المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة محمد (47) : آية 15] - التحرير والتنوير - جـ ٢٦

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌46- سُورَةُ الْأَحْقَافِ

- ‌أَغْرَاضُهَا

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : الْآيَات 5 إِلَى 6]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : الْآيَات 13 إِلَى 14]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : الْآيَات 24 إِلَى 25]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 27]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 28]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : الْآيَات 29 إِلَى 32]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 33]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 34]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 35]

- ‌47- سُورَةُ مُحَمَّدٍ

- ‌أَغْرَاضُهَا

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : الْآيَات 4 الى 6]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : الْآيَات 8 إِلَى 9]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 14]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : الْآيَات 20 الى 21]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 27]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 28]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 29]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 30]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 31]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 32]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 33]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 34]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 35]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : الْآيَات 36 الى 37]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 38]

- ‌48- سُورَةُ الْفَتْحِ

- ‌أَغْرَاضُهَا

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : الْآيَات 1 إِلَى 3]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : الْآيَات 8 إِلَى 9]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 14]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : الْآيَات 18 إِلَى 19]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : الْآيَات 22 إِلَى 23]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 27]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 28]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 29]

- ‌49- سُورَةُ الْحُجُرَاتِ

- ‌أَغْرَاضُ هَاتِهِ السُّورَةِ

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : الْآيَات 4 إِلَى 5]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : الْآيَات 7 الى 8]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 14]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 18]

- ‌50- سُورَةُ ق

- ‌أَغْرَاضُ هَاتِهِ السُّورَةِ

- ‌[سُورَة ق (50) : الْآيَات 1 الى 3]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة ق (50) : الْآيَات 9 إِلَى 10]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة ق (50) : الْآيَات 12 إِلَى 14]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة ق (50) : الْآيَات 17 إِلَى 18]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة ق (50) : الْآيَات 20 إِلَى 21]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة ق (50) : الْآيَات 24 إِلَى 25]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 27]

- ‌[سُورَة ق (50) : الْآيَات 28 إِلَى 29]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 30]

- ‌[سُورَة ق (50) : الْآيَات 31 إِلَى 35]

- ‌[سُورَة ق (50) : الْآيَات 36 إِلَى 37]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 38]

- ‌[سُورَة ق (50) : الْآيَات 39 إِلَى 40]

- ‌[سُورَة ق (50) : الْآيَات 41 إِلَى 43]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 44]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 45]

- ‌51- سُورَةُ الذَّارِيَاتِ

- ‌أَغْرَاضُ هَذِهِ السُّورَةُ

- ‌[سُورَة الذاريات (51) : الْآيَات 1 إِلَى 6]

- ‌[سُورَة الذاريات (51) : الْآيَات 7 إِلَى 9]

- ‌[سُورَة الذاريات (51) : الْآيَات 10 إِلَى 11]

- ‌[سُورَة الذاريات (51) : الْآيَات 12 إِلَى 14]

- ‌[سُورَة الذاريات (51) : الْآيَات 15 إِلَى 19]

- ‌[سُورَة الذاريات (51) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة الذاريات (51) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة الذاريات (51) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة الذاريات (51) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة الذاريات (51) : الْآيَات 24 إِلَى 30]

الفصل: ‌[سورة محمد (47) : آية 15]

أَوْ لِجَلْبِ الرِّئَاسَةِ، أَيْ زَيَّنَ لَهُ مُزَيِّنٌ سُوءَ عَمَلِهِ، وَفِي هَذَا الْبِنَاءِ إِلَى الْمَجْهُولِ تَنْبِيهٌ لَهُمْ أَيْضًا لِيَرْجِعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَيَتَأَمَّلُوا فِيمَنْ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ. وَلَمَّا كَانَ تَزْيِينُ أَعْمَالِهِمْ لَهُمْ يَبْعَثُهُمْ عَلَى الدَّأْبِ عَلَيْهَا كَانَ يَتَوَلَّدُ مِنْ ذَلِكَ إِلْفُهُمْ بِهَا وَوَلَعُهُمْ بِهَا فَتَصِيرُ لَهُمْ أَهْوَاءً لَا يَسْتَطِيعُونَ مُفَارَقَتَهَا أَعْقَبَ بِقَوْلِهِ: وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ.

وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ بَيِّنٌ لِلْعَاقِلِ الْمُتَأَمِّلِ بِحَيْثُ يَحِقُّ أَنْ يَسْأَلَ عَنْ مُمَاثَلَةِ الْفَرِيقَيْنِ سُؤَالَ مَنْ يَعْلَمُ انْتِفَاءَ الْمُمَاثَلَةِ وَيُنْكِرُ عَلَى مَنْ عَسَى أَنْ يَزْعُمَهَا. وَالْمُرَادُ بِانْتِفَاءِ الْمُمَاثَلَةِ الْكِنَايَةُ عَنِ التَّفَاضُلِ، وَالْمَقْصُودُ بِالْفَضْلِ ظَاهَرٌ وَهُوَ الْفَرِيقُ الَّذِي وَقَعَ الثَّنَاء عَلَيْهِ.

[15]

[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 15]

مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ (15)

اسْتِئْنَافٌ بَيَانِيٌّ لِأَنَّ مَا جَرَى مِنْ ذِكْرِ الْجَنَّةِ فِي قَوْلِهِ: إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ [مُحَمَّد: 12] مِمَّا يَسْتَشْرِفُ السَّامِعُ إِلَى تَفْصِيلِ بَعْضِ صِفَاتِهَا، وَإِذْ قَدْ ذُكِرَ أَنَّهَا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ مُوهِمٌ السَّامِعَ أَنَّهَا أَنْهَارُ الْمِيَاهِ لِأَنَّ جَرْيَ الْأَنْهَارِ أَكْمَلُ مَحَاسِنِ الْجَنَّاتِ الْمَرْغُوبِ فِيهَا، فَلَمَّا فُرِغَ مِنْ تَوْصِيفِ حَالِ

فَرِيقَيِ الْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ، وَمِمَّا أَعَدَّ لِكِلَيْهِمَا، وَمِنْ إِعْلَانِ تَبَايُنِ حَالَيْهِمَا ثُنِيَ الْعِنَانُ إِلَى بَيَانِ مَا فِي الْجنَّة الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ، وَخُصَّ مِنْ ذَلِكَ بَيَانُ أَنْوَاعِ الْأَنْهَارِ، وَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ مَوْقِعَ الْجُمْلَةِ كَانَ قَوْلُهُ: مَثَلُ الْجَنَّةِ مُبْتَدَأً مَحْذُوفَ الْخَبَرِ. وَالتَّقْدِيرُ: مَا سَيُوصَفُ أَوْ مَا سَيُتْلَى عَلَيْكُمْ، أَوْ مِمَّا يُتْلَى عَلَيْكُمْ.

وَقَوْلُهُ: كَمَنْ هُوَ خالِدٌ فِي النَّارِ كَلَامٌ مُسْتَأْنِفٌ مُقَدَّرٌ فِيهِ اسْتِفْهَامٌ إِنْكَارِيٌّ دَلَّ عَلَيْهِ مَا سَبَقَ مِنْ قَوْلِهِ: أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ [مُحَمَّد: 14] .

ص: 94

وَالتَّقْدِيرُ: أَكَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ. وَالْإِنْكَارُ مُتَسَلِّطٌ عَلَى التَّشْبِيهِ الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى التَّسْوِيَةِ.

وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ جُمْلَةُ مَثَلُ الْجَنَّةِ بَدَلًا مِنْ جُمْلَةِ أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ فَهِيَ دَاخِلَةٌ فِي حَيِّزِ الِاسْتِفْهَامِ الْإِنْكَارِيِّ. وَالْخَبَرُ قَوْلُهُ: كَمَنْ هُوَ خالِدٌ فِي النَّارِ، أَيْ كَحَالِ مَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ اخْتِلَافَ حَالِ النَّارِ عَنْ حَالِ الْجَنَّةِ، فَحَصَلَ نَحْوُ الِاحْتِبَاكِ إِذْ دَلَّ مَثَلُ الْجَنَّةِ عَلَى مَثَلِ أَصْحَابِهَا وَدَلَّ مَثَلُ مَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ عَلَى مَثَلِ النَّارِ.

وَالْمَقْصُودُ: بَيَانُ الْبَوْنِ بَيْنَ حَالَيِ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ بِذِكْرِ التَّفَاوُتِ بَيْنَ حَالَيْ مَصِيرِهِمَا الْمُقَرَّرِ فِي قَوْلِهِ: إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ [الْحَج: 23] إِلَى آخِرِهِ، وَلِذَلِكَ لَمْ يَتْرُكْ ذِكْرَ أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَأَصْحَابِ النَّارِ فِي خِلَالِ ذِكْرِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ فَقَالَ: مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ وَقَالَ بَعْدَهُ كَمَنْ هُوَ خالِدٌ فِي النَّارِ. وَلِقَصْدِ زِيَادَةِ تَصْوِيرِ مُكَابَرَةِ مَنْ يُسَوِّي بَيْنَ الْمُتَمَسِّكِ بِبَيِّنَةِ رَبِّهِ وَبَيْنَ التَّابِعِ لِهَوَاهُ، أَيْ هُوَ أَيْضًا كَالَّذِي يُسَوِّي بَيْنَ الْجَنَّةِ ذَاتِ تِلْكَ الصِّفَاتِ وَبَيْنَ النَّارِ ذَاتِ صِفَاتٍ ضِدِّهَا.

وَفِيهِ اطِّرَادُ أَسَالِيبِ السُّورَةِ إِذِ افْتُتِحَتْ بِالْمُقَابَلَةِ بَيْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَالَّذِينَ آمَنُوا، وَأُعْقِبَ بِاتِّبَاعِ الْكَافِرِينَ الْبَاطِلَ وَاتِّبَاعِ الْمُؤْمِنِينَ الْحَقَّ، وَثُلِّثَ بُقُولِهِ: أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ إِلَخْ. وَالْمَثَلُ: الْحَالُ الْعَجِيبُ.

وَجُمْلَةُ فِيها أَنْهارٌ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهَا تَفْصِيلٌ لِلْإِجْمَالِ الَّذِي فِي جُمْلَةِ مَثَلُ الْجَنَّةِ، فَهُوَ اسْتِئْنَافٌ، أَوْ بَدَلٌ مُفَصَّلٌ مِنْ مُجْمَلٍ عَلَى رَأْيِ مَنْ يُثْبِتُهُ فِي أَنْوَاعِ الْبَدَلِ.

وَالْأَنْهَارُ: جَمْعُ نَهْرٍ، وَهُوَ الْمَاءُ الْمُسْتَبْحِرُ الْجَارِي فِي أُخْدُودٍ عَظِيمٍ مِنَ الْأَرْضِ، وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: قالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ

ص: 95

فَأَمَّا إِطْلَاقُ الْأَنْهَارِ عَلَى أَنْهَارِ الْمَاءِ فَهُوَ حَقِيقَةٌ، وَأَمَّا إِطْلَاقُ الْأَنْهَارِ عَلَى مَا هُوَ مِنْ

لَبَنٍ وَخَمْرٍ وَعَسَلٍ فَذَلِكَ عَلَى طَرِيقَةِ التَّشْبِيهِ الْبَلِيغِ، أَيْ مُمَاثَلَةٌ لِلْأَنْهَارِ، فَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْمُمَاثَلَةُ تَامَّةً فِي أَنَّهَا كَالْأَنْهَارِ مُسْتَبْحِرَةٌ فِي أَخَادِيدَ مِنْ أَرْضِ الْجَنَّةِ فَإِنَّ أَحْوَالَ الْآخِرَةِ خَارِقَةٌ لِلْعَادَةِ الْمَعْرُوفَةِ فِي الدُّنْيَا، فَإِنَّ مَرْأَى أَنْهَارٍ مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَافِ مَرْأًى مُبْهِجٌ. وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مُمَاثَلَةُ هَذِهِ الْأَصْنَافِ لِلْأَنْهَارِ فِي بَعْضِ صِفَاتِ الْأَنْهَارِ وَهِيَ الِاسْتِبْحَارُ. وَهَذِهِ الْأَصْنَافُ الْخَمْسَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْآيَةِ كَانَتْ مِنْ أَفْضَلِ مَا يَتَنَافَسُونَ فِيهِ وَمِنْ أَعَزِّ مَا يَتَيَسَّرُ الْحُصُولُ عَلَيْهِ، فَكَيْفَ الْكَثِيرُ مِنْهَا، فَكَيْفَ إِذَا كَانَ مِنْهَا أَنْهَارٌ فِي الْجَنَّةِ. وَتُنَاوُلُ هَذِهِ الْأَصْنَافِ مِنَ التَّفَكُّهِ الَّذِي هُوَ تَنَعُّمُ أَهْلِ الْيَسَارِ وَالرَّفَاهِيَةِ.

وَقَدْ ذُكِرَ هُنَا أَرْبَعَةُ أَشْرِبَةٍ هِيَ أَجْنَاسُ أَشْرِبَتْهِمْ، فَكَانُوا يَسْتَجِيدُونَ الْمَاءَ الصَّافِيَ لِأَنَّ غَالِبَ مِيَاهِهِمْ مِنَ الْغُدْرَانِ والأحواض بالبادية تمتلىء مِنْ مَاءِ الْمَطَرِ أَوْ مِنْ مُرُورِ السُّيُولِ فَإِذَا اسْتَقَرَّتْ أَيَّامًا أَخَذَتْ تَتَغَيَّرُ بِالطُّحْلُبِ وَبِمَا يَدْخُلُ فِيهَا مِنَ الْأَيْدِي وَالدِّلَاءِ، وَشُرْبِ الْوُحُوشِ وَقَلِيلٌ الْبِلَادُ الَّتِي تَكُونُ مُجَاوِرَةً الْأَنْهَارَ الْجَارِيَةَ. وَكَذَلِكَ اللَّبَنُ كَانُوا إِذَا حَلَبُوا وَشَرِبُوا أَبْقَوْا مَا اسْتَفْضَلُوهُ إِلَى وَقْتٍ آخَرَ لِأَنَّهُمْ لَا يَحْلُبُونَ إِلَّا حَلْبَةً وَاحِدَةً أَوْ حَلْبَتَيْنِ فِي الْيَوْمِ فَيَقَعُ فِي طَعْمِ اللَّبَنِ تَغْيِيرٌ. فَأَمَّا الْخَمْرُ فَكَانَتْ قَلِيلَةً عَزِيزَةً عِنْدَهُمْ لِقِلَّةِ الْأَعْنَابِ فِي الْحِجَازِ إِلَّا قَلِيلًا فِي الطَّائِفِ، فَكَانَتْ الْخَمْرُ تُجْتَلَبُ مِنْ بِلَادِ الشَّامِ وَمِنْ بِلَادِ الْيَمَنِ، وَكَانَتْ غَالِيَةَ الثَّمَنِ وَقَدْ يَنْقَطِعُ جَلْبُهَا زَمَانًا فِي فَصْلِ الشِّتَاءِ لِعُسْرِ السَّيْرِ بِهَا فِي الطُّرُقِ وَفِي أَوْقَاتِ الْحُرُوبِ أَيْضًا خَوْفَ انْتِهَابِهَا.

وَالْعَسَلُ هُوَ أَيْضًا مَنْ أَشْرَبَتِهِمْ، قَالَ تَعَالَى فِي النَّحْلِ [69] يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ وَالْعَرَبُ يَقُولُونَ: سَقَاهُ عَسَلًا، وَيَقُولُونَ: أَطْعَمَهُ عَسَلًا. وَكَانَ الْعَسَلُ مَرْغُوبًا فِيهِ يُجْتَلَبُ مِنْ بِلَادِ الْجِبَالِ ذَاتِ النَّبَاتِ الْمُسْتَمِرِّ. فَأَمَّا الثَّمَرَاتُ فَبَعْضُهَا كَثِيرٌ عِنْدَهُمْ كَالتَّمْرِ وَبَعْضُهَا قَلِيلٌ كَالرُّمَّانِ.

وَالْآسِنُ: وَصْفٌ مَنْ أَسَنَ الْمَاءُ مِنْ بَابِ ضَرَبَ وَنَصَرَ وَفَرِحَ، إِذَا تَغَيَّرَ لَوْنُهُ. وَقَرَأَهُ ابْنُ كَثِيرٍ أَسِنٍ بِدُونِ أَلِفٍ بَعْدَ الْهَمْزَةِ عَلَى وَزْنِ فَعِلٍ لِلْمُبَالِغَةِ.

ص: 96

وَالْخَمْرُ: عَصِيرُ الْعِنَبِ الَّذِي يُتْرَكُ حَتَّى يُصِيبَهُ التَّخَمُّرُ وَهُوَ الْحُمُوضَةُ مِثْلُ خَمِيرِ الْعَجِينِ. ولَذَّةٍ وَصْفٌ وَلَيْسَ بِاسْمٍ، وَهُوَ تَأْنِيثُ اللَّذِّ، أَيِ اللَّذِيذِ قَالَ بَشَّارٌ:

ذَكَرْتُ شَبَابِي اللَّذَّ غَيْرَ قَرِيبِ

وَمَجْلِسَ لَهْوٍ طَابَ بَيْنَ شُرُوبِ

وَاللَّذَاذَةُ: انْفِعَالٌ نَفْسَانِيٌّ فِيهِ مَسَرَّةٌ، وَهِيَ ضِدُّ الْأَلَمِ وَأَكْثَرُ حُصُولِهِ مِنَ الطَّعُومِ

وَالْأَشْرِبَةِ وَالْمَلَامِسِ الْبَدَنِيَّةِ، فَوَصْفُ خَمْرٍ هُنَا بِأَنَّهَا لَذَّةٍ مَعْنَاهُ يَجِدُ شَارِبُهَا لَذَاذَةً فِي طَعْمِهَا، أَيْ بِخِلَافِ خَمْرِ الدُّنْيَا فَإِنَّهَا حَرِيقَةُ الطَّعْمِ فَلَوْلَا تَرَقُّبُ مَا تَفْعَلُهُ فِي الشَّارِبِ مِنْ نَشْوَةٍ وَطَرَبٍ لَمَا شَرِبَهَا لِحُمُوضَةِ طَعْمِهَا.

وَالْعَسَلُ الْمُصَفَّى: الَّذِي خُلِّصَ مِمَّا يُخَالِطُ الْعَسَلَ مِنْ بَقَايَا الشَّمْعِ وَبَقَايَا أَعْضَاءِ النَّحْلِ الَّتِي قَدْ تَمُوتُ فِيهِ، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى الْعَسَلِ وَتَرْبِيَتِهِ فِي سُورَةِ النَّحْلِ.

وَمَعْنَى مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ أَصْنَافٌ مِنْ جَمِيعِ أَجْنَاسِ الثَّمَرَاتِ، فَالتَّعْرِيفُ فِي الثَّمَراتِ لِلْجِنْسِ، وكُلِّ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي حَقِيقَتِهَا وَهُوَ الْإِحَاطَةُ، أَيْ جَمِيعُ مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مِمَّا عَلِمُوهُ فِي الدُّنْيَا وَمَا لَمْ يَعْلَمُوهُ مِمَّا خَلَقَهُ اللَّهُ لِلْجَنَّةِ. ومِنْ تَبْعِيضِيَّةٌ، وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: فِيهِما مِنْ كُلِّ فاكِهَةٍ زَوْجانِ [الرَّحْمَن: 52] .

ومَغْفِرَةٌ عَطْفٌ عَلَى أَنْهارٌ وَمَا بَعْدَهُ، أَيْ وَفِيهَا مَغْفِرَةٌ لَهُمْ، أَيْ تَجَاوُزٌ عَنْهُمْ، أَيْ إِطْلَاقٌ فِي أَعْمَالِهِمْ لَا تَكْلِيفَ عَلَيْهِمْ كَمَغْفِرَتِهِ لِأَهْلِ بَدْرٍ إِذْ بُيِّنَتْ بِأَنْ يعملوا مَا شاؤوا

فِي الْحَدِيثِ «لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ»

وَقَدْ تَكُونُ الْمَغْفِرَةُ كِنَايَةً عَنِ الرُّضْوَانِ عَلَيْهِمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ [التَّوْبَة: 72] .

وَتَقْدِيرُ الْمُضَافِ فِي مَثَلِهِ ظَاهِرٌ لِلْقَرِينَةِ. وَقَوْلُهُ: وَسُقُوا مَاءً حَمِيماً جِيءَ بِهِ لِمُقَابَلَةِ مَا وُصِفَ مِنْ حَالِ أَهْلِ الْجَنَّةِ الَّذِي فِي قَوْلِهِ: فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ إِلَى قَوْلِهِ: مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ، أَيْ أَنَّ أَهْلَ النَّارِ مَحْرُومُونَ مِنْ جَمِيعِ مَا ذُكِرَ مِنَ الْمَشْرُوبَاتِ.

وَلَيْسُوا بِذَائِقِينَ إِلَّا الْمَاءَ

ص: 97