الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مُشْتَقٌّ مِنَ الصَّرْفِ وَهُوَ الْإِبْعَادُ. وَكُنِّيَ بِهِ هُنَا عَنِ التَّبْيِينِ وَالتَّوْضِيحِ لِأَنَّ تَعَدُّدَ أَنْوَاعِ الْأَدِلَّةِ يَزِيدُ الْمَقْصُودَ وُضُوحًا. وَمَعْنَى تَنْوِيعِ الْآيَاتِ أَنَّهَا تَارَةً تَكُونُ بِالْحُجَّةِ وَالْمُجَادَلَةِ النَّظَرِيَّةِ، وَتَارَةً بِالتَّهْدِيدِ عَلَى الْفِعْلِ، وَأُخْرَى بِالْوَعِيدِ، وَمَرَّةً بِالتَّذْكِيرِ بِالنِّعَمِ وَشُكْرِهَا. وَجُمْلَةُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ مُسْتَأْنَفَةٌ لِإِنْشَاءِ التَّرَجِّي وَمَوْقِعُهَا مَوْقِعُ الْمَفْعُولِ لِأَجْلِهِ، أَيْ رَجَاءَ رُجُوعِهِمْ.
وَالرُّجُوعُ هُنَا مَجَازٌ عَنِ الْإِقْلَاعِ عَمَّا هُمْ فِيهِ مِنَ الشِّرْكِ وَالْعِنَادِ، وَالرَّجَاءُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى يُسْتَعْمَلُ مَجَازًا فِي الطَّلَبِ، أَيْ تَوْسِعَةً لَهُمْ وَإِمْهَالًا لِيَتَدَبَّرُوا وَيَتَّعِظُوا. وَهَذَا تَعْرِيضٌ بِمُشْرِكِي أَهْلِ مَكَّةَ فَهُمْ سَوَاءٌ فِي تَكْوِينِ ضُرُوبِ تَصْرِيفِ الْآيَاتِ زِيَادَةً عَلَى مَا صُرِّفَ لَهُمْ
مِنْ آيَاتِ إِعْجَازِ الْقُرْآنِ وَالْكَلَامُ عَلَى (لَعَلَّ) فِي كَلَامِ اللَّهِ تَقَدَّمَ فِي أَوَائِل الْبَقَرَة.
[28]
[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 28]
فَلَوْلا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْباناً آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذلِكَ إِفْكُهُمْ وَما كانُوا يَفْتَرُونَ (28)
تَفْرِيعٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْمَوْعِظَةِ بِعَذَابِ عَادٍ الْمُفَصَّلِ، وَبِعَذَابِ أَهْلِ الْقُرَى الْمُجْمَلِ، فُرِّعَ عَلَيْهِ تَوْبِيخٌ مُوَجَّهٌ إِلَى آلِهَتِهِمْ إِذْ قَعَدُوا عَنْ نَصْرِهِمْ وَتَخْلِيصِهِمْ قُدْرَةَ اللَّهِ عَلَيْهِمْ، وَالْمَقْصُودُ تَوْجِيهُ التَّوْبِيخِ إِلَى الْأُمَمِ الْمُهْلَكَةِ عَلَى طَرِيقَةِ تَوْجِيهِ النَّهْيِ وَنَحْوِهِ لِغَيْرِ الْمَنْهِيِّ لِيَجْتَنِبَ الْمَنْهِيُّ أَسْبَابَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ كَقَوْلِهِمْ لَا أَعْرِفَنَّكَ تَفْعَلْ كَذَا، وَلَا أَرَيَنَّكَ هُنَا.
وَالْمَقْصُودُ بِهَذَا التَّوْبِيخِ تَخْطِئَةُ الْأُمَمِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْأَصْنَامَ لِلنَّصْرِ وَالدَّفْعِ وَذَلِكَ مُسْتَعْمَلٌ تَعْرِيضًا بِالسَّامِعِينَ الْمُمَاثِلِينَ لَهُمْ فِي عِبَادَةِ آلِهَةٍ مِنْ دُونِ اللَّهِ اسْتِتْمَامًا لِلْمَوْعِظَةِ وَالتَّوْبِيخِ بِطَرِيقِ التَّنْظِيرِ وَقِيَاسِ التَّمْثِيلِ، وَلِذَلِكَ عَقَّبَ بِقَوْلِهِ: بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ لِأَنَّ التَّوْبِيخَ آلَ إِلَى مَعْنَى نَفْيِ النَّصْرِ.
وَحَرْفُ لَوْلَا إِذَا دَخَلَ عَلَى جُمْلَةٍ فِعْلِيَّةٍ كَانَ أَصْلُهُ الدَّلَالَةَ عَلَى التَّحْضِيضِ، أَيْ تَحْضِيضِ فَاعِلِ الْفِعْلِ الَّذِي بَعْدَ لَوْلَا عَلَى تَحْصِيلِ ذَلِكَ الْفِعْلِ، فَإِذَا كَانَ
الْفَاعِلُ غَيْرَ الْمُخَاطَبِ بِالْكَلَامِ كَانَتْ لَوْلَا دَالَّةً على التوبيخ وَنَحْو إِذْ لَا طَائِلَ فِي تَحْضِيضِ الْمُخَاطَبِ عَلَى فِعْلِ غَيْرِهِ.
وَالْإِتْيَانُ بِالْمَوْصُولِ لِمَا فِي الصِّلَةِ مِنَ التَّنْبِيهِ عَلَى الْخَطَأِ وَالْغَلَطِ فِي عِبَادَتِهِمُ الْأَصْنَامَ فَلَمْ تُغْنِ عَنْهُمْ شَيْئًا، كَقَوْلِ عَبْدَةَ بْنِ الطَّبِيبِ:
إِنَّ الَّذِينَ تَرَوْنَهُمْ إِخْوَانَكُمْ
…
يَشْفِي غَلِيلَ صُدُورِهِمْ أَنْ تُصْرَعُوا
وَعُومِلَتِ الْأَصْنَامُ مُعَامَلَةَ الْعُقَلَاءِ بِإِطْلَاقِ جَمْعِ الْعُقَلَاءِ عَلَيْهِمْ جَرْيًا عَلَى الْغَالِبِ فِي اسْتِعْمَالِ الْعَرَبِ كَمَا تَقَدَّمَ غَيْرَ مَرَّةٍ.
وقُرْباناً مُصْدَرٌ بِوَزْنِ غُفْرَانٍ، مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَفْعُولِ لِأَجْلِهِ حِكَايَةً لِزَعْمِهِمُ الْمَعْرُوفَ الْمَحْكِيَّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى [الزمر: 3] . وَهَذَا الْمَصْدَرُ مُعْتَرِضٌ بَيْنَ اتَّخَذُوا وَمَفْعُولِهِ، ومِنْ دُونِ اللَّهِ يَتَعَلَّقُ بِ اتَّخَذُوا. ودُونِ بِمَعْنَى الْمُبَاعَدَةِ، أَيْ مُتَجَاوِزِينَ اللَّهَ فِي اتِّخَاذِ الْأَصْنَامِ آلِهَةً وَهُوَ حِكَايَةٌ لِحَالِهِمْ لزِيَادَة تشويهها وتشبيعها.
وبَلْ بِمَعْنَى لَكِنْ إِضْرَابًا وَاسْتِدْرَاكًا بَعْدَ التَّوْبِيخِ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى النَّفْيِ، أَيْ مَا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوهُمْ آلِهَةً وَلَا قَرَّبُوهُمْ إِلَى اللَّهِ لِيَدْفَعَ عَنْهُمُ الْعَذَابَ، بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ، أَيْ بَلْ غَابُوا عَنْهُمْ وَقْتَ حُلُولِ الْعَذَابِ بِهِمْ.
وَالضَّلَالُ أَصْلُهُ: عَدَمُ الِاهْتِدَاءِ لِلطَّرِيقِ وَاسْتُعِيرَ لِعَدَمِ النَّفْعِ بِالْحُضُورِ اسْتِعَارَةً تَهَكُّمِيَّةً، أَيْ غَابُوا عَنْهُمْ وَلَوْ حَضَرُوا لَنَصَرُوهُمْ، وَهَذَا نَظِيرُ التَّهَكُّمِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ فِي سُورَةِ الْقَصَصِ [64] .
وَأَمَّا قَوْلُهُ: وَذلِكَ إِفْكُهُمْ فَهُوَ فَذْلَكَةٌ لِجُمْلَةِ فَلَوْلا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ إِلَخْ وَقَرِينَةٌ عَلَى الِاسْتِعَارَةِ التَّهَكُّمِيَّةِ فِي قَوْلِهِ: ضَلُّوا عَنْهُمْ. وَالْإِشَارَةُ بِ ذلِكَ إِلَى مَا تَضَمَّنَهُ قَوْلُهُ: الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ قُرْباناً آلِهَةً مَنْ زَعَمَ الْأَصْنَامَ آلِهَةً وَأَنَّهَا تُقَرِّبُهُمْ إِلَى اللَّهِ، وَالْإِفْكُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ.
وَالِافْتِرَاءُ: نَوْعٌ مِنَ الْكَذِبِ وَهُوَ ابْتِكَارُ الْأَخْبَارِ الْكَاذِبَةِ وَيُرَادِفُ الِاخْتِلَاقَ لِأَنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنْ فَرْيِ الْجِلْدِ، فَالِافْتِرَاءُ الْكَذِبُ الَّذِي يَقُولُهُ، فَعَطْفُ مَا كانُوا يَفْتَرُونَ