المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة محمد (47) : الآيات 20 الى 21] - التحرير والتنوير - جـ ٢٦

[ابن عاشور]

فهرس الكتاب

- ‌46- سُورَةُ الْأَحْقَافِ

- ‌أَغْرَاضُهَا

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : الْآيَات 5 إِلَى 6]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : الْآيَات 13 إِلَى 14]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : الْآيَات 24 إِلَى 25]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 27]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 28]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : الْآيَات 29 إِلَى 32]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 33]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 34]

- ‌[سُورَة الْأَحْقَاف (46) : آيَة 35]

- ‌47- سُورَةُ مُحَمَّدٍ

- ‌أَغْرَاضُهَا

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : الْآيَات 4 الى 6]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : الْآيَات 8 إِلَى 9]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 14]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 18]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : الْآيَات 20 الى 21]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 27]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 28]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 29]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 30]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 31]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 32]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 33]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 34]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 35]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : الْآيَات 36 الى 37]

- ‌[سُورَة مُحَمَّد (47) : آيَة 38]

- ‌48- سُورَةُ الْفَتْحِ

- ‌أَغْرَاضُهَا

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : الْآيَات 1 إِلَى 3]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : الْآيَات 8 إِلَى 9]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 14]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : الْآيَات 18 إِلَى 19]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : الْآيَات 22 إِلَى 23]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 24]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 25]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 27]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 28]

- ‌[سُورَة الْفَتْح (48) : آيَة 29]

- ‌49- سُورَةُ الْحُجُرَاتِ

- ‌أَغْرَاضُ هَاتِهِ السُّورَةِ

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 1]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 2]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 3]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : الْآيَات 4 إِلَى 5]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : الْآيَات 7 الى 8]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 9]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 10]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 12]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 13]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 14]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 17]

- ‌[سُورَة الحجرات (49) : آيَة 18]

- ‌50- سُورَةُ ق

- ‌أَغْرَاضُ هَاتِهِ السُّورَةِ

- ‌[سُورَة ق (50) : الْآيَات 1 الى 3]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 4]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 5]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 6]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 7]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 8]

- ‌[سُورَة ق (50) : الْآيَات 9 إِلَى 10]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 11]

- ‌[سُورَة ق (50) : الْآيَات 12 إِلَى 14]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 15]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 16]

- ‌[سُورَة ق (50) : الْآيَات 17 إِلَى 18]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 19]

- ‌[سُورَة ق (50) : الْآيَات 20 إِلَى 21]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة ق (50) : الْآيَات 24 إِلَى 25]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 26]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 27]

- ‌[سُورَة ق (50) : الْآيَات 28 إِلَى 29]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 30]

- ‌[سُورَة ق (50) : الْآيَات 31 إِلَى 35]

- ‌[سُورَة ق (50) : الْآيَات 36 إِلَى 37]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 38]

- ‌[سُورَة ق (50) : الْآيَات 39 إِلَى 40]

- ‌[سُورَة ق (50) : الْآيَات 41 إِلَى 43]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 44]

- ‌[سُورَة ق (50) : آيَة 45]

- ‌51- سُورَةُ الذَّارِيَاتِ

- ‌أَغْرَاضُ هَذِهِ السُّورَةُ

- ‌[سُورَة الذاريات (51) : الْآيَات 1 إِلَى 6]

- ‌[سُورَة الذاريات (51) : الْآيَات 7 إِلَى 9]

- ‌[سُورَة الذاريات (51) : الْآيَات 10 إِلَى 11]

- ‌[سُورَة الذاريات (51) : الْآيَات 12 إِلَى 14]

- ‌[سُورَة الذاريات (51) : الْآيَات 15 إِلَى 19]

- ‌[سُورَة الذاريات (51) : آيَة 20]

- ‌[سُورَة الذاريات (51) : آيَة 21]

- ‌[سُورَة الذاريات (51) : آيَة 22]

- ‌[سُورَة الذاريات (51) : آيَة 23]

- ‌[سُورَة الذاريات (51) : الْآيَات 24 إِلَى 30]

الفصل: ‌[سورة محمد (47) : الآيات 20 الى 21]

»

(1)

.

وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ: لِذَنْبِكَ لَامُ التَّعْيِينِ بَيَّنَتْ مَفْعُولًا ثَانِيًا لِفِعْلِ اسْتَغْفِرْ وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ لَامُ الْعِلَّةِ، أَوْ بِمَعْنَى (عَنْ) وَالْمَفْعُولُ مَحْذُوفٌ، أَيِ اسْتَغْفِرِ الذُّنُوبَ لِأَجْلِ الْمُؤْمِنِينَ، وَفِي الْكَلَامِ حَذْفٌ، تَقْدِيرُهُ: وَلِلْمُؤْمِنِينَ لِذُنُوبِهِمْ.

وَجُمْلَةُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْواكُمْ تَذْيِيلٌ جَامِعٌ لِأَحْوَالِ مَا تَقَدَّمَ. فَالْمُتَقَلَّبُ:

مَصْدَرٌ بِمَعْنَى التَّقَلُّبِ، أُوثِرَ جَلْبُهُ هُنَا لِمُزَاوَجَةِ قَوْلِهِ: وَمَثْواكُمْ. وَالتَّقَلُّبُ: الْعَمَلُ الْمُخْتَلِفُ ظَاهِرًا كَانَ كَالصَّلَاةِ، أَوْ بَاطِنًا كَالْإِيمَانِ وَالنُّصْحِ.

والمثوى: الْمرجع والمثال، أَيْ يَعْلَمُ اللَّهُ أَحْوَالَكُمْ جَمِيعًا مِنْ مُؤْمِنِينَ وَكَافِرِينَ، وَقَدَّرَ لَهَا جَزَاءَهَا عَلَى حَسَبِ عِلْمِهِ بِمَرَاتِبِهَا وَيَعْلَمُ مَصَائِرَكُمْ وَإِنَّمَا أَمَرَكُمْ وَنَهَاكُمْ وَأَمَرَكُمْ بِالِاسْتِغْفَارِ خَاصَّةً لِإِجْرَاءِ أَحْكَامِ الْأَسْبَابِ عَلَى مُسَبِّبَاتِهَا فَلَا تَيْأَسُوا وَلَا تُهْمِلُوا.

[20، 21]

[سُورَة مُحَمَّد (47) : الْآيَات 20 الى 21]

وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلى لَهُمْ (20) طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ (21)

وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلى لَهُمْ (20) طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ

قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ هَذِهِ السُّورَةَ أُنْزِلَتْ بِالْمَدِينَةِ وَقَدْ بَدَتْ قُرُونُ نِفَاقِ الْمُنَافِقِينَ، فَلَمَّا جَرَى

فِي هَذِهِ السُّورَةِ وَصْفُ حَالِ الْمُنَافِقِينَ أُعْقِبَ ذَلِكَ بِوَصْفِ أَجْلَى مَظَاهِرِ نِفَاقِهِمْ، وَذَلِكَ حِينَ يُدْعَى الْمُسْلِمُونَ إِلَى الْجِهَادِ فَقَدْ يَضِيقُ الْأَمْرُ بِالْمُنَافِقِينَ إِذْ كَانَ تَظَاهُرُهُمْ بِالْإِسْلَامِ سَيُلْجِئُهُمْ إِلَى الْخُرُوجِ لِلْقِتَالِ مَعَ الْمُسْلِمِينَ، وَذَلِكَ أَمْرٌ لَيْسَ بِالْهَيِّنِ لِأَنَّهُ تَعَرُّضٌ لِإِتْلَافِهِمُ النُّفُوسِ دون أَن يَرْجُو مِنْهُ نَفْعًا فِي الْحَيَاةِ الْأَبَدِيَّةِ إِذْ هُمْ لَا يُصَدِّقُونَ بِهَا فَيُصْبِحُوا فِي حَيْرَةٍ. وَكَانَ حَالُهُمْ هَذَا مُخَالِفًا لِحَالِ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِي تَمَنَّوْا أَنْ يَنْزِلَ الْقُرْآنُ بِالدَّعْوَةِ إِلَى الْقِتَالِ لِيُلَاقُوا الْمُشْرِكِينَ فَيَشْفُوا مِنْهُمْ غَلِيلَهُمْ، فَبِهَذِهِ الْمُنَاسَبَةِ حُكِيَ تَمَنِّي الْمُؤْمِنِينَ نُزُولَ حُكْمِ الْقِتَالِ لِأَنَّهُ يَلُوحُ بِهِ تَمْيِيزُ حَالِ الْمُنَافِقِينَ، وَيَبْدُو مِنْهُ الْفَرْقُ بَيْنَ حَالِ الْفَرِيقَيْنِ وَقَدْ بَيَّنَ كُرْهَ الْقِتَالِ لَدَيْهِمْ فِي سُورَةِ بَرَاءَةَ.

فَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ هُوَ قَوْلُهُ: فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ الْآيَةَ، وَمَا قَبْلَهُ تَوْطِئَةٌ لَهُ بِذِكْرِ سَبَّبِهِ، وَأَفَادَ تَقْدِيمُهُ

(1) رَوَاهُ مُسلم وَأَبُو دَاوُد.

ص: 106

أَيْضًا تَنْوِيهًا بِشَأْنِ الَّذِينَ آمَنُوا، وَأَفَادَ ذِكْرُهُ مُقَابَلَةً بَيْنَ حَالَيِ الْفَرِيقَيْنِ جَرْيًا عَلَى سُنَنِ هَذِهِ السُّورَةِ.

وَمَقَالُ الَّذِينَ آمَنُوا هَذَا كَانَ سَبَبًا فِي نُزُولِ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ [مُحَمَّد: 4] ، وَلِذَلِكَ فَالْمَقْصُودُ مِنَ السُّورَةِ الَّتِي ذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ هَذِهِ السُّورَةُ الَّتِي نَحْنُ بِصَدَدِهَا.

وَمَعْلُومٌ أَنَّ قَوْلَ الْمُؤمنِينَ هَذَا وَقع قَبْلَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ فَالتَّعْبِيرُ عَنْهُ بِالْفِعْلِ الْمُضَارِعِ:

إِمَّا لِقَصْدِ اسْتِحْضَارِ الْحَالَةِ مِثْلَ وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ [هود: 38]، وَإِمَّا لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّهُمْ مُسْتَمِرُّونَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ. وَتَبَعًا لِذَلِكَ تَكُونُ إِذَا فِي قَوْلِهِ: فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ ظَرْفًا مُسْتَعْمَلًا فِي الزَّمَنِ الْمَاضِي لِأَنَّ نُزُولَ السُّورَةِ قَدْ وَقَعَ، وَنَظَرُ الْمُنَافِقِينَ إِلَى الرَّسُول صلى الله عليه وسلم هَذَا النَّظَرَ قَدْ وَقَعَ إِذْ لَا يَكُونُ ذَمُّهُمْ وَزَجْرُهُمْ قَبْلَ حُصُولِ مَا يُوجِبُهُ فَالْمَقَامُ دَالٌّ وَالْقَرِينَةُ وَاضِحَةٌ.

ولَوْلا حَرْفٌ مُسْتَعْمَلٌ هُنَا فِي التَّمَنِّي، وَأَصْلُ مَعْنَاهُ التَّخْصِيصُ فَأُطْلِقَ وَأُرِيدَ بِهِ التَّمَنِّي لِأَنَّ التَّمَنِّيَ يَسْتَلْزِمُ الْحِرْصَ وَالْحِرْصُ يَدْعُو إِلَى التَّحْضِيضِ.

وَحُذِفَ وُصْفُ سُورَةٌ فِي حِكَايَةِ قَوْلِهِمْ: لَوْلا نُزِّلَتْ سُورَةٌ لِدَلَالَةِ مَا بَعْدَهُ عَلَيْهِ مِنْ قَوْلِهِ: وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ لِأَنَّ قَوْلَهُ فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ، أَيْ كَمَا تَمَنَّوُا اقْتَضَى أَنَّ الْمَسْئُولَ سُورَةٌ يُشَرَّعُ فِيهَا قِتَالُ الْمُشْرِكِينَ. فَالْمَعْنَى: لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ يُذْكَرُ فِيهَا الْقِتَالُ وَفَرْضُهُ، فَحُذِفَ الْوَصْفُ إِيجَازًا. وَوَصْفُ السُّورَةِ بِ مُحْكَمَةٌ بِاعْتِبَارِ وَصْفِ آيَاتِهَا بِالْإِحْكَامِ، أَيْ عَدَمِ التَّشَابُهِ وَانْتِفَاءِ الِاحْتِمَالِ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ مُقَابَلَةُ الْمُحْكَمَاتِ بِالْمُتَشَابِهَاتِ

فِي قَوْلِهِ: مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ [7]، أَيْ لَا تَحْتَمِلُ آيَاتُ تِلْكَ السُّورَةِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْقِتَالِ إِلَّا وُجُوبَ الْقِتَالِ وَعَدَمَ الْهَوَادَةِ فِيهِ مِثْلُ قَوْلِهِ: فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ [مُحَمَّد: 4] الْآيَاتَ، فَلَا جَرَمَ أَنَّ هَذِهِ السُّورَةَ هِيَ الَّتِي نَزَلَتْ إِجَابَةً عَنْ تَمَنِّي الَّذِينَ آمَنُوا. وَإِنَّمَا قَالَ: وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ لِأَنَّ السُّورَةَ لَيْسَتْ كُلُّهَا مُتَمَحِّضَةٌ لِذِكْرِ الْقِتَالِ فَإِنَّ سُوَرَ الْقُرْآنِ ذَوَاتُ أَغْرَاضٍ شَتَّى.

ص: 107

وَالْخِطَابُ فِي رَأَيْتَ للنبيء صلى الله عليه وسلم لِأَنَّهُ لَا حقّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ [الْأَنْعَام: 25] .

والَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ هُمْ الْمُبْطِنُونَ لِلْكُفْرِ فَجَعَلَ الْكُفْرَ الْخَفِيَّ كَالْمَرَضِ الَّذِي مَقَرُّهُ الْقَلْبُ لَا يَبْدُو مِنْهُ شَيْءٌ عَلَى ظَاهِرِ الْجَسَدِ، أَيْ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِعَارَةِ. وَقَدْ غَلَبَ إِطْلَاقُ هَذِهِ الصِّلَةِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ، وَأَنَّ النِّفَاقَ مَرَضٌ نَفْسَانِيٌّ مُعْضِلٌ لِأَنَّهُ تَتَفَرَّعُ مِنْهُ فُرُوعٌ بَيَّنَّاهَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [10] .

وَانْتَصَبَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ الْمُطْلَقَةِ لِبَيَانِ صِفَةِ النَّظَرِ مِنْ قَوْلِهِ: يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ فَهُوَ عَلَى مَعْنَى التَّشْبِيهِ الْبَلِيغِ.

وَوَجْهُ الشَّبَهِ ثَبَاتُ الْحَدَقَةِ وَعَدَمُ التَّحْرِيكِ، أَيْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمُتَحَيِّرِ بِحَيْثُ يَتَّجِهُ إِلَى صَوْبٍ وَاحِدٍ وَلَا يَشْتَغِلُ بِالْمَرْئِيَّاتِ لِأَنَّهُ فِي شَاغِلٍ عَنِ النَّظَرِ، وَإِنَّمَا يُوَجِّهُونَ أَنْظَارَهُمْ إِلَى النبيء صلى الله عليه وسلم إِذْ كَانُوا بِمَجْلِسِهِ حِينَ نُزُولِ السُّورَةِ، وَكَانُوا يَتَظَاهَرُونَ بِالْإِقْبَالِ عَلَى تَلَقِّي مَا يَنْطِقُ بِهِ مِنَ الْوَحْيِ فَلَمَّا سَمِعُوا ذِكْرَ الْقِتَالِ بُهِتُوا، فَالْمَقْصُودُ الْمُشَابِهَةُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ.

وَفِي مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فِي سُورَةِ الْأَحْزَابِ [19] .

ومِنَ هُنَا تَعْلِيلِيَّةٌ، أَيِ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ لِأَجْلِ الْمَوْتِ، أَيْ حُضُورِ الْمَوْتِ.

وَفُرِّعَ عَلَى هَذَا قَوْلُهُ: فَأَوْلى لَهُمْ طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ. وَهَذَا التَّفْرِيعُ اعْتِرَاضٌ بَيْنَ جُمْلَةِ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ وَبَيْنَ جُمْلَةِ فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ.

وَلَفْظُ أَوْلَى هُنَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَعْمَلًا فِي ظَاهِرِهِ اسْتِعْمَالَ التَّفْضِيلِ عَلَى شَيْءٍ غَيْرِ مَذْكُورٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا قَبْلَهُ، أَيْ أَوْلَى لَهُمْ مِنْ ذَلِكَ الْخَوْفِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ نَظَرُهُمْ كَالْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ، أَنْ يُطِيعُوا أَمْرَ اللَّهِ وَيَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا وَهُوَ قَوْلُ سَمِعْنا وَأَطَعْنا [الْبَقَرَة: 285] فَذَلِكَ الْقَوْلُ الْمَعْرُوفُ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا أَوْ أُمِرُوا كَمَا قَالَ

تَعَالَى:

ص: 108

إِنَّما كانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا فِي سُورَةِ النُّورِ [51] .

وَعَلَى هَذَا الْوَجْه فتعدية فَأَوْلى بِاللَّامِ دُونَ الْبَاءِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ أَوْلَى وَأَنْفَعُ، فَكَانَ اجْتِلَابُ اللَّامِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى مَعْنَى النَّفْعِ. فَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى: ذلِكَ أَزْكى لَهُمْ [النُّور: 30] وَقَوْلِهِ: هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ [هود: 78] . وَهُوَ يَرْتَبِطُ بِقَوْلِهِ بَعْدَهُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ.

وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فَأَوْلى لَهُمْ مُسْتَعْمَلًا فِي التَّهْدِيدِ وَالْوَعِيدِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:

أَوْلى لَكَ فَأَوْلى ثُمَّ أَوْلى لَكَ فَأَوْلى فِي سُورَةِ الْقِيَامَةِ [34، 35]، وَهُوَ الَّذِي اقْتَصَرَ الزَّمَخْشَرِيُّ عَلَيْهِ. وَمَعْنَاهُ: أَنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ عَنْ تَوَعُّدِهِ إِيَّاهُمْ. ثُمَّ قِيلَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ إِنَّ أَوْلَى مَرْتَبَةٌ حُرُوفُهُ عَلَى حَالِهَا مِنَ الْوَلْيِ وَهُوَ الْقُرْبُ، وَأَنَّ وَزْنَهُ أَفْعَلُ. وَقَالَ الْجُرْجَانِيُّ: هُوَ فِي هَذَا الِاسْتِعْمَالِ مُشْتَقٌّ مِنَ الْوَيْلِ. فَأَصْلُ أَوْلَى: أَوْيَلُ، أَيْ أَشَدُّ وَيْلًا، فَوَقَعَ فِيهِ قَلْبٌ، وَوَزْنُهُ أَفْلَعُ. وَفِي «الصِّحَاحِ» عَنِ الْأَصْمَعِيِّ مَا يَقْتَضِي: أَنَّهُ يَجْعَلُ (أَوْلَى لَهُ) مُبْتَدَأً مَحْذُوفَ الْخَبَرِ. وَالتَّقْدِيرُ: أَقْرَبُ مَا يُهْلِكُهُ، قَالَ ثَعْلَبٌ: وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ فِي (أَوْلَى لَهُ) أَحْسَنَ مِمَّا قَالَ الْأَصْمَعِيُّ.

وَاللَّامُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ إِمَّا مَزِيدَةٌ، أَيْ أَوْلَاهُمُ اللَّهُ مَا يَكْرَهُونَ فَيَكُونُ مِثْلَ اللَّامِ فِي قَوْلِ النَّابِغَةِ:

سَقْيًا وَرَعْيًا لِذَاكَ الْعَاتِبِ الزَّارِي وإمّا مُتَعَلقَة بِأولى عَلَى أَنَّهُ فَعْلُ مُضِيٍّ، وَعَلَى هَذَا الِاسْتِعْمَالِ يَكُونُ قَوْلُهُ طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ كَلَامًا مُسْتَأْنَفًا وَهُوَ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ، أَيْ طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ خَيْرٌ لَهُمْ، أَوْ خَبَرٌ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، تَقْدِيرُهُ: الْأَمْرُ طَاعَةٌ، وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ، أَيْ أَمَرَ اللَّهُ أَنْ يُطِيعُوا.

ص: 109

فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ.

تَفْرِيعٌ عَلَى وَصْفِ حَالِ الْمُنَافِقِينَ مِنَ الْهَلَعِ عِنْدَ سَمَاعِ ذِكْرِ الْقِتَالِ فَإِنَّهُ إِذَا جَدَّ أَمْرُ الْقِتَالِ، أَيْ حَانَ أَنْ يُنْدَبَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى الْقِتَالِ سَيَضْطَرِبُ أَمْرُ الْمُنَافِقِينَ وَيَتَسَلَّلُونَ لِوَاذًا مِنْ حُضُورِ الْجِهَادِ، وَأَنَّ الْأَوْلَى لَهُمْ حِينَئِذٍ أَنْ يُخْلِصُوا الْإِيمَانَ وَيُجَاهِدُوا كَمَا يُجَاهِدُ الْمُسْلِمُونَ الْخُلَّصُ وَإِلَّا فَإِنَّهُمْ لَا مَحِيصَ لَهُمْ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ: إِمَّا حُضُورُ الْقِتَالِ بِدُونِ نِيَّةٍ

فَتَكُونُ عَلَيْهِمُ الْهَزِيمَةُ وَيَخْسَرُوا أَنْفُسَهُمْ بَاطِلًا، وَإِمَّا أَنْ يَنْخَزِلُوا عَنِ الْقِتَالِ كَمَا فَعَلَ ابْنُ أُبَيٍّ وَأَتْبَاعُهُ يَوْمَ أُحُدٍ.

وَإِذا ظَرْفٌ لِلزَّمَانِ الْمُسْتَقْبَلِ وَهُوَ الْغَالِبُ فِيهَا فَيَكُونُ مَا بَعْدَهَا مُقَدَّرًا وَجُودُهُ، أَيْ فَإِذَا جَدَّ أَمْرُ الْقِتَالِ وَحَدَثَ.

وَجُمْلَةُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ دَلِيل جَوَاب فَإِذا لِأَنَّ إِذَا ضُمِّنَتْ هُنَا مَعْنَى الشَّرْطِ، أَيْ كَذَّبُوا اللَّهَ وَأَخْلَفُوا فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ، وَاقْتِرَانُ جُمْلَةِ الْجَوَابِ بِالْفَاءِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى تَضْمِينِ إِذَا مَعْنَى الشَّرْطِ، وَذَلِكَ أَحْسَنُ مِنْ تَجْرِيدِهِ عَنِ الْفَاءِ إِذَا كَانَتْ جُمْلَةُ الْجَوَابِ شَرْطِيَّةً أَيْضًا.

وَالتَّعْرِيفُ فِي الْأَمْرُ تَعْرِيفُ الْعَهْدِ، أَوِ اللَّامُ عَنِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ، أَيْ أَمْرُ الْقِتَالِ الْمُتَقَدِّمِ آنِفًا فِي قَوْلِهِ: وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ.

وَالْعَزْمُ: الْقَطْعُ وَتَحَقُّقُ الْأَمْرِ، أَيْ كَوْنُهُ لَا مَحِيصَ مِنْهُ. وَاسْتُعِيرَ الْعَزْمُ لِلتَّعْيِينِ وَاللُّزُومِ عَلَى طَرِيقَةِ الْمَكْنِيَّةِ بِتَشْبِيهِ مَا عُبِّرَ عَنْهُ بِالْأَمْرِ، أَيِ الْقِتَالِ بِرَجُلٍ عَزَمَ عَلَى عَمَلٍ مَا وَإِثْبَاتُ الْعَزْمِ لَهُ تَخْيِيلَةٌ كَإِثْبَاتِ الْأَظْفَارِ لِلْمَنِيَّةِ، وَهَذِهِ طَرِيقَةُ السَّكَّاكِيِّ فِي جَمِيعِ أَمْثِلَةِ الْمَجَازِ الْعَقْلِيِّ، وَهِيَ طَرِيقَةٌ دَقِيقَةٌ لَكِنْ بِدُونِ اطراد وَلَكِن عِنْد مَا يسمح بِهِ الْمَقَامُ. وَجَعَلَ فِي «الْكَشَّافِ» إِسْنَادَ الْعَزْمِ إِلَى الْأَمْرِ مَجَازًا عَقْلِيًّا، وَحَقِيقَتُهُ أَنْ يُسْنَدَ لِأَصْحَابِ الْعَزْمِ عَلَى طَرِيقِ الْجُمْهُورِ فِي مِثْلِهِ وَهُوَ هُنَا بَعِيدٌ إِذْ لَيْسَ الْمَعْنَى عَلَى حُصُولِ الْجِدِّ مِنْ أَصْحَابِ الْأَمْرِ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ [لُقْمَان: 17] فَالْكَلَامُ فِيهَا سَوَاءٌ.

ص: 110