَّ ذَلِكَ وَعِيدٌ وَكُلُّ وَعِيدٍ فَإِنَّمَا هُوَ مُقَيَّدٌ تَحَقُّقُهُ بِأَنْ يَمُوتَ الْمُتَوَعَّدُ بِهِ غَيْرَ مُؤْمِنٍ وَهَذَا مَعْلُومٌ بِالضَّرُورَةِ مِنَ الشَّرِيعَةِ. وَتُلَقَّبُ عِنْدَ الْأَشَاعِرَةِ بِمَسْأَلَةِ الْمُوَافَاةِ، عَلَى أَنَّهُ قِيلَ إِنَّ الْإِشَارَةَ بِقَوْلِهِ: أُولئِكَ عَائِدَةٌ إِلَى الْأَوَّلِينَ مِنْ قَوْلِهِ: مَا هَذَا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ كَمَا سَيَأْتِي.
وَأُفٍّ: اسْمُ فِعْلٍ بِمَعْنَى: أَتَضَجَّرُ، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي سُورَةِ الْإِسْرَاءِ وَفِي سُورَةِ الْأَنْبِيَاءِ، وَهُوَ هُنَا مُسْتَعْمَلٌ كِنَايَةً عَنْ أَقَلِّ الْأَذَى فَيَكُونُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ وَالِدَيْهِمْ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا أَوْغَلَ فِي الْعُقُوقِ الشَّنِيعِ وَأَحْرَى بِالْحُكْمِ بِدَلَالَةِ فَحْوَى الْخِطَابِ عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي قَوْلِهِ
تَعَالَى: فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ فِي سُورَةِ الْإِسْرَاءِ [23] . وَقَرَأَ نَافِعٌ وَحَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ أُفٍّ بِكَسْرِ الْفَاءِ مُنَوَّنًا. وَقَرَأَهُ ابْنُ كَثِيرٍ وَابْنُ عَامِرٍ وَيَعْقُوبُ أُفٍّ بِفَتْحِ الْفَاءِ غَيْرَ مُنَوَّنٍ.
وَقَرَأَهُ الْبَاقُونَ أُفِّ بِكَسْرِ الْفَاءِ غَيْرَ مُنَوَّنٍ، وَهِيَ لُغَاتٌ ثَلَاثٌ فِيهِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ فِي قَوْله تَعَالَى: وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما مُحَسِّنَ الِاتِّزَانِ فَإِنَّهُ بِوَزْنِ مِصْرَاعٍ مِنَ الرَّمَلِ عَرُوضُهُ مَحْذُوفَةٌ، وَضَرْبُهُ مَحْذُوفٌ، وَفِيهِ الْخَبْنُ وَالْقَبْضُ، وَيُزَادُ فِيهِ الْكَفُّ عَلَى قِرَاءَةِ غَيْرِ نَافِعٍ وَحَفْصٍ.
وَالِاسْتِفْهَامُ فِي أَتَعِدانِنِي أَنْ أُخْرَجَ إِنْكَارٌ وَتَعَجَّبٌ. وَالْإِخْرَاجُ: الْبَعْثُ بَعْدَ الْمَوْتِ.
وَجُعِلَتْ جُمْلَةُ الْحَالِ وَهِيَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي قَيْدًا لِمُنْتَهَى الْإِنْكَارِ، أَيْ كَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ فِي حَالِ مُضِيِّ الْقُرُونِ.
وَالْقُرُونُ: جَمْعُ قَرْنٍ وَهُوَ الْأُمَّةُ الَّتِي تَقَارَبَ زَمَانُ حَيَاتِهَا،
وَفِي الْحَدِيثِ «خَيْرُ الْقُرُونِ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ»
الْحَدِيثَ، وَقَالَ تَعَالَى: أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً [الْقَصَص: 78] .
وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ أَحَالَ أَنْ يُخْرَجَ هُوَ مِنَ الْأَرْضِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَقَدْ مَضَتْ أُمَمٌ كَثِيرَةٌ وَطَالَ عَلَيْهَا الزَّمَنُ فَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهُمْ أَحَدٌ. وَهَذَا مِنْ سُوءِ فَهْمِهِ فِي مَعْنَى الْبَعْثِ أَوْ